المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة عبد الله ابن المبارك مع الغلام الأسود (موعظة بليغة)


ريـاض
2016-03-06, 19:16
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ :

" قَدِمْتُ مَكَّةَ وَإِذَا النَّاسُ قَدْ قُحِطُوا مِنَ الْمَطَرِ وَهُمْ يَسْتَسْقُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَكُنْتُ فِي النَّاسِ مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي شَيْبَةَ إِذْ أَقْبَلَ غُلامٌ أَسْوَدٌ عَلَيْهِ قِطْعَتَا خَيْشٍ ، قَدِ ائْتَزَرَ بِإِحْدَيْهِمَا وَأَلْقَى الأُخْرَى عَلَى عَاتِقِهِ ، فَصَارَ فِي مَوْضِعٍ خَفِيٍّ إِلَى جَانِبَيَّ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : إِلَهِي ، أَخْلَقَتِ الْوُجُوهَ كَثْرَةُ الذُّنُوبِ وَمَسَاوِئُ الأَعْمَالِ ، وَقَدْ مَنَعْتَنَا غَيْثَ السَّمَاءِ لِيُؤَدَّبَ الْخَلِيقَةُ بِذَلِكَ ، فَأَسْأَلُكَ يَا حَلِيمًا ذُو أَنَاةٍ ! يَا مَنْ لا يَعرِفُ عِبَادُهُ مِنْهُ إِلا الْجَمِيلَ ، اسْقِهِمُ السَّاعَةَ ، السَّاعَةَ ، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ : السَّاعَةَ السَّاعَةَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِالْغَمَامِ ، وَأَقْبَلَ الْمَطَرُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، وَجَلَسَ مَكَانَهُ يُسَبِّحُ ، فَأَخَذْتُ أَبْكِي إِذْ قَامَ ، فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى عَرَفْتُ مَوْضِعَهُ ، فَجِئْتُ إِلَى فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ ، فَقَالَ لِي : مَا لَكَ أَرَاكَ كَئِيبًا ؟ قُلْتُ : سَبَقَنَا إِلَيْهِ غَيْرُنَا فَتَوَلَّاهُ دُونَنَا . فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ، فَصَاحَ وَسَقَطَ ، وَقَالَ : وَيْحَكَ يَا ابْنَ الْمُبَارَكِ ، خُذْنِي إِلَيْهِ . قُلْتُ : قَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَسَأَبْحَثُ عَنْ شَأْنِهِ . فَلَمَّا كَانَ مِنْ غَدٍ صَلَّيْتُ الْغَدَاةَ وَخَرَجْتُ أُرِيدُ الْمَوْضِعَ ؛ فَإِذَا شَيْخٌ عَلَى الْبَابِ قَدْ بُسِطَ لَهُ وَهُوَ جَالِسٌ ، فَلَمَّا رَآنِي عَرَفَنِي . فَقَالَ : مَرْحَبًا بِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَاجَتُكَ ؟ فَقُلْتُ لَهُ : احْتَجْتُ إِلَى غُلامٍ أَسْوَدَ . فَقَالَ : نَعَمْ ، عِنْدِي عِدَّةٌ ، فَاخْتَرْ أَيُّهُمْ شِئْتَ . وَصَاحَ : يَا غُلامُ ، فَخَرَجَ غُلامٌ جَلْدٌ ، فَقَالَ : هَذَا مَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ ، أَرْضَاهُ لَكَ . فَقُلْتُ : لَيْسَ هَذَا حَاجَتِي ، فَمَا زَالَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى أَخْرَجَ إِلَيَّ الْغُلامَ ، فَلَمَّا بَصُرْتُ بِهِ بَدَرَتْ عَيْنَايَ ، فَجَلَسْتُ ، فَقَالَ : هَذَا هُوَ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ . فَقَالَ : لَيْسَ إِلَى بَيْعِهِ سَبِيلٌ . قُلْتُ : وَلِمَ ؟ قَالَ : تَبَرَّكْتُ بِمَوْضِعِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لا يَرْزُؤُنِي مِنْهُ شَيْءٌ أَكْثَرُ مِنْ قُوتِهِ . قُلْتُ : وَمِنْ أَيْنَ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ؟ قَالَ : يَكْسَبُ مِنْ فَتْلِ الشَّرِيطِ نِصْفَ دَانِقٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ، فَهُوَ قُوتُهُ ، فَإِنْ بَاعَهُ فِي يَوْمِهِ وَإِلا طَوَى ذَلِكَ الْيَوْمَ ، وَأَخْبَرَنِي الْغِلْمَانُ عَنْهُ أَنَّهُ لا يَنَامُ هَذَا اللَّيْلَ الطَّوِيلَ ، وَلا يَخْتَلِطُ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ مُهْتَمٌّ بِنَفْسِهِ ، وَقَدْ أَحَبَّهُ قَلْبِي . فَقُلْتُ لَهُ : انْصَرِفْ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَإِلَى فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ بِغَيْرِ قَضَاءِ حَاجَةٍ ؟ فَقَالَ : إِنَّ مَمْشَاكَ عِنْدِي كَبِيرٌ ، فَخُذْهُ بِمَا شِئْتَ . قَالَ : فَاشْتَرَيْتُهُ فَأَخَذْتُ نَحْوَ دَارِ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ ، فَمَشَيْتُ سَاعَةً ؛ إِذَ قَالَ لِي : يَا مَوْلايَ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ ، فَقَالَ : لا تَقُلْ لِي لَبَّيْكَ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ أَوْلَى بِأَنْ يُلَبِّيَ الْمَوْلَى ، قُلْتُ : حَاجَتُكَ يَا حَبِيبِي . قَالَ : أنَا ضَعِيفُ الْبَدَنِ لا أَطِيقُ الْخِدْمَةَ ، وَفِي غَيْرِي كَانَ لَكَ سَعَةٌ ، قَدْ أَخْرَجَ إِلَيْكَ مَنْ هُوَ أَجْلَدُ مِنِّي . فَقُلْتُ : لا يَرَانِي اللَّهُ وَأَنَا أَسْتَخْدِمُكَ ، وَلَكِنْ أَشْتَرِي لَكَ مَنْزِلًا وَأُزَوِّجُكَ وَأَخْدُمُكَ أَنَا بِنَفْسِي . قَالَ : فَبَكَى . فَقُلْتُ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ ؟ قَالَ : أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ بِي هَذَا إِلا وَقَدْ رَأَيْتَ بَعْضَ مُتَّصَلاتِي بِاللَّهِ ، وَإِلا ، فَلِمَ اخْتَرْتَنِي مِنْ بَيْنِ أُولَئِكَ الْغِلْمَانِ ؟ فَقُلْتُ لَهُ : بِإِجَابَةِ دَعْوَتِكَ . فَقَالَ لِي لَمَّا ذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ : إِنِّي أَحْسَبُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ رَجُلًا صَالِحًا ، إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خِيرَةٌ مِنْ خَلْقِهِ لا يَكْشِفُ شَأْنَهُمْ إِلا لِمَنْ أَحَبَّ مِنْ عِبَادِهِ ، وَلا يُظْهِرُ عَلَيْهِمْ إِلا مَنِ ارْتَضَى . ثُمَّ قَالَ لِي : تَرَى أَنْ تَقِفَ عَلِيَّ قَلِيلًا ، فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ عَلَيَّ رَكَعَاتٌ مِنَ الْبَارِحَةِ . قُلْتُ : هَذَا مَنْزِلُ فُضَيْلٍ قَرِيبًا . قَالَ : لا ، هَاهُنَا أَحَبُّ إِلَيَّ ، أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لا يُؤَخَّرُ . فَدَخَلَ مِنْ بَابِ الْبَاعَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَمَا زَالَ يُصَلِّي حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى مَا أَرَادَ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، هَلْ مِنْ حَاجَةٍ ؟ قُلْتُ : وَلِمَ ؟ قَالَ : لِأَنِّي أُرِيدُ الانصراف . قلتُ : إلى أين ؟ قال : إلى الآخرة . قلتُ : لا تفعل دعني أُسَرُّ بكَ . فَقَالَ لِي : إِنَّمَا كَانَتْ تَطِيبُ لِيَ الْحَيَاةُ حَيْثُ كَانَتِ الْمُعَامَلَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَعْنِي رَبَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا إِذَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهَا أَنْتَ فَسَيَطَّلِعْ عَلَيْهَا غَيْرُكَ وَغَيْرُكَ ، فَلا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ . ثُمَّ خَرَّ لِوَجْهِهِ فَجَعَلَ يَقُولُ : إِلَهِي ، اقْبِضْنِي السَّاعَةَ السَّاعَةَ . فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ ، فَوَاللَّهِ مَا ذَكَرْتُهُ قَطُّ إِلا طَالَ حُزْنِي عَلَيْهِ وَصَغُرَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِي

(المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) لابن الجوزي (8/ 223-225) ، ط دار الكتب العلمية، بيروت.

المصدر (http://riadhbmd.blogspot.com/2016/03/maw3ida.html)

عبد الباسط آل القاضي
2016-03-06, 19:47
هذه ولا ريب قصة مختلفة

taitaweb
2016-03-07, 13:36
هذه ولا ريب قصة مختلفة

الربيع ب
2016-03-07, 15:26
بارك الله فيك أخي رياض وجزاك خيرا
رحم الله القوم وألحقنا بهم مؤمنين موحدين غيرا فاتنين ولا مفتونين
وروى القصة ابن الجوزي في صفة الصفوة أيضا ..
ولعل هذا الغلام ممن يدخلون تحت الحديث الذي رواه البخاري - واللفظ له - ، ومسلم عن أنس : أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ ، وَطَلَبُوا العَفْوَ ، فَأَبَوْا ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ : أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ، لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا ، فَقَالَ : (( يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ )) ، فَرَضِيَ القَوْمُ وَعَفَوْا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ )) .
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : (( رُبَّ أَشْعَثَ ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ )) .
قيل : المعنى : أنه لو حلف على شيء أن يقع ؛ ثقة بالله وحسن ظن به لأبره الله ، وقيل : معنى القسم في الحديث : الدعاء .
قال النووي رحمه الله :
{ (( لَوْ أقسم على الله لأبره )) أي لو حلف على وقوع شَيْءٍ أَوْقَعَهُ اللَّهُ إِكْرَامًا لَهُ بِإِجَابَةِ سُؤَالِهِ وَصِيَانَتِهِ مِنَ الْحِنْثِ فِي يَمِينِهِ ، وَهَذَا لِعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقِيلَ مَعْنَى الْقَسَمِ هُنَا الدُّعَاءُ ، وَإِبْرَارُهُ إِجَابَتُهُ } انتهى .

وعن نافع بن مالك ، قال : دخل عمر بن الخطاب المسجد فوجد معاذ بن جبل جالسا إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي , فقال له عمر : ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن هلك أخوك لرجل من أصحابه ؟ قال : لا , ولكن حديثا حدثنيه حبي صلى الله عليه وسلم وأنا في هذا المسجد , فقال : ما هو يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : أخبرني أن الله عز وجل يحب الأخفياء ، الأتقياء , الأبرياء , الذين إذا غابوا لم يفتقدوا , وإن حضروا لم يعرفوا , قلوبهم مصابيح الهدى ، يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة .

والله أعلم وهو الموفق