عثمان الجزائري.
2016-03-02, 08:26
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه ومجتباه وبعد: فإن موضوع الإخلاص من المواضيع التي يحتاج إلى التذكير به في كل مناسبه والحديث عنه بين وقت وآخر إذ هو لب الدين وعموده الأعظم، وعليه مدار النجاه وتحقيق سعادة الأبد.
• حقيقة الإخلاص
للعلماء في المراد من الإخلاص عبارات متقاربه مدارها على أن يريد العبد بطاعته التقرب إلى الله سبحانه دون شئ آخر، من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب به إلى الله تعالى.
• ثمرات الإخلاص
1- دخول جنات النعيم: قال تعالى: { إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } (الصافات : 40-41 ) .
2- قبول العمل: قال صلى الله عليه وسلم: « إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغى به وجهه » رواه النسائي وحسنه الألباني.
3- الفوز بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم : قال صلى الله عليه وسلم « أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه » رواه البخاري.
4- تنقية القلب من الحقد: قال صلى الله عليه وسلم: « ثلاث لا ُيغلُّ عليهنَّ قلب مسلم : إخلاص العمل لله » رواه أحمد
5- مغفرة الذنوب ومضاعفة الأجر: فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أعمالا صغيره غفر لأصحابها ببركة إخلاصهم كحديث صاحب البطاقة وحديث البغي التي سقت كلباً فغفر الله لها وقصة الرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها، وإلا فليس كل بغي سقت كلباً يغفر لها فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص .
6- الظفر بالنصر والتمكين: قال صلى الله عليه وسلم : « إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم » أخرجه النسائي وصححه الألباني. ومن تأمل حياة سلفنا الصالح يجدهم لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وزكاة نفوسهم وإخلاص قلوبهم.
7- نيل قبول الناس ومحبتهم: قال مجاهد إن العبد إذا أقبل إلى الله عز وجل بقلبه أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه. وقال الفضيل: من أحب أن يُذكر لم يُذكر ومن كره أن يذكر ذُكر.
8- قلب المباحات إلى طاعات: قال صلى الله عليه وسلم: « إنك لن تنفق نفقه تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك » رواه البخاري. فالإخلاص يرفع المباحات إلى منزلة المطاعات وقد كان السلف يستحضرون النية الصالحة عند فعل المباحات.
قال زبيد اليامي : إني لأحب أن يكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب .
9- بلوغ النية الخالصة مبلغ العمل: مصاحب النية الصالحة قد يعجز عن عمل الخير الذي يصبو إليه لقلة ماله أو ضعف صحة ولكن الله يرفع المخلص إلى مراتب العاملين الموفقين قال صلى الله عليه وسلم: « إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا! حبسهم العذر » رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: « من أتى إلى فراشه وهو ينوى أن يقوم يصلى من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى، وكان نومه صدقه عليه من ربه عز وجل» أخرجه النسائي وصححه الألباني.
10- تنفيس الكرب والنجاة من الشدائد: قال تعالى { وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ } (لقمان : 32 )
11- الحفظ من كيد الشيطان: قال تعالى عن الشيطان { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } (ص : 83 ) فتبين من الآية أن إخلاصهم كان سينا في حفظهم من إضلال الشيطان وأعوانه.
قال أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد انقطعت عنه الوساوس والرياء.
12- نيل التوفيق والأنس والبركة: قيل لحمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق.
13- النجاه من الفتن: قال تعالى عن يوسف عليه السلام { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } (يوسف : 24 ) قال ابن القيم: فلما أخلص لربه صرف عنه دواعي السوء والفحشاء فانصرف عنه فالإخلاص سبيل الخلاص.
• مسائل في الإخلاص
1- ما يضاد الإخلاص: الأمور التي تنافي الإخلاص عديدة من أبرزها:
أولا: الرياء والسمعة: وهو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس ونيل حمدهم. وأصل الرياء والسمعة طلب المنزلة في قلوب الناس بايرائهم الخير وإسماعهم للطاعة.
ثانيا: العجب بالنفس: والعجب كبر باطن بخصال النفس يورث تكبراً ظاهراً في الأقوال والأعمال والأحوال، وإنما كان العجب مهلكاً لأن صاحبه يستعظم عبادته ويتبجح بها ويمن على الله بفعلها وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق والتمكين منها .
قيل لعائشة رضي الله عنهما: متى يكون الرجل مسيئاً قالت: إذا ظن أنه محسن
وعلاج ذلك: أن يعرف المعجب حقيقة نفسه وكثرة عيوبه وأن يقدر ربه حق قدره.
جاء أن مالك بن دينار: مر عليه المهلب بن أبي صفره وهو يتبختر في مشيته فقال له مالك أما علمت أن هذه المشية تكره إلا بين الصفين؟! فقال له المهلب: أما تعرفني؟! فقال له : أعرفك أحسن المعرفة. قال وما تعرف منى؟ فقال: أما أولك فنطفة مذره وآخرك جيفة قذره وأنت بينهما تحمل العذره فسكت المهلب .ثالثاً: إتباع الهوى: قال ابن تيمية: وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر الله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب والله ورسوله بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ويغضب إذا حصل مايغضب له بهواه . أهـ
وهذا بخلاف المخلص فإنه متوجه إلى الله تعالى بكليته قال تعالى { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } (النازعات : 40 ) أي كفها عن شهواتها الصاده عن طاعة الله تعالى، فاتباع الهوى مضاد للإخلاص مبطل للعمل بل متبع الهوى إذا عمل عملاً صالحاً اتباعاً لهواه لاعبودية لله فإن عمله غير مقبول.
2- ليس من الرياء
يدخل الشيطان على كثير من الناس من مداخل شتى وصور متعددة كل ذلك ليصرفهم عن الطاعات والتزود من القربات ومن هذه الصور:
أولا: ترك العمل مخافة الرياء: فترك العمل خشية الرياء وسوسه من الشيطان وحبالة من حبالاته فعلى العبد أن يمضى في طاعته فإن ذلك شديد الألم على شيطانه قال الفضيل: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله عنها . قال النخعي : إذا أتاك الشيطان وأنت في صلاة فقال: إنك مراء، فزدها طولاً. وقل المؤمن المخلص أن يستمر في العمل ويجاهد نفسه لتستمر على الإخلاص.
ثانيا : ثناء الناس على العمل: محبة الناس للمخلص وثنائهم عليه لاشك أن هذا مما يسر المؤمن ويستبشر له ولكن من دون تعرض منه لحمدهم وتقصد لنيل ثنائهم فهذه بشرى لا تضر العبد ولا تخرجه من الإخلاص ويدل عليه ما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : « أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال تلك عاجل بشرى المؤمن » رواه مسلم.
ثالثا : الإقبال على العمل عند مخالطة الصالحين: وهذا ليس برياء قال الإمام المقدسي رحمه الله : قد يبيت الرجل مع المجتهدين فيصلون أكثر الليل وعادته قيام ساعة فيوافقهم، أو يصومون فيصوم، ولولاهم ما انبعث على هذا النشاط، فربما ظن أن هذا رياء، وليس كذلك على الإطلاق بل فيه تفصيل وهو أن كل مؤمن يرغب في عبادة الله تعالى ولكن تعوقه بعض العوائق وتستهويه الغفلة، فربما كانت مشاهدة الغير سبباً لزوال الغفلة واندفاع العوائق ففي مثل هذه الاحوال ينتدب الشيطان للصد عن الطاعة، ويقول: إذا عملت غير عادتك كنت مرائياً، فلا ينبغي أن يلتفت إليه، وإنما ينبغي أن ينظر في قصده الباطن ولايلتفت إلى وسواس الشيطان.
• قصة
قال ابن قتيبة في عيون الأخبار: أن مسلمة (أحد قادة المسلمين) حاصر حصناً، فندب الناس إلى نقب منه فما دخله أحد، فجاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتحه ففتح الله عليهم فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد فنادى: إنى قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي فعزمت عليه إلا جاء فجاء رجل فقال: استأذن لي على الأمير
فقال له : أنت صاحب النقب؟
قال : أنا أخبركم عنه فأتي مسلمة فأخبره عنه فأذن له فقال له: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً : ألا تسودوا اسمه في صحيفه إلا الخليفة ولا تأمروا له بشيء ولا تسألوه ممن هو.
قال: فذاك له.
قال: أنا هو
فكان مسلمة لا يصلي بعدها صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب.
منقــــــــول
• حقيقة الإخلاص
للعلماء في المراد من الإخلاص عبارات متقاربه مدارها على أن يريد العبد بطاعته التقرب إلى الله سبحانه دون شئ آخر، من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب به إلى الله تعالى.
• ثمرات الإخلاص
1- دخول جنات النعيم: قال تعالى: { إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } (الصافات : 40-41 ) .
2- قبول العمل: قال صلى الله عليه وسلم: « إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغى به وجهه » رواه النسائي وحسنه الألباني.
3- الفوز بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم : قال صلى الله عليه وسلم « أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه » رواه البخاري.
4- تنقية القلب من الحقد: قال صلى الله عليه وسلم: « ثلاث لا ُيغلُّ عليهنَّ قلب مسلم : إخلاص العمل لله » رواه أحمد
5- مغفرة الذنوب ومضاعفة الأجر: فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أعمالا صغيره غفر لأصحابها ببركة إخلاصهم كحديث صاحب البطاقة وحديث البغي التي سقت كلباً فغفر الله لها وقصة الرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها، وإلا فليس كل بغي سقت كلباً يغفر لها فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص .
6- الظفر بالنصر والتمكين: قال صلى الله عليه وسلم : « إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم » أخرجه النسائي وصححه الألباني. ومن تأمل حياة سلفنا الصالح يجدهم لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وزكاة نفوسهم وإخلاص قلوبهم.
7- نيل قبول الناس ومحبتهم: قال مجاهد إن العبد إذا أقبل إلى الله عز وجل بقلبه أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه. وقال الفضيل: من أحب أن يُذكر لم يُذكر ومن كره أن يذكر ذُكر.
8- قلب المباحات إلى طاعات: قال صلى الله عليه وسلم: « إنك لن تنفق نفقه تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك » رواه البخاري. فالإخلاص يرفع المباحات إلى منزلة المطاعات وقد كان السلف يستحضرون النية الصالحة عند فعل المباحات.
قال زبيد اليامي : إني لأحب أن يكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب .
9- بلوغ النية الخالصة مبلغ العمل: مصاحب النية الصالحة قد يعجز عن عمل الخير الذي يصبو إليه لقلة ماله أو ضعف صحة ولكن الله يرفع المخلص إلى مراتب العاملين الموفقين قال صلى الله عليه وسلم: « إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا! حبسهم العذر » رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: « من أتى إلى فراشه وهو ينوى أن يقوم يصلى من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى، وكان نومه صدقه عليه من ربه عز وجل» أخرجه النسائي وصححه الألباني.
10- تنفيس الكرب والنجاة من الشدائد: قال تعالى { وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ } (لقمان : 32 )
11- الحفظ من كيد الشيطان: قال تعالى عن الشيطان { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } (ص : 83 ) فتبين من الآية أن إخلاصهم كان سينا في حفظهم من إضلال الشيطان وأعوانه.
قال أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد انقطعت عنه الوساوس والرياء.
12- نيل التوفيق والأنس والبركة: قيل لحمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق.
13- النجاه من الفتن: قال تعالى عن يوسف عليه السلام { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } (يوسف : 24 ) قال ابن القيم: فلما أخلص لربه صرف عنه دواعي السوء والفحشاء فانصرف عنه فالإخلاص سبيل الخلاص.
• مسائل في الإخلاص
1- ما يضاد الإخلاص: الأمور التي تنافي الإخلاص عديدة من أبرزها:
أولا: الرياء والسمعة: وهو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس ونيل حمدهم. وأصل الرياء والسمعة طلب المنزلة في قلوب الناس بايرائهم الخير وإسماعهم للطاعة.
ثانيا: العجب بالنفس: والعجب كبر باطن بخصال النفس يورث تكبراً ظاهراً في الأقوال والأعمال والأحوال، وإنما كان العجب مهلكاً لأن صاحبه يستعظم عبادته ويتبجح بها ويمن على الله بفعلها وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق والتمكين منها .
قيل لعائشة رضي الله عنهما: متى يكون الرجل مسيئاً قالت: إذا ظن أنه محسن
وعلاج ذلك: أن يعرف المعجب حقيقة نفسه وكثرة عيوبه وأن يقدر ربه حق قدره.
جاء أن مالك بن دينار: مر عليه المهلب بن أبي صفره وهو يتبختر في مشيته فقال له مالك أما علمت أن هذه المشية تكره إلا بين الصفين؟! فقال له المهلب: أما تعرفني؟! فقال له : أعرفك أحسن المعرفة. قال وما تعرف منى؟ فقال: أما أولك فنطفة مذره وآخرك جيفة قذره وأنت بينهما تحمل العذره فسكت المهلب .ثالثاً: إتباع الهوى: قال ابن تيمية: وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر الله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب والله ورسوله بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ويغضب إذا حصل مايغضب له بهواه . أهـ
وهذا بخلاف المخلص فإنه متوجه إلى الله تعالى بكليته قال تعالى { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } (النازعات : 40 ) أي كفها عن شهواتها الصاده عن طاعة الله تعالى، فاتباع الهوى مضاد للإخلاص مبطل للعمل بل متبع الهوى إذا عمل عملاً صالحاً اتباعاً لهواه لاعبودية لله فإن عمله غير مقبول.
2- ليس من الرياء
يدخل الشيطان على كثير من الناس من مداخل شتى وصور متعددة كل ذلك ليصرفهم عن الطاعات والتزود من القربات ومن هذه الصور:
أولا: ترك العمل مخافة الرياء: فترك العمل خشية الرياء وسوسه من الشيطان وحبالة من حبالاته فعلى العبد أن يمضى في طاعته فإن ذلك شديد الألم على شيطانه قال الفضيل: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله عنها . قال النخعي : إذا أتاك الشيطان وأنت في صلاة فقال: إنك مراء، فزدها طولاً. وقل المؤمن المخلص أن يستمر في العمل ويجاهد نفسه لتستمر على الإخلاص.
ثانيا : ثناء الناس على العمل: محبة الناس للمخلص وثنائهم عليه لاشك أن هذا مما يسر المؤمن ويستبشر له ولكن من دون تعرض منه لحمدهم وتقصد لنيل ثنائهم فهذه بشرى لا تضر العبد ولا تخرجه من الإخلاص ويدل عليه ما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : « أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال تلك عاجل بشرى المؤمن » رواه مسلم.
ثالثا : الإقبال على العمل عند مخالطة الصالحين: وهذا ليس برياء قال الإمام المقدسي رحمه الله : قد يبيت الرجل مع المجتهدين فيصلون أكثر الليل وعادته قيام ساعة فيوافقهم، أو يصومون فيصوم، ولولاهم ما انبعث على هذا النشاط، فربما ظن أن هذا رياء، وليس كذلك على الإطلاق بل فيه تفصيل وهو أن كل مؤمن يرغب في عبادة الله تعالى ولكن تعوقه بعض العوائق وتستهويه الغفلة، فربما كانت مشاهدة الغير سبباً لزوال الغفلة واندفاع العوائق ففي مثل هذه الاحوال ينتدب الشيطان للصد عن الطاعة، ويقول: إذا عملت غير عادتك كنت مرائياً، فلا ينبغي أن يلتفت إليه، وإنما ينبغي أن ينظر في قصده الباطن ولايلتفت إلى وسواس الشيطان.
• قصة
قال ابن قتيبة في عيون الأخبار: أن مسلمة (أحد قادة المسلمين) حاصر حصناً، فندب الناس إلى نقب منه فما دخله أحد، فجاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتحه ففتح الله عليهم فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد فنادى: إنى قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي فعزمت عليه إلا جاء فجاء رجل فقال: استأذن لي على الأمير
فقال له : أنت صاحب النقب؟
قال : أنا أخبركم عنه فأتي مسلمة فأخبره عنه فأذن له فقال له: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً : ألا تسودوا اسمه في صحيفه إلا الخليفة ولا تأمروا له بشيء ولا تسألوه ممن هو.
قال: فذاك له.
قال: أنا هو
فكان مسلمة لا يصلي بعدها صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب.
منقــــــــول