التواتي الكنتي
2016-02-09, 21:43
الخطبة الأولى
_________
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه وآله وارض اللهم عن أصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين أما بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين وارجوا اليوم الآخر وتلمسوا أسباب النجاة في هذه الحياة وبواعث السعادة بعد الممات....إذا أذن الله لإسرافيل أن ينفخ نفخة البعث والنشور خرجت الخلائق من قبورها يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر [القمر:7]. يزحفون على بطونهم كما يزحف الجراد، ثم يحاولون الوقوف فيكونون كالجمال الصغيرة المولودة كالحيران الحائرة ويسميها الله بالفراش كالفراش المبثوث [القارعة:4]. ثم تشتد أقدامهم فيقفون حفاة عراة غرلاً وتأتي الشمس فوق الرؤوس على قدر ميل ويأخذهم العرق حتى يغرقوا إلا من رحم الله وتزدحم الخلائق وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض [الكهف:99]. أمواج بشرية لا يعلم عددها إلا الله وأمواج جنيةٌ وشيطانية، وأمواج من الحيوان والطير والوحش والحشرات، يقول الله لغير المكلفين: كونوا تراباً فيكونون تراباً فيقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً [النبأ:40]...وفي هذا المشهد العصيب يُطارد الإنسان عشرة شهود، عشرة، يأتي الكتاب الذي كتبه الملكان، يقول الله عنه: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه [ق:16]. وهذا الكتاب شاهد أول من يقرأه؟ أنت ووضع الكتاب فترى الجرمين مشفقين مما فيه [الكهف:49]. كتابك يقول الله عنه ذاك كتاب المجرمين وهذا كتابك وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه [الإسراء:13]. من اهتدى إعلان إلهي فإنما يهتدي لنفسه [الإسراء:15].ومن ضل...، ويفرح صاحب الكتاب ويحزن صاحب الكتاب...الفرح يقول: هاؤم اقرءوا كتابيه [الحاقة:24].وأما الآخر يا ليتني لم أوت كتابيه [الحاقة:28].
ويأتي الشاهد الثاني: الغلول: غلّ من أموال الدولة غل من أموال الأجيال تأتي الأجيال كلهم يحشرهم الله يطالبون بأموالهم ممن سرقها وغلها وتخيل إنسان عارياً يوم القيامة تُحاصره الملايين جيلٌ بعد جيل. أنت الذي غللت أموالنا وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة [آل عمران:161]. وكل غلول من الغنائم وأموال الأمة وفي الجهاد يأتي يوم القيامة شاهد على من غل.
والشاهد الثالث: الغدر غلول وغدر.يقول : ((يرفع يوم القيامة لكل صاحب غدرة لواءً كتب عليه: غدرة فلان بن فلانه)) [1].
أينما يتجه علم يُرفرف وراءه تاريخ الغدرة ونوعها ولمن حصلت واسم صاحبها ونتائجها وحسابها وعذابها في جهنم أينما يذهب يقرؤها القاصي والداني في عرصات يوم القيامة من قريب ومن بعيد، غدرة فلان بن فلانه بن فلان...ولا يظن الغادرون في الأعراض والأموال والأنفس والمؤسسات والمناقصات والناقلات إلى غيره أنهم سيفوتون على الله يوم القيامة بل سينصب له لواء لأنه لما غدّر أخفى غدّرته فيفضحه الله فيعلنها في لواء يُرفرف.
الشاهد الرابع: الأرض، هذا التراب الذي تمشي عليه يتكلم بلسان فصيح يعرفك أكثر مما تعرفه إذا زلزلت الأرض وأخرجت الأرض أثقالها [الزلزلة:1-2]. ونحن من أثقلها الإنس والجن، تكلمي أيتها الأرض بوحي من الله فتقول: فلان سجد عليّ وبكى، وخشع وسعى إلى المساجد، وفلان ذهب إلى الفجور والزنا تشهد الأرض بمواقع الطاعات والمعاصي فأما المؤمن إذا وافته منيته وانقطعت أعماله حزنت الأرض والسماء لأن أعماله نور في الأرض والسماء.
وأما الكافر فلا تبكيه يقول الله عنهم: فما بكت عليهم السماء والأرض [الدخان:29]...وأما الشهود الأخرى يأتون ثلاثة ثلاثة بعد هؤلاء الأربعة، الثلاثة، ماذا يقول الله عنهم؟ اسمع: شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم [فصلت:20]. ثلاثة مع بعض: سمع، بصر، جلد، هذا الثالوث المخيف...يقول : ((فإذا ما شهدوا يقول صاحبهم: سُحقاً لكُنّ وبعداً لكُنّ، إنما كنت أدُفع عنكنّ)).
يسب نفسه يشتم عينه ويشتم سمعه يشتم جلده... وكأن الجلود تقول له كيف لا نشهد ضدك وأنت الذي حرمتنا من عبادة الله الذي خلقنا على الفطرة، فالسمع كان يريد أن ينصت إلى القرآن فأنصت إلى الأغاني، والعين كانت تريد أن تخشع وتبكي تريد دمعة واحدة في العمر خاشعة لله الذي خلقها حتى يُظل صاحبها تحت ظل عرشه ((ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ولكن عينه تبكي من كل شيء إلا من الخشوع لله رب العالمين، تبكي على الدرهم والمال، تبكي عند الطرب عند الغناء عند الحزن تبكي عند الفرح ولكنها لا تبكي خاشعة لله فتشهد ضده يوم القيامة.
والجبين الذي حُرم من السجود جلد الجبهة الذي لم يسجد لله فُترى فيها سيما المصلين سيماهم في وجوههم [الفتح:29]. يشهد عليه جلد جبهته يوم القيامة فيقول له سحقاً وبعداً لك، والأيدي والأطراف كُلها تأتي يوم القيامة شهوداً أيضاً، ثالوثٌ خطير يقول الله جل جلاله: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله [فصلت:21].
ويقول عن الشهود الثلاثة الأخيرة: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين [النور:24-25].
الحق المبين أخفت اليد وأخفت الرجل وأخفى الجلد وأخفى السمع وأخفى البصر من الذي كشف هذه الحقائق إنه الحق المبين.
فيا أيها الأحباب: الرسول ينذر الناس يوم القيامة بأن منهم من يحمل شاة تيعر سرقها يحملها يوم القيامة له صوت تنادي من مكان بعيد، وآخر يحمل جمل له رُغاء يسمعه البعيد والقريب، ومنهم من يأتي يحمل مناقصة تُنقص من حسناته، فالله جل جلاله لا يخفى عليه شيء، شهودٌ أربعة وشهودٌ ثلاثة وشهودٌ عشرة تطارد الإنسان من مكان إلى مكان وما دُمنّا أيها الأحباب في دار عمل فلنتذكر حقيقة هذه الشهود.
أيا من يدعي الفهم إلى كم يا أخي الوهم
تتبع الذنب بالذنب وتخطئ إلخطأ الجم
أما بان لك العيب أما أنذرك الشيب
وما في نصحه العيب أما نادي بك الموت
أما أسمعك الصوت أما تخشى من الفوت
فتحطاط وتهتم فكم تسير في السهو
فيا أيها الكرام:...ما دمنا في دار عمل فلنحذر حذراً شديداً هذه الشهود العشرة، ولنحولها لصالحنا بالأعمال الصالحة، فنسأل الله جل جلاله أن يرزقنا يقظة إيمانية تنجينا من مصارع الغفلات.
اللهم اجعلنا نؤمن بكتابك وسنن نبيك ، نسألك المال الحلال، اللهم اجعلنا من أهل الجنان ولا تجعلنا من أهل النيران.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واحذروا من تعدي حدود الله تعالى وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّـ?لِمُونَ [البقرة:229].
عباد الله، لقد قسم الله تعالى الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير، ولا ثالث لهما، فيا أخي هل تذكرت هذا المصير، وهل بلغك ما أعد الله في الجنة لمن أطاعه، وما أعد في النار لمن عصاه؟ أما سمعت قول الشاعر الواعظ:
أما سمعت بأهل النار في النار وعن مقاساة ما يلقون في النار
أما سمعت بأكباد لهم صدعت خوفاً من النار قد ذابت على النار
أما سمعت بأغلال تناط بهم فيسحبون بها سحباً على النار
أما سمعت بضيقٍ في مجالسهم وفي الفرار ولا فرار من النار
أما سمعت بحيّات تدب بها إليهم خلقت من خالص النار
أما سمعت بأجسد لهم نضجت من العذاب ومن غلي على النار
أما سمعت بما يكلفون به من ارتقاء جبال النار في النار
حتى إذا ما علوا على شواهقها صبوا بعنف إلى أسافل النار
أما سمعت بزقومٍ يسوغه ماء صديد ولا تسويغ في النار
يسقون منه كؤساً ملئت سقما ترمي بأمعائهم رمياً على النار
يشوي الوجوه وجوهاً ألبست ظلماً بئس الشراب شراب ساكني النار
ولا ينامون إن طاف المنام بهم ولا منام لأهل النار في النار
إن يستقيلوا فلا تقال عثرتهم أو يستغيثوا فلا غياث في النار
وإن أرادوا خروجاً رد خارجهم بمقمع النار مدحوراً إلى النار
فهم إلى النار مدفوعون بالنار وهم من النار يهرعون إلى النار
ما أن يخفف عنهم من عذابهم ولا تفتر عنهم سورة النار
فهذه صدعت أكباد سامعها من ذي الحجى ومن التخليد في النار
ولو يكون إلى وقت عذابهم في النار هون ذاكم لفحة النار
فيا إلهي ومن أحكامه سبقت في الفرقتين من الجنات والنار
رحماك يا رب في ضعفي وفي ضعتي فما وجودك لي صبر على النار ولا على حر شمس إن برزت لها فكيف أصبر يا مولاي للنار
فإن تغمدني عفو وثقت به منكم وإلا فإني طعمة النار
أيها المسلمون - صلوا عباد الله على الرسول المصطفى النبي المجتبى فإن الله أمركم بذلك بقوله سبحانه } إن الله وملائكته يصلون على النبي يا آيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما الأحزاب اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وعن التابعين ومن
اللهم اختم بالسعادة اجالنا بالزيادة امالنا واقرن بالعافية غدونا واصالنا واجعل الى رحمتك مصيرنا ومرجعنا وصب سجال عفوك على ذنوبنا وجعل التقوى زادنا وفي دينك اجتهادنا وعليك توكلنا واعتمادنا ثبتنا على نهج الاستقامة واعذنا من موجبات الندامة يوم القيامة
****
اللهم خفف عنا ثقل اوزارنا وارزقنا عيشة الابرار واكفنا واصرف عنا شر الاشرار واعتق رقابنا ورقاب ابائنا وامهاتنا وعشيرتنا من عذاب القبر ومن النيران برحمتك يا ارحم الراحمين
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار عباد الله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون النحل فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..........سبحان ربك رب العزة عما يصفون ...
_________
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه وآله وارض اللهم عن أصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين أما بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين وارجوا اليوم الآخر وتلمسوا أسباب النجاة في هذه الحياة وبواعث السعادة بعد الممات....إذا أذن الله لإسرافيل أن ينفخ نفخة البعث والنشور خرجت الخلائق من قبورها يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر [القمر:7]. يزحفون على بطونهم كما يزحف الجراد، ثم يحاولون الوقوف فيكونون كالجمال الصغيرة المولودة كالحيران الحائرة ويسميها الله بالفراش كالفراش المبثوث [القارعة:4]. ثم تشتد أقدامهم فيقفون حفاة عراة غرلاً وتأتي الشمس فوق الرؤوس على قدر ميل ويأخذهم العرق حتى يغرقوا إلا من رحم الله وتزدحم الخلائق وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض [الكهف:99]. أمواج بشرية لا يعلم عددها إلا الله وأمواج جنيةٌ وشيطانية، وأمواج من الحيوان والطير والوحش والحشرات، يقول الله لغير المكلفين: كونوا تراباً فيكونون تراباً فيقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً [النبأ:40]...وفي هذا المشهد العصيب يُطارد الإنسان عشرة شهود، عشرة، يأتي الكتاب الذي كتبه الملكان، يقول الله عنه: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه [ق:16]. وهذا الكتاب شاهد أول من يقرأه؟ أنت ووضع الكتاب فترى الجرمين مشفقين مما فيه [الكهف:49]. كتابك يقول الله عنه ذاك كتاب المجرمين وهذا كتابك وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه [الإسراء:13]. من اهتدى إعلان إلهي فإنما يهتدي لنفسه [الإسراء:15].ومن ضل...، ويفرح صاحب الكتاب ويحزن صاحب الكتاب...الفرح يقول: هاؤم اقرءوا كتابيه [الحاقة:24].وأما الآخر يا ليتني لم أوت كتابيه [الحاقة:28].
ويأتي الشاهد الثاني: الغلول: غلّ من أموال الدولة غل من أموال الأجيال تأتي الأجيال كلهم يحشرهم الله يطالبون بأموالهم ممن سرقها وغلها وتخيل إنسان عارياً يوم القيامة تُحاصره الملايين جيلٌ بعد جيل. أنت الذي غللت أموالنا وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة [آل عمران:161]. وكل غلول من الغنائم وأموال الأمة وفي الجهاد يأتي يوم القيامة شاهد على من غل.
والشاهد الثالث: الغدر غلول وغدر.يقول : ((يرفع يوم القيامة لكل صاحب غدرة لواءً كتب عليه: غدرة فلان بن فلانه)) [1].
أينما يتجه علم يُرفرف وراءه تاريخ الغدرة ونوعها ولمن حصلت واسم صاحبها ونتائجها وحسابها وعذابها في جهنم أينما يذهب يقرؤها القاصي والداني في عرصات يوم القيامة من قريب ومن بعيد، غدرة فلان بن فلانه بن فلان...ولا يظن الغادرون في الأعراض والأموال والأنفس والمؤسسات والمناقصات والناقلات إلى غيره أنهم سيفوتون على الله يوم القيامة بل سينصب له لواء لأنه لما غدّر أخفى غدّرته فيفضحه الله فيعلنها في لواء يُرفرف.
الشاهد الرابع: الأرض، هذا التراب الذي تمشي عليه يتكلم بلسان فصيح يعرفك أكثر مما تعرفه إذا زلزلت الأرض وأخرجت الأرض أثقالها [الزلزلة:1-2]. ونحن من أثقلها الإنس والجن، تكلمي أيتها الأرض بوحي من الله فتقول: فلان سجد عليّ وبكى، وخشع وسعى إلى المساجد، وفلان ذهب إلى الفجور والزنا تشهد الأرض بمواقع الطاعات والمعاصي فأما المؤمن إذا وافته منيته وانقطعت أعماله حزنت الأرض والسماء لأن أعماله نور في الأرض والسماء.
وأما الكافر فلا تبكيه يقول الله عنهم: فما بكت عليهم السماء والأرض [الدخان:29]...وأما الشهود الأخرى يأتون ثلاثة ثلاثة بعد هؤلاء الأربعة، الثلاثة، ماذا يقول الله عنهم؟ اسمع: شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم [فصلت:20]. ثلاثة مع بعض: سمع، بصر، جلد، هذا الثالوث المخيف...يقول : ((فإذا ما شهدوا يقول صاحبهم: سُحقاً لكُنّ وبعداً لكُنّ، إنما كنت أدُفع عنكنّ)).
يسب نفسه يشتم عينه ويشتم سمعه يشتم جلده... وكأن الجلود تقول له كيف لا نشهد ضدك وأنت الذي حرمتنا من عبادة الله الذي خلقنا على الفطرة، فالسمع كان يريد أن ينصت إلى القرآن فأنصت إلى الأغاني، والعين كانت تريد أن تخشع وتبكي تريد دمعة واحدة في العمر خاشعة لله الذي خلقها حتى يُظل صاحبها تحت ظل عرشه ((ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ولكن عينه تبكي من كل شيء إلا من الخشوع لله رب العالمين، تبكي على الدرهم والمال، تبكي عند الطرب عند الغناء عند الحزن تبكي عند الفرح ولكنها لا تبكي خاشعة لله فتشهد ضده يوم القيامة.
والجبين الذي حُرم من السجود جلد الجبهة الذي لم يسجد لله فُترى فيها سيما المصلين سيماهم في وجوههم [الفتح:29]. يشهد عليه جلد جبهته يوم القيامة فيقول له سحقاً وبعداً لك، والأيدي والأطراف كُلها تأتي يوم القيامة شهوداً أيضاً، ثالوثٌ خطير يقول الله جل جلاله: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله [فصلت:21].
ويقول عن الشهود الثلاثة الأخيرة: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين [النور:24-25].
الحق المبين أخفت اليد وأخفت الرجل وأخفى الجلد وأخفى السمع وأخفى البصر من الذي كشف هذه الحقائق إنه الحق المبين.
فيا أيها الأحباب: الرسول ينذر الناس يوم القيامة بأن منهم من يحمل شاة تيعر سرقها يحملها يوم القيامة له صوت تنادي من مكان بعيد، وآخر يحمل جمل له رُغاء يسمعه البعيد والقريب، ومنهم من يأتي يحمل مناقصة تُنقص من حسناته، فالله جل جلاله لا يخفى عليه شيء، شهودٌ أربعة وشهودٌ ثلاثة وشهودٌ عشرة تطارد الإنسان من مكان إلى مكان وما دُمنّا أيها الأحباب في دار عمل فلنتذكر حقيقة هذه الشهود.
أيا من يدعي الفهم إلى كم يا أخي الوهم
تتبع الذنب بالذنب وتخطئ إلخطأ الجم
أما بان لك العيب أما أنذرك الشيب
وما في نصحه العيب أما نادي بك الموت
أما أسمعك الصوت أما تخشى من الفوت
فتحطاط وتهتم فكم تسير في السهو
فيا أيها الكرام:...ما دمنا في دار عمل فلنحذر حذراً شديداً هذه الشهود العشرة، ولنحولها لصالحنا بالأعمال الصالحة، فنسأل الله جل جلاله أن يرزقنا يقظة إيمانية تنجينا من مصارع الغفلات.
اللهم اجعلنا نؤمن بكتابك وسنن نبيك ، نسألك المال الحلال، اللهم اجعلنا من أهل الجنان ولا تجعلنا من أهل النيران.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واحذروا من تعدي حدود الله تعالى وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّـ?لِمُونَ [البقرة:229].
عباد الله، لقد قسم الله تعالى الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير، ولا ثالث لهما، فيا أخي هل تذكرت هذا المصير، وهل بلغك ما أعد الله في الجنة لمن أطاعه، وما أعد في النار لمن عصاه؟ أما سمعت قول الشاعر الواعظ:
أما سمعت بأهل النار في النار وعن مقاساة ما يلقون في النار
أما سمعت بأكباد لهم صدعت خوفاً من النار قد ذابت على النار
أما سمعت بأغلال تناط بهم فيسحبون بها سحباً على النار
أما سمعت بضيقٍ في مجالسهم وفي الفرار ولا فرار من النار
أما سمعت بحيّات تدب بها إليهم خلقت من خالص النار
أما سمعت بأجسد لهم نضجت من العذاب ومن غلي على النار
أما سمعت بما يكلفون به من ارتقاء جبال النار في النار
حتى إذا ما علوا على شواهقها صبوا بعنف إلى أسافل النار
أما سمعت بزقومٍ يسوغه ماء صديد ولا تسويغ في النار
يسقون منه كؤساً ملئت سقما ترمي بأمعائهم رمياً على النار
يشوي الوجوه وجوهاً ألبست ظلماً بئس الشراب شراب ساكني النار
ولا ينامون إن طاف المنام بهم ولا منام لأهل النار في النار
إن يستقيلوا فلا تقال عثرتهم أو يستغيثوا فلا غياث في النار
وإن أرادوا خروجاً رد خارجهم بمقمع النار مدحوراً إلى النار
فهم إلى النار مدفوعون بالنار وهم من النار يهرعون إلى النار
ما أن يخفف عنهم من عذابهم ولا تفتر عنهم سورة النار
فهذه صدعت أكباد سامعها من ذي الحجى ومن التخليد في النار
ولو يكون إلى وقت عذابهم في النار هون ذاكم لفحة النار
فيا إلهي ومن أحكامه سبقت في الفرقتين من الجنات والنار
رحماك يا رب في ضعفي وفي ضعتي فما وجودك لي صبر على النار ولا على حر شمس إن برزت لها فكيف أصبر يا مولاي للنار
فإن تغمدني عفو وثقت به منكم وإلا فإني طعمة النار
أيها المسلمون - صلوا عباد الله على الرسول المصطفى النبي المجتبى فإن الله أمركم بذلك بقوله سبحانه } إن الله وملائكته يصلون على النبي يا آيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما الأحزاب اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وعن التابعين ومن
اللهم اختم بالسعادة اجالنا بالزيادة امالنا واقرن بالعافية غدونا واصالنا واجعل الى رحمتك مصيرنا ومرجعنا وصب سجال عفوك على ذنوبنا وجعل التقوى زادنا وفي دينك اجتهادنا وعليك توكلنا واعتمادنا ثبتنا على نهج الاستقامة واعذنا من موجبات الندامة يوم القيامة
****
اللهم خفف عنا ثقل اوزارنا وارزقنا عيشة الابرار واكفنا واصرف عنا شر الاشرار واعتق رقابنا ورقاب ابائنا وامهاتنا وعشيرتنا من عذاب القبر ومن النيران برحمتك يا ارحم الراحمين
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار عباد الله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون النحل فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..........سبحان ربك رب العزة عما يصفون ...