كامل محمد محمد محمد
2016-04-05, 05:37
من وحى أهل الحديث
الأوامر والنواهي
(الأخذ بظاهرها و حملها على الوجوب والفور)
إعداد
دكتور كامل محمد عامر
مختصر بتصرف من كتاب
الإحكام في أصول الأحكام
للإمام المحدث الحافظ أبي محمدعلي بن أحمدبن سعيدالأندلسي القرطبي
1433هـ ــــ 2012م
(الطبعة الأولي)
مسألة (هذه المسألة فقط من كتاب الموافقات للشاطبى)
الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ يَسْتَلْزِمُان طَلَبًا وَإِرَادَةً مِنَ الْآمِرِ. وهذه الْإِرَادَةَ جَاءَتْ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى مَعْنَيَيْن:
أَحَدُهُمَا:
الْإِرَادَةُ الْقَدَرِيَّةُ ٍ؛ فَمَا أَرَادَ اللَّهُ كَوْنَهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَكُونَ؛ فَلَا سَبِيلَ إِلَى كَوْنِهِ.
وَالثَّانِي:
الْإِرَادَةُ الْأَمْرِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِطَلَبِ فعل الْمَأْمُورِ بِهِ وَعَدَمِ فِعْل الْمَنْهِيّ عنه (إِرَادَةُ التَّشْرِيعِ، أو إِرَادَةُ التَّكْلِيفِ).
مسألة
كل أمر فهو فرض إلا ما خرج عن ذلك:
· بضرورة حسّ أو عقل.
· أو بنص
· أو إجماع.
فإذا جاء في شيء من الأوامر برهان ينقله عن الفرض إلى الندب، وعن التحريم إلى الكراهية قيل به.
مناقشة
قالوا: لو كان لفظ الأمر موضوعاً للإيجاب لم يوجد أبداً إلا كذلك، لكن وجدنا أوامراً معناها الندب أو الإباحة ووجدنا نواهي معناها الكراهة مثل قوله تعالى: { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } [المائدة: 2]وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا } [الجمعة: 10]ولذلك وجب ألا نصرف الألفاظ إلى بعض ما تحتمله من المعاني دون بعض إلا بدليل.
والجواب أن هاتين الآيتين فإنما خرجتا عن الوجوب إلى الإباحة ببرهان:
أما التصيد، فإن النبي حل بالطواف بالبيت وانحدر إلى منًى ولم يصطد، فصح أنه ليس فرضاً بهذا النص و لقوله عليه السلام:"خذوا عنى مناسككم"أخرجه مسلم: كِتَاب الْحَجِّ ؛بَاب اسْتِحْبَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ والترمذى وابن ماجه ولفظ مسلم وغيره: " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يرمى على راحلته يوم النحر , ويقول: لتأخذوامناسككم (ولفظ ابن ماجه وكذا أحمد فى رواية: لتأخذ أمتى مناسكها) فإنى لا أدرى لعلى لا أحج بعد حجتى هذه "وقال الترمذى: " حديث حسن صحيح ".
وأما قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ } فقد انتقل الأمر الى الإباحة بالحديث الذى ذكره البخارى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ » [البخاري: كِتَاب الصَّلَاةِ؛بَاب الْحَدَثِ فِي الْمَسْجِدِ] فندبنا إلى القعود في مصلانا بعد الصلاة، فصح بذلك أن الانتشار بعد الصلاة إباحة.
مسألة
اتباع الظاهر فرض
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ.
فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ تصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْأَوْلاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ»
قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ
قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } [البخاري: كِتَاب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ؛ بَاب قَوْلِهِ تعالى:{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ }
ففي هذا الحديث بيان كاف في حمل كل شيء على ظاهره ، فحمل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللفظ الوارد «أو» على التخيير ، فلما جاء النهي المجرد حمله على الوجوب.
وصح بهذا أن لفظ الأمر والنهي غير لفظ التخيير والندب، ورسوله عليه الصلاة و السلام أعلم الناس بلغة العرب التي بها خاطبه ربه سبحانه و تعالى.
عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ فَقُلْتُ أَسْتَذْكِرُهُنَّ وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ قَالَ لَا وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ [مسلم كتاب الذكر باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع]و [البخارى كتاب الوضوء باب فَضْلِ مَنْ بَاتَ عَلَى الْوُضُوءِ]وهذا دليل على وجوب الأخذ بظاهر اللفظ دون تأويل أو تبديل.
مناقشة
قالوا: لما وجدنا من الألفاظ ألفاظاً مصروفة عن ظاهرها علمنا أن الألفاظ لا تنبىء عن المعاني بمجردها.
والجواب أن اللغات إنما رتبها الله عز وجل ليقع بها البيان، واللغات ليست شيئاً غير الألفاظ المركبة على المعاني والمبينة عن مسمياتها قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } [إبراهيم: 4] واللسان هي اللغة بلا خلاف ههنا.
ويُسْأَلُ أَرُكِّبَت الألفاظ على معانٍ عبَّر بها عنها دون غيرها أم لا ؟
فإن قيل لا سقط الكلام ، ولزمنا ألا نفهم عنهم شيئاً، إذ لا يدل كلامهم على معنى، ولا تعبر ألفاظهم عن حقيقةولعلهم يريدون بكلامهم شيئاً آخر غير ما ظهر منه.
وإن قيل نعم ؟ تركوا مذهبهم.
قالوا:إنما ضلت الخوارج بحملها القرآن على ظاهره.
والجواب أنه ما ضلت الخوارج إلا من تعلقهم بآيات ما وتركوا غيرها، وتركوا بيان رسول الله عليه السلام، ولو أنهم جمعوا آي القرآن كلها، وكلام النبي عليه السلام، وجعلوه كله لازماً وحكماً واحداً ومتبعاً كله لاهتدوا.
قالوا: بأي شيء تعرفون ما صرف من الكلام عن ظاهره ؟
قيل: نعرف ذلك:
· بظاهر آخر مخبر بذلك.
· أو بإجماع متيقن.
· أو بضرورة حس أو عقل.
مسألة
فرض الأوامر المبادرة إلى فعلها إلا ما أباح التراخي فيها نص آخرأوإجماع.
لقول الله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فإذا أمرنا تعالى بالاستباق إلى الخيرات، فقد ثبت وجوب المبادرة إلى ما أمرنا به ساعة ورود الأمر دون تأخر ولا تردد.
الأوامر والنواهي
(الأخذ بظاهرها و حملها على الوجوب والفور)
إعداد
دكتور كامل محمد عامر
مختصر بتصرف من كتاب
الإحكام في أصول الأحكام
للإمام المحدث الحافظ أبي محمدعلي بن أحمدبن سعيدالأندلسي القرطبي
1433هـ ــــ 2012م
(الطبعة الأولي)
مسألة (هذه المسألة فقط من كتاب الموافقات للشاطبى)
الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ يَسْتَلْزِمُان طَلَبًا وَإِرَادَةً مِنَ الْآمِرِ. وهذه الْإِرَادَةَ جَاءَتْ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى مَعْنَيَيْن:
أَحَدُهُمَا:
الْإِرَادَةُ الْقَدَرِيَّةُ ٍ؛ فَمَا أَرَادَ اللَّهُ كَوْنَهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَكُونَ؛ فَلَا سَبِيلَ إِلَى كَوْنِهِ.
وَالثَّانِي:
الْإِرَادَةُ الْأَمْرِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِطَلَبِ فعل الْمَأْمُورِ بِهِ وَعَدَمِ فِعْل الْمَنْهِيّ عنه (إِرَادَةُ التَّشْرِيعِ، أو إِرَادَةُ التَّكْلِيفِ).
مسألة
كل أمر فهو فرض إلا ما خرج عن ذلك:
· بضرورة حسّ أو عقل.
· أو بنص
· أو إجماع.
فإذا جاء في شيء من الأوامر برهان ينقله عن الفرض إلى الندب، وعن التحريم إلى الكراهية قيل به.
مناقشة
قالوا: لو كان لفظ الأمر موضوعاً للإيجاب لم يوجد أبداً إلا كذلك، لكن وجدنا أوامراً معناها الندب أو الإباحة ووجدنا نواهي معناها الكراهة مثل قوله تعالى: { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } [المائدة: 2]وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا } [الجمعة: 10]ولذلك وجب ألا نصرف الألفاظ إلى بعض ما تحتمله من المعاني دون بعض إلا بدليل.
والجواب أن هاتين الآيتين فإنما خرجتا عن الوجوب إلى الإباحة ببرهان:
أما التصيد، فإن النبي حل بالطواف بالبيت وانحدر إلى منًى ولم يصطد، فصح أنه ليس فرضاً بهذا النص و لقوله عليه السلام:"خذوا عنى مناسككم"أخرجه مسلم: كِتَاب الْحَجِّ ؛بَاب اسْتِحْبَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ والترمذى وابن ماجه ولفظ مسلم وغيره: " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يرمى على راحلته يوم النحر , ويقول: لتأخذوامناسككم (ولفظ ابن ماجه وكذا أحمد فى رواية: لتأخذ أمتى مناسكها) فإنى لا أدرى لعلى لا أحج بعد حجتى هذه "وقال الترمذى: " حديث حسن صحيح ".
وأما قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ } فقد انتقل الأمر الى الإباحة بالحديث الذى ذكره البخارى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ » [البخاري: كِتَاب الصَّلَاةِ؛بَاب الْحَدَثِ فِي الْمَسْجِدِ] فندبنا إلى القعود في مصلانا بعد الصلاة، فصح بذلك أن الانتشار بعد الصلاة إباحة.
مسألة
اتباع الظاهر فرض
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ.
فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ تصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْأَوْلاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ»
قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ
قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } [البخاري: كِتَاب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ؛ بَاب قَوْلِهِ تعالى:{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ }
ففي هذا الحديث بيان كاف في حمل كل شيء على ظاهره ، فحمل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللفظ الوارد «أو» على التخيير ، فلما جاء النهي المجرد حمله على الوجوب.
وصح بهذا أن لفظ الأمر والنهي غير لفظ التخيير والندب، ورسوله عليه الصلاة و السلام أعلم الناس بلغة العرب التي بها خاطبه ربه سبحانه و تعالى.
عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ فَقُلْتُ أَسْتَذْكِرُهُنَّ وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ قَالَ لَا وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ [مسلم كتاب الذكر باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع]و [البخارى كتاب الوضوء باب فَضْلِ مَنْ بَاتَ عَلَى الْوُضُوءِ]وهذا دليل على وجوب الأخذ بظاهر اللفظ دون تأويل أو تبديل.
مناقشة
قالوا: لما وجدنا من الألفاظ ألفاظاً مصروفة عن ظاهرها علمنا أن الألفاظ لا تنبىء عن المعاني بمجردها.
والجواب أن اللغات إنما رتبها الله عز وجل ليقع بها البيان، واللغات ليست شيئاً غير الألفاظ المركبة على المعاني والمبينة عن مسمياتها قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } [إبراهيم: 4] واللسان هي اللغة بلا خلاف ههنا.
ويُسْأَلُ أَرُكِّبَت الألفاظ على معانٍ عبَّر بها عنها دون غيرها أم لا ؟
فإن قيل لا سقط الكلام ، ولزمنا ألا نفهم عنهم شيئاً، إذ لا يدل كلامهم على معنى، ولا تعبر ألفاظهم عن حقيقةولعلهم يريدون بكلامهم شيئاً آخر غير ما ظهر منه.
وإن قيل نعم ؟ تركوا مذهبهم.
قالوا:إنما ضلت الخوارج بحملها القرآن على ظاهره.
والجواب أنه ما ضلت الخوارج إلا من تعلقهم بآيات ما وتركوا غيرها، وتركوا بيان رسول الله عليه السلام، ولو أنهم جمعوا آي القرآن كلها، وكلام النبي عليه السلام، وجعلوه كله لازماً وحكماً واحداً ومتبعاً كله لاهتدوا.
قالوا: بأي شيء تعرفون ما صرف من الكلام عن ظاهره ؟
قيل: نعرف ذلك:
· بظاهر آخر مخبر بذلك.
· أو بإجماع متيقن.
· أو بضرورة حس أو عقل.
مسألة
فرض الأوامر المبادرة إلى فعلها إلا ما أباح التراخي فيها نص آخرأوإجماع.
لقول الله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فإذا أمرنا تعالى بالاستباق إلى الخيرات، فقد ثبت وجوب المبادرة إلى ما أمرنا به ساعة ورود الأمر دون تأخر ولا تردد.