khatraoui
2016-03-13, 18:28
الدعوة إلى الله تبارك وتعالى هي أعظم مهمات رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وهي وسيلة وسبيل لتحقيق توحيد الله تعالى،قال سبحانه:((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)).
وقال سبحانه:((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً))[الأحزاب:45-46].
وقال سبحانه:((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))[النحل:125].
وقال تعالى:((وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ))[الحج:67].
وقال تعالى:((وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))[القصص:87].
وقال عز من قائل:((قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ))[الرعد:36].
وهي الميزة التي فضّل الله تعالى بها هذه الأمة على سائر الأمم؛ فقال تعالى:((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ))[آل عمران:110]،وقال تبارك وتعالى آمرًا بها وحاثًا عباده على القيام بها:((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ))[آل عمران:104].
لذا كان الداعية إلى الله تعالى العامل بما يدعو إليه، من أحسن الناس قولًا، قال تعالى:((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ))[فصلت:33].
بل إن الداعية له أجره من الله الكريم، وله كذلك أجر من دعاهم إلى الله تعالى، قالصلى الله عليه وسلم:(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا).
والله سبحانه يحفظ أهل القرى من عذابه عامة بسبب وجود الدعاة المصلحين فيها، الذين يدعون إلى سبيل الله، قال تعالى:((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ))[هود:117].
والدعوة بحمد الله ونعمته غير محصورة بوقت ولا مكان ولا طريقة ما دام أنها وفق الشريعة، وغير مخالفة لطريقة النبيصلى الله عليه وسلمفي الدعوة إلى الله.
فمن جهة الوقت: هذا نوح عليه الصلاة والسلام يدعو قومه في الليل والنهار:((قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا))[نوح:5].
ومن جهة المكان: هذا يوسف عليه السلام يدعو في السجن:((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ))[يوسف:39].
ومن جهة الطريقة: هذا نوح أيضًا يدعو إلى الله ودينه بطرق متنوعة:((ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا))[نوح:9].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «لا يتم التوحيد حتى يكمل العبد جميع مراتبه، ثم يسعى في تكميل غيره، وهذا هو طريق جميع الأنبياء، فإنهم أول ما يدعون قومهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وهي طريقة سيدهم وإمامهمصلى الله عليه وسلم،لأنه قام بهذه الدعوة أعظم قيام، ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، لم يفتر، ولم يضعف، حتى أقام الله به الدين، وهدى به الخلق العظيم، ووصل دينه ببركة دعوته إلى مشارق الأرض ومغاربها، وكان يدعو بنفسه، ويأمر رسله وأتباعه أن يدعوا إلى الله وإلى توحيده قبل كل شيء؛ لأن جميع الأعمال متوقفة في صحتها وقبولها على التوحيد.
فكما أن على العبد أن يقوم بتوحيد الله، فعليه أن يدعو العباد إلى الله بالتي هي أحسن، وكل من اهتدى على يديه فله مثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
وإذا كانت الدعوة إلى الله وإلى شهادة أن لا إله إلا الله فرضًا على كل أحد، كان الواجب على كل أحد بحسب مقدوره.
فعلى العالم من بيان ذلك والدعوة والإرشاد والهداية أعظم مما على غيره ممن ليس بعالم.
وعلى القادر ببدنه ويده، أو ماله، أو جاهه وقوله، أعظم مما على من ليست له تلك القدرة.
قال تعالى:((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ))[التغابن:16]، ورحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة، وإنما الهلاك في ترك ما يقدر عليه العبد من الدعوة إلى هذا الدين».
الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد:
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة:
«الوجه الثلاثون بعد المائة: وهو قوله تعالى:((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ))[فصلت:33]قال الحسن: (هو المؤمن أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، فهذا حبيب الله، هذا ولي الله)، فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد، قال تعالى:((لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا))[الجن:19]، وقال تعالى:((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))[النحل:125].
جعل سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يدعى بالموعظة الحسنة، وهي الأمر والنهي المقرون بالرغبة والرهبة، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن، هذا هو الصحيح في معنى هذه الآية... إلخ».
الدعوة إلى الله أعظم المراتب وأجلها عند الله:
يذكر الإمام ابن وضاح القرطبي رحمه الله في كتابه «البدع والنهي عنها» أن أسد بن موسى كتب إلى أسد بن الفرات فقال: (اعلم -أي أخي- أنما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس، وحسن حالك مما أظهرت من السنة، وعيبك لأهل البدعة، وكثرة ذكرك لهم، وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك، وشد بك ظهر أهل السنة، وقواك عليهم بإظهار عيبهم، والطعن عليهم، فأذلهم الله بذلك وصاروا ببدعتهم مستترين.
فأبشر -أي أخي- بثواب ذلك، واعتد به أفضل حسناتك، من الصلاة، والصيام، والحج، والجهاد.
وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنة رسولهصلى الله عليه وسلم،وقد قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم:«من أحيا شيئًا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وجمع بين أصبعين»، وقالصلى الله عليه وسلم:«أيما داع إلى هدى فاتبع عليه كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة»، فمن يدرك أجر هذا بشيء من عمله؟!
وذكر أيضًا أن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليًا لله يذب عنها، وينطلق بعلاماتها.
فاغتنم -يا أخي- هذا الفضل، وكن من أهله؛ فإن النبيصلى الله عليه وسلمقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن، وأوصاه، وقال: «لأن يهدي الله بك رجلًا خير لك من كذا وكذا»).
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: «...ويكون عندك معلومًا أن أعظم المراتب وأجلها عند الله الدعوة إليه، التي قال الله:((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ))[فصلت:33]وفي الحديث: (والله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم).
وقال رحمه الله مبينًا أن الدعوة إلى الله ودينه الحق وسنة رسوله واجبة: «..ويجب علينا تعلم أربع مسائل،الأولى: العلم؛ وهو: معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة؛الثانية: العمل به؛الثالثة: الدعوة إليه؛الرابعة: الصبر على الأذى فيه، والدليل قوله تعالى:((وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))[العصر:1-3]».
وقال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
«...فإذا كان قد جرى في عهد النبوة من يطعن على رسول اللهصلى الله عليه وسلمويكفّر أصحابه، فلا يبعد أن يجيء في آخر هذه الأمة من يقول بقولهم، ويرى رأيهم؛ والذين هاجروا إلينا وبايعونا ما ندري عن حقيقة أمرهم؛ وعلى كل حال: إذا عملتم بالتوحيد، وأنكرتم الشرك والضلال، وفارقتم البدع، فلا يلزمكم هجرة عن الوطن والمال؛بل يجب عليكم الدعوة إلى الله، وطلب أدلة التوحيد في كتاب الله، وتأمل كلام الشيخ في مصنفاته، فإنه رحمه الله بيَّن وحقّق، والسلام».
والدعوة إلى الله جهاد، وأكمل الخلق تكميلًا لمراتب الجهاد بفضل الله هو قدوتناصلى الله عليه وسلم،يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد:
«وأكمل الخلق عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها، والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد، ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله خاتم أنبيائه ورسله؛ فإنه كمل مراتب الجهاد، وجاهد في الله حق جهاده، وشرع في الجهاد من حين بعث إلى أن توفاه الله عز وجل؛ فإنه لما نزل عليه:((يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ))[المدثر:4]شمّر عن ساق الدعوة، وقام في ذات الله أتم قيام، ودعا إلى الله ليلًا ونهارًا، وسرًا وجهارًا، ولما نزل عليه:((فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ))[الحجر:94]فصدع بأمر الله لا تأخذه فيه لومة لائم، فدعا إلى الله الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والأحمر والأسود، والجن والإنس.
ولما صدع بأمر الله، وصرَح لقومه بالدعوة، وناداهم بسب آلهتهم، وعيب دينهم؛ اشتد أذاهم له ولمن استجاب له من أصحابه، ونالوه ونالوهم بأنواع الأذى، وهذه سنة الله عز وجل في خلقه، كما قال تعالى:((مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ))[فصلت:43]،وقال:((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ))[الأنعام:112]،وقال:((كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ))[الذاريات:52]».
إلى أن قال:
«فمن آمن بالرسل وأطاعهم، عاداه أعداؤهم وآذوه، فابتلي بما يؤلمه. وإن لم يؤمن بهم ولم يطعهم، عوقب في الدنيا والآخرة، فحصل له ما يؤلمه، وكان هذا المؤلم له أعظم ألمًا وأدوم من ألم اتباعهم، فلابد من حصول الألم لكل نفس آمنت أو رغبت عن الإيمان، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، والمعرض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداء، ثم يصير إلى الألم الدائم. وسئل الشافعي رحمه الله: أيما أفضل للرجل، أن يمكّن أو يبتلى؟ فقال: (لا يمكّن حتى يبتلى). والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرسل، فلما صبروا مكّنهم، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم ألبتة، وإنما يتفاوت أهل الآلام في العقول، فأعقلهم من باع ألمًا مستمرًا عظيمًا بألم منقطع يسير، وأشقاهم من باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر.
وقال سبحانه:((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً))[الأحزاب:45-46].
وقال سبحانه:((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))[النحل:125].
وقال تعالى:((وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ))[الحج:67].
وقال تعالى:((وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))[القصص:87].
وقال عز من قائل:((قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ))[الرعد:36].
وهي الميزة التي فضّل الله تعالى بها هذه الأمة على سائر الأمم؛ فقال تعالى:((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ))[آل عمران:110]،وقال تبارك وتعالى آمرًا بها وحاثًا عباده على القيام بها:((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ))[آل عمران:104].
لذا كان الداعية إلى الله تعالى العامل بما يدعو إليه، من أحسن الناس قولًا، قال تعالى:((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ))[فصلت:33].
بل إن الداعية له أجره من الله الكريم، وله كذلك أجر من دعاهم إلى الله تعالى، قالصلى الله عليه وسلم:(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا).
والله سبحانه يحفظ أهل القرى من عذابه عامة بسبب وجود الدعاة المصلحين فيها، الذين يدعون إلى سبيل الله، قال تعالى:((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ))[هود:117].
والدعوة بحمد الله ونعمته غير محصورة بوقت ولا مكان ولا طريقة ما دام أنها وفق الشريعة، وغير مخالفة لطريقة النبيصلى الله عليه وسلمفي الدعوة إلى الله.
فمن جهة الوقت: هذا نوح عليه الصلاة والسلام يدعو قومه في الليل والنهار:((قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا))[نوح:5].
ومن جهة المكان: هذا يوسف عليه السلام يدعو في السجن:((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ))[يوسف:39].
ومن جهة الطريقة: هذا نوح أيضًا يدعو إلى الله ودينه بطرق متنوعة:((ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا))[نوح:9].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «لا يتم التوحيد حتى يكمل العبد جميع مراتبه، ثم يسعى في تكميل غيره، وهذا هو طريق جميع الأنبياء، فإنهم أول ما يدعون قومهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وهي طريقة سيدهم وإمامهمصلى الله عليه وسلم،لأنه قام بهذه الدعوة أعظم قيام، ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، لم يفتر، ولم يضعف، حتى أقام الله به الدين، وهدى به الخلق العظيم، ووصل دينه ببركة دعوته إلى مشارق الأرض ومغاربها، وكان يدعو بنفسه، ويأمر رسله وأتباعه أن يدعوا إلى الله وإلى توحيده قبل كل شيء؛ لأن جميع الأعمال متوقفة في صحتها وقبولها على التوحيد.
فكما أن على العبد أن يقوم بتوحيد الله، فعليه أن يدعو العباد إلى الله بالتي هي أحسن، وكل من اهتدى على يديه فله مثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
وإذا كانت الدعوة إلى الله وإلى شهادة أن لا إله إلا الله فرضًا على كل أحد، كان الواجب على كل أحد بحسب مقدوره.
فعلى العالم من بيان ذلك والدعوة والإرشاد والهداية أعظم مما على غيره ممن ليس بعالم.
وعلى القادر ببدنه ويده، أو ماله، أو جاهه وقوله، أعظم مما على من ليست له تلك القدرة.
قال تعالى:((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ))[التغابن:16]، ورحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة، وإنما الهلاك في ترك ما يقدر عليه العبد من الدعوة إلى هذا الدين».
الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد:
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة:
«الوجه الثلاثون بعد المائة: وهو قوله تعالى:((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ))[فصلت:33]قال الحسن: (هو المؤمن أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، فهذا حبيب الله، هذا ولي الله)، فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد، قال تعالى:((لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا))[الجن:19]، وقال تعالى:((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))[النحل:125].
جعل سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يدعى بالموعظة الحسنة، وهي الأمر والنهي المقرون بالرغبة والرهبة، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن، هذا هو الصحيح في معنى هذه الآية... إلخ».
الدعوة إلى الله أعظم المراتب وأجلها عند الله:
يذكر الإمام ابن وضاح القرطبي رحمه الله في كتابه «البدع والنهي عنها» أن أسد بن موسى كتب إلى أسد بن الفرات فقال: (اعلم -أي أخي- أنما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس، وحسن حالك مما أظهرت من السنة، وعيبك لأهل البدعة، وكثرة ذكرك لهم، وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك، وشد بك ظهر أهل السنة، وقواك عليهم بإظهار عيبهم، والطعن عليهم، فأذلهم الله بذلك وصاروا ببدعتهم مستترين.
فأبشر -أي أخي- بثواب ذلك، واعتد به أفضل حسناتك، من الصلاة، والصيام، والحج، والجهاد.
وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنة رسولهصلى الله عليه وسلم،وقد قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم:«من أحيا شيئًا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وجمع بين أصبعين»، وقالصلى الله عليه وسلم:«أيما داع إلى هدى فاتبع عليه كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة»، فمن يدرك أجر هذا بشيء من عمله؟!
وذكر أيضًا أن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليًا لله يذب عنها، وينطلق بعلاماتها.
فاغتنم -يا أخي- هذا الفضل، وكن من أهله؛ فإن النبيصلى الله عليه وسلمقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن، وأوصاه، وقال: «لأن يهدي الله بك رجلًا خير لك من كذا وكذا»).
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: «...ويكون عندك معلومًا أن أعظم المراتب وأجلها عند الله الدعوة إليه، التي قال الله:((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ))[فصلت:33]وفي الحديث: (والله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم).
وقال رحمه الله مبينًا أن الدعوة إلى الله ودينه الحق وسنة رسوله واجبة: «..ويجب علينا تعلم أربع مسائل،الأولى: العلم؛ وهو: معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة؛الثانية: العمل به؛الثالثة: الدعوة إليه؛الرابعة: الصبر على الأذى فيه، والدليل قوله تعالى:((وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))[العصر:1-3]».
وقال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
«...فإذا كان قد جرى في عهد النبوة من يطعن على رسول اللهصلى الله عليه وسلمويكفّر أصحابه، فلا يبعد أن يجيء في آخر هذه الأمة من يقول بقولهم، ويرى رأيهم؛ والذين هاجروا إلينا وبايعونا ما ندري عن حقيقة أمرهم؛ وعلى كل حال: إذا عملتم بالتوحيد، وأنكرتم الشرك والضلال، وفارقتم البدع، فلا يلزمكم هجرة عن الوطن والمال؛بل يجب عليكم الدعوة إلى الله، وطلب أدلة التوحيد في كتاب الله، وتأمل كلام الشيخ في مصنفاته، فإنه رحمه الله بيَّن وحقّق، والسلام».
والدعوة إلى الله جهاد، وأكمل الخلق تكميلًا لمراتب الجهاد بفضل الله هو قدوتناصلى الله عليه وسلم،يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد:
«وأكمل الخلق عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها، والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد، ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله خاتم أنبيائه ورسله؛ فإنه كمل مراتب الجهاد، وجاهد في الله حق جهاده، وشرع في الجهاد من حين بعث إلى أن توفاه الله عز وجل؛ فإنه لما نزل عليه:((يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ))[المدثر:4]شمّر عن ساق الدعوة، وقام في ذات الله أتم قيام، ودعا إلى الله ليلًا ونهارًا، وسرًا وجهارًا، ولما نزل عليه:((فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ))[الحجر:94]فصدع بأمر الله لا تأخذه فيه لومة لائم، فدعا إلى الله الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والأحمر والأسود، والجن والإنس.
ولما صدع بأمر الله، وصرَح لقومه بالدعوة، وناداهم بسب آلهتهم، وعيب دينهم؛ اشتد أذاهم له ولمن استجاب له من أصحابه، ونالوه ونالوهم بأنواع الأذى، وهذه سنة الله عز وجل في خلقه، كما قال تعالى:((مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ))[فصلت:43]،وقال:((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ))[الأنعام:112]،وقال:((كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ))[الذاريات:52]».
إلى أن قال:
«فمن آمن بالرسل وأطاعهم، عاداه أعداؤهم وآذوه، فابتلي بما يؤلمه. وإن لم يؤمن بهم ولم يطعهم، عوقب في الدنيا والآخرة، فحصل له ما يؤلمه، وكان هذا المؤلم له أعظم ألمًا وأدوم من ألم اتباعهم، فلابد من حصول الألم لكل نفس آمنت أو رغبت عن الإيمان، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، والمعرض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداء، ثم يصير إلى الألم الدائم. وسئل الشافعي رحمه الله: أيما أفضل للرجل، أن يمكّن أو يبتلى؟ فقال: (لا يمكّن حتى يبتلى). والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرسل، فلما صبروا مكّنهم، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم ألبتة، وإنما يتفاوت أهل الآلام في العقول، فأعقلهم من باع ألمًا مستمرًا عظيمًا بألم منقطع يسير، وأشقاهم من باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر.