ابو اكرام فتحون
2016-04-16, 17:34
بسم الله الرحم الرحيم
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صلاح التعليم أساس الإصلاح
من «آثار الإمام عبد الحميد بن باديس» (٤/ ٧٨)
للشيخ عبد الحميد بن باديس (ت: ١٣٥٩هـ)
بتحقيق وتعليق د: أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس -حفظه الله-
لن يصلح المسلمون حتَّى يصلح علماؤهم(١)، فإنما العلماء مِن الأمَّة بمثابة القلب، إذا صلح صلح الجسد كلُّه، وإذا فسد فسد الجسد كلُّه، وصلاح المسلمين إنما هو بفقههم الإسلامَ وعملِهم به، وإنما يصل إليهم هذا على يد علمائهم، فإذا كان علماؤهم أهلَ جمودٍ في العلم وابتداعٍ في العمل فكذلك المسلمون يكونون، فإذا أرَدْنا إصلاح المسلمين فلْنُصْلِحْ علماءَهم.
ولن يصلح العلماء إلاَّ إذا صلح تعليمهم، فالتعليم هو الذي يطبع المتعلِّم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته وما يستقبل مِن علمه لنفسه وغيره، فإذا أرَدْنا أن نُصلح العلماءَ فلْنصلحِ التعليمَ، ونعني بالتعليم التعليمَ الذي يكون به المسلم عالمًا من علماء الإسلام يأخذ عنه الناسُ دينَهم ويقتدون به فيه.
ولن يَصلح هذا التعليم إلاَّ إذا رجَعْنا به للتعليم النبويِّ في شكله وموضوعه، في مادَّته وصورته، فيما كان يعلِّم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وفي صورة تعليمه، فقد صحَّ عنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فيما رواه مسلمٌ أنه قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا»(٢)، فماذا كان يعلِّم؟ وكيف كان يعلِّم؟
كان صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يعلِّم الناسَ دينَهم من الإيمان والإسلام والإحسان؛ كما قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في جبريل في الحديث المشهور: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ»(٣) وكان يعلِّمهم هذا الدين بتلاوة القرآن عليهم؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ القُرْآنَ﴾(٤)، وبما بيَّنه لهم مِن قوله وفعلِه وسيرته وسلوكه في مجالس تعليمه وفي جميع أحواله، فكان الناس يتعلَّمون دينَهم بما يسمعون من كلام ربِّهم، وما يتلقَّوْن من بيان نبيِّهم، وتنفيذه لِما أوحى اللهُ إليه، وذلك البيان هو سنَّته التي كان عليها أصحابُه والخلفاء الراشدون مِن بعده وبقيَّةُ القرون الثلاثة المشهودِ لهم بالخيرية من التابعين وأتباع التابعين(٥).
وإذا رجعتَ إلى «موطَّإ(٦) مالكٍ» سيِّد أتباع التابعين فإنك تجده في بيان الدين قد بنى أَمْرَه على الآيات القرآنية، وما صحَّ عنده من قول النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وفعله، وما كان مِن عملِ أصحابه(٧) الذي يأخذ منه ما استقرَّ عليه الحال آخرَ حياته؛ لأنهم كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمره(٨)، وكذلك إذا رجعتَ إلى كتاب: «الأمِّ» لتلميذ مالكٍ: الإمام الشافعيِّ(٩)، فإنك تجده قد بنى فِقْهَه على الكتاب وما ثبت عنده من السنَّة(١٠).
وهكذا كان التعلُّم والتعليم في القرون الفضلى، مبناها على التفقُّه في القرآن والسنَّة، روى ابن عبد البرِّ في «الجامع» عن الضحَّاك في قوله تعالى: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾(١١) قال الضحَّاك: «حقٌّ على كلِّ مَن تعلَّم القرآنَ أن يكون فقيهًا»(١٢)، وروى عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى رضي الله عنه: «أَمَّا بَعْدُ، فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ وَتَفَقَّهُوا فِي العَرَبِيَّةِ»(١٣)، وقال الإمام ابن حزمٍ(١٤) في كتاب «الإحكام» -وهو يتحدَّث عن السلف الصالح كيف كانوا يتعلَّمون الدينَ-: «كان أهل هذه القرون الفاضلة المحمودة -يعني: القرونَ الثلاثة- يطلبون حديثَ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم والفقهَ في القرآن، ويرحلون في ذلك إلى البلاد، فإن وجدوا حديثًا عنه عليه السلام عملوا به واعتقدوه»(١٥) ، ومن راجع «كتاب العلم» من «صحيح البخاري»(١٦) ووقف على كتاب «جامع العلم»(١٧) للإمام ابن عبد البرِّ(١٨) -عصريِّ ابن حزمٍ وبلديِّه وصديقه(١٩)- عرف مِن الشواهد على سيرتهم تلك شيئًا كثيرًا.
هذا هو التعليم الدينيُّ السنِّيُّ السلفيُّ، فأين منه تعليمُنا نحن اليومَ وقبل اليوم منذ قرونٍ وقرونٍ؟ فقد حصَلْنا على شهادة العالميَّة من جامع الزيتونة(٢٠) ونحن لم ندرس آيةً واحدةً من كتاب الله ولم يكن عندنا أيُّ شوقٍ أو أدنى رغبةٍ في ذلك، ومِن أين يكون لنا هذا ونحن لم نسمع من شيوخنا يومًا منزلةَ القرآن من تعلُّم الدين والتفقُّهِ فيه ولا منزلةَ السنَّة النبويَّة مِن ذلك، هذا في جامع الزيتونة، فدَعْ عنك الحديثَ عن غيره ممَّا هو دونه بعديد المراحل.
فالعلماء -إلاَّ قليلاً منهم- أجانبُ أو كالأجانب من الكتاب والسنَّة من العلم بهما والتفقُّه فيهما، ومن فَطِن منهم لهذا الفساد التعليميِّ الذي باعد بينهم وبين العلم بالدين وحملِهم وِزْرَهم ووِزْرَ مَن في رعايتهم، لا يستطيع -إذا كانت له همَّةٌ ورغبةٌ- أن يتدارك ذلك إلاَّ في نفسه، أمَّا تعليمه لغيره فإنه لا يستطيع أن يخرج فيه عن المعتاد الذي توارَثَه عن الآباء والأجداد رغم ما يعلم فيه من فسادٍ وإفسادٍ.
ونحن بعد أن بيَّنَّا تعليمَ الدين مِن سنَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ومِن عمل السلف الصالح من أهل القرون الفاضلة المحمودة -ومنهم إمامنا إمامُ دار الهجرة مالكٌ- فإنَّنا عقَدْنا العزمَ على إصلاح التعليم الدينيِّ في دروسنا حَسَب ما تبلغ إليه طاقتُنا إن شاء الله تعالى.
من «آثار الإمام عبد الحميد ابن باديس -رحمه الله-»
غرَّة رجب ١٣٥٣ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ أكتوبر ١٩٣٤م
(١) لا يراد بالعلماء في عُرف الشرعِ علماءُ الدنيا وظواهرِها المادِّية والطبيعية ولا الخبراءُ في التكنولوجيا والجيولوجيا وأصحاب التقنيات العالية في الأبحاث الفضائية، ولا أهل الاختصاصات في الطبِّ والجراحة من أهل العرفان والدراية، وهذه العلوم -وإن كانت مطلوبةَ التحصيل شرعًا ومأمورًا بتحقيقها في إعداد المسلمين وتقوية شوكتهم- إلاَّ أنها ليست مطلوبةً لذاتها باستثناء ما كان منها وسيلةً إلى العلم الشرعيِّ الذي تعيِّنه النصوصُ القرآنية والأحاديث النبوية، فحَمَلةُ العلم الشرعيِّ هم وَرَثَةُ الأنبياء، وَرِثوا منهم العلمَ وانطبع على أعمالهم وهم يَدْعون الناسَ إليه، نالوا تلك المنزلة بالاجتهاد والصبر وكمال اليقين، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ٢٤]، وقد عبَّر عنهم الإمام ابن القيِّم -رحمه الله- في [«إعلام الموقعين» (١/ ٧)] بقوله: «فقهاء الإسلام، ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خُصُّوا باستنباط الأحكام، وعُنُوا بضبط قواعد الحلال والحرام».
(٢) ليس في «صحيح مسلم» روايةٌ بهذا اللفظ، وإنما رواها به الدارميُّ في «سننه» (١/ ٩٩)، وابن ماجه (١/ ١٠١)، والحديث ضعَّف إسنادَه العراقيُّ في «تخريج الإحياء»، والألبانيُّ في «السلسلة الضعيفة» (١/ ٢٢) رقم: (١١)، أمَّا لفظ مسلمٍ في «صحيحه» (٤/ ١٨٧-١٨٨) رقم: (٣٧٦٣)؛ فقد أخرجه من طريق أبي الزُّبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «...إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا»، وأخرجه من نفس الطريق أحمدُ (٣/ ٣٢٨)، والبيهقيُّ (٧/ ٣٨).
(٣) أخرجه البخاريُّ (١/ ١١٤) رقم: (٥٠) في «الإيمان» باب سؤال جبريل، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومن طريقه رواه مسلمٌ (١٠٨) بلفظ: «هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا»، والحديث وَرَد من طريق عمر بن الخطَّاب وابن عبَّاسٍ وأبي ذرٍّ رضي الله عنهم [انظر: «إرواء الغليل» للألباني (١/ ٣٢-٣٤)].
(٤) الآية ٩١-٩٢ من سورة النمل.
(٥) فهؤلاء وأتباعهم هم أئمَّة السنَّة وأهلُ الحديث والآثار، وهم صفوة الأمَّة وخِيرتها لِما أظهروه من قدرةٍ على التمييز بين صحيح السنَّة وسقيمها، ولِمَا عُرفوا به من شدَّة اتِّباعهم للسنَّة وحرصِهم على تطبيقها، فكانوا الحجَّةَ على الناس في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في معرض تعيين الفرقة الناجية: «وبهذا يتبيَّن أنَّ أحقَّ الناس بأن تكون هي الفرقةَ الناجية أهلُ الحديث والسنَّة، الذين ليس لهم متبوعٌ يتعصَّبون له إلاَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها وسقيمها، وأئمَّتهم فقهاء فيها وأهل معرفةٍ بمعانيها واتِّباعًا لها: تصديقًا وعملاً وحبًّا وموالاةً لمن والاها ومعاداةً لمن عاداها، الذين يروون [كذا ولعلَّ الصواب: يردُّون] المقالاتِ المجملةَ إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالةً ويجعلونها من أصول دينهم وجُمَل كلامهم إن لم تكن ثابتةً فيما جاء به الرسول، بل يجعلون ما بُعث به الرسولُ من الكتاب والحكمة هو الأصلَ الذي يعتقدونه ويعتمدونه» [«مجموع الفتاوى» (٣/ ٣٤٧)].
(٦) هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامرٍ الأصبحيُّ الحميريُّ المدنيُّ، إمام دار الهجرة، وأحد الأئمَّة الأربعة عند أهل السنَّة، وإليه تُنْسَب المالكية، وهو أحد أئمَّة الحديث وأدقِّهم في عصره، مناقبه كثيرةٌ ومتعدِّدةٌ، له مصنَّفاتٌ أشهرها كتاب: «الموطَّأ»، ورسالته في القدر والردِّ على القدرية، وكتابه في النجوم ومنازل القمر، ورسالةٌ في الأقضية، وأخرى إلى الليث بن سعدٍ في إجماع أهل المدينة، توفِّي -رحمه الله- سنة: (١٧٩ﻫ).
انظر ترجمته في: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (١/ ١١)،«طبقات الفقهاء» للشيرازي (٦٧)،«ترتيب المدارك» للقاضي عياض (١/ ١٠٢)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (٨/ ٤٨)، «الديباج المذهب» لابن فرحون (١١)، انظر المزيد من مصادر ترجمته: على هامش «مفتاح الوصول» للتلمساني بتحقيقي (٣٠٧).
(٧) هذه من أصول المذهب المالكيِّ، وقد نصَّ القرافيُّ في «تنقيح الفصول» (١٨) على أنَّ أدلَّة مالكٍ -رحمه الله- هي: «القرآن والسنَّة وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابيِّ والمصلحة المرسلة والعرف والعادة وسدُّ الذرائع والاستصحاب والاستحسان»، وحصرها الشاطبيُّ في «الموافقات» (٣/ ٣٤٥) في أربعةٍ: «الكتاب والسنَّة والإجماع والرأي»، فهو يعتبر عملَ أهل المدينة من قبيل السنَّة، وأمَّا الأدلَّة الأخرى فإنه يشمَلها الرأي.
(٨) وجملة أنَّ الصحابة كانوا: «يَتَّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ» رواها مالكٌ في «الموطَّإ» (١/ ٢٧٥)، ومسلمٌ (٧/ ٢٣١)، من قول ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، وفيه قصَّةٌ. لكنَّ الذي جزم به البخاريُّ في «صحيحه» (٨/ ٣) أنها زيادةٌ مدرجةٌ من قول الزهريِّ، قال الحافظ في [«الفتح» (٤/ ١٨١)]: «وظاهره أنَّ الزهريَّ ذهب إلى أنَّ الصوم في السفر منسوخٌ ولم يوافَق على ذلك»، وقد ترجم ابن خزيمة بابًا بيانًا للإدراج بقوله: «باب ذكر البيان على أنَّ هذه الكلمة: «وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ» ليس من قول ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما» [«صحيح ابن خزيمة» (٣/ ٢٦٢)].
(٩) هو أبو عبد الله محمَّد بن إدريس بن العبَّاس القرشيُّ المطَّلبيُّ الشافعيُّ المكِّيُّ، الإمام المجتهد الفقيه صاحب المذهب وتلميذ مالكٍ -رحمه الله-، مناقبه عديدةٌ وله مصنَّفاتٌ منها: «الرسالة» في أصول الفقه، و«الأمُّ» في الفقه، و«أحكام القرآن»، و«اختلاف الحديث»، توفِّي سنة: (٢٠٤ﻫ).
انظر ترجمته في: «الفهرست» للنديم (٢٦٣)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٢/ ٥٦)، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٤/ ١٦٣)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٠/ ٢٥١)، «طبقات الحفَّاظ» للسيوطي (١٥٨)، وللمزيد من مصادر ترجمته انظر: هامش «مفتاح الوصول» للتلمساني (٣٨٠)].
(١٠) قال الشافعيُّ في [«الأمِّ» (٧/ ٢٧٤)]: «لم أسمع أحدًا نَسَبه الناس أو نَسَب نَفْسَه إلى علمٍ يخالف في أنَّ فَرْضَ الله عزَّ وجلَّ اتِّباعُ أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والتسليم لحكمه بأنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يجعل لأحدٍ بعده إلاَّ اتِّباعه، وأنه لا يلزم قولٌ بكلِّ حالٍ إلاَّ بكتاب الله أو سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنَّ ما سواهما تَبَعٌ لهما»، وقال أيضًا في [«الرسالة» (٣٩)]: «ليس لأحدٍ أبدًا أن يقول في شيءٍ: حَلَّ ولا حَرُم إلاَّ من جهة العلم، وجهةُ العلم الخبرُ في الكتاب أو السنَّة أو الإجماع أو القياس».
(١١) الآية ٧٩ من سورة آل عمران.
(١٢) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (٢/ ١٦٧)، في باب «رُتَب الطلب والنصيحة في المذهب» (٢/ ١٦٦/ ١٧٥).
(١٣) أخرجه ابن عبد البرِّ في «جامعه» (٢/ ١٦٨)، من حديث عمر بن زيدٍ رحمه الله.
(١٤) هو أبو محمَّدٍ عليُّ بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالبٍ الفارسيُّ الأصل، الأندلسيُّ القرطبيُّ، تفقَّه على المذهب الشافعيِّ، وانتقل إلى المذهب الظاهريِّ، فكان قمَّةً في علوم الإسلام، يجيد النقلَ ويُحسن النظمَ والنثر، وكان فقيهًا مفسِّرًا محدِّثًا أصوليًّا، وطبيبًا أديبًا مؤرِّخًا، عاملاً بعلمه زاهدًا في الدنيا، وترك مؤلَّفاتٍ قيِّمةً منها: «الإحكام في أصول الأحكام»، و«المحلَّى في شرح المجلَّى بالحجج والآثار»، و«الفصل في الملل والنِّحَل»، و«جمهرة أنساب العرب»، توفِّي سنة (٤٥٦ﻫ).
انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٣/ ٣٢٥)، «جذوة المقتبس» للحميدي (٣٠٨)، «بغية الملتمس» للضبِّي (٤١٥)، «الصلة» لابن بشكوال (٢/ ٤١٥)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١٨/ ١٨٤)، للمزيد من مصادر ترجمته انظر: هامش «مفتاح الوصول» للتلمساني (٦٢٠)].
(١٥) «الإحكام» لابن حزم (٦/ ١١١٣).
(١٦) انظر: «كتاب العلم» من «صحيح البخاري» (١٠/ ١٤٠-٢٣٢) رقم: (٥٩-١٣٤).
(١٧) وهو كتابٌ مطبوعٌ ومتداوَلٌ تحت عنوان: «جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي مِن روايته وحملِه»، وطُبع الطبعةَ الأولى بتصحيحه وتقييد حواشيه - إدارة الطباعة المنيرية. دار الكتب العلمية - بيروت، ثمَّ طُبع سنة (١٣٩٨ﻫ - ١٩٦٨م).
(١٨) هو أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمَّد بن عبد البرِّ بن عاصمٍ النمريُّ الأندلسيُّ، شيخ علماء الأندلس، وكبير محدِّثيها وأحفظ من كان فيها في وقته، له تآليف نافعةٌ منها: «التمهيد لِما في الموطَّإ من المعاني والأسانيد» و«الاستيعاب في معرفة الأصحاب»، توفِّي بشاطبة سنة (٤٦٣ﻫ).
انظر ترجمة في: «فهرست ابن خيِّر» (٢١٤)، «جذوة المقتبس» للحميدي (٣٩٧)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض (٢/ ٨٠٨)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١٨/ ١٥٣)، وللمزيد من ترجمته ينظر في: هامش «مفتاح الوصول» للتلمساني (١٤١).
(١٩) وقد ذكر ابن حزمٍ -رحمه الله- ابنَ عبد البرِّ -رحمه الله- في: «جمهرة أنساب العرب» (٣٠٢) بقوله: «الفقيه الأندلسيُّ أبو عمر يوسفُ بن عبد الله بن محمَّد بن عبد البرِّ بن عاصمٍ»، وقال -أيضًا- في حقِّه [عن كتابه التمهيد]: «لا أعلم في الكلام على فقهِ الحديث مثلَه، فكيف أحسن منه؟» [«الصلة» لابن بشكوال (٢/ ٦٧٨)، «بغية الملتمس» للضبِّي (٤٩٠)]، قال الذهبيُّ في [«سير أعلام النّبلاء» (٨/ ١٦٠)]: «وقيل: إنَّ أبا عمر كان ينبسط إلى أبي محمَّد بن حزمٍ ويؤانسه، وعنه أخذ ابن حزمٍ فنَّ الحديث».
(٢٠) إنَّ جامع الزيتونة يتبوَّأ منزلةً خاصَّةً بالنظر لأهمِّيَّته الدينية والعلمية في تاريخ تونس، وكان منارةً للعلم والتعليم على مرِّ الزمن يُرتحل إليه من مختلف أنحاء المغرب العربيِّ وغيره طلبًا للعلم والاستزادة منه، وقد اشتهر جامع الزيتونة المعمور في عهد الحفصيِّين بالفقيه ابن عرفة التونسيِّ وابن خلدون المؤرِّخ والمبتكر لعلم الاجتماع، وقد ذكر الوزير السرَّاج في «الحلل السندسية في الأخبار التونسية» (١/ ٥٥١-٨٢١) جملةً من أئمَّة جامع الزيتونة ومدرِّسيه من العلماء والمصلحين.
هذا، وبغضِّ النظر عن عمارة بنيان الجوامع والمساجد، فإنه لا يخفى أنَّ العبرة فيها بتحقيق عمارة الإيمان القائمة على العلم الصحيح، والاعتقاد السليم، والمعرفة الحقَّة، والقيم الإسلامية السمحة.
الثلاثاء ٢٢ رمضان ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٥ أكتوبر ٢٠٠٥م
المصدر : موقع الشيخ :
عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس -حفظه الله-
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صلاح التعليم أساس الإصلاح
من «آثار الإمام عبد الحميد بن باديس» (٤/ ٧٨)
للشيخ عبد الحميد بن باديس (ت: ١٣٥٩هـ)
بتحقيق وتعليق د: أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس -حفظه الله-
لن يصلح المسلمون حتَّى يصلح علماؤهم(١)، فإنما العلماء مِن الأمَّة بمثابة القلب، إذا صلح صلح الجسد كلُّه، وإذا فسد فسد الجسد كلُّه، وصلاح المسلمين إنما هو بفقههم الإسلامَ وعملِهم به، وإنما يصل إليهم هذا على يد علمائهم، فإذا كان علماؤهم أهلَ جمودٍ في العلم وابتداعٍ في العمل فكذلك المسلمون يكونون، فإذا أرَدْنا إصلاح المسلمين فلْنُصْلِحْ علماءَهم.
ولن يصلح العلماء إلاَّ إذا صلح تعليمهم، فالتعليم هو الذي يطبع المتعلِّم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته وما يستقبل مِن علمه لنفسه وغيره، فإذا أرَدْنا أن نُصلح العلماءَ فلْنصلحِ التعليمَ، ونعني بالتعليم التعليمَ الذي يكون به المسلم عالمًا من علماء الإسلام يأخذ عنه الناسُ دينَهم ويقتدون به فيه.
ولن يَصلح هذا التعليم إلاَّ إذا رجَعْنا به للتعليم النبويِّ في شكله وموضوعه، في مادَّته وصورته، فيما كان يعلِّم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وفي صورة تعليمه، فقد صحَّ عنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فيما رواه مسلمٌ أنه قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا»(٢)، فماذا كان يعلِّم؟ وكيف كان يعلِّم؟
كان صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يعلِّم الناسَ دينَهم من الإيمان والإسلام والإحسان؛ كما قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في جبريل في الحديث المشهور: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ»(٣) وكان يعلِّمهم هذا الدين بتلاوة القرآن عليهم؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ القُرْآنَ﴾(٤)، وبما بيَّنه لهم مِن قوله وفعلِه وسيرته وسلوكه في مجالس تعليمه وفي جميع أحواله، فكان الناس يتعلَّمون دينَهم بما يسمعون من كلام ربِّهم، وما يتلقَّوْن من بيان نبيِّهم، وتنفيذه لِما أوحى اللهُ إليه، وذلك البيان هو سنَّته التي كان عليها أصحابُه والخلفاء الراشدون مِن بعده وبقيَّةُ القرون الثلاثة المشهودِ لهم بالخيرية من التابعين وأتباع التابعين(٥).
وإذا رجعتَ إلى «موطَّإ(٦) مالكٍ» سيِّد أتباع التابعين فإنك تجده في بيان الدين قد بنى أَمْرَه على الآيات القرآنية، وما صحَّ عنده من قول النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وفعله، وما كان مِن عملِ أصحابه(٧) الذي يأخذ منه ما استقرَّ عليه الحال آخرَ حياته؛ لأنهم كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمره(٨)، وكذلك إذا رجعتَ إلى كتاب: «الأمِّ» لتلميذ مالكٍ: الإمام الشافعيِّ(٩)، فإنك تجده قد بنى فِقْهَه على الكتاب وما ثبت عنده من السنَّة(١٠).
وهكذا كان التعلُّم والتعليم في القرون الفضلى، مبناها على التفقُّه في القرآن والسنَّة، روى ابن عبد البرِّ في «الجامع» عن الضحَّاك في قوله تعالى: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾(١١) قال الضحَّاك: «حقٌّ على كلِّ مَن تعلَّم القرآنَ أن يكون فقيهًا»(١٢)، وروى عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى رضي الله عنه: «أَمَّا بَعْدُ، فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ وَتَفَقَّهُوا فِي العَرَبِيَّةِ»(١٣)، وقال الإمام ابن حزمٍ(١٤) في كتاب «الإحكام» -وهو يتحدَّث عن السلف الصالح كيف كانوا يتعلَّمون الدينَ-: «كان أهل هذه القرون الفاضلة المحمودة -يعني: القرونَ الثلاثة- يطلبون حديثَ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم والفقهَ في القرآن، ويرحلون في ذلك إلى البلاد، فإن وجدوا حديثًا عنه عليه السلام عملوا به واعتقدوه»(١٥) ، ومن راجع «كتاب العلم» من «صحيح البخاري»(١٦) ووقف على كتاب «جامع العلم»(١٧) للإمام ابن عبد البرِّ(١٨) -عصريِّ ابن حزمٍ وبلديِّه وصديقه(١٩)- عرف مِن الشواهد على سيرتهم تلك شيئًا كثيرًا.
هذا هو التعليم الدينيُّ السنِّيُّ السلفيُّ، فأين منه تعليمُنا نحن اليومَ وقبل اليوم منذ قرونٍ وقرونٍ؟ فقد حصَلْنا على شهادة العالميَّة من جامع الزيتونة(٢٠) ونحن لم ندرس آيةً واحدةً من كتاب الله ولم يكن عندنا أيُّ شوقٍ أو أدنى رغبةٍ في ذلك، ومِن أين يكون لنا هذا ونحن لم نسمع من شيوخنا يومًا منزلةَ القرآن من تعلُّم الدين والتفقُّهِ فيه ولا منزلةَ السنَّة النبويَّة مِن ذلك، هذا في جامع الزيتونة، فدَعْ عنك الحديثَ عن غيره ممَّا هو دونه بعديد المراحل.
فالعلماء -إلاَّ قليلاً منهم- أجانبُ أو كالأجانب من الكتاب والسنَّة من العلم بهما والتفقُّه فيهما، ومن فَطِن منهم لهذا الفساد التعليميِّ الذي باعد بينهم وبين العلم بالدين وحملِهم وِزْرَهم ووِزْرَ مَن في رعايتهم، لا يستطيع -إذا كانت له همَّةٌ ورغبةٌ- أن يتدارك ذلك إلاَّ في نفسه، أمَّا تعليمه لغيره فإنه لا يستطيع أن يخرج فيه عن المعتاد الذي توارَثَه عن الآباء والأجداد رغم ما يعلم فيه من فسادٍ وإفسادٍ.
ونحن بعد أن بيَّنَّا تعليمَ الدين مِن سنَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ومِن عمل السلف الصالح من أهل القرون الفاضلة المحمودة -ومنهم إمامنا إمامُ دار الهجرة مالكٌ- فإنَّنا عقَدْنا العزمَ على إصلاح التعليم الدينيِّ في دروسنا حَسَب ما تبلغ إليه طاقتُنا إن شاء الله تعالى.
من «آثار الإمام عبد الحميد ابن باديس -رحمه الله-»
غرَّة رجب ١٣٥٣ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ أكتوبر ١٩٣٤م
(١) لا يراد بالعلماء في عُرف الشرعِ علماءُ الدنيا وظواهرِها المادِّية والطبيعية ولا الخبراءُ في التكنولوجيا والجيولوجيا وأصحاب التقنيات العالية في الأبحاث الفضائية، ولا أهل الاختصاصات في الطبِّ والجراحة من أهل العرفان والدراية، وهذه العلوم -وإن كانت مطلوبةَ التحصيل شرعًا ومأمورًا بتحقيقها في إعداد المسلمين وتقوية شوكتهم- إلاَّ أنها ليست مطلوبةً لذاتها باستثناء ما كان منها وسيلةً إلى العلم الشرعيِّ الذي تعيِّنه النصوصُ القرآنية والأحاديث النبوية، فحَمَلةُ العلم الشرعيِّ هم وَرَثَةُ الأنبياء، وَرِثوا منهم العلمَ وانطبع على أعمالهم وهم يَدْعون الناسَ إليه، نالوا تلك المنزلة بالاجتهاد والصبر وكمال اليقين، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ٢٤]، وقد عبَّر عنهم الإمام ابن القيِّم -رحمه الله- في [«إعلام الموقعين» (١/ ٧)] بقوله: «فقهاء الإسلام، ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خُصُّوا باستنباط الأحكام، وعُنُوا بضبط قواعد الحلال والحرام».
(٢) ليس في «صحيح مسلم» روايةٌ بهذا اللفظ، وإنما رواها به الدارميُّ في «سننه» (١/ ٩٩)، وابن ماجه (١/ ١٠١)، والحديث ضعَّف إسنادَه العراقيُّ في «تخريج الإحياء»، والألبانيُّ في «السلسلة الضعيفة» (١/ ٢٢) رقم: (١١)، أمَّا لفظ مسلمٍ في «صحيحه» (٤/ ١٨٧-١٨٨) رقم: (٣٧٦٣)؛ فقد أخرجه من طريق أبي الزُّبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «...إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا»، وأخرجه من نفس الطريق أحمدُ (٣/ ٣٢٨)، والبيهقيُّ (٧/ ٣٨).
(٣) أخرجه البخاريُّ (١/ ١١٤) رقم: (٥٠) في «الإيمان» باب سؤال جبريل، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومن طريقه رواه مسلمٌ (١٠٨) بلفظ: «هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا»، والحديث وَرَد من طريق عمر بن الخطَّاب وابن عبَّاسٍ وأبي ذرٍّ رضي الله عنهم [انظر: «إرواء الغليل» للألباني (١/ ٣٢-٣٤)].
(٤) الآية ٩١-٩٢ من سورة النمل.
(٥) فهؤلاء وأتباعهم هم أئمَّة السنَّة وأهلُ الحديث والآثار، وهم صفوة الأمَّة وخِيرتها لِما أظهروه من قدرةٍ على التمييز بين صحيح السنَّة وسقيمها، ولِمَا عُرفوا به من شدَّة اتِّباعهم للسنَّة وحرصِهم على تطبيقها، فكانوا الحجَّةَ على الناس في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في معرض تعيين الفرقة الناجية: «وبهذا يتبيَّن أنَّ أحقَّ الناس بأن تكون هي الفرقةَ الناجية أهلُ الحديث والسنَّة، الذين ليس لهم متبوعٌ يتعصَّبون له إلاَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها وسقيمها، وأئمَّتهم فقهاء فيها وأهل معرفةٍ بمعانيها واتِّباعًا لها: تصديقًا وعملاً وحبًّا وموالاةً لمن والاها ومعاداةً لمن عاداها، الذين يروون [كذا ولعلَّ الصواب: يردُّون] المقالاتِ المجملةَ إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالةً ويجعلونها من أصول دينهم وجُمَل كلامهم إن لم تكن ثابتةً فيما جاء به الرسول، بل يجعلون ما بُعث به الرسولُ من الكتاب والحكمة هو الأصلَ الذي يعتقدونه ويعتمدونه» [«مجموع الفتاوى» (٣/ ٣٤٧)].
(٦) هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامرٍ الأصبحيُّ الحميريُّ المدنيُّ، إمام دار الهجرة، وأحد الأئمَّة الأربعة عند أهل السنَّة، وإليه تُنْسَب المالكية، وهو أحد أئمَّة الحديث وأدقِّهم في عصره، مناقبه كثيرةٌ ومتعدِّدةٌ، له مصنَّفاتٌ أشهرها كتاب: «الموطَّأ»، ورسالته في القدر والردِّ على القدرية، وكتابه في النجوم ومنازل القمر، ورسالةٌ في الأقضية، وأخرى إلى الليث بن سعدٍ في إجماع أهل المدينة، توفِّي -رحمه الله- سنة: (١٧٩ﻫ).
انظر ترجمته في: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (١/ ١١)،«طبقات الفقهاء» للشيرازي (٦٧)،«ترتيب المدارك» للقاضي عياض (١/ ١٠٢)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (٨/ ٤٨)، «الديباج المذهب» لابن فرحون (١١)، انظر المزيد من مصادر ترجمته: على هامش «مفتاح الوصول» للتلمساني بتحقيقي (٣٠٧).
(٧) هذه من أصول المذهب المالكيِّ، وقد نصَّ القرافيُّ في «تنقيح الفصول» (١٨) على أنَّ أدلَّة مالكٍ -رحمه الله- هي: «القرآن والسنَّة وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابيِّ والمصلحة المرسلة والعرف والعادة وسدُّ الذرائع والاستصحاب والاستحسان»، وحصرها الشاطبيُّ في «الموافقات» (٣/ ٣٤٥) في أربعةٍ: «الكتاب والسنَّة والإجماع والرأي»، فهو يعتبر عملَ أهل المدينة من قبيل السنَّة، وأمَّا الأدلَّة الأخرى فإنه يشمَلها الرأي.
(٨) وجملة أنَّ الصحابة كانوا: «يَتَّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ» رواها مالكٌ في «الموطَّإ» (١/ ٢٧٥)، ومسلمٌ (٧/ ٢٣١)، من قول ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، وفيه قصَّةٌ. لكنَّ الذي جزم به البخاريُّ في «صحيحه» (٨/ ٣) أنها زيادةٌ مدرجةٌ من قول الزهريِّ، قال الحافظ في [«الفتح» (٤/ ١٨١)]: «وظاهره أنَّ الزهريَّ ذهب إلى أنَّ الصوم في السفر منسوخٌ ولم يوافَق على ذلك»، وقد ترجم ابن خزيمة بابًا بيانًا للإدراج بقوله: «باب ذكر البيان على أنَّ هذه الكلمة: «وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ» ليس من قول ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما» [«صحيح ابن خزيمة» (٣/ ٢٦٢)].
(٩) هو أبو عبد الله محمَّد بن إدريس بن العبَّاس القرشيُّ المطَّلبيُّ الشافعيُّ المكِّيُّ، الإمام المجتهد الفقيه صاحب المذهب وتلميذ مالكٍ -رحمه الله-، مناقبه عديدةٌ وله مصنَّفاتٌ منها: «الرسالة» في أصول الفقه، و«الأمُّ» في الفقه، و«أحكام القرآن»، و«اختلاف الحديث»، توفِّي سنة: (٢٠٤ﻫ).
انظر ترجمته في: «الفهرست» للنديم (٢٦٣)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٢/ ٥٦)، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٤/ ١٦٣)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٠/ ٢٥١)، «طبقات الحفَّاظ» للسيوطي (١٥٨)، وللمزيد من مصادر ترجمته انظر: هامش «مفتاح الوصول» للتلمساني (٣٨٠)].
(١٠) قال الشافعيُّ في [«الأمِّ» (٧/ ٢٧٤)]: «لم أسمع أحدًا نَسَبه الناس أو نَسَب نَفْسَه إلى علمٍ يخالف في أنَّ فَرْضَ الله عزَّ وجلَّ اتِّباعُ أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والتسليم لحكمه بأنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يجعل لأحدٍ بعده إلاَّ اتِّباعه، وأنه لا يلزم قولٌ بكلِّ حالٍ إلاَّ بكتاب الله أو سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنَّ ما سواهما تَبَعٌ لهما»، وقال أيضًا في [«الرسالة» (٣٩)]: «ليس لأحدٍ أبدًا أن يقول في شيءٍ: حَلَّ ولا حَرُم إلاَّ من جهة العلم، وجهةُ العلم الخبرُ في الكتاب أو السنَّة أو الإجماع أو القياس».
(١١) الآية ٧٩ من سورة آل عمران.
(١٢) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (٢/ ١٦٧)، في باب «رُتَب الطلب والنصيحة في المذهب» (٢/ ١٦٦/ ١٧٥).
(١٣) أخرجه ابن عبد البرِّ في «جامعه» (٢/ ١٦٨)، من حديث عمر بن زيدٍ رحمه الله.
(١٤) هو أبو محمَّدٍ عليُّ بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالبٍ الفارسيُّ الأصل، الأندلسيُّ القرطبيُّ، تفقَّه على المذهب الشافعيِّ، وانتقل إلى المذهب الظاهريِّ، فكان قمَّةً في علوم الإسلام، يجيد النقلَ ويُحسن النظمَ والنثر، وكان فقيهًا مفسِّرًا محدِّثًا أصوليًّا، وطبيبًا أديبًا مؤرِّخًا، عاملاً بعلمه زاهدًا في الدنيا، وترك مؤلَّفاتٍ قيِّمةً منها: «الإحكام في أصول الأحكام»، و«المحلَّى في شرح المجلَّى بالحجج والآثار»، و«الفصل في الملل والنِّحَل»، و«جمهرة أنساب العرب»، توفِّي سنة (٤٥٦ﻫ).
انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٣/ ٣٢٥)، «جذوة المقتبس» للحميدي (٣٠٨)، «بغية الملتمس» للضبِّي (٤١٥)، «الصلة» لابن بشكوال (٢/ ٤١٥)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١٨/ ١٨٤)، للمزيد من مصادر ترجمته انظر: هامش «مفتاح الوصول» للتلمساني (٦٢٠)].
(١٥) «الإحكام» لابن حزم (٦/ ١١١٣).
(١٦) انظر: «كتاب العلم» من «صحيح البخاري» (١٠/ ١٤٠-٢٣٢) رقم: (٥٩-١٣٤).
(١٧) وهو كتابٌ مطبوعٌ ومتداوَلٌ تحت عنوان: «جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي مِن روايته وحملِه»، وطُبع الطبعةَ الأولى بتصحيحه وتقييد حواشيه - إدارة الطباعة المنيرية. دار الكتب العلمية - بيروت، ثمَّ طُبع سنة (١٣٩٨ﻫ - ١٩٦٨م).
(١٨) هو أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمَّد بن عبد البرِّ بن عاصمٍ النمريُّ الأندلسيُّ، شيخ علماء الأندلس، وكبير محدِّثيها وأحفظ من كان فيها في وقته، له تآليف نافعةٌ منها: «التمهيد لِما في الموطَّإ من المعاني والأسانيد» و«الاستيعاب في معرفة الأصحاب»، توفِّي بشاطبة سنة (٤٦٣ﻫ).
انظر ترجمة في: «فهرست ابن خيِّر» (٢١٤)، «جذوة المقتبس» للحميدي (٣٩٧)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض (٢/ ٨٠٨)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١٨/ ١٥٣)، وللمزيد من ترجمته ينظر في: هامش «مفتاح الوصول» للتلمساني (١٤١).
(١٩) وقد ذكر ابن حزمٍ -رحمه الله- ابنَ عبد البرِّ -رحمه الله- في: «جمهرة أنساب العرب» (٣٠٢) بقوله: «الفقيه الأندلسيُّ أبو عمر يوسفُ بن عبد الله بن محمَّد بن عبد البرِّ بن عاصمٍ»، وقال -أيضًا- في حقِّه [عن كتابه التمهيد]: «لا أعلم في الكلام على فقهِ الحديث مثلَه، فكيف أحسن منه؟» [«الصلة» لابن بشكوال (٢/ ٦٧٨)، «بغية الملتمس» للضبِّي (٤٩٠)]، قال الذهبيُّ في [«سير أعلام النّبلاء» (٨/ ١٦٠)]: «وقيل: إنَّ أبا عمر كان ينبسط إلى أبي محمَّد بن حزمٍ ويؤانسه، وعنه أخذ ابن حزمٍ فنَّ الحديث».
(٢٠) إنَّ جامع الزيتونة يتبوَّأ منزلةً خاصَّةً بالنظر لأهمِّيَّته الدينية والعلمية في تاريخ تونس، وكان منارةً للعلم والتعليم على مرِّ الزمن يُرتحل إليه من مختلف أنحاء المغرب العربيِّ وغيره طلبًا للعلم والاستزادة منه، وقد اشتهر جامع الزيتونة المعمور في عهد الحفصيِّين بالفقيه ابن عرفة التونسيِّ وابن خلدون المؤرِّخ والمبتكر لعلم الاجتماع، وقد ذكر الوزير السرَّاج في «الحلل السندسية في الأخبار التونسية» (١/ ٥٥١-٨٢١) جملةً من أئمَّة جامع الزيتونة ومدرِّسيه من العلماء والمصلحين.
هذا، وبغضِّ النظر عن عمارة بنيان الجوامع والمساجد، فإنه لا يخفى أنَّ العبرة فيها بتحقيق عمارة الإيمان القائمة على العلم الصحيح، والاعتقاد السليم، والمعرفة الحقَّة، والقيم الإسلامية السمحة.
الثلاثاء ٢٢ رمضان ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٥ أكتوبر ٢٠٠٥م
المصدر : موقع الشيخ :
عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس -حفظه الله-