ابو اكرام فتحون
2016-02-16, 07:42
بسم الله الرحمن الرحيم
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فبِأَيِّ تَزكيةٍ بَعدَ تَزكِيَةِ الله و رَسُولهِ للصَّحابَةِ يُؤمِنون!!؟؟
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:
فمن حقِّ الصحابة علينا محبَّتَهم ونُصرَتَهم والذَّبِّ عنهم وعن أعراضهم، والتَّصدِّي لمن يتعرَّض لهم بسوء، أو يقدح فيهم أو في واحدٍ منهم، وتبرئتهم مما يُنسب إليهم من الأباطيل و الافتراءات و الأكاذيب .
بل نقول إنَّ من حقِّهم علينا أن نعقِد فيهم و من أجلهم الولاء و البراء، فمن أجلهم نوالي، ومن أجلهم نعادي، فنُحبُّ في الله من يُحبُّهم ونُبغِض في الله من يُبغِضهم، كما هو منهج أهل السنة والجماعة .
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في « العقيدة الطحاوية » التي نقلها عن أهل السنة والجماعة: «ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرِّطُ في حبِّ أحدٍ منهم، ولا نتبرَّأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم .
ولا نذكرهم إلاَّ بخير؛ وحبُّهم دين وإيمان و إحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان »انتهى.
ومع الأسف الشَّديد فقد رأينا رءوس الرافضة قد أينعت في هذا البلد السُّنِّي، وبيوضها قد فقصت، وأفراخها قد خرجت، فكان لزامًا علينا تنبيه المسلمين إلى خطرهم، و تذكيرهم بفساد عقائدهم، و بيان فضل من قام دين الرافضة المجوس على الطَّعن فيهم وانتقاصهم ظلمًا وعدوانًا، وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم أجمعين .
وقد كان لإخواننا أعضاء هذا المنتدى المبارك قصب السبق في خوض هذا المضمار، والتصدِّي لكيد الرافضة الأشرار، وبيان خطرهم وشرِّهم على البلاد والعباد، شعرًا ونثرًا من حين بدأ قرنهم بالبروز في هذه البلاد، نصحًا لأئمة المسلمين وعامتهم، فجزاهم الله خيرا أجمعين .
ولشيخنا الجليل المشرف العام على المنتديات لزهر سنيقرة حفظه الله اليد الطُّولى و القدح المعلَّى، في ذلك كلِّه، فهو فارس هذا الميدان في هذه البلاد فيما نحسبه، فلم يُبق لهم شاردةً ولا واردةً، ولا شاذَّةً ولا فاذَّةً من عقائدهم الفاسدة إلا فنَّدها وبيَّن عوارها وحذَّر المسلمين منها ومن شرِّ أهلها، في دروسه و خطبه ومحاضراته، و في مقالاته ومجالسه، فأعظم الله له الأجر، وأجزل له المثوبة، و جعله شوكة في حلوقهم يموتون اختناقًا من غصَّتها.
ومن باب المشاركة في هذا الخير أحببتُ أن أحشر نفسي في زمرة إخواني بهذا المقال مُنوِّهًا بفضل الصحابة الكرام رضي الله عنهم، و مُبيِّنًا لعظيم منزلتهم في الدِّين، و ذلك بإبراز ما ورد في نصوص الكتاب والسنَّة من جميل الثَّناءات العطرة عليهم، التي لم يُر لها مثيلٌ، و لم يَنعَم بها أحدٌ غيرهم، ولم تقرَّ بها عينُ أحدٍ سواهم، بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قاصدًا بذلك تذكير نفسي و أهل هذه البلاد التي بدأ سرطان الرَّفض ينخر في أهلها، و ظلام التشيُّع يسري في أرجائها، بعد أن لم يكن لأحفاد المجوس طمعٌ حتى في تاركي الصلاة فيها، ولا في الفسَّاق والسُّكارى، بل و لا حتى في العلمانيين و الاشتراكيِّين، منهم .
ها هي الآن أصواتهم تعلوا في وسائل إعلامنا، وشُبهُهم تروج داخل بيوتنا، وفي أوساط جميع شرائح مجتمعنا، تنخر في جسد أمَّتنا، فالسِّكِّين قد وصل إلى العظم، و سرطانهم يكاد يشُلُّ الوظائف الحيويَّة في جسم هذه الأمَّة .
فمساهمةً في إحياء الغيرة على أعراض الصَّحابة في النفوس، و خرسًا لألسنة منتقصيهم، و محاولةً في صدِّ عدوان الرافضة المجوس على أعراضهم، وسعيًا في إظهار فضلهم، وعظيم مكانتهم في الإسلام، ليتذَّكرها من أنسَته إيَّاها خُزعبلات الرَّافضة، و يُبصرَها من أعمَته عنها شبهاتهم، كتبتُ هذا المقال، الذي أرجو به الثواب والأجر من الله، فأقول و بالله أصولُ وأجول:
لقد خلق الله سبحانه وتعالى خلقه وفاضل بينهم، فخلق الأزمنة و جعل بعضها أفضل من بعض، ففضَّل من الشهور الأشهر الحرم، و شهر رمضان، ومن الأيام يوم الجمعة وعرفة، و العشر الأول من شهر ذي الحجة، ومن اللَّيالي العشر الأواخر من رمضان، وفيها ليلة القدر وجعلها أفضل من ألف شهر .
و خلق الأمكنة، وفضل بعضها على بعض، كذلك .
و فاضل بين ملائكته، واصطفى رسله من بين البشر وفاضل بينهم .
فله سبحانه وتعالى الخلق والأمر{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .
وكلُّ فاضلٍ من الأزمنة أو الأمكنة أو الذَّوات وغيرها من المخلوقات إنَّما عرفنا فضله، ومزيَّته على غيره عن طريق الوحي المتمثِّل في كتاب الله العزيز،و سنة رسوله الأمين عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم .
ومن نفس هذه الطريق، أدركنا فضل الصحابة رضي الله عنهم على من سواهم من البشر بعد الأنبياء، وعرفنا مزِيَّتهم على غيرهم من الناس، و تيقَّنَّا عدالتهم، بما ورد في حقِّهم من النصوص الكثيرة، المُبيِّنة لعلوِّ منزلتهم، المثبتة لكمال عدالتهم، المنصوص فيها على عظيم فضلهم، المتواردَة في تزكيتهم و حسن الثناء عليهم والتصريح برضا الله ورسوله عنهم، ونحو ذلك من وجوه الدِّلالات الصريحة على اختلاف أنواعها التي يكفي نوعٌ واحدٌ منها في إفادة عدالة الصحابة، و ثبوت تزكيتهم، فكيف بها مجتمعة؟! .
فمن شكَّك في إفادتها لما ذكرنا من عدالة الصحابة، والنَّصِّ على تزكيتهم، فبماذا يُثبت لنا فضل الأنبياء؟ والملائكة؟ فإنَّ تزكيته سبحانه وتعالى لصحابة نبيِّه الكرام، لا تختلف عن تزكيته لرسله من جهة الطريق الحاصلة بها، فمن رفض تزكيته سبحانه للصحابة و ردَّها فليرفض تزكيته كذلك لأنبيائه و ملائكته .
إنَّ تزكية الله تعالى لصحابة نبيِّه صلى الله عليه وسلم لا يرفُضُها إلَّا مُكذِّبٌ بالقرآن الكريم، ولا يرُدُّها إلَّا كافرٌ بالله العظيم، مرتدٌّ عن دين ربِّ العالمين، زنديقٌ أفَّاكٌ أثيم .
فإنَّ الله تعالى كما أنَّه أعلم بنفسه من غيره، فهو سبحانه أعلم كذلك بخلقه { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِير} و{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.
فالله أعلم بمن اتَّقى، و بمن هو مؤمنٌ حقيقةً، ممن ليس كذلك، وقد شهِد للصحابة الكرام بالإيمان و التَّقوى وزكاة النفس وطهارة القلب، و جمال السيرة، وصلاح السَّريرة، و أثنى عليهم، و أخبر عن رضاه عنهم، و أكَّد ذلك بأنواعٍ من الدِّلالات، وصنوفٍ من التَّزكيات في مواضع كثيرةٍ من كتابه، حتى أصبح الجزم بعدالة الصحابة، كالجزم بوحدانية الله تعالى، ونبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
ولقد أدرك المسلمون هذه الحقائق القرآنية، وفهموا مراده سبحانه منها، كما فهموا مراده من قوله:{ إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}، ومن قوله سبحانه: { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ }.
فهذا عندهم يساوي قوله تعالى: { وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
وقوله تعالى: { لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }.
« ولقد وعيَ أسلافنا الصالحون هذه الحقائق الكبيرة، وهذه المنزلة العظيمة لهؤلاء الأخيار؛ سادة هذه الأمة وقادتها وأئمتها في العلم، والجهاد، والعبادة، والأخلاق، والصدق في كل شأنٍ، في الأخبار وتبليغ هذا الدين، والعمل به، والدعوة إليه، والجهاد في نشره وإعلائه على الأديان كلها .
وَعَى أسلافُنا الصالحون هذه الحقائق والمنازل الرفيعة لهؤلاء الأمجاد الأكرمين،
واستقرَّ هذا الوعي في قلوبهم؛ فدانوا به، وربَّوْا الأمةَ عليه، وألَّفوا في فضائل هؤلاء الصحب الكرام المؤلفات.
وتلقَّى ذلك عنهم الأجيالُ جيلاً بعد جيل، لا يخالفهم في هذا المنهج إلاَّ من خذله الله، فلم يرفع رأسـًا بما قرَّره القرآن والكتب قبله، ولا بما قرَّره الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم خيار أمته »[" مجموعة كتب ورسائل الشيخ ربيع "(7/443-444)] .
إنَّ عدالة الرَّجل عند المسلمين جميعًا تثبت بتعديل أئمة و علماء الجرح والتعديل له، فمن وثَّقوه وعدَّلوه فهو العدل الثِّقة .
فإن كان من الرُّواة، قُبلت روايته، وإن كان من الدُّعاة أُخذ عنه وجُلِس إليه .
وهذا ما يُعرف بتنصيص الأئمة، وهو من أعظم ما يثبت به الجرح والتعديل في حقِّ الرُّواة والدُّعاة، ونقلة العلم والآثار .
قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله كما في "المقدمة مع التقييد"(1/115):« عدالة الراوي: تارة تثبت بتنصيص المعدلين على عدالته وتارة تثبت بالاستفاضة..» .
و على هذا درج المحدِّثون؛ فإنك تجدهم يعتمدون على كلام أئمة الجرح والتعديل في الرُّواة ورجال الأسانيد، فهي عمدتهم في قبول حديث الرَّاوي أو ردِّه.
فمن وثَّقوه من الرُّواة قُبل حديثه، ومن ضعَّفوه رُدَّ حديثه، إذ هم شهداء الله في الأرض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في « الفتاوى » (19/178):«وقد جعلهم الله شهداء على الناس وأقام شهادتهم مقام شهادة الرسول » .
والحاصل من هذا التَّقرير: أنَّ الأمة الإسلامية أجمعت على قبول و تعديل الأئمة والعلماء للرُّواة و كذا الدُّعاة، و الأخذ بتزكيتهم والعمل بمقتضاها .
فكيف بتزكية الله و رسوله؟، وتعديل الله و رسوله؟ وهل يُماري أحدٌ في أنَّها أعظم و أعظم من تزكية الأئمة؟ فإذا قبلنا تزكية الأئمة والعلماء للرُّواة والدُّعاة وهم ليسوا بمعصومين، فإنَّ قبولنا لتزكية من زكَّاه الله ورسوله من باب أولى وأحرى، وقد فاز بها الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فلم يحُوِجهم ربهم بعدها لتزكية أحدٍ من البشر كائنًا من كان .
ولذا؛ نجد علماء الحديث عند إرادة الحكم على الحديث بالصحة أو الضَّعف، ينظرون في رجال الإسناد، و يفحصون عنهم ويبحثون عن أحوالهم، في كتب التراجم والجرح والتعديل؛ هل هم ممن زكاهم الأئمة و وثَّقوهم أم لا، فإن وجدوا لهم توثيقًا من الأئمة صحَّحوا حديثهم، وإلا فلا، لكنهم لا يفعلون ذلك مع الصحابة، بل إذا وصل أحدهم إلى الصحابي قال: بكلِّ أدب: صحابيٌّ جليل، ولم يزد على ذلك مكتفيًا بتعديل الله و رسوله لهم، و مُقرًّا باستغنائهم عن تعديله و توثيقه .
قال الخطيب البغدادي في كتابه " الكفاية " (ص93-97): باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة وأنه لا يحتاج إلى سؤالٍ عنهم وإنما يجب فيمن دونهم ثم قال: « كلُّ حديثٍ اتَّصل إسناده بين من رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن... »، ثم ساق آيات وأحاديث في بيان فضلهم ومنزلتهم رحمه الله وغفر له، ورضي عن الصحابة .
وقال القرطبي في « تفسيره »(16/297):« الصحابة كلهم عدول، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة، وقد ذهبت شِرذمةٌ لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم، ومنهم من فرَّق بين حالهم في بداءة الأمر فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك، ثم تغيَّرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء ، فلا بد من البحث، وهذا مردود »انتهى .
و إذا تأمَّلنا في القرآن والسنَّة وجدنا بأنَّ تزكية الله و رسوله للصحابة الكرام، قد تنوَّعت وتكاثرت بما يُخرص لسان كلِّ طعَّانٍ فيهم ومنتقصٍ لهم، ولعلِّي أن أقتصر على ثلاثة أنواعٍ منها أرى بأنَّها من أعظم ما يدلُّ على عظيم فضلهم، وكبير منزلته، وعلوِّ مكانتهم، وتحقُّقِ عدالتهم، وثبوت تزكيتهم .
* فمن هذه الأنواع الثلاثة:
يتبع بإذن الله.
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فبِأَيِّ تَزكيةٍ بَعدَ تَزكِيَةِ الله و رَسُولهِ للصَّحابَةِ يُؤمِنون!!؟؟
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:
فمن حقِّ الصحابة علينا محبَّتَهم ونُصرَتَهم والذَّبِّ عنهم وعن أعراضهم، والتَّصدِّي لمن يتعرَّض لهم بسوء، أو يقدح فيهم أو في واحدٍ منهم، وتبرئتهم مما يُنسب إليهم من الأباطيل و الافتراءات و الأكاذيب .
بل نقول إنَّ من حقِّهم علينا أن نعقِد فيهم و من أجلهم الولاء و البراء، فمن أجلهم نوالي، ومن أجلهم نعادي، فنُحبُّ في الله من يُحبُّهم ونُبغِض في الله من يُبغِضهم، كما هو منهج أهل السنة والجماعة .
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في « العقيدة الطحاوية » التي نقلها عن أهل السنة والجماعة: «ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرِّطُ في حبِّ أحدٍ منهم، ولا نتبرَّأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم .
ولا نذكرهم إلاَّ بخير؛ وحبُّهم دين وإيمان و إحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان »انتهى.
ومع الأسف الشَّديد فقد رأينا رءوس الرافضة قد أينعت في هذا البلد السُّنِّي، وبيوضها قد فقصت، وأفراخها قد خرجت، فكان لزامًا علينا تنبيه المسلمين إلى خطرهم، و تذكيرهم بفساد عقائدهم، و بيان فضل من قام دين الرافضة المجوس على الطَّعن فيهم وانتقاصهم ظلمًا وعدوانًا، وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم أجمعين .
وقد كان لإخواننا أعضاء هذا المنتدى المبارك قصب السبق في خوض هذا المضمار، والتصدِّي لكيد الرافضة الأشرار، وبيان خطرهم وشرِّهم على البلاد والعباد، شعرًا ونثرًا من حين بدأ قرنهم بالبروز في هذه البلاد، نصحًا لأئمة المسلمين وعامتهم، فجزاهم الله خيرا أجمعين .
ولشيخنا الجليل المشرف العام على المنتديات لزهر سنيقرة حفظه الله اليد الطُّولى و القدح المعلَّى، في ذلك كلِّه، فهو فارس هذا الميدان في هذه البلاد فيما نحسبه، فلم يُبق لهم شاردةً ولا واردةً، ولا شاذَّةً ولا فاذَّةً من عقائدهم الفاسدة إلا فنَّدها وبيَّن عوارها وحذَّر المسلمين منها ومن شرِّ أهلها، في دروسه و خطبه ومحاضراته، و في مقالاته ومجالسه، فأعظم الله له الأجر، وأجزل له المثوبة، و جعله شوكة في حلوقهم يموتون اختناقًا من غصَّتها.
ومن باب المشاركة في هذا الخير أحببتُ أن أحشر نفسي في زمرة إخواني بهذا المقال مُنوِّهًا بفضل الصحابة الكرام رضي الله عنهم، و مُبيِّنًا لعظيم منزلتهم في الدِّين، و ذلك بإبراز ما ورد في نصوص الكتاب والسنَّة من جميل الثَّناءات العطرة عليهم، التي لم يُر لها مثيلٌ، و لم يَنعَم بها أحدٌ غيرهم، ولم تقرَّ بها عينُ أحدٍ سواهم، بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قاصدًا بذلك تذكير نفسي و أهل هذه البلاد التي بدأ سرطان الرَّفض ينخر في أهلها، و ظلام التشيُّع يسري في أرجائها، بعد أن لم يكن لأحفاد المجوس طمعٌ حتى في تاركي الصلاة فيها، ولا في الفسَّاق والسُّكارى، بل و لا حتى في العلمانيين و الاشتراكيِّين، منهم .
ها هي الآن أصواتهم تعلوا في وسائل إعلامنا، وشُبهُهم تروج داخل بيوتنا، وفي أوساط جميع شرائح مجتمعنا، تنخر في جسد أمَّتنا، فالسِّكِّين قد وصل إلى العظم، و سرطانهم يكاد يشُلُّ الوظائف الحيويَّة في جسم هذه الأمَّة .
فمساهمةً في إحياء الغيرة على أعراض الصَّحابة في النفوس، و خرسًا لألسنة منتقصيهم، و محاولةً في صدِّ عدوان الرافضة المجوس على أعراضهم، وسعيًا في إظهار فضلهم، وعظيم مكانتهم في الإسلام، ليتذَّكرها من أنسَته إيَّاها خُزعبلات الرَّافضة، و يُبصرَها من أعمَته عنها شبهاتهم، كتبتُ هذا المقال، الذي أرجو به الثواب والأجر من الله، فأقول و بالله أصولُ وأجول:
لقد خلق الله سبحانه وتعالى خلقه وفاضل بينهم، فخلق الأزمنة و جعل بعضها أفضل من بعض، ففضَّل من الشهور الأشهر الحرم، و شهر رمضان، ومن الأيام يوم الجمعة وعرفة، و العشر الأول من شهر ذي الحجة، ومن اللَّيالي العشر الأواخر من رمضان، وفيها ليلة القدر وجعلها أفضل من ألف شهر .
و خلق الأمكنة، وفضل بعضها على بعض، كذلك .
و فاضل بين ملائكته، واصطفى رسله من بين البشر وفاضل بينهم .
فله سبحانه وتعالى الخلق والأمر{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .
وكلُّ فاضلٍ من الأزمنة أو الأمكنة أو الذَّوات وغيرها من المخلوقات إنَّما عرفنا فضله، ومزيَّته على غيره عن طريق الوحي المتمثِّل في كتاب الله العزيز،و سنة رسوله الأمين عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم .
ومن نفس هذه الطريق، أدركنا فضل الصحابة رضي الله عنهم على من سواهم من البشر بعد الأنبياء، وعرفنا مزِيَّتهم على غيرهم من الناس، و تيقَّنَّا عدالتهم، بما ورد في حقِّهم من النصوص الكثيرة، المُبيِّنة لعلوِّ منزلتهم، المثبتة لكمال عدالتهم، المنصوص فيها على عظيم فضلهم، المتواردَة في تزكيتهم و حسن الثناء عليهم والتصريح برضا الله ورسوله عنهم، ونحو ذلك من وجوه الدِّلالات الصريحة على اختلاف أنواعها التي يكفي نوعٌ واحدٌ منها في إفادة عدالة الصحابة، و ثبوت تزكيتهم، فكيف بها مجتمعة؟! .
فمن شكَّك في إفادتها لما ذكرنا من عدالة الصحابة، والنَّصِّ على تزكيتهم، فبماذا يُثبت لنا فضل الأنبياء؟ والملائكة؟ فإنَّ تزكيته سبحانه وتعالى لصحابة نبيِّه الكرام، لا تختلف عن تزكيته لرسله من جهة الطريق الحاصلة بها، فمن رفض تزكيته سبحانه للصحابة و ردَّها فليرفض تزكيته كذلك لأنبيائه و ملائكته .
إنَّ تزكية الله تعالى لصحابة نبيِّه صلى الله عليه وسلم لا يرفُضُها إلَّا مُكذِّبٌ بالقرآن الكريم، ولا يرُدُّها إلَّا كافرٌ بالله العظيم، مرتدٌّ عن دين ربِّ العالمين، زنديقٌ أفَّاكٌ أثيم .
فإنَّ الله تعالى كما أنَّه أعلم بنفسه من غيره، فهو سبحانه أعلم كذلك بخلقه { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِير} و{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.
فالله أعلم بمن اتَّقى، و بمن هو مؤمنٌ حقيقةً، ممن ليس كذلك، وقد شهِد للصحابة الكرام بالإيمان و التَّقوى وزكاة النفس وطهارة القلب، و جمال السيرة، وصلاح السَّريرة، و أثنى عليهم، و أخبر عن رضاه عنهم، و أكَّد ذلك بأنواعٍ من الدِّلالات، وصنوفٍ من التَّزكيات في مواضع كثيرةٍ من كتابه، حتى أصبح الجزم بعدالة الصحابة، كالجزم بوحدانية الله تعالى، ونبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
ولقد أدرك المسلمون هذه الحقائق القرآنية، وفهموا مراده سبحانه منها، كما فهموا مراده من قوله:{ إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}، ومن قوله سبحانه: { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ }.
فهذا عندهم يساوي قوله تعالى: { وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
وقوله تعالى: { لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }.
« ولقد وعيَ أسلافنا الصالحون هذه الحقائق الكبيرة، وهذه المنزلة العظيمة لهؤلاء الأخيار؛ سادة هذه الأمة وقادتها وأئمتها في العلم، والجهاد، والعبادة، والأخلاق، والصدق في كل شأنٍ، في الأخبار وتبليغ هذا الدين، والعمل به، والدعوة إليه، والجهاد في نشره وإعلائه على الأديان كلها .
وَعَى أسلافُنا الصالحون هذه الحقائق والمنازل الرفيعة لهؤلاء الأمجاد الأكرمين،
واستقرَّ هذا الوعي في قلوبهم؛ فدانوا به، وربَّوْا الأمةَ عليه، وألَّفوا في فضائل هؤلاء الصحب الكرام المؤلفات.
وتلقَّى ذلك عنهم الأجيالُ جيلاً بعد جيل، لا يخالفهم في هذا المنهج إلاَّ من خذله الله، فلم يرفع رأسـًا بما قرَّره القرآن والكتب قبله، ولا بما قرَّره الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم خيار أمته »[" مجموعة كتب ورسائل الشيخ ربيع "(7/443-444)] .
إنَّ عدالة الرَّجل عند المسلمين جميعًا تثبت بتعديل أئمة و علماء الجرح والتعديل له، فمن وثَّقوه وعدَّلوه فهو العدل الثِّقة .
فإن كان من الرُّواة، قُبلت روايته، وإن كان من الدُّعاة أُخذ عنه وجُلِس إليه .
وهذا ما يُعرف بتنصيص الأئمة، وهو من أعظم ما يثبت به الجرح والتعديل في حقِّ الرُّواة والدُّعاة، ونقلة العلم والآثار .
قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله كما في "المقدمة مع التقييد"(1/115):« عدالة الراوي: تارة تثبت بتنصيص المعدلين على عدالته وتارة تثبت بالاستفاضة..» .
و على هذا درج المحدِّثون؛ فإنك تجدهم يعتمدون على كلام أئمة الجرح والتعديل في الرُّواة ورجال الأسانيد، فهي عمدتهم في قبول حديث الرَّاوي أو ردِّه.
فمن وثَّقوه من الرُّواة قُبل حديثه، ومن ضعَّفوه رُدَّ حديثه، إذ هم شهداء الله في الأرض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في « الفتاوى » (19/178):«وقد جعلهم الله شهداء على الناس وأقام شهادتهم مقام شهادة الرسول » .
والحاصل من هذا التَّقرير: أنَّ الأمة الإسلامية أجمعت على قبول و تعديل الأئمة والعلماء للرُّواة و كذا الدُّعاة، و الأخذ بتزكيتهم والعمل بمقتضاها .
فكيف بتزكية الله و رسوله؟، وتعديل الله و رسوله؟ وهل يُماري أحدٌ في أنَّها أعظم و أعظم من تزكية الأئمة؟ فإذا قبلنا تزكية الأئمة والعلماء للرُّواة والدُّعاة وهم ليسوا بمعصومين، فإنَّ قبولنا لتزكية من زكَّاه الله ورسوله من باب أولى وأحرى، وقد فاز بها الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فلم يحُوِجهم ربهم بعدها لتزكية أحدٍ من البشر كائنًا من كان .
ولذا؛ نجد علماء الحديث عند إرادة الحكم على الحديث بالصحة أو الضَّعف، ينظرون في رجال الإسناد، و يفحصون عنهم ويبحثون عن أحوالهم، في كتب التراجم والجرح والتعديل؛ هل هم ممن زكاهم الأئمة و وثَّقوهم أم لا، فإن وجدوا لهم توثيقًا من الأئمة صحَّحوا حديثهم، وإلا فلا، لكنهم لا يفعلون ذلك مع الصحابة، بل إذا وصل أحدهم إلى الصحابي قال: بكلِّ أدب: صحابيٌّ جليل، ولم يزد على ذلك مكتفيًا بتعديل الله و رسوله لهم، و مُقرًّا باستغنائهم عن تعديله و توثيقه .
قال الخطيب البغدادي في كتابه " الكفاية " (ص93-97): باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة وأنه لا يحتاج إلى سؤالٍ عنهم وإنما يجب فيمن دونهم ثم قال: « كلُّ حديثٍ اتَّصل إسناده بين من رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن... »، ثم ساق آيات وأحاديث في بيان فضلهم ومنزلتهم رحمه الله وغفر له، ورضي عن الصحابة .
وقال القرطبي في « تفسيره »(16/297):« الصحابة كلهم عدول، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة، وقد ذهبت شِرذمةٌ لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم، ومنهم من فرَّق بين حالهم في بداءة الأمر فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك، ثم تغيَّرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء ، فلا بد من البحث، وهذا مردود »انتهى .
و إذا تأمَّلنا في القرآن والسنَّة وجدنا بأنَّ تزكية الله و رسوله للصحابة الكرام، قد تنوَّعت وتكاثرت بما يُخرص لسان كلِّ طعَّانٍ فيهم ومنتقصٍ لهم، ولعلِّي أن أقتصر على ثلاثة أنواعٍ منها أرى بأنَّها من أعظم ما يدلُّ على عظيم فضلهم، وكبير منزلته، وعلوِّ مكانتهم، وتحقُّقِ عدالتهم، وثبوت تزكيتهم .
* فمن هذه الأنواع الثلاثة:
يتبع بإذن الله.