تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ


أم سمية الأثرية
2016-01-22, 21:45
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ/1

لحمْدُ لله، اللَّهُمَّ! صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىٰ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَىٰ آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

أمّا بعد
عنِ ‏ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ‏قَالَ: اسْتَأْذَنَ ‏ابْنُ عَبَّاسٍ ‏‏قَبْلَ مَوْتِهَا عَلَىٰ ‏‏عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها‏ ‏وَهِيَ مَغْلُوبَةٌ، قَالَتْ:

أَخْشَىٰ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ! فَقِيلَ:

ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ ‏صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‏‏وَمِنْ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَتْ:‏ ‏

ائْذَنُوا لَهُ، فَقَالَ:

كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟ قَالَتْ:

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ.

قَالَ: ‏

‏[يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ!] فَأَنْتِ بِخَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللهُ؛ زَوْجَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‏وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنْ السَّمَاءِ، [تَقْدَمِينَ عَلَىٰ فَرَطِ صِدْقٍ؛ عَلَىٰ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَىٰ أَبِي بَكْرٍ].

وَدَخَلَ ‏ ‏ابْنُ الزُّبَيْرِ ‏‏خِلَافَهُ، فَقَالَتْ:

دَخَلَ ‏ابْنُ عَبَّاسٍ‏ فَأَثْنَىٰ عَلَيَّ؛ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا.

‏"مختصر صحيح الإمام البخاريِّ" للوالدِ رَحِمَهُ اللهُ (3/ 236 و237).

~*~~~~~~~~~~*~

ومما قاله الحافظ رَحِمَهُ اللهُ في شرح هٰذا الأثر[1]:

"(وَهِيَ مَغْلُوبَةٌ) أَيْ مِنْ شِدَّة كَرْبِ الْمَوْتِ! ‏

(أَخْشَىٰ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ! فَقِيلَ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَأَنَّ الْقَائِلَ فَهِمَ عَنْهَا أَنَّهَا تَمْنَعُهُ مِنَ الدُّخُولِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَتْهُ، فَذَكَّرَهَا بِمَنْزِلَتِهِ.

وَالَّذِي رَاجَعَ عَائِشَةَ فِي ذٰلِكَ هُوَ: ابْنُ أَخِيهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ.

وَالَّذِي اسْتَأْذَنَ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَلَىٰ عَائِشَةَ حِينَئِذٍ هُوَ: ذَكْوَانُ مَوْلَاهَا.

وَقَدْ بَيَّنَ ذٰلِكَ كُلَّه أَحْمَدُ وَابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ هُوَ ابْنُ خُثَيْمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَىٰ عَائِشَةَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَلَىٰ عَائِشَةَ وَهِيَ تَمُوت، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: "فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللهِ: يَا أُمَّتَاهُ! إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ صَالِحِ بَيْتِكِ، يُسَلِّمُ عَلَيْكِ وَيُوَدِّعُكِ، قَالَتْ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ".

وَادَّعَىٰ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ هٰذَا يَدُلُّ عَلَىٰ أَنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ مُرْسَلَةٌ، قَالَ: لِأَنَّ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ لَمْ يَشْهَدْ ذٰلِكَ وَلَا سَمِعَهُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ حَالَ قَوْلِه لِعَائِشَةَ؛ لِعَدَمِ حُضُورِه. انْتَهَىٰ. وَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُ الْجَزْمُ بِعَدَمِ حُضُورِهِ وَسَمَاعِهِ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذٰلِكَ؟! وَلَعَلَّهُ حَضَرَ جَمِيعَ ذٰلِكَ وَطَالَ عَهْدُهُ بِهِ فَذَكَّرَهُ بِهِ ذَكْوَانُ، أَوْ أَنَّ ذَكْوَانَ ضَبَطَ مِنْهُ مَا لَمْ يَضْبِطْهُ هُوَ، وَلِهٰذَا؛ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ذَكْوَانَ مَا لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ.

(كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟) فِي رِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ: "فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ: أَبْشِرِي. قَالَتْ: وَأَيْضًا. ‏‏قَالَ: مَا بَيْنَكِ وَبَيْنَ أَنْ تَلْقَيْ مُحَمَّدًا وَالْأَحِبَّةَ إِلَّا أَنْ تَخْرُجَ الرُّوحُ مِنَ الْجَسَدِ".

(بِخَيْرٍ إِنْ اتَّقَيْتُ) أَيْ إِنْ كُنْتُ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَىٰ. [إنما سألها عن حالِ بَدَنِها، فَأَخْبَرَتْه عن حال دِينِها][2]، [تعني إنْ خَلَصَتْ ليَ التَّقْوىٰ؛ فَمَا أُبَالِي بِالْمَرَضِ][3]. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: أُبْقِيْتُ[4].

(زَوْجَةُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْركِ) فِي رِوَايَة ذَكْوَانَ: "كُنْتِ أَحَبَّ نِسَاءِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلَمْ يَكُنْ يُحِبُّ إِلَّا طَيِّبًا".

(وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنْ السَّمَاءِ) يُشِيرُ إِلَىٰ قِصَّةِ الْإِفْكِ, وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ذَكْوَانَ: "وَأَنْزَلَ اللَّه بَرَاءَتك مِنْ فَوْقِ سَبْع سَمَوَات، جَاءَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ, فَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ مَسْجِدًا[5] إِلَّا وَهُوَ يُتْلَى فِيهِ آنَاءَ اللَّيْل وَأَطْرَاف النَّهَار". وَزَادَ فِي آخِرِهِ: "وَسَقَطَتْ قِلَادَتُكِ لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ، فَنَزَلَ التَّيَمُّمُ, فَوَاَللَّهِ! إِنَّكِ لَمُبَارَكَةٌ!".

(عَلَىٰ فَرَطِ صِدْقٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ بَعْدهَا مُهْمَلَةٌ، وَهُوَ الْمُتَقَدِّم مِنْ كُلِّ شَيْءٍ[6]، قَالَ ابْنُ التِّين: فِيهِ أَنَّهُ قَطَعَ لَهَا بِدُخُولِ الْجَنَّة؛ إِذْ لَا يَقُول ذٰلِكَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ.

[والصِّدْقُ: الصَّادِقُ، والإضافةُ مِن بابِ إضافَةِ الموصُوفِ لِصِفَتِهِ][7].

(وَدَخَلَ ابْن الزُّبَيْر خِلَافَهُ) أَيْ عَلَىٰ عَائِشَةَ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَتَخَالَفَا فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ ذَهَابًا وَإِيَابًا, وَافَقَ رُجُوعُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَجِيءَ ابْنِ الزُّبَيْرِ.

(وَدِدْت.. إِلَخْ) هُوَ عَلَىٰ عَادَةِ أَهْلِ الْوَرَعِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة ذَكْوَانَ أَنَّهَا قَالَتْ لِابْنِ عَبَّاسٍ هٰذَا الْكَلَامَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، وَلَفْظُهُ: "فَقَالَتْ: دَعْنِي مِنْكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا". ‏

وَفِي هٰذِهِ الْقِصَّةِ:

· دَلَالَةٌ عَلَىٰ سِعَةِ عِلْم ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَظِيم مَنْزِلَتِهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

· وَتَوَاضُعُ عَائِشَةَ وَفَضْلُهَا وَتَشْدِيدُهَا فِي أَمْرِ دِينهَا.

· وَأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا لَا يَدْخُلُونَ عَلَىٰ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا بِإِذْنٍ.

· وَمَشُورَةُ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِير إِذَا رَآهُ عَدَلَ إِلَىٰ مَا الْأَوْلَىٰ خِلَافُهُ.

· وَالتَّنْبِيهُ عَلَىٰ رِعَايَةِ جَانِبِ الْأَكَابِرِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ, وَأَنْ لَا يَتْرُكَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ ذٰلِكَ لِمُعَارِضٍ دُونَ ذٰلِكَ فِي الْمَصْلَحَةِ".


~*~~~~~~~~~~*~

(بِخَيْرٍ إِنْ اتَّقَيْتُ)

للهِ هٰذا الجوابُ البليغ، في حالِ الكَرْبِ البالغ!

لٰكنّ فضائلَ أمِّ المؤمنين عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (بَيْضَاءُ لَا يُدْجِي سَنَاهَا العِظْلِمُ)[8].

والذي تجلَّىٰ هنا -وهي (مغلوبة)- إنما هو نَضْحُ إناءِ حياةٍ طابَ أعْلَاهُ إذْ طاب أسْفَلُه.

ولها -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- مِن مِثل ذا التديُّن وذا التواضع كلماتٌ شهيرات، كمثل قولها في حادثة عصيبة -أيضًا!-:

"وَأَنَا -حِينَئِذٍ- أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي

وَلٰكِنْ -واللهِ!- مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَىٰ!

وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَىٰ!

وَلٰكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَىٰ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا"[9]!!

رَضِيَ اللهُ عَنْها وأرضاها!

"إِنَّ التَّوَاضُعَ مِنْ خِصَالِ الْمُتَّقِي * وَبِهِ التَّقِيُّ إلى الْمَعَالي يَرْتَقِي

وَمِنَ الْعَجَائِبِ عُجْبُ مَنْ هُوَ جَاهِلٌ * فِي حَالِهِ أَهُوَ السَّعِيدُ أَمْ الشَّقِي!

أَمْ كَيْفَ يُخْتَمُ عُمْرُه أَوْ رُوحُهُ * يَوْمَ النَّوَىٰ مُتَسَفِّلٌ أَوْ مُرْتَقِ!

وَالْكِبْرِيَاءُ لِرَبِّنَا صِفَةٌ لَهُ * مَخْصُوصَةٌ فَتَجَنَّبْهَا وَاتَّقِ"[10]

يتبع إن شاء الله...



بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ / 2
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ / 3
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ / 4
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ / 5

--------------------------------------------------------------------------------

[1] - في "فتح الباري" (8/ 341 – 343، ط3، 1407ﻫ، المطبعة السلفية)، إلا ما كان بين المعقوفات سواء للحافظ أو لغيره؛ بيَّنتُه في الحاشية.
[2] - "الإفصاح عن معاني الصحاح" (3/ 108، ط دار الوطن).
[3] - "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (ح 904، الشاملة).
[4] - قال العلامة القسطلاني رَحِمَهُ اللهُ: "بضم الهمزة وسكون الموحدة وكسر القاف وسكون التحتية وفتح الفوقية، مِنَ البَقاء" اﻫ من "شرح القسطلاني" (7/ 266، ط 6، 1305ﻫ، الأميرية).
[5] - في "مسند الإمام أحمد" (1/ 276): «.. فَأَصْبَحَ لَيْسَ لِلَّهِ مَسْجِدٌ مِنْ مَسَاجِدِ اللهِ يُذْكَرُ فِيهِ اللهُ، إِلَّا يُتْلَىٰ فِيهِ.. »، ومثله في "الطبقات" (8/ 60، ط العلمية).
[6] - قال الحافظ في "مقدمة الفتح" (ص 175، ط3، 1407ﻫ، المطبعة السلفية): "الفرط بفتح الفاء والراء: الذي يَتَقَدَّمُ الوَارِدِينَ فَيُهَيِّءُ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُون وهُوَ في هٰذِهِ الْأَحَاديثِ: الْمُتَقّدِّمُ لِلثَّوابِ والشَّفاعةِ" اﻫ.
[7] - من "شرح القسطلاني" (6/ 143) بتصرف.
[8] - مَثَلٌ يُضرب للمشهور الذي لا يُخفيه شيء، "مجمع الأمثال" (1/ 108، ط دار المعرفة).
[9] - "صحيح البخاري" (4750)، "صحيح مسلم" (2770).
[10] - "موارد الظمآن لدروس الزمان" (4/ 152، ط 30، 1424ﻫ).
- سُكَينة بنت محمد ناصر الدين الألباني

أم سمية الأثرية
2016-01-23, 17:11
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ / 2

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
1- لأنَّ التَّقِيَّ هو الذي يَنهل أنواعَ الهدايةِ مِن مَعينِ القرآنِ الكريم[1]!
﴿الۤمۤ (1) ذَٰلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)﴾ (سورة البقرة).

2- لِـ"أنَّ ثوابَ اللهِ خــــــــــــــــــــــيرٌ لِمَن آمَنَ واتَّقىٰ مِنَ الدُّنيا"[2]، و"المؤمن المتَّقي يُعوِّضُه اللهُ في الدنيا خيرًا مما يطلبُه السَّاحرُ ويُؤْثِرُه، مع تعجيلهِ عِزَّ التَّقوىٰ وشرفَها، وثوابَ الآخرةِ وعُلُوَّ درجاتِهَا"[3]!
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 103).

3- لأنَّ التَّقِيَّ آخِذٌ بسببِ الفلاح؛ فيُدرِك ما يَطلب، ويَنجو مما منه يَهرب[4]!
﴿وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (البقرة: من الآية 189).

4- المتَّقِي ينال أعظمَ مَعيَّةٍ: مَعِيَّةَ اللهِ -جَلَّ جَلَالُهُ- الخاصَّةَ المقتضيةَ للنُّصرةِ والتأييد!
﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة: من الآية 194 والتوبة من الآيتين: 36 و123).
﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ (النحل: 128).

5- التَّقِيّ يَحمل خـــــــــــــــــــــيرَ الزَّاد!
﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ﴾ (البقرة: من الآية 197)[5].

6- التَّقِيّ هو اللَّبيب حقًّا:
﴿وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ (البقرة: من الآية 197)[6].

7- المتَّقِي مع زُمرته فوق الذين كفروا يوم القيامة؛ دَرَجاتٌ بِدَرَكات!
﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (البقرة: 212)[7].

8- المتَّقِي يزيده اللهُ عِلمًا[8]:
﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾ (البقرة: من الآية 282).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
9- لأنَّ لِلمتَّقِي جنّاتٍ، بأنهارٍ، مع خلودٍ، وأزواجٍ، وأعلىٰ مِن ذٰلك: رِضوانٌ مِن الله!
﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران: 15).

10- المتَّقِي يحبُّه اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ!
﴿بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران: 76).
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (التوبة: من الآيتين 4 و7).

11- التَّقِيّ لا يَلْحَقه مِن الكائدين ضُرٌّ ولا ضَيرٌ؛ فيَسْلَم "مِن شَرِّ الأشرار، وكَيْدِ الفُجَّار"[9]:
﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ (آل عمران: من الآية 120)، وفي قراءةٍ متواترة: ﴿لَا يَضِرْكُم﴾؛ مِن الضَّير.

12- الجنة التي عَرضُها السمواتُ والأرضُ إنما "أعدَّها اللهُ لِلمتَّقين! فهُم أهلُها، وأعمالُ التقوىٰ هي الموصِلةُ إليها"[10]:
﴿وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران: 133).

13- التَّقِيّ ارتقىٰ إلىٰ رُتبةِ "الأمور التي يُعزَمُ عليها، ويُنافَسُ فيها، ولا يُوفَّق لها إلَّا أهلُ العزائمِ والهِمَمِ العالية"[11]:
﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ (آل عمران: من الآية 186).
يتبع إن شاء اللهُ...

------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] - قال العلامة السعدي رَحِمَهُ اللهُ: "﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ والهدىٰ: ما تَحصل به الهدايةُ مِنَ الضلالةِ والشُّبَه، وما به الهدايةُ إلىٰ سلوكِ الطُّرُقِ النافعة، وقال: ﴿هُدًى﴾ وحَذَفَ المعمولَ، فلم يَقُلْ: هدًى للمصلحة الفلانية، ولا لِلشيء الفلاني؛ لإرادة العموم، وأنه هدًى لجميعِ مصالح الدارين، فهو مُرشِدٌ لِلعباد في المسائلِ الأصوليةِ والفروعية، ومبيِّنٌ لِلحقِّ مِنَ الباطلِ، والصحيحِ مِنَ الضعيفِ، ومبيِّنٌ لهم كيف يَسْلكون الطُّرُقَ النافعةَ لهم، في دُنياهم وأُخراهم.
وقال في موضعٍ آخر: ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ -(البقرة: 185)- فعَمَّم، وفي هٰذا الموضعِ وغيرِه: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾؛ لأنه في نفْسِه هُدًى لِجميع الخَلْق:
فالأشقياءُ: لم يَرفَعوا به رأسًا، ولم يَقْبلوا هُدى اللهِ، فقامت عليهم به الحُجَّةُ، ولم يَنتفعوا به؛ لِشقائهم.
وأمَّا المتَّقون الذين أَتَوا بالسببِ الأكبر لحصول الهداية، وهو التقوىٰ التي حقيقتُها: اتخاذُ ما يَقِي سَخَطَ اللهِ وعذابَه، بامتثالِ أوامره، واجتنابِ النواهي: فاهتدَوا به، وانتفعوا غايةَ الانتفاع.
قال تَعَالَىٰ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ -(الأنفال: 29)- فالمتَّقون هُمُ المنتفِعون بالآيات ِالقرآنية، والآياتِ الكونية.
ولِأنَّ الهدايةَ نوعان: هدايةُ البيان، وهدايةُ التوفيق؛ فالمتقون حَصَلتْ لهم الهدايتان، وغيرُهم لم تَحصُل لهم هدايةُ التوفيق.
وهدايةُ البيانِ بدون توفيقٍ لِلعمل بها ليست هدايةً حقيقيةً [تامَّة]" اﻫ من "تيسير الكريم الرحمٰن" (ص 40).
[2] - "تفسير القرآن الكريم/ سورة البقرة" للعلامة العثيمين رَحِمَهُ اللهُ (1/ 336، ط1، 1423ﻫ، دار ابن الجوزي).
[3] - "لطائف المعارف" لابن رجب (ص 570، ط5، 1420ﻫ، دار ابن كثير).
[4] - ينظر تفسير الحافظ الطبري للآية (5) من سورة البقرة (1/ 256، ط دار هجر).
[5] - سياق الآية: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)﴾. قال العلامة السعدي رَحِمَهُ اللهُ: "ثم أمر تَعَالَىٰ بالتزوُّدِ لهٰذا السَّفَر المبارَك، فإنَّ التزوَّدَ فيه الاستغناءُ عنِ المخلوقين، والكفُّ عن أموالهم، سؤالًا واستشرافًا، وفي الإكثار منه نَفْعٌ وإعانةٌ للمسافرين، وزيادةُ قُربةٍ لربِّ العالمين، وهٰذا الزادُ الذي المرادُ منه إقامةُ البنيةِ بُلْغَةٌ ومتاعٌ.
وأمَّا الزادُ الحقيقيُّ المستمرُّ نَفْعُه لصاحبه في دُنياه وأُخراه؛ فهو زادُ التقوىٰ، الذي هو زادٌ إلى دار القَرار، وهو الموصِل لِأكملِ لذَّةٍ، وأَجَلِّ نَعيمٍ دائمٍ أبدًا! ومَن تَرَكَ هٰذا الزاد؛ فهو المنقطع به، الذي هو عُرضةٌ لكلِّ شّرٍّ، وممنوعٌ مِن الوصولِ إلىٰ دار المتَّقين. فهٰذا مَدْحٌ لِلتقوىٰ" اﻫ من "تيسير الكريم الرحمٰن" ص 91.
[6] - قال العلامة العثيمين -رَحِمَهُ اللهُ- في فوائد هٰذي الآية: "ومنها: أنه كلما نَقَصَ الإنسانُ مِن تقوى اللهِ كان ذٰلك دليلًا علىٰ نَقْصِ عَقْلِهِ -عقْلِ الرُّشْد-؛ بخلاف قولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ»؛ فإنَّ المرادَ بِنَقْصِ العقلِ هنا: عَقْلُ الإدراكِ؛ فإنَّ مَناطَ التكليفِ: عَقْلُ الإدراكِ، ومَناطُ المدحِ: عَقْلُ الرُّشْدِ، ولِهٰذا نقول: إنَّ هٰؤلاء الكفارَ الأذكياءَ الذين هم في التصرُّفِ مِن أحْسَنِ ما يكون؛ نقول: هُم عُقلاءُ عُقولَ إدراكٍ، لٰكنَّهم ليسوا عُقلاءَ عقولَ رُشْدٍ، ولهٰذا دائمًا يَنعَى اللهُ عليهم عدمَ عَقلِهم، والمرادُ: عَقْلُ الرُّشْدِ الذي به يَرشُدون" اﻫ من "تفسير القرآن الكريم/ سورة البقرة" (2/ 420، ط1، 1423ﻫ، دار ابن الجوزي).
[7] - قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها: "ثم أخبر تَعَالَىٰ عن تَزْيِينِهِ الحياةَ الدنيا لِلكافرين الذين رَضُوا بها واطْمأنُّوا إليها، وجَمعوا الأموالَ ومَنَعوها عن مَصارِفها التي أُمِروا بها مما يُرْضِي اللهَ عنهم، وسَخِروا مِن الذين آمنوا الذين أَعْرَضوا عنها، وأَنفقوا ما حَصَل لهم منها في طاعةِ ربِّهم، وبَذَلوا ابتغاءَ وجْهِ اللهِ؛ فلهٰذا فازوا بالمقام الأسْعدِ والحظِّ الأَوفَرِ يوم مَعادهم، فكانوا فوق أولٰئك في مَحْشَرِهم ومَنْشَرِهم، ومَسِيرِهم ومَأواهم، فاستقرُّوا في الدَّرجاتِ في أعلىٰ عِلِّيِّين، وَخَلَدَ أولٰئك في الدَّركاتِ في أسْفَلِ السَّافِلين" اﻫ مِن "تفسير القرآن العظيم" (1/ 568، ط2، 1420هـ، دار طيبة).
[8] - يُنظَر "فتح القدير" (1/ 510، دار الوفاء). و"تيسير الكريم الرحمٰن" ص 961 (الملحَق). وقال شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ: ".. وَلِهٰذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ مِنْ ثَوَابِ الْحَسَنَةِ: الْحَسَنَةَ بَعْدَهَا، وَأَنَّ مِنْ عُقُوبَةِ السَّيِّئَةِ: السَّيِّئَةَ بَعْدَهَا. وَقَدْ شَاعَ فِي لِسَانِ الْعَامَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ؛ حَيْثُ يَسْتَدِلُّونَ بِذٰلِكَ عَلَىٰ أَنَّ التَّقْوَىٰ سَبَبُ تَعْلِيمِ اللهِ، وَأَكْثَرُ الْفُضَلَاءِ يَطْعَنُونَ فِي هٰذِهِ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْبُطِ الْفِعْلَ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ رَبْطَ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ، فَلَمْ يَقُلْ: وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمَكُمْ، وَلَا قَالَ: فَيُعَلِّمَكُمْ. وَإِنَّمَا أَتَىٰ بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَلَيْسَ مِنَ الْعَطْفِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبُ الثَّانِي. وَقَدْ يُقَالُ: الْعَطْفُ قَدْ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الِاقْتِرَانِ وَالتَّلَازُمِ، كَمَا يُقَالُ: زُرْنِي وَأَزُورُك؛ وَسَلِّمْ عَلَيْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْكَ، وَنَحْوُ ذٰلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي اقْتِرَانَ الْفِعْلَيْنِ وَالتَّعَاوُضَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِسَيِّدِهِ: أَعْتِقْنِي وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ، أَوْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ، أَو: اخْلَعْنِي وَلَك أَلْفٌ؛ فَإِنَّ ذٰلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا: بِأَلْفِ أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ. وَكَذٰلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ، أَوْ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ؛ فَإِنَّهُ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ أَلْفٌ، أَوْ: بِأَلْفٍ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَوْلٌ شَاذٌّ، وَيَقُولُ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ لِلْآخَرِ: أُعْطِيكَ هٰذَا وَآخُذُ هٰذَا، وَنَحْوَ ذٰلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ، فَيَقُولُ الْآخَرُ: نَعَمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا هُوَ السَّبَبَ لِلْآخَرِ، دُونَ الْعَكْسِ. فَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾ قَدْ يَكُونُ مِنْ هٰذَا الْبَابِ، فَكُلٌّ مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ وَتَقْوَى الْعَبْدِ يُقَارِبُ الْآخَرَ وَيُلَازِمُهُ وَيَقْتَضِيهِ، فَمَتَىٰ عَلَّمَهُ اللهُ الْعِلْمَ النَّافِعَ؛ اقْتَرَنَ بِهِ التَّقْوَىٰ بِحَسَبِ ذٰلِكَ، وَمَتَى اتَّقَاهُ؛ زَادَهُ مِنَ الْعِلْمِ، وَهَلُمَّ جَرًّا" اﻫ من "مجموع الفتاوىٰ" (18/ 177 و178).
[9] - "تفسير القرآن العظيم" للحافظ ابن كثير (2/ 109).
[10] - "تيسير الكريم الرحمٰن" ص 148.
[11] - المرجع السابق ص 160.

أم سمية الأثرية
2016-01-23, 17:23
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ / 3

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
14- التَّقِيّ عِنده -بتقواه- عزاءٌ وتسليةٌ عن لذَّاتِ الدنيا التي لا يَقْدِر عليها[1]! فالآخرةُ خـــــــــــــــــــيرٌ له:
﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ (النساء: من الآية 77).
﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (الأنعام: 32).
﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا الأدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لا يَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (الأعراف: 169).
﴿وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ (يوسف: 57).
﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (يوسف: 109).
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ (النحل: من الآية 30).
﴿وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الزخرف: من الآية 35).

" وَهٰذَا السرُورُ بِتِلْكَ الكُرَبْ * وَهٰذَا النَّعِيمُ بِذَاكَ التَّعَبْ "[2].

15- التَّقِيّ مُتعاهِدٌ وصيّةَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ- لِلأوَّلين والآخِرين:
﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ﴾ (النساء: من الآية 131).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
16- "لأنَّ مَن يتَّقِي اللهَ في عَملٍ؛ يَتَقَبَّلَهُ اللهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا فِي غَيْرِهِ. وَمَنْ لَمْ يَتَّقِهِ فِيهِ؛ لَمْ يَتَقَبَّلْهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مُطِيعًا فِي غَيْرِهِ"[3].
﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة: من الآية 27).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
17- التقوىٰ سببٌ لرحمةِ الله جَلَّ جَلَالُهُ، وقد حَقَّقها اللهُ تَعَالَىٰ لِمَن اتَّقاه[4]، وكَتَبَها لهم، أي: "أَوْجَبَ حُصُولَ رحمتِهِ؛ مِنَّةً مِنْهُ، وإحسانًا إليهم"[5]:
﴿وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الأنعام: 155).
﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 156).
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 10).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
18- لأنَّ التَّقِيَّ مَكْسِيٌّ بخــــــــــــــــــــــــــــــيرِ لِباس!
﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ﴾ (الأعراف: من الآية 26).

19- لأنّ مَنِ اتَّقىٰ آمِنٌ يوم القيامة منَ الخوف مما يَستقبِلُ، ومِن الحزنِ علىٰ ما فاته في الدنيا[6]:
﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (الأعراف: 35).

20- لأن المتَّقِين يَفتحُ اللهُ عليهمُ البركاتِ؛ فتُعطيهم السَّمَاءُ قَطْرَهَا، وَالْأَرْضُ نَبْتَها[7]:
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ (الأعراف: 96).

21- لأنَّ "الْخَيْرَ مِنْ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ إنما هُوَ لِمَنِ اتَّقَى اللهَ فَأَدَّىٰ فَرَائِضَهُ، وَاجْتَنَبَ مَعَاصِيَهُ، فَهُمُ الْفَائِزُونَ بِمَا يُؤَمَّلُونَ مِنَ النَّعِيمِ فِي الْآخِرَةِ، وَالظَّفْرِ فِي الدُّنْيَا بِالطِّلْبَةِ"[8]:
﴿قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الأعراف: 128).
﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هٰـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (هود: 49).
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (القصص: 83).

22- لأن التَّقِيَّ حتىٰ وإنْ وَسْوس له الشيطانُ بجولةِ غشاوة؛ فإنَّ مآلَه إلىٰ دولةِ بصيرة[9]!
﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ (الأعراف: 201).

يتبع إن شاء الله..

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


[1] - قال العلامة السعدي -رَحِمَهُ اللهُ- في الفوائد المستقاة من قصة يوسف عَلَيْهِ السَّلَامُ:
"أنَّ الله واسع الجود والكرم، يجود علىٰ عبْدِه بخيرِ الدنيا والآخرة.
وأنَّ خيرَ الآخرة له سببان: الإيمانُ والتقوىٰ.
وأنه خيرٌ مِن ثوابِ الدُّنيا ومُلْكِها.
وأنَّ العبدَ ينبغي له أن يَدْعُوَ نَفْسَه ويُشّوِّقَها لِثوابِ الله، ولا يَدَعَها تَحزَنُ إذا رأتْ أهْلَ الدُّنيا ولذَّاتها، وهي غيرُ قادرةٍ عليها، بل يُسَلِّيها بثوابِ اللهِ الأُخْرَوِيِّ، وفَضْلِهِ العظيمِ؛ لِقَولِه تَعَالَىٰ: ﴿وَلَأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾" اﻫ من "تيسير الكريم الرحمٰن" ص 407.
[2] - "المدهش" لابن الجوزي (ص 301، ط1، 1423ﻫ، مكتبة الكوثر - الرياض).
[3] - يُنظَر "مجموع فتاوىٰ شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ" (10/ 322).
[4] - قال الحافظ ابن كثير في آية الحجرات: "وهٰذا تحقيقٌ منه -تَعَالَىٰ- لِلرَّحمةِ لِمَنِ اتَّقاهُ" اﻫ مِن "تفسير القرآن العظيم" (7/ 376، ط2، 1420هـ، دار طيبة).
[5] - المصدر السابق (3/ 482) بتصرف.
[6] - قال الحافظ الطبري -رَحِمَهُ اللهُ- في تفسير الآية: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة: 38):
"وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي فَهُمْ آمِنُونَ فِي أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ غَيْرُ خَائِفِينَ عَذَابَهُ، بِمَا أَطَاعُوا اللهَ فِي الدُّنْيَا وَاتَّبَعُوا أَمْرَهُ وَهُدَاهُ وَسَبِيلَهُ، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ يَوْمَئِذٍ عَلَىٰ مَا خُلِّفُوا بَعْدَ وَفَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا" اﻫ من "تفسير الطبري" (1/ 591، ط دار هجر).
[7] - يُنظَر "تفسير القرآن العزيز" لابن أبي زمنين (2/ 134، ط الفاروق).
[8] - بتصرف يسير من "تفسير الطبري" (12/ 441، ط دار هجر).
[9] - قال شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ: "فَالْمُتَّقُونَ إذَا أَصَابَهُمْ هٰذَا الطَّيْفُ الَّذِي يَطِيفُ بِقُلُوبِهِمْ؛ يَتَذَكَّرُونَ مَا عَلِمُوهُ قَبْلَ ذٰلِكَ؛ فَيَزُولُ الطَّيْفُ، وَيُبْصِرُونَ الْحَقَّ الَّذِي كَانَ مَعْلُومًا وَلٰكِنَّ الطَّيْفَ يَمْنَعُهُمْ عَنْ رُؤْيَتِهِ" اﻫ من "مجموع الفتاوىٰ" (16/ 347).

أم سمية الأثرية
2016-01-24, 18:10
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ / 4

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
23- لأن التَّقِيَّ يُحَصِّل عِلمًا وهدًى مِن ربِّه، يُفَرِّقُ به بين الحقِّ والباطل، والهدىٰ والضلال، والسُّنَّةِ والبِدعة، وأهلِ كُلٍّ[1]! وينال مَخْرَجًا فِي الدِّينِ مِن الشُّبْهَة والضلالة[2]، كلُّ ذٰلك مع تكفيرٍ لِلسيِّئات ومغفرةٍ للذُّنوب!
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (الأنفال: 29).
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
24- "كُلّ شَيْءٍ ابْتُدِئَ بِنِيَّةِ تَقْوَى اللهِ، وَالْقَصْدِ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ؛ فَهُوَ الَّذِي يَبْقَىٰ، وَيَسْعَدُ بِهِ صَاحِبُهُ، وَيَصْعَدُ إلى اللهِ وَيُرْفَعُ إلَيْهِ"[3]:
﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)﴾ (مِن سورة التوبة).
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
25- لأنَّ المتقين هُمُ المنتفِعون بِتَقْلِيبِ النَّظرِ في السموات والأرضِ وتأمُّلِ تعاقُبِ الليلِ والنهارِ:
﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ (يونس: 6).
26- لأنَّ المتقين هُمْ أولياءُ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63)﴾ (سورة يونس).
27- وهُم أولياءُ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ[4]:
قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
«إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ الْمُتَّقُونَ؛ مَنْ كَانُوا، وحَيْثُ كَانُوا» (مِن حديث معاذ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مرفوعًا، رواه ابن أبي عاصم وغيره وصححه أبي؛ "ظلال الجنة" (212) ).
28- وهُمُ المبَشَّرون في الدنيا والآخرة:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)﴾ (سورة يونس)[5].
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
29- وهُمُ الموعُودون بالجنة، بما فيها مِن نعيم وخيرات، وهي عُقباهم وجزاؤهم:
﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ﴾ (الرعد: 35).
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)﴾ (الحِجْر)
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ﴾ (النحل: 31).
﴿هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ (ص: 49).
﴿لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ﴾ (الزُّمَر: 20).
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)﴾ (سورة الدُّخَان).
﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ (محمد: من الآية 15).
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16)﴾ (الذاريات).
"نِعمتْ جزاءُ المتَّقين الجنَّهْ * دارُ الأماني والْمُنىٰ والْمِنَّهْ"[6]
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
30- لأن المتقين هُمُ العِبادُ الوارِثون الجنَّةَ[7]!
﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ (مريم: 63).
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ إلىٰ قولِه عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)﴾ (الزُّمَر: من الآيتين 73 و74).
31- لأنَّ النجاةَ مِن النار بعد وُرُودِ جميع الناسِ إيَّاها؛ إنما تكون لِلَّذين اتَّقوا[8]:
﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72﴾ (مريم).
32- لأن المتَّقين يَحشرهم الرحمٰنُ يومَ القيامة وَفْـــــــــدًا إليه[9]:
﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا﴾ (مريم: 85).
33- هم بخيرٍ لأن القرآنَ العظيمَ بِشارةٌ لهم!
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدًّا﴾ (مريم: 97).
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
34- المتقي هو الفائز بكل خير، الناجي مِن كل شرّ،ٍ دون حزنٍ ولا مسِّ سُوء:
﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ (النُّور: 52).
﴿وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (الزُّمَر: 61)
﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾ (النبأ: 31).
يتبع إن شاء الله..

------------------------------------------------------
[1] - قال العلامة السعديُّ رَحِمَهُ اللهُ: "امتثالُ العبْدِ لِتقْوىٰ ربِّهِ: عنوانُ السعادة، وعلامةُ الفَلاح، وقد رَتَّبَ اللهُ على التقوىٰ مِن خيرِ الدنيا والآخرةِ شيئًا كثيرًا، فَذَكَرَ هنا أنَّ مَنِ اتَّقى اللهَ حَصَلَ له أربعةُ أشياء، كلُّ واحدٍ منها خيرٌ مِن الدنيا وما فيها:
الأول: الفرقان: وهو العلم والهدى الذي يُفَرِّقُ به صاحبُه بين الهدىٰ والضلالِ، والحقِّ والباطل، والحلالِ والحرام، وأهلِ السعادةِ مِن أهلِ الشقاوة.
الثاني والثالث: تكفير السيِّئات، ومغفرة الذُّنوب، وكلُّ واحدٍ منهما داخِلٌ في الآخَرِ عند الإطلاق. وعند الاجتماع: يُفَسَّرُ تكفيرُ السيِّئاتِ بالذُّنوبِ الصغائر، ومغفرةُ الذُّنوبِ بتكفيرِ الكبائر.
الرابع: الأجرُ العظيمُ والثوابُ الجزيلُ لِمَنِ اتَّقاهُ وآثَرَ رِضاهُ علىٰ هوىٰ نَفْسِه. ﴿وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾" اﻫ من "تيسير الكريم الرحمٰن" ص 319.
[2] - "تفسير القرآن العزيز" لابن أبي زمنين (2/ 173).
[3] - " أحكام القرآن" لابن العربي (2/ 588، ط3، 1424 ه، دار الكتب العلمية).
[4] - قال الإمام ابن باز رَحِمَهُ اللهُ: "فأولياءُ اللهِ وأولياءُ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمُ المؤمنون، هُمْ أهلُ التقوىٰ" اﻫ من "فتاوىٰ نور على الدرب" (1/ 104، مؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية).
[5] - قال العلامة السعدي رَحِمَهُ اللهُ: "يُخبِر تَعَالَىٰ عن أوليائه وأحبَّائه، ويَذْكُر أعمالَهم وأوصافَهم وثوابَهم، فقال:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ فيما يَستقبلونه مما أمامهم مِن المخاوِفِ والأهوال.
﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ علىٰ ما أسلفوا، لأنهم لم يُسْلِفوا إلَّا صالحَ الأعمال، وإذا كانوا لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون؛ ثبت لهم الأمْنُ والسعادةُ، والخيرُ الكثيرُ الذي لا يَعْلَمُه إلَّا اللهُ تَعَالَىٰ.
ثم ذَكَر وَصْفَهم، فقال:
﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقَدَرِ خيرِه وشرِّه، وصدَّقوا إيمانَهم بِاستعمال التقوىٰ؛ بامتثالِ الأوامر، واجتنابِ النواهي.
فكلُّ مَن كان مؤمنًا تقيًّا؛ كان لله [تَعَالَىٰ] وليًّا.
و﴿لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾:
أمَّا البشارة في الدنيا، فهي:
الثناء الحسَن.
والمودَّةُ في قلوب المؤمنين.
والرؤيا الصالحة.
وما يراه العبدُ مِن لُطْفِ اللهِ به، وتيسيره لِأحْسَنِ الأعمالِ والأخلاقِ، وصَرْفِه عن مساوئ الأخلاق.
وأمَّا في الآخرة:
فأوَّلُها: البشارةُ عند قبْضِ أرواحِهم، كما قال تَعَالَىٰ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (فصلت: 30).
وفي القبر: ما يُبَشَّر به مِن رضا اللهِ تَعَالَىٰ والنعيمِ المقِيمِ.
وفي الآخرة: تمامُ البُشرىٰ بدخولِ جناتِ النعيم، والنجاةِ مِنَ العذاب الأليم.
﴿لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ﴾ بل ما وَعَد اللهُ فهو حَقٌّ، لَا يُمْكن تَغييرُه ولا تبديلُه؛ لأنه الصادق في قِيْلِه، الذي لا يَقْدُر أحدٌ أن يخالفَه فيما قدَّره وقضاه.
﴿ذٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾؛ لأنه اشتمل على النجاةِ مِن كلِّ مَحذورٍ، والظَّفْرِ بكلِّ مَطلوب محبوبٍ، وحَصَرَ الفوزَ فيه؛ لأنه لا فوزَ لِغيرِ أهلِ الإيمان والتقوىٰ.
والحاصلُ أن البشرىٰ شاملةٌ لكلِّ خيرٍ وثوابٍ رَتَّبَهُ اللهُ في الدنيا والآخرة على الإيمانِ والتقوىٰ، ولهٰذا أَطْلَق ذٰلك، فلم يُقَيِّدْهُ" اﻫ مِن "تيسير الكريم الرحمٰن" ص 368.
[6] - لا أعلم مَن هو راجزه، يُذكَر شاهدًا في عددٍ مِن كتب علم النحو.
[7] - في سورة (المؤمنون): ﴿أُوْلَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) ﴾. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَهُ مَنْزِلَانِ: مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ؛ وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، فَذَٰلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿أُوْلَـٰئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ﴾». رواه ابن ماجه وغيره وصححه أبي رَحِمَهُمُ اللهُ؛ "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2279).
[8] - هناك عدة أقوال في معنى الورودِ في هٰذه الآية؛ ينظر "أضواء البيان" (4/ 435 - 441، ط1، 1426ﻫ، دار عالم الفوائد).
[9] - "والوفد: هُمُ القادمون ركُبانًا، ومنه الوفود، وركوبهم علىٰ نجائبَ مِن نور، مِن مراكبِ الدَّارِ الآخرة، وهم قادمون علىٰ خيرِ مَوفُودٍ إليه، إلىٰ دار كرامته ورضوانه" اﻫ مِن "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (5/ 263، ط2، 1420هـ، دار طيبة).

أم سمية الأثرية
2016-01-24, 18:34
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ / 5

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
35- لأنَّ التَّقِيَّ آخذٌ بوصيَّةِ جميعِ الأنبياء لِأقوامهم!
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء: 106)
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء: 124)
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء: 142)
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء: 161)
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء: 177)
﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الصافات: 123 و124)
﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ﴾ (الزخرف: 63).

36- ... ووصيّةِ خاصَّتِهم وخاتمهم محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ:
«أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (رواه أبو داود وغيرُه وصححه الوالد رَحِمَهُمُ اللهُ؛ "الإرواء" (2455) ).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
37- لأنَّ التقوىٰ رأسُ الأمرِ كلِّهٍ!
قال أبو ذرٍّ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ:
يَا رَسُولَ اللهِ! أَوْصِنِي. قَالَ:
«أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ الْأَمْرِ كُلِّهِ» (مِن حديثٍ رواه ابن حبان وحسّنه أبي لغيره؛ "صحيح الترغيب والترهيب" (1422) ).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
38- المتَّقي يُصلح اللهُ عملَه، ويوفِّقُه إلى الأعمالِ الصالحة[1]:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ (الأحزاب: 70 و71).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
39- لأن المتَّقين مَسوقون إلى الجنة بوصْفِ التقوىٰ، مرحَّبٌ بهم بمفتوحِ الأبواب، ورائقِ السلام، يَسكنون مِن الجنة حيث أحبُّوا واشتهَوا[2]!
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)﴾ (الزُّمَر).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
40- لأنَّ "كُلَّ خُلَّةٍ هِيَ عَدَاوَةٌ إِلَّا خُلَّةَ الْمُتَّقِينَ"[3]:
﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ (الزخرف: 67)

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
41- لأنَّ اللهَ وليُّ المتقين؛ فهو "نَصِيرُهُمْ وَظَهِيرُهُمْ، يَتَوَلَّاهُمْ بِعَوْنِهِ وَتَوْفِيقِهِ"[4]:
﴿وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (الجاثية: 19).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
42- لأنَّ التقوىٰ هي معيارُ التفاضُل بين الناس عند خالقهم جَلَّ جَلَالُهُ،
"لَا مِيزةَ لِأَحَدٍ علىٰ أَحَدٍ ولَا فَضْلَ لِأَحَدٍ علىٰ أَحَدٍ عند اللهِ سُبحانه إلَّا بالتقوىٰ"[5]:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: من الآية 13)
"ألَا إنَّ تَقْوى اللهِ أَكْـــــــــــــــــــــرَمُ نِسْبةٍ * يُســــــــــــــامِي بها عند الفَخَـــــارِ كريمُ
إذا أنتَ نافَسْتَ الرِّجالَ على التُّقَىٰ * خَرَجْتَ مِنَ الدُّنيا وأنتَ سَلِيمُ"[6]

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
43- للمتَّقين في الآخرةِ أعظمُ وأعلىٰ وأشرفُ عِنْدِيَّة[7]!
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ (القمر: 54 و55)

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
44- للمُتَّقي رحمةٌ مِن اللهِ مضاعَفة! وطريقٌ في الحياة منَّورٌ بنورِ العلمِ والهداية! مع مغفرةٍ مِن الغفور الرحيم!
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (الحديد: 28)

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
45- لأنَّ المتَّقين هُمُ المنتفِعون بالقرآن؛ لِإقبالهم عليه إقبالَ مُستفيدٍ[8]، فهو لهم تَذكرة "يتذكَّرون به مصالحَ دِينِهم ودُنياهم؛ فيَعْرفونها، ويَعملون عليها، يُذَكِّرُهم العقائدَ الدِّينيَّةَ، والأخلاقَ المرضيَّةَ، والأحكامَ الشرعيَّةَ؛ فيَكونون مِن العلماءِ الرَّبَّانيِّين، والعبادِ العارفين، والأئمَّةِ الْمَهْدِيِّين"[9]:
قال تَعَالَىٰ عنِ القرآنِ الكريم: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (الحاقّة: 48)

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
46- لأن التَّقِيَّ عارِضُ سَدِّ أحوالِه إلىٰ مَخرج، وعُسْرِها إلى ٰيُسر، وسيِّئاتُه إلىٰ مغفرة، وأُجُورُه إلىٰ إعظام!
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق: من الآيتين 2 و3)[10].
﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ (الطلاق: 4)[11].
﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ (الطلاق: 5)[12]
"بتقوى الإلٰهِ نجا مَن نجَا *
وفازَ وصــــــارَ إلىٰ ما رَجَا
ومَن يتقِّ اللهَ يَجْــــــــــــعَلْ له *
كما قالَ مِن أَمْرِهِ مَخْرَجَا"[13]

47- المتَّقي مُوَفَّقٌ "لِلْعَودِ إلى العملِ الصالح"[14]، "مُيسَّرٌ للخير مِن الله"[15]. "مُيَسَّرةٌ عليه أمورُ دُنياه وآخرتِه"[16]:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)﴾ (اللَّيل)

48- المتَّقي مُزْحزَحٌ عنِ النارِ مُباعَدٌ عنها، موعودٌ بالرِّضا "بما يُعطِيهِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في الآخرةِ مِن الجنَّةِ والكَرامة"[17]:
﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَ ىٰ (19)إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ (21)﴾ (اللَّيل)[18]

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .
ولذا؛ سُنَّ لنا طَلَبُ التقوىٰ مِن الله -جَلَّ جَلَالُهُ- للنَّفْسِ ولِلغَير:
▣ «اللّٰهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَىٰ وَالتُّقَىٰ، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَىٰ»
"صحيح مسلم" (2721).
▣ «اللّٰهُمَّ! آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا»
"صحيح مسلم" (2722).
▣ «اللّٰهُمَّ! إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَٰذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَىٰ، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَىٰ»
مِن دعاء المسافر، وهو في "صحيح مسلم" (1342).
▣ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا؛ فَزَوِّدْنِي. قَالَ:
«زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَىٰ».
قَالَ:
زِدْنِي.
قَالَ:
«وَغَفَرَ ذَنْبَكَ».
قَالَ:
زِدْنِي، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي!
قَالَ:
«وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ».
رواه الإمام الترمذي وبوّب له بـ: (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا وَدَّعَ إِنْسَانًا)، والإمام ابن خزيمة: (بَابُ دُعَاءِ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ إِرَادَةِ السَّفَرِ)، ورواه غيرهما رَحِمَهُمُ اللهُ، وحسّنه أبي وغيرُه رَحِمَهُمُ اللهُ؛ "الكَلِم الطيِّب" (171).

وبعد ما سبق
كيف لا يكون مَنِ اتَّقىٰ إذا اتَّقىٰ بخير؟!
ألا قد حَقَّ جوابُ ابنةِ الصدِّيق وصدق، قابسٌ مِن ذاك السراج فائتلق! وهي سليلةُ ﴿الأتقىٰ﴾[19] وحِبُّ إمامِ المتّقين؛ فتشيَّمَتْ أباها، ويمَّمتْ سُنَّةَ مَن سلامَ جبريلَ أقراها!
هٰؤلاء هم السُّعداء حقًّا
"ولَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ * ولَٰكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
وتَقْوَى اللهِ خَيرُ الزَّادِ ذُخْرًا * وعِنْدَ اللهِ لِلأتْقَىٰ مَزِيدُ"[20]
ولا إثبات يعلو على الوحْي، وقد وَعَتْه تلك القلوبُ زكيَّةُ النَّشْرِ والطَّيّ، فودَّعت الدُّنيا وكان مِن آخر ما فاحَتْ:
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ .

[1] - يُنظر "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (6/ 487، ط دار طيبة).
[2] - "تفسير الطبري" (20/ 271).
[3] - المصدر السابق (20/ 640) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
[4] - المصدر السابق (4/ 563)، في تفسير قولِه تَعَالَىٰ: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (البقرة: 257).
[5] - العلامة ابن باز "مجموع فتاوىٰ ومقالات متنوعة" (20/ 402، ط1 ، 1423ﻫ، رئاسة إدارة البحوث العلمية، دار القاسم).
[6] - "تاريخ دمشق" لابن عساكر (32/ 474، ط 1416ﻫ، دار الفكر) والشعرُ لابن المبارَك رَحِمَهُ اللهُ.
[7] - سبق في النقطة التاسعة قولُهُ تَعَالَىٰ في سورة (آل عمران): ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ﴾ الآية؛ قال العلامةُ العثيمين -رَحِمَهُ اللهُ- في تفسيرها:
"قوله: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾: العِنْدِيَّةُ هنا تُفيد فضلًا عظيمًا؛ لأنها هي القُرْبُ مِن الله عَزَّ وَجَلَّ. كما قال تَعَالَىٰ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ (الأعراف: 206)، وكما قال تَعَالَىٰ: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)﴾ (الأنبياء). فثوابُ المتَّقين عِند الله، والعِنْدِيَّة تُفيد القُرْبَ، ولَا أَقْرَبَ مِن شيءٍ يَكون سَقْفُهُ عَرْشَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كالفردوسِ الأَعلىٰ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾ (القمر). أسأل الله أن يجعلني وإيَّاكم مِن أهلها" اﻫ مِن "تفسير القرآن الكريم/ سورة آل عمران" (1/ 98، ط1، 1426ﻫ، دار ابن الجوزي).
[8] - يُنظر "نظم الدرر" للبقاعي (8/ 141, ط1، 1415ﻫ، دار الكتب العلمية).
[9] - "تسير الكريم الرحمٰن" ص 884.
[10] - قال العلامة البقاعي: "﴿يَجْعَلْ﴾ أي الله -سبحانه- بسبب التقوىٰ:
﴿لَهُ مَخْرَجًا﴾ بِدَفْعِ المضارِّ مِن كلِّ ضِيْقٍ أَحاطَ به؛ في نظيرِ ما اجْتَنَبَ مِنَ الْمَناهي.
﴿وَيَرْزُقْهُ﴾ بحَولِهِ وقوَّتِه بِجَلْبِ الْمَسَارِّ في الدِّين والدُّنيا والآخرةِ؛ في نَظيرِ ما اجْتَلَب مِن فِعْلِ الأوامر.
وَلَمَّا كان أَحلى الهِبَاتِ ما جاء مِن مَكانٍ لا يُرْجَىٰ؛ قال: ﴿مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ أي لَا يَقْوىٰ رَجاؤه له" اﻫ مِن "نظم الدرر" (8/ 29).
[11] - قال الحافظ القصَّاب في الآية:
"دليلٌ علىٰ أنَّ كلَّ عسيرٍ مِن الأمور يتيسَّر ُبالتقوىٰ، حتىٰ عُسْرَ تَقْتيرِ الرِّزق، وشفاءَ الدَّاءِ العَسِرِ العلاج، والخلاصَ مِن المحبس -مِن الفَكاكِ مِن الأَسْرِ- وأشباهَ ذٰلك" اﻫ من "النكت" (4/ 340، ط1، 1424ﻫ، دار ابن عفان).
وقال العلامة البقاعي:
"﴿يُسْرًا﴾ أي سُهُولةً وفَرَجًا وخَيرًا في الدَّارَين، بِالدَّفْعِ والنَّفْعِ، وذٰلك أَعْظَمُ مِن مُطْلَقِ الْمَخْرَجِ الْمُتَقَدِّمِ في الآيةِ الأُوْلَىٰ" اﻫ مِن "نظم الدرر" (8/ 33).
[12] - قال الحافظ ابن كثير:
"يذهب عنه المحذور، ويجزل له الثواب على العمل اليسير" اﻫ من "تفسير القرآن العظيم" (8/ 152، دار طيبة).
[13] - "مجموع رسائل الحافظ ابن رجب" (3/ 102، دار الفاروق).
[14] - "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة (ص 531 ، ط 1398ﻫ، دار الكتب العلمية).
[15] - عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما؛ "شعب الإيمان" للبيهقي (13/ 278، ط 1، 1423ﻫ، مكتبة الرشد).
[16] - الإمام ابن القيم "التبيان في أيمان القرآن" (ص 89، ط المجمع، دار عالم الفوائد). وتتمة كلامِه رَحِمَهُ اللهُ: "وتارك التقوىٰ وإنْ يُسِّرتْ عليه بعضُ أمورِ دُنياه؛ تَعَسَّر عليه مِن أمورِ آخرته بحسَبِ ما تَرَكه مِن التقوىٰ، وأمّا تيسير ما تيسَّر عليه مِن أمور الدنيا؛ فلو اتَّقى اللهَ -تَعَالَىٰ- لكان تيسيرُها عليه أتمَّ، ولو قُدِّر أنها لم تُيَسَّرْ له؛ فقد يُيَسِّر اللهُ له مِن الدنيا ما هو أنفعُ له مما ناله بغير التقوىٰ؛ فإنَّ طِيْبَ العَيشِ ونعيمَ القلبِ ولذةّ الرُّوحِ وفَرَحَها وابتهاجَها مِن أعظمِ نعيمِ الدنيا، وهو أجَلُّ مِن نعيمِ أربابِ الدنيا بالشهواتِ واللذَّات" اﻫ.
[17] - "تفسير البغوي" (8/ 449، ط 1412هـ، دار طيبة).
[18] - قال الحافظ ابن الجوزي رَحِمَهُ اللهُ: "قوله تَعَالَىٰ: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا﴾ أي يُبْعَدُ عنها فيُجْعَلُ منها علىٰ جانبٍ ﴿الْأَتْقَى﴾ يعني أبا بكرٍ الصِّدِّيق في قولِ جميع المفسِّرين" اﻫ مِن "زاد المسير" (9/ 152، ط3/ 1404ﻫ، المكتب الإسلامي).
وقال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: "وقد ذَكر غيرُ واحدٍ مِن المفسِّرين أنَّ هٰذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حتىٰ إنَّ بعضَهم حكى الإجماعَ مِن المفسِّرين علىٰ ذٰلك. ولا شك أنه داخلٌ فيها، وأولى الأُمَّةِ بِعُمومها؛ فإنَّ لفْظَها لفظُ العُموم، وهو قوله تَعَالَىٰ: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) ﴾، ولٰكنه مُقَدَّمُ الأُمَّةِ وسابِقُهم في جميع هٰذه الأوصافِ وسائرِ الأوصاف الحميدة؛ فإنه كان صِدِّيقًا تَقيًّا كريمًا جوادًا بذَّالًا لِأمواله في طاعةِ مولاه، ونُصرةِ رسولِ الله، فكم مِن دراهم ودنانير بَذَلها ابتغاءَ وَجْهِ ربِّه الكريم، ولم يَكن لِأحدٍ مِن الناس عنده مِنّةٌ يحتاج إلىٰ أن يكافئه بها، ولٰكن كان فضلُه وإحسانُه على السَّادات والرؤساء مِن سائر القبائل؛ ولهٰذا قال له عروة بن مسعود -وهو سيد ثقيف، يوم صلح الحديبية-: أما واللهِ! لولا يدٌ لك كانت عندي لم أَجْزِكَ بها؛ لَأَجبتُكَ. وكان الصِّدِّيق قد أَغْلظ له في المقالة، فإذا كان هٰذا حالُه مع سادات العرب ورؤساء القبائل، فكيف بمن عَداهم؟! ولهٰذا قال: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ (21)﴾. وفي "الصحيحين" أنَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَن أَنْفَقَ زَوجَينِ في سبيلِ اللهِ؛ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الجنَّة: يا عبدَ الله! هٰذا خيرٌ»، فقال أبو بكر: يا رسول الله! ما علىٰ مَن يُدْعَىٰ منها ضرورة، فهل يُدعىٰ منها كُلِّها أَحَدٌ؟ قال: «نَعَمْ، وأَرْجُو أن تَكونَ مِنهُم»" اﻫ مِن "تفسير القرآن العظيم" (8/ 422).
[19] - يُنظر الحاشية السابقة.
[20] - "موارد الظمآن لدروس الزمان" (1/ 86، ط 30، 1424ﻫ).


- سُكَينة بنت محمد ناصر الدين الألبانية

ام العباس
2016-01-25, 18:26
اللهم اجعلنا من المتقين وصلي الله على سيدنا محمد وعلى أزواجه وذريته وسلم عليهم تسليما

Iloveallah
2016-01-26, 16:01
جزاكم الله خيرا..

بلقاسم الأمين
2016-01-27, 17:28
اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى