تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إنّنا نحسِدُكم يا جيرانَ العالِم وأهلَ بلدِه


أبو عاصم مصطفى السُّلمي
2016-04-30, 17:44
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و كفى و صلى الله و سلم على المصطفى و على آله و صحبه و من اقتفى ، و بعد :
قال الله ﷻ ﴿ شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَ المَلَائِكَةُ وَ أُلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالقِسْطِ ﴾ [آل عمران 18]
قال القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن"(4/44) : "في هذه الآية دليل على فضل العلم و شرف العلماء و فضلهم؛ فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه و اسم ملائكته كما قرن اسم العلماء"
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ , يَقُولُ : " إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا ، وَلا دِرْهَمًا ، وَأَوْرَثُوا الْعِلْمَ , فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " . رواه أبو داود و الترمذي و ابن حبان و غيرهم و صححه الألباني
و روى البخاري و مسلم و غيرهما، عن معاوية، قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "
و هذا كله يدل على شرف البقعة التي يسكنها العالم ، فأهلها يقيمُ بين ظهرانيهم أحد ورثة علم الأنبياء عليهم الصلاة و السلام ، و هم جيران امرئ قرن الله شهادتهُ بشهادتهِ و شهادة ملائكته ، محِلّةٌ أراد بها الله بها خيرا فقيّض لها من يُفقِّه أهلها في الدين ، و هم أوفر حظاًّ لأخذ ميراث الأنبياء عنه .
لكنّ النّعمة إذا كانت حاضرةً لم يقدرها أهلها حق قدرها ، وقد يَزهَدون بل و يُزهِّدون فيها ، كما ورد عن بعض التابعين : " أزهدُ الناسِ في العالِم أهله وجيرانه "
و هذا مما لمستُ ـ و لمسَ غيرنا ممن حاله أشبه بحالنا ـ شيئا منه ، فنحن أهل الصحراء ( الجنوب ) ننتظر العُطل السنوية بفارغ الصبر ، لنضرب أكباد الحافلات و القطارات لتكتحل أعيُننا برؤية طالب علمٍ فضلا عن عالم ، و ننتظر الساعاتِ عند مكتبة الشيخ أبي عبد المعز صلاة العصر لنشنِّفَ أسماعنا بفتاويه و ننهل من معين علمه حفظه الله ، و كنت استغربُ عندما يقول صاحبٌ لي ـ من أهل الجزائر العاصمة و لا يَفرِق بينه و بين الشيخ إلا أميالٌ معدودة ـ أنه لم ير الشيخ منذُ أشهرٍ . و لك أن تعرف مقدار الحزن و الأسف الذي يُصيب المرء و قد حضر عند الشيخ مرارا و قد حضّرَ نفسَهُ لإلقاء مسألته ثم يقدر الله أن لا تُشيرَ سبّابةُ الشيخِ إليكَ ـ و هو معذور طبعا ـ أو أن تخرج من صلاة العصر ثم لا تجد موطئ قدمٍ حتى على الرّصيف ، و أقرب ما بلغتُ منه يوما عندما استوقفَه و هو خارج من المكتبة أحد إخواننا قائلا إنّه من جاء من الشرق من قسنطينة ، فوقف الشيخ معه و فصّل له مسألته و هو واقفٌ ـ حفظه الله ـ و لما أنهى جوابه مددتُ يدي إليه فصافحته مسلّما ، و قلتُ إنني من أقصى الجنوب و لي مسألةٌ ، فضغط على يدي بلطفٍ و قال لو أجبتك فسيغضبُ الإخوان ، و قد أجبتُ على ستّ مسائل زيادة على المُقرر ، ثم اعتذر و انصرف . جزاه الله عن الإسلام و المسلمين خيرا .
و بتُّ عند أخٍ فاضلٍ من برج الكيفان ، فأخذني للمسجد الذي يؤم الناسَ فيه الشيخُ الفاضل عمر الحاج مسعود ، وقتَ صلاة الصبح ، و بعدها ذهبتُ إليه و أخبرته أنني من الجنوب و عندي مسائل ، فقال لي أُعطيك عشر دقائق ، لأن عندي عملا مستعجلا في المجلة ( مجلة الإصلاح ) فقبلتُ فأجابني عن بعضها و أحالني على الشيخ فركوس في بعضها و كانت مدة الجلسة أربعين دقيقة تقريبا ، فقد رقّ لحالي لما علم أنني من أقصى الجنوب و أسكنُ منطقة نائية ، لم تكتحل أبصار أهلها بأحدٍ من أهل العلم ، ثم أعطاني مجموعة من الرسائل أوزعها على الإخوان عندنا فجزاه الله خيرا و أحسن إليه .
عشر دقائق أو وقفة عابرةٌ مع عالم أو طالب علم نراها غنيمة ، تهون دونها المشاق و المسافات ، و تجد جيران العالم و أهل بلده في المتنزّهات و الشواطئ و المحلاّت ، و قد تمر الأشهر و السّنواتُ و لا تطرُق سمع أحدهم كلمةٌ نطقها لسان عالِمِهم ، و لا تتشرف ركبتاه بمسِّ الأرض في مجلسه .
و هكذا تجد أن أعرف الناس بقدر العلم و العالم من كانت أقطارهم خواء من أهل العلم و الفضل ، لكن في الليلة الظلماء يفتقد البدرُ ، فالعالم اليوم فوق سطح الأرض و غدا تحتها ، و الموفَّق من أخذ حظّه منه ، و المحروم من زهد في حظّه منه .
و قد رأت عينايَ أخاً أردنيا إذا ذُكر بحضرته الشيخُ الألباني خنقته العَبرة ، و اغرورقت عيناه ، لأنه كان في حياة الألباني لا يعرف المنهج السّلفي ، و هو من جيران الشيخ ، و كان يراه كثيرا ، لكن لم يكن يعرف قدر الشيخ آنذاك ، ثم ذهب إلى الدّراسة في السّعودية فاستقام هناك و عرف قيمة الألباني و جهودَه العلمية ، و وجد الناسَ هناك يعلمون عن الألباني ما لم يعرفه عنه جاره ، فكان بالشوق للُقياهُ ، لكن المنيّة كانت إلى الشيخِ أسبق من الفتى ، و كان يتمثل كثيرا بقول أبي فراس الحمداني :
سَيَذْكُـرُنـي قـومـي إذا جَـــدَّ جِـدُّهُــمْ ............ وفــي اللّيـلـةِ الظَّلْـمـاءِ يُفْـتَـقَـدُ الـبَــدْرُ
فقد كان رميةَ حجرٍ أو أقرب ليُعدّ من تلاميذ الألباني رحمه الله ( إن عصمه الله مما وقع فيه الحلبي و جماعته ـ هداهم الله ـ )
و والله إنّنا نحسدكم يا جيران أهل العلم ، و السّاكنينَ مَصراً شرّفه الله بوجودهم فيه و بين أهله ، و استشعروا نعمة الله عليكم ، فقولوا لي بربِّكم أعمّانُ اليومَ خيرٌ أم يوم كان الألباني يمشي في طرقاتها و يُصلّي في مساجدها و يصدح بالحق في جنباتها ، و اذكُر عُنيزةَ اليوم و هي بالشوقِ إلى مثل ابن عثيمين و ابن سعدي ـ رحم الله جميعهم و جزاهم خير الجزاء
فقد قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ :" إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " . رواه البخاري
و هذا المقال أقصد به أهل الغفلة و الزهد في أهل العلم لا غيرهم ، و إلا فمجالس علمائنا و مشايخنا بفضل الله عامرة بمنْ منّ الله عليهم بمعرفة قدر العالم ، و استشعار قيمة وجوده ، فهم يسابقون الزمن ليُحصلوا حظّهم و نصيبهم من ميراث الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم
هذا ما أردتُ أن أُذكر به نفسي و إخواني و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل

بقلم : المهاجر إلى الله
السُّلمي
ضحى يوم الجمعة لسبع خلون من رجب 1437 هــ

أبو عاصم مصطفى السُّلمي
2016-04-30, 18:45
محجوز............

عبدالنور.ب
2016-04-30, 19:07
قد كفيت ووفيت يا ابا عاصم
أحسن الله إليك
وأسأل الله أن يبارك في مشايخنا وأن يمكّن لهم لنشر سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم

أبو عاصم مصطفى السُّلمي
2016-04-30, 21:55
قد كفيت ووفيت يا ابا عاصم
أحسن الله إليك
وأسأل الله أن يبارك في مشايخنا وأن يمكّن لهم لنشر سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم


بارك الله فيك عبدَ النور
اللهم وفق أئمتنا و ولاة أمورنا للتعاون على نشر سنة نبينا و تحقيقها ، و أن يوفقنا لأن نعرف لعلمائنا و مشايخنا فضلهم و جهادهم

أبو عاصم مصطفى السُّلمي
2016-04-30, 23:53
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ المهاجر حيّاك الله
ذكّرَتْني قصّتك مع الشيخ فركوس حفظه الله وأمدّ في عمره بقصة حدثت لي معه حفظه الله وهما شبيهتان إلى حدّ ما غير أنّه لا مصافحة ولا إعذار فقد كان مقدمي حينئذ أنا أيضا من الجنوب ولم أكن وقتها بعد على الظاهر السلفي لسجن العمل الذي قدمت إلى الشيخ سائلا له عن حكم الخروج منه والفرار بطريقة فيها مستراب واحتمال إضرار وقد دخل المكتبة قائلا خمسة لا أزيد وكانت أول مرّة أرمقه عيانا بعد أن كنت أسمع عنه فقط ولغرابة مظهري وخجلي " حتى لا أقول حيائي " ما كان لي أن يكون سؤالي من الخمسة ولشعوري بأنّ مسألتي فيها خصوصية وحساسية فقلتُ أستفرد به بعد خروجه من المكتبة فتشجعت وأسرعت خلفه مستوقفا له ولكن حفظه الله ما أعارني انتباها فقلت بصوت مرتفع جئتُ من بشار ومع ذلك مضى لبيته ولم يُعقّب فحزّ في نفسي اللقيصة آنئذ ولكن تمثلتُ حال الطلبة القدامى لحديث رسول الله من أهله وما كانوا يكابدون في سبيل نيله " غير أنّي لست بطالب لما طلبوا بل مستفت من عامّة الناس " ولأنّ ظروف الشيخ العلمية التأليفية والأسرية والأمنية مسوّغ لما حدث وأكثر ، ..
وفور أهل العلم وطلبته في منطقة ما نعمة ومنّة على أهلها كما أسلفت أخي يعي قدرها من ينأى عنها ويغفل عن النهل منها وشكرها من يسكن المنطقة لعلمه أنه إن لم يحضر اليوم سيحضر غدا أو بعد غد وهكذا وربّما الإنشغال بالدنيا وهلمّ جرا من المعوقات والملهيات والموفق من وفقه الله
فالحمد لله من قبل ومن بعد بعد نزولي بوفاريك ولضعف همّتي وقلّة رفقتي أحضر الجمعة كلّ جمعة بفضل الله وكرمه في مساجد المشايخ حفظهم الله وأكثرهم الشيخ نجيب حفظه الله
وفقني الله وإيّاك أخي وصلّى الله وسلم على رسول الله



و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
مرحبا بالأخ حموزه ، جزاك الله خيرا و أحسن إليك
إضافة مفيدة و تذييل جميل بوركت يمينك أيها الفاضل