سليم المبتسم
2016-04-24, 21:01
"الهدهد"
قصيدة / عبد الله أبو شميس
======
ما عادَ من سَـبَـأٍ إلـى سلطانِهِ ** ماذا تُرى أَلـْهاهُ عن أوطانهِ؟!
هل ضاعَ في الصّحراءِ وهْوَ بريدُها ** أم أسقطَتْهُ الرّيحُ عن طيرانِهِ؟
أم أنَّ هُدهدةً بَــنَتْ فـي قـلبِهِ ** عُشّاً.. فَتاهَ القلبُ عن عنوانِهِ؟
يا هُدْهُدَ الأسرارِ ، أيّةُ قصّةٍ ** قد أخّرتْكَ عن الحِمى وجنانِهِ؟
اُقصُصْ علينا ما رأيتَ، وما جرى ** وَابْـزُلْ عنِ الْمخبوء خَتْمَ دنانِهِ
^^^
حَـمَلتْ إلينا الرّيحُ ريشةَ هدهدٍ ** ما جفَّ سِنُّ الْـحِبرِ من شريانِهِ
كَتَبتْ على خدِّ الـهواءِ عبارةً ** فتلألأَ الياقوتُ فـي مرجانِهِ:
" لا تبحثوا عن هدهدٍ في قصّتي ** لن تعثروا إلاّ على نِسيانِهِ
مُذْ أبصَرَتْ عينايَ غُرّةَ سيّدي ** وكيانُ ذاتي ذائبٌ بكيانهِ
خيطٌ ترنّحَ في أقاصي ثوبهِ ** وَكَفى لأُصبحَ نادلاً في حانِهِ"
^^^
يا هُدْهُدَ الأسرارِ ، أيّةُ غرّةٍ ** سرقَتْ زمانَكَ من حدودِ مكانِهِ؟!
قالوا: لَمَستَ الغيبَ عن كَثَبٍ. فَقُلْ ** باللهِ ، ما عانيتَ عند عيانِهِ؟
يا هُدْهُدَ الأسرارِ ، إنّا معشرٌ ** داخَتْ ركائبُنا على وِديانِهِ
...
عادتْ إلينا ريشةٌ من ريشهِ ** كتبَتْ حكايتَها بـحِبْـرِ جَنانِهِ:
" يا تائهينَ! وَهَلْ رأيتُمْ نجمةً ** نَفَرتْ ولم تلحقْ بسربِ بيانِهِ؟
أَمْ هل بِوادي العشقِ سالتْ ظبيةٌ ** مِنْ غيرِ أنْ تأوي إلى كثبانِهِ؟
أَمْ في أقاصي العطفِ سارتْ غيمةٌ ** ما شَدَّها ليَدَيْهِ خيطُ حنانِهِ؟
الطّهرُ كلُّ الطّهرِ تحتَ ثيابِهِ ** والخيرُ كلُّ الخيرِ بين بَنانِهِ
والنّورُ كلُّ النّورِ بين عيونِهِ ** والسّحرُ كلُّ السّحرِ تحت لسانِهِ
وإذا تحيّرتِ القلوبُ بعِشقِها، ** يا عاشقين، فمَنْ سوى عدنانِهِ؟! "
^^^
يا هدهدَ الأسرارِ، نـهرُكَ آسِرٌ ** فَدَعِ الـجمالَ يُطيلُ في جَرَيانِهِ
أَمطِرْ علينا من شَـمائلِ أحـمَدٍ ** مطَراً يبلُّ القلبَ فـي حرمانِهِ
هل ينقذُ الْمحزونَ من أحزانِهِ ** إلاّ الذي أَلقاهُ فـي أحزانِهِ؟
يعقوبُ فـي أجفانِنا.. فابعثْ إلينا نفحةً تَسري على أجفانهِ
^^^
" ماذا أحدّثُ عن شمائلِ سيّدي ** وأنا الفقيرُ لعطفهِ وحنانِهِ؟
سافرتُ في كلّ العُصورِ. وجانِحي ** لم يسترحْ يوماً بلا خفقانهِ
قَدَرُ الطّيورِ بأنْ تظلَّ شريدةً.. ** يا ليتَني حجرٌ بنفسِ مكانِهِ!
صادقتُ هذي الأرضَ وهي غزالةٌ ** وشبابُها ما زال في ريعانِهِ
والآنَ أُبصِرُ خصرَها مُترهِّلاً ** لو يستطيعُ لَكَفَّ عن دَوَرانِهِ
صاحبتُ مَنْ ما كان يملِكُ حَبّةً، ** إلّا الّذي أُلقيهِ، في أَجرانِهِ
وصَحِبتُ مَنْ كانَ العبادُ جميعُهم ** والرّيحُ والأطيارُ في سلطانِهِ
فوَحَقِّ مَنْ وَضَعَ الجَمالَ بمَفْرِقي ** تاجاً، ومَنْ أهفو إلى رضوانِهِ:
ما أَبصرَتْ عينايَ مثلَ مُحمَّدٍ ** بشَراً، ولا أَنِسَتْ لمثلِ حَنانِهِ
مِنْ دَهشتي ساءلتُ أوّلَ مرّةٍ ** عينيَّ: ما هذا الّذي تَرَيانِهِ؟
رجلٌ توسّدَ في الظّهيرةِ صخرةً ** فإذا الغمامةُ أقبلَتْ لمَكانِهِ
وكأنّها أمٌّ يَداها حولَهُ ** كِلتاهما بالظِّلِّ تبتدرانِهِ
يَمشي وأسرابُ الظِّباءِ وراءَهُ ** ثِقَةً بوَعدِ الماءِ في غُدرانِهِ
إنْ لامَسَتْ قدَماهُ أرضاً أعشَبَتْ ** وترقرقَ الينبوعُ في بستانِهِ
والطّيرُ تلقطُ رزقَها من كفّهِ ** وتنقِّرُ الحبّاتِ بين بنانِهِ
والكونُ كلُّ الكونِ يسجدُ خاشعاً ** إذ يقرأُ الآياتِ من قرآنِهِ"
^^^
يا هُدْهُدَ الأسرارِ، تاهَ طريقُنا ** ما أبعدَ الإنسانَ عن إنسانِهِ!
وَكأنّنا من قبلُ لَـم نسمعْ بهِ ** فَأَبـِنْ لنا من أينَ دربُ أَمانِهِ
إنّا نَسيناهُ ... وليتَ حبيبَنا ** يَدري بـِما نلقاهُ فـي نسيانِهِ!
قد كانَ بوصلةَ الطّريقِ، فهل تَرى ** كيف اغتدينا بَعْدُ من عُميانهِ؟
" الطّيرُ تعرفُ في النّسائمِ دربَها ** ويُسائِلُ الإنسانُ عن عنوانهِ؟!
ماذا جنيتُم كي تصيروا هكذا ** لا تبصرونَ البدرَ في لمعانِهِ؟
لا تبصرونَ محمّداً! يا ليتَني ** بَشَرٌ لأغدوَ خادماً لأَذانِهِ
أفديهِ كهفَ اللائذينَ وعونَـهم ** أمسى بلا أَبَويْنِ قبلَ ثَـمانِهِ
آواهُ مَنْ فوقَ السّماءِ برُكنهِ ** يا حظَّ مَنْ يأوي إلى أركانِهِ!
وحَنَتْ عليه من الحرائرِ نخلةٌ ** شَدَّتْ جدائلَها على أغصانِهِ
يا أطيبَ النّخلاتِ، حسبُكِ رفعةً ** أَنْ قد طَرَحْتِ الحُبَّ في وجدانِهِ
كالرّيحِ تصطخبُ الظّنونُ برأسِهِ ** وفؤادهُ كالنَّبعِ في اطمئنانهِ
والكونُ كلُّ الكونِ غارٌ صامتٌ.. ** في الليلِ يقرأُ ما على جدرانِهِ
ويفكُّ طِلَّسْمَ الوجودِ ولُغزَهُ ** بتمهُّلِ الرّاعي على قطعانِهِ
متفكّراً في سِرّهِ متحيّراً ** حتّى أتاهُ الحقُّ من رحمانِهِ
شيءٌ جرى للضّوءِ في قلب الدُّجى ** طلعَ الصّباحُ عليهِ قبلَ أوانِهِ!
بُشرى بـمَنْ وهَبَ الحياةَ حياتَها ** بجَنانِهِ ولسانِهِ وسِنانِهِ
يا سيّدَ الأكوانِ ، قلبٌ فارغٌ ** مَنْ لم تكنْ في السّرّ من خَفَقانِهِ!
صلّى عليكَ الله، يا قمَر الدُّنى، ** (ما حَنَّ مُغتربٌ إلى أوطانِهِ)
====
قصيدة / عبد الله أبو شميس
======
ما عادَ من سَـبَـأٍ إلـى سلطانِهِ ** ماذا تُرى أَلـْهاهُ عن أوطانهِ؟!
هل ضاعَ في الصّحراءِ وهْوَ بريدُها ** أم أسقطَتْهُ الرّيحُ عن طيرانِهِ؟
أم أنَّ هُدهدةً بَــنَتْ فـي قـلبِهِ ** عُشّاً.. فَتاهَ القلبُ عن عنوانِهِ؟
يا هُدْهُدَ الأسرارِ ، أيّةُ قصّةٍ ** قد أخّرتْكَ عن الحِمى وجنانِهِ؟
اُقصُصْ علينا ما رأيتَ، وما جرى ** وَابْـزُلْ عنِ الْمخبوء خَتْمَ دنانِهِ
^^^
حَـمَلتْ إلينا الرّيحُ ريشةَ هدهدٍ ** ما جفَّ سِنُّ الْـحِبرِ من شريانِهِ
كَتَبتْ على خدِّ الـهواءِ عبارةً ** فتلألأَ الياقوتُ فـي مرجانِهِ:
" لا تبحثوا عن هدهدٍ في قصّتي ** لن تعثروا إلاّ على نِسيانِهِ
مُذْ أبصَرَتْ عينايَ غُرّةَ سيّدي ** وكيانُ ذاتي ذائبٌ بكيانهِ
خيطٌ ترنّحَ في أقاصي ثوبهِ ** وَكَفى لأُصبحَ نادلاً في حانِهِ"
^^^
يا هُدْهُدَ الأسرارِ ، أيّةُ غرّةٍ ** سرقَتْ زمانَكَ من حدودِ مكانِهِ؟!
قالوا: لَمَستَ الغيبَ عن كَثَبٍ. فَقُلْ ** باللهِ ، ما عانيتَ عند عيانِهِ؟
يا هُدْهُدَ الأسرارِ ، إنّا معشرٌ ** داخَتْ ركائبُنا على وِديانِهِ
...
عادتْ إلينا ريشةٌ من ريشهِ ** كتبَتْ حكايتَها بـحِبْـرِ جَنانِهِ:
" يا تائهينَ! وَهَلْ رأيتُمْ نجمةً ** نَفَرتْ ولم تلحقْ بسربِ بيانِهِ؟
أَمْ هل بِوادي العشقِ سالتْ ظبيةٌ ** مِنْ غيرِ أنْ تأوي إلى كثبانِهِ؟
أَمْ في أقاصي العطفِ سارتْ غيمةٌ ** ما شَدَّها ليَدَيْهِ خيطُ حنانِهِ؟
الطّهرُ كلُّ الطّهرِ تحتَ ثيابِهِ ** والخيرُ كلُّ الخيرِ بين بَنانِهِ
والنّورُ كلُّ النّورِ بين عيونِهِ ** والسّحرُ كلُّ السّحرِ تحت لسانِهِ
وإذا تحيّرتِ القلوبُ بعِشقِها، ** يا عاشقين، فمَنْ سوى عدنانِهِ؟! "
^^^
يا هدهدَ الأسرارِ، نـهرُكَ آسِرٌ ** فَدَعِ الـجمالَ يُطيلُ في جَرَيانِهِ
أَمطِرْ علينا من شَـمائلِ أحـمَدٍ ** مطَراً يبلُّ القلبَ فـي حرمانِهِ
هل ينقذُ الْمحزونَ من أحزانِهِ ** إلاّ الذي أَلقاهُ فـي أحزانِهِ؟
يعقوبُ فـي أجفانِنا.. فابعثْ إلينا نفحةً تَسري على أجفانهِ
^^^
" ماذا أحدّثُ عن شمائلِ سيّدي ** وأنا الفقيرُ لعطفهِ وحنانِهِ؟
سافرتُ في كلّ العُصورِ. وجانِحي ** لم يسترحْ يوماً بلا خفقانهِ
قَدَرُ الطّيورِ بأنْ تظلَّ شريدةً.. ** يا ليتَني حجرٌ بنفسِ مكانِهِ!
صادقتُ هذي الأرضَ وهي غزالةٌ ** وشبابُها ما زال في ريعانِهِ
والآنَ أُبصِرُ خصرَها مُترهِّلاً ** لو يستطيعُ لَكَفَّ عن دَوَرانِهِ
صاحبتُ مَنْ ما كان يملِكُ حَبّةً، ** إلّا الّذي أُلقيهِ، في أَجرانِهِ
وصَحِبتُ مَنْ كانَ العبادُ جميعُهم ** والرّيحُ والأطيارُ في سلطانِهِ
فوَحَقِّ مَنْ وَضَعَ الجَمالَ بمَفْرِقي ** تاجاً، ومَنْ أهفو إلى رضوانِهِ:
ما أَبصرَتْ عينايَ مثلَ مُحمَّدٍ ** بشَراً، ولا أَنِسَتْ لمثلِ حَنانِهِ
مِنْ دَهشتي ساءلتُ أوّلَ مرّةٍ ** عينيَّ: ما هذا الّذي تَرَيانِهِ؟
رجلٌ توسّدَ في الظّهيرةِ صخرةً ** فإذا الغمامةُ أقبلَتْ لمَكانِهِ
وكأنّها أمٌّ يَداها حولَهُ ** كِلتاهما بالظِّلِّ تبتدرانِهِ
يَمشي وأسرابُ الظِّباءِ وراءَهُ ** ثِقَةً بوَعدِ الماءِ في غُدرانِهِ
إنْ لامَسَتْ قدَماهُ أرضاً أعشَبَتْ ** وترقرقَ الينبوعُ في بستانِهِ
والطّيرُ تلقطُ رزقَها من كفّهِ ** وتنقِّرُ الحبّاتِ بين بنانِهِ
والكونُ كلُّ الكونِ يسجدُ خاشعاً ** إذ يقرأُ الآياتِ من قرآنِهِ"
^^^
يا هُدْهُدَ الأسرارِ، تاهَ طريقُنا ** ما أبعدَ الإنسانَ عن إنسانِهِ!
وَكأنّنا من قبلُ لَـم نسمعْ بهِ ** فَأَبـِنْ لنا من أينَ دربُ أَمانِهِ
إنّا نَسيناهُ ... وليتَ حبيبَنا ** يَدري بـِما نلقاهُ فـي نسيانِهِ!
قد كانَ بوصلةَ الطّريقِ، فهل تَرى ** كيف اغتدينا بَعْدُ من عُميانهِ؟
" الطّيرُ تعرفُ في النّسائمِ دربَها ** ويُسائِلُ الإنسانُ عن عنوانهِ؟!
ماذا جنيتُم كي تصيروا هكذا ** لا تبصرونَ البدرَ في لمعانِهِ؟
لا تبصرونَ محمّداً! يا ليتَني ** بَشَرٌ لأغدوَ خادماً لأَذانِهِ
أفديهِ كهفَ اللائذينَ وعونَـهم ** أمسى بلا أَبَويْنِ قبلَ ثَـمانِهِ
آواهُ مَنْ فوقَ السّماءِ برُكنهِ ** يا حظَّ مَنْ يأوي إلى أركانِهِ!
وحَنَتْ عليه من الحرائرِ نخلةٌ ** شَدَّتْ جدائلَها على أغصانِهِ
يا أطيبَ النّخلاتِ، حسبُكِ رفعةً ** أَنْ قد طَرَحْتِ الحُبَّ في وجدانِهِ
كالرّيحِ تصطخبُ الظّنونُ برأسِهِ ** وفؤادهُ كالنَّبعِ في اطمئنانهِ
والكونُ كلُّ الكونِ غارٌ صامتٌ.. ** في الليلِ يقرأُ ما على جدرانِهِ
ويفكُّ طِلَّسْمَ الوجودِ ولُغزَهُ ** بتمهُّلِ الرّاعي على قطعانِهِ
متفكّراً في سِرّهِ متحيّراً ** حتّى أتاهُ الحقُّ من رحمانِهِ
شيءٌ جرى للضّوءِ في قلب الدُّجى ** طلعَ الصّباحُ عليهِ قبلَ أوانِهِ!
بُشرى بـمَنْ وهَبَ الحياةَ حياتَها ** بجَنانِهِ ولسانِهِ وسِنانِهِ
يا سيّدَ الأكوانِ ، قلبٌ فارغٌ ** مَنْ لم تكنْ في السّرّ من خَفَقانِهِ!
صلّى عليكَ الله، يا قمَر الدُّنى، ** (ما حَنَّ مُغتربٌ إلى أوطانِهِ)
====