مشاهدة النسخة كاملة : شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري
أم سمية الأثرية
2016-01-22, 18:24
شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري /لأم عبدالله بنت الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على رسوله الأمين. و أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أن محمدا عبده ورسوله
. أما بعد
فإن أنفس ما تصرف فيه الأوقات هو طلب العلم النافع الذي يعد نورا لحياة من يطلبه، كما قال سبحانه في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) فأنفس ما تصرف فيه الأوقات هو طلب العلم الشرعي، الذي هو طريق إلى الجنة.
والجنة بغية كل مؤمن ومؤمنة (وما غاية المؤمن إلا الجنة).
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ).
فوائد و ثمار العلم النافع لا تعد ولا تُحصى ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ).
بالعلم تُنال السيادة لفضل العلم و لشرفه حتى إن سفيان بن عيينة وهو(أبو محمد الهلالي) ـ رحمه الله تعالى ـ لما وجد الطلاب ملتفين
حوله تمثل بقول الشاعر:
خلت الديار فسدت غير مسود و من البلية تفردي بالسؤدَد
(فسدت غير مسود) من دون أن يُجعل سيدا نال السيادة.
فالعلم رفعة عظيمة لا ينال هذه الرفعة الملوك، ولا الرؤساء، ولا الوزراء. لا ينالها إلا من تعلم العلم الشرعي.قال ربنا سبحانه (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) .
وذكر الوالد الشيخ مقبل رحمه الله تعالى ـ قصة لأمِّ ولد لهارون الرشيد أنه سمعت جلبة أصوات، فنظرت فوجدت عبد الله بن المبارك و أصحابه من طلاب العلم عن يمينه و عن يساره و ملتفين حوله يمشون معه فقالت:من هذا قيل عبدالله بن المبارك قالت: والله إن هذا هو
الملك لا ملك هارون الرشيد الذي يجتمع حوله الناس رغبة ورهبة.
والقصة بنحو هذا في تاريخ ابن عساكر- ترجمة عبد الله بن المبارك.
العلم هو الملك، هو السلطان. العلم الشرعي سعادة عظيمة لا ينالها إلا من طلب العلم الشرعي.
لا ينال هذه السعادة والحلاوة إلا من طلب العلم الشرعي، كما قال الحسن البصري ـ رحمه الله تعالى ـ: لو يعلم الملوك و أبناء الملوك مانحن عليه لجالدونا بالسيوف) .
وبالعلم يخرج الإنسان من ظلمات الجهل إلى النورفيعبد الله على بصيرة .
فلهذا ينبغي أن نعتنى بالعلم الشرعي، بتعلم كتاب الله و سنة رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الهمم الآن انصرفت إلى العلوم الدنيوية- إلا من رحم الله- و زهدت في العلم الشرعي الذي به تنال السعادة في الدنيا و الآخرة.
و قد ذم الله عز وجل المقبلين على العلوم الدنيوية الغافلين عن أمور الآخرة، قال الله عز و جل: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)
و قال سبحانه: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) فذم الله سبحانه وتعالى هذا الصنف.
والإعراض عن العلم النافع خطير، ضرر ،فقد قال الله عز و جل: وَمنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ
بَصِيرا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)
فمن رزقها الله سبحانه و تعالى محبة العلم النافع فعليها أن تحمد الله و أن تشكره. و لله الحمد أولا وآخرا.
فهذه نعمة عظيمة أن يُقذف في القلب محبة العلم النافع. يقول ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في مفتاح دار السعادة: ( محبة العلم علامةعلى السعادة، و بغض العلم علامة على الشقاوة)
وينبغي -أخواتي- على من طلبت العلم أن تراعي أمورا:
أحدها: الإخلاص، فإن ربنا سبحانه يقول (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) و يقول عز و جل: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ).
فليكن تعلمنا العلم لله عز و جل، ابتغاء للأجر و للانتفاع و حسن الاتباع حتى يكون العلم نافعا لنا. و سواء كان ذلك في الحفظ أو في حضور الدرس أوفي الكتابة أوغير ذلك. و قد قال ابن حزم ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (تهذيب النفوس): ( إذا حضرت مجلس علم فلا يكن حضورك إلا حضور مستزيدٍ علماً وأجراً لا حُضور مستغنٍ بما عندك طالباً عثرة لعثرة فتشيعها أو غريبة فتشنِّعها؛ فإن هذا فعل الأراذل، الذين لا يفلحون في العلم أبدا) ا.هـ.
سبحان الله كلام عظيم في توجيه من يطلب العلم أن يكون القصد من طلب العلم وحضور الدرس-حتى يفلح-يكون قصده الانتفاع،
والتزود من العلم وابتغاء الأجر من الله سبحانه و تعالى،ولا يكن حضور مستغن بنفسه و متطلب للعثرات والزلات.
وإن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا و إن سمعوا من صالح دفنوا
الثاني: الحرص على الاستقامة. فإن ربنا سبحانه و تعالى يقول (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ) و يقول سبحانه: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ)
. ويقول الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ: ( أنت يا طالبَ العلم أحق بالاستقامة حتى لا تطمس بصيرتك).
طالب العلم أَولى بالاستقامة حتى ينتفع بسعيه، وبطلبه للعلم، ويبارك الله له في أقواله، و أفعاله، و أحواله. و حتى يكون من الثابتين على دين الله عز و جل. فإن ربنا سبحانه و تعالى يقول (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) .
فمعصية واحدة- والعياذ بالله- تسبب حرمان العلم. قد تسبب النكبة والمصيبة. فلهذا كان من الواجب على طالبة العلم -بالأخص- أن تحافظ على دينها و تحذر من المعاصي حتى يبارك الله في سعيها. لا نكن ممن يحمل العلم بدون عمل، فإن هذا ليس من الاستقامة.
واليهود كان عندهم علم لكن بدون عمل، بدون استقامة. فذمهم الله عز و جل، وغضب عليهم. فعياذاً بالله ما كل من يتعلم العلم يَنتفع
بعلمه و يكون من أهل الاستقامة. قال سبحانه و تعالى: (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يعرفون، عندهم اطلاع، و يعرفون أنه الحق ولكن ما فيه عمل، ما فيه استقامة. و هكذا في آيات أخرى قال الله عز و جل: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)
فلهذا يجب على طالبة العلم أن تكون على حذر من أن يكون علمها في شق و هي في شق آخر، و العياذ بالله.
يقول االشيخ الوالد مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ ( لا تكن - ينصح طالب العلم- كحال ولدي امرأتين، واحدة قالت: ولدي يدخل الكلام من هذه الأذن
و يخرج من الأذن الأخرى. و قالت الأخرى: ولدي لا يدخل الكلام من هذه الأذن و لا يخرج من هذه الأذن الأخرى). فينبغي لطالبة العلم أن تكون - بعون الله سبحانه - مفتاحا للخير، مغلاقا للشر.
الثالث: أن تكون ذات همة عالية. فإن ربنا عز وجل يقول في كتابه الكريم: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ).
أي بجد و نشاط. و يتطلب لوجود الهمة العالية الصبر ( إعط العلم كلك، يعطيك بعضه). و ترك الكسل؛ فإن الكسل يُحرِم الخير. ولهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يستعيذ بالله من الكسل.
وبين يدينا كتاب التوحيد للإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى.
وعلم التوحيد يجب تعلمه، فتعلمه فرض عين على كل مسلم و مسلمة. كما قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ( طلب العلم
فريضة على كل مسلم)
ولا سبيل الى السعادة إلا بالتوحيد. فسعادة الدارين هي متعلقة بتحقق التوحيد. فربنا سبحانه يقول في كتابه الكريم عن لقمان: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). و يقول عز و جل: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ). و يقول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: ( من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقي الله يشرك به شيئا دخل النار).
وبالتوحيد يتحقق الأمن و الأمان، فقد قال ربنا سبحانه و تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).
و بالتوحيد يتحقق دولة رشيدة ويحصل التمكين في الأرض قال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي
الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) شرط التمكين في الأرض توحيد الله عز و جل.
فبإقامة التوحيد يحصل الخير والتمكين والأمن و الأمان و السعادة.
و يقول الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ في بعض دروسه التي كتبتهاعنه : يجب الاهتمام بالتوحيد؛ فإن الناس إذا استسلموا لتوحيد الله عز و جل استسلموا لغيره).
سبحان الله، يعني يسهل عليهم الاستسلام للشرع، لامتثال الأوامر واجتناب النواهي.
فعلم التوحيد علم عظيم، لا تحصل السعادة إلا به. و لا يدخل أحد الجنة إلا بالتوحيد.
و لا يأمن أحد على نفسه- مهما كان في المنزلة- من الشرك؛ فقد قال إبراهيم عليه الصلاة و السلام: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ).
يقول الإمام البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه: (بسم الله الرحمن الرحيم كتاب التوحيد)
وذكر بسم الله الرحمن الرحيم في أول الكتاب مستحب تأسياً بالكتاب العزيز؛ فأول المصحف بسم الله
الرحمن الرحيم.
كما ينبغي تصدير الرسائل بها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يكتبها .
و قوله ( كتاب التوحيد) كتاب: مادة كتب تدور على الجمع والضم. و سمي الكتاب كتابا لجمعه الحروف و الكلمات، و منه كتيبة الخيل -أي جماعة الخيل. و يقال تكتّب آل فلان إذا اجتمعوا.
وعادة المؤلفين أنهم يقسمون كتبهم إلى كتب و أبواب و فصول. فمثلا عندنا صحيح البخاري مشتمل على عدة كتب و أولها
كتاب بدء الوحي.
ويذكر أهل العلم الحكمة في ذلك: التنشيط للنفس على الحفظ و التحصيل بحيث يكون الشيء له ابتداء و ختم -أي نهاية. و من ثَمَّ كان
القرآن الكريم مقسَّم إلى سور.
هذا وجه الحكمة من تقسيم الكتاب إلى كتب وأبواب وفصول وتقسيم القرآن الكريم إلى سور من أجل تنشيط النفس على الحفظ
والتحصيل وفي ذلك تسهيلٌ للمراجعة .
راجعي حاشية الروض المربع لابن القاسم ـ رحمه الله تعالى.
قال النووي في شرح المهذب (1/ 77 ) :وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ المصنفين كالجنس المستقل الجامع لأبواب .
تعريف التوحيد
التوحيد: لغة: من وحَّد الشيء يوحده توحيداً.
والتوحيد شرعا: هو إفراد الله عز و جل في ربوبيته و ألوهيته و أسمائه و صفاته.
توحيد الربوبية: توحيد الله في أفعاله كالملك و الخلق و التدبير و الإحياء و الإماتة.
وتوحيد الربوبية ما أنكره كفار قريش، و من أنكره من غيرهم من الملاحدة فإنما هذا في الظاهر لا في الباطن.
وتوحيد الربوبية من آمن به و أقر به لا يكون موحدا حتى يقر بتوحيد الألوهية.
و لهذا لما كان كفار قريش يقرون بتوحيد الربوبية و ما أقروا بتوحيد الألوهية - بل قالوا (أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) و قال سبحانه (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ)- ما نفعهم توحيد الربوبية حيث لم يقروا بتوحيد الألوهية.
وقد بين ذلك الإمام الصنعاني في كتابه (تطهيرالاعتقاد) والإمام النجدي في (كشف الشبهات ) رحمهما الله .
ويلزم من توحيد الربوبية الإيمان بتوحيد الألوهية، يعني توحيد الربوبية يلزم منه الإيمان بتوحيد الألوهية.
توحيد الألوهية :توحيد الله في أفعال العباد كالدعاء و الصلاة و الذبح و النذر و ما أشبه ذلك. ما يصرف العبادة لغير الله عز و جل.
توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية. يعني من وحد الله عز و جل في توحيد الألوهية فقد وحد الله في توحيد الربوبية.
فتوحيد الربوبية داخل في ضمن توحيد الألوهية لأنه ما أقر بتوحيد الألوهية حتى كان مقرا بتوحيد الربوبية.
وأفاد أيضاً العلامة ابن عثيمين في (فتاوى أركان الإسلام )ص 50: أن توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الأسماء والصفات، لأن
الإنسان لا يعبد إلا من علم أنه مستحق للعبادة، لما له من الأسماء والصفات، ولهذا قال إبراهيم لأبيه: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (مريم: الآية42) . فتوحيد العبادة متضمن لتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات اهـ.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع فتاواه(7/62): وقد أوضح أهل العلم رحمهم الله أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية - وهو: إفراد الله بالعبادة - ويوجب ذلك ويقتضيه، ولهذا احتج الله عليهم بذلك.
وهكذا توحيد الأسماء والصفات يستلزم تخصيص الله بالعبادة وإفراده بها لأنه سبحانه هو الكامل في ذاته وفي أسمائه وصفاته، وهو المنعم على عباده، فهو المستحق لأن يعبدوه ويطيعوا أوامره وينتهوا عن نواهيه.
وأما توحيد العبادة، فهو يتضمن النوعين، ويشتمل عليها لمن حقق ذلك واستقام عليه علما وعملا. .اهـ
توحيد الأسماء والصفات :ألا نسمي الله ولا نصفه إلا بما جاء به الكتاب والسنة .
و من أين عُرف هذا التقسيم أن أقسام التوحيد ثلاثة؟.
يقول أهل العلم عُرف ذلك بالتتبع و الاستقراء. يعني بتتبع ذلك من الكتاب و السنة.
أقسام التوحيد ثلاثة، و بعضهم يجعلها أربعة بزيادة توحيد المتابعة.
******************
7371- قال رحمه الله تعالى: بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُما«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ».
7372 - وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
صَيْفِيٍّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَعْبَدٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى
نَحْوِ أَهْلِ اليَمَنِ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ،
فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ
، تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ» .
************************
الكلام على رجال بعض الإسناد
أبو عاصم :هو الضحاك بن مخلد.
(وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ )
فائدة عن الشيخ الوالد مقبل بن هادي ـ رحمه الله تعالى ـ
الإمام البخاري له أربعة مشايخ يقال لكل واحد منهم عبد الله بن محمد: عبد الله بن محمد بن أبي الأسود، و ابن أبي شيبة، و ابن أسماء، و المسندي الجُعفي.
وأفاد رحمه الله تعالى : أنه إذا أُطلق عبد الله بن محمد فهو المسندي الجعفي.
يعني إذا وجدنا في الإسناد عبد الله بن محمد بدون تقييد بـ ( ابن أبي الأسود، أو ابن أبي شيبة، أو ابن أسماء) فهو المسندي الجعفي.
( ... حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ)
إسماعيل بن أمية : ثقة.
وقد قال بعضهم من روى له البخاري و مسلم في صحيحيهما فقد جاوز القنطرة.
قال ابن دقيق العيد في الاقتراح في بيان الاصطلاح ص55: وَكَانَ شيخ شُيُوخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحسن الْمَقْدِسِي يَقُول فِي الرجل يخرج
عَنهُ فِي الصَّحِيح هَذَا جَازَ القنطرة .
يَعْنِي بذلك أَنه لَا يلْتَفت إِلَى مَا قيل فِيهِ .
قال ابن دقيق :وَهَكَذَا يُعْتَقد وَبِه نقُول وَلَا نخرج عَنهُ إِلَّا بِبَيَان شاف وَحجَّة ظَاهِرَة تزيد فِي غَلَبَة الظَّن على
الْمَعْنى الَّذِي قدمْنَاهُ من اتِّفَاق النَّاس بعد الشَّيْخَيْنِ على تَسْمِيَة كِتَابَيْهِمَا بالصحيحين
وَمن لَوَازِم ذَلِك تَعْدِيل رواتهما اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري(الْفَصْل التَّاسِع فِي سِيَاق أَسمَاء من طعن فِيهِ من رجال هَذَا الْكتاب):
يَنْبَغِي لكل منصف أَن يعلم أَن تَخْرِيج صَاحب الصَّحِيح لأي راو كَانَ مُقْتَض لعدالته عِنْده وَصِحَّة ضَبطه وَعدم غفلته وَلَا سِيمَا مَا
انضاف إِلَى ذَلِك من إطباق جُمْهُور الْأَئِمَّة على تَسْمِيَة الْكِتَابَيْنِ بالصحيحين وَهَذَا معنى لم يحصل لغير من خرج عَنهُ فِي الصَّحِيح فَهُوَ بِمَثَابَة إطباق الْجُمْهُور على تَعْدِيل من ذكر فيهمَا .
هَذَا إِذا خُرِّج لَهُ فِي الْأُصُول فإمَّا إِن خرج لَهُ فِي المتابعات والشواهد والتعاليق فَهَذَا يتَفَاوَت دَرَجَات من أخرج لَهُ مِنْهُم فِي الضَّبْط
وَغَيره مَعَ حُصُول اسْم الصدْق لَهُم وَحِينَئِذٍ إِذا وجدنَا لغيره فِي أحد مِنْهُم طَعنا فَذَلِك الطعْن مُقَابل لتعديل هَذَا الإِمَام فَلَا يقبل إِلَّا مُبين
السَّبَب مُفَسرًا بقادح يقْدَح فِي عَدَالَة هَذَا الرَّاوِي وَفِي ضَبطه مُطلقًا أَو فِي ضَبطه لخَبر بِعَيْنِه لِأَن الْأَسْبَاب الحاملة للأئمة على الْجرْح مُتَفَاوِتَة عَنْهَا مَا يقْدَح وَمِنْهَا مَا لَا يقْدَح اهـ المراد
ونص العلامة الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة(11/ 668)عن عبارة (…فقد جاوز القنطرة) أنها قاعدة غالبة اهـ
وتبين من كلام الحافظ أن عبارة أبي الحسن المقدسي مقيدة بمن خرَّج له البخاري ومسلم في الأصول دون الشواهد والمتابعات
والتعاليق وأنه لا بد من برهان واضح في الكلام في رواة الصحيحين.
وقال الحافظ في نزهة النظر :ورواتُهُما قد حَصَلَ الاتِّفاقُ على القَوْلِ بتَعديلِهِمْ بطريقِ اللُّزومِ، فهُمْ مقدَّمون على غيرِهم في رِواياتِهم،
وهذا أصلٌ لا يُخْرَجُ عنهُ إِلاَّ بدليلٍ اهـ
قلت :وأيضاً قد ينتقي الشيخان من حديث الراوي المتكلَّم فيه ما صح مثل إسماعيل ابن أبي أويس انتقى البخاري من حديثه .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/353)في الكلام على مطر الوراق :وَلَا عَيْبَ عَلَى مسلم فِي إِخْرَاجِ حَدِيثِهِ، لِأَنَّهُ يَنْتَقِي
مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَفِظَهُ، كَمَا يَطْرَحُ مِنْ أَحَادِيثِ الثِّقَةِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ، فَغَلِطَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَنِ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ
إِخْرَاجَ جَمِيعِ حَدِيثِ الثِّقَةِ، وَمَنْ ضَعَّفَ جَمِيعَ حَدِيثِ سَيِّئِ الْحِفْظِ، فَالْأُولَى: طَرِيقَةُ الحاكم وَأَمْثَالِهِ، وَالثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ أبي محمد ابن حزم وَأَشْكَالِهِ، وَطَرِيقَةُ مسلم هِيَ طَرِيقَةُ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
والحاصل أنه لا يطمع أحد من ذوي الغرض والهوى في الطعن في الصحيحين ورجالهما فقد حكى ابن الصلاح أن الأمة تلقت هذين
الكتابين بالقبول، سوى أحرف يسيرة، انتقدها بعض الحفاظ، كالدارقطني وغيره (مختصر علوم الحديث لابن كثير ) .
وهذا يقتضي تعديل رواتهما وأن هذا هو الأصل في رجالهما ومن خُرِّج له في الصحيحين في الأصول –أي اعتماداً-وفيه كلام فيُحمَلُ
على أنه انتُقي من حديثه .
(....لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
(لمَّا )في اللغة العربية على ثلاث معان: لما بمعنى حين. و منه هذا الحديث. و منه قول الله تعالى: (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ)
أي وقت، حين .
(لمَّا )بمعنى لم و منه قوله عز و جل: (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) لما في هذا الموضع بمعنى لم إلا أنها زيدت فيها ألف.
(لمَّا )بمعنى إلا و منه قوله تعالى (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ) .
( .... مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نحوِ أَهْلِ الْيَمَنِ)
أهل اليمن هم من عن يمين الكعبة. فما عن يمين الكعبة يقال له اليمن.
( ...إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ..... الحديث)
- هذا الحديث فيه من الفوائد-
- إرسال الدعاة إلى الله لتبليغ الناس الشرع.
- توجيه الدعاة إلى الله و ذلك ليكون عندهم استعداد لما قد يكون له الحاجة كشبهة أو مخالفات.
- فضيلة لمعاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ لأن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أرسله مما يدل على أنه أهل للأمانة و المعرفة.
وأرسل معه أبا موسى الأشعري وهذا أيضاً يدل على فضله ـ رضي الله عنه. ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ وقَالَ لهما: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ
تَخْتَلِفَا».
بعث معاذا إلى صنعاء، و أبا موسى الشعري إلى عدن. وأوصاهما بهذه الوصية العظيمة، و من ضمنها ( وتطاوعا ولا تختلفا)؛ فإن
الاختلاف شر. و الاختلاف يذهب القوة و يضعف قال سبحانه{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
الاختلاف سبب للفشل و للضعف. ( ريحكم) أي قوتكم.
فالواجب على المسلمين أن يكونوا يدا واحدة و صفا واحدا على كتاب الله و سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم. و أن يبتعدوا عن الفرقة.
وهناك قصة ذكرها الشيخ الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ يقول: كان هناك رجل حضرته الوفاة، فدعا بعدة عصي و جمع أولاده. فجمع
العصي التي عنده و قال لأحد أولاده: اكسرها. ما استطاع أن يكسرها لأنها قوية مشدودة. ثم الثاني ، ثم الثالث .. وهكذا. فقال: هكذا
كونوا اهـ.
كونوا مجتمعين على قلب واحد فإن هذا قوة ما يطمع العدو إلا من خلال الاختلاف. إذا وُجد الاختلاف يستطيع العدو أن يحقق ما في
نفسه سواء كان حاسدا أو عدوا من عدونا أعداء الملة و الدين.
ولهذا ينبغي الحرص على جمع الكلمة على البروالتقوى، و البعد عن الخلاف؛ فإن هذا يشغل البال و يُحرِم الخير.
و قد كان الشيخ الوالد مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ يحث على جمع الكلمة و يحذر من التفرق و التحزب و كان يخاف على طلاب العلم من التفرق، يقول ـ رحمه الله تعالى ـ( أخشى عليكم من الفُرقة) .
- أن الداعي إلى الله لابد أن يكون عنده معرفة بحال المدعوين حتى تكون دعوته على نور و بصيرة.
- عموم بعثة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم. لأنه إذا كان مرسلا إلى أهل الكتاب، فغيرهم من باب أولى ممن ليس عندهم كتاب. و قد قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) فرسالة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ـ عامة للثقلين.
- البدء بالأهم فالأهم في التعليم و الدعوة.
وهذه طريقة الرسل؛ البدء بالدعوة إلى التوحيد و الاهتمام بالتوحيد { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } أول ما يُبدأ به في التعليم التوحيد والعقيدة.
وروى ابن ماجة في سننه عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، «فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا» .
ومن هُنا يُعلم خطأ البدء بتعليم القرآن وحده دون أن يُضم إليه التوحيد والعقيدة.
فأول ما يُبدأ به ويُهتم به هو التوحيد والعقيدة؛ فإن هذه هي دعوة أنبياءالله ورسله .
-وقوله في الحديث : " فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى"
هذا هو شهادة أن لا إله إلا الله. و معنى لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله.
( لا إله إلا الله )لها ركنان: نفي و إثبات.
النفي في قوله (لا إله) نفي لجميع المعبودات سوى الله عز و جل.
الإثبات في قوله ( إلا الله) و هذا فيه الإثبات. إثبات العبادة لله عز و جل وحده.
شروط لا إله إلا الله ثمانية مجموعة في قول الشاعر:
علم يقين و إخلاص و صدقك مع محبة و انقياد و القبول لها
و زيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأوثان قد أُلِّها
العلم المنافي للجهل هناك من يقول لا إله إلا الله، و هو يقع في الشرك لأنه ماعرف معنى لا إله إلا الله، و شروطها و أركانها.
والشرط الثامن البراءة، الكفر بكل ما يعبد من دون الله عز و جل. سواء كان صنما أو حجرا أو غير ذلك.
لا بُد من البراءة من الشرك وأهل الشرك
ما يكفي أن يقول أنا على ديني، و النصراني على دينه واليهودي على دينه ( لكم دينكم ولي دين ) بل لا بُد من البراءة قال تعالى { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.
ويراجع شرح هذه الشروط في معارج القبول للشيخ حافظ حكمي رحمه الله تعالى.
- وجوب خمس صلوات في اليوم و الليلة.
-استدل به جمهور العلماء على استحباب صلاة الكسوف، و تحية المسجد، و ركعتي الطواف و ما أشبه ذلك، قالوا: يدل على أن هذه الصلوات مستحبة و ليست بواجبة.
و يُجاب عن هذا الدليل بأنه المراد به ما يتكرر بتكرر اليوم و الليلة. كما في كتاب الصلاة
لابن القيم ـ رحمه الله تعالى- .
والصحيح وجوب صلاة الكسوف و تحية المسجد وركعتي الطواف.
-دليل على أن صلاة الوتر نافلة وهذا عليه الجمهور و خالف الحنفية و قالوا إنها فرض .و ليس بصحيح يرد قولَهم هذا الحديث.
وهكذا صلاة الضحى الحديث دليل على استحبابها لأنها تتكرر بتكرر اليوم و الليلة.
- التدرج في التعليم ما يُعطَى العلم دفعة واحدة ( من أراد العلم جملة فاته كله). و يقول الزهري ـ رحمه الله تعالى ـ لتلميذه يونس بن
يزيد: ( يا يونس لا تكابرهذا العلم- أي لا تغالبه - فإنما هو أودية ولكن خذه مع الأيام و الليالي) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم و فضله.
و التدرج في الدعوة والتعليم داخل في ضمن التيسير، داخل في حديث ( يسرا و لا تعسرا).
فإنه إذا ألقى العلم بتدرج يُحبِّب العلم إلى الناس
ويُسهله عليهم فتندفع الهمم إلى أخذ العلم.
قال الحافظ في فتح الباري(68) … وَكَذَا تَعْلِيم الْعِلْمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالتَّدْرِيجِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ سَهْلًا حُبِّبَ إِلَى مَنْ يَدْخُلُ فِيهِ وَتَلَقَّاهُ بِانْبِسَاطٍ وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ غَالِبًا الِازْدِيَادَ بِخِلَافِ ضِدِّهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
- وجوب الزكاة في مال الغني إذا بلغ النصاب و حال عليه الحول.
الغني في هذا الحديث هو من ملك النصاب وحال عليه الحول.
الغني في حديث أبي هريرة المتفق عليه ( مطل الغني ظلم) هو من قدر على أداء الدين. فمن قدر على أداء الدين فهوغني يجب عليه أن يدفع الدين لصاحبه.
الغني في باب المسألة يقول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ هو من عنده ما يغديه و يعشيه.
هذا لا يحل له أن يسأل؛ وباب المسألة مضيق.
فالغني له ثلاث حالات.....
- صرف الزكاة إلى الفقراء.
و هذا أحد مصارف الزكاة. و قد ذكر الله عز و جل المصارف في سورة التوبة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ) هؤلاء ثمانية.
- التحذير من أخذ كرائم أموال الناس. الكرائم: الشيء النفيس. و معناه أنه يأخذ وسطا لا يأخذ رديئا و لا نفيسا.
- التحذير من الظلم. و إذا كان هذا في ظلم واحد يحذّر النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ منه، فكيف بمن يتكرر منه ظلم إخوانه
المسلمين في دمائهم و أموالهم و أعراضهم.
-لم يُذكَر في الحديث الصيام والحج وهي من أركان الإسلام والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما أرسل معاذاً قبل موته .
وقد ذكر ذلك شيخُ الإسلام في مجموع الفتاوى (7/609) وأجاب عنه وقال:وَمُعَاذٌ أَرْسَلَهُ إلَى الْيَمَنِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بَعْدَ فَرْضِ الصِّيَامِ؛ بَلْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بَلْ بَعْدَ تَبُوكَ وَبَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ وَالْجِزْيَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَمُعَاذٌ بِالْيَمَنِ وَإِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصِّيَامَ لِأَنَّهُ تَبَعٌ وَهُوَ بَاطِنٌ وَلَا ذَكَرَ الْحَجَّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ خَاصٌّ لَيْسَ بِعَامِّ وَهُوَ لَا يَجِبُ فِي الْعُمُرِ إلَّا مَرَّةً اهـ.
فاستفدنا من كلام شيخ الإسلام أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اقتصر على الأمور الظاهرة أما الصيام فهو تبَعٌ وأمر باطن أي خفي يُفْعَل سراً فممكن يتركه بين الناس ويأكل خفية .
وأجاب عن الحج بأنه إنما يجب في العمر مرة أي بخلاف الأركان الأولى الثلاثة الشهادتان والصلاة يلازمها حتي يلقى ربه والزكاة وهي الركن الثالث تجب في كل عام مرة في المال الذي فيه زكاة إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول .
وبهذا ننتهي ولله الحمد .
الطباخ اللذيذ
2016-01-22, 18:26
شكرا على المجهود
أم سمية الأثرية
2016-01-22, 18:36
درس كتاب التوحيد / من صحيح البخاري يوم السبت 24 من شهر الله المحرم 1437.
7373 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، وَالأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، سَمِعَا الأَسْوَدَ بْنَ هِلاَلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ؟» ، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟» ، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ».
**********************
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ)
و هو بندار، لُقب بذلك لسعة حفظه. و يقال عنه هو و محمد بن المثنى إنهما كفرسي رهان. أي كالمتسابقين في الحفظ و القوة.
والإمام مسلم ـ رحمه الله تعالى- إذا روى عنهما فإنه يقدم محمد بن المثنى؛ فيقول :حدثنا محمد بن المثنى و ابن بشار.
(حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ)
هو محمد بن جعفر، ربيب شعبة بن الحجاج. يقول غندر: لازمت شعبة عشرين سنة.
هذه المدة لازم فيها غندر شيخه شعبة.
وبطول المدة يتمكن الطالب من أخذ علم شيخه في كثير منه - إذا صحبه توفيق من الله تعالى- وقد قال الإمام عبدالله بن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى في «زوائد العلل» (2/124): حدثني عبيدالله القواريري، قال: قال لي عبدالرحمن بن مهدي: كنا عند شعبة، ومعنا غندر فحدث شعبة بحديث، فقال غندر: هكذا، ومدَّ عنقه يستمع، وقال له شعبة: مقتك قد سمع حديثي كله، وانظر كيف ينظر.
وسمعت الشيخ الوالد مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى : ( الذي يلازمني يعرف بأي شيء أستدل في الموضوع، و بماذا أُجيب في المسألة).
وهنا من علو همة محمد بن جعفر، حريص على العلم، شهد له شعبة بهذه الشهادة قال ( قد أخذ حديثي كلَّه) فمعناه أنه استفاد كثيرا من شعبة بن الحجاج لكثرة ملازمته له .
وهذا من حرص السلف على العلم. مدّ عنقه ـ رحمه الله تعالى ـ لئلا يفوته شيء ، هذا من همَّة السلف، همتهم تحصيل العلم النافع، لم تكن قلوبهم متفرقة أو منصرفة إلى أمور الدنيا.
(حَدَّثَنَا شُعْبَةُ )
وهو ابن الحجاج بن الورد، أبو بسطام أمير المؤمنين في الحديث. قال ابن أبي حاتم ـ رحمه الله تعالى - في الجرح
والتعديل: ( أي سيد المحدثين في زمانه).
و هو القائل ـ رحمه الله تعالى : ( من طلب الحديث أفلس). لأن طالب العلم يشغل بالعلم عن المكاسب، وهذا من الأمور التي تعين على الحفظ؛ التقليل من الدنيا. كما قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه. قال أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ( إنكم تقولون أكثر أبي هريرة - أي في الحديث النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ و عند الله الموعد.إن إخواني من الأنصار كانت تشغلهم أموالهم، و إن إخواني من المهاجرين كانت تشغلهم الصفق بالأسواق، فكنت أحضر ما لا يحضرون، و أعي ما لا يعون، و لقد كنت ألزم رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ على شبع بطني... الحديث .
يقول :فيه أن التقليل من الدنيا أمكن للحفظ .
(عَنْ أَبِي حَصِينٍ )
هو عثمان بن عاصم ، كما في فتح الباري. حَصين بفتح الحاء. وهذه من الأسماء المشتبهة، حَصين قد يشتبه بـ حُصين. فهنا هو بفتح الحاء.
(وَالْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ )
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في الشرح: هو أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي. و أبوه مشهور بكنيته أكثرمن اسمه.
(عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ )
معاذ بن جبل صحابي جليل ومن حفظة القرآن الكريم. وأرشد النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إلى أخذ القرآن منه. أخرج البخاري (3548 ) ومسلم (2464) عن مَسْرُوقٍ، قَالَ: ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - فَبَدَأَ بِهِ -، وَسَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ» .
و هذا يفيد الحث على تلقي القرآن من أهله، من الحاذقين المتقنين للقرآن الكريم.
و قد جاء عن غير واحد من السلف: ( لا تأخذوا العلم عن صُحُفي، و لا تأخذوا القرآن عن مُصحَفي) .
(لا تأخذوا العلم عن صحفي) الذي يأخذ العلم من الكتب فقد يخطئ في الفهم، و قد يقع في التصحيف.
(و لا تأخذوا القرآن عن مُصحَفي) و هو الذي يأخذ القرآن من المصحف تلقائيا من نفسه .
ومن نعمة الله سبحانه و تعالى أخذ العلم عن أهله المتقنين، و أخذ العلم عن أهله و لا سيما أخذ العلم عن الكبار.
فهذا أكثر نفعا؛ وأبعد عن الزلل و لهذا شعبة بن الحجاج ـ رحمه الله تعالى ـ يقول: ( خذوا العلم عن المشهورين).
(يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ)
أي أتعلم ما حق الله على العباد.
(أَنْ يَعْبُدُوهُ)
أي يطيعوه كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:21] وكما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56]
العبادة لغة: التذلل، يقال طريق معبد أي مذلل.
وشرعاً: قال شيخ الإسلام :هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
(وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)
الشرك بالله سبحانه وتعالى قسمان: شرك أكبر وشرك أصغر.
الشرك الأكبر: مساواة غير الله بالله سبحانه فيما هو خاص بالله سبحانه وتعالى . كما قال سبحانه عن أهل النار (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(98) [الصافات]
و الشرك الأصغر: مثل الحلف بغير الله سبحانه إذا لم يعتقد تعظيم المخلوق كتعظيمه لله أو أشد هذا يكون شركاً أصغر. أما لو اعتقد تعظيم المخلوق كما يعظم الله سبحانه وتعالى هنا ساواه بالله يكون شِرْكاً أكبر. (أوأشد )من تعظيمه لله .
قال الشوكاني ـ رحمه الله تعالى ـ في نيل الأوطار شرح حديث علي ابن أبي طالب من كتاب الجنائز (ألا أدع قبرا مشرفاً إلا سويته ) ...إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مِنْ جِهَةِ خَصْمِهِ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَاجِرًا، فَإِذَا قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: احْلِفْ بِشَيْخِك وَمُعْتَقَدِكَ الْوَلِيِّ الْفُلَانِيِّ تَلَعْثَمَ وَتَلَكَّأَ وَأَبَى وَاعْتَرَفَ بِالْحَقِّ. وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ شِرْكَهُمْ قَدْ بَلَغَ فَوْقَ شِرْكِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَعَالَى ثَانِيَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ .
إذن إذا عظّمه كتعظيمه لله سبحانه أو أشد يكون شركاً أكبر و العياذ بالله.
و من أمثلة الشرك الأصغر يسير الرياء.
و الشرك الأصغر خطير فهو أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر.
فتعلم التوحيد يجنبنا الوقوع في الشرك جنبنا ربي الشرك به سبحانه.
- من فوائد الحديث -
1- إلقاء العلم بصيغة السؤال.
وفائدة هذا التنبيه لما يقال حتى يسمع و يصغي.
هذا فائدة إلقاء المسائل والعلم بصيغة سؤال، حتى يتنبه. قد يكون غافلا غير منتبه، فإذا نبهه يستعد لما يلقى إليه و لما يقال له.
وبوّب الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه في كتاب العلم (بَاب طَرْحِ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ) ثم ذكر حديث ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ قَالَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هِيَ النَّخْلَةُ ).وأخرجه مسلم .
وهذا من حسن التعليم؛ إلقاء المسألة بصورة سؤال.
و ذات مرةٍ كنت في جلسة مع الشيخ الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ وألقى بعض الأسئلة فلم نُجِب فقلت له:الأسئلة فوق مستوانا .
فابتسم ـ رحمه الله تعالى ـ وقال: هذا من باب إلقاء العلم على صورة سؤال وأشارإلى هذا الحديث (يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ) .
فهذا الحديث له تعلق بآداب التعليم، والله تعالى أعلم .
2- عدم القول على الله بغيرعلم. و قد قال الله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[ الإسراء:36]. لا تقف: أي لا تقل و لا تتبع.
و كان النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في عدة مواطن إذا سُئل يسكت عن الإجابة حتى يأتيه الوحي.
و من هذا ما جاء في صحيح البخاري(125)ومسلم (2794) عن عبدالله بن مسعود قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَرِبِ المَدِينَةِ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ، لاَ يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْأَلَنَّهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ يَا أَبَا القَاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ، فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ، قَالَ: « (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) »
وهذا من الأدب مع الله عز و جل؛ ألا نتكلم بغير علم .
وأخرج الفسَوِي في «المعرفة والتاريخ» (1/490)من طريق عقبة بن مسلم أن ابن عمر سئل عن شيء فقال: لا أدري ثم أتبعها فقال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسورًا في جهنم أن تقولوا: أفتانا ابن عمر بهذا.
وذلك أنه ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال : ( إنما إثمه على من أفتاه).
لكن كان والدي الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ ينبه ويقول: ( لا تقل قد جعلتها في رقبة عالم والواجب عليك أن تتثبت) وقد كان الأعرابي يأتي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك اهـ.
وهذا تنبيه بعض الناس يفرح حتى ولو تبين له خطأ المفتي يقول قد أفتانا فلان لذا يقول ـ رحمه الله تعالى-: (لا تقل قد جعلتها في رقبة عالم) الواجب علينا أن نتثبت في أمور ديننا.
ومما جاء عن السلف في السكوت عن الشيء الذي لا يعلمه .
أخرج الآجري في أخلاق العلماء (100)من طريق أحمد بن حنبل أبا عبدالله قال: سمعت الشافعي قال: سمعت مالكًا قال: سمعت ابن عجلان قال: إذا أغفل العالم لا أدري، أصيبت مقاتله.
يعني مثل لو قُتل لأنه عرَّض نفسه للهلكة.
وأخرج أبوزرعة الدمشقي رحمه الله في «تاريخه» (1018) من طريق الهيثم بن جميل، قال: شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال: في اثنتين وثلاثين منها لا أدري.
المسائل ثمانٍ وأربعون و لم يجب الإمام مالك عن اثنتين وثلاثين، يكون أجابه في ستة عشر سؤالاً.
هذا هدي السلف السكوت عما لا يعلمون.
وأخرج عبدالرحمن بن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل» (1/ص18) من طريق عبدالرحمن بن مهدي يقول: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبدالله جئتك من مسيرة ستة أشهر حمَّلني أهل بلادي مسألة أسألك عنها، قال: فسل، قال: فسأل الرجل عن أشياء فقال: لا أحسن، قال: فقُطع بالرجل كأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء قال: وأي شيء أقول لأهل بلادي إذا رجعت إليهم قال: تقول لهم: قال مالك بن أنس: لا أحسن.
وأخرج يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (1/655) من طريق مالك بن أنس أنه سمع عبدالله بن يزيد بن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري، حتى يكون ذلك أصلًا في أيديهم يفزعون إليه إذا سئل أحدهم عما لا يدري قال: لا أدري.
والآثار كلها ثابتة ذكرتها ولله الحمد في (الجامع الصحيح في العلم وفضله) .
الإمام النووي رحمه الله في مقدمة «المجموع» (1/60) يقول:
بعد أن ذكر: أنه إذا سئل عن شيء لا يعرفه أو عرض في الدرس ما لا يعرفه فليقل: لا أعرفه ولا أتحققه ولا يستنكف عن ذلك.
قال: وليعلم أن معتقد المحققين أن قول العالم لا أدري لا يضع منزلته بل هو دليل على عظم محله وتقواه وكمال معرفته، لأن المتمكن لا يضره عدم معرفته مسائل معدودة بل يستدل بقوله: لا أدري على تقواه وأنه لا يجازف في فتواه، وإنما يمتنع من لا أدري من قل علمه وقصرت معرفته وضعفت تقواه؛ لأنه يخاف لقصوره أن يسقط من أعين الحاضرين، وهو جهالة فإنه بإقدامه على الجواب فيما لا يعلم يبوء بالإثم العظيم، ولا يرفعه ذلك عما عرف له من القصور بل يستدل به على قصوره، لأنا إذا رأينا المحققين يقولون في كثير من الأوقات لا أدري وهذا القاصر لا يقولها أبدًا علمنا أنهم يتورعون؛ لعلمهم وتقواهم، وأنه يجازف لجهله وقلة دينه، فوقع فيما فر عنه واتصف بما احترز منه لفساد نيته وسوء طويته، وفي «الصحيح» عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: <المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور>. اهـ
والقول على الله عز وجل بغيرعلم من التكلف وقد قال تعالى {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ }[ص :86] .
و الله المستعان.
3- قول الصحابة (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) فيما لا يعلمون .
و زيادة (ورسوله) استفدت من والدي ـ رحمه الله تعالى ـ (أن هذا خاص بزمن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خاص بالصحابة.
قال: أما بعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيقال الله أعلم، لأن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حي في قبره حياة برزخية الله أعلم بحقيقتها. وقد ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول في الذين يؤخذ بهم إلى الشمال فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا، مَا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة: 117] إِلَى قَوْلِهِ {شَهِيدٌ} [المائدة: 117] فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ " أخرجه البخاري (4625) ومسلم (2860)عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وهذه فائدة أنه يقتصر على ( الله أعلم ) و لايضاف ( ورسوله ) فهذا خاص بزمن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
4- أن حق الله على عباده أن يعبدوه ولايشركوا به شيئاً.
5- إثباتُ حقٍ للعباد على الله سبحانه وتعالى؛ وهو ألا يعذب سبحانه من لا يشرك به شيئاً.
والأدلة التي فيها إثبات حق للعباد على الله سبحانه مثل قوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:47] وفي سورة يونس {كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}[يونس:103] وحديث معاذ هذا .
هذا الحق هو تفضل من الله سبحانه و منَّة وإحسان.
وإلا فالعباد ليس لهم حق على الله سبحانه كما يجب للمخلوق على المخلوق، هذا قول أهل السنة والجماعة.
فإذا قال القائل: للعبد حق على الله عز وجل باعتبار ما وعد الله به فهذا القول صحيح، باعتبارما وعد الله به من النجاة من النار و الفوز بالجنة والنصرللمؤمنين ونحو ذلك فهو بهذا المعنى صحيح لأن الله سبحانه لايخلف وعده {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[آل عمران:9] {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}[التوبة:111].
قال شيخ الإسلام كما في مجموع فتاواه(1/ 217) مَنْ قَالَ: بَلْ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا أَرَادَ بِهِ الْحَقَّ الَّذِي أَخْبَرَاللَّهُ بِوُقُوعِهِ فَإِنَّ اللَّهَ صَادِقٌ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِحِكْمَتِهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمته اهـ.
وإذا قال القائل: ليس للعبد حق على الخالق باعتبار ما يجب للمخلوق على المخلوق، فهذا صحيح.
قال شيخ الإسلام كما في مجموع فتاواه (1/ 214) : مَنْ قَالَ لَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ حَقٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ عَلَيْهِ حَقٌّ بِالْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ عَلَى خَلْقِهِ كَمَا يَجِبُ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَهَذَا كَمَا يَظُنُّهُ جُهَّالُ الْعُبَّادِ مِنْ أَنَّ لَهُمْ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَقًّا بِعِبَادَتِهِمْ. وَذَلِكَ أَنَّ النُّفُوسَ الْجَاهِلِيَّةَ تَتَخَيَّلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ بِعِبَادَتِهِ وَعِلْمِهِ يَصِيرُ لَهُ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ مِنْ جِنْسِ مَا يَصِيرُ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ كَاَلَّذِينَ يَخْدِمُونَ مُلُوكَهُمْ وَمُلَّاكَهُمْ فَيَجْلِبُونَ لَهُمْ مَنْفَعَةً وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ مَضَرَّةً وَيَبْقَى أَحَدُهُمْ يَتَقَاضَى الْعِوَضَ وَالْمُجَازَاةَ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ لَهُ عِنْدَ جَفَاءٍ أَوْ إعْرَاضٍ يَرَاهُ مِنْهُ: أَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا؟ يَمُنُّ عَلَيْهِ بِمَا يَفْعَلُهُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ بِلِسَانِهِ كَانَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ. وَتَخَيُّلُ مِثْلِ هَذَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جَهْلِ الْإِنْسَانِ وَظُلْمِهِ وَلِهَذَا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ عَمَلَ الْإِنْسَانِ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْخَلْقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} وقَوْله تَعَالَى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} اهـ المراد .
ويبقى الإشكال بين الحديث الذي في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا ، أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَا أَنْتَ ؟ ، قَالَ : " وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ). الجنة - جعلنا الله من أهلها - ليست عوضاً عن العمل. ليست من باب المعاوضة.
وقوله عز وجل { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }[النحل:32] الباء سببية، أي بسبب أعمالكم .
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى(1/ 217) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ} لَا يُنَاقِضُ قَوْله تَعَالَى {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ نُفِيَ بِبَاءِ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ كَمَا يُقَالُ بِعْت هَذَا بِهَذَا وَمَا أُثْبِتَ أُثْبِتَ بِبَاءِ السَّبَبِ فَالْعَمَلُ لَا يُقَابِلُ الْجَزَاءَ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ اهـ.
أقسام الناس في هذه المسألة
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين(2/ 322) وَالنَّاسُ فِيهِ ثَلَاثُ فِرَقٍ.
فِرْقَةٌ :رَأَتْ أَنَّ الْعَبْدَ أَقَلُّ وَأَعْجَزُ مِنْ أَنْ يُوجِبَ عَلَى رَبِّهِ حَقًّا. فَقَالَتْ: لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ. وَأَنْكَرَتْ وُجُوبَ مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَفِرْقَةٌ :رَأَتْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أُمُورًا لِعَبْدِهِ. فَظَنَّتْ أَنَّ الْعَبْدَ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ بِأَعْمَالِهِ، وَأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ سَبَبًا لِهَذَا الْإِيجَابِ. وَالْفِرْقَتَانِ غَالِطَتَانِ.
وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ: أَهْلُ الْهُدَى وَالصَّوَابِ، قَالَتْ: لَا يَسْتَوْجِبُ الْعَبْدُ عَلَى اللَّهِ بِسَعْيِهِ نَجَاةً وَلَا فَلَاحًا. وَلَا يُدْخِلُ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ أَبَدًا، وَلَا يُنْجِيهِ مِنَ النَّارِ. وَاللَّهُ تَعَالَى - بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَمَحْضِ جُودِهِ وَإِحْسَانِهِ - أَكَّدَ إِحْسَانَهُ وَجُودَهُ وَبِرَّهُ بِأَنْ أَوْجَبَ لِعَبْدِهِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ حَقًّا بِمُقْتَضَى الْوَعْدِ. فَإِنَّ وَعْدَ الْكَرِيمِ إِيجَابٌ، وَلَوْ بِعَسَى، وَلَعَلَّ.
وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ اهـ المراد.
6- فضل التوحيد وأنه نجاة من عذاب الله عز وجل.
وينبغي أن نعرف أسباب عذاب الله حتى نتجنبها ونتقيها فإن ربنا عزوجل يقول { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} .
جعلنا ربي من أهل التوحيد وأعاذنا من عذابه سبحانه.
أم سمية الأثرية
2016-01-22, 19:55
الدرس الثالث من/ كتاب التوحيد من صحيح البخاري1من شهر صفر 1437.
بسم الله الرحمن الرحيم
7374- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ».
زَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي أَخِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
**************************
(حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ )هو ابن أبي أُويس عبدالله بن عبدالله ابن أخت الإمام مالك .
فالإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ خال إسماعيل.
وإسماعيل ابن أبي أُويس كتبنا عن الوالد رحمه الله أنه :ضعيف وأن البخاري انتقى من أصولَه. .
قلت :قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري 575: احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ إِلَّا أَنَّهُمَا لم يكثرا من تَخْرِيج حَدِيثه وَلَا أخرج لَهُ البُخَارِيّ مِمَّا تفرد بِهِ سوى حديثين وَأما مُسلم فَأخْرج لَهُ أقل مِمَّا أخرج لَهُ البُخَارِيّ وروى لَهُ الْبَاقُونَ سوى النَّسَائِيّ فَإِنَّهُ أطلق القَوْل بضعفه وروى عَن سَلمَة بن شبيب مَا يُوجب طرح رِوَايَته وَاخْتلف فِيهِ قَول بن معِين فَقَالَ مرّة لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ مرّة ضَعِيف وَقَالَ مرّة كَانَ يسرق الحَدِيث هُوَ وَأَبوهُ وَقَالَ أَبُو حَاتِم مَحَله الصدْق وَكَانَ مغفلا وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَا أختاره فِي الصَّحِيح .
قلت :وروينا فِي مَنَاقِب البُخَارِيّ بِسَنَد صَحِيح أَن إِسْمَاعِيل أخرج لَهُ أُصُوله وَأذن لَهُ أَن ينتقي مِنْهَا وَأَن يُعْلِمَ لَهُ على مَا يحدث بِهِ ليحدث بِهِ ويعرض عَمَّا سواهُ .
وَهُوَ مشْعر بِأَن مَا أخرجه البُخَارِيّ عَنهُ هُوَ من صَحِيح حَدِيثه لِأَنَّهُ كتب من أُصُوله وعَلى هَذَا لَا يحْتَج بِشَيْء من حَدِيثه غير مَا فِي الصَّحِيح من أجل مَا قدح فِيهِ النَّسَائِيّ وَغَيره إِلَّا أَن شَاركهُ فِيهِ غَيره فَيعْتَبر فِيهِ اهـ
(حَدَّثَنِي مَالِكٌ )مَالِكٌ هو ابن أنس أبوعبدالله الأصبحي .
والإمام مالك يمني فأصبح من حِمْيَر كما في (الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة) لمحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التِّلمساني المعروف بالبُرِّي (2/ 323).
وهو إمام دار الهجرة .
وهو القائل: لا يصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
والقائل :كلٌ يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر يعني رسول الله صلى الله عليه .
وقال الشافعي:إذا ذُكِرَ مالكٌ فمالِكٌ النجم .أخرجه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل(1/ 14): حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي: فذكره .
يعني :أنه ضوءٌ للإسناد.
ومن صبره على العلم ما أخرج الفسوي رحمه الله في المعرفة والتاريخ (1/655) :. عن مالك قال: جلست إلى ابن هرمز ثلاث عشرة سنة. قال: وكنت في الشتاء قد اتخذت سراويل محشوًّا كنا نجلس معه في الصحن في الشتاء.
ابن هرمز : عبد الله بْن يزيد بْن هرمز كما في ترجمة مالك من تهذيب الكمال.
هذا من صبر الإمام مالك فقد صبر على طول مجالسة شيخه ابن هرمز، و صبرَ على المكان وعلى الجو البارد.
واتخذ سراويل محشواً ليقيه من برودة الأرض وصلابتها.
وكان مُهابا تهابه السلاطين أخرج ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل بسند صحيح من طريق أبي مصعب -وهو أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث الزهري المدني الفقيه قاضي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم-، يقول: كانوا يزدحمون على باب مالك، فيقتتلون على الباب من الزحام، وكنا نكون عند مالك فلا يكلم ذا ذا، ولا يلتفت ذا إلى ذا، والناس قائلون برؤوسهم هكذا، وكانت السلاطين تهابه، وهم قائلون مستمعون، وكان يقول في مسألة: لا، أو: نعم ولا يقال له من أين قلت ذا؟! .
ونفيد أنَّ من المُهابين في زمنه الشيخَ الألباني
لمَّا توفي الشيخُ الألباني –رحمه الله- قال لي الوالد الشيخ مقبل –رحمه الله – مُتأسفاً : سينفتح الناس في الكتابة ،الناس يهابون الشيخَ الألبانيَّ ،كانوا يهابونه أن يردَّ عليهم .
قلت: هكذا أهلُ العلم كالغيث حياتهم حياةٌ للبلاد والعباد وبهم بعد الله سبحانه تذوب مضلاتُ الفتنِ ،وتخمدُ نارُالمغرضين والضَّغَن .
ونعتقد أنَّ من الذين كان لديهم هيبة في القلوب الوالد الشيخ مقبل رحمه الله وهذا واضح لدى طلاب العلم .
وتقول لي واحدة وقد تُوفيت رحمها الله :تقول إن زوجها يقول كيف يقدرُ أهلُ الشيخ أن يتكلموا معه والله ما نقدر نتكلم معه .
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ)
سعد بن مالك بن سنان ـ رضي الله عنه ـ صحابي ابن صحابي، واستُصغِرَ أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ في غزوة أحد (يعني ما قُبِل في غزوة أحد لِصغر سنه).
الخدري قال السمعاني في الأنساب : بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة والراء في آخرها، هذه النسبة إلى خدرة، واسمه الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج بن حارثة، قبيلة من الأنصار .
(يَتَقَالُّها) أي يراها قليلة .
**********************
7375- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ .
**********************
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ)
هو المصري، تكلم فيه الإمام النسائي فلم يُقبَل جرحُه. كما قال الناظم وهو العراقي رحمه الله:
وربما رُدَّ قولُ الجارح كالنسائي في أحمدَ بن صالح
و أيُّ المحدثين أكثر المصريون أم اليمنيون؟
أفادنا الوالد الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ أن المحدثين المصريين أكثر من المحدثين اليمنيين .
وابن يونس له تاريخ مصر اهـ.
(حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ)
هوعبدالله. لقِّب بديوان العلم، أي أنه محل للعلم. و هو مصري.
(حَدَّثَنَا عَمْرٌو) هو ابن الحارث المصري.
ومن قواعد علم الحديث والرجال
عبدالله بن وهب عن عمرو :عمرو هو ابن الحارث.
شعبة عن عمرو: عمرو هو ابن مرة.
سفيان عن عمرو: عمرو هو ابن دينار.
و معرفة هذا يفرح به أهل الحديث، الذي يقول الإمام الرامهرمزي ـ رحمه الله تعالى ـ في مقدمة المحدث الفاصل مادحاً لهم قال: فَإِنَّ الْحَدِيثَ ذَكَرٌ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا الذُّكْرَانُ-أي أهل الهمة العالية- ، وَنَسَبٌ لَا يُجْهَلُ بِكُلِّ مَكَانٍ).
فهذه فائدة تنفع في التمييز بين هؤلاء الرواة الثلاثة (عمرو)، بالتلاميذ عرفناهم .
والفضل والمِنَّة لله سبحانه ثمَّ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله فقد كان يُكرِّرُ هذه القواعد مما سَهُل علينا حِفْظُهُ.
(عَنْ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ)
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في الشرح: وهو سعيد وسماه مسلم في روايته).
(أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)
أبو الرجال لقب.
واللَّقب ما أشعر برفْعة المسمى أو وضعَتِه.
يعني يُشعِر بأن المسمَّى رفيعٌ أو وضيعٌ .
واللقب قد يكون على صورة كنية مثل ما هاهنا. (أبو الرجال) لُقب بذلك لأنه كان له عشرة من الذكور. وهذا معروف في كتب المصطلح.
(حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)
أم أبي الرجال، عمرة بنت عبدالرحمن.
سيدات نساء التابعين ثلاث: عمرة بنت عبدالرحمن، وحفصة بنت سيرين، أم الدرداء الصغرى و اسمها هُجيمة وقيل جُهيمة.
قال علي بن المديني: كان لأبي الدرداء امرأتان كلتاهما يقال لهما أم الدرداء: إحداهما رأت النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي خيرة بنت أبي حدرد، والثانية تزوّجها بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي هجيمة الوصابية (الإصابة في معرفة الصحابة ترجمة أم الدرداء الكبرى) .
أم الدرداء الصُغرى تابعية علّق البخاري لها أثراً في صحيحه وقال: وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: «تَجْلِسُ فِي صَلاَتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ وَكَانَتْ فَقِيهَةً» .
فالأصل هو عموم التشريع. فالمرأة تصلي كما يصلي الرجل (صلوا كما رأيتموني أصلي).
ومن فرَّق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة إنما هو اجتهاد مخالِفٌ للدليل .
(وَ كَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
أي ربَّتها عائشة ـ رضي الله عنها ـ مثل قوله عز وجل {وربائبكم اللاتي في حجوركم}[النساء:23]
(سَرِيَّةٍ )
القطعة من الجيش.
في هذين الحديثين من الفوائد
1- فضل سورة {قل هو الله أحد}.
و ثبت في صحيح البخاري (5015) عن أبي سعيد الخدري عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنه قال: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ) .
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (2/438): وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضْلِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ مَا صَحَّ فِي فَضْلِهَا حَتَّى أَفْرَدَ الْحُفَّاظُ مُصَنَّفَاتٍ فِي فَضْلِهَا كَالدَّارَقُطْنِىِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ فِيهَا أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةً اهـ
يقول بعض العلماء تعدل ثلث القرآن؛ لأن القرآن على ثلاثة أقسام: توحيد، وأحكام، و قصص. وَهَذِهِ السُّورَةُ جَمَعَتْ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ.
2-- أن القرآن يتفاضل فبعضُه أفضلُ من بعض. وهذاهُوَ الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ السَّلَفِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ كما في مجموع الفتاوى (17/ 13) لشيخ الإسلام .
قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الفاتحة في الكلام على فضلها :
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّهُ لَا تَفَاضُلَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلِئَلَّا يُوهِمَ التَّفْضِيلُ نَقْصَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ فَاضِلًا، نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حبان البُسْتِيِّ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَرِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ مالك اهـ.
هذه حجتهم( أَنَّ الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلِئَلَّا يُوهِمَ التَّفْضِيلُ نَقْصَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ) أي لا يُوْهِم اعتقادَ نقص المفضول عليه وأنه معيب، وهذا يرُدُّه الأدلة ومنه حديثا الباب.
وقَالَ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}.
قال شيخ الإسلام في فتاواه(17/ 10): فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا. وَهَذَا بَيَانٌ مِنْ اللَّهِ لِكَوْنِ تِلْكَ الْآيَةِ قَدْ يَأْتِي بِمَثَلِهَا تَارَةً أَوْ خَيْرٍ مِنْهَا أُخْرَى فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ تَتَمَاثَلُ تَارَةً وَتَتَفَاضَلُ أُخْرَى.
سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن كما قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأبي سعيد بن المعلى ـ رضي الله عنه: ( أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ... الحديث و فيه (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ) .
أعظم آية في القرآن آية الكرسي، كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ).
سورة المُلك النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول: (هِيَ الْمَانِعَةُ ، هِيَ الْمُنْجِيَةُ) . إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على تفاضل القرآن.
وقد وضَّحَ العلماءُ المرادَ من تفاضل القرآن بعضه على بعض .
قال الشيخ ابن عُثيمين رحمه الله في شرح بلوغ المرام(5/638) شرح حديث (سبحان الله عدد خلقه ..).
قال:القرآن يتفاضل من حيث المدلولِ بعضه يؤثر تأثيراً عظيماً على القلب إذا سمعه ومن حيث الأُسلوب والفصاحة والبلاغة وغير ذلك .
ومن حيث المتكلم به فهو لا يتفاضل ، لأن المتكلم به واحد وهو الله عز وجل.
قال:فعلى هذا التفصيل ،يتفاضل من حيثُ المعنى ،ولا يتفاضل من حيث المتكلم اهـ.
وجبير بن مُطعِم ـ رضي الله عنه ـ لما سمع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقرأ سورة الطور في صلاة المغرب، فلما بلغ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قوله تعالى {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ(36)}[الطور] قال: فوقع الإيمان في قلبي. وفي رواية: كاد قلبي أن يطير.
إذن نفهم هذه المسألةَ المهمةَ التي زلِق فيها من زلِق وهم الأشاعرة وطائفة يسيرة من أهل السنة .
الأدلة جاءت بتفاضل القرآن ،فالقرآن يتفاضل باعتبار بلاغته وتأثيره على النفوس.
أما باعتبار المتكلم هو واحد وهو الله عز وجل، فهو لا يتفاضل بهذا الاعتبار.
3- الرجوع إلى أهل العلم عند الإشكال كما أمر الله سبحانه وتعالى بذلك بقوله:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[الأنبياء:7] .
4- في حديث أبي سعيد الخُدري جوازالحلِف بدون استحلاف لتأكيد الأمر .
5-نوعُ قسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مستفادٌ من قوله (والذي نفسي بيده ) .
ومن أنواع قسمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أخرج البخاري(3730) ومسلم (2426) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ».
وأخرج البخاري(7391) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمر ، قَالَ: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ: «لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ».
أما ما جاء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: <أفلح وأبيه إنْ صدقّ>. أخرجه البخاري (46) ومسلم (11) ولم يذكر البخاري لفظة (وأبيه) فقد انفرد بها مسلم، وقدأعلها ابن عبدالبر وقال : إنها غير محفوظة كما في فتح الباري .
وذكر العلامةُ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (10القسم الثاني تحت رقم 4992)طرقَ الحديث وشواهده ثم جزم بأنها زيادة شاذة غير محفوظة شذَّ بها إسماعيل بن جعفر .
وحكم عليها الوالد الشيخ مقبل رحمه الله حينما رَاجعنا حالَها بما يلي :
قال :هي شاذة شذَّ بها إسماعيل بن جعفر رواها عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة، ومالك ممن روى الحديث عن أبي سهيل ولم يذكر هذه اللفظة .
وكذلك ما جاءعند مسلم(93/1032) من طريق ابْن فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ: " أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهُ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ، وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ " .
وقد رواه مسلم (92) قبل هذه الرواية بدون <وأبيكَ> . وأصله عند البخاري (1419) و (2748) بدونها .
قال الشيخ الألباني في الضعيفة (4992) عن هذا اللفظ منكر .
وأفادنا الوالدُ رحمه الله أن لفظةَ (وَأَبِيكَ )
انفرد بها محمد بن فضيل وقد خالف من هو أرجح منه فهي لفظة شاذة.
6-وقوله: (لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ )أي فيها أسماء الله وصفاته وهذا فيه الإيمان بأسماء الله وصفاته.
وقد اشتملت سورة الإخلاص على ثلاثة أسماء اسم (الله ،الأحد ،الصمد).
وكل اسم من أسماء عز وجل متضمن لصفة.
فلفظ الجلالة (الله) بمعنى مألوه أي بمعنى معبود. و(الأحد) يتضمن صفة، فالله عز وجل واحد في وجوده وبوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
والصمد فيه أقوال منها: أن الصمد هو السيد الذي قد انتهى سؤدَدُه.
ومنهم من قال: هو الذي لا جوفَ له.
ومنهم من قال: هو الذي يَصمد الناسُ إليه في حوائجهم.
ولا تنافي بين هذه الأقوال.
وقد ذكر هذه الأقوال شيخ الإسلام ابن تيميةـ رحمه الله تعالى ـ في مجموع الفتاوى. ولا تنافي بينها ولا تعارض.
فمن قال: هو الذي لا جوف له . بمعنى أنه لا يأكل و لا يشرب وقد قال عز وجل {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}[الأنعام:14] .
ومن قال: هو السيد الذي قد انتهى سؤدده، فقد أخرج أبوداوود في سننه من طريق مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ أَبِي وهوعبدالله بن الشخير: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا، فَقَالَ: «السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» قُلْنَا: وَأَفْضَلُنَا فَضْلًا وَأَعْظَمُنَا طَوْلًا، فَقَالَ: «قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ» .
(السَّيِّدُ اللَّهُ )أي السيادة المطلقة لله، فلا ينافي الأدلةَ الأخرى في إثبات السيادة لبعض الخلق .
ومن قال:هو الذي يصمد الناس إليه في حوائجهم فقد قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر:15] .
قال شيخ الإسلام في فتاواه(5/ 353)قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَخَلْقٌ مِنْ السَّلَفِ: " الصَّمَدُ " الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَقٌّ؛ فَإِنَّ لَفْظَ " الصَّمَدِ " فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا وَالصَّمَدُ فِي اللُّغَةِ السَّيِّدُ؛ " وَالصَّمَدُ " أَيْضًا الْمُصَمَّدُ وَالْمُصَمَّدُ الْمُصْمَتُ وَكِلَاهُمَا مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ.
وقال شيخ الإسلام الِاسْمُ في فتاواه (17/ 215)" الصَّمَدُ " فِيهِ لِلسَّلَفِ أَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ كُلُّهَا صَوَابٌ.
وَالْمَشْهُورُ مِنْهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ السَّيِّدُ الَّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ وَالْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَالثَّانِي قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَجُمْهُورِ اللُّغَوِيِّينَ وَالْآثَارِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ السَّلَفِ بِأَسَانِيدِهَا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدَةِ وَفِي كُتُبِ السُّنَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ المراد
(الأحد ،الصمد) قال شيخ الإسلام كما في فتاواه (17/ 107): فَاسْمُهُ الْأَحَدُ دَلَّ عَلَى نَفْيِ الْمُشَارَكَةِ وَالْمُمَاثَلَةِ .
وَاسْمُهُ الصَّمَدُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ اهـ.
فيستفاد من اسم الله الأحد إثبات صفات الله عزوجل من غير تشبيه ولا تمثيل .
لأنه يتضمن نفيَ المشاركة والمماثلة لله عز وجل.
و في هذا رد على المشبِّهة الذين يثبتون لله عز وجل صفات، ويقولون تشبه صفات المخلوقين.
وإثبات الصفاتِ لله سبحانه فيها رد على نفاة الصفاتِ لله عز وجل كالمعتزلة والجهمية.
وهناك قاعدة (كل ممثل معطل، وكل معطل ممثل).
(كل ممثل معطل) لأنه عطَّل صفات الله عز وجل
(وكل معطل ممثل) لأنه ما نفى صفات الله عز وجل إلا بعد ما تخيَّل أن صفات الله عز وجل كصفات المخلوقين ثم عطّل. فشبّه أوَّلاً ثم عطّل ثانياً.
ونفاة الصفات شيخ الإسلام ابن تيميةـ رحمه الله تعالى ـ في أكثر من كتاب له كالتدمرية يناقشُهم ويقول .
القول في الصفات كالقول في الذات، فالصفات فرع الذات.
أي كما أثبتم لله ذاتاً - لأنهم ما ينفون الذات - فكذلك قولوا في الصفات. كما أثبتم لله عزوجل ذاتاً وقلتم لله عز وجل ذات لا تشبه ذات المخلوقين فكذلك قولوا في الصفات.
أيضاً يذكر شيخ الإسلام ابن تيميةـ رحمه الله تعالى ـ قاعدة في الرد على من يثبت بعض الصفات وينفي البعض الآخر ويقول: (القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر).
هذه قواعد تنفع في مناقشة من ينفي الصفات مطلقاً، وفي مناقشة من ينفي بعض الصفات ويثبت البعض الآخر كالأشاعرة فإنهم يثبتون سبع صفات كما قال الشاعر:
حي مريد قادر علام له السمع والبصر و الكلام
معنا سورة الإخلاص، والعلم يترابط ، يخدُم بعضه بعضاً.
فتفسير سورة الإخلاص يتعلق بعلم التفسير، لكن العلم يترابط وهذا مما يسهِّل الحفظ لكثرة ما يتكرر. قد يقرأ في سورة الإخلاص في كتاب التوحيد ويقرأه في اليوم الآخر في كتاب التفسير وهذا من فضل الله عز وجل تيسُّرُ أسباب الحفظ من غير مشقة ، وارتساخه في الذهن .
{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص] هذه صفات سَلْبية.
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى(2/438) وَعَلَى هَذِهِ السُّورَةِ اعْتِمَادُ الْأَئِمَّةِ فِي التَّوْحِيدِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ والْفُضَيْل بْنِ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ قَبْلَهُمْ وَبَعْدَهُمْ. فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَالنُّظَرَاءَ وَهِيَ جِمَاعُ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ بَلْ وَالنَّبَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ إلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ يُنَاسِبُهُ: إمَّا أَصْلٌ وَإِمَّا فَرْعٌ وَإِمَّا نَظِيرٌ أَوْ اثْنَانِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ثَلَاثَةٌ. وَهَذَا فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْجِنِّ وَالْبَهَائِمِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ: فَإِنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَالَدُوا بِالتَّنَاسُلِ فَلَهُمْ الْأَمْثَالُ وَالْأَشْبَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} {فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ} قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَعَلَّكُمْ تَتَذَكَّرُونَ فَتَعْلَمُونَ أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ وَاحِدٌ اهـ.
الفروع في قوله (لَمْ يَلِدْ)، و الأصول في قوله (وَلَمْ يُولَدْ)، فالله ليس له ولد و لا أب.
صفات الله عز وجل قسمان:
ثبوتية :وهي التي أثبتها الكتاب والسنة.
وسَلْبية :وهي التي نفاها الكتابُ والسنة.
والصفات الثبوتية يلزم منها نفيُ النقائص عن الله عز وجل.
والصفات السلبية تثبت صفاتِ الكمال لله عز وجل فليست نفياً محضاً.
وهذه قاعدة ذكرها شيخ الإسلام في فتاواه(17/ 109)يقول :فَالسُّورَةُ –أي سورة الإخلاص -تَضَمَّنَتْ كُلَّ مَا يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ اللَّهِ وَتَضَمَّنَتْ أَيْضًا كُلَّ مَا يَجِبُ إثْبَاتُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
مِنْ اسْمِهِ الصَّمَدِ .
وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ مَا نُفِيَ عَنْهُ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالنُّظَرَاءِ مُسْتَلْزِمٌ ثُبُوتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ أَيْضًا.
فَإِنَّ كُلَّ مَا يُمْدَحُ بِهِ الرَّبُّ مِنْ النَّفْيِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَضَمَّنَ ثُبُوتًا .
بَلْ وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا يُمْدَحُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ النَّفْيِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَضَمَّنَ ثُبُوتًا .
وَإِلَّا فَالنَّفْيُ الْمَحْضُ مَعْنَاهُ عَدَمٌ مَحْضٌ وَالْعَدَمُ الْمَحْضُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ كَمَالٍ اهـ.
وقال ابنُ القيم في بدائع الفوائد (1/161) :وأما صفات السلب المحض فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا أن تكون متضمنة لثبوت كالأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية والسلام المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله.
وكذلك الإخبار عنه بالسلوب هو لتضمنها ثبوتا كقوله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} فإنه متضمن لكمال حياته وقيوميته وكذلك قوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} متضمن لكمال قدرته وكذلك قوله: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} متضمن لكمال علمه وكذلك قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} متضمن لكمال صمديته وغناه وكذلك قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} متضمن لتفرده بكماله وأنه لا نظير له وكذلك قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} متضمن لعظمته وأنه جل عن أن يدرك بحيث يحاط به وهذا مطرد في كل ما وصف به نفسه من السلوب .اهـ
فاستفدنا أنه كلُّ نفي في حق الله يستلزم إثبات صفة الكمال لله سبحانه .
هذا والأصل في الصفات الثبوتية أن تكون مفَصَّلة؛ صفة السمع، البصر، العلم الحياة، القدرة إلى غير ذلك.
وقد تأتي مُجملة كما قال تعالى (ولله المثَل الأعلى) أي الوصف الأعلى.
والأصل في الصفات السلبية -المنفية- أن تكون مجملة مثل قوله تعالى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} الكفو الشبيه والنظير.
و كما قال تعالى {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}[مريم:56]، و كما قال عز وجل (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
و قد تأتي مفصَّلة مثل {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد} هذه صفات سلبية مفصَّلة. و كقوله تعالى {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}[ق:35]
وقوله :{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}[البقرة:255].
- و في السورة الرد على من يدعي أن لله عز و جل ولدًا كاليهود و النصارى كما قال الله عز و جل {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[التوبة:30] يضاهئون: أي يشابهون.
7- في حديث عائشة إثبات صفة المحبة لله عز و جل، نثبتها الصفة على ظاهرها من غير تشبيه ولا تمثيل ولاتكييف ولا تحريف .
وهناك من يفسرها بلازمها و قالوا هذا بمعنى إرادة الثواب.
والواجب أن نثبت ما دلت عليه من المعنى، و أن نثبت اللازم. نُثبت الأمرين جميعاً ،صفة المحبة لله عزوجل ولازمها فمن أحبه الله أثابه و أكرمه و أدخله الجنة.
أكرمنا ربي جميعاً بالجنة وأعاذنا من النار .
NEWFEL..
2016-01-23, 07:55
بارك الله فيك ................
أم سمية الأثرية
2016-01-23, 10:00
و فيكم بارك الله
يتبع ان شاء الله
أم سمية الأثرية
2016-01-23, 12:52
الدرس الرابع شرح /كتاب التوحيد من صحيح البخاري 12من شهر صفر 1437.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام أبوعبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري ـ رحمه الله تعالى:
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
*********************
تَبَارَكَ : أي تعالَى و تعاظم .
وهذه الصفة من خصائص الله عز و جل قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الملك:1] .
وقال عز و جل: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1] .
{قُلْ ادْعُوا اللَّهَ}
تقدم معنا لفظ الجلالة (الله) في سورة الصمد، و أنه دال على صفة الألوهية لله عزو جل؛ أي أن الله هو المستحق للعبادة وحده.
{أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}
أو ادعوا الرحمن ، الرحمن من أسماء الله عز و جل.
وتكلم أهل العلم في الفرق بين الرحمن و الرحيم، فمن الأقوال المشهورة ما جاء عن محمد بن عبيد الله العرْزَمي أنه قال: الرحمن بجميع الخلق، و الرحيم بالمؤمنين .
وذكر ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد :أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه .
والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فكان الأول للوصف والثاني للفعل .
فالأول دال أن الرحمة صفته والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته .
وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ولم يجيء قط رحمن بهم فعلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة ورحيم هو الراحم برحمته وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب وإن تنفستْ عندها مرآةُ قلبك لم تنجل لك صورتها.
وقد شرح السفاريني في لوامع الأنوار البهية (1/32) قولَ ابن القيم (فالأول دال أن الرحمة صفته) قال أي صفة ذات له سبحانه .( والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته )قال: أي صفة فعل له اهـ.
على هذا صفة الرحمن صفة ذاتية قائمة بالله مثل العلم والقوة والحياة ولا تتعلق بالمشيئة .
واسم الرحيم يدل على صفة الفعل وهذا يتعلق بالمشيئة .
(الله و الرحمن) هذان الاسمان لا يجوز لأحد أن يتسمى بهما.
و قد ذكر المُناوي في فيض القدير في شرح حديث (إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ) رواه مسلم (2143 ) .
قال :ومن العجائب التي لا تخطر بالبال ما نقله ابن بريدة عن بعض شيوخه أن أبا العتاهية كان له ابنتان سمى إحداهما الله والأخرى الرحمن وهذا من أعظم القبائح وأشد الجرائم والفضائح وقيل إنه تاب .والله أعلم .
والرحمن كان معروفاً هذا الاسم عند أهل الجاهلية .
وأما قوله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}[الرعد:30] فبيّن ابن جرير و الحافظ ابن كثير ـ رحمهما الله تعالى ـ في تفسيرَيهما أن إنكارهم لاسم الرحمن إنما هو جحود وعناد.
ومما ذكروا من أشعار الجاهلية في هذا المعنى. قولُ بعضهم:
ألَا ضَرَبَتْ تِلكَ الفتاةُ هَجـِينَهَا ألَا قضَبَ الرَّحْمَنُ رَبِّي يَمِينهَا
هجينها: حملها قضب الرحمن: قطع
{أَيًّا مَا تَدْعُوا}
أي أيهما شئتم فادعوا ، ادعوا الله أو ادعوا الرحمن.
{فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
الأسماء الحسنى :قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره: أي له كلُّ اسم حسن .
قال :وضابطه :كلُّ اسمٍ دالٍ على صفة كمال عظيمة .
وهذه قاعدة :أن كلَّ اسم من أسماء الله الحُسنى ، دالٌ على صفة كمال لله عزوجل .
وقد أفاد ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد (1/ 161): أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالُها .
قال :وهذا كالمريد والفاعل والصانع فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه .
ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق بل هو الفعَّال لِما يريد فإن الإرادة والفعل والصُنع منقسمةٌ ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا.
وقال ابنُ القيم رحمه الله في شفاء العليل 132:وأما لفظ الصانع فلم يرد في أسماء الرب سبحانه ولا يمكن ورودها فإن الصانع من صنع شيئا عدلا كان أو ظلما سفَها أو حكمة جائزا أو غير جائز وما انقسم مسماه إلى مدح وذم لم يجئ اسمه المطلق في الأسماء الحسنى كالفاعل والعامل والصانع والمريد والمتكلم لانقسام معاني هذه الأسماء إلى محمود ومذموم بخلاف العالم والقادر والحي والسميع والبصير اهـ المراد .
و قد جاءت رواية من حديث عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ( إِنَّ اللَّهَ صَانِعُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ).
وقد أفادنا الوالد الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ أن لفظة صانع شاذة و أن الصواب خالق ، يصنع .
قلتُ:أخرج ابنُ أبي عاصم في السنة عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ» .
وأخرجه البخاري في خلق أفعال العباد 46 :بلفظ «إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ».
قلت: وقرَّرأيضاً الشيخ بكرأبوزيد في معجم المناهي اللفظية 322:أن الصانع ليس من أسماء الله .
هذه الآية الكريمة فيها إثبات الأسماء الحسنى لله عز وجل.
ونفي أسماء الله عز وجل أو نفي بعضها إلحاد.
الإلحاد في اللغة: الميل ومنه اللحد الذي يكون في جانب القبر .
ومنه قوله تعالى: {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا}[الجن:22] .
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في بدائع الفوائد (1/ 169) :أي من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه وتبتهل فتميل إليه عن غيره تقول العرب التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه .
- الإلحاد في أسماء الله عز وجل على أقسام:
1- نفي أسماء الله عز وجل أوبعضها قال سبحانه و تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف:180] وقد أنكرت الجهمية الأسماء لله عز وجل.
2- نفي الصفات التي دلت عليها أسماء الله عز و جل إلحاد ، فإن كل اسم من أسماء الله متضمن لصفة فمثلاً السميع من أسماء الله عزوجل وهو متضمن لصفة السمع ، البصير من أسماء الله عز وجل وهو متضمنٌ لصفة البصر ،وهكذا. وقد أنكرت هذا المعتزلة وأثبتوا لله عز وجل أسماء أعلامًا محضة لا تدل على صفات وهذا إلحاد.
3- أن يُسَمَّى الله عز وجل بما لم يُسِمِّ به نفسَه.
وذلك لأن أسماء الله عز وجل توقيفية وأيضاً صفاته كما قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36].
و لكن أهل العلم يقولون باب الإخبار أوسع. فمثلًا يقال: الله موجود وموجود ليس من أسماء الله عز وجل و لكنه من باب الإخبار.
4- أن يثبت لله عز و جل أسماء لكنه يجعلها دالة على التمثيل.
قال الشيخ ابنُ عُثيمين رحمه الله في القول المُفيد(2/ 317): فيقول: الله سميع بصير قدير، والإنسان سميع بصير قدير، اتفقت هذه الأسماء; فيلزم أن تتفق المسميات، ويكون الله -سبحانه وتعالى- مماثلا للخلق، فيتدرج بتوافق الأسماء إلى التوافق بالصفات.
ووجه الإلحاد: أن أسماءه دالة على معان لائقة بالله لا يمكن أن تكون مشابهة لما تدل عليه من المعاني في المخلوق.
5- أن ينقل أسماء الله عز وجل إلى المعبودات من دون الله عز و جل. كأن يسمي الصنم الله أو الإله أو يشتق من أسماء الله عز و جل ويجعلها لآلهتهم كاشتقاق اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان قال تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ( 19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)}[النجم:19،20] .
تراجع المسألة من بدائع الفوائد لابن القيم و شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين رحمهما الله تعالى.
- من القواعد في أسماء الله عز وجل:
1- أنها مترادفة و متباينة. مترادفة باعتبار الذات فهي أسماء لمسمَّى واحد، و متباينة باعتبار الصفات .
2- أسماء الله عز وجل أعلام و أوصاف ، فكل اسم يدل على صفة.
3- كل اسم من أسماء الله عز وجل له ثلاث دلالات يدل على المطابقة و التضمن والالتزام.
المطابقة: دلالة اللفظ على جميع معناه ، التضمن: دلالة اللفظ على بعض معناه ، الالتزام: أن يلزم بعض اللوازم من إثبات اللفظ.
مثلًا السميع يدل دلالة مطابقة على اسم الله السميع، و على الصفة .
ويدل دلالة تضمن على الاسم وحده وعلى صفة السمع وحدها .
و بدلالة الالتزام يلزم أن الله حي من إثبات هذا الاسم.
وهكذا في سائر أسماء الله عز و جل كل اسم يدل على هذه الثلاث الدِلالات (بكسر الدال وفتحها).
4-أسماء الله عزوجل وصفاته توقيفية فلا نسمي اللهَ ولا نصفه بما لم يأت في الشرع.
وللتوسع في باب أسماء الله و صفاته يراجع بدائع الفوائد لابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ و القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
***********************
7376-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَأَبِي ظَبْيَانَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ) .
**********************
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ )
البيكندي.
(حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ )
محمد بن خازم الضرير. أحفظ الناس لحديث الأعمش رحمه الله تعالى.
(عَنْ الْأَعْمَشِ )
سليمان بن مهران أبو محمد الكوفي. وهذا الإمام كان فقيراً صبوراً و كان أحقر من يكون في مجلسه الأغنياء. و ذلك لزهده؛ فإنه كان زاهداً ورعاً، بخلاف أهل عصورنا يفرحون أشد الفرح بمجالسة الأغنياء لمحبتهم الشديدة للدنيا التي يعد التنافس فيها مهلكة، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ (فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ) أخرجه البخاري ومسلم .
و الأعمش ـ رحمه الله تعالى ـ رفعه الله بالعلم و بتقواه. و قد أخرج أبوالقاسم البغوي رحمه الله في زوائد الجعديات (753) من طريق سفيان بن عيينة قال: رأيت الأعمش لبس فروًا مقلوبًا، وبتًّا تسيل خيوطه على رجليه، ثمَّ قال: أرأيتم لولا أنِّي تعلَّمت العلم من كان يأتيني، لو كنت بقالًا كان يقذرني النَّاس أن يشتروا منِّي.
والفرو (جلد الغنم) و بتًا (كساء) بقالاً: أبيع البقل ، لقذرني: أي ما يأتون إليه يشترون لأنهم يتقذرون.
قال الخليلُ بن أحمد في كتاب العين :مادةعمش: رجل أَعْمَشُ، وامرأة عمشاء، أي: لا تزال عينها تسيل دمعاً، ولا تكاد تُبصِرُ بها.
و هذا من الآثار عن السلف في منزلة العلم ورفعته.
وأخرج البيهقي في المدخل (1/398) بسندٍ صحيح عن أبي العالية قال: كنت آتي ابن عبَّاسٍ فيرفعني على السَّرير وقريشٌ أسفل من السَّرير فتغامز بي قريشٌ وقالوا: يرفع هذا العبد على السَّرير، ففطن بهم ابن عبَّاسٍ فقال: إنَّ هذا العلم يزيد الشَّريف شرفًا، ويجلس المملوك على الأسرَّة.
و الشاعر يقول:
العلم يرفع بيتًا لا عمــــاد له والجهل يهدم بيت العز والشرف
بل ربنا سبحانه وتعالى يقول: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]
والأعمش له ولد اسمه هود.
قال ابن حبان في الثقات (5/ 515) :هود بن الْأَعْمَش يروي عَن أَبِيه روى عَنهُ أَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير.
(عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ)
مخضرم. المخضرم في اللغة: من عاش بين جيلين. واصطلاحًا: هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ثم أسلموا في حياة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ولم يروه أو بعد مماته.
والمخضرمون يذكرهم أهل المصطلح في قسم التابعين .
الخضرمة: القطع، يقولون وذلك لأنهم كأنهم قُطِعوا عن نظائرهم.
ومن المخضرمين أيضاً ،زر بن حبيش ، وأبو عثمان النهدي، وأبومسلم الخولاني ،والنجاشي ،و غيرهم.
(وَأَبِي ظَبْيَانَ )
حصين بنُ جُندب، والد قابوس بن أبي ظبيان ، قابوس ضعيف.
(عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ)
هو البجلي. صحابي يمني.
وهناك عدد من الصحابة يمنيون: جرير بن عبدالله من بجيلة، وائل بن حجر الحضرمي ، العلاء بن الحضرمي ،أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس ، أبو هريرة و غيرهم.
وقدكان الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ يفيدنا بهذا وأكثر في هذه المسألة .
وهذا شرف لأهل اليمن-نسأل الله أن يُصلِحهم- أن منهم جملةً من صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومنهم علماء جهابذة. ومن هؤلاء العلماء الكِبارعبد الرزاق بن همام الصنعاني.
يقول الوالدالشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ (ما رُحل إلى عالم مثل ما رُحل إلى عبد الرزاق بن همام الصنعاني) .
وعبد الرزاق تغيَّر في آخر عمره، ولكن يقول يحيى بن معين: لو ارتد عبد الرزاق عن الإسلام ما تركنا حديثه)كما في "الضعفاء للعقيلي" .
يعني حديثه السابق قبل الردة رحمه الله وقد حفظه الله من هذا.
************************
7377-حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ يَدْعُوهُ إِلَى ابْنِهَا فِي الْمَوْتِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَعَادَتْ الرَّسُولَ أَنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَدُفِعَ الصَّبِيُّ إِلَيْهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا قَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ
*************************
(حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ) محمد بن الفضل السدوسي.
(حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ )هو ابن درهم، و في طبقته حماد بن سلمة بن دينار.
قال بعضهم : فضل حماد بن سلمة على حماد بن زيد كفضل الدينار على الدرهم.
علَّق الوالد الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ على هذا و قال :هذا من حيث السنة ،حماد بن سلمة بن دينار أرجح في السنة. وحماد بن زيد بن درهم في الحديث أرجح.
(عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ) عاصم بن سليمان.
(عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ) عبدالرحمن بن مُل.
(عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ) أسامة بنُ زيد بن حارثة أمه أم أيمن بركة.
(سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ) سيد الخزرج. أما سعد بن معاذ فهو سيد الأوس.
(وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ) أنصاري. و سعد بن عبادة أيضًا من الأنصار لأن الأوس من الأنصار.
(تَقَعْقَعُ ) تضطرب.
(كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ) الشن: القربة البالية.
(فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )أي سالت بالدموع.
- في هذين الحديثين-
إثبات صفة الرحمة لله عز وجل نثبتها على ظاهرها من غير تشبيه، و لا تمثيل، و لا تكييف، و لا تعطيل، و لا تحريف.
- الحث على الرحمة بالخلق ، وهذا من مكارم الأخلاق .
وفي حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه
-تعزية المصاب بالموت (لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى).
وألفاظ التعزية ليست محصورة فيعزَّى المصاب بالموت بما يسلِّي عليه.
و قد أفادنا بذلك الشيخ الوالد مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ لأن المقصود من التعزية تسلية المصاب.
وأن الأفضل التعزية بما ثبت به الدليل .
و كان هناك مَن توفي مِن أقارب الشيخ الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ على عهده، فقال لي الوالد: اذهبي إليهم وعزِّيهم، وقولي لهم (إن شاء الله إنه إلى خير ). فسُرَّ أهلُ الميت بهذه التعزية.
أهل الميت يفرحون إذا جاء ما يؤانسهم ويبشِّرهم بالخير عن ميتهم، وقد مر الصحابةُ بجنازة و أثنوا عليها خيراً فقال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وجبت أي وجبت له الجنة.
ثمَّ التعزية تحصلُ سواء لقيه في الطريق ،أو راسله ،أواتصل عليه ،أو نحو ذلك .
- إبرار المقسم قال: (أَنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) و هذا من حق المسلم على أخيه المسلم. فقد قال البراء بن عازب أمرنا النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بسبعة أشياء و ذكر منها إبرار المقسم.
ولكن في الصحيحين أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ لما عبر رؤيا، فقال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أصبت بعضًا و أخطأت بعضًا قال أبو بكر: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرنّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ. قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا تُقسم.
فإذا كان المقسِم ليس له حق، أو كانت المصلحة في عدم إبرار قسمه فلا يُبرُّ قسمُه.
وهذا ما كان يُفيدنا به الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ .
*************************
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) .
*************************
هذه الآية فيها إثبات اسم الرزاق لله عز وجل. و يدل على إثبات صفة الرزق الكثير؛ لأن رزاق من أمثلة المبالغة على وزن فعَّال.
وذو القوة بمعنى صاحب القوة، و هذا فيه إثبات صفة القوة لله عز وجل.
المتين هو الشديد و يفيد إثبات اسم المتين وصفة الشدة لله عز و جل .
وهل (ذو القوة )من أسماءالله عزوجل ؟.
شيخ الإسلام يعدُّ الأسماء المضافة من أسماء الله .
يقول شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى(22/ 485): وَمِنْ أَسْمَائِهِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ اسْمُهُ: السُّبُّوحُ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: {سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ} وَاسْمُهُ " الشَّافِي " كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: {أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا} .
قال:وَكَذَلِكَ أَسْمَاؤُهُ الْمُضَافَةُ مِثْلَ: أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَأَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَجَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَثَبَتَ فِي الدُّعَاءِ بِهَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .
وقال الشيخ ابن عثيمين في القواعد المُثلى16: ومن أسماء الله تعالى ما يكون مضافا مثل: مالك الملك، ذي الجلال والإكرام.
**************************
7378-حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ .
*************************
(حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ) عبدالله بن عثمان بن جبلة المروزي.
(عن أَبِي حَمْزَةَ ) هو محمد بن ميمون السكري. نسبة إلى بيع السُكَّر.
يعلِّق الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ أحياناً على هذه النسبة وما أشبهها ويقول: كان السلف منهم من يحترف - أي يكتسب- مع طلب العلم. ومنهم أبو صالح السمّان نسبة إلى بيع السمن.
(عَنْ الْأَعْمَشِ ) تقدم سليمان بن مهران.
(عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ) الوالبي، قتله الحجاج ظلماً وعدواناً والناس أحوج ما يكونُ إلى علمه.
والحجاج هوابن يوسف الثقفي الظالم.
(عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ) عبدالله بن حبيب السُلَمي. نسبة إلى سُلَيم وهي قبيلة من العرب مشهورة يقال سُلَيم بن منصور. المرجع: الأنساب للسمعاني.
من فوائدالحديث
إثبات صفة الصبر لله عز وجل.
نُثبتها مع إثبات المعنى لأن المعنى معلوم من غير تمثيل.
التفويض في معنى صفات الله عزوجل لا يجوز ،المعنى معلوم .
التفويض في كيفية صفات الله سبحانه هذا لا بد منه لأن الكيف مجهول { ولا يحيطون به علما} .
وهنا تأتي مسألة صفات الله عز وجل هل هي من قبيل المحكم أو المتشابه؟
من قبيل المُحكم باعتبار أن معناها معلوم فالمعنى معلوم، السمع معلوم و هو الذي يَسمعُ الأصوات ، و البصير الذي يُبصِرُ ، وتعالى الله عن تشبيهه {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[النحل:60].
وصفات الله من قبيل المتشابه من حيث الكيفية، (الكيف مجهول) كما قال الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ والدليل قوله عز وجل: { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110].
و من قال إن صفات الله تعالى من قسم المتشابه فهو مخطئ جاء هذا المعنى عن بعضهم .
و ذكرالشيخ الوالد مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ أنه جاء عن السيوطي .
قلت : كلام السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن3/ 14) يقول:مِنَ الْمُتَشَابِهِ آيَاتُ الصِّفَاتِ ....
ثُمَّ الصبر أيضًا من صفات المخلوقين، و لكن شتان بينهما قال ابن القيم رحمه الله في عِدَةِ الصابرين 276:
وصبره تعالى يفارق صبر المخلوق ولا يماثله من وجوه متعددة .
منها : أنه عن قدرة تامة .
ومنها : أنه لا يلحقه بصبره ألم ولا حزن ولا نقص بوجهٍ ما .اهـ المراد
وهل من أسماء الله الثابتة الصبور؟.
جاء عند الترمذي في سننه(3507) من حديث أبي هريرة في سرد الأسماء التسعة والتسعين قال:والصبور .
وقد وهِم في سردها الوليد بن مسلم .
قال الحافظ ابنُ كثير في تفسير قوله تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ }: وَالَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ أَنَّ سَرْدَ الْأَسْمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُدْرَجٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ، أَيْ أَنَّهُمْ جَمَعُوهَا مِنَ الْقُرْآنِ. كما روي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَبِي زَيْدٍ اللُّغَوِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى(22/482): وَحُفَّاظُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِمَّا جَمَعَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ شُيُوخِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
ومن أثبت هذا الاسم -كابنِ القيم فإنه أثبته في عِدَةِ الصابرين -كان معتمداً على هذه الرواية وعلى ما لم يثبُت .
وقد أنكر ابنُ حزم في الفِصَل في الملل والأهواء والنحل(2/125) أن يكون الصبور من أسماء الله وقال :وسمى نَفسه الْكَرِيم فسماه السخي والجواد وسمى نَفسه الْحَكِيم فسماه النَّاقِد الْعَاقِل وسمى نَفسه الْعَظِيم فسماه الفخم الضخم وسمى نَفسه الْحَلِيم فسماه الْمُحْتَمل: الصابر الصبور الصبار..
الشيخ ابن عثيمين عدَّ في القواعد المثلى تسعة وتسعين اسماً لله عزوجل وما أدخل هذا الاسم الصبور .
ومن فوائد الحديث
أن الله سبحانه وتعالى يؤذَى وكما قال عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب:57] .
ولكن لا يصل إلى الله عز وجل شيءٌ من الضرر قال سبحانه و تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:176].
و في الحديث القدسي (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي) رواه مسلم (2577)
فالله عز وجل يُؤذَى ومِن أذاه ادِّعاء الولد له.
وأيضًا هذا من شتم الله عز وجل كما في صحيح البخاري (4975) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤًا أَحَدٌ { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَدٌ كُفُؤًا} .
- و فيه نفي الولد لله عز و جل و الرد على اليهود و النصارى الذين يدعون لله ولداً و هذا إفك عظيم قال سبحانه
و تعالى: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)} [مريم:88 ، 89]
-(ثُمَّ يُعَافِيهِمْ) فيه أن العافية بيد الله سبحانه .
العافية :دفاع الله عن العبد.
والعافية من نعم الله العظيمة و لهذا كان من أدعية النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في الصباح و المساء (اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" برقم 698 .
ويقول أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه: (ما أعطي أحد بعد اليقين خيراً من العافية) والأثر في الصحيح المسند لوالدي رحمه الله .
و العافية لا تدوم ، فلا بد من أن يعقبها سقم و تعب وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كما في صحيح البخاري (6049) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ).
فينبغي استغلال العافية؛ فإن من مرض أو شُغِل -لأن العافية دفاع الله عن العبد تشمل المرض والانشغال والسوء -يفوته من الجد ويحصل له الضعف مما لا يستطيع الاستمرار على الحال الذي كان عليه. ولهذا قال عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ (وخذ من صحتك لمرضك و من حياتك لموتك) أخرجه البخاري.
استغلال الصحة قبل أن يأتي المرض، فاليوم صحة وغدًا مرض، اليوم حياة، وغدًا موت. اليوم أُولى، وغدًا أخرى. اليوم شباب، و غدًا كِبَر وهرم. اليوم فراغٌ، و غدًا شُغل. فهكذا الحياة مما يجعل العبرة لمن اعتبر والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى.
- و في الحديث مع الآية الكريمة أنَّ الرزق بيد الله عز وجل.
والرزق عام وأعظمه رزق الهدى والعلم. فالرزق ليس خاصاً بالمال. الحفظ رزق من الله، و الذكاء، و الفهم، و الولد، الزوجة الصالحة، والزوج الصالح ،إلى غيرذلك والأرزاق كلها من عندالله قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) [النحل:53]
- و فيه الحث على الاتصاف بصفة الصبر؛ لأن الله عز وجل إذا كان يصبر - وعنده القدرة على الانتقام والأخذ على يد الظالم والمؤذي- فينبغي للمخلوق الضعيف أن يتخلق بخُلق الصبر.
ولا تقوم الحياة إلا بالصبر. نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين. و ما عالج أحدٌ مشاكله بمثل الحلم والصبر. فالصبر خُلُق عظيم. والله المستعان.
انتهينا ولله الحمد، الباب الأول في قوله تعالى (قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُالحُسْنَى ) وتحت هذا الباب حديثان حديث جرير بن عبدالله وحديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما.
والباب الثاني في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) و تحت هذا الباب حديث أبي موسى ـ رضي الله عنه.
و نجد أن الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في كثير من تبويباته في كتاب التوحيد يستدل بالآية ثم يذكر الحديث. الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - في فتح الباري تحت حديث رقم (7377) يقول: ( الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ فِي "كِتَابِ التَّوْحِيدِ" أَنَّهُ يَسُوقُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الصِّفَاتِ الْمُقَدَّسَةِ فَيُدْخِلُ كُلَّ حَدِيثٍ مِنْهَا فِي بَابٍ وَيُؤَيِّدُهُ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى خُرُوجِهَا عَنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّلِ فِي تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ ، وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ جَمِيعًا) .
قوله (لِلْإِشَارَةِ إِلَى خُرُوجِهَا عَنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ) آخبار الآحاد :ما رواه واحد عن واحد أو أكثر مالم يبلغ حد التواتر. فيدخل فيه ما تفرد به واحد، و يدخل فيه العزيز، و المشهور.
قوله (عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّلِ) التنزل للخصم الذي يقول ما يقبل خبر الآحاد في باب الاعتقاد. وهذا قول المعتزلة، بل عند المعتزلة رد أخبار الآحاد مطلقًا في العقيدة و في غيرها و لا يقبلون إلا المتواتر. وقد رد عليهم أهل العلم، و ممن رد عليهم الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ فله كتاب أخبار الآحاد في صحيحه.
فهذا فيه الحكمة من تصرُّف الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ أنه يبدأ و يذكر الآية، ثم يذكر حديثًا فيه إثباتُ الصفة. فمثلاً الرحمن في الباب الأوَّل ذكر الآية (قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)، ثم استدل بحديثين في إثبات صفة الرحمة.
فإذا قال المخالف: هذا خبر آحاد نقول قد جاء في القرآن إثبات صفة الرحمن.
حديث أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ فيه إثبات صفة الرزق، يقول المخالف هذا خبر آحاد، نقول قد جاء في القرآن إثبات الرزاق قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58] وهكذا .
مسألة :هناك تفصيل مفيد ومهِم لابن القيم رحمه الله في شرح الأسماء والصفات للناس.
قال رحمه الله في بدائع الفوائد(1/ 170) ثم اشرح الأسماء الحسنى -(والأسماء الحسنى متضمنة للصفات)-إن وجدتَ قلبا عاقلا ولسانا قائلا ومحلا قابلا .
وإلا فالسكوت أولى بك فجناب الربوبية أجل وأعز مما يخطر بالبال أو يعبر عنه المقال: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} حتى ينتهي العلم إلى من أحاط بكل شيء علما .
أم سمية الأثرية
2016-01-23, 13:01
الدَّرْسُ الخامس من / كتاب التوحيد من صحيحِ البخاري 29من شهر صفر 1437.
مذاكرةٌ قبل الدرس:
-شيخ البخاري: محمد بن سلام بتخفيف اللام .
قال الحافظُ ابنُ حجر رحمه في مقدمة فتح الباري ص 340 الفصلُ السادس في بيان المؤتلِف والمختلِف ...
سَلَّام بِالتَّشْدِيدِ كثير وبتخفيف اللَّام عبد الله بن سَلَام الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور فَقَط .
وَاخْتلف فِي مُحَمَّد بن سَلام شيخ البُخَارِيّ وَالرَّاجِح أَنه بِالتَّخْفِيفِ أَيْضا . اهـ
-الأسماء المضافة مثل: ( ذو القوة - ذي المعارج - ذو الجلال والإكرام ) جماعة من أهل العلم يعدونها من أسماء الله -عز و جل- و منهم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى.
- خِصالٌ يُحتاجُ إليها في الطَّلب
قال ابن أبي حاتمٍ رحمه الله في «مقدمة الجرح والتعديل» (2/36) :حدثني أبي، نا ابن أبي
الحواري، قال: سمعت مروان بن محمد، يقول: ثلاثة لا يستغني عنها صاحب العلم: الصدق، والحفظ، وصحة الكتب؛
فإن أخطأته واحدة لم تضره أن أخطأه الحفظ فرجع إلى كتب صحيحة لم يضره.
هذا أثرٌ صحيح.
وابن أبي الحواري : اسمه أحمد.
وأخرجه ابن عدي في مقدمة «الكامل».
الصدق في طلب العلم وفي كلِّ الأحوال من الأخلاق الشريفة .
وبالصدق يُنالُ العلم والتقوى والجنَّة قال تعالى { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } .
الحِفظ : خصلةٌ عظيمة وقد قال عبدالرحمن بن مهدي في الأثر الثابت عنه (الحِفظُ هو الإتقان ) .
صِحَّة الكتب : وهذا من أهمِّ الأمور إتقانُ الطالبِ لِما يستفيده وبعدُه عن الخطأ .
وهذه الأوصافُ معدودةٌ في آداب الطالب .
******************************
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) وَ (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) وَ ( أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ) .
قَالَ يَحْيَى: الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ، وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا
7379-حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ) .
******************************
قوله - رحمه الله تعالى - (قَالَ يَحْيَى الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) .
قال الحافظ في الشرح : يحيى هَذَا هُوَ ابن زِيَادٍ الْفَرَّاءُ النَّحْوِيُّ الْمَشْهُورُ ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لَهُ .اهـ
وهذا إشارة إلى قوله عز وجل { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[الحديد: 3].
وفي صحيح مسلم (2713) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ).
أي : أن الله عز و جل محيطٌ علمه بكل شيء .
وهنا يقول : الظاهر على كل شيء علمًا و الباطن على كل شيء علمًا .
(حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ) القطواني .
(حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ) التيمي .
(حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ) في طبقته عمرو بن دينار، و عمرو أرجح؛ لأنه ثقة ثبت، وعبدالله بن دينار ثقة.
(عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) عبدالله بن عمر بن الخطاب أبو عبدالرحمن.
( وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ )
( المطرُ ، أحدٌ ) فاعلان. المطر: فاعل يأتي ، أحد: فاعل يعلم .
- اشتمل الحديث على مفاتيح الغيب، وأنها خمس، وهي من خصائص رب العالمين لا يعلمها إلا هو .
المفاتيح: جمعُ مفتاح، و هي الآلة التي يفتَح بها الشيءُ المُغْلق.
الغيب: ما غاب عن العيون كما في النهاية.
( لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ )
إشارة إلى قوله سبحانه { اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ } [الرعد:8].
و هذا فيه أقوالٌ للمفسِّرين .
منها : أن المرادَ نزولُ الدم عند المرأة وهي حامل .
وقوله : { وَمَا تَزْدَادُ } أي لا ينزل للمرأة دم و هي حامل فيزداد و يتكامل خلقُ الجنين.
و منهم من قال : { وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ } خروج الجنين قبل تمامه، و{ وَمَا تَزْدَادُ } خروج الجنين لوقته تسعة أشهر.
وبعضهم قال : خروجُ الجنين لأكثر من تسعة أشهر ، فأحياناً قد
يزيد حمل المرأة على التسعة الأشهر .
و جاء في سير أعلام النبلاء - و الله أعلم بصحته- في ترجمة محمد بن عجلان أنه قال: ولدت و لي ثلاث سنين،
و يقول: و قد طلع لي سن كذا و كذا.
و اختلف أهلُ العلم في أكثرِ مدةٍ للحمل فمنهم من قال : أربع سنين، و منهم من قال: سنتان، وقيل غير ذلك .
وذكر ابن عبد البر ـ رحمه الله تعالى ـ: أَنَّ هذِهِ مَسْأَلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا إِلَّا الِاجْتِهَادُ، وَالرَّدُّ إِلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ، ذكرهذا القرطبي في تفسير قوله تعالى: { وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ } .
و استدلَّ بالآية { وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ } مَن قال :بأن المراد نزول الدم للمرأة الحامل على أنَّ المرأة الحامل قد تحيض.
وهذا قول جماعةٍ من العلماء أنه لا مانع أن تحيض المرأة الحامل وهو قولُ أحمد في روايةٍ عنه .
وأخرج الإمام مالك رحمه الله في «الموطأ» (194) أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ. قَالَ: تَكُفُّ عَنِ الصَّلاَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.
وأخرجه الدارمي في «سننه» (961) من طريق مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ به.
قلت :وهو قول الشافعي في رواية عنه .
وقد ذكر الحافظ أبوعمر ابن عبدالبر في «التمهيد» (16/86) اختلاف العلماء في المسألة, ورجَّح أن الحامل قد تحيض .
قال :وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ فِي أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ مَا يُحِيطُ بِهِ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْحَائِضَ قَدْ تَحْمِلُ فَكَذَلِكَ
جَائِزٌ أَنْ تَحِيضَ كَمَا جَائِزٌ أَنْ تَحْمِلَ.
وَالْأَصْلُ فِي الدَّمِ الظَّاهِرِ مِنَ الْأَرْحَامِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا حَتَّى
تَتَجَاوَزَ الْمِقْدَارَ الَّذِي لَا يَكُونُ مِثْلُهُ حَيْضًا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ
اسْتِحَاضَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا حَكَمَ بِالِاسْتِحَاضَةِ فِي دَمٍ زَائِدٍ عَلَى مِقْدَارِ الْحَيْضِ.
وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: <لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ, وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ> مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ حَيْضٌ عَلَى حَمْلٍ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي سبي أوطاس حين أرادوا وطأهن, فأُخبروا أن الْحَامِلَ لَا بَرَاءَةَ لِرَحِمِهَا بِغَيْرِ الْوَضْعِ, وَالْحَائِلَ لَا بَرَاءَةَ لِرَحِمِهَا بِغَيْرِ الْحَيْضِ, لَا أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ, وَاللَّهُ أَعْلَمُ .اهـ
قلت : وهوقول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله .
وهو أيضاً قولُ الشيخ ابن عثيمين في رسالته الدماء الطبيعية 14 وقال : وليس في الكتاب والسنة ما يمنعُ حيضَ الحامل.
والحاصل في المسألة: أن الحامل قد تحيض وهذا نادر
والغالب أنها لاتحيض ولكن إذا وجدت الحامل الدم
وعليه أوصافُ دم الحيض فإنه يكونُ حيضا فكما أن المرضعة قد يأتها الحيض وهي ترضع ولدها فكذلك الحامل .
وقد ذكر ابنُ عبدالبر فيما تقدم ما يفيد تقويةَ القول بأنَّ الحامل قد تحيض . والله أعلم .
أما جمهور العلماء فيرون أن الحامل لا تحيض.
و ذلك لأن الحكمة من انقطاع الحيض للحامل أنَّ الدم ينقلب غذاء للجنين.
ولكن أجاب الآخرون أنه لا يمنع أن يزيد عن غذاء الجينين و ينزل للمرأة الحيض كما أن المرضع يتحول دم الحيض لبنًا و مع ذلك قد تحيض المرضع، و الله أعلم.
(وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ)
الغد: اليوم الذي يأتي بعد يومِكَ كما في النهاية .
و قد يأتي للمستقبل البعيد كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [الحشر:18]. أُطلق ( غد ) على يوم القيامة.
(وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ ) وإذا كنا لا نعلم ما في غد وهو أقرب الأيام إلينا، فما كان أبعد من باب أولى ألا نعلم ما يكون فيها.
ومن الأمور العجيبة : أن الإنسان يكون منظِّماً لوقته ومقرراً أنه سيفعل غدًا كذا و كذا ثم يأتي ما يصرفه؛ لأنه لا يعلم
ما في غدٍ إلا الله سبحانه وتعالى.
(وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ)
المطر منه خيرٌ و منه شر.
و قد روى الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه (1032) عَنْ عَائِشَةَ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا ).
يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - الحديث دليل على أن المطر منه نافعٌ و منه ضار .اهـ
و يفيد أيضًا استحباب الدعاء عند رؤية المطر بهذا الدعاء ( اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا ) أي اجعله مطرًا نافعًا.
الصيب هو المطر قال تعالى { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ } [البقرة:19].
و يستحب أيضاً أن يقال: رحمة عند رؤية المطر ، كما في صحيح مسلم (899) عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي .
وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ رَحْمَةٌ ) .
قال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح صحيح مسلم: أي هذا رحمة.
وهو من الأدلة أيضاً على أن المطر منه رحمة.
و في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال على إثر سماء - أي مطر - قال عن ربه: ( أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ ) .
الشاهد من حديث زيد بن خالد أنه قد يطلق مطر على الغيث فليس كلُّ مطرٍ عذاباً .
و في هذا رد على من يقول أنه لا يقال مطر ولكن يُقال غيثٌ ؛ لأن المطر لا يكون إلا في العذاب .
قال أبوهلالٍ العسكري رحمه الله في معجم الفروق اللغوية 391: الفرق بين الغيث والمطر : الغيث: المطر الذي يغيث من الجدب .
وكان نافعا في وقته.
والمطر: قد يكون نافعا وقد يكون ضارا في وقته، وفي غير وقته، قاله الطبرسي . اهـ
ونجد المفسرين يُفسرون الغيث بالمطر المذكور في بعض الآيات ومنها : {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} .
قال ابنُ الجوزي رحمه الله في تفسير آية الشورى : وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ يعني المطر وقت الحاجة مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا أي: يئسوا، وذلك أدعى لهم إلى شكر مُنزِله .
وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ في الرحمة هاهنا قولان: أحدهما: المطر، قاله مقاتل. والثاني:
الشمس بعد المطر، حكاه أبو سليمان الدمشقي . اهـ
و قد قال سفيان بن عيينة ـ رحمه الله تعالى- : ما ذكر اللهُ في القرآن إلا مطرًا عذابًا و العرب تقول الغيث، الله عز و جل يقول: { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } [الشورى:28]. و الأثر علَّقه
البخاري في صحيحه.
قال الحافظ في فتح الباري في كتاب التفسير : وَقد تعقب كَلَام ابن عُيَيْنَةَ بِوُرُودِ الْمَطَرِ بِمَعْنَى الْغَيْثِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى { إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ }[102]. فَالْمُرَاد بِهِ هُنَا الْغَيْث قطعا وَمعنى التَّأَذِّي بِهِ الْبَلَلُ الْحَاصِلُ مِنْهُ لِلثَّوْبِ
وَالرِّجْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِنْ كَانَ مِنَ الْعَذَابِ فَهُوَ أُمْطِرَتْ وَإِنْ كَانَ مِنَ الرَّحْمَة فَهُوَ مُطِرَتْ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا . اهـ
وتفصيلُ أبي عُبيدة- وهو معمر بنُ المثنى – في مطر وأمطر الأدلَّةُ على خلافه .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم شرح حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ المتفق عليه ، أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِثْنَا ، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا» ، قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ الحديث .
قال : وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقَالُ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وأمطرنا عليهم حجارة وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ .
وَلَفْظَةُ أَمْطَرَتْ تُطْلَقُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا وَهَذَا مِنْ أَمْطَرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَطَرُ فِي الْخَيْرِ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوهُ خَيْرًا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ به الحديث . اهـ
وقد ينزل المطر و لا يكون فيه بركة؛ و لهذا روى الإمام مسلم في صحيحه (2904) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَيْسَتْ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا وَلَكِنْ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا ).
قال النووي رحمه اللهُ في شرح صحيح مسلم : وَالْمُرَادُ بِالسَّنَةِ هُنَا الْقَحْطُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} .
فالمطر قد ينزل و لا يكون فيه بركة في إحياء الأرض بالنبات و الزرع ، وأيضاً قد يكون عذاباً .
وأما الغيث فلا يكون إلا رحمة و بركة؛ و لهذا النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لما استسقى في خطبة الجمعة
قال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا .
وهنَا مسألةٌ :قد تأتي أخبار بأنه سينزل المطر و لا يتنافى مع هذا الحديث في أنه (لا يعلمُ متى يأتي المطرُ أحدٌ إلا الله )
لأنه بواسطة أجهزة وأرصِدة .
وهكذا قد ينكشف أمر الجنين أهو ذكر أم أنثى و هذا أيضاً لا يتنافى مع الدليل لأنه بواسطة الأجهزة .
وهذه شُبَه قد تُورَد .
( وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلَّا اللَّهُ )
أفي البلد أو في غير البلد، في الحضَر أو في السفر، في البر أو في البحر.
وقد ثبت في المستدرك حديث رقم (134) عن أَبِي عَزَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم: ( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ قَبْضَ عَبْدٍ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً ).
أي يجعل له فيها حاجة ليسافر إليها و يموت فيها.
وكان الوالد الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ يكرر هذا الحديث في سفره .
- و فيه الإيمان بالقدر.
قوله(وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ)
و هذه الخصيصة الخامسة، آخر خصلة في هذا الحديث أنه لايعلم متى تقوم الساعة إلا الله سبحانه.
يقول تعالى :{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }[الأعراف:187]. حفي: عالم بها.
و هذا من الأسئلة التي لا ينبغي السؤال عنها .
ولهذا لما سأل رجلٌ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) أخرجه البخاري .
فبعض الأسئلة لا ينبغي السؤال عنها، و الأخطاء كثيرة في باب الأسئلة، و منها هذا السؤال أن يسأل متى تقوم الساعة.
وأن يسأل عما جاء بيانُه في صحيح مسلم(134) من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه - أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال: ( لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ).
لما سُئل أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن هذا قال: صدق خليلي، قوموا ورماهم بالحصباء.
وقد أُلف في هذا مؤلفات في آداب ( المفتي و المستفتي ) .
وذكر جملة من ذلك الخطيب البغدادي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب (الفقيه والمتفقه) .
و قد قيل : حُسْن السؤال نصف العلم.
ومن حسن السؤال اختيارُ الأسئلة النافعة كما كانت أسئلة الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين -.
و هكذا يجب أن تكون الأسئلة نافعة يستفيد منها الحاضرون، و تكون بعيدة عن الفتن المثيرة، فالخير يُنَصر بالحكمة
ولكل مقامٍ مقال، والله تعالى أعلم.
العلم من نعَم الله العظيمة فهو يهذب ويقودُ إلى كلِّ خير ، و إلا فالأخطاء كثيرة لعدم المعرفة بما ينفع و بما يضر .
لا يكون المقصود الكلام و إشغال الجلسة، يكون عندنا حُسن نية في السؤال الانتفاع و الاستفادة و استغلال الوقت.
و هناك رسالة ذكرها لنا الوالدُ الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه الله
تعالى ـ رسالة للسيوطي في تحديد عُمْر الدنيا .
وأنه أخطأ في هذا؛ فالأدلة واضحة في أنه لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله عز وجل وذكر رحمه الله جملة من الأدلة .
ومنها :قصةُ جبريل عليه السلام لما سأل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عن ذلك قال: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ .
قلت : الرسالة هي (الْكَشْفُ عَنْ مُجَاوَزَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَلْفَ ) وهي ضمن الحاوي في فتاوى السيوطي .
وجزم في الرسالة المذكورة بقوله : الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ أَنَّ مُدَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ تَزِيدُ عَلَى أَلْفِ سَنَةٍ، وَلَا تَبْلُغُ الزِّيَادَةُ
عَلَيْهَا خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ ....
أي لا تبلغ ألف وخمسمائة ، ولكن أقل من ذلك .
ثم ذكر بعد ذلك تحديد عمر الدنيا .
وما في الأمر أي دليل يُذكر مع مخالفته لقواطع الأدلة في استئثارِ اللهِ عزَّوجل بالوقت الذي تقومُ فيه الساعةُ .
وقد ردَّ العلامة الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة تحت رقم (3611) ومما ذكر رحمه الله : أن الواقع يشهد ببطلان هذه الأحاديث؛ فإن السيوطي قرر في الرسالة المذكورة بناء عليها وعلى غيرها من الأحاديث والآثار - وجلُّها واهية - أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة، ولا تبلغ الزيادة عليها خمس مئة سنة، وأن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مئة وعشرين سنة !
أقول: ونحن الآن في سنة (1391) ، فالباقي لتمام الخمس مائة إنما هو مئة سنة وتسع سنوات، وعليه تكون الشمس قد طلعت من مغربها من قبل سنتنا هذه بإحدى عشرة سنة على تقرير السيوطي، وهي لما تطلع بعد! .
والله تعالى وحده هو الذي يعلم وقت طلوعها، وكيف يمكن لإنسان أن يحدد مثل هذا الوقت المستلزم لتحديد وقت قيام الساعة، وهو ينافي ما أخبر الله تعالى من أنها لا تأتي إلا بغتة؛ كما في قوله عز وجل: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي، لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة، يسألونك كأنك حفي عنها، قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون) [الأعراف: 187] .
ومع مخالفة هذه الأحاديث لهذه الآية وما في معناها، فهي مخالفة أيضاً لما ثبت بالبحث العلمي في طبقات الأرض وآثار الإنسان فيها أن عمر الدنيا مقدر بالملايين من السنين، وليس بالألوف! . اهـ
******************************
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ وَهُوَ يَقُولُ { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ }وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَدْ كَذَبَ وَهُوَ يَقُولُ : لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ
******************************
( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ) وهو الفِرْيابي.
( حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ) و هو ابنُ سعيد بن مسروق الثوري.
( عَنْ إِسْمَاعِيلَ ) و هو ابنُ أبي خالد البجلي الأحمسي كان يلحن كثيرًا .
وقد وُصف جماعةٌ كثيرةٌ من المحدثين باللحْن، و منهم ابن عدي صاحب كتاب الكامل في الضعفاء.
( عَنْ الشَّعْبِيِّ ) و هوعامر بن شراحيل القائل ـ رحمه الله تعالى ـ : ( ما كتبت سوداءَ في بيضاء ) .
أي : أنه كان يحفظ، .
وهو القائلُ ـ رحمه الله تعالى ـ في الشيعة: ( لو كانت الشيعة من الطيور لكانوا رُخَمًا و لو كانوا من الدواب لكانوا حُمُرًا) .
رُخَمًا: أردأُ أنواعِ الطيور.
حُمُرًا: جمع حِمار. و الأثر صحيح.
( عَنْ مَسْرُوقٍ ) و هو ابن الأجدع، أبو عبدالرحمن.
( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ وَهُوَ يَقُولُ { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ }
هذا فيه أنَّ أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - تنفي رؤية النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لربه.
واستنبطتْ هذا من الآية الكريمة { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }[الأنعام:103].
و لكن الإدراك غير الرؤية .
الإدراك معناه الإحاطة، أما الرؤية فهي بالبصر دون إحاطة.
وعلى كلٍ ، هذا قول أم المؤمنين - رضي الله عنها - وقول جماعة من السلف .
و لما سئلت - رضي الله عنها - عن قول الله عز وجل {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} وقوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }[النجم:13]،
هل هذا يدل على أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رأى ربه .
فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. رواه مسلم (177) .
وأما ما جاء أن قوله عز و جل { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى }[النجم:8]، أنه دنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى
الله عزو جل ففي بعض طُرُق حديث الإسراء (فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ، ثُمَّ عَلاَ بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ المُنْتَهَى، وَدَنَا لِلْجَبَّارِ رَبِّ العِزَّةِ، فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) .
أخرجه البخاري في صحيحه (7517) من طريق شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابن أبي نمر عن أنس بن مالك بطوله في قصة الإسراء .
فهذا عُدَّ من أغلاط شريك بن عبدالله بن أبي نمر.
و له أغلاطٌ أخرى في حديث الإسراء .
منها : أن الإسراءَ كان مناماً لا يقظة .
ولو كان مناماً لما أنكرهُ كفارُ قريش .
و منها : الغلط في بعض أماكن الأنبياء.
وسيأتي الكلامُ على المسألة إن شاء اللهُ تحت (باب ما جاء في قوله عزوجل { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } )من صحيح
البخاري فلا نتعجَّل .
جمهور العلماء على أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رأى ربه، و لكن اختلفوا فمنهم من قال: رآه بعينه و منهم من قال: رآه بقلبه، ذكر هذا النووي في شرح صحيح مسلم.
و هذا القول الثاني ثابت عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ موقوفاً عليه .
كما جاء في صحيح مسلم (176)عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال :«رَآهُ بِقَلْبِهِ» .
وفي روايةٍ لمسلمٍ عن ابنِ عباس قَالَ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ .
وقد ثبت من الأدلة ما ينفي رؤية النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لربه .
من ذلك ما روى مسلم في صحيحه (178) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ لَوْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسَأَلْتُهُ فَقَالَ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كُنْتَ تَسْأَلُهُ قَالَ كُنْتُ أَسْأَلُهُ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ قَدْ سَأَلْتُ فَقَالَ رَأَيْتُ نُورًا .
و في رواية ( نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ ).
قال ابن القيم رحمه الله في اجتماع الجُيوش الإسلامية: سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: مَعْنَاهُ كَانَ ثَمَّ نُورٌ، أَوْ حَالَ دُونَ رُؤْيَتِهِ نُورٌ فَأَنَّى أَرَاهُ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الصَّحِيحِ «هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ نُورًا» .اهـ
وثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رأى ربه منامًا عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَلَّى لِي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ) كتاب السنة لابن أبي عاصم ـ رحمه الله تعالى ـ (378) .
وهذه رؤيا منامية فقد جاء من حديث معاذ بن جبل "إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي، فنعست في مصلاي، حتى استثقلت فإذا أنا بربي في أحسن صورة.." الحديث. أخرجه ابن خزيمة "ص143" وغيره وسنده صحيح كما في مختصر العلو للشيخ الألباني رحمه الله .
ورؤيا الأنبياء وحْيٌ .
هذا و الله أعلم.
الحاصل أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لم يرَ ربَّه بعينه كما يدل له حديث أبي ذر رضي الله عنه وما في معناه .
و رأى ربه في المنام .
أما قوله تعالى: { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } فهو جبريل عليه السلام .
وهذا الباب في إثبات صفة العلم لله عز و جل، و صفة العلم من الصفات الذاتيَّة .
وعلْم الله عز و جل محيطٌ بكل شيء، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ }[آل عمران:5] وقال : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:59] .
و يقول تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا }[الجن:26] .
هناك غلاة القدرية ينكرون صفة العلم السابق ( الأزلي ) لله عز وجل، و هؤلاء كَفَّرَهم أهل العلم .
و عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ لما قيل له إنه ظهر قوم يتقفَّرون العلم و يزعمون أن الأمر أُنُف. فقال عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنه: ( فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ) ثم ذكر الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب - قصة جبريل - و فيه أركان الإيمان الستة و منها الإيمان بالقدر. رواه مسلم (8).
الإمام أحمد يقول ( القدر قدرة الله عز وجل ) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى في منهاج السُّنَّة ( 3/ 254 ) : الْقَدَرُ يَتَعَلَّقُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْقَدَرُ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى .
يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْقَدَرَ فَقَدْ أَنْكَرَ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ . اهـ
وغلاة القدرية فيه كلامٌ للقرطبي يدلُّ على أنهم قد انقرضُوا .
قال القُرْطبي رحمه الله في المُفهم (1 / 51 ) :القدرية اليومَ مُطْبِقون على أنَّ الله تعالى عالمٌ بأفعالِ العباد قبلَ وقوعها ؛ ومعنى القدر عند القائلين به اليوم : أنَّ أفعالَ العباد مقدورةٌ لهم ، وواقعةٌ منهم بِقُدْرَتِهم ومشيئتِهم ، على جهة الاستقلال ، وأنّها ليست مقدورةً لله تعالى ولا مخلوقةً له ، وهو مذهبٌ مبتدَعٌ باطلٌ بالأدلّةِ العقليَّةِ والسمعيَّةِ اهـ المراد .
القدرية -وهم الذين ليسوا بغلاة -ينكرون خلق أفعال العباد، و هذا أيضاً قولٌ باطل قال تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }[الزمر:62] ، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }[الصافات:96] .
وقد تكلم أهل العلم على مسألة خلق أفعال العباد وردُّوا على من ينكر ذلك .
وقد جاء عن كثير من الأئمة منهم الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ قال: (ناظِرُوا القدريَّةَ بالعلم فإن أقرُّوا به خُصِموا و إن جَحدوا به كَفروا ).
( بالعلم ) أي : العلم السابق .
( خُصِموا ) لأنهم وافقوا قول أهل السنة، لأن الله عز وجل إن كان عَلِم به فقد أراده إرادة كونية.
قال الحافظ في فتح الباري تحت رقم (50 ) : يَعْنِي يُقَالُ لَهُ أَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْوُجُودِ خِلَافُ مَا تَضَمَّنَهُ الْعِلْمُ فَإِنْ مَنَعَ وَافَقَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ نِسْبَةُ الْجَهْلِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ . اهـ
وقال ابنُ القاسم رحمه الله في حاشية كتاب التوحيد : يعني إن أنكروا العلم القديم السابق بأفعال العباد، وأنه في كتاب حفيظ فقد كذبوا القرآن، وإن أقروا بذلك وأنكروا أن الله خلق أفعال العباد وأرادها فقد خصموا؛ لأن ما أقروا به حجة عليهم فيما أنكروا .
وقال الشيخُ ابنُ عثيمين في القول المفيد (2/ 401 ) في سياق الرَّدِّ على القدرية :هل تقرون بأن الله تعالى عالم بما سيقع من أفعال العباد؟ .
فسيقول غير الغلاة منهم: نعم، نقر بذلك، فنقول: هل وقع فعلهم على وفق علم الله أو على خلافه؟ .
فإن قالوا: على وفْقه، قلنا: إذن قد أراده، وإن قالوا: على خلافه، فقد أنكرُوا علمه، وقد قال الأئمة رحمهم الله في القدرية: ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به، خُصِموا، وإن أنكروه، كفروا. اهـ
وينظر مجموع الفتاوى (23/ 349) لشيخ الإسلام .
فائدة :حديثُ عائشةَ في الباب فيه النفيُّ تقول : فَقَدْ كَذَبَ .
وسمعت من الوالدِ رحمه الله مراراً يقول : ثلاثةٌ شديدُو الإنكارِ لِما لَمْ يبلُغهُم :
أمُّ المؤمنين عائشة ،وعمرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنهما، وابنُ العربي المالكي رحمه الله .
وبهذا ننتهي وللهِ الحمدُ والمنَّة .
amiraamirak
2016-01-23, 13:48
449b47e6cd821a0b0102351379
أم سمية الأثرية
2016-01-23, 21:56
الدَّرْسُ السادس من /كتاب التوحيدِ من صحيحِ البُخاري 5 من شهر ربيع الأَوَّل 1437
***********************************
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {السَّلاَمُ المُؤْمِنُ} [الحشر: 23] .
7381 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ) .
*************************************
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ) و هو أحمد بن عبد الله بن يونس
اليربوعي نسب إلى جده.
(حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ) و هو ابن معاوية الجعفي.
(حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ) و هو ابن مِقْسَم
(حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ) و هو أبو وائل، و يفيد الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - في الشرح قال: ( وَشَقِيقُ بْنُ
سَلَمَةَ هُوَ أَبُو وَائِلٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَبِاسْمِهِ مَعًا).
الذي يتبادر إلى الذهن أنه مشهور بكنيته (أبو وائل)لكثرة ذكرهِ
بكنيته في الأسانيد لكن الحافظ ـ رحمه الله تعالى ـ يفيد
أنه مشهور أيضًا باسمه. وهذه فائدة.
(قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) و هو ابن مسعود بن غافل أبو عبد الرحمن من
حفاظ القرآن المتقنين، و قد أرشد النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ـ إلى أخذ القرآن منه في عدة أحاديث ومنها أن النبي ـ
صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ
غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) سنن ابن ماجة
(138) .
غضًا: بمعنى طريًا.
وقد مر معنا في الشرح ما أخرج البخاري (3548 ) ومسلم
(2464) عن مَسْرُوقٍ، قَالَ: ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
- فَبَدَأَ بِهِ -، وَسَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ» .
عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كان خادمًا لرسول الله ـ
صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في صحيح البخاري (3742)
من طريق إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّأْمَ فَصَلَّيْتُ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَتَيْتُ قَوْمًا
فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ
هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقُلْتُ: إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا
صَالِحًا، فَيَسَّرَكَ لِي، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، قَالَ:
أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمْ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالوِسَادِ، وَالمِطْهَرَةِ،
وَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، - يَعْنِي عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ: وَاللَّيْلِ
إِذَا يَغْشَى؟ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى
وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى قَالَ: «وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ» .
وفي رواية للبخاري(6278) (أوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّوَاكِ
وَالوِسَادِ - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ ) .
(اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا) يدعو علقمة بن قيس تلميذ عبدالله
بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن الله ييسر له بجليس صالح؛ لأن
الجليس الصالح نعمة من الله و سعادة عظيمة؛ و لأن الجليس
الصالح في مجالسته منافع كثيرة.
(فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ) سبحان الله استجاب اللهُ دعوتَه.
(مَا زَالَ بِي هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَنْزِلُونِي عَنْ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يعني أنهم يحفظون القراءة
المشهورة { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}، وأبو الدرداء وكذا عبدالله
بن مسعود سمعا من النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ { و
الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} و هذه قراءة أخرى .
الشاهد ذكرُ أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ عبدالله بن مسعود ـ
رضي الله عنه ـ أنه( صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالوِسَادِ، وَالمِطْهَرَةِ ،
والسواك) أي أنه كان يحملها للنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ويُنظف سواكه .
وفائدة هذا الكلام من أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ (أَلَيْسَ فِيكُمْ،
أَوْ مِنْكُمْ) ليحث علقمة ـ رضي الله عنه ـ على الاستفادة من شيوخ
بلده؛ و هذا شأن المخلصين إرشاد الطلاب إلى الاستفادة من أهل الشأن .
عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ مناقبه كثيرة وفي صحيح
مسلم (2169) عن ابنِ مسعودٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ يُرْفَعَ الْحِجَابُ، وَأَنْ تَسْتَمِعَ سِوَادِي، حَتَّى
أَنْهَاكَ» .يعني إذا جئت و الستار مرفوع فادخل من غير استئذان .
و كان عبدالله ـ رضي الله عنه ـ عالمًا بالتفسير حتى إنه يقول كما
في صحيح البخاري: (وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ
مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ، تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ) .
فكان الصحابة - رضي الله عنهم - يهتمون بالتفسير .
وهذاهوالذي ينبغي لمن يطلب العلم ألَّا يكون مجرد حفظ ألفاظ بل
يعتني بالتفسير.
الذين يدرسون العلوم الدنيوية مثل الطب، و الهندسة يحرصون
على أن يفهموا و يطلبوا الشرح، و من يتعلم كتاب الله عز وجل
أولى بذلك؛ لأن هذه هي السعادة والفلاح و النجاة .
و كان عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ دقيقَ الساقين فجاءت
ريح فمالت به فضحِك الصحابة فقال النبي ـ صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: ( مِمَّ تَضْحَكُونَ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ
فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ) مسند أحمد
(3981).
وهذا من الأدلة على أن الجسم يوزن يوم القيامة، و العبرة بالعمل
الصالح وليس بضخامة الجسم .
عبد الله بنُ مسعود من السابقين في الإسلام وخرج في الهجرة
الثانية إلى الحبشة .
هذه بعضُ مناقب هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وعن سائر
صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
حديث الباب عن ابنِ مسعود في التشهد متفق عليه.
وهناك طريقة تُرْشِدُ إلى الحديث المتفق عليه يذكرها الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - في آخر كل كتاب منصحيح البخاري ـ رحمه الله تعالى .
يذكر في آخر كلِّ كتاب أنه اتفق على إخراج الأحاديث
البخاري ومسلم ثم يقول و انفرد البخاري عن مسلم بكذا، وكذا.
أو يقول شارك مسلمٌ البخاريَّ على إخراجِها سوى حديث كذا
وكذا ويشير إلى ما انفرد به البخاري عن مسلم .
وهذه الطريقةُ تسهِّل معرفةَ ما اتفق عليه الشيخان و ما انفرد به
البخاري عن مسلم .
قوله :إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ)
فيه دليل على أن السلام من أسماء الله عز و جل، و في الآية التي ذكرها البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في التبويب
{السَّلاَمُ المُؤْمِنُ} دليلٌ على ذلك .
فهذا الاسم ثابتٌ بالكتاب والسنة.
(إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ) أي أن اللهَ هو السلام فلا يُقال السلام على الله،
إذ يكون المعنى (الله على الله).
وهذا مُنكَر ، لهذا نهاهم النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
ولأن السلام متضمن للدعاء للمُسَلَّمِ عليه ، والله عزوجل يُدْعَى
و لا يُدْعَى له، فهو لا يحتاج لأحد من خلقه .
فلأجل هذا لا يجوزُ أن يُقال : السلام على الله .
ينظر شرح ابنِ بطال للبخاري (10/409 ) .
وذكر معنى هذا الشيخُ صالحُ الفوزان حفظه الله في إعانة
المستفيد (2/215) ثمَّ قالَ : فمن دعا لله فقد تنقّص الله عزّ
وجلّ، وهذا يُخِلُّ بالتّوحيد.
وقد بوَّب الإمامُ النجدي رحمه الله في كتاب التوحيد (بابٌ لا يقال: السلام على الله ) وذكر حديثَ ابنِ مسعودٍ في الباب .
والسلام يتضمن صفةَ السلامةِ لله عزوجل من النقص والعيب و
الآفات قال ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد (2/135) : فهو
سبحانه سلامٌ في ذاته عن كلِّ عيب ونقص يتخيَّله وهم ، وسلامٌ
في صفاته من كل عيبٍ ونقص ، وسلامٌ في أفعاله من كل عيب
ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة .
قال : وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزَّه به نفسَه ونزَّهه به رسولُه
فهو السلام من الصاحبة والولد والسلام من النَّظير والكُفء
والسَّمِيِّ والمماثل والسلام من الشريك .
ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدتَ كلَّ صفة سلاما
مما يُضاد كمالَها ثم ذكر أمثلةً كثيرة في صفاتِ الله وسلامتها من
النقص .
على هذا يكون السلامُ متضمناً لصفة سلبية .
وأيضاً السلامُ يتضمَّن الدعاء للمسلَّمِ عليه بالسلامة من الآفات
والشرِّ في دينه ودنياه وآخرته.
على هذا يكون السلامُ أيضاً متضمن لصفة فعلية .
وقد ذكر هذا الحافظُ ابنُ حجر في فتح الباري في شرح حديث
الباب وقال : وَقِيلَ السَّلَامُ مَنْ سَلِمَ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وَبَرِئَ مِنْ كُلِّ
آفَةٍ وَعَيْبٍ فَهِيَ صِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ .
قال : وَقِيلَ مِنْهُ السَّلَامَةُ لِعِبَادِهِ فَهِيَ صِفَةٌ فِعْلِيَّةٌ اهـ المرادُ .
و شُرِع السلامُ عند اللقاء بدلًا عن التحية المعهودة عند لقاءاتِ
العرب.
فمن تحياتهم عند اللقاء (تعيش ألف سنة ، أنعِم صباحًا) ومن تحياتهم السجود { وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا }[يوسف:100] وما
أشبه ذلك، فجاء الإسلام بهذه التحية العظيمة عند اللقاء (السلام عليكم ) { تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } .
قال ابنُ القيم -رحمه الله تعالى ـ في بدائع الفوائد (2/ 144)
وكانت أولى من جميع تحيات الأمم التي منها ما هو مُحال وكذب
نحو قولهم تعيش ألف سنة وما هو قاصِرُ المعنى مثل
أنعِم صباحا ومنها ما لا ينبغي إلا لله مثل السجود فكانت التحية
بالسلام أولى من ذلك كله لتضمنها السلامة التي لا حياة
ولا فلاح إلا بها فهي الأصل المقَدَّم على كل شيء .
قال :ومقصود العبد من الحياة إنما يحصلُ بشيئين بسلامته من
الشر وحصول الخير كله .
والسلامة من الشر مقدَّمة على حصول الخير وهي الأصل ولهذا
إنما يهتمُّ الإنسانُ بل كل حيوان بسلامته أوَّلا ثم غنيمته
ثانيا .
على أن السلامة المُطْلَقة تتضمن حصولَ الخير فإنه لو فاته حصل له الهلاكُ والعطْبُ أو النقص والضعف ففواتُ الخير
يمنع حصولَ السلامة المطلقة فتضمنت السلامةُ نجاته من كل شر
وفوزه بالخير اهـ المراد .
و اختلف أهل العلم في المراد بقول (السلام عليكم) على قولين:
فمنهم من قال: السلام عليكم دعاء للمسلَّم عليه بالسلامة .
ومنهم من قال: هذا ذكرٌ لله عز وجل لحديث البابِ (إن الله هو
السلام ) فهُوَ صريح في كونِ السلام اسما من أسمائه سبحانه .
وكذا حديث أبي جهم رضي الله عنه قال: أقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه؛ فلم يرد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام. أخرجه البخاري.
وأخرج أحمد (31/381) عن المهاجر بن قنفذ أنه سلَّم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتوضأ، فلم يرد عليه، حتى فرغ من وضوئه فردَّ عليه. وقال: <إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهتُ أن أذكر الله إلا على طهارة>.
قالوا : دلَّ هذا أنَّ السلام ذكرٌ لله وإنما يكون ذكراً إذا تضمَّن اسما من أسمائه .
يراجع بدائع الفوائد (2/ 142) .
وقد رجَّح ابنُ القيم أنه لفظٌ مشتمل على الأمرين معاً .
قال رحمه الله في بدائع الفوائد (2/ 143) :
وفصلُ الخطاب في هذه المسألة: أن يقال الحقُّ في مجموع
القولين فلكلٍ منهما بعض الحق، والصوابُ في مجموعِهما
إلى أن قال :
فتضمَّن لفظُ السلام معنيين أحدُهما: ذكرُ الله كما في حديث ابن
عمر(أي في هذا المعنى في ترك رد السلام على غير
طهارة ) .
والثاني: طلب السلامة وهو مقصود المسلِّم فقد تضمن سلام عليكم اسما من أسماء الله وطلب السلامة منه .
فتأمل هذه الفائدة .اهـ
وإذا حصل لقاء و بدأ بـ(مسَّاك الله بالخير ،أو صباح الخير ) وما أشبهه ، يقول لنا الوالدُ الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ كأنك ما
سمعت حَيِّه بتحية الإسلام، ثم رُدَّ عليه .
قلت: وفي صحيح البخاري (3430) عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: أَنَّ
نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ " ثُمَّ صَعِدَ
حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ:
وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا
خَلَصْتُ فَإِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ
وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ " .
وقد دلَّ هذا الحديث أن التحية بغير السلام يكون بعد السلام .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (24/119) : تحية الإسلام: (السلام عليكم) فإن زاد: (ورحمة الله وبركاته) فهو أفضل، وإن دعا بعد ذلك من لقيه: (صباح الخير) مثلا فلا حرج عليه، أما أن يقتصر بالتحية عند اللقاء على: (صباح الخير) دون أن يقول: (السلام عليكم) فقد أساء.
(التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ)
قال ابن رجب في فتح الباري (7/ 327): التحيات: جمع تحيَّة، وفُسرت التحية بالملك، وفسرت بالبقاء والدوام
،وفسرت بالسلامة؛ والمعنى: أن السلامة من الآفات ثابت لله، واجب له لذاته.
وفسرت بالعظمة، وقيل: إنها تجمع ذلك كله، وما كان بمعناه، وهو أحسَن .اهـ
ولم يذكر في أوَّلِه (باسم الله ) وقد أخرج النسائي (1175)من طريق أَيْمَنَ وَهُوَ ابْنُ نَابِلٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ ..
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير(1/478)رِجَالُهُ ثِقَاتٌ؛ إلَّا أَنَّ أَيْمَنَ بْنَ نَابُلٍ رَاوِيَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَخْطَأَ فِي إسْنَادِهِ، وَخَالَفَهُ اللَّيْثُ وَهُوَ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ فِي أَبِي الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ: قَوْلُهُ: عَنْ جَابِرٍ خَطَأٌ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِي التَّشَهُّدِ: " بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ " إلَّا أَيْمَنَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ خَالَفَ النَّاسَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا حَدِيثُ التَّشَهُّدِ، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: فِيهِ ضَعْفٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ خَطَأٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ وَهُوَ لَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ خَطَأٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: أَحْسَنُ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ مَا ذَكَرَ فِيهِ سَمَاعَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّمَاعَ فِي هَذَا اهـ .
وهذا ما استفدناه من والدي رحمه الله أنها زيادةٌ شاذة شذ بها أيمن بن نابل .
(وَالصَّلَوَاتُ) تشمل صلاة الفريضة و النافلة .
(وَالطَّيِّبَاتُ) ما طاب و حسن من الأقوال و الأفعال .
(السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ)
الرواية بلفظ الخطاب، وقد قال بعض العلماء: إنه بعد وفاة النبي ـ
صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقال: (السَّلاَمُ عَلَى النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ).
وقد سألت الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ عن هذه
المسألة فقال: نبقى على ظاهر اللفظ كما علَّمنا النبي ـ صلى الله
عليه وعلى آله وسلم .
(أَيُّهَا النَّبِيُّ)
أي أيها الرفيع .
وقد تكلَّم أهلُ العلم على الفرق بين النبي والرسول
وأنبِّهُ على قولٍ مشهور وقد عزاهُ القاري في مرقاة المفاتيح إلى
الجمهور: أن النبيَّ إنسانٌ بعثه الله ولم يُؤمَر بالتبليغ .
وهذا قولٌ انتقده عددٌ من كبار العلماء وقد رُدَّ عليه بحديث عبدِالله
بن عمرو عند مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ،
قال: " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى
خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ الحديث ..
فيه أن النبي يجب عليه التبليغ .
وقال الشنقيطي في تفسير { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة الْحَجِّ .
قال : هَذِهِ تُبَيِّنُ أَنَّ مَا اشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ
مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ :هُوَ مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَحْيٌ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ .
وَأَنَّ الرَّسُولَ :هُوَ النَّبِيُّ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِ مَا أُوحِيَ
إِلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ
رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ الْآيَةَ ، يَدُلُّ عَلَى أَنْ كُلًّا مِنْهُمَا مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُمَا مَعَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا تَغَايُرٌ ...) اهـ .
أيضا من الأدلة على أن النبي مأمور بالتبليغ ما في الصحيحين في قصة السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا
عذاب يقول النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: (ورأيت النبي ومعه
الرجل والرجلان ورأيت النبي وليس معه أحد)
سماه نبيا وجعل له أتباعاً ، وهذا يعني أنه كَانَ يبلغ .
وعرضتُ هذا القول المشهور على والدي الشيخ مقبل رحمه الله
وأنكرهُ وقال :كيف لا يُؤمر النبيُّ بالتبليغ ، وآحادُالنَّاسِ مأمورونَ بالتبليغ .
وقال العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (6/ 368) عن
هذا القولِ لطالما أنكرناه في مجالسنا ودروسنا، لأن ذلك يستلزم
جوازَ كتمان العلم مما لا يليق بالعلماء، بلْه الأنبياء قال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا
من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} .
وتكلَّم العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (6/ 369) على
الفرق بين النبي والرسول ثم قال :
ويبقى تعريف النبي :
من بُعث لتقرير شرع سابق .
والرسول من بعثه الله بشريعة يدعو الناس إليها، سواء كانت
جديدة أو متقدِّمة.
والله أعلم . اهـ
(وَرَحْمَةُ اللَّهِ)
الرحمة المضافة إلى الله نوعان: الأول رحمة من إضافة الصفة إلى الموصوف، و منه قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شيء}[الأعراف:156].
قال ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد :وسَعَتُها عمومُ تعلقها
بكل شيء ، كما أنَّ سعةَ علمه تعالى عموم تعلقه بكلِّ معلوم .
الثاني: رحمة من إضافة المفعول إلى الفاعل، وهذه الرحمة
مخلوقة، و منه ما رواه البخاري(4850) ومسلم (2846) عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ:أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ
وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ
وَسَقَطُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ
أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ
مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍمِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ: فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى
يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى
بَعْضٍ، وَلاَ يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الجَنَّةُ: فَإِنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا " .
الرحمة هنا مخلوقة وهي الجنة .
وفي الصحيحين البخاري (6000) ومسلم (2753) عن أبي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (جَعَلَ
اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ
فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِيَتَرَاحَمُ الخَلْقُ، حَتَّى
تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ) .
و يُرَاجع بدائع الفوائد لابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ .
إذن الرحمة المضافة إلى الله عز وجل نوعان: رحمة من إضافة الصفة إلى الموصوف ، نستفيد منها إثبات صفة الرحمة لله عز و جل. ورحمة من إضافة المفعول إلى الفاعل، وهذه مخلوقة ليستْ من صفاتِ الله عزوجل .
هناك مسألة وهي قول: (اللهم أدخلني في مستقر رحمتك) من
أهل العلم من كره ذلك، و بوَّب الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى
ـ في الأدب المفرد برقم (768 ) ( بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُمَّ
اجْعَلْنِي فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِكَ ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَارِثِ الْكَرْمَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي رَجَاءٍ:
أَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي مُسْتَقَرِّ
رَحْمَتِهِ، قَالَ: وَهَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَمَا مُسْتَقَرُّ رَحْمَتِهِ؟
قَالَ: الْجَنَّةُ، قَالَ: لَمْ تُصِبْ، قَالَ: فَمَا مُسْتَقَرُّ رَحْمَتِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ:
رَبُّ الْعَالَمِينَ .
وقد ردَّ النووي رحمه الله هذا القولَ وقال في كتابه الأذكار 384
ولا دليلَ له فيما ذكره، فإن مرادَ القائل بمستقرّ الرحمة: الجنة،
ومعناه: جمعَ بيننا في الجنة التي هي دار القرار ودار المقامة
ومحل الاستقرار، وإنما يدخلها الداخلون برحمة اللَّهَ تَعالى، ثُمَّ
من دخلَها استقرّ فيها أبداً، وأمِنَ الحوادث والأكدار، وإنما حصل
له ذلك برحمة الله تعالى، فكأنه يقول: اجمع بيننا في مستقرّ نناله
برحمتك .
وهذا ما اختاره ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في بدائع الفوائد
(2/184) أنه لا يمتنع هذا الدعاء بوجه ...
(وَبَرَكَاتُهُ) البركة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء.
(السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ)
فيه البدء بالنفس عند الدعاء إذا دعا لغيره.
وهذا هو الأفضل إذا دعا لنفسه ودعا لغيره أن يبدأ بنفسه.
مثلًا يقول: نسأل الله أن يثبتنا وإياكم، ما يقول (نسأل الله أن
يثبتكم و يثبتنا أجمعين) ولهذا هنا (السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ) .
هذا من أدب الدعاء و ليس بحرام و لهذا الحافظ ابن الصَّلاح ـ رحمه الله تعالى ـ في المقدِّمة قال: (اعْلَمْ - عَلَّمَكَ اللَّهُ
وَإِيَّايَ - أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ أَهْلِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى: صَحِيحٍ، وَحَسَنٍ، وَضَعِيفٍ) .
هذا جائزٌ لكن الأولَى كما تقدم..
وفي صحيح مسلم (2380) عن أبي بن كعب في قصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام وفيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى، لَوْلَا أَنَّهُ عَجَّلَ لَرَأَى الْعَجَبَ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ، {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي} [الكهف: 76] عُذْرًا وَلَوْ صَبَرَ لَرَأَى الْعَجَبَ ".
قَالَ: وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا الحديث .
أما إذا دعا للغير من دون أن يدعو لنفسه فهذا فيه أدلة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول: (يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ) متفق عليه عن ابن مسعود .
و سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ: (يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا، آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا)رواه البخاري (5038) عن عائشة رضي اللهُ عنها .
فما فيه إشكال إذا دعا لغيره دون أن يجمع بين الدعاء لنفسه ولغيره .
(عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ)
العبد الصالح: هو القائم بما يجب عليه من حقوق الله عز وجل و حقوق عباده .
هذه عبودية خاصة، و العبودية الخاصة تقتضي التشريف.
وهناك عبودية عامَّة لجميع الخلق، و منه قوله تعالى: { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } [مريم:93].
و لقد استفدت من الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ أن تقسيم العبودية إلى خاصة وخاصة الخاصة تقسيم صوفي.
وهذا التقسيم لا نجده في عبارات المتقدمين من السلف فنبقى على أنها نوعان عامة وخاصة.
وفي الحديث زيادة، و لكنه هنا مختصر قال: (فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لله صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) .
(أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) .
فيه زيادة في موضعٍ آخر من الصحيحين، (ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إليه ) .
استدلَّ بهذا جماعة من العلماء على مشروعية الدعاء بعد التشهد الأوَّل و لو لم يكن هناك سلام .
و أخرج النسائي (2/238) وأحمد (7/ 227)من طريق أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ أَنْ نُسَبِّحَ وَنُكَبِّرَ وَنَحْمَدَ رَبَّنَا، وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ، فَقَالَ: " إِذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَقُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَلْيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَلْيَدْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ " .
وإسناده صحيح وأصله في الصحيحين كما تقدم .
قال الشيخ الألباني في أصل صفة الصلاة (3/860) قلت:
وظاهر الحديث يدل على مشروعية الدعاء في كل تشهد، ولو
كان لايليه السلام. وهو قول ابن حزم رحمه الله تعالى اهـ .
وأيضًا هو قول الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ
يقول الوالد في صفة صلاة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ (بعدها لك أن تدعو ، وَلَكَ أن تقوم) . اهـ
فظاهر الرواية العموم .
أما جمهور العلماء فإنهم يرون ألا يزيد على التشهد شيئًا إذا كان سيقوم من الركعتين .
قال ابن رجب فتح الباري : في قوله (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) .
قد سبق في رواية للإمام أحمد التصريح بأن هذا الدعاء إنما هو
في التشهد الأخير خاصةً، فأما التشهد الأول فلا يدعو بعده عند
جمهور العلماء، ولا يزاد عليه عند أكثرهم، حتى قال الثوري -
في رواية عنه - إن فعل ذلك عمداً بطلت صلاته.
إلا أن الشافعي - في الجديد - قال: يصلي فيه على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحده دون آله.
وقال مالك: يدعى فيه كالتشهد الأخير وروي عن ابن عمر .اهـ
- في قوله (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ) فيه أن من سدَّ على الناس بابًا يذكر لهمالبديل إذا وُجِد.
والأدلة في هذا كثيرة منها :
قول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِذَا أَتَيْتُمُ الغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري .
وهذا إذا وجِد، و إذا لم يوجد فالواجب علينا أن نستسلم ما يلزم ذكرُ البديل .
إذا تيسر وجودُ البديل فهذا من الحكمة أن يذكر لهم الداعي إلى الله ذلك .
وهناكَ امرأة قدَّمت للوالد رحمه اللهُ سُؤالاً يتعلق بأمور الزينة وقالتْ :إذا كانَ ممنوعاً فما هو البديلُ ؟.
فاستنكرَ هذا وقال: البديلُ قولُ الله تعالى وذكر بعضَ الأدلة .
- في الحديث وجوبُ التشهد الأوسط في الصلاة إذا جلس في الركعتين ، و هكذا عند كل سلام لظاهر الأمر (قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ).
ولم يخُصَّ تشهدًا دون تشهد .
وذهب جمهور العلماء إلى أنه لايجب التشهد في الركعتين الأوليين و لكن يستحب لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ المتفق عليه «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمُ الظَّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ
حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاَةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ» .
ولكن حديث ابن بُحينة يفيد أن التحيات تسقطُ بالسهو ويُجبَر ذلك بسجودِ السهو .
ونذكر هُنا للفائدة بعضَ الصيغ الأُخْرَى للتشهد غير حديث ابنِ مسعود
منها : ما أخرجه مسلم (404) من طريق قتادة عن يونس بن جبير عن حِطان بن عبد الله الرقاشي قال صليت مع أبي موسى الأشعري الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
وما رواه مسلم (403) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ» .
وقد أجمع العلماءُ على جواز كل واحد منها وممن نقل الإجماع القاضي
أبو الطيب كما في المجموع(3/420) ط الباز .
وقال ابن رجب في فتح الباري (5/178) وكل ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من التشهدات ، فإنه يصح الصلاة به ، حكى طائفة الإجماع على ذلك اهـ .
وحديثُ ابن مسعود أصحُّ ماجاء في التشهد.
قال الترمذي في سننه (289) عقب حديث ابن مسعود حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ .
وقال الحافظ في فتح الباري(831) ولاخلاف بين أهل الحديث في ذلك وممن جزم به البغوي في شرح السنة .
قلت :نصُّ كلام البغوي في شرح السنة(3/183)قال أهل المعرفة بالحديث أصح حديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التشهد حديث ابن مسعود واختاره أكثرأهل العلم .
وقال الشيخ الألباني في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (3/870) هو أصح التشهدات الواردة عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم باتفاق المحدثين اهـ .
وقد ذهب إلى أنَّ أفضلَ التشهد حديثُ ابنِ مسعود أكثرُ أهل العلم .
واختار الشافعي حديث ابن عباس .
قال الشافعي رحمه الله في الرسالة فقرة 757 وقد أورد على نفسه سؤالاً كيْف صِرْتَ إلى اختيار حديث ابن عباس عن النبي في التشهد دون غيره ؟
قلتُ : لَمَّا رأيته واسعا وسمعتُه عن " ابن عباس " صحيحاً كان عندي أجمعَ وأكثرَ لفْظًا مِن غيْرِه فأخذْتُ به غيرَ مُعَنِّفٍ لِمَن أخذ بغيره مما ثبت عن رسول الله اهـ .
وقال النووي في المجموع (3/420) قال أصحابنا إنما رجح الشافعي
تشهد ابن عباس على تشهد ابن مسعود لزيادة لفظة المباركات ولأنها موافقة لقول الله تعالي (تحية من عند الله مباركة طيبة) ولقوله كما يعلمنا
السورة من القرآن ورجحه البيهقي قال بأن النبي صلي الله عليه وسلم علمه لابن عباس وأقرانه من أحداث الصحابة فيكون متأخرا عن تشهد ابن مسعود وأضرابه .اهـ
واختار مالكٌ تشهُد عمر بن الخطاب لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد .يُنظر المدونة (1/269)ونيل الأوطار (3/254) .
و أثر عمر في الموطأ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ يَقُولُ : قُولُوا : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
وهذا موقوف وإسناده صحيح .
وقول البُخاري في الآية الكريمة في التبويب {المُؤمِنْ} فيه إثباتُ اسمٍ لله عزوجل وهو المؤمن .
ومعنى المؤمن في هذه الآية قال ابنُ الأثير في النهاية : فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ
تَعَالَى «المُؤْمِن» هُوَ الَّذِي يَصْدُق عبادَه وعْدَه: فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ:التَّصديق .
أَوْ يُؤَمِّنُهُمْ فِي الْقِيَامَةِ مِنْ عَذَابِهِ، فَهُوَ مِنَ الأَمَان، والأَمْن ضِدُّ الْخَوْفِ .
وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية {المُؤمِنْ} : أَيِ الْمُصَدِّقُ لِرُسُلِهِ
بِإِظْهَارِ مُعْجِزَاتِهِ عَلَيْهِمْ وَمُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَمُصَدِّقُ
الْكَافِرِينَ مَا أَوْعَدَهُمْ مِنَ الْعِقَابِ .
ثُمَّ ذكر بعضَ الأقوالَ الأُخرى .
وبهذا نكتفي .ونسأل اللهَ التوفيق .
أم سمية الأثرية
2016-01-24, 17:52
الدرس السابع من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري 13 من شهر ربيع الأول 1437 .
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَلِكِ النَّاسِ}[الناس: 2]
فِيهِ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
7382 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ،
وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ " .
وَقَالَ شُعَيْبٌ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ مُسَافِرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى،عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مِثْلَهُ .
******************************
حَدَّثَنَا (أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ): وهو المصري تقدم في أول كتاب التوحيد .
(حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ): تقدم وهو عبد الله.
(أَخْبَرَنِي يُونُسُ): ابن يزيد الأيلي .
إذا وجدنا يونس عن ابنِ شهاب فهو ابن يزيدَ الأيلي .
ومن وصايا ابن شهاب ليونس ما رواهُ ابنُ عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله (1/405) من طريقابن وهب، قال: حدثنا
يونس بن يزيد، قال: قال لي ابنُ شهاب: يا يونسُ لا تكابرْهذا العلمَ فإنَّما هو أوديةٌ، فأيها أخذتَفيه قبل أن تبلغَه قطع بك، ولكن
خذْه مع الليالي والأيام .
هذا أثر صحيح .
وهذا من نصائح أهل العلم للطالب التدرُّج في أخذ العلم.
وأخرج الخطيبُ في «جامعه» (453) من طريق عبدالرزاق
قال: سمعت معمرًا يقول: من طلب الحديث جملةً ذهب منه جملة،
إنما كنا نطلب حديثًا وحديثين.
هذا أثر حسن .
وأخرج أبونعيم في حلية الأولياء(7/140) من طريق أبي الوليد
الطيالسي، ثنا شعبة قال: كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين ثم
يقول لي: أزيدك فأقول: لا حتى أتحفظهما وأتقنهما.
والأثر ثابتٌ .
وقد يأتي عند الطالب في بداية العلم حماسٌ شديد، عنده نهمةٌ
وهمَّةٌ ولكنه يُسيء التصرف .
فمثلًا كان في دار الحديث بدماج الدروس تُفتح في اليوم كذا و
كذا من الدروس ما يقارب خمسين درسًا، و ما أشبه ذلك .
فإذا لم يكن عنده معرفة بآداب طلب العلم، يُحَمِّل نفسَه فوق
طاقتها فيتخبط ، يجمع له ستة دروس أو نحو ذلك وتختلط
المعلومات، ما يهضِم، و يسوءُ فهمُه.
فيأخذ من العلم والدروس والحفظ فوق طاقته، فيسبب له فشلًا
في سيره حتى قيل:
ومُشَتَّتُ العزماتِ ينفق عمرَه ***** حيران لا ظَفَرٌ ولا إخفاقُ
لكن بفضل الله، إذا فيه من يُربِّي من المشايخ
والمعلِّمين الناصحين يكون الطالبُ مُسدَّدًا في طلبه
وموفَّقاً في سيره.
وقد كانَ والدي رحمه الله يحذِّرُ كثيراً الطالبَ من سوء التصرف
في الطلب ومنه حفظنَا البيتَ السابق .
(عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): محمد بن مسلم الزهري، متفق على جلالته
وإتقانه.
وعيبَ عليه الدخولُ على الأمراء، و لكنه كان يدخل عليهم
لنصحهم.
وقد قال النبي ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ كما جاء في
مسند أحمد (18830) عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ: أَيُّ
الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ".
وهو القائل ـ رحمه الله تعالى ـ (إعادة الحديث علي أشد من نقل
الصخر) يعني ثقيل أن يعيد العبارة بلفظها قد ينقص وقد يزيد.
واستفدنا من دروس والدي رحمه الله
أنَّ الزُّهْرِيَّ كان يأكل الزبيبَ ليقوى حفظُه .
ولا يأكل التفاحَ ويقول : أكلُ التفاحِ يورثُ النسيانَ .
و من مذاكرته للعلم أنهُ كان يسمعُ العلمَ من عروةَ وغيرِه فيأتي
إلى جاريةٍ له وهي نائمةٌ فيوقِظها فيقول:
اسمعي حدثني فلانٌ كذا وفلانٌ كذا فتقول: مالي وما لهذا الحديثِ .
فيقول: قد علمتُ أنك لا تنتفعينَ به ولكن سمعتُه الآنَ فأردتُ أن
أستذكرَه .
واختبره هشامُ بنُ عبدالملك في قوله تعالى { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .
فقد دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ يَا سُلَيْمَانُ {الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ }مَنْ هُوَ ؟.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ .
قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ .
قَالَ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ .
فَدخل الزُّهْرِيّ فَقَالَ يَا ابن شهَاب من الَّذِي تولَّى كبره قَالَ ابن أُبَيٍّ قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ .
فَقَالَ أَنَا أكذب لَا أبالك وَاللَّهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ الْكَذِبَ مَا كَذَبْتُ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وَسَعِيدٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ .
وجاء عن الوليد بن عبدالملك أنه سأل الزهري عن ذلك .اهـ
قلتُ : أثر مذاكرة الزهري للجارية عند الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1887) بسندٍ حسن .
وقصة اختبار الزهري في الذي تولَّى كبره (ينظر فتح الباري 7/تحت رقم 4146) .
(عَنْ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ المُسَيِّبِ): هو ابن المسيب بن حَزْن، أبوه
صحابي وقدأخرجَ البُخاري (6190)من طريق ابْنِ المُسَيِّبِ،
عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا
اسْمُكَ» قَالَ: حَزْنٌ، قَالَ: «أَنْتَ سَهْلٌ» قَالَ: لاَ أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ
أَبِي قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: «فَمَا زَالَتِ الحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ» .
قال النبي ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ لجده حزن: ما
اسمك؟ قال: حزْن، لم يقل : أبوفلان لأنه سأل عن اسمه.
قال سعيد بن المسيب: فما زالت الحُزونة فينا بعدُ - أي الشدة
والصلابة.
لأن جدَّه ما امتثل ما عرض عليه النبيُّ ـ صلى الله عليه وعلى
آله وسلم ـ من تغيير اسمه.
سعيد بن المسيب من كبار التابعين.
وقد اختلف أهل العلم في أفضل التابعين، و نصَّ بعضهم كالإمام
أحمد أنه سيِّد التابعين وعن علي ابن المديني أنه أجلُّ التابعين .
قال الحافظ ابنُ كثير في مختَصَر علوم الحديث 194: وقد اختلفوا في أفضل التابعين من هو؟ فالمشهور: أنه سعيد بن المسيب، قاله أحمد بن حنبل وغيره، وقال أهل البصرة: الحسن. وقال أهل الكوفة: علقمة، والأسود. وقال بعضهم: أويس القرَني ،
وقال أهل مكة: عطاء بن أبي رباح.اهـ
قال شيخُنا الوالد الكريم : الصواب أنَّه أويس القرَني ؛ وذلك لما
رواه الإمام مسلم (2542) عنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: إِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ
رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ
لَكُمْ»
.
قلتُ :خَيْرَ التَّابِعِينَ أي أفضل التابعين و هذا نصٌ في المسألة .
سعيد بن المسيب متزوِّج بابنة أبي هريرة ـ رضي الله عنه .
كان هناك واحدة زارتنا في عهد الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله
تعالى ـ قبل وفاته بنحو ثلاث سنين، فذكرت قصة -والله أعلم
بصحتها- قالت: "إن سعيد بن المسيب لما تزوج بابنة أبي هريرة ـ
رضي الله عنه ـ رأته زوجته قام ليتأهَّب، فقالت له: إلى أين؟
قال: إلى أبي هريرة. فقالت له: اجلس علم أبي هريرة عندي".
فقالت هذه المرأة ناصحة لي- أي لأم عبد الله- بعد أن ذكرَت
القصة: فهكذا كوني ، يكون علم أبيك عندك .
وجزاها الله خيرًا، نصيحة عظيمة. نسأل الله أن ينفعنا بالنصائح
الطيبة. بعض النصائح الإنسانُ يتذكَّرها ويبكي .ونسأل الله أن
ينفعنا و يوفقنا للخير والصواب.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): مُختلَفٌ في اسمه على أقوال كثيرة. والمشهور
أنه عبد الرحمن بن صخر. هذا الصحابي الجليل ـ رضي الله عنه
ـ حافظ الصحابة، بل هو أحفظ الأمة.
وقد قال الذهبي ـ رحمه الله تعالى
ـ في الموقظة: و الحفاظ طبقات ذروتهم أبو هريرة ـ رضي الله
عنه.هذا الصحابي أسلم عام خيبر في السنة السابعة من الهجرة .
وحبُّه من الإيمان و بغضه من النفاق، فقد روى مسلم في
صحيحه (2491) عن أَبُي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه الحديث في
قصة إسلام أمِّ أبي هريرة وفي آخره :قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا، قَالَ:
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا -
يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ - وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمِ
الْمُؤْمِنِينَ» فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي .
و الرافضة يبغضون أبا هريرة، ويسبُّونه بل يسبون صحابة
رسول الله ـ صلى الله عليه و على آله و سلم، ولايحبون إلا أهل
البيت فيما يزعمون .
وقد جاء النَّهْي عن سبِّ الصحابة كما في صحيح البخاري (3673) وصحيح مسلم (2541) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ،
وَلاَ نَصِيفَهُ».
فلا يجوز أن يُسَبَّ أحدٌ، حتى من لابس منهم الحروب ونحوها ،
بل نقول كما قال ربنا عزو جل: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ
وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[البقرة:141].
أبوهريرة ـ رضي الله عنه ـ كان بعضهم يَنتقد عليه الإكثار من
الحديث، فيقول كما في الصحيحين البخاري (2350) ومسلم
(2492): "يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ، وَاللَّهُ المَوْعِدُ،
وَيَقُولُونَ: مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟ وَإِنَّ
إِخْوَتِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي
مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَلْزَمُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ
يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ ...." الحديث.
وأخرج ابنُ سعدٍ في الطبقات ترجمة أبي هريرة من
طريق الْمَقْبُرِيِّ وهو سعيد ابنُ أبي سعيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ
إِنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا: قَدْ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: فَلَقِيتُ رَجُلا فَقُلْتُ: أَيَّةَ سُورَةٍ قَرَأَ
بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَارِحَةَ فِي الْعَتَمَةِ؟ .
فَقَالَ: لا أَدْرِي! فَقُلْتُ: أَلَمْ تَشْهَدْهَا؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: قُلْتُ وَلَكِنِّي
أَدْرِي قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا .
وسندهُ حسن .
مشيرًا إلى اهتمامه بالعلم واجتهاده رضي الله عنه .
وفي المستدرك عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا دَعَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَقَالَتْ لَهُ : يَا
أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنَا أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهَا عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ؟ هَلْ سَمِعْتَ إِلَّا مَا سَمِعْنَا ؟ وَهَلْ رَأَيْتَ
إِلَّا مَا رَأَيْنَا ؟ قَالَ : يَا أُمَّاهُ ، إِنَّهُ كَانَ يَشْغَلُكِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمَرْآةُ وَالْمُكْحُلَةُ ، وَالتَّصَنُّعُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا كَانَ يَشْغَلُنِي عَنْهُ شَيْءٌ.
وأخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة» (1/486) وهو أثرٌ صحيح .
فأفحمَها رضي اللهُ عنهما .
ما أحسن حياة الصحابة ، حياة تبعث في القلوب الحياة ، وقوَّةَ
الإيمان ،والهمة العالية ، والرغبة في الآخرة .
هذا الصحابي الجليل فضائله كثيرة لازم النبي ـ صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ـ أربع سنين.
وابن عمر يشهد له ويقول: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْتَ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَأَحْفَظَنَا لِحَدِيثِهِ. كما جاء عند الترمذي (3836) .
احترام الصحابة، و محبتهم، و حسن الظن بهم واجب ،وهذا من
عقيدتنا.
(عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مِثْلَهُ) يعني بدل سعيد بن المسيب.
ـ في هذا الحديث من الفوائد إثبات عدة صفات لله عز وجل.
1-صفة القبض لله عز و جل (يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ).
والقبض: أخذ الشيء باليد.
2- صفة الطوي لله عز و جل لقوله (وَيَطْوِي السَّمَاءَ)، و في
القرآن الكريم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ}[الزمر:67] وقال سبحانه: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ
السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}
[الحج:104].
السجل: الصحيفة. والطَّي: معروفٌ لف الشيء بعضه إلى بعض.
قال الزَّبِيدي في تاج العروس : طَوَى الصَّحيفَةَ يَطْويها طَيّاً،
فالطَّيُّ المَصْدَرُ، وَهُوَ نَقِيضُ نَشَرَها . اهـ
هذه الصفة على ظاهرها ،أما أهل التحريف فيقولون : هالكة
،تالفة .
3-إثبات صفة اليمين لله عزوجل (وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ)، (وكلتا
يديه يمين) كما في صحيح مسلم (1827) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ
عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ
يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» .
أما ما جاء في صحيح مسلم (2788)في المتابعات عَنْ عُمَرَ بْنِ
حَمْزَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَطْوِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ
الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ:
أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟".
فلفظة (بِشِمَالِهِ) من طريق عمر بن حمزة و هو ضعيف فهي
لفظةٌ منكرةٌ، و قد حكم بنكارتها بعض العلماء. وكان الشيخ
مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ يذكر أنها غير ثابتة.
4-إثبات صفة القول لله عز وجل (ثُمَّ يَقُولُ).
5- الرد على من قال: لا يقال (الله يقول) وإنما يقال (قال الله)، و
من الأدلة أيضًا قول ربنا عز وجل: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي
السَّبِيلَ}[الأحزاب:4]. وهذا عليه جمهور العلماء أنه يجوز
ولاكراهة فيه.
والذي خالف مطرِّف بن عبدالله بن الشخِّير كما أخرج أبونعيمٍ في
الحلية ترجمة مطرِّف من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ وهو ابنُ مهدي ،
عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ،
قَالَ: " لَا تَقُلْ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ وَلَكِنْ قُلْ: قَالَ اللهُ الأثر .
و قد ذكر هذا النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في التبيان في آداب
حملة القرآن .
6-إثبات اسم لله عز و جل و هو (الملِك) .
ويتضمن هذا الاسم إثبات الملك لله سبحانه و تعالى.
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في بدائع الفوائد في معنى الملك:
أما الملك فهو الآمر الناهي، المعز المذل، الذي يُصَرِّفُ
أمورعباده كما يحب، ويقلبهم كما يشاء.
و هذا الاسم مشترك في التسمية به بين الله عز وجل وبين خلقه،
قال سبحانه: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى ...}[يوسف:43] سماه ملك .
العزيز قال سبحانه: {.... قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ}[يوسف:51].
المؤمن، ويسمى العبد المؤمن مؤمنًا ومن أدلة ذلك عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ، إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ
احْتَسَبَهُ، إِلَّا الجَنَّةُ" رواه البخاري (6424).
البصير قال سبحانه: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}[فاطر:19]
هذا للمخلوق.
ومن أسماء الله عز و جل البصير، قال تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ}[الشورى:11].
الحي من أسماء الله {الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[البقرة:255]، و من أسماء
المخلوق {... وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}[يونس:31] .
الكريم من أسماء الله وهو أيضاً يطلق على الكريم من المخلوقين
أخرج البُخاري (3390)عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الكَرِيمُ، ابْنُ الكَرِيمِ،
ابْنِ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ» .
و ما أشبه ذلك والله أعلم .
7-في هذا الحديث إثبات عظمة الله عز و جل وقوته و قدرته،
يقبض الأرض بيده ويطوي السماء بيده مع سعة الأرض
و السماء و عظمهما. فسبحان الله ما أعظم قدرته!
8- أن مآلَ هذه الدنيا و من عليها إلى الزوال و الفناء. فالأرض
تَفنى، و كذلك السماء تَفنى. {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم:48] .
و قد جاء حديث يبين أين يكون الناس إذا بُدِّلت الأرض. فقد
روى مسلم في صحيحه (315)عن ثوبان رضي الله عنه
الحديث و فيه أن يهوديًا سأل النبي ـ صلى الله عليه و على آله و
سلم ـ ": أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ فِي
الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ» ...." الحديث. الجسر: الصراط.
و هذه مسألة غيبية نؤمن بها. وقد ذكر لنا الوالدُ الشيخ مقبل ـ
رحمه الله تعالى ـ أن شيخًا سُئل أين يكون الناس إذا غُيرت
الأرض، قال فأنكر الشيخ و قال: سبحان الله هذه أمور غيبية!
قال الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى: و الحديث في صحيح مسلم أن
الناس يكونون في ظلمة دون الجسر.اهـ
و سبحان ربنا ، لاعلم لنا إلا ماعلَّمنا . فالإنسان يلزمه التواضع
إذا علِم شيئاً جهِلَهُ غيره ،ويحمد الله عز و جل إذ علَّمه ما جهل غيره .
9ـ و في الحديث التزهيد في الدنيا؛ لأنه إذا كان هذا حال الدنيا،
و حال أهلها - الفناء و الزوال - فإن هذا ينفِّر القلوب من محبتها
ويبعث الرغبة في الآخرة. دار الدنيا دار فناء، وكل من عليها
يفنى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[الرحمن:27،26] .
و لهذا ربنا عز و جل في أدلة كثيرة يُرغِّبُ في الآخرة؛ لأن
الآخرة هي دار الحياة الحقيقية كما قال سبحانه: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ}[العنكبوت:64]. لَهِيَ الْحَيَوَانُ: أي الحياة الحقيقية.
و أمر سبحانه بالصبر على مجالسة أهل الآخرة، ولزوم صحبتهم
فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا
تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}
[الكهف:28] .
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
[التوبة:119]. و الصدق: عام في الأقوال و الأفعال و العقائد.
نسأل الله العافية من فتنة المحيا والممات .
(أَنَا المَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ) (أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)
كما في بعض الروايات الأخرى. أي أين ذهب ملوك الأرض، و أين ذهب الجبارون، وأين ذهب المتكبرون؟
- أما قوله تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ}[الناس: 2] .
الله عز و جل مالك الكون كله، و لكن خَصَّ الناس لسبب. قال
ابن جرير ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسير هذه الآية، قال: (هو ملك
جميع الخلق إنسهم و جنهم و غير ذلك - ثم ذكر وجه تخصيص
ذلك بـ (ملك الناس)- و قال: إعلامًا منه بذلك من كان يعظِّم الناسَ تعظيم المؤمنين ربهم، أنه ملك من يعظِّمهم، و أن ذلك في
مُلكه و سلطانه تجري عليه قدرته. و أنه أولى بالتعظيم، و أحق
بالتعظيم له ممن يعظمه و يتعبد له من غيره من الناس).
أي (إعلامًا منه )إيذانًا بأنه يجب أن تنصرف القلوب إلى تعظيم
الله وحده، و تحقيق توحيده، و إفراده بالعبادة سبحانه فالناس كلهم
ملك لله.
الشاهد من الباب إثبات اسم الملك لله عز وجل .
فالملك اسم ثابت لله عز وجل بالكتاب والسنة
ومن أسمائه (مليك) كما قال سبحان {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ
مُقْتَدِرٍ}[القمر:55] .
و(مالك) كما قال سبحانه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4].
واللهُ أعلم .
أم سمية الأثرية
2016-01-24, 19:34
الدَّرْسُ الثَّامِنُ من / كتاب التوحيد من صحيح البخاري 19 من شهر ربيع الأول 1437
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيم﴾ [إبراهيم: 4]، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات: 180]، ﴿وَلِلَّهِ
العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ﴾ [المنافقون: 8]، وَمَنْ حَلَفَ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ .
وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَقُولُ جَهَنَّمُ: قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ " وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ
النَّارِ، لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا " قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ " وَقَالَ أَيُّوبُ: «وَعِزَّتِكَ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ» .
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
هذه ثلاثُ آيات وجملةٌ من الأحاديث في إثباتِ صفة العزة لله عز وجل .
وإثباتِ ثلاثة أسماء لله عز وجل ،العزيز ،الحكيم ، الرب .
(العَزِيزُ)
العزيز يدلُّ على إثباتِ صفة العزة لله عزوجل .
العزة على ثلاثة معانٍ :
عزة بمعنى امتناع ، وعزة بمعنى القهْر والغلبة، وعزة بمعنى القوة.
وفي ذلك يقول ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في نونيته:
وهو العــزيز فلن يُرامَ جنـــابُه **** أَنَّى يرامُ جنابُ ذي السُّلطَان
وهو العــزيزُ القـاهـرُ الغــلَّاب **** لم يغلِبــْـه شيءٌ هذه صِفتـان
وهو العزيزُ بقوَّةٍ هي وصفُــه **** فالعزُّ حينئذٍ ثلاثُ معـــــــان
وهي التي كمُلت له سبحــــانه **** من كل وجهٍ عادمِ النُّقْصــان
فهذه معاني العزة:
* عزةُ الامتناع: أن الله عز وجل يمتنع من أن يصيبه سوء كما في الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ ـ رضي الله عنه ـ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وفيه أَنَّهُ قَالَ: «... يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي..» رواه مسلم (2577).
* وعزة بمعنى القهر والغلبة:ومنه قوله تعالى { وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} .ومن أسماء اللهِ
الغالب ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ [يوسف:21]. والقاهر ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام:18] .
* وعزة بمعنى القوة: ومنه قوله تعالى { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي شددنا وقوَّيْنا . ومن أسماء الله القوي ﴿وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ [الشورى:19] .
(الحَكِيمُ)
يتضمن صفة الحكمة لله عز وجل .
أي أنَّ اللهَ حكيم في أمره ونهيه وشرعه وقدره .
والحكمة في اللغة: وضعُ الشَّيء في موضعه.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}
(سُبْحَانَ): تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به من النقائص.
(رَبِّكَ): إثبات اسم الرب لله عز وجل .
قال الجوهري في الصحاح : الربُّ: اسم من أسماء الله عَزَّ وجَلَّ، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة .
وقال البغوي في تفسير الفاتحة : وَلَا يُقَالُ لِلْمَخْلُوقِ هُوَ الرَّبُّ مُعَرَّفًا إِنَّمَا يُقَالُ رَبُّ كَذَا مُضَافًا،
لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلتَّعْمِيمِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْكُلَّ .
ومعنى اسمِ الرَّب قال ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد(4/ 132): الرب هو السيِّد والمالِك
والمُنعِم والمُرَبِّي والمُصْلِح والله تعالى هو الرَّبُّ بهذه الاعتباراتِ كُلِّها .اهـ
الرب بمعنى المالك من أدلته : {ربِّ العَالَمِيْن} قال القرطبي في تفسيره : أَيْ مَالِكُهُمْ، وَكُلِّ مَنْ
مَلَكَ شَيْئًا فَهُوَ رَبُّهُ .
والرب بمعنى السيد من أدلته { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } .
والمُصْلِح : قال القرطبي في تفسير سورة الفاتحة ومِنْهُ سُمِّيَ الرَّبَّانِيُّونَ لِقِيَامِهِمْ بِالْكُتُبِ. وَفِي الْحَدِيثِ: (هَلْ لَكَ مِنْ
نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا عَلَيْهِ) .
أَيْ تَقُومُ بِهَا وَتُصْلِحُهَا .
تربية الله لعبادِهِ نوعان
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآيةِ الأولى من سورة الفاتِحَة
وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامَّةٌ وخاصَّة .
فالعامَّة: هي خلقُه للمخلوقين، ورزقُهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم، التي فيها بقاؤهم في الدنيا .
والخاصَّة: تربيته لأوليائه، فيُربِّيهم بالإيمان، ويوفِّقهم له، ويكمِّلُه لهم، ويدفعُ عنهم الصوارفَ، والعوائقَ الحائلة بينهم وبينه .
وحقيقتها: تربيةُ التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر.
ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.اهـ
والتربية الخاصة على العقيدة الصحيحة والعلم والهُدى والأخلاق الطيبة والقلوب الطاهرة هي التي مدارُ السعادة عليها
في الدُّنيا وفي الأُخرى .
(رَبِّ العِزَّةِ): أي صاحب العزة، وليس المراد مالك العزة؛ لأن العزة هنا صفة لله وصفاتُ الله غير مخلوقة .
ومنه حديث (حتى يضع فيها ربُّ العزة قدمه ) .
وقوله ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ﴾ [المنافقون:8] . أثبت العزة له ولرسوله وبعدها ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
والاشتراك في الصفة لا يدل على التساوي .
والله عزوجل لكماله لا عزيز إلا بعزته سبحانه .
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَقُولُ جَهَنَّمُ: قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ " .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا ".
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ " .
وَقَالَ أَيُّوبُ: «وَعِزَّتِكَ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ»
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
هذه أربعة أحاديث معلقة .
الحديث المعلَّق: وهو أن يحذف المؤلف شيخَه فأكثر .
وحديث أنس ـ رضي الله عنه ـ سيأتي في هذا الباب موصولًا.
وحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ متفق عليه، وسيأتي مطولًا -إن شاء الله- في كتاب التوحيد.
وقصة أيوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ في صحيح البخاري عن أبي هريرة، و قد مضى عند المؤلف في أبواب
الغسل، وبوب عليه( بَابُ مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الخَلْوَةِ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ، وَقَالَ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ») .
التستر أفضل لأن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ». أما
الجواز فيجوز. اغتسل أيوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ عريانًا، كذلك موسى – عليه
الصلاة والسلام - خلع ثوبه واغتسل عريانًا ،والتستر أفضل للمنفرد، (الله أحق أن يستحيا منه).
قصة نبي الله أيوب - عليه الصلاة والسلام - هذا من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ
أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى يَا رَبِّ وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ" رواه البخاري (3211). رجل جراد: أي
جماعة. والمقصود نزل عليه قطعة ذهب .
(فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ) .
سمَّى أيوبُ نبيُّ الله المالَ الذي أُنزل عليه بركة، فالمال قد يطلق عليه بركة. وقد يطلق عليه خير كما في قوله
تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات:8]. و قد يطلق عليه رحمة في أحد الأقوال قال تعالى :﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا
لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [12:56].
فالمال قد يكون فيه خيرٌ ونعمة، و قد يكون فتنةً إذا تعلَّق القلبُ به ، وشُغِل به ، أو تباهَى به ،أو صرفَه في
الحرام ، والافتتان بالدُّنيا يُعَدُّ من أمراض القلوب. وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ "إِنَّ لكُلِّ
أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتِي الْمَالُ" أخرجه الترمذي وأحمد (17471) من حديث كعب بن عياض .
فالدنيا فتنة ، والمعصومُ من عَصَمَ اللهُ .
و قوله في حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ (قَطْ قَطْ) أي حسبي حسبي، و يقال: (قطي درهم) أي
حسبي .
وقد ذكر ابنُ هشام رحمه الله في مغني اللبيب 232 ثلاثةَ معانٍ لكلمة قط وقال :
قطّ على ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا : أَن تكون ظرفَ زمَان لاستغراق مَا مضى .
وَهَذِه بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الطَّاء مَضْمُومَة فِي أفْصح اللُّغَات وتختص بِالنَّفْيِ يُقَال مَا فعلته قطّ .
والعامة يَقُولُونَ لَا أَفعلهُ قطّ وَهُوَ لحن واشتقاقه من قططته أَي قطعته فَمَعْنَى مَا فعلته قطّ مَا
فعلته فِيمَا انْقَطع من عمري لِأَن الْمَاضِي مُنْقَطع عَن الْحَال والاستقبال .
وَالثَّانِي: أَن تكون بِمَعْنى حسب وَهَذِه مَفْتُوحَة الْقَاف سَاكِنة الطَّاء يُقَال قطي وقطك وقط زيد
دِرْهَم كَمَا يُقَال حسبي وحسبك وَحسب زيد دِرْهَم إِلَّا أَنَّهَا مَبْنِيَّة لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة على حرفين
وَحسب معربة .
وَالثَّالِث: أَن تكون اسْم فعل بِمَعْنى يَكْفِي فَيُقَال قطني بنُون الْوِقَايَة كَمَا يُقَال يَكْفِينِي .اهـ المراد
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
7383- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الَّذِي لاَ يَمُوتُ، وَالجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ»
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
(حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) عبد الله بن عمرو. قال الحافظ ـ رحمه الله تعالى ـ (هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْمِنْقَرِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْقَافِ).
وهناك أبو معمر أرفع منه تابعي، يروي عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه- وهو عبد الله بن سخبرة.
فهما متفقان في الاسم مفترقان في اسم الأب.
(حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) وهو ابن سعيد.
(حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ) حسين بن ذكوان المعلم (المُكْتِب) وهو الذي يحسن الكتابة، ويعلِّم الصبيان الكتابة والأدب. كما في الأنساب للسمعاني.
(حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ) ابن الحصيب، له أخ اسمه سليمان و كلاهما ثقة. وهما توأمان.
(عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ) يقول الحافظ: (" يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ " بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا وَيَجُوزُ ضَمُّ مِيمِهِ.) هذه فائدة يَعْمُرَ ويَعْمَرَ.
(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) وهو عبد الله بن عباس أبو العباس - رضي الله عنهما. ولد في أيام الحِصار في شعب أبي طالب قبلَ الهجرة بثلاث سنين . وهو صحابي صغير. توفي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهو ابن ثلاثة عشر عامًا .
يُرَاجَعُ فتحُ الباري (5035) للحافظ ابن حجر .
ولكنه كان حريصًا على العلم وكان ذكيًا فطنًا. ودعا له النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
فنال بركة دعوته. دعا له فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ».
و قد كان عمرُ بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يدنيه مع أشياخ بدر لعلمه وذكائه وهذا في صحيح البخاري
(4294) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا
الفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ» قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ
دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ
أَفْوَاجًا حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ
نَدْرِي، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ: فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. قَالَ عُمَرُ: «مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ» .
أحاديث ابن عباس فوق الألف والصحابةُ الذين رووا فوقَ الألفِ من الأحاديث سبعةٌ .
قال الشاعِر
سبعٌ من الصَّحْبِ فوقَ الألفِ قد نقلُوا من الحديث عنِ المُخْتار خيرِ مُضر
أبوهُريرةَ سعدٌ جابرٌ أنسُ صدِّيْقَةٌ وابنُ عبَّاسِ كذا ابنُ عُمر
ونظمها السُّيوطي رحمه الله بنظمٍ آخر في منظومة ألفيَّةِ الحديث 108 فقال :
وَالْمُكْثِرُونَ فِي رِوَايَةِ الأَثَرْ: ... أَبُو هُرَيْرَةَ يَلِيهِ ابْنُ عُمَرْ
وَأَنَسٌ وَالْبَحْرُ كَالْخُدْرِيِّ ... وَجَابِرٌ وَزَوْجَةُ النَّبِيِّ
- في حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في الباب من الفوائد
إثبات صفة العزة لله عز وجل .
الاستعاذة بعزَّة الله .
قال ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد(2/ 185) ...المستعيذ بعزته في قوله (أعوذ بعزتك
)مستعيذ بعزته التي هي صفته لا بعزته التي خلقها يعز بها عباده المؤمنين .اهـ
نفي صفة الموت عن الله عز وجل، وهذه من الصفات السلبية قال سبحانه: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ
الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان:58]. و حياة الله عز وجل لم يسبقها عدم ولا يلحقها فناء.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
7384- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَزَالُ يُلْقَى فِي النَّارِ» .
ح وقَالَ لِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ مُعْتَمِرٍ سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لاَ يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ
فِيهَا رَبُّ العَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ، قَدْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلاَ تَزَالُ الجَنَّةُ تَفْضُلُ،
حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ "
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
(حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ) وهو عبد الله بن محمد .
وقد تقدم الكلامُ على مشايخ الإمامِ البُخاري الأربعة الذينَ يُسمون ب عبدالله بن محمد تحت
الباب الأوَّل في كتاب التوحيد .
(حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) ابن الحجاج، أمير المؤمنين في الحديث.
وقد تقدمت ترجمة مُخْتَصَرة لشعبة رحمه الله تحت الباب الأول الحديث الثاني .
ومن الآثار عنه ما رواه ابنُ عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله (1/رقم493)من طريق يحيى
بن سعيد القطان: سمعت شعبة يقول: كل من سمعتُ منه حديثًا فأنا له عبدٌ . والأثر صحيح .
والمقصود بهذا الاحترام لا استعباد الصوفية في التبرك بالأولياء، ولا في اتباع ما أخطأ فيه الشيخ .
الأخذ بالصواب الذي يدعمه الدليل هو الواجب علينا .
ولا يجوز لنا أن نقلد في دين الله عز وجل .
ولا يتنافى الأخذُ بالدليل مع احترام العلماء ، فلا يتبادرُ إلى الذهن هذا ، وينبغي أن يُنَبَّه عليه،
فبعضُ المُبتدِئيْنَ قد يظنُّ أنه من احترامِ العالِم الأخذُ بجميع أقواله وهو ليس بمعصوم .
وقد كانَ والِدي رحمه الله يغرِس هذا في القلوب ومن أقواله رحمه الله : العالِمُ بَشَرٌ يُصيبُ
ويُخطيءُ ، ويجهلُ ويَعْلَمُ .
(عَنْ قَتَادَةَ) هو ابن دعامة بن قتادة أبو الخطَّاب السدوسي، وُلِد أكمه - أي أعمى. وقد كان
حافظًا للقرآن، وعالمًا بالأنساب. والبركة من الله عز وجل.
الله عز وجل إذا أخذ نعمة عوَّض بغيرها ، يعوض بالثبات، بالذكاء، بالعلم النافع، بالعافية ،
بالتوفيق ، إلى غير ذلك.
قتادة بن دعامة كان يرى القدر فجماعة من تلاميذه منهم هشام بن أبي عبد الله الدَّستوائي
يقولون: كان قتادة يرى أن الله عز وجل لم يخلق المعاصي.
ولكن قتادة ـ رحمه الله تعالى ـ عالم كبير وأخطأ في اجتهاده؛ لأنهم يرون هذا من تنزيه الله
عز وجل، فنأخذ الصواب عنه ونرد خطأه.
وقد ذكر هذا المعنى الإمام الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ في سير أعلام النبلاء.
وهذا نصُّه : قال الذهبي رحمه الله في ترجمة قتادة من سير أعلامِ النُّبَلاء :وَهُوَ حُجّةٌ بِالإِجْمَاعِ
إِذَا بَيَّنَ السَّمَاعَ، فَإِنَّهُ مُدَلِّسٌ مَعْرُوْفٌ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَرَى القَدَرَ - نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ -.وَمعَ هَذَا، فَمَا
تَوقَّفَ أَحَدٌ فِي صِدقِه، وَعَدَالَتِه، وَحِفظِه، وَلَعَلَّ اللهَ يَعْذُرُ أَمْثَالَه مِمَّنْ تَلبَّسَ بِبدعَةٍ يُرِيْدُ بِهَا تَعْظِيْمَ
البَارِي وَتَنزِيهَه، وَبَذَلَ وِسْعَهُ، وَاللهُ حَكَمٌ عَدلٌ لَطِيْفٌ بِعِبَادِه، وَلاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ.
ثُمَّ إِنَّ الكَبِيْرَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ إِذَا كَثُرَ صَوَابُه، وَعُلِمَ تَحَرِّيهِ لِلْحقِّ، وَاتَّسَعَ عِلْمُه، وَظَهَرَ ذَكَاؤُهُ،
وَعُرِفَ صَلاَحُه وَوَرَعُه وَاتِّبَاعُه، يُغْفَرُ لَهُ زلَلُهُ، وَلاَ نُضِلِّلْهُ وَنَطرْحُهُ وَنَنسَى مَحَاسِنَه.
نَعَم، وَلاَ نَقتَدِي بِهِ فِي بِدعَتِه وَخَطَئِه، وَنَرجُو لَهُ التَّوبَةَ مِنْ ذَلِكَ. اهـ
ومن هؤلاء الأئمة الذين زلَّتْ أقدامُهم الإمام النووي، والحافظ ابن حجر ـ رحمهما الله تعالى.
وقد قال العُلماءُ: هؤلاء نقبل منهم ولا نبدِّعهم؛ لأنهم أصحاب دِيْن زلَّت أقدامهم في بعض
المسائل ولا يُتَّبَعُونَ على خَطَئِهِم .
والأعداء من الحزبيين يقولون لماذا تبدِّعون سيد قطب، ولا تبدِّعون ابن حجر والنووي ؟..
وهذا خطأ فسيد قطب رجل ليس عنده منهج ولا بصيرة بالدين ،وعنده أُمورٌ عِظامُ في أمور العقيدة .
بخلاف ابن حجر، والنووي، ومن كان على شاكِلتهما، فهم من أئمة الدين وخدموا الدين خِدْمة
عظيمة واجتهدُوا وأخطأوا فلهم أجرٌ واحِدٌ على اجتهادهم .
فلهذا العلماء مثل الشيخ الألباني، والشيخ الوادعي، والشيخ ابن عثيمين ـ رحمهم الله تعالى ـ لهم
مقالات في الدفاع عن هذين الإمامين ابن حجر والنووي ـ رحمهما الله تعالى .
قتادة بنُ دعامةَ ـ رحمه الله تعالى ـ وُصِفَ بحاطبِ ليل أخرج الفسوِي رحمه اللهُ في المعرفة والتاريخ
(2/277) من طريق مغيرة، قال: قيل للشعبي: رأيتَ قتادةَ؟ قال: نعم، رأيته حاطبَ ليل .
وأخرجه البغوي في «زوائد الجعديات» (1011) من هذه الطريق ومن طريق سفيان عن
الشعبي به.
وهذا أثر صحيح.
قال أبوعمر-وهو ابن عبدالبر- في جامعه : العرب تضربُ المثلَ بحاطب الليل للذي يجمع كل
ما يسمع من غث وسمين، وصحيح وسقيم، وباطل وحق؛ لأن المحتطب بالليل ربما ضم أفعى
فنهشته وهو يحسبها من الحَطَب . اهـ
و أخرَجَ ابن أبي حاتم رحمه الله في «آداب ومناقب الشافعي» (صـ99):
في كتابي عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي وذكر من يحمل العلم جُزافًا، فقال: هذا
مثل حاطب ليل يقطع حزمة الحطب فيحملها ولعل فيها أفعى تلدغه، وهو لا يدري.
قال الربيع -يعني: الذين لا يسألون عن الحجة من أين هي؟
قلت – أي ابن أبي حاتم -: يعني: من يكتب العلمَ على غير فهم، ويكتب عن الكذَّاب، وعن الصدوق، وعن
المبتدع، وغيره، فيحمل عن الكذَّاب، والمبتدع الأباطيل، فيصير ذلك نقصًا لإيمانه، وهو لا يدري .
وجاء عند البيهقي في المدخل (263)عن الشافعي بلفظ : مثل الذي يطلب العلمَ بلا حجة كمثل حاطبِ ليل
يحمل حزمةَ حطب، وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري .
وقوله (يأخذ العلم جُزافًا) فُسِّرَ هُنا بعدة أُمور وأيضاً يشمل مَن يتحمل مِن العلم فوق طاقته،
وبدون فهم ، فإنَّ أَخذَ دُفْعَةٍ كبيرة من العلم فوق ما يتحمَّلُ يُثْمِر عدم الفهم وقد يُسبب المَللَ والانقطاع .
وهذا من سوء الأدب في الطلب .
وعندنا مذاكرات سابقة في التدرج في أخذ العلم، ومنها هذا الأثر.
وأخرج ابنُ أبي خيثمة في تاريخه (1/946)من طريق سفيان بن عيينة، قال: قال عبدالكريم الجزري: يا أبا
محمد تدري ما حاطب ليل؟ قلت: لا، إلا أن تخبرني. قال: هو الرجل يخرج في الليل فيحتطب فتقع يده على
أفعى فتقتله، هذا مثل ضربته لك لطالب العلم، وإن طالب العلم إذا حمل من العلم ما لا يطيقه قتله علمه، كما
قتلت الأفعى حاطب الليل .
والأثر صحيح .
استفدْنَا أنَّ الذي ما يتحرى، يأخذُ الصحيحَ وغيرَه، ويأخذ القَصص يقال له حاطب ليل ، أو يُقلِّد
في دينه ،يأْخُذُ القولَ بدون دليل ، أو ينشررسائلَ ليس لها أزمَّة ولا أُصُول ، أو يأخذُ عن أهل
البِدَعِ ، أو يُسيءُ في الطلب يأخذُ بدون فهمٍ ، أو فوق طاقتِه ، يُعَدُّ حاطب ليل .
على هذا ما أكثرَ حُطَّاب الليل ، وخاصة في عصورنا .
وللشيخ الوالد مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ خطبة في حُطَّاب ليل .
وقوله (ولعله يكون فيها أفعَى تلدَغُه) معناه أن الذي يوصف بحاطب ليل سلك طريقاً مُضِرَّة ، قد
لا يسلَم منها .
(عَنْ أَنَسٍ) وهو ابن مالك أبو حمزة خادم رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ جاءت به أمه، أم سليم
إلى النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَادِمُكَ أَنَسٌ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ
مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ» رواه البخاري (6344).
وفي رواية خارج الصحيح، "وأطل عمره"، واستفدت من الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ أنه فيها كلام .
وهذا من حرص الأم الصالحة على تربية أولادها، وحرصها على مجالسة أولادها العلماء.
وكما قيل:
يا بني اقترب من الفقهاء وتعلم تكن من العلماء
والدة حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ تُعاتب ولدها حُذيفة لبعد طُول المُدَّة من ذهابه إلى الرسولِ صلى اللهُ
عليه وعلى آله وسلَّم .
روى الإمامُ أحمد في مسنده (23329)، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَأَلَتْنِي أُمِّي: مُنْذُ مَتَى عَهْدُكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَنَالَتْ مِنِّي وَسَبَّتْنِي، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: دَعِينِي، فَإِنِّي آتِي النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُصَلِّي مَعَهُ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ لَا أَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَغْفِرَ لِي وَلَكِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعِشَاءِ، ثُمَّ انْفَتَلَ فَتَبِعْتُهُ، فَعَرَضَ لَهُ عَارِضٌ
فَنَاجَاهُ، ثُمَّ ذَهَبَ فَاتَّبَعْتُهُ فَسَمِعَ صَوْتِي فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» ، فَقُلْتُ: حُذَيْفَةُ، قَالَ: «مَا لَكَ؟» ، فَحَدَّثْتُهُ بِالْأَمْرِ،
فَقَالَ: «غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلِأُمِّكَ» ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا رَأَيْتَ الْعَارِضَ الَّذِي عَرَضَ لِي قُبَيْلُ؟» ، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:
«فَهُوَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَهْبِطِ الْأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ، وَيُبَشِّرَنِي أَنَّ الْحَسَنَ،
وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .
أم حذيفة - رضي الله عنها - في هذا الحديث تعاتب ولدَها في تأَخُّر ذهابه إلى النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهذا من أهم صفات المرأة الصالحة، حرصها على تربية أبنائها وحثِّها لهم على مُجالَسة العلماء الناصحين .
(ح) تحويل السند إلى سند آخر.
(وقَالَ لِي خَلِيفَةُ) وهو الملقب بـ شباب، خليفة بن خياط.
(حَدَّثَنَا سَعِيدٌ) سعيد بن أبي عَروبة. وأثبت الناس في قتادة ثلاثة: سعيد بن أبي عروبة، وشعبة، وهشام بن أبي عبد الله الدَّستوائي.
سعيد بن أبي عروبة في طبقته سعيد آخر، وهو سعيد بن بشير، ضعيف. وكلاهما يروي عن قتادة.
(وَعَنْ مُعْتَمِرٍ) معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي .
(سَمِعْتُ أَبِي ) وهو سليمان بن طرخان التيمي، القائل: "من تتبع رُخص العلماء اجتمع فيه الشر كله". وهذا أثر ثابت، أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، وقال عقبه: وهو إجماع.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لاَ يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ العَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ، قَدْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلاَ تَزَالُ الجَنَّةُ تَفْضُلُ، حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ"
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
(وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) نؤمن به على ظاهره، وأن الله عز وجل يخلق في النار إدراكًا تتكلم بهذا. والله على كل شيء قدير، فالله عز وجل قادر أن يجعل الجماد والحيوان أن يتكلم.
وقد ثبت في صحيح مسلم (2277) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ».
وتقدم معنا في الدروس الماضية في السيرة شكوى الجمل إلى النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ـ شكا صاحبه أنه يجيعه ويدئبه.
وجهنم هنا تقول هل من مزيد؛ لأن الله عز وجل وعدها بملئها كما في البخاري (4569) مسلم (2847) قال: «وَلِكِلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا» وعد الجنة، ووعد النار بذلك.
( حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ العَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ) أي ينضم .
وهذا فيه إثبات صفة القدم لله عز وجل .
وجاء في بعض الروايات بلفظ الرِّجْل. نؤمن بهذا على ظاهره، من غير تشبيه، ولا تمثيل.
أما أهل التحريف فمنهم من قال: لفظة قدمه غير ثابتة، والحديث في الصحيحين .
ومنهم من قال: الذين يقدِّمهم الله عز وجل إلى النار، ويُردُّ عليهم بسياق الحديث فإن فيه: (حتى يضع فيها رب العالمين ). فالحديث يدل على أن الله عز وجل يضع قدمه في النار .
(ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ، قَدْ) مثل ما تقدم حسبي حسبي.
(بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ) فيه إثبات صفة الكرم لله عز وجل ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾
[الرحمن:78]. ومن أسماء الله -عز و جل- الأكرم ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ [العلق:3].
(وَلاَ تَزَالُ الجَنَّةُ تَفْضُلُ) أي يبقى فيها مكانٌ فارغ .
(حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ) أي يخلق الله لها خلقًا. وقد جاء في رواية في صحيح البخاري (أن التي ينشئ الله لها نشأً هي النار) وسيأتي ذلك فيما بعدُ إن شاء اللهُ في كتاب التوحيد .
وهذه الرواية وَهَم كما حكم بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى. فالتي ينشئ الله لها نشأً هي الجنة .
استفدنا إثبات صفة العزة لله عز و جل.
وقد ذكر الإمامُ البُخاري جملة من الأدلة في الباب .
ويقول إبليس: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص:82]، اعترف بعزة الله عز وجل.
وفي صحيح مسلم (2202) عن عثمان بن أبي العاص أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا
يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ
بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» .
وعند أبي داود والترمذي زيادة (أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ ) وهذا هو محل الشاهد .
وفي سنن أبي داود (4744) حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ "... أن جبريل رأي الجنة فَقَالَ: أَيْ رَبِّ
وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا ثُمَّ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ ثُمَّ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ
جَاءَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ..."الحديث.
ولا يمكن لأحد أن يكون عزيزًا إلا إذا أعزه الله عز وجل ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ
الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران:26]، ﴿وَمَنْ يُهِنِ
اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج:18].
وفي حديث الحسن بن علي ـ رضي الله عنه ـ "... وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ..." سنن أبي داود (1425) .
من عاداه الله لا يمكن أن يكونَ عزيزاً ؛ لأن العزة بيد الله سبحانه وتعالى ما هي بيد المخلوقين. والعزة تطلب
بطاعة الله عز وجل، وبالاستقامة كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر:10].
وقولُ الإمامِ البخاري في أثناء التبويب ( ومن حلف بِعِزَّةِ اللهِ وَصِفاتِه) .
الأدلة التي عندنا في الباب فيها الحلف بعزة الله عز و جل ، ويلحق بهذه سائر الصفات.
وقد بوب لهذه المسألة الإمام البخاري في (كتاب الأيمان والنذور)، (باب الحلف بأسماء الله
وصفاته)
وأما قول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ)
البخاري (2533) فالمرادُ يحلف بأسماء الله وصفاته .
وبهذا ننتهي والحمد لله .
أم سمية الأثرية
2016-01-25, 14:38
الدَّرْسُ التَّاسِعُ من /كتابُ التوحيدِ من صحيحِ البُخَارِي 27 من ربيع الأول 1437
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ﴾
7385 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، قَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ لِي غَيْرُكَ» .
حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا وَقَالَ أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ.
******************************
(قَبِيصَةُ)
وهو ابن عقبة، يخطيء في حديث الثوري رحمه الله .
قال حنبل بن إسحاق للإمام أحمد فما قصةُ قبيصة في سفيان؟ فَقَالَ أَبُو عبد اللَّه: كَانَ كثير
الغلط. قلت له: فغير هذا؟ قال: كان صغيرا لا يضبط .
وقال يحيى بْن مَعِين: قبيصة ثقة في كل شيء إلا في حديث سفيان ليس بذاك القوي، فإنه سمع منه وهو صغير .
وَقَال صالح بْن مُحَمَّد الْحَافِظ –وهو جَزَرَة-: كان رجلا صالحا إلا أنهم
تكلموا في سماعه من سفيان.
يراجعُ : تهذيب الكمال .
وهل معنى هذا أنه يكون ضعيفًا في سفيان؟ .
استفدت من والدي الشيخ مقبل الوادعي - رحمه الله- أنه لا يضعَّف حديثه إذا روى عن الثوري،
ولكن هناك أخطاء له في روايته عن الثوري .
(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ)
وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله إمام ووالده ثقة.
سفيان بن سعيد الثوري إمام عابد .
وهكذا نجد سيرة علمائنا وسلفنا الصالح يهتمون بالعلم وبالعبادة. فلا يتنافى طلبُ العلم مع
العبادة. والعبادة فيها عون عظيم على طلب العلم، والتزود من العلم النافع .
سيرة سلفنا الصالح الجمع بين الأمرين ،العلم والعبادة .
فلا يترك طالب العلم قيام الليل والوتر لانشغاله بالعلم، أو يترك الرواتب، أو صلاة الضحى، أو
الذكر ، أوغير ذلك. فإن العبادة من أسباب ثباته وإعانته في حياته وفي طلبه للعلم .
والقراءة في سيرة السلف من الأسباب التي تبعث الهمة. فسيرتهم كلها عامرة بالعبادة والمجاهدة
والخوف من الله والرحلة في طلب العلم .
وقد كانَ من السَّلَفِ من يرْحَلُ لأجل حديثٍ واحدٍ ومنهم سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «إِنْ كُنْتَ لَأَسِيرُ ثَلَاثًا فِي
الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ» أخرجه الرامهرمزي وغيره.
وأحدُهُم لو قيلَ له : إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ عَلَى الْبَابِ مَا كَانَ عِنْدَهُ زِيَادَةٌ فِي الْعَمَلِ .
من أقوال سفيان الثوري الثابتة عنه
1- يَقُولُ سفيانُ الثوري : لَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ، لِمَنْ حَسُنَتْ فِيهِ نِيَّتُهُ .
أخرجه الرامَهُرُمزي في المحدث الفاصل .
هذا الفضل بشرطِ حُسْن النية أن يتعلمه لله عز وجل لا للفخر، ولا ليقال، ولا للدنيا، ولا للشُّهْرة
(لِمَنْ حَسُنَتْ فِيهِ نِيَّتُهُ ) .
2-«لَيْسَ طَلَبُ الْحَدِيثِ مِنْ عُدَدِ الْمَوْتِ، وَلَكِنَّهُ عِلَّةٌ يَتَشَاغَلُ بِهِ الرَّجُلُ» أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم
وفضله» (1007) بسند صحيح.
أي ليس طلب الحديث من الاستعداد ليوم الرحيل.
وقد تقدم في الأثر السابق ذكرُه أنه( ليس هناك أفضل من طلب العلم وطلب الحديث لمن
حسُنت فيه نيته ).
فهذا الأثر محمول على أنه قاله على حالة ضجر من سوء أدب بعض الطلاب.
وفي حق من يتشاغل بالعلم عن الواجبات كما قال شعبة: (إن هذا الحديث يصدكم عن
ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ).
وفي حقِّ من يتعلم تباهيًا وتفاخرًا . أخرج أبو نعيم في «الحلية» ترجمة عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: فتنة الحديث أشد من فتنة المال وفتنة الولد. وسنده صحيح.
وهذا كلامٌ للحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» ترجمة سفيان عقب هذا الأثر قال : قلت: صدق ‑والله‑ إن
طلب الحديث شيء غير الحديث,وطلب الحديث اسم عرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهية الحديث, وكثير
منها مَرَاق إلى العلم, وأكثرها أمور يشغف بها المحدث من تحصيل النسخ المليحة, وتطلب العالي, وتكثير
الشيوخ, والفرح بالألقاب والثناء, وتمنى العمر الطويل ليروي, وحب التفرد إلى أمور عديدة لازمة للأغراض
النفسانية لا الأعمال الربانية.
قال : فإذا كان الحديث النبوي محفوفاً بهذه الآفات فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص؟ .
وإذا كان علم الآثار مدخولاً فما ظنك بعلم المنطق والجدل, وحكمة الاوائل, وتورُّث الشكوك والحيرة التي لم
تكن واللهِ من علم الصحابة ولا التابعين, ولا من علم الأوزاعي, والثوري, ومالك, وأبي حنيفة, وابن أبي ذئب
وشعبة؟ اهـ المراد.
نسأل الله العافية.
قد يجرُّ طلبُ العلم -في حقِّ بعض الناس - إلى أمورٍ سيئة ، إلى المباهاة، والمفاخرة، ليقالَ إِنه
واسعُ العلم، وأنه عنده شيوخ كثير.... إلى غير ذلك.
وهذا من وساوس الشيطان وكيدِهِ فإنه حريصٌ على إبعاد الناس عن طلب العلم ، فإذا عجز عن المنع من طلبِ العلم سعى بما
يشغل عن الأَهَمِّ ، وبما يُفسِد الجُهدَ .
سمعتُ والدِي رحمه الله يقول : أعظَمُ ما يُغِيْظُ الشيطانَ طلبُ العِلْمِ .
سفيانُ الثوري طُلِبَ للقضاء فتحيَّل بما يُخلِّصه من المنصِبِ
3-أخرج ابنُ أبي حاتم رحمه الله في «مقدمة الجرح والتعديل» (106)من طريق الشافعي يقول: دخل سفيان الثوري على أمير المؤمنين فجعل يتجانُّ عليهم ويمسح البساط ويقول: ما أحسنه ما أحسنه بكم أخذتم هذا؟ ثم قال: البول البول حتى أُخرج .
سفيان طلبه الوالي ليوليه ، ليجعله أميرًا ، وكان سفيان يكره ذلك كما هو عادة السلف فلما
دُعِي جعل يُظهر لهم أنه أبْله من أجل أن يُتركَ سبيله ، ثم أُمِرَ به فأخرج .
هكذا كان السلف يفرُّون من الولاية ويكرهونها؛ لأنها حِمْلُ مسؤولية عظيمة .
أخرج الفسوي رحمه الله في «المعرفة والتاريخ » (1/679) عن أبي حازم وهو سلمة بن
دينار: كَانَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا مَضَى يَطْلُبُهُمُ السُّلْطَانُ وهم يفرون منهم، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ الْيَوْمَ طَلَبُوا
الْعِلْمَ حَتَّى إِذَا جَمَعُوهُ بِحَذَافِيرِهِ أَتَوْا بِهِ أَبْوَابَ السَّلَاطِينَ وَالسَّلَاطِينُ يَفِرُّونَ مِنْهُمْ وَهُمْ
يَطْلُبُونَهُمْ .
وإذا كان هذا في زمن أبي حازم، زمن التابعين ، زمن القرونِ المُفضَّلَةِ بعدَ الصحابة ، فكيف
بأزماننا المتأخرة، الناس في أشد الحرص على الإمارة، وعليها يتقاتلون، ومن أجلها يتناحرون
.والعياذ بالله.
وقال الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 123) وَسَمِعْتُ ابْنَ بُكَيْرٍ قَالَ يَقُولُ: قَالَ اللَّيْثُ قَالَ لِي
أَبُو جَعْفَرٍ: تَلِي لِي مِصْرَ؟ قُلْتُ: لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أَضْعُفُ عَنْ ذَلِكَ، إِنِّي رَجُلٌ مِنَ
الْمَوَالِي.
فَقَالَ: مَا بِكَ ضَعْفٌ مَعِي، وَلَكِنْ ضَعْفُ نِيَّتِكَ عَنِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ لِي» ، أَتُرِيدُ قوة أقوى مني
ومن عملي!! فاما إذ أَبَيْتَ فَدُلَّنِي عَلَى رَجُلٍ أُقَلِّدُهُ أَمْرَ مِصْرَ؟ قُلْتُ: عُثْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْجُذَامِيُّ،
رَجُلُ صَلَاحٍ وله عشيرة. قال: فبلغه ذلك، فعاهد اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَلا يُكَلِّمَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ .
ابنُ بُكير : يحيى بْن عَبد اللَّهِ بْن بُكَيْر كما في ترجمة ليث بن سعد من تهذيب الكمال .
وهو ثقة .فالأثر صحيح .
هذان عالمانِ جليلان ، الليث بن سعد عالِمُ مصر ومفتيها ،وعثمان بن الحكم الجُذامي كلاهما
يمتنعان ويفرَّان من الإمارة .
الحافظ أبو علي بن خيران رحمه الله طُلِبَ للولاية فأبى، فختموا على بابه تشديدًا عليه ليقبل
حتى قيل:
وطبَّقوا البابَ على أبي علي ***** عشرين يومًا لِيَلِى فما وَلِي
ومن أقوال الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: لو دعانا الرئيس وقال تفضلوا للرئاسة، لقلنا:
عياذًا بالله وما نراك ناصحًا .
الوِلاية لها ركنان: القوة والأمانة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع
الفتاوى(28/253) .
وقال رحمه الله ص 253 من هذا الجُزء : واجتماعُ القوة واﻷمانة في الناس قليل .اهـ
وقد روى مسلم (1826)عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي
أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ».
4-من أقوال سفيان الثوري الذي معنا في الترجمة في الحثِّ على التيسير ( إنما العِلمُ عندنا الرُّخَص عن
الثقة ،فأمَّا التَّشديدُ فكُلّ إنسانٍ يُحْسِنُه ) .
أخرجه أبونعيم رحمه الله في «حلية الأولياء » (6/320)
والآثار كلها ثابتة.
وكلُّها دُرر، وحِكَم، وفوائد.
(عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ)
عبد الملك بن عبد العزيز. إمام وكان يدلس، وهو من بحور العلم .
وجاء عن الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ الأَوْزَاعِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَابْنَ جُرَيْجٍ: لِمَنْ طَلبتُمُ العِلْمَ؟ كُلُّهُم يَقُوْلُ: لِنَفْسِي. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: طَلبْتُهُ لِلنَّاسِ.
علَّقَ الإمام الذهبي رحمه الله على الأثر في سير أَعلام النبلاء وقَالَ: مَا أَحْسَنَ الصِّدْقَ، وَاليَوْمَ
تَسْألُ الفَقِيْهَ الغَبِيَّ: لِمَنْ طَلبتَ العِلْمَ؟ فَيُبَادِرُ، وَيَقُوْلُ: طَلبتُهُ للهِ، وَيَكْذِبُ، إِنَّمَا طَلبَهُ لِلدُّنْيَا، وَيَا قِلَّةَ
مَا عَرَفَ مِنْهُ.
ونسأل الله عز وجل الإخلاص.
العلم يحتاج إلى إخلاص ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر:3].
وهذا أدبٌ وخُلُق عزيز، أن يكون العلم لله عز وجل لا لأجل دنيا فانية، ولا لأجل سمعة.
وكثير من الناس يتعلم للدنيا ، وليس لله يتعلم العلم ، لكن من أجل الوظيفة، ومن أجلِ دُنيا فانية ،
فمُحِقت بركةُ العلم في أزماننا لفقدِ حُسْنِ النية إلا ما رحم ربي .
(عَنْ سُلَيْمَانَ)
وهو ابن يسار أحد الذين اختبرهم الخليفة لما دخلوا عليه وسألهم فيمن نزل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي
تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. [النور:11]. فقد دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ
فَقَالَ لَهُ يَا سُلَيْمَانُ، ﴿الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ مَنْ هُوَ؟. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ. قَالَ:
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ. فَدخل الزُّهْرِيّ فَقَالَ يَا ابن شهَاب من الَّذِي تولَّى كبره قَالَ ابن أُبَيٍّ
قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ. فَقَالَ أَنَا أكذب لَا أبًا لك وَاللَّهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ الْكَذِبَ مَا
كَذَبْتُ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وَسَعِيدٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ.
وجاء عن الوليد بن عبد الملك أنه سأل الزهري عن ذلك.
يُراجع :سير أعلام النبلاء .
سليمان بنُ يسار جَبُنَ لأن أمامَه مَن لا يرحم قال له : كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ. قَالَ:
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ .
الإمام الزهري قوِيَ وردَّ وبيَّن ثباتَه على الصِّدق رحمهما الله جميعاً .
الإمامُ الزهري يتنزه غايةَ التنزُّه عن الكذب؛ لأن الكذب خصلة ذميمة.
فتنزَّهي يا طالبةَ العلم عنِ الكَذِبِ ، واصدُقي لِتُفْلِحِي .
سليمان بن يسار - رحمه الله - أحد الفقهاء السبعة، قال الشاعر:
إذَا قِيلَ مَنْ فِي الْعِلْمِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ **** رِوَايَتُهُمْ لَيْسَتْ عَنْ الْعِلْمِ خَارِجَهْ
فَقُلْ هُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عُـــــرْوَةُ قَاسِمٌ **** سَعِيدٌ أَبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ خَـــارِجَهْ
هؤلاءهم الفقهاء السبعة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
خارجة : بن زيد بن ثابت الأنصاري أبو زيد المدني ثقة فقيه .
(عَنْ طَاوُسٍ)
وهو ابن كيسان الأبْناوي ثم اليمني .
الأبْناوي أي من أبناء الفرس، كان فقيهًا عابدًا، وكان شديدًا على أهل البدع .
(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) ابن عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
عبد الله بن عباس أبو العباس - رضي الله عنهما. ولد في أيام الحِصار في شعب أبي طالب قبلَ الهجرة بثلاث سنين .
وهو صحابي صغير. توفي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهو ابن ثلاثة عشر عامًا .
يُرَاجَعُ فتحُ الباري (5035) للحافظ ابن حجر .
و كان حريصًا على العلم ذكيًا فطنًا .
ودعا له النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
فنال بركة دعوته. دعا له فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ».
و قد كان عمرُ بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يدنيه مع أشياخ بدر لعلمه وذكائه وهذا ثابتٌ في صحيح البخاري
(4294) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
أحاديث ابن عباس فوق الألف والصحابةُ الذين رووا فوقَ الألفِ من الأحاديث سبعةٌ .
قال الشاعِر
سبعٌ من الصَّحْبِ فوقَ الألفِ قد نقلُوا من الحديث عنِ المُخْتار خيرِ مُضر
أبوهُريرةَ سعدٌ جابرٌ أنسُ صدِّيْقَةٌ وابنُ عبَّاسِ كذا ابنُ عُمر
ونظمها السُّيوطي رحمه الله بنظمٍ آخر في منظومة ألفيَّةِ الحديث 108 فقال :
وَالْمُكْثِرُونَ فِي رِوَايَةِ الأَثَرْ: ... أَبُو هُرَيْرَةَ يَلِيهِ ابْنُ عُمَرْ
وَأَنَسٌ وَالْبَحْرُ كَالْخُدْرِيِّ ... وَجَابِرٌ وَزَوْجَةُ النَّبِيِّ
(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ)
لم يبيَّن في هذا الحديث الموضعَ الذي يقال فيه هذا الدعاء.
فبعض أهل العلم جعله من أدعية الاستيقاظ عند النوم وعليه يدل تبوب البُخاري في موضع
(6317) بَابُ الدُّعَاءِ إِذَا انْتَبَهَ بِاللَّيْلِ .
ولكن فيه من الروايات ما يبين أنه بعد تكبيرة الإحرام.
قال ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه (2/184) بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَحْمَدُ بِهَذَا التَّحْمِيدِ وَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ لِافْتِتَاحِ صَلَاةِ اللَّيْلِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لَا قَبْلُ.
ثم ذكر الحديث بإسناده من طريق عِمْرَانَ وَهُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ قَالَ بَعْدَمَا يُكَبِّرُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ .. » .
وهذا إسنادٌ حسن .
قيس بن سعد هو المكي ترجمته في تهذيب الكمال بروايته عن طاوس وعنه عمران بن مسلم القصير ثقة
عمران بن مسلم : القصير قال الحافظ في تقريب التهذيب : صدوق ربما وهِم .
وهذا نصٌ في المسألة أنه من أدعية الاستفتاح في صلاة الليل. .
ودعاء الاستفتاح في الصلاة جمهور أهل العلم على استحبابه .
وخالف فيه الإمام مالك - رحمه الله - فهو يرى أنه لا يشرع دعاء الاستفتاح، ولا الاستعاذة، ولا
البسملة لحديث أنس المتفق عليه البخاري (743)، مسلم (401) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بـِ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: 2]".
وفي روايةٍ لمسلم (399/52)، ﻻَ ﻳَﺬْﻛُﺮُﻭﻥَ {ﺑِﺴْﻢِ اﻟﻠﻪِ اﻟﺮَّﺣْﻤَﻦِ اﻟﺮَّﺣِﻴﻢِ} [اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ: 1] ﻓِﻲ ﺃَﻭَّﻝِ ﻗِﺮَاءَﺓٍ ﻭَﻻَ ﻓِﻲ ﺁﺧِﺮِﻫَﺎ» .
وقد تكلم أهل العلم على المرادِ بحديث أنس وأنه ينفي الجهر ولا ينفي الإسرارُ جمعًا بين الأدلة .
وقال الحافظ في بلوغ المرام 280 عن حديث أنس : وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ , وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ
خُزَيْمَةَ: - لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيم .
وَفِي أُخْرَى لِابْنِ خُزَيْمَةَ: - كَانُوا يُسِرُّونَ .
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ اَلنَّفْيُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ , خِلَافًا لِمَنْ أَعَلَّهَا اهـ .
وقد قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل:98].
والأدلة ثابتة في دعاء الاستفتاح كحديثِ أبي هريرة في البخاري (744)، مسلم (598) - واللفظ له
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ، سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ "أَقُولُ: اللهُمَّ بَاعِدْ
بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ
الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ" .
فالحديث الذي استدَّل به الإمامُ مالِك فيه نفي الجهر ولاينفِي الإسرار والأحاديثُ والروايات
يُفَسِّرُ بعضُها بعْضَا .
(اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ)
الحمد: الإِخبار بمحاسن المحمود مع محبته وإجلاله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.
(أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)
هذا فيه إثبات اسم الرب لله عز وجل، أي مالك السماوات والأرض.
والرب : هو المالك السيد المربي المنعم والمصلح كما في بدائع الفوائد لابن القيم رحمه الله .
(لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ)
فيه إثبات اسم القيم لله عز وجل، ومن أسمائه القيوم. والقيوم أبلغ من القيم.
ومعنى القيوم القائم بنفسه، القائم غيرُه به.
قال ابن القيم رحمه الله في نُونيته:
هَــــــذَا وَمن أوصـــــــافُه القيــُّـومُ *** والقيُّومُ فِي أَوْصَـافه أَمْرَانِ
إحــــــــداهُما القيــــُّــومُ قَــامَ بِنَفسِهِ *** والكونُ قَـامَ بِهِ هما الأمران
فَــــــالْأول استغنــــــــاؤه عَن غَيره *** والفقــــر مـن كلٍ إليه الثَّانِي
وَالْوَصْف بالقيوم ذُو شَأْن عظيم كَذَا *** موصوفه أَيْضا عَظِيم الشان .
(القيــــــومُ قَــامَ بِنَفسِهِ): أي أن الله غني عن كلِّ ما سواه ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر:15].
(والكونُ قَـامَ بِهِ ): الكونُ كلُّ ما سوى الله.
قال الله سبحانه: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:33]. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم:25]. فالكل فقير، ومحتاج إلى الله .
(لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)
اختلف العلماء هل من أسماء الله عز وجل النُّور على قولين: فمنهم من أثبته، وهو قول ابن القيم رحمه الله .
فقد قال في كتابه شفاء العليل ومن أسمائه سبحانه النور، استدلالا بهذا الحديث، وبقوله تعالى
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النور:35].
ومنهم من قال: هذا ليس من أسماء الله، ولا يجوز
التسمي باسم عبد النور، وهذا عليه فتوى اللجنة الدائمة، والله أعلم .
(قَوْلُكَ الحَقُّ)
قال الله عز وجل: ﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ﴾ [الأحزاب:4]. فالله يقول الحق، والحق ضدُّ الباطل.
(وَوَعْدُكَ الحَقُّ)
والوعد داخل في القول فهذا من عطف الخاص على العام.
(وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقّ)
هذه كلها داخلة في وعد الله عز وجل؛ فإن الله وعد بها، والله لا يخلف الميعاد.
فوعد الله عز وجل حق، ما وعد به عز وجل من النعيم لأوليائه ومن الأمان والنُّصرة ، وغير ذلك هذا حق نؤمن به .
الشيطان يقول يوم القيامة: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ [إبراهيم:22]، يتخلى الشيطان عن أصحابه؛ لأن وعدَه وعدُ نفاق .
(وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ)
الإمام البخاري ذكر هذا الحديث في كتاب التوحيد في ثلاثةِ مواضع: في هذا الموضع.
وفي أحاديث رؤية الله رقم (7442)؛ لأن اللقاء عند جماعة العلماء لا يكون إلا برؤية .
وفي أحاديث إثبات صفة الكلام لله (7499) .
ويفيد أيضًا إثبات البعث لأن لقاء الله عز وجل يكون في الآخرة .
(وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ)
الجنة التي وعد الله عز وجل بها أولياءه حق.
النار التي وعد الله عز وجل بها أعداءه حق.
وقد علّق دخولَ الجنة النبيُّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالإيمان بهذين؛ أن الجنة حق والنار حق. كما في الصحيحين البخاري (3435)، مسلم (28) عَنْ عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ».
فهذه الأعمال من أسباب دخول الجنة، جعلنا الله من أهلها.
قال الحافظ : فيه إشارةٌ إلى أن الجنةَ والنارَ موجودتان .
(وَالسَّاعَةُ حَقٌّ)
يوم القيامة حق من عند الله عز وجل.
وقد أمر الله عزوجل نبيه أن يُقسم بالله في ثلاثةِ مواضعَ من القرآن الكريم على حَقِّيَّةِ قيام
الساعة :
قال تعالى: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [يونس:53].
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ:3].
قال تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن:7] .
هذه ثلاثةُ مواضع يأمرُ اللهُ نبيه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم يُقسم فيها على حقِّيَّة قيامِ
الساعة.
وتكرار كلمة حق يفيد الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الشرح أن هذا من باب التأكيد.
(اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ) أي انقدت.
(وَبِكَ آمَنْتُ) أي صدقت.
(وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ) أي فوضت أمري إليك.
(وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ) أي تبت ورجعت. وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثير التوبة والرجوع إلى الله.
(وَبِكَ خَاصَمْتُ)
أي جادلت، لا لهوى، ولا لحظ نفسي. وقد قالت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ حَتَّى يُنْتَهَكَ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ» رواه البخاري (6853).
مخاصمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجداله لله عز وجل.
جداله للمخالفين وقتاله للكفار لله عز وجل .
قال ابنُ القيم في طريق الهجرتين 37 : فتكون مخاصمة هذا العبد لله لا لهواه وحظه ومحاكمته
خصمه إِلى أَمر الله وشرعه لا إِلى شيء سواه، فمن خاصم لنفسه فهو ممن اتبع هواه
وانتصر لنفسه .اهـ المراد .
(وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ)
التحاكم إلى الله سبحانه وتعالى، لا إلى الأصنام، ولا إلى قوانين وضعية، ولا إلى ديمقراطية.
الديمقراطية : حكم الشعب نفسَه بنفسِه .
وهذا كفر والعياذ بالله، قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة:44].
فلابد أن يكون التحاكم إلى الله: أي إلى دينه وشرعه ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ [الأنعام:57].
وهناكَ من يعتني بتوحيد الحاكمية من الحزبيين أكثر من الاهتمام بتوحيد الألوهية.
والأنبياء كان أكثر اهتمامهم بالدعوة إلى توحيد الأُلوهية .
وبعضهم يزيد في أقسامِ التوحيد توحيدَ الحاكمية .
وهذا لا معنى له لأنه داخل في توحيد الألوهية فهو جزء من توحيد الألوهية .
ومعنى الحاكمية التحاكم إلى الكتاب و السنة عند التنازع وهذا من فعل العبد فيوحد الله في ذلك ، إذا تحاكم يعود إلى الكتاب و السنة .
و يجوز أن يكون توحيد الحاكمية داخلاً في ضمن توحيد الربوبية لأن الله عزوجل
يقول ( إن الحكم إلا لله ) فعلى هذا يكون من خصائص رب العالمين ويكون داخلا
في ضمن توحيد الربوبية لأنه من خصائص الله المُتفرِّدُ به سبحانه .
(حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ)
هذا شيخ البخاري وقد قال الحافظ ابنُ حجر رحمه الله في مقدمة فتح الباري ص 561 : روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح حديثين فِي الْهِبَة والتوحيد لم ينْفَرد بهما. اهـ
(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا وَقَالَ أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقّ)
يعني زاد (أنت الحق)، وفيه إثبات اسم الحق لله سبحانه وتعالى.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: قال العلماء: الحق في أسمائه سبحانه معناه المتحقق وجوده.
- وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه- من الفوائد غير ما تقدَّم :
-تعظيم النبي لربه، وثنائه عليه، والإقرار له بالربوبية، والقيُّوميَّة ، والإقرار بالجنة، والنار، واليوم الآخر، والاستسلام لله عز وجل، والإيمان به، والتوكل عليه، وغير ذلك.
- التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته قبل الدعاء.
وهذا من أدب الدعاء الثناء على الله عز وجل ثم الدعاء.
وينبغي أن يُصلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحديث فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجِلَ هَذَا" ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ". مسند أحمد (23937).
وهذا أحد أنواع التوسل المشروع، التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته.
قال تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} .
الثاني: التوسل إلى الله بالعمل الصالح كما قال الله عن أهل الإيمان {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} .
وكما في حديث النفر الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار توسَّل إلى الله كلُّ واحدٍ منهم بعمله وفرَّج الله عنهم وخرجُوا يمشون .
والحديث متفق عليه عن ابن عمر رضي اللهُ عنهما .
فهذا مشروعٌ أن يتوسَّل بعمله هُو ، مثل اللهم بمحبتي لأنبيائك وأوليائك ارزقني ، أو فرِّج كربي ..
أو اللهم باتباعي لنبيك محمد وفقني وأعنِّي ..
الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح .
ودليلُه ما رواه البخاري (1010)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا» ، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ .
هذا الحديث فيه التوسُّلُ إلى اللهِ بدعاء الرجل الصالح .
والمراد طلبُ الدُّعاء من الرجل الصالِح وقد بيَّن هذا حديثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ المتفق عليه : أَنَّ رَجُلًا، دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» الحديث .
هذا الحديث يبين المرادَ من توسِّل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حياته
ثمَّ بعمِّه العباس بعده أنه كان بدعائه لا بذاته ولا بجاهه ومنزلته .
فيجوز أن يُطلُبَ من أهل الفضل أو من المسافر الدُّعاء .
وقد قالت أم سليم رضي الله عنها يا رسول الله خادمك أنس ادع الله له . متفق عليه البخاري (6344) ومسلم (2480)من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وفي صحيح مسلم (2542) عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَدُوا إِلَى عُمَرَ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ
بِأُوَيْسٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيِّينَ؟ فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ:
«إِنَّ رَجُلًا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، لَا يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا اللهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلَّا مَوْضِعَ
الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ» .
قال الصنعاني رحمه الله في تطهير الاعتقاد 68 : وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون الدعاءَ منه صلى الله عليه وسلم وهو حي، وهذا أمرٌ متفق على جوازه .
لكن لا نكثر من الطلب (ادع لي) وينبغي أن نعتنيَ بأنفسنا نحن وأنْ يلجأ العبد إلى الله ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ) والاضطرار من أسباب استجابة الدعاء .
وقد نبَّه على ذلك الشيخُ ابن عُثيمين رحمه الله في كشف الشبهات ص 254فقال : ذكر المؤلف_ أي الإمام النجدي- رحمه الله أنه لا بأس أن تأتي لرجل صالح تعرفه وتعرف صلاحه فتسأله أن يدعو الله لك، وهذا حق إلا أنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذ ذك ديدناً له كلما رأى رجلاً صالحاً قال ادعُ الله لي، فإن هذا ليس من عادة السلف رضي الله عنهم، وفيه اتكالٌ على دعاء الغير، ومن المعلوم أن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه كان خيراً له لأنه يفعل عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل فإن الدعاء من العبادة كما قال الله تعالى {ادعوني أستجب لكم} [سورة غافر، الآية: 60] . الآية، والإنسان إذا دعا ربه بنفسه فإنه ينال أجر العبادة ثم يعتمد على الله عز وجل في حصول المنفعة ودفع المضرة، بخلاف ما إذا طلب من غيره أن يدعو الله له فإنه يعتمد على ذلك الغير وربما يكون تعلقه بهذا الغير أكثر من تعلقه بالله عز وجل اهـ المراد.
وما عدا هذه الأنواع الثلاثةِ ، التوسل غير مشروع، قد يكون بدعةً، وقد يكون شركًا .
وننبِّه على الحديث الذي رواه الترمذي (3578)عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ البَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي قَالَ: «إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» . قَالَ: فَادْعُهْ، قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ» . والحديث صحيح .
و قد فهم من هذا الحديث بعضُ الناس أن المراد به جواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه و سلم وليس هذا هو المراد .
بل بعضهم تجاوز ذلك وزعم أن المراد من الحديث جواز التوسل بالمخلوق أياً كان .
و قد بيَّن شيخُ الإسلام المراد من هذا الحديث فقال رحمه الله في كتابه قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة فقرة 365 : وحديثُ الأعمى لا حجةَ لهم فيه، فإنه صريحٌ في أنه إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، وهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: "اللهم شَفِّعْه فيَّ" ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي صلى الله عليه وسلم. ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدْعُ لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله اهـ .
فحديث الأعمى فيه أنه توسل إلى الله بدعاء النبي صلى الله عليه و سلم وهو حي.
و أما التوسل بذات المخلوق سواء كان بالنبي صلى الله عليه و سلم أو بغيره فهذا لا يجوز لم يفعله الصحابة مع النبي صلى الله عليه و سلم و لم يفعله سلف الأمة ولو كان مشروعا لما عَدَل الصحابة إلى التوسل بدعاء العباس بعد وفاة النبي صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم .
وهل التوسل بذات المخلوق شرك ؟
قال الشيخ عبدالمحسن العبَّاد حفظه الله في حاشية تطهير الاعتقاد : التوسل الذي هو شرك أن يَجْعلَ المتَوسَل به واسطةً بينه وبين الله، يدعوه ويطلب منه الشفاعة.
أمَّا إذا سأل الله بجاه فلان مثلاً، فإنَّه بدعة وليس بشرك .اهـ المراد .
وهذا يوضِّحُ العبارة المتقدمة أنَّ التوسل غير المشروع، قد يكون بدعةً، وقد يكون شركًا .
فإذا توسَّل بمخلوق يعتقد أنه على منزلة رفيعة وعلى جاه كأن يتوسل
بنبي من الأنبياء ويجعله واسطة بينه وبين ربه هذا شرك وهو نفس شرك
المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم .
أما إذا سأل الله بجاه فلان ومنزلته فهذا بدعة وليس بشركٍ .
يتوسل بعمل فلان ، بمنزلة فلان ، بدرجات فلان ،بعلم فلان ، مثلا يقول يارب مالفلان من الجاه والمنزلة عندك أسألك أن ترزقني ..
هذا بدعة لأن الصحابة ما فعلوه مع النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الأعمال الصالحة إنما يعود نفعُها إلى أهلها وليس إلى الآخرين فتوسلُه هنا بعمل أجنبي ولكنه لا يصل إلى حد الشرك .
- ونستفيد الدعاء بمغفرة الذنوب. وينبغي الاعتناء بالأدعية التي فيها مغفرةُ الذُّنُوب لأن الذنوب
خطيرة، وذلَّة، ومن أسباب الحِرْمان والخذِيلة .
وفي صحيح مسلم (2702) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَغَرَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ، مَرَّةٍ».
وفي سنن أبي داود (1516)عن ابْنِ عُمَرَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» .
مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر فأحرى بنا أن نكثر من الاستغفار .
الذنوب حمل ثقيل، ولكنا لا نشعر بها كما قال تعالى: ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ [الشرح:2-3]. أنقض أي أثقل .
لكن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستشعرون بالذنوب، ويعتبرونها هلَكَة لقوة إيمانهم ولخوفهم من ربهم سبحانه وعقابه .
فالصحابي يأتي للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويقول له: احترقت. فقال النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم: ما أحرقك؟ قال: وقعت على أهلي في رمضان، وفي رواية هلكت.
أكثر ما يؤتى الإنسان من قِبَلِ ذنوبه.
والذنوب تخدع صاحبَها في وقتٍ أحوج ما يكون فيه إلى النجاة من المهالك، والشقاوة، وعذاب الله، وسخطه.
ويقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في كتابه تحفة المجيب: أخوف ما نخاف على
دعوتنا وأنفسنا من ذنوبنا.
أم سمية الأثرية
2016-01-26, 08:40
الدرس العاشر من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري /5من شهر ربيع الثاني 1437 .
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾[النساء:134]
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ تَمِيمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة:1]
7386- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا»، ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ لِي: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، قُلْ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ، - أَوْ قَالَ أَلاَ أَدُلُّكَ بِهِ -»
******************************
(وَقَالَ الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران أبو محمد الكوفي تقدم له ترجمة مختصرة (7376) .
(عَنْ تَمِيمٍ) في الشرح يفيد الحافظ ابن حجر رحمه الله: هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ الْكُوفِيُّ.
(عَنْ عُرْوَةَ) وهو ابن الزبير
- حديث عائشة رضي الله عنها معلق لكنه جاء موصولًا. وقد ذكر الإمام البخاري رحمه الله قطعة من الحديث.
والحديثُ أخرجه النسائي في سننه (3460) من طريق الْأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتْ خَوْلَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو زَوْجَهَا، فَكَانَ يَخْفَى عَلَيَّ كَلَامُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: 1] " الْآيَةَ
والحديث في الصحيح المسند للوادعي رحمه الله (1564).
واستفدنا من هذا سبب نزول الآيات الأولى من سورة المجادلة .
ومعرفةُ سببِ نزول الآيةِ مما يعينُ على فهمِها .
(حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) وهو الواشحي.
(حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) وهو ابن درهم. وفي طبقته حماد بن سلمة، وحماد بن زيد أثبت الناس في أيوب. وقد تقدم (7377) .
(عَنْ أَيُّوبَ) وهو ابن أبي تميمة السختياني، وأبو تميمة هو كيسان .
أيوب بن أبي تميمة رحمه الله من كبار المحدثين، وهو القائل: "من سعادة الحَدَث والأعجمي أن يوفَّق للسنة من أول وهْلة". الحَدَث: هو الصغير.
هذا من أعظم السعادة التوفيق للسنة من أول يوم.
وأعظم السعادة هي سعادة الدين وليست سعادة المال والصحة؛ فإن هذه سعادة خارجة عن ذات الإنسان كما يقول ابن القيم رحمه الله في مفتاحِ دارِ السعادة .
والشاعر يقول:
يا خادمَ الجسم كم يشقي بخدمته **** فأنت بالروحِ لا بالجسم إنسان
فالإنسان بروحه وأدبه وليس بجسمه وبدنه.
ومما جاء عن أيوب رحمه الله: سَأَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْبِدَعِ أيوب، فقال: يا أبابكر أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ، قَالَ: فَوَلَّى أَيُّوبُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَلَا نِصْفُ كَلِمَةٍ، وَلَا نِصْفُ كَلِمَةٍ. القدر للفريابي (215).
وهذا من هجر السلف لأهل البدع.
وأخرج الدارميُّ في مقدمة سننه (411) مِنْ طريق أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ فَقَالَا: يَا أَبَا بَكْرٍ نُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ؟ قَالَ: «لَا» ، قَالَا: فَنَقْرَأُ عَلَيْكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا، لِتَقُومَانِ عَنِّي أَوْ لَأَقُومَنَّ» ، قَالَ: فَخَرَجَا، فَقَالَ: بَعْضُ الْقَوْمِ. يَا أَبَا بَكْرٍ، وَمَا كَانَ عَلَيْكَ أَنْ يَقْرَآ عَلَيْكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْرَآ عَلَيَّ آيَةً فَيُحَرِّفَانِهَا، فَيَقِرُّ ذَلِكَ فِي قَلْبِي» .
وأخرجه الفريابي في القدر (215) مختصرا .
ومن الآثار في هذا المعنى ما جاء عن الإمام مالك رحمه الله .
أخرج الآجري رحمه الله في الشريعة (117)من طريق مَعْنِ بْنِ عِيسَى قَالَ: انْصَرَفَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَوْمًا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَهُو مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِي فَلَحِقَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ كَانَ يُتَّهَمُ بِالْإِرْجَاءِ , فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اسْمَعْ مِنِّي شَيْئًا أُكَلِّمُكَ بِهِ وَأُحَاجُّكَ وَأُخْبِرُكَ بِرَأْيِي قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتَنِي؟ قَالَ: إِنْ غَلَبْتُكَ اتَّبَعْتَنِي قَالَ: فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ، فَكَلَّمَنَا فَغَلَبَنَا؟ قَالَ: نَتَّبِعُهُ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِينٍ وَاحِدٍ، وَأَرَاكَ تَنْتَقِلُ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ .
عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله يَقُولُ: « مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ، أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ» سنن الدارمي (1/342).
ومن الآثار عن أبي قلابة في هذ الباب ما أخرج الآجري في الشريعة (114) من طريق أَيُّوبَ قَالَ: كَانَ أَبُو قِلَابَةَ يَقُولُ: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، وَلَا تُجَادِلُوهُمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي الضَّلَالَةِ، أَوْ يُلْبِسُوا عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ بَعْضَ مَا لُبِّسَ عَلَيْهِمْ .
هذه الآثار كلها ثابتة ، وهي تدل على هجر السلف لأهل البدع ، فمن منهج السلف هجر أهل البدع لا يُكلَّمُون، ولا يُحضَرَ مجالسُهم، ولا يُسمَع محاضراتُهم، ولا يُقرأ في كتبِهم. وهذا من الولاء والبراء.
ومن أسباب الزيغ وعدم الثبات مجالسة أهل البدع، وكما قيل: من جالس جانس. ولهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ" رواه أحمد (8417) .
اختيار الجليس الصالح. عمران بن حِطَّان كان سنيًا فاضلًا، وكان لديه ابنة عم من القعدية (فرقة من الخوارج)، فأراد أن يتزوجها ليدعوها إلى الله ويجرها إلى السنة، قال الإمام الذهبي في سير أعلام النُّبلاء : أراد أن يسحبها فسحبته .
تأثَّر بها .
فقد لا يسلم الجليس من جليسه سواء كان الجليس على بدعة أو معصية أو كان جشعًا في الدنيا، مائلًا إلى الدنيا أو كان كذابًا فُضُوليًا. قد لا يسلم من شره ومن التأثر به.
وفي الصحيحين البخاري (4547)، مسلم (2665) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ﴾ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ».
و في سنن أبي داود (4319)يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ) .
فَلْيَنْأَ عَنْهُ: أي يبتعد .
وبعض الناس يقول لبعض الطلاب اقرأ هنا وهنا، اسمع من الطرفين.
وعرفنا مما سبق من الأدلة، والآثار أن هذه الطريقة غير صحيحة. فمن كان على الحق عليه بأن يثبت عليه، وأن يبتعد عن أهل الشبه وأهل الفتن، وأن يحافظ على دينه.
علينا بأن نكون على قناعة أن هذا الدين هو دين الله الحق فلا تتخطف بنا الأهواء.
نحن في زمن كثرت فيه الدعايات، وكثر فيه الخصومات.
فالإنسان يبتعد عن الفتن، ويلزم الحق . إذن قول اقرأ هنا وهنا، اسمع من الطرفين هذا غير صحيح، طالب أو طالبة علم في الابتداء ما فيه تضلع في العلم و تضلع في العقيدة هذا يبتعد. والسلامة لا يعادلها شيء، والله المستعان.
ومما أخذنا عن والدي رحمه الله في التحذير من مجالسة أهل البدع والقراءة في كتبهم يقولُ رحمه ربي :
عبد الله القصيمي -وهو معاصر- ماله منذ توفي إلا مدة قصيرة، رد على الرافضة فأحْسن، فتصارع مع رجل يقال: يوسف، وغيره، من الأزهريين فغلبهم.
ثم أراد أن يرد على الفلاسفة، وقطع شوطاً في الرد عليهم، ثم تشكك، ثم ارتدَّ والعياذ بالله، وصار يهاجم الإسلام بالمقالات والكتب، حتى مات .
أخبرنا شيخنا عبد العزيز السُّبَيِّل: أنَّ رجلاً نجدياً، التقى به بلبنان، فصار النجدي يحد النظر اليه، فقال: مالك تنظر الٕيَّ؟ فقال: آسف عليك وعلى علمك، فبكى عبد الله القصيمي .
وقال: أُحَذِّرُكم من الكتب الزائغة، وبقي على ردته، فنعوذ بالله من الارتداد على الأعقاب.
وذكر الوالد رحمه الله أنه أخبره عبد العزيز السُّبَيِّل عن الشيخ عبد الله بن حميد: أنَّه كان يقول في عبد الله القصيمي: إنه لا يفلح.
وقد صار عبد الله زنديقاً، وألَّف كتاباً سماه: الأغلال في الإسلام.
وهو يدرس في جامعات أمريكا.
وكان يقول: الله أعدل من أنْ يعذِّب بنات كذا، ويدخل عجائز نجد الجنة.
وقال رحمه الله :
عبد الرزاق بنُ همام الصنعاني أدخل عليه شيخُه التشيع. قيل له: من أدخل عليك التشيع، قال :جعفر بن سليمان الضبعي أعجبني سمتُه وهديُه. اهـ
ومن أخلاق وطريقة أيوب رحمه الله أنه كان يكره الشهرة. والشهرة حبها داء خفي .
أخرج ابنُ سعدٍ في الطبقات (7/128) من طريق حماد بن زيد كنت أمشي مع أيوب فيأخذ بي في طرق إني لأعجب له كيف اهتدى لها؟! فرارًا من الناس أن يقال: هذا أيوب.
وكل عاقل لا يريد الشهرة ولا يتطلع للشهرة.
وفي هذا المعنى من الآثار ما قاله ابن أبي حاتم رحمه الله في «آداب الشافعي» (ص91): أخبرنا الربيع، قال: سمعت الشافعي ودخلت عليه وهو مريض فذكر ما وضع من كتبه فقال: لوددت أنَّ الخلق تعلمه ولم ينسب منه إليَّ شيء أبدًا.
وحب الظهور داء مهلك يبعث في النفس مرض العجب، والغرور، والجدل، والخصومة.
وقد قيل: حبُّ الظهور يقصم الظهور.
والنفس تحب الشهرة إلا ما رحم ربي؛ ولهذا علينا أن نعتني بتزكية أنفسنا فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس:9-10]. تزكية النفوس بطاعة الله عز وجل وباجتناب المعاصي.
وليس من التطلع للشهرة أن يكون الإنسان معلِّمًا، وداعيًا إلى الله سبحانه وتعالى.
فإن بعض الناس يمتنع عن الدعوة والتعليم والتأليف لئلا يشتهر، ولأنه يخشى على نفسه من الرياء، وهذا من وسوسة الشيطان الرجيم. الإنسان عليه أن يدافع ويجاهد.
وقدأخرج الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1/733) من طريق مالك عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن أنه كان يقول: لا ينبغي لأحد يعلم أن عنده شيئًا من العلم يضيع نفسه.
والأثر علقه البخاري في «صحيحه» قبل رقم (80) كتاب العلم.
قال الحافظ في «الفتح» عقب رقم (80): مراد ربيعة أن من كان منهم فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه فيترك الاشتغال لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم .
أو مراده: الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم .
أو مراده: أن يشهر العالم نفسه ويتصدى للأخذ عنه لئلا يضيع علمه.
وقيل: مراده تعظيم العلم وتوقيره فلا يهين نفسه بأن يجعله عرضًا للدنيا وهذا معنى حسن لكن اللائق بتبويب المصنف ما تقدم. اهـ المراد.
فعلى أحد ما قيل : أنه إذا كان بين أناس، ولا يعرفون منزلته يظهر لهم علمه من أجل أن
يستفيدوا منه لا لغرضٍ آخر، ونسأل الله أن يصلح أنفسنا.
(عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) وهو عبد الرحمن بن مل، مخضرم
المخضرم في اللغة: من عاش بين جيلين. و اصطلاحًا: هو الذي أدرك الجاهلية، والإسلام. وآمن بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يره في حياته أو بعد مماته.
المخضرمون من كبار التابعين. فمن أدرك الجاهلية المطلقة -التي هي قبل الإسلام- وأدرك بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه آمن بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما رآه أو أسلم بعد ممات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا مخضرم .
(عَنْ أَبِي مُوسَى) وهو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه كان من حفاظ القرآن، وكان مقرئًا، وكان حسن الصوت أخرج البخاري (5048)عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» .
وأخرجه مسلم (793) بلفظ «لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» .
ومن مناقبه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعثه إلى اليمن، مما يدل على أهليته لذلك وأمانته وصدقه.
ودعا له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا" كما في صحيح البخاري (4068) .
(ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي أرفقوا على أنفسكم.
(أو) للشك
- في هذا الحديث من الفوائد التعليم في السفر.
- وفيه التكبير عند الصعود، وفي صحيح البخاري (2993) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا» .
وهذا يفيد التسبيح عند النزول وهذا من آداب السفر.
- وفيه إثبات صفة السمع والبصر، والقرب لله عز وجل. فالله عز و جل قريب من عباده، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:186] .
ولا يتنافى مع علو الله سبحانه وتعالى. فهو قريب من عباده وهو في العلو سبحانه.
- وفيه فضل لا حول ولا قوة إلا بالله. و لا حول ولا قوة إلا بالله يقال لها الحوقلة.
ومعنى لا حول ولا قوة إلا بالله: أي لا تحول لنا عن معصية الله ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بالله سبحانه وتعالى.
لا حول ولا قوة إلا بالله من أدلة إثبات القدر، والرد على نفاة القدر؛ لأنه فيها خلق الله عز وجل لأفعال عباده.
وهي كلمة عظيمة كنز من كنوز الجنة. وهي داخلة في ذكر الله عز وجل، ومن أسباب تفريج الهم والغم ودفع الضر.
- وفيه التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة.
وهذه تربية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لصحابته ترغيبهم في الآخرة، وهو القائل: «لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» رواه مسلم (2695)
هذه الأربع الكلمات أحب إلى لنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الدنيا وما فيها لأنه قال: "أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ" .
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في مسلم (725) عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، وهذه هي راتبة الفجر خير من الدنيا وما فيها.
وفي صحيح البخاري (3802) وصحيح مسلم (2468) عن البَرَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَمَسُّونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا، فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَيْرٌ مِنْهَا، أَوْ أَلْيَنُ» .
وهذا الحديث علق عليه الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله مرة في دروسه وقال: فيه أن الداعية إلى الله إذا وجد من الناس ميولًا إلى الدنيا فإنه يصرفهم إلى الآخرة.
******************************
7387- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ»
******************************
(حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ) وهو عبد الله.
(أَخْبَرَنِي عَمْرٌو)
وهو ابن الحارث.
(عَنْ أَبِي الخَيْرِ) و هو مَرثد بن عبد الله اليزني.
(سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو) ابن العاص، صحابي بن صحابي. وعبد الله بن عمرو كان قويًا جلدًا وكان مشغولًا بالعبادة رضي الله عنه والحديث عند البخاري برقم (5052) واللفظ له ومسلم (1159) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ، فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا، فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «القَنِي بِهِ»، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَصُومُ؟» قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: «وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟»، قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ: «صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً، وَاقْرَإِ القُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ»، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الجُمُعَةِ»، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا» قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً» .
ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَمْ يَفْقَهْهُ) مسند أحمد (6499) .
وعبد الله بن عمرو لقبه الإمام الشوكاني في فتح القدير بـ (عابد الصحابة) لما تناوله الزمخشري المعتزلي؛ لأن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَو يقول: "لِيَأْتِيَنَّ عَلَى جَهَنَّمَ يَوْمٌ تُصَفَّقُ فِيهِ أَبْوَابُهَا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ" .
وكلام عبدالله بن عمرو هذا محمول على أن مراده خروج الموحدين كما في رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار 81 للصنعاني .
فطعن الزمخشري في عبد الله بن عمرو فرد عليه الشوكاني في فتح القدير (2/598) ومما قاله: "وَأَمَّا الطَّعْنُ عَلَى صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ وَحَافِظِ سُنَّتِهِ وَعَابِدِ الصَّحَابَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِلَى أَيْنَ يَا مَحْمُودُ، أَتَدْرِي مَا صَنَعْتَ، وَفِي أَيِّ وَادٍ وَقَعْتَ، وَعَلَى أَيِّ جَنْبٍ سَقَطْتَ؟ وَمَنْ أَنْتَ حَتَّى تَصْعَدَ إلى هذا المكان وتتناول نجوم السماء بيدك الْقَصِيرَةِ وَرِجْلِكَ الْعَرْجَاءِ، أَمَا كَانَ لَكَ فِي مُكَسَّرِي طَلَبَتِكَ مِنْ أَهْلِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ مَا يَرُدُّكَ عَنِ الدُّخُولِ فِيمَا لَا تَعْرِفُ وَالتَّكَلُّمِ بِمَا لَا تَدْرِي، فَيَا لَلَّهِ الْعَجَبَ مَا يَفْعَلُ الْقُصُورُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ وَالْبُعْدُ عَنْ مَعْرِفَتِهَا إِلَى أَبْعَدِ مَكَانٍ مِنَ الْفَضِيحَةِ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ نَفْسِهِ وَلَا أَوْقَفَهَا حَيْثُ أوقفها الله سبحانه".
الزمخشري صاحب تفسير الكشاف، وهو كتاب معتزلي لا ينبغي القراءة فيه. وتحامل على عبد الله؛ لأن ظاهر كلام عبد الله خروج الموحدين من النار.
(أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ) تقدم معنا في الفصول وهجرته وتعاونه مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
هذا الحديث بوب عليه الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الصلاة (بَابُ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلاَمِ) وهذا أحد المواضع الذي يدعى به هذا الدعاء. وإذا شاء أن يدعو به قبل السجود دعا.
- وفيه من الفوائد أن المعصية ظلم للنفس. وأشد أنواع الظلم للنفس الشرك بالله كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان:13].
- وفيه كثرة الذنوب عند الإنسان. وهذا نظيره ما جاء في صحيح مسلم برقم (2577) "... يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ..." الحديث
- وذنوب النساء أكثر من الرجال، ولهذا كان أكثر أهل النار من النساء كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» رواه البخاري (6546)، مسلم (2737).
وفي صحيح مسلم (2738) عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَقَلَّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ»
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث المتفق عليه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» البخاري (1462)، مسلم (79).
وهذا فيه ترهيب للمرأة وتخويف لها، والله أعلم.
- وفيه أن المغفرة تطلب من الله عز وجل وطلب المغفرة من غير الله شرك أكبر قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران:135]. أي لا أحد يغفر الذنوب إلا الله.
- وفيه إثبات اسم الغفور لله عز وجل، ومعناه كثير المغفرة. فالغفور فيه إثبات صفة المغفرة لله عز وجل.
- وفيه إثبات اسم الرحيم لله عز وجل، واسم الله الرحيم فيه إثبات صفةالرحمة لله.
- وفيه من أدب الدعاء أن الداعي إذا دعا يذكرمن أسماء الله عز وجل ما يناسب الدعاء، وهذا من أدب الدعاء يقول: (فَاغْفِرْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) الغفور يطابق المغفرة، وإذا طلب العزة يقول: اللهم أعزني فإنك أنت العزيز الحكيم، وإذا طلب الرزق قال: اللهم ارزقني فإنك أنت الرزاق الغني الكريم وما أشبه ذلك. وإذا طلب الانتقام قال: اللهم انتقم من أعدائك يا جبار يا عزيز، ما يقول اللهم انتقم منهم يا غفور يا رحيم .
******************************
7389- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حَدَّثَتْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَادَانِي قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ"
******************************
(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) التنيسي الدمشقي.
(أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله.
(أَخْبَرَنِي يُونُسُ) يونس بن يزيد.
(حَدَّثَنِي عُرْوَةُ) عروة بن الزبير بن العوام الصابر المحتسب أخرج الرامهرمزي في المحدث أن عروة بن الزبيرأَيْ بُنَيَّ كُنَّا صِغَارَ قَوْمٍ فَأَصْبَحْنَا كِبَارَهُمْ، وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ صَغَائِرُ قَوْمٍ وَيُوشِكُ أَنْ تَكُونُوا كِبَارَهُمْ، فَمَا خَيْرٌ فِي كَبِيرٍ، وَلَا عِلْمَ لَهُ، فَعَلَيْكُمْ بِالسُّنَّةِ .
وهذا فيه حث لصغار السن الاهتمام بالعلم. وتربية ونصيحة عروة لأولاده. والبركة من الله.
وهو القائل: (أزهد الناس في العالم أهله) أي أقرباؤه. يقول الشيخ الوالد الوادعي رحمه الله: إما لأنهم يحسدونه وإما لأنهم يعلمون أن عنده معاصي لا يعلمها الآخرون. والله المستعان.
(أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، أم المؤمنين. أفقه نساء الأمة على الإطلاق.
عهدنا بهذا الحديث في السيرة عند رجوع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الطائف. لما كذبه أهل الطائف فنزل جبريل وقال: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ"
- استفدنا من هذا الباب إثبات صفة السمع والبصر لله عز وجل.
وقد صَدَّرالإمام البخاري رحمه الله الترجمة بجزء من الآية الكريمة ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء:134]، وهذا فيه أن السميع والبصير من أسماء الله عزوجل والسميع يتضمن صفة السمع لله سبحانه والبصير يتضمن إثبات صفة البصر لله عزوجل .
وقد ثبت في سنن أبي داود (4728) عن سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58] قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ» .
وهذا يفيد جواز الإشارة باليد عند ذكر صفة السمع والبصر ، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى سمعه إلى بصره.
لكن إذا كان سيُفهم منه التمثيل لصفات الله رب العالمين بصفات خلقه فيجتنب؛ لأن الله يقول: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل: 60]. وقد كره بعض أهل العلم الإشارة إلى صفة الإنسان عند ذكر صفات الله عز وجل مطلقًا خشية سوء الفهم .
من حيث الجواز، الدليل جاء بهذا، ولكن سدًا لما قد يحصل من سوء الفهم يُجتنب .
ثم المرادُ من الإشارة تحقيق إثبات الصفة لله لا المشابهة قال البيهقي رحمه الله في الأسماء والصفات (1/ 462) :وَالْمُرَادُ بِالْإِشَارَةِ الْمَرْوِيَّةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ تَحْقِيقُ الْوَصْفِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ , فَأَشَارَ إِلَى مَحَلَّيِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنَّا لِإِثْبَاتِ صِفَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لِلَّهِ تَعَالَى , كَمَا يُقَالُ قَبَضَ فُلَانٌ عَلَى مَالِ فُلَانٍ , وَيُشَارُ بِالْيَدِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ حَازَ مَالَهَ .اهـ
وذكر نحوه ابنُ القيم رحمه الله في مختصر الصواعق المرسلة 67وقال : وَكَذَلِكَ لَمَّا قَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134] وَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَعَيْنِهِ رَفْعًا لِتَوَهُّمِ مُتَوَهِّمٍ أَنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ غَيْرُ الْعَيْنَيْنِ الْمَعْلُومَتَيْنِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «يَقْبِضُ اللَّهُ سَمَاوَاتِهِ بِيَدِهِ وَالْأَرْضَ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، ثُمَّ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ يَدَهُ وَيَبْسُطُهَا» "، تَحْقِيقًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ وَإِثْبَاتِ صِفَةِ الْقَبْضِ.
وَمِنْ هَذَا إِشَارَتُهُ إِلَى السَّمَاءِ حِينَ اسْتَشْهَدَ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الصَّحَابَةِ أَنَّهُ بَلَّغَهُمْ تَحْقِيقًا لِإِثْبَاتِ صِفَةِ الْعُلُوِّ، وَأَنَّ الرَّبَّ الَّذِي اسْتَشْهَدَهُ فَوْقَ الْعَالَمِ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ. اهـ
وهنا كلام للشيخ ابن عثيمين في حكم الإشارة في هذه المسألة
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (3/ 84)
ومِن ذلك أيضاً: ما يكثُر السُّؤال عنه من بعض الطَّلبة، وهو: أنه ثَبَتَ عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه لما قرأ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ..}وذكر حديث أبي هريرة فقال: هل يجوز أن أفعل مثل هذا؟
فجوابنا على هذا أنْ نقول: لا تفعلْه أمامَ العامَّة؛ لأن العامَّة ربَّما ينتقلون بسرعة إلى اعتقادِ المشابهة والمماثلة؛ بخلاف طالب العلم، ثم هذا فِعْلٌ مِن الرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وليس أمراً، لم يقل: ضعوا أصابعكم على أعينكم وآذانكم، حتى نقول: لا بُدَّ مِن تنفيذِ أمْرِ الرَّسول، بل قَصَدَ بهذا تحقيق السَّمع والبصر، لا التعبُّد في ذلك فيما يظهر لنا، فلماذا نلزم أنفسنا ونكرِّر السؤال عن هذا من أجل أن نقوله أمام العامَّة؟
فالحاصلُ: أنه ينبغي لطالب العِلم أن يكون معلِّماً مربيًّا، والشيءُ الذي يُخشى منه الفتنة؛ وليس أمراً لازماً لا بُدَّ منه؛ ينبغي له أن يتجنَّبه.
وأشدُّ مِن ذلك ما يفعله بعضُ النَّاسِ، حين يسوق حديث: «إن قلوبَ بني آدم بين أصبعين مِن أصابعِ الرَّحمن» فيذهب يُمثِّل ذلك بضمِّ بعض أصابعه إلى بعض، مُمَثِّلاً بذلك كون القلب بين أصبعين من أصابع الله، وهذه جرأة عظيمة، وافتراءٌ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنه لم يمثِّل بذلك. وما الذي أدرى هذا المسكين المُمثِّلُ أن كون القلوب بين أصبعين من أصابع الله على هذا الوصف؟ فليتَّقِ الله ربَّه ولا يتجاوز ما جاء به القرآنُ والحديثُ.
و قال رحمه الله في مجموع فتاواه المجلد العاشر: إن هذا يختلف بحسب ما يترتب عليه؛ فليس كل من شاهد أو سمع يتقبل ذهنه ذلك بغير أن يشعر بالتمثيل، فينبغي أن نكف لأن هذا ليس بواجب حتى نقول: يجب علينا أن نبلغ كما بلغ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقول والفعل، أما إذا كنا نتكلم مع طلبة علم أو مع إنسان مكابر ينفي هذا ويريد أن يحول المعنى إلى غير الحقيقة، فحينئذ نفعل كما فعل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلو قال قائل: إن الله سميع بصير، لكن قال: سميع بلا سمع وبصير بلا بصر، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام حين قرأ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] وضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه وأبو هريرة حين حدث به كذلك ؛ فهذا الإنسان الذي يقول: إن الله سميع بلا سمع بصير بلا بصر نقول له هكذا.
وكذلك الذي ينكر حقيقة اليد ويقول: إن الله لا يقبض السماوات بيمينه، وأن معنى قبضته؛ أي: في تصرفه؛ فهذا نقول له كما فعل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فالمقام ليس بالأمر السهل، بل هو أمر صعب ودقيق للغاية؛ فإنه يخشى من أن يقع أحد في محذور كان بإمكانك أن تمسك عنه، وهذا هو فعل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع تصرفاته إذا تأملتها، حتى الأمور العملية قد يؤجلها إذا خاف من فتنة أو من شيء أشد ضررا؛ كما أخر بناء الكعبة على قواعد إبراهيم خوفا من أن يكون فتنة لقريش الذين أسلموا حديثا . اهـ
والله أعلم .
أم سمية الأثرية
2016-01-27, 15:10
الدَّرْسُ الحادي عشرَ مِنْ / كتابُ التَّوْحِيْدِ مِنْ صحيح البُخَارِي رحمه الله 10 من شهر ربيع الثاني 1437 .
بسم الله الرحمن الرحيم
مذاكرة قبل الدرس:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (" ارْبِعُوا " بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ ارْفُقُوا بِضَمِّ الْفَاءِ وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَنَّهُ فِي كُتُبِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَبَعْضِ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِفَتْحِهَا)
ابن التين: هو أحد شرَّاح صحيح البخاري.
يعني (اربعوا) جاءت بالوجهين.
- حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه السابق من أدلة إخفاء الذكر «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا... » .ومن فوائد إخفاء الذكر أنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن التشويش، وإشغال الآخرين؛ ولهذا أخرج أبوداود في سننه (1332)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» ، أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ». والقرآن من ذكر الله عز وجل.
- عروة بن الزبير الصابر المحتسب: أسوة في الصبر والاحتساب .
جاءعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، أَنَّ أَبَاهُ خَرَجَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى ، وَجَدَ فِي رِجْلِهِ شَيْئًا ، فَظَهَرَتْ بِهِ قُرْحَةٌ ، ثُمَّ تَرَقَّى بِهِ الْوَجَعُ . وَقَدِمَ عَلَى الْوَلِيدِ وَهُوَ فِي مَحْمِلٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اقْطَعْهَا، قَالَ : دُونَكَ. فَدَعَا لَهُ الطَّبِيبَ، وَقَالَ : اشْرَبِ الْمُرْقِدَ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، فَقَطَعَهَا مِنْ نِصْفِ السَّاقِ ، فَمَا زَادَ أَنْ يَقُولَ : حَسِّ ، حَسِّ . فَقَالَ الْوَلِيدُ : مَا رَأَيْتُ شَيْخًا قَطُّ أَصْبَرَ مِنْ هَذَا .
وَأُصِيبَ عُرْوَةُ بِابْنِهِ مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ، رَكَضَتْهُ بَغْلَةٌ فِي إِصْطَبْلٍ، فَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كَلِمَةٌ . فَلَمَّا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى قَالَ : لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا اللَّهُمَّ كَانَ لِي بِنُونَ سَبْعَةٌ ، فَأَخَذْتَ وَاحِدًا وَأَبْقَيْتَ لِي سِتَّةً ، وَكَانَ لِي أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ ، فَأَخَذْتَ طَرْفًا وَأَبْقَيْتَ ثَلَاثَةً; وَلَئِنِ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْتَ ، وَلَئِنْ أَخَذْتَ لَقَدْ أَبْقَيْتَ . سير أعلام النبلاء (4/423) .
وهذا من صبره واحتسابه ومن تسلية النفس. فالمصاب ينبغي أن يشد نفسه، ويرفع معنويته بالصبر والاحتساب، وبِتذكر نعم الله عز وجل الأخرى؛وبالإيمان بالقدر فإن هذا يسلي عليه وإلا تخطَّفه الشيطان. فإن الشيطان له مداخل كثيرة عند ضعف الإنسان وحزنه.
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ القَادِرُ} [الأنعام: 65]
7390 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي المَوَالِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ المُنْكَدِرِ، يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحَسَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ - ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ - خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - قَالَ: أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ" .
************************
(حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) وهو الحزامي، من مشايخ البخاري وابن ماجة.
(حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى) وهو القزَّاز
(حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي المَوَالِي) المدني
(سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ المُنْكَدِرِ) التيمي المدني، يقال عنه: سيد القراء.
ومن آثار محمد بن المنكدر ماأخرج الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/656) من طريق سُفْيَانَ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ الْمُنْكَدِرِ : مَا أَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ؟ قَالَ: إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، قِيلَ:
فَمَا بَقِيَ مِمَّا يُسْتَلَذُّ بِهِ. قَالَ: الْإِفْضَالُ عَلَى الْإِخْوَانِ .
وهذا أثرٌصحيح .
وسفيان هو ابن عيينة .
الفقرة الأولى في هذا الأثر " إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ " .
وهذا من أفضل الأعمال، ومن جملة العبادات لله عز وجل. إذا وجده حزينًا أو في كُرْبة يدخل عليه السرور. فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه مسلم (2580).
مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ: أي يعين أخاه ويقوم بحوائجه؛ فإن الله عز وجل يتولى أموره بالخير، والجزاء من جنس العمل.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُدْخل السرورَعلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما وجده حزينا .
أخرج الإمام مسلم في صحيحه (1478) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ، لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، قَالَ: فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ، فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكِتًا، قَالَ: فَقَالَ: لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ، سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ، فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى، يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ»، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلَاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَقُلْنَ: وَاللهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا - أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ - ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28]. .... الحديث. وهذا من إدخال السرور والتسلية على المؤمن.
وَاجِمًا: أي حزينًا. وهذا من جملة الآداب إدخال السرور والأُنْس على الصاحب فيما لا يُخالف الشرع .
و من الأخطاء أن يزيد في حرارة المصيبة على صاحبها. هذا من الأخطاء سواء على الأقرباء أو الأصدقاء أو الوالدين أو غيرهم من المسلمين .
الفقرة الثانية "الإفضال على الإخوان": أي الإحسان على الأخوان بتعليمهم، بالإحسان إليهم بالأخلاق الطيبة، و بإعانتهم و إطعامهم، وقد كان محمد بن المنكدر رحمه الله كريمًا.
(عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحَسَنِ )
هذا لا علاقة له بالسند، فشيخ محمد بن المنكدر هو جابر بن عبد الله.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحَسَنِ: أَيِ ابْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ).
(أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ)
قال السمعاني في الأنساب : السَلَمى
بفتح السين المهملة وفتح اللام، هذه النسبة إلى بنى سلمة حىّ من الأنصار .
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه. شهد بيعة العقبة الثانية، وكان من ضمن السبعين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة العقبة .
قال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء وَكَانَ آخِرَ مَنْ شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ مَوْتاً.
وقال الذهبي رحمه الله: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ جَابِرٌ العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ، وَكَانَ أَصْغَرَهُم .
وجابر بن عبد الله من أهل بيعة الرضوان .
وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أهل الحديبية: «أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ» رواه مسلم (1856).. وهذه الفضيلة العظيمة جابر بن عبد الله رضي الله عنه داخل فيها.
ومن مناقبه ومحاسنه؛ أن أباه استشهد في غزوة أحد، فتزوج رضي الله عنه امرأة ثيبًا. فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي أَوِ اسْتُشْهِدَ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ والحديث متفقٌ عليه .
وهذا من مناقبه ومن إحسانه إلى أرحامه، آثر مصلحة أخواته على مصلحة نفسه.
ووالده عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه، أحد النقباء الاثني عشر. وقد أسلم ليلة العقبة الثانية، وجعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من النقباء.
والد جابر( كلَّمه الله كفاحا )أي بدون حجابٍ ولا رسولٍ .
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا)
الاستخارة: طلب خير الأمرين المضي أو الترك.
والحديث انفرد به الإمام البخاري عن مسلم.
من فوائد الحديث:
1- أهمية صلاة الاستخارة؛ وشدَّةُ الحاجة إليها ،ولهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اهتمَّ بتعليمها الصحابة اهتمامًا بالغًا، علمهم إياها كما يعلمهم السورة من القرآن.
وقد قيل ما خاب من استخار ولا ندِم من استشار.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى(10/ 663): لَكِنْ إذَا عَنَّ لِلْإِنْسَانِ جِهَةٌ فَلْيَسْتَخِرْ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا الِاسْتِخَارَةَ الْمُتَلَقَّاةَ عَنْ مُعَلِّمِ الْخَيْرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ فِيهَا مِنْ الْبَرَكَةِ مَا لَا يُحَاطُ بِهِ. اهـ
فالاستخارة فيها خير وبركة عظيمة. والاستشارة فيها خيرعظيم، استشارةُ ذوِي الرأي والفهم.
وقد أمر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمشاورة أصحابه لما للمشورة من الأهمية، قال سبحانه: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران:159].
ملِكَةُ سبأ تستشير قومها {قالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34)} .
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:
شَاوِرْ صَدِيقَكَ فِي الْخَفِيِّ الْمُشْكِلِ ... وَاقْبَلْ نَصِيحَةَ نَاصِحٍ مُتَفَضِّلِ
فَاللَّهُ قَدْ أَوْصَى بِذَاكَ نبيه ... في قوله: (شاوِرْهُمْ) و (فَتَوَكَّلْ)
مرجع البيتين تفسير القرطبي في تفسيرآيةِ آل عمران المتقدم ذِكْرُها .
ويجب على المستشار أن ينصح في مشورته، وإذا كان لا يعلم فالواجب أن يسكت، ولا يتكلم إلا بما يعلم مصلحته للمستشير؛ لأنه مؤتمن كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ" رواه أحمد (22360) .
عرفنا أنه يستشار من عنده فهم، وما تطرح الاستشارة على جاهل وعلى من لا يفهم، هذا من الخطأ.
والجمع بين الاستخارة والمشورة أمر حسن، قال ابنُ الحاج المالكي رحمه الله في المدخل(4/ 40) الْجَمْعُ بَيْنَ الِاسْتِخَارَةِ وَالِاسْتِشَارَةِ مِنْ كَمَالِ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ.
فَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى إحْدَاهُمَا فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاقْتِصَارِ فَعَلَى الِاسْتِخَارَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ .
وَالِاسْتِخَارَةُ وَالِاسْتِشَارَةُ بَرَكَتُهُمَا ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ وَالْخُرُوجِ عَمَّا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْهَوَاجِسِ وَالْوَسَاوِسِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ.
قال : فَعَلَى هَذَا فَمَنْ تَرَكَ الِاسْتِخَارَةَ وَالِاسْتِشَارَةَ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ التَّعَبِ فِيمَا أَخَذَ بِسَبِيلِهِ لِدُخُولِهِ فِي الْأَشْيَاءِ بِنَفْسِهِ دُونَ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَمَا أَحْكَمْته فِي ذَلِكَ إذْ إنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي شَيْءٍ إلَّا عَمَّتْهُ الْبَرَكَاتُ وَلَا تُتْرَكُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا حَصَلَ فِيهِ ضِدُّ ذَلِكَ . اهـ
واختلف أهل العلم بأيِّهما يبدأ بالاستشارة أم بالاستخارة ؟.
وقد قال النووي رحمه الله في الأذكار 214: وإذا شاورَ وظهرَ أنه مصلحةٌ استخارَ الله سبحانه وتعالى في ذلك، فصلَّى ركعتين من غير الفريضة ودعا بدعاء الاستخارة . اهـ
2-العناية بحفظ دعاء الاستخارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اهتم بتحفيظ الصحابة ألفاظها وضبطها .
وله أن يقرأها من كتابٍ إذا كان لا يحفظها .
3- اهتمام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتعليم الاستخارة فيه دليل على أنه لا يزاد على هذه الصفة، ولاعلى هذه الألفاظ المذكورة في الدعاء.
قال ابنُ الحاج رحمه الله في المدخل (4/37) : فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، صَاحِبُ الشَّرْعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - اخْتَارَ لَنَا أَلْفَاظًا مُنْقَاةً جَامِعَةً لِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَتَّى قَالَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ فِي صِفَتِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَالْحَضِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِأَلْفَاظِهَا وَعَدَمِ الْعُدُولِ إلَى غَيْرِهَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَالْقُرْآنُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُغَيَّرَ وَلَا يُزَادَ فِيهِ وَلَا يَنْقُصَ مِنْهُ وَإِذَا نَصَّ فِيهِ عَلَى الْحُكْمِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ لَا يَرْجِعُ لِغَيْرِهِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الِاسْتِخَارَةِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَخْتَارُهَا الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ . اهـ المراد
4- ظاهره العموم في كل الأمور لقوله (يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا) والمراد في أشياء مخصوصة .
فصلاة الاستخارة تكون في الأمور المباحة مثل: السفر، والطلاق ، والزواج. يستخير الله عز وجل في المرأة هل هي مناسبة له، أوهل الزواج مناسبًا لابنته- مثلًا- بذلك الخاطب ولمصاهرته.
وقد أخرج مسلم في صحيحه (1428) عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: «فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ» ، قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي، حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي، وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي، فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُكِ، قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ الحديث .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : وَلَعَلَّهَا اسْتَخَارَتْ لِخَوْفِهَا مِنْ تَقْصِيرٍ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .اهـ
وهكذا في التجارة في البيع والشراء - خاصة في الأمور الكبيرة، وفي الإجارة وفي بناء السكن وفي التحول إلى دار أخرى وفي وما أشبه ذلك .
ولا تكون الاستخارة في المحرم، ولا في المكروه، هذا يجتنب ولا تردد فيه.
الطاعات والعبادات التي خيرها محض ليس فيها استخارة .
فلا يستخير الله عز وجل في قيام الليل، ولا صلاة الضحى، ولا صيام الاثنين والخميس .
هناك أمور قد يكون فيها التردد بين أمرين، مثلًا: يريد أن يقوم ببحث، هذا عملُ بِرٍّ، لكنه قد يحتاج يستخير الله عز وجل في ذلك؛ لأنه قد يكون البحث ليس مناسبًا له ، أو غيره أولى منه ، وغير ذلك .
الاستخارة في المستحبات التي يكون فيه تردد بين شيئين أيهما أفضل ، أما الذي خيرُه واضحٌ فهذا لا يستخار الله فيه.
من الأمثلة فيما فيه تردد: السفر للحج سواء كان لفريضة أو نافلة. ينبغي أن يستخير الله عز وجل، وهكذا كل ما فيه أمور السفر حتى لو كان في عبادة؛ لأنه قد يكون السفر فيه حوادث وأمراض وشر .
5- أنه يستخير إذا همَّ بالأمر- أي عزم وقصد- أما إذا كان مجرد خاطر على البال فظاهر الدليل أنه لا يستخير .
6-- أنه يصلي صلاة الاستخارة عن حاجته وليس عن حاجة غيرِه لقوله (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ
بِالأَمْرِ).
فصلاة الاستخارة ليس فيها نيابةٌ .
وقد سُئِل الشيخ ابن باز حفظه الله في فتاوى نور على الدرب (11/ 83)عن صلاة الاستخارة عن الغير فقال : لا أعلم في هذا دليلا، إنما جاءت السنة لمن أراد الشيء، فالحديث: «إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين، ثم يقول: اللهم إلى آخر الدعاء لقوله: (إِذَا هَمَّ) ..
7- وفيه صلاة ركعتي الاستخارة ثم الدعاء.
8-- ظاهر الدليل أن صلاة الاستخارة تصلَّى ولو كان في وقت النهي، ولكن الحديث عام مخصوص بأدلة النهي كحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتفق عليه البخاري (586)، مسلم (827) عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» .
وفي صحيح مسلم (831)، من حديث عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: «حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ». تَضَيَّفُ: أي تميل.
و صلاة الاستخارة وقتها موسع ما تصلى في وقت الكراهة إلا إذا خشيَ أن يفوته الشيء له أن يصلي صلاةَ الاستخارة في وقت النهي لدخولها حبنئذٍ في ذوات الأسباب .
قال شيخُ الإسلامِ رحمه الله في فتاواه(23/ 215) قال وَ" ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ " كُلِّهَا تَفُوتُ إذَا أُخِّرَتْ عَنْ وَقْتِ النَّهْيِ: مِثْلَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَمِثْلَ الصَّلَاةِ عَقِبَ الطَّهَارَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ بِلَالٍ وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ: إذَا كَانَ الَّذِي يَسْتَخِيرُ لَهُ يَفُوتُ إذَا أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ . اهـ
9- أن صلاة الاستخارة تكون نافلة لقوله: (مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ). فلو صلى فريضة الفجر لا تجزئه عن صلاة الاستخارة؛ لأنها فريضة وليست نافلة، لكن له أن يصلي الراتبة أو ركعتي الضحى بنية صلاة الاستخارة؛ لأنه يصدق عليها (نافلة).
ولو صلى ركعتين نافلة ثم طرأ له حاجة بعدما سلم، لا تعدُّ صلاة استخارة؛ لأنه صلى الركعتين بدون نية، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ... » متفق عليه عن عمر بن الخطاب .
10- دليل على أنه إذا كان هناك تراخي يسير بين الصلاة والدعاء فإنه لا يضر لقوله: (ثُمَّ لِيَقُلْ). فإن ثم تفيد التراخي، فإذا كان هناك فاصل يسير لا يضر.
11- ظاهر الدليل أن دعاء الاستخارة بعد السلام لقوله: (فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ...).
12- أن الاستخارة تكون بمجموع أمرين الصلاة والدعاء .
وهذا للأكمل والأفضل –والله أعلم- فإذا كانت المرأة حائضًا أو نفاسا لها أن تقتصر على الدعاء. والله أعلم.
قال النووي رحمه الله في كتابه الأذكار 120 :ولو تعذرت عليه-أي الإنسان- الصلاة استخار بالدعاء.اهـ
13-عدمُ تعيين ما يُقرأُ في الرَّكعتين فنبقى على عموم قول الله عز وجل: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [المزمل:20] .
وقد ذكر النووي رحمه الله في كتابيه التبيان والأذكار (1/294) أنه يقرأ في الركعة الأُولى الكافرون وفي الثانية الصمد .
قال الحافظ رحمه الله في «فتح الباري» عقب حديث الاستخارة (6382): قال شيخنا -يعني: العراقي-: لم أقف على دليل ذلك، ولعله ألحقهما بركعتي الفجر، والركعتين بعد المغرب.
قال: ولهما مناسبة بالحال؛ لما فيهما من الإخلاص والتوحيد. والمستخير محتاج لذلك. اهـ.
وقال رحمه الله في «نتائج الأفكار» (1/510): وأما القراءة في ركعتي الاستخارة، فلم أقف عليها في شيء من الأحاديث. ثم نقل عن العراقي نحو كلامه هنا. اهـ
14- وفي دعاء الاستخارة إثبات صفة العلم، وأن الله علام الغيوب ،وصفة القدرة لله عز وجل .
وهذا هو الشاهد من الحديث إثبات صفة القدرة لله عز وجل .
وفي تبويب الإمام البخاري رحمه الله: {قُلْ هُوَ القَادِرُ} [الأنعام: 65] فمن أسماء الله عز وجل القادر، والقادر يفيد إثبات صفة القدرة لله عز وجل.
15-التوسلُ إلى الله بأسمائه وصفاته قبل السؤالِ .
16- ضعفُ الإنسان وعجزه عن معرفة عواقب أموره المستقبلة؛ ولهذا يتضرع إلى الله عز وجل، ويبتهل أن يختار الله عز وجل له ما فيه الخير ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص:68].
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع فتاواه(4/ 142) فَعَلَّمَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَخِيرَ اللَّهَ بِعِلْمِهِ فَيُعَلِّمَنَا مَنْ عِلْمِهِ مَا نَعْلَمُ بِهِ الْخَيْرَ وَنَسْتَقْدِرَهُ بِقُدْرَتِهِ فَيَجْعَلَنَا قَادِرِينَ. إذْ الِاسْتِفْعَالُ هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ ثُمَّ قَالَ: {وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ} فَهَذَا السُّؤَالُ مِنْ جُودِهِ وَمَنِّهِ وَعَطَائِهِ وَإِحْسَانِهِ الَّذِي يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحَنَانِهِ. وَلِهَذَا قَالَ: {فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ} وَلَمْ يَقُلْ: إنِّي لَا أَرْحَمُ نَفْسِي؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ الِاسْتِخَارَةِ يُرِيدُ الْخَيْرَ لِنَفْسِهِ وَيَطْلُبُ ذَلِكَ. لَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ اللَّهُ إيَّاهُ وَيُقَدِّرْهُ عَلَيْهِ. اهـ المراد
17- تسمية الحاجة فيقول مثلًا: (اللهم إن كان هذا السفر) أو (هذا الزواج)، ونحو ذلك يسمي حاجته ما يقول (إن كان هذا الأمر)؛ لأنه قال: (ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ). وإذا كان له أكثر من حاجة يسمي يقول: (إن كان هذا السفر وهذه التجارة خيرًا لي ....) فله أن يجمع بين حاجتين فأكثر.
18- اسْتُدِلَ بقوله: (وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ) أن الذي يستخير يفعل ما ينشرح له صدره.
وقد نص على ذلك النووي في كتابه الأذكار، وأفاد بذلك الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمهم الله جميعًا.
قال الوالد رحمه الله في قوله: (وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ) يدل على أنه يفعل ما ينشرح صدره له.
19-الإيمان بالقدر لأن الله عزوجل بيده الخير والشر .
مسائل في أحكام الاستخارة
من آداب الاستخارة
1-أن يُنحِّيَ مِن قلبه ما يميل إليه، وأن يفوض الأمرَ إلى ربه قبل أن يستخير .
قال القرطبي رحمه الله في تفسيرقوله تعالى { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْرِغَ قَلْبَهُ مِنْ جَمِيعِ الْخَوَاطِرِ حَتَّى لَا يَكُونَ مَائِلًا إِلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَا يَسْبِقُ إِلَى قَلْبِهِ يَعْمَلُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. اهـ
هذا من الآداب التي قد تُجهل يُنحي عن قلبه ما يميل إليه وما يهواه ليكون مفوضًا الأمر إلى ربه فيدخل في الصلاة متوكلًا على الله لاجئًا إلى الله عز وجل.
2- كان أهل الجاهلية يستقسمون بالأزلام فلما جاء الإسلام أبطلها قال الله عزوجل في سياق بعض المحرمات {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ} .
قال الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله : الاستخارةُ بدلٌ عن الاستقسامِ بالأزلام التي كان يفعلها أهل الجاهلية .
ووجدت الشيخ ابن باز رحمه الله قال هذا في فتاوى نور على الدرب(1/ 212)ونصُّه: أما الأزلام فكانت أشياء يستقسمون بها لحاجتهم، وهي ثلاثة يكتب على واحد افعل، والثاني لا تفعل، والثالث غفل ليس فيه شيء، فإذا أرادوا سفرا أو حاجة مهمة أجالوا هذه الأزلام، فإن خرج افعل فعلوا، وإن خرج لا تفعل تركوا، وإن خرج غفل أعادوا إجالة هذه الأزلام، فنسخ الله ذلك ونهى عنه سبحانه وتعالى، وأرشد المسلمين بدلا من ذلك إلى الاستخارة الشرعية، وهي الدعاء الشرعي بعد صلاة ركعتين بدلا من هذه الأزلام. اهـ
3- هل له أن يكرر صلاة الاستخارة؟ ذكروا أن له أن يكرر الصلاة إذا وجد نفسه مترددًا ولم ينشرح صدره .
والله أعلم .
أم سمية الأثرية
2016-01-27, 15:18
الدرس الثاني عشر من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري 17/ من شهر ربيع الثاني 1437 .
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني عشر:
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (بَابُ مُقَلِّبِ القُلُوبِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام: 110])
7391- حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ: «لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ».
******************
(حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الشرح: (قَوْلُهُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ الْوَاسِطِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ يُكْنَى أَبَا عُثْمَانَ وَيُلَقَّبُ سَعْدَوَيْه وَكَانَ أحدَ الْحُفاظ).اهـ
وأحيانًا في الأسانيد يُذكر بلقبه (سعدويه)، وأحيانًا يُذكر باسمه (سعيد).
(عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ)
وهو عبد الله بْنُ المُبَارَكِ أبو عبد الرحمن المروزي.
جُمِعت فيه خصالُ الخير، لم يسبقه صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بصحبتهم إياه والغزوِ معه.
طلبَ العلمَ وهو ابنُ عشرين عامًا كما في سير أعلام النبلاء.
وهذه بركةٌ من الله سبحانه وتعالى،طلبَ العلمَ في أثناء سنِّ الشباب.
ولا يأت وسواسٌ لأحدٍ ،تأخير طلب العلم إلى سنٍ متأخِر؛فإن هذا من التسويف وهومذمومٌ ، فالعمر قصير، والزمن يسير ، العمر يمشي ، وما مضى منه لا يمكن تداركُ شيءٍ منه ولا دقيقة ، والتأخيرُ له آفات . وكثيرٌ من العلماء يحفظون القرآنَ وكثيرًا من المتون في سنِّ الصِغر قبل سنِّ الشباب والكُهولة وقد قال تعالى منكرا على الكفار {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
-عبد الله بن المبارك قيل فيه
إِذَا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ لَيْلَةَ ... فَقَدْ سَارَ مِنْهَا نُوْرُهَا وَجَمَالُهَا
إِذَا ذُكِرَ الأَحْبَارُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ ... فَهُم أَنْجُمٌ فِيْهَا وَأَنْتَ هِلاَلُهَا
مرجع البيتين سير أعلام النبلاء .
ومن الآثار في الثناء عليه رحمه الله
روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ترجمة ابن المبارك أنه قدم هارون الرشيد أمير المؤمنين الرقة، فانجفل الناس خلف عبد اللَّه بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فلما رأت الناس قَالت: ما هذا؟ قَالُوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقَالُ له عبد اللَّه بن المبارك، فقَالت: هذا واللَّه الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَطٍ وأعوان.
ومن مناظرة عبد الله بن المبارك رحمه الله يقول: كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ فَقَالَ: مَا خَشِيتَ أَنْ تَطِيرَ؟ فَقُلْتُ إِنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ وَكِيعٌ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ كَانَ حَاضِرَ الْجَوَابِ فَتَحَيَّرَ الْآخَرُ , وَهَذَا أَشْبَهُ مِنَ الَّذِينَ يَتَمَادُونَ فِي غَيِّهِمْ إِذَا لَمْ يُبْصِرُوا .
والأثر علقه البخاري في جزء " رفع اليدين "رقم 45 .
وهو موصول يراجع "نشر الصحيفة "للوالد رحمه الله .
أبو حنيفة كان يرى رفع اليدين في الصلاة في التكبيرة الأولى فقط، أما بقية المواضع فلا يرى مشروعية الرفع فيها وقد ردَّ عليه العلماء .
من الآثار الثابتة عن عبد الله بن المبارك رحمه الله: "مَنْ بَخِلَ بِالْعِلْمِ ابْتُلِيَ بِثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عَلِمُهُ، أَوْ يَنْسَاهُ، أَوْ يَتْبَعَ سُلْطَانًا" والأثر أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.
وهذا فيه الحث على نشر العلم وتعليمه، وتبليغه، وعدم كتمانِه.
"إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عَلِمُهُ": يعني ما ينتفعُ بعلمه بعد وفاته، ما ينتفع بمؤلفاته وبأشرطته.
"أَوْ يَنْسَاهُ": من أسباب نسيان العلم كتمانُه.
أما تبليغ العلم فهو من أسباب تثبيتِ المعلومات، ورسوخِها، ونمائِها. وفي الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" متفق عليه. البخاري (5352)، مسلم (993).
والنفقة عامة وليست مقصورة على نفقة المال.
والشاعر يقول:
يزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ منه***وينقصُ إنْ بهِ كَفًا شَدَدْتَ
ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في الحديث الذي رواه مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه و فيه: (وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) .
وأعظم الإعانة الإعانة في طلب العلم الذي عليه مدار السعادة في الدنيا والآخرة.
ويقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: لأَن تدرِّس الكتاب مرة واحدة خير لك من أن تقرأه بمفردك عشر مرات.
وهذا من بركة التعليم تثبتُ المعلومات وارتِساخُها ، ويستفيد وينتفع كثيرًا مما لو قرأه بمفرده .
"أَوْ يَتْبَعَ سُلْطَانًا": السلف يكرهون الدخول على السلاطين، والقرب منهم. وتقدم معنا بعض الآثار سابقًا في هذا المعنى في الكلام على إسناد حديث ابن عباس كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ...
هذه طريقة السلف؛ لأن الإمارة، والقرب من الأمراء قد يشغل، ويأتي بالغفلة، وقد يتولَّى المنصبَ وهو غير قادر عليه، وتقدم معنا الولاية لها ركنان: القوة والأمانة. وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: (القليل من يجتمع فيه ذلك) القليل من يجتمع فيه الصفتان القوة والأمانة، قد يوجد فيه الأمانة لكن فيه ضعف والعكس .
ومن الآثار الثابتة عنه في الثبات على طلَبِ العلم قيل لابن المبارك كم تكتب؟ قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد. أخرجه ابن أبي حاتم رحمه الله في «مقدمة الجرح والتعديل» (صـ280) والأثر له طرق .
وفي بعض الروايات الأخرى يقول :لعل الكلمة التي تقع فيها نجاتي لم تقع إليَّ.
(عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ)
قال الذهبي في ترجمته من سير أعلام النبلاء : كَانَ بَصِيْراً بِالمَغَازِي النَّبويَّةِ، أَلَّفَهَا فِي مُجَلَّدٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ أَخُو إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُقْبَةَ، وَعَمُّ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ.
أَدْرَكَ: ابْنَ عُمَرَ، وَجَابِراً.
وَحَدَّثَ عَنْ: أُمِّ خَالِدٍ.
وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. اهـ
وقد أخرج البخاري(6364) من طريق مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ خَالِدٍ، قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ» .
وهذا نصٌ من موسى بن عقبة رحمه الله أنه لم يسمعْ أَحَدًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَأم خالد .
وذلك لأنَّ أم خالد رضي الله عنها تعمَّرت حتى أدركها مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كساها ثوبًا ودعا لها وقال : «أَبْلِي وَأَخْلِقِي ثُمَّ، أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي» .
والحديث رواه الإمام البخاري (3071) عن أم خالد .
قال الحافظ عقِبَ هذا الرقم: وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا مِنَ الزِّيَادَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ –أي البخاري- لَمْ تَعِشِ امْرَأَةٌ مِثْلَ مَا عَاشَتْ هَذِهِ يَعْنِي أُمَّ خَالِدٍ .
قال الحافظ قلت :وإدراك مُوسَى بن عقبَة لَهَا دَالٌّ عَلَى طُولِ عُمُرِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَهَا . اهـ
وفي حديث أم خالد جواز الدعاء بطول العمر ولكن الأولى ترك ذلك أما الجواز فيجوز. والأولى ترك ذلك لما رواه الإمام مسلم (2663) أن أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: اللهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكِ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَا يُعَجِّلُ شَيْئًا مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ حِلِّهِ، وَلَوْ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ لَكَانَ خَيْرًا لَكِ».
وهذا للأولى والأفضل. وكان الإمام أحمد يكره الدعاء بطول العمر ويقول هذا أمر فُرغ منه.
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ)
هوعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. أبو عبد الرحمن أمه زينب بنت مظعون، أخت عثمان بن مظعون الصحابي.
وكان رضي الله عنه شديدَ الحرص على تتبُّعِ آثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى العمل بالأدلة.
وعبد الله بن عمر رضي الله عنه كان متزوجًا بصفية بنت أبي عبيد الثقفي أخت المختار الذي ادعى النبوة. وقد قبل عبد الله بن عمر حديثًا من روايتها والحديث أخرجه أبوداود(1831)من طريق سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ «كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ يَعْنِي يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ» ثُمَّ حَدَّثَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ «رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُفَّيْنِ فَتَرَكَ ذَلِكَ» .
يقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (1600): هذا حديث حسنٌ .وصفية بنت أبي عبيد الثقفي لم يوثِّقْها معتبر ، ولكن قبول عبد الله بنِ عمر وعمله بروايتها يدل على أَنها ثقةٌ عنده . اهـ
عبد الله بن عمر رضي الله عنه رأى رؤيا مفزعة،فأرشده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى قيام الليل لأنه وقايةٌ من النار ، أعاذنا الله من النار.
والحديث في صحيح البخاري (7028)عن عبدالله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ، وَبَيْتِي المَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاَءِ، فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْرًا فَأَرِنِي رُؤْيَا، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِي مَلَكَانِ، فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلاَنِ بِي إِلَى جَهَنَّمَ، وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُرَانِي لَقِيَنِي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ، لَوْ كُنْتَ تُكْثِرُ الصَّلاَةَ. فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفُوا بِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ البِئْرِ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالًا مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاَسِلِ، رُءُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَانْصَرَفُوا بِي عَنْ ذَاتِ اليَمِينِ.
فَقَصَّتْهاعَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» .
من فوائدِ الحديث:
1. أن أكثر يمين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ»، وكان يحلف بأيمان أخرى. وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه (بَابٌ: كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
ومن أيمانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (والله - وايم الله - والذي نفسي بيده - والذي نفس محمد بيده).
وليس هناك من الأدلة الثابتة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلف بغير الله عز وجل.
أما ما جاء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: <أفلح وأبيه إنْ صدقَ>.
فهذا اللفظ انفرد به مسلم(11) عن البخاري فقد أخرج الحديث البخاري (46) ولم يذكر لفظة (وأبيه) وقدأعلها ابن عبدالبر وقال : إنها غير محفوظة كما في فتح الباري .
وذكر العلامةُ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (10القسم الثاني تحت رقم 4992)طرقَ الحديث وشواهده ثم جزم بأنها زيادة شاذة غير محفوظة شذَّ بها إسماعيل بن جعفر .
وحكم عليها الوالد الشيخ مقبل رحمه الله حينما رَاجعنا حالَها بما يلي :
قال :هي شاذة شذَّ بها إسماعيل بن جعفر رواها عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة، ومالك ممن روى الحديث عن أبي سهيل ولم يذكر هذه اللفظة .
وكذلك ما جاءعند مسلم(93/1032) من طريق ابْن فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ: " أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهُ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ، وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ " .
وقد رواه مسلم (92) قبل هذه الرواية بدون <وأبيكَ> . وأصله عند البخاري (1419) و (2748) بدونها .
قال الشيخ الألباني في الضعيفة (4992) عن هذا اللفظ منكر .
وأفادنا الوالدُ رحمه الله أن لفظةَ (وَأَبِيكَ )انفرد بها محمد بن فضيل وقد خالف من هو أرجح منه فهي لفظة شاذة.
وقد تقدم هذا ولكن أعدناه لتجديدِ العهدِ به .
إذن لم يأت أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلف بغير الله عز وجل في الأدلة الثابتة.
الحلف بغير الله عز وجل يكون شركًا أصغر إذا لم يعتقد تعظيم المحلوف به كتعظيم الله أو أشد. ويكون شركًا أكبرإذا اعتقد تعظيم المحلوف به كتعظيم الله أو أشد.
مما كان يسأل عنه الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: ما الدليل على أن الحلف بغير الله شرك؟!
والشيخ الوالد رحمه الله يقول عن الحديث الذي رواه أبوداود في سننه(3251) من طريق سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ، رَجُلًا يَحْلِفُ: لَا وَالْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» هو منقطع سعد بنُ عبيدة لم يسمعه من عبدالله بن عمر ، وقد ذكره في أحاديث معلة .
وتكون إجابة بعضهم بأدلة النهي عن الحلف بغير الله كحديث «مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه البخاري (2679).
وهذا خطأٌ ،عندنا قاعدة (ليس كلُّ محرمٍ شركًا ، وكلُّ شركٍ محرَّمٌ) فأدلة التحريم لا يصح الاستدلالُ بها على إثبات الشرك .
وقد ثبت في سنن النسائي (3773) وهو في الصحيح المسند للوادعي (1638) عن قُتَيْلَةَ امْرَأَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَتَقُولُونَ وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَيَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ.
وهذا دليلٌ على أن الحلف بغير الله شرك .
2. وفي الحديث الحثُّ على الثبات والتحذير من أسباب الزيغ.
وفي الآية الكريمة التي ذكرها الإمام البخاري رحمه الله {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ}[الأنعام: 110]. ويقول عز و جل: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال: 24] دليلٌ على ذلك .
وقد ثبت في صحيح مسلم (2654) عن عبدالله بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ».
وثبت في سنن ابن ماجة (199) عن النواس بنِ سمعان قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» وَكانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يَقُولُ: " يَا مُثبِّتَ الْقُلُوبِ، ثبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ. قَالَ: وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ أقْوَامًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " .
هناك أمور تعين على الثبات بإذن الله عز وجل منها:
1. الدعاء: ومن أدعية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ».
وفي صحيح مسلم (1343) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ». الشاهد (وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ).
ومن أدعية عباد الله الصالحين: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران:8].
ويقول المصلي في كل ركعة في قراءة الفاتحة{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } .
وهذه الآية من أدعية الثبات .
وقد أورد الحافظ ابنُ كثيرٍ إشكالا على هذا وأجاب عنه .
قال رحمه الله في تفسير سورة الفاتحة فإن قيل فكيف يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ؟ فَهَلْ هَذَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ أَمْ لَا؟
قال :فَالْجَوَابُ أَنْ لَا، وَلَوْلَا احْتِيَاجُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى سؤال الهداية لما أرشده الله تعالى إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مُفْتَقِرٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَحَالَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَثْبِيتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَرُسُوخِهِ فِيهَا وَتَبَصُّرِهِ وَازْدِيَادِهِ مِنْهَا وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهَا فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَرْشَدَهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنْ يَمُدَّهُ بِالْمَعُونَةِ وَالثَّبَاتِ وَالتَّوْفِيقِ، فَالسَّعِيدُ من وفَّقه الله تعالى لسؤاله فإنه قَدْ تَكَفَّلَ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إِذَا دَعَاهُ وَلَا سِيَّمَا الْمُضْطَرُّ الْمُحْتَاجُ الْمُفْتَقِرُ إِلَيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النِّسَاءِ: 136] فَقَدْ أَمَرَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْإِيمَانِ وَلَيْسَ ذلك من باب تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّبَاتُ وَالِاسْتِمْرَارُ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُعِينَةِ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ
2. العقيدة الصحيحة: فمن كان ذا عقيدة صحيحة فإن هذا من أسباب ثباته، لا تتخطفه الشبهات ولا الشهوات.
3. العلم النافع: ولهذا ربنا عز وجل يقول: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9] ويقول: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114]. أمر الله عز وجل نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بطلب المزيد من العلم لأهميته. وحياة العلماء شاهدة بذلك أن العلم من أسباب الثبات.
الإمام أحمد بن حنبل يروي عنه ولده عبد الله وجاء عن صالح قال: حين احتضر أبي جَعَلَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: لَا ، بَعْدُ، لَا، بعد، فقلت: يا أبة ما هذه اللفظة التي تلهج بِهَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ إِبْلِيسَ وَاقِفٌ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ وَهُوَ عَاضٌّ عَلَى أُصْبُعِهِ وَهُوَ يَقُولُ: فُتَّني يَا أَحْمَدُ؟ فَأَقُولُ لَا ،بَعْدُ ، لَا، بَعْدُ - يَعْنِي لا يفوته حتى تخرج نفسُه مِنْ جَسَدِهِ. البداية والنهاية (10/375)
أي مادامتِ الروح في الجسد فهو على خطر، والقصة مشهورة.
ومن الآثار الثابتة في هذا المعنى ما جاء عن أبي زرعة الرازي- وهو عبيد الله بن عبد الكريم- وَكَانَ فِي السَّوْقِ، وَعِنْدَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَذَكَرُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» , فَاسْتَحْيُوا مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَقَالُوا: تَعَالَوْا نَذْكُرُ الْحَدِيثُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ وَارَةَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ , عَنْ صَالِحٍ وَلَمْ يُجَاوِزْ وَالْبَاقُونَ سَكَتُوا، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَهُوَ فِي السَّوْقِ:، ثنا بُنْدَارٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ , عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ , عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
والأثر أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (76). وأخرجه بنحوه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل (1/345).
وقد رأيت من حياة والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله ما يدل على صبره وثباته. فقد يكون مريضًا ولا تنقطع دروسه، ولا بحوثه، ولا خدمته لطلابه من مراجعة البحوث والإعانة لهم. قد يكون عنده سعال شديد، وجسمه ملتهب بالحمى، ويخرج يلقي دروسه. وفي مرضه الأخير يقول الأطباء: لو كان هذا المرض في غيرك لكان طريحًا على الفراش.
وكان رحمه الله إذا كان مريضًا يسلِّي على من يعوده، وعلى أقربائه كأنه المعافَى ونحن المرْضَى. وهذا من ثمار العلم النافع، ومن ثمار الصدق والإخلاص، والبركة من الله.
نحن ربما نُلقى على الفراش بسبب الزُّكام . نسأل الله أن يرحمَنَا.
4. الصبر: قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل:127]. وقال: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور:48]. وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200].
وقد قال ابن القيم في طريق الهجرتين (266): "ومعلوم أن شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق الصبر، فلو علم العبد الكنز الذى تحت هذه الأحرف الثلاثة أعنى اسم "الصبر" لما تخلف عنه".اهـ
من نَصحَ بالصبر فقد أعظمَ النصيحة. الصبرُ خلُقٌ عظيم، وجزاء الصابرين الجنة. ومن الخطأ أن يقول بعض الجاهلات أنت لا تشعرين بما عندي، هذا خطأ قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن:11] والواجب الصبر والتصبر، اللهَ أسأل أن يُلْهِمَنَا الصبرَ .
5-الإخلاص :فقد قال تعالى { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } وروى البخاري في صحيحه(2898) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» .
6-القناعة :قال تعالى { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.
والقناعة من أعظم أسباب الثبات فإن كثيرا من الناس قد استعبدتْهُمُ المادَّةُ ويدورون معها حيث كانت على خيرٍ أو شرٍ .
7-الاستقامة ظاهرا وباطنا : فمن استقام على دين الله فإن الله يثبته قال تعالى { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ }.
هذه بعض الأمور في أسباب الثبات .
ومن أسباب الزيغ والانحراف والعياذ بالله:
1. المعاصي: قال سبحانه وتعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف:5]. فالمعاصي تخون صاحبها في وقت أحوج ما يكون إلى الثبات، تخونه بسلب سعادته وحياته الطيبة، وتوقعه في الهلَكة، وتحول - والعياذ بالله – بينه وبين الخاتمة الحسنة.
2. اتباع الهوى: قال سبحانه: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾
[ص:26].
التقليد في دين الله :أخرج البخاري (86)عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ نَعَمْ، فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي المَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ: أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ - مِثْلَ أَوْ - قَرِيبَ - لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ - لاَ أَدْرِي بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ ثَلاَثًا، فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ. وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ - لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ " .
3. جلساء السوء وقد تقدم لنا شيء من المذاكرة في هذا ومنها قصة هرقل في صحيح البخاري (7) وفيه "... أَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الفَلاَحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ، فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ" الحديث.
فكان جلساء هرقل سببًا في ثباته على الكفر وعدم إسلامه.
كما أن أبا طالب كان السبب في موته على الشرك بعض جلسائه قال له ( أترغب عن ملَّةِ عبدالمطلب فكان آخرَما قال : هو على ملة عبدالمطلب ).
وعكس موقف هرقل موقف النجاشي التابعي الجليل فإنه قال للمهاجرين الذين هاجروا إليه من الصحابة: من سبكم غرم فنخرت بطارقته، فقال: وإن نخرتم، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي ).
4. الذهاب إلى بلاد الكفر ولا يسلم إلا مَن سلمه الله، حتى إنه من البلاءِ على من سكن فيها أنه قد لا يستطيع الخروجَ منها يقول : سأهاجر وما يكون إلا مجرد أماني ، ما يتحققُ خروجُهُم .والله المستعان.
هذا ولا يأمن على نفسه من الزيغ إلا من كان جاهلا فقد قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضلِ الخلق {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} .
وقال نبيُّ الله يوسف عليه الصلاة والسلام {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)}.
3-ومن فوائد الحديث أن الهداية والضلال بيد الله عز وجل؛ لأن الله هو الذي يقلب القلوب، ويصرفها كيف يشاء. وهذا قول أهل السنة والجماعة، وقد قال سبحانه: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء:88]. ويقول سبحانه: ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الروم:29]. ويقول: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص:56]. ويقول: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف:17].
والقدرية يخالفون ويزعمون أن الله لم يخلق الخير والشر. وعقيدة الرافضة هي عقيدة المعتزلة ودخلت عليهم الشبهة أنه يُنزَّه الله عز وجل عن أن يمنع من الإيمان ثم يأمر بالإيمان ويعاقب على الكفر. ولكن الله هذا ملكه يتصرف فيه كما يشاء: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء:23].
ثم قد بيَّن سبحانه وتعالى في أدلةٍ أخرى أنه ما ختم على قلوبهم ولا منعهم من الإيمان إلا لتماديهم في الطغيان والكفروتكرر ذلك منهم قال سبحانه: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام:110]. يعني أن هذا تكرر منهم، وقال: ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة:127]. وقال سبحانه :﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [البقرة:10]. وقال: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف:5].
ومن هنا تأول القدرية أدلةَ القدر في خلق أفعال العباد، وقالوا في الهداية: المراد سماه الله مهتديًا، ومنهم من قال: المراد بالهداية هداية الدعوة والبيان. فهداية الدعوة والبيان لا ينكرها القدرية ولكنهم ينكرون هداية التوفيق فلهذا لجأوا إلى التحريف .
وقالوا في أدلة الإضلال: سماه الله ضالًا، ومنهم من قال: ألفاه الله ووجده إلى غير ذلك من التأويلات الباطلة كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل.
والواجب أن نؤمن بها على ظاهرها. أدلة الختم على ظاهرها ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة:7]. أدلة الطبع، أدلة الهداية والضلال، إلى غير ذلك نؤمن بها على ظاهرها ولا نحرفها كما ذهبت إليه المعتزلة.
علمنا أن حديث الباب دليل على أن الله خالقُ أفعالِ العباد خيرِها وشرِّها .
ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، والقدرية يقولون: العبد هو الذي يخلق فعل نفسه هو الذي يخلق الخير والشر والسعادة والإيمان والفسوق، وهذا القول باطل .
4- الحديث من أدلة العناية بالقلوب. وقد قال سبحانه: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر:4]. وهذا يشمل تطهير الثياب والبدن والمكان من النجاسة، ويشمل طهارة القلب وقد ذكر هذا المعنى ابن القيم في إغاثة اللهفان.
وفي الصحيحين البخاري (53)، مسلم (1599) عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "... أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ" .
فالعناية بالقلب أمر مهم، بطهارته ونظافته ونقاوته من جميع الأمراض الباطنة كالنفاق والرياء والعجب والغرور والحسد .والله المستعان.
وقد قيل يطيَّبُ القلبُ للعلم، كما تطيبُ الأرضُ للزراعة.
هذا من الأمور التي ينبغي أن نعتني بها، وأن نجاهد في إصلاح قلوبنا فإنها قد تفسد وقد تمرض وقد تموت، تتراكم ظلمة المعاصي عليها، وتستحكم عليها فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه.
علينا بالدعاء أن الله يصلح سرائرنا بحيث تكون قلوبنا نظيفة خالية من الأوساخ وكان من أدعية النبي: "وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي" .
ومن دعاء عباد الله الصالحين: ﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر:10].
القرآن والسنة فيهما تربيتنا على الآداب والأخلاق والصبر والصدق والإخلاص وعلى المجاهدة في طاعة الله.
5- في الحديث إثبات قدرة الله عز وجل، وعظمته فهو يتصرف كما يشاء في خلقه. والله تعالى أعلم.
6-إثبات صفة التقليب لله عزوجل .
7-عدَّ بعضهم«وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ» من أسماء الله عزوجل .
قال شيخ الإسلام في مجموع فتاواه في سياق ذكر أسماء الله عزوجل :وَكَذَلِكَ أَسْمَاؤُهُ الْمُضَافَةُ مِثْلَ: أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَأَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَجَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَثَبَتَ فِي الدُّعَاءِ بِهَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .
حامد فاتح
2016-02-04, 02:09
بارك الله فيك
أم سمية الأثرية
2016-02-04, 09:44
وفيكم بارك الله
أم سمية الأثرية
2016-02-04, 09:57
الدرس الثالث عشر من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري 25من شهر ربيع الثاني 1437 .
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث عشر
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله: بَاب إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ إِلَّا وَاحِدًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ "ذُو الْجَلَالِ" الْعَظَمَةِ "الْبَرُّ" اللَّطِيفُ
6957 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ .أَحْصَيْنَاهُ حَفِظْنَاهُ
***********************************
(قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذُو الْجَلَالِ الْعَظَمَةِ الْبَرُّ اللَّطِيفُ)
هذا أثر عن ابن عباس رضي الله عنه، (ذُو الْجَلَالِ) يفسر الجلال بالعظمة، و(الْبَرُّ) يفسره باللطيف.
وقال ابن الأثير في النهاية: البَرُّ العطوف على عباده ببرِّه ولطفه.
ويقول ابن القيم رحمه الله:
والبَرُّ في أوْصَافِهِ سُبحانه هو كَثْرةُ الخَيراتِ والإحْسَانِ
فسَّر ابن القيم رحمه الله في نونيته اسم الله (البر) بكثرة الخيروالإحسان. فهذا معنى اسم الله (البر) يتضمن صفة كثرة الخير والإحسان.
وإحسانه سبحانه على نوعين:
- إحسانٌ عام بجميع الخلق، بالكفار والمؤمنين والحيوانات، في أرزاقهم وصحَّتهم وإعطائهم الولد، ونحو ذلك.
- وإحسان خاص بأولياء الله عز وجل. فمن إحسان الله إلى أوليائه أن رزقهم الهدى والإيمان، ومن أعظم الإحسان رزقُ العلم النافع .
ومن إحسانه قبولُ توبة عبده، وتجاوزه عن المسيء، وستر الذنب عليه.
وبرُّ الله بعباده المؤمنين أكمل وأفضل .
والله عز وجل بَرٌّ يحب البَرَّ من عباده، ويحب بِر الوالدين، والخُلُق الحسن فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ". من حديث النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ رضي الله عنه عند مسلم (2553).
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ" الحديث. البخاري (5743)، مسلم (2607).
ومعرفة اسم الله (البَر) ومعناه ، يثمر محبة الله عز وجل، والاستكانة، والخضوع، وحسن الظن بالله ،والتوجه بالدعاء إلى الله عز وجل الكريم الواسع بسؤال العطاء والبركة والتوفيق لأنه كثير الخير والإحسان.
ولم يُذكر اسم الله (البر) إلا في موضع واحد في القرآن الكريم في سورة الطور ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور:28].
(حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ)
وهو الحكم بن نافع، من الثقات. وتلازمه غالبًا "أخبرنا". وهناك عدد من المحدثين "أخبرنا" ملازمة لهم، مثل إسحاق بن راهويه. وأهل المصطلح لهم عناية بهذا.
(أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ)
وهو ابن أبي حمزة دينار. كان عسِرًا في الحديث. قال أبوزرعة الدمشقي رحمه الله في «تاريخه» (1055): أخبرني الحكم بن نافع، قال: كان شعيب بن أبي حمزة عسرًا في الحديث فدخلنا عليه حين حضرته الوفاة، قال: هذه كتبي قد صححتها فمن أراد أن يأخذها فليأخذها، ومن أراد أن يعرض فليعرض ومن أراد أن يسمعها من ابني فليسمعها فقد سمعها مني.
وابنه هو بشر بن شعيب.
(عَسِراً فِي الحَدِيْثِ) يعني لا يحدِّث إلا بحديث أو حديثين ونحو ذلك .هذا أو معناه ما أفادنا به الوالد الشيخ مقبل رحمه الله .
وقال المعلمي رحمه الله في التنكيل (1/ 445 ):العسر في الرواية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد .اهـ.
فدلَّ هذا أن العُسْرَ في الحديث يدخل فيه أكثر من معنى .
وقد وُصف جماعة من المحدِّثين بذلك منهم الأعمش سليمان بن مهران، كان عسرا في الحديث .
وأخرج الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (307) من طريق حفص بن غياث يقول: قيل للأعمش: لو حدثتنا فقال: لأن أتصدق بعرق أو رغيف أحب إليَّ من أن أحدثكم بعشرة أحاديث.
هذا أثر صحيح.
(لأن أتصدق بعرق) قال في النهاية :هُوَ زَبِيلٌ مَنْسوج مِنْ نَسَائج الخُوص، وَكُلُّ شَيْءٍ مَضْفُور فَهُوَ عَرَقٌ وعَرَقَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا.
وقال البغوي في زوائد الجعديات (781) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ قَالَ: كَانَ الْأَعْمَشُ إِذَا حَدَّثَ بِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ قَالَ: «قَدْ جَاءَكُمُ السَّيْلُ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا مِثْلُ الْأَعْمَشِ .
وهذا إسنادٌ ضعيف.
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ هو أبوهشام الكوفي الرفاعي, ضعيف.ونبقيه لفائدة معرفة حاله .
ومنهم أبو بكر بن عياش ذكر الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» عقب رقم (324): أن أبا بكر يعني: ابن عياش كان عسيرًا في الحديث.
ومنهم ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن. أخرج البغوي رحمه الله في «زوائد الجعديات» (2857)من طريق علي ابن المديني، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان ابن أبي ذئب عَسِرًا.
قال علي: قلت: عسرًا قال: أعسر أهل الدنيا إن كان معك كتاب قال: اقرأه وإن لم يكن معك كتاب فإنما هو حفظ.
قال علي: فقلت ليحيى: فأخبرني عن ابن أبي ذئب ومن كنت تحفظ عنه، كيف كنت تصنع فيه؟ فقال: أتحفظها وأكتبها.
ومنهم مسعر بن كدام الملقب بالمصحف؛ لإتقانه.
أخرج الخطيب رحمه الله في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1459) من طريق قبيصة، يقول: سألت مالك بن مغول عن حديث، فقال: { أَعُوذُ بِالرحْمَنِ مِنْكَ إِن كُنْتَ تقِيَّاً }[مريم:18]؟
قال: فأما مسعر فكان لأن يقلع ضرسه ‑أو كما قال‑ أحب إليه من أن يحدث بحديث.
قال: وما رأيت عنده عشرة قط كانوا يكونون ستة سبعة. وسنده صحيح .
وقد نبَّه وبيَّن أهل العلم أنه ينبغي للمعلِّم أن يكون سهلًا سمحًا في تعليمه، والله أعلم.
(حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ)
أبو الزناد لقب، وكنيته أبو عبد الرحمن. وهو عبد الله بن ذكوان.
(عَنْ الْأَعْرَجِ)
عبد الرحمن بن هرمز، أخذ القراءة عرضًا على أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما. كما في سير أعلام النبلاء.
وذكر الشخص بلقبه عند الحاجة؛ وذلك للتعريف به جائز. والممنوع أن يُذكر لغير الحاجة وللتعيير كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات:11].
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) حافظ هذه الأمة المحمدية.
- الحديث متفق عليه.
من فوائد الحديث:
1- في هذا الحديث إثبات الأسماء الحسنى لله عز وجل، وقد قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:180] وقال: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء:110].
قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره: أي له كلُّ اسم حسن .
قال :وضابطه :كلُّ اسمٍ دالٍ على صفة كمال عظيمة .اهـ.
وهذه قاعدة :أن كلَّ اسم من أسماء الله الحُسنى ، دالٌ على صفة كمال لله عزوجل .
أسماء الله عز وجل
قد تدل على صفة ذاتية، مثل: القوي والحي والسميع والبصير والعظيم والغني وما أشبه ذلك.
وقد تدل على صفة فعلية مثل: الرزاق فيه إثبات صفة الرزق، والرحيم فيه إثبات صفة الرحمة .
وقد يدل على صفة ذاتية وصفة فعلية مثل: السلام فيه إثبات صفة ذاتية وهو أن الله عز وجل سالم من النقص والعيب، ويدل على صفة فعلية وهي أن الله عز وجل يسلم عباده من الشر والمصائب.
وكاسم الله الرَّب يدل على بعض الصفات الذاتيةٍ وبعض الصفات الفعلية قال ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد(4/ 132): الرب هو السيِّد والمالِك والمُنعِم والمُرَبِّي والمُصْلِح والله تعالى هو الرَّبُّ بهذه الاعتباراتِ كُلِّها .اهـ
ونستفيد من هذا أن الاسم قد يدلُّ على صفات متعددة فإذا نقص بعض المعاني نقص الاسم عما احتوى عليه.
ومن ذلك الصمد: هو الذي لا جوف له، وهو السيد، وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم. والصمد يشمل هذا كله .
العلي : دالٌ على صفة العلو وهوعلوُّ الذات وعلو القهر وعلو القدْرِ .
وهذا من القواعد النافعة في باب الأسماء والصفات التي ذكرها ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد(1/ 168)قال: من أسمائه الحسنى ما يكون دالا على عدَّةِ صفات ويكون ذلك الاسم متناولا لجميعها تناولَ الاسم الدال على الصفة الواحدة لها قال : وهذا مما خفي على كثير ممن تعاطى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى ففسر الاسم بدون معناه ونقصه من حيث لا يعلم فمن لم يُحِطْ بهذا علما بخس الاسم الأعظم حقه وهضمه معناه فتدبره.اهـ.
وإثبات اسم بلا صفة من الإلحاد في أسماء الله عز وجل .
الإلحاد في أسماء الله عز وجل على أقسام:
1- نفي أسماء الله عز وجل أوبعضها قال سبحانه وتعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف:180] وقد أنكرت الجهمية الأسماء لله عز وجل.
2- نفي الصفات التي دلت عليها أسماء الله عز و جل إلحاد ، فإن كل اسم من أسماء الله متضمن لصفة فمثلاً السميع من أسماء الله عزوجل وهو متضمن لصفة السمع ، البصير من أسماء الله عز وجل وهو متضمنٌ لصفة البصر ،وهكذا. وقد أنكرت هذا المعتزلة وأثبتوا لله عز وجل أسماء أعلامًا محضة لا تدل على صفات وهذا إلحاد.
3- أن يُسَمَّى الله عز وجل بما لم يُسِمِّ به نفسَه.
وذلك لأن أسماء الله عز وجل توقيفية وأيضاً صفاته كما قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36].
ولكن أهل العلم يقولون باب الإخبار أوسع. فمثلًا يقال: الله موجود وموجود ليس من أسماء الله عز وجل و لكنه من باب الإخبار.
4- أن يثبت لله عز و جل أسماء لكنه يجعلها دالة على التمثيل.
قال الشيخ ابنُ عُثيمين رحمه الله في القول المُفيد(2/ 317): فيقول: الله سميع بصير قدير، والإنسان سميع بصير قدير، اتفقت هذه الأسماء; فيلزم أن تتفق المسميات، ويكون الله -سبحانه وتعالى- مماثلا للخلق، فيتدرج بتوافق الأسماء إلى التوافق بالصفات.
ووجه الإلحاد: أن أسماءه دالة على معان لائقة بالله لا يمكن أن تكون مشابهة لما تدل عليه من المعاني في المخلوق.
5- أن ينقل أسماء الله عز وجل إلى المعبودات من دون الله عز و جل. كأن يسمي الصنم الله أو الإله أو يشتق من أسماء الله عز و جل ويجعلها لآلهتهم كاشتقاق اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان قال تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ( 19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)}[النجم:19،20] .
تراجع المسألة في / بدائع الفوائد لابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ و شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
وتقدم معنا هذا ، وأعدناه لتجديد العهد به .
2- ودل الحديث على العناية بأسماء الله عز وجل وصفاته .
وهذا من العلوم العظيمة وهو أحدُ أقسام التوحيد، فالتوحيد أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
3- هذا الحديث ليس فيه الحصر لأسماء الله عز وجل، وإنما المراد أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فلا ينفي وجود غيرها.قال ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد(1/ 167): والمعنى له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها وهذا كما تقول لفلان مائة مملوك وقد أعدهم للجهاد فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدون لغير الجهاد وهذا لا خلاف بين العلماء فيه.اهـ.
ومن الأدلة ما رواه الإمام أحمد (3712،4318) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا"، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: "بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا".
وعلى هذا جمهور العلماء، أن أسماء الله عز وجل غير محصورة.
وخالف ابن حزم رحمه الله، وذهب إلى حصر أسماء الله عز وجل في التسعة والتسعين استدلالًا بحديث الباب وقد ردَّ عليه أهل العلم.
وتكلم أهل العلم على الحكمة من إخفاء هذه الأسماء وهوأن يجتهد العبدُ المؤمن في البحث عنها فيكتسب أجورًا، ومثله ليلة القدر أُخْفيت في أي ليلةٍ من شهر رمضان تكون لحكمةٍ ؛ وهي أن يجتهد الناس في العبادة.
وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التمسوها وترًا.
أما ما جاء من سرد الأسماء التسعة والتسعين فهذا حديث رواه الترمذي برقم (3507) من طريق الوليد بن مسلم وقد وهم في رفعها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى(6/379) "وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا وَرَدَ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ ذَكَرَ ذَلِكَ هُوَ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ رَوَى الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى فِي "جَامِعِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهَا ابْنُ مَاجَة فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ مخلد بْنِ زِيَادٍ القطواني؛ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ كَلَامِ بَعْضِ السَّلَفِ فَالْوَلِيدُ ذَكَرَهَا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ الشَّامِيِّينَ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِهِ". اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام (1368): "وَسَاقَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ الْأَسْمَاءَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ سَرْدَهَا إِدْرَاجٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ" .اهـ
وكثرةُ الأسماء تدلُّ على عظمة المُسَمَّى .
القرآن له أسماء كثيرة ، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له أسماءٌ كثيرة . وهذا يدل على عظمة المسمَّى .
4- وفيه الترغيب والبشارة بالجنة لمن أحصى أسماء الله التسعة والتسعين (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ).
5- إحصاء أسماء الله عز وجل بأمور:
1- حفظها. 2- فهم معناها. 3- دعاؤه بها.
حفظها: فالذي ما يحفظها فقط يكتبها، ولا يحفظها ،لا ينال هذه الفضيلة.
أو يحفظها بدون فهم لمعناها كذلك .
والثالث :دعاؤه بها . وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن التعبير بالدعاء أولى من عبارة والعمل بها لأنه الموافق للفظ القران الكريم يقول الله عز وجل: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ .
قال رحمه الله في بدائع الفوائد (1/164): في بيان مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح. المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها .
المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها .
المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} .
وهو مرتبتان إحداهما: دعاء ثناء وعبادة والثاني: دعاء طلب ومسألة فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكذلك لا يسأل إلا بها فلا يقال يا موجود أو يا شيء أو يا ذات اغفر لي وارحمني بل يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيا لذلك المطلوب فيكون السائل متوسلا إليه بذلك الاسم ومن تأمل أدعية الرسل ولا سيما خاتمهم وإمامهم وجدها مطابقة لهذا.
قال : وهذه العبارة أولى من عبارة من قال: يتخلَّق بأسماء الله فإنها ليست بعبارةٍ سديدةٍ وهي منتزَعة من قول الفلاسفة بالتشبُّه بالإله على قدر الطاقة.
وأحسن منها عبارة أبي الحكم بن برهان وهي التعبد .
وأحسن منها العبارة المطابقة للقرآن وهي الدعاء المتضمن للتعبد والسؤال .
قال: فمراتبها أربعة :أشدها إنكارًا عبارة الفلاسفة وهي التشبه وأحسن منها عبارة من قال التخلق وأحسن منها عبارة من قال التعبد وأحسن من الجميع الدعاء وهي لفظ القرآن .اهـ
دعاء الله بأسمائه نوعان: دعاء ثناء وعبادة، دعاء مسألة.
- دعاء الثناء والعبادة: مثل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، ومثل دعاء الكرب «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ» متفق عليه.
- ودعاء المسألة: أن يدعوَ الداعي بما يجلب له النفع، ويدفع عنه الضر.
التعبد بأسماء الله مثلًا من أسماء الله عز وجل العليم الخبير، فيتجنب المعاصي، ويمتثل أوامر الله عز وجل؛ لأنه يعلم أن الله مطلِّع عليه، هذا عمل بمقتضى أسماء الله عز وجل.
ومن أسماء الله الرقيب: يخشى الله عز وجل في السر والعلَن؛ لأن الله مطلِّع عليه.
ومن أسماء الله عز وجل السميع: لا يقول إلا خيرًا؛ لأن الله عز وجل يسمع كلامه.
ومن أسماء الله عز وجل البصير: لا يفعل إلا خيرًا؛ لأن الله يراه.
الرحيم : يعمل ما يكون سببا لرحمة ربه إياه .
التوَّاب : يتوب إلى الله حتى يتوب الله عليه .
الغفور : يستغفر حتى يغفر الله له ذنوبه .
عرفْنا أن قوله (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) هذا في ثلاثة أمور: حفظها، فهم معناها، دعاؤه بها .
وهذا يبعث على الاهتمام بمعاني أسماء الله عز وجل لأنه من أحصاها دخل الجنة، ونسأل الله أن ينفعنا بما نقرأ ويفقهنا في دينه .
وكتاب التوحيد من صحيح البخاري فيه خيرٌ كبيرفي توحيد الأسماء والصفات . وفي كتاب الله عز وجل جملة كبيرة في الأسماء والصفات ، ومنها سبعة عشر اسمًا في آخر سورة الحشر.
6- وفيه الإيمان بالجزاء الأخروي (دَخَلَ الْجَنَّةَ).
7- واستُدل به على مسألةٍ وهي أنه يقال: (الاسم للمسمَّى)قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (6/206) قال: وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ "الِاسْمَ لِلْمُسَمَّى" كَمَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَهَؤُلَاءِ وَافَقُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْمَعْقُولَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وَقَالَ: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا} " {وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِي خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَد وَالْمَاحِي وَالْحَاشِرُ وَالْعَاقِبُ} " وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.اهـ
وهناك أقوال أخرى في المسألة، ومنها أن الاسم هو المسمى، وهذا قول طائفةٌ من أهل السنة. الاسم هو المسمى أي: نفس المسمي، عين المسمى.
ومن أهل العلم من منع الكلام في هذه المسألة؛ لأنه لم يأتِ في ذلك دليل ولم يأت عن الصحابة ولا التابعين الكلام في هذا، وهذا قول أبي جعفر ابن جرير الطبري في كتابه صريح السنة. وقول إبراهيم الحربي كما في مجموع الفتاوى وآخرين.
هناك كلام لابن القيم رحمه الله في شفاء العليل (277) فيه تفصيل يقول:فالاسم يراد به المسمى تارة ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى فإذا قلت قال الله كذا واستوى الله على عرشه وسمع الله ورأى وخلق فهذا المراد به المسمَّى نفسه وإذا قلت :الله اسم عربي والرحمن اسم عربي والرحمان من أسماء الله والرحمان وزنه فعلان والرحمن مشتق من الرحمة ونحو ذلك فالاسم ههنا للمسمى).
هذا التفصيل ذكره ابن القيم رحمه الله، وهذه طريقة لبعض العلماء.
وهذه إشارة خفيفة في هذه المسألة. ويراجع مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام .
أما الجهمية فإنهم يقولون: الاسم غير المسمى، ويقصدون أن ما كان غير المسمى فهو مخلوق. وأهل السنة والجماعة على أن أسماء الله عز وجل غير مخلوقة لأنها تابعة للذات. والله أعلم.[/font][/size]
أم سمية الأثرية
2016-02-10, 08:02
الدرس الرابع عشر من /كتاب النوحيد من صحيح البخاري 1من شهر جمادى الأولى 1437.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله
بَابُ السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِعَاذَةِ بِهَا
7393 - حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَقُلْ: «بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ» ، تَابَعَهُ يَحْيَى، وَبِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَ زُهَيْرٌ، وَأَبُو ضَمْرَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
******************************
(حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) وهو الأويسي.
(حَدَّثَنِي مَالِكٌ) هو ابن أنس، إمام الهجرة.
(عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ)
سعيد بن أبي سعيد كيسان، وأيوب بن أبي تميمة اسم أبيه كيسان.
سعيد بن أبي سعيد يقال له المقبري قال النووي رحمه الله في تهذيب الأسماء واللغات(1/219): المقبرى، بضم الباء وفتحها، منسوب إلى المقابر؛ لأنه كان يسكن عندها، وقيل: لأن عمر بن الخطاب جعله على حفر القبور بالمدينة، وهو أبو سعد، بإسكان العين .اهـ.
(الدراوردي) عبد العزيز بن محمد.
- مَن أسعد الناس بالصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ المحدثون، وهذا معدود في مناقب المحدثين. وقد ذكر هذا الخطيب في شرف أصحاب الحديث وبوب رحمه الله (كَوْنُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَوْلَى النَّاسِ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدَوَامِ صَلَاتِهِمْ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).
وذكرالخطيب رحمه الله في شرف أصحاب الحديث (ص 34) بإسناده عن أبي نُعَيْمٍ قال: وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ شَرِيفَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا رُوَاةُ الْآثَارِ وَنَقَلَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِعِصَابَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِمَّا يُعْرَفُ لِهَذِهِ الْعِصَابَةِ نَسْخًا وَذِكْرًا.
قوله: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ) أي: لينام.
قوله: (بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ) أي داخل إزاره، قال القاري في مرقاة المفاتيح (4/1653): قَيَّدَ النَّفْضَ بِإِزَارِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَرَبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ثَوْبٌ غَيْرَ مَا هُوَ عَلَيْهِمْ مِنْ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَقُيِّدَ بِدَاخِلِ الْإِزَارِ لِيَبْقَى الْخَارِجُ نَظِيفًا، وَلِأَنَّ هَذَا أَيْسَرُ، وَلِكَشْفِ الْعَوْرَةِ أَقَلُّ وَأَسْتَرُ .اهـ.
فإذا نفض فراشه بأي شيء إما بخرقة أو نحوها يحصل المقصود .
وهنا في الحديث يفعل ذلك ثلاث مرات.
هذا الحديث العظيم من أذكار النوم، والمحافظة على الأذكار فيها امتثال للشرع، ومسابقة إلى الخير، وتحصن من الشيطان الرجيم.
وفيه من الفوائد:
1- الأخذ بالأسباب يما يكون فيه السلامة.
وقوله (وَضَعْتُ جَنْبِي) الجنب: ما دون الإبط إلى الكشح، والكشح كما في كتب اللغة: مابين الخاصرة إلى الضلع الخلف. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يضطجع على شقه الأيمن والحديث متفق عليه البخاري (6315) مسلم (2710) عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَهُنَّ ثُمَّ مَاتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ».
والحكمة من هذا يقولون لأن القلب متعلق بجهة اليسار، فإذا اضطجع على شقه الأيمن يكون القلب معلقًا فلا يستغرق كثيرًا في النوم، والله أعلم.
يراجع /زاد المعاد .
2- وفيه استسلام العبد لله عز وجل، وأن الإحياء والإماتة بيد الله عز وجل ﴿هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يونس:56] وهذا داخلٌ في توحيد الربوبية .
3- وفيه أن الإنسان قد يموت وهو نائم (إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا) و الغالب أن الإنسان لا يموت إلا بسبب.
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره **** تعددتِ الأسبابُ والموت واحد
قوله (وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ)
العبد الصالح: هو الذي يقوم بحق الله عز وجل، وحق عباده.
وهذا حفظ عام من المعاصي ومن الشيطان وعداوته ومن الضرر الديني والدنيوي. وهذا من أعظم الأدعية التي تقال عند النوم.
(بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ) هذا حفظ خاص يقتضي الحفظ والنصر والتأييد.
******************************
7394 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ»، وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ».
******************************
(حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ) ابن إبراهيم الفراهيدي يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في تقريب التهذيب : مسلم ابن إبراهيم الأزدي الفراهيدي بالفاء أبو عمرو البصري ثقة مأمون مكثر، عمي بآخره، من صغار التاسعة مات سنة اثنتين وعشرين، وهو أكبر شيخ لأبي داود.
وهذه فائدة مسلم الفراهيدي أكبر شيخ لأبي داود.
(حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) ابن الحجاج، أمير المؤمنين في الحديث.
(عَنْ عَبْدِ المَلِكِ) ابن عمير.
(عَنْ رِبْعِيٍّ) ابن حراش.
(عَنْ حُذَيْفَةَ)
حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما. اسم أبيه حِسل ويقال حُسيل، وهو صحابي ابن صحابي، وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وقد كان متخصصًا في أمور الفتن ليحذرَها كما في الصحيحين البخاري (3606) ومسلم (1847) عن حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ يَقُولُ: (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي... الحديث) .
وهذا الحديث (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي) يقول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله :حديث حذيفة فيه التخصص في العلم .
وكان رحمه الله يقول : ليس هناك مثل التخصص .
وكان ينصح من كان عنده ميولٌ إلى فنٍّ من الفنون العلمية أن يتخصص فيه؛ لأن التخصص له ثمرة سريعة ، وفيه بركة عظيمة ، ولا يهمل العلوم الأخرى.
فالسلف كان منهم من يتخصص ويكون غالبًا ملمًا بالعلوم الأخرى. هذا معنى ما ذكره الوالد رحمه الله.
قلت : هذا من آداب الطالب التخصص في فن من الفنون فهذا سبيل النجاح .
قال الخليل بن أحمد: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ عَالِمًا فَاقْصِدْ لِفَنٍّ مِنَ الْعِلْمِ وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ أَدِيبًا فَخُذْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَحْسَنَهُ .
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا نَظَرَ فِي فَنٍّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِلْمِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا أَخَذَ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ بِنَصِيبٍ .
وقال أبوعبيد القاسم بن سَلَّامٍ: «مَا نَاظَرَنِي رَجُلٍ قَطُّ وَكَانَ مُفَنِّنًا فِي الْعُلُومِ إِلَّا غَلَبْتُهُ، وَلَا نَاظَرَنِي رَجُلٌ ذُو فَنٍّ وَاحِدٍ إِلَّا غَلَبَنِي فِي عِلْمِهِ ذَلِكَ».
مرجع الآثار جامع بيان العلم وفضله (1/522)وينظر في حالها .
فمن كان عنده ميول إلى فنٍ يجتهد فيه ، فمثلا له رغبة في علم التفسير,أوعلم الحديث أوالفقه أوالنحو أوالعقيدة أو الأصول أوغير ذلك يجتهد في ذلك الفن ويتخصص فيه، ولكن لا يتخصص ويبقى جاهلا بالعلوم الأخرى النافعة.
******************************
7395 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الحُرِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: «بِاسْمِكَ نَمُوتُ وَنَحْيَا»، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» .
******************************
(حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) ابن عبد الرحمن النحْوي.
(عَنْ مَنْصُورٍ) ابن المعتمر.
(عَنْ أَبِي ذَرّ) جندب بن جنادة رضي الله عنه.
في هذين الحديثين بيان بعض أذكار النوم والاستيقاظ .
ومن الفوائد:
1- أن النوم يسمى موتًا (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا). وهذا موت أصغر وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام:60]. جرحتم: عملتم.
2- التذكر عند الاستيقاظ الحياة الأُخْروية (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).
3- وفيه الثناء على الله سبحانه بالحمد عند الاستيقاظ؛ لأن النوم نعمة من نعم الله قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا}وقال {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} .
قال البغوي في تفسير سورة الفرقان :سباتا رَاحَةً لِأَبْدَانِكُمْ وَقَطْعًا لِعَمَلِكُمْ، وَأَصْلُ السَّبْتِ الْقَطْعُ، وَالنَّائِمُ مَسْبُوتٌ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَحَرَكَتُهُ. اهـ .، والنوم آية من آيات الله سبحانه الدالة على عظمته وقدرته، قال سبحانه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [الروم:23].
******************************
7396 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا"
******************************
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) وهو أبو رجاء الثقفي البغلاني.
(حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) ابن عبد الحميد.
(عَنْ مَنْصُورٍ) تقدم.
(عَنْ سَالِمٍ) ابن أبي الجعد.
(عَنْ كُرَيْبٍ) مولى ابن عباس.
- مَن القائل :علم الرجال نصف العلم، والتفقه في معاني الحديث نصف العلم؟ علي بن المديني رحمه الله أخرجه الرامَهرمزي في المحدث الفاصل ..
(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) أبو العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ)
أي زوجته أوأمته. وهذا الحديث من آداب الجماع.
وقوله: (إِذَا أَرَادَ) يُفَسِّر الروايةالأخرى عند البخاري (3283) (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ) أن المراد أنه قبل الوقاع. مثل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل:98]. أي: أردت.
هذا الحديث بوب عليه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الوضوء (بَابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الوِقَاعِ) إشارة منه رحمه الله إلى مشروعية التسمية في أول الوضوء.
وجمهور العلماء على استحباب التسمية في أول الوضوء.
وبسم الله كلمة عظيمة مباركة ولهذا شرع قولُها في مواطن كثيرة.
فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خرج من منزله قال: (باسم الله) كما في مسند أحمد (26616) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ، قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا».
وفي صحيح مسلم (2018) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ".
ظاهر الدليل أن قول صاحب البيت بسم الله عند الدخول يجزئ في دفع دخول الشيطان. لكن ينبغي أن يقول الجميع من الكبار والمميزين (بسم الله) عند الدخول.
ومن المواضع: قول (بسم الله) عند إطفاء المصباح بجميع صوره وأشكاله، هذا من الآداب التي ينبغي أن نحرص عليها، ونربِّي أطفالنا على ذلك.
روى البخاري(3280) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ، أَوْ قَالَ: جُنْحُ اللَّيْلِ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا ".
وحديث جابر فيه أنه عند غلق الباب يقال باسم الله وإيكاء السقاء وتخمير الإناء إذا غطينا الإناء ينبغي أن نقول باسم الله .
تعويد اللسان على قول: (بسم الله) عند الركوب وعند النزول وعند النوم وعند السقوط فقد ثبت عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَثَرَتْ دَابَّةٌ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: "لَا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي، وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ" رواه أبو داود في سننه (4982) وهو في الصحيح المسند للوادعي (1503).
علق الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/120) في فضل البسملة علق على هذا الحديث وقال: فَهَذَا مِنْ تَأْثِيرِ بَرَكَةِ بِسْمِ اللَّهِ؛ وَلِهَذَا تُسْتَحَبُّ فِي أوّل كل عمل وَقَوْلٍ.اهـ.
ومن المواضع: قول (بسم الله) عند إرادة دخول الخلاء هذا فيه رواية ضعيفة لكن في الباب عمومات، وقد نقل الإمام النووي في المجموع الاتفاق على ذلك.
إذن قول: (بسم الله) نكثر من قولها ، ولا نملُّ منها.
إذا أخذنا طعامًا (رزًا، سكرًا، حليبًا) أخذتيه بالملعقة قولي: (بسم الله) ففي هذا بركة عظيمة ،الطعام الذي يُؤخذ منه يبارك الله فيه .
التبرك بذكر اسم الله، ما يكون بغفلة . ما أكثر أبواب الخيرات إن استيقظنا فنحن في عبادةٍ إذا تحرينا قول بسم الله ،وفي منافع دنيا وأخرى .
عند الأخذ من النقود كان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يقول : باسم الله اللهم اجعل البركة .
أيضًا في أوَّل الرسائل والمؤلفات وغير ذلك.
الإمام البخاري يقول: (بَابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الوِقَاعِ) .
ابن كثير رحمه الله يقول:وَلِهَذَا تُسْتَحَبُّ فِي أوّل كل عمل وَقَوْلٍ).
إلا في المواضع التي ما قالها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثلًا قبل الدخول في الصلاة ما عندنا دليل على أنه إذا أراد أن يصلي يقول: (بسم الله) لكن بعد الاستعاذة كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسمِّي سرًا إذا قرأ من أول السورة.
(بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا) هذا الدعاء يقوله الرجل دون المرأة، هذا ظاهر الدليل.
وهناك قول لبعض العلماء أن المرأة أيضًا تقول ذلك. ولا يُنكَر على من رأى هذا؛ لأن الأصل هو عموم التشريع.
وفي هذا الحديث الحرص على سلامة الولد، وصلاحه قبل وجوده أن يُدعى بهذا الدعاء حفظًا له من شر الشيطان.
ومن الحرص على صلاح الأولاد قبل وجودهم الدعاء .
هذا الدعاء عام حتى وإن كان لا يولد لهما.
وفيه أن الولد رزق من أرزاق الله عز وجل.
وفيه ملازمة الشيطان للإنسان في كل أحواله، وقد ثبت في صحيح مسلم (2033) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ».
وهذا مما يجعل العبد حذرا ومتحفظًا ومتنبهًا من عدوه الذي لا يراه ،من وساوسه وأفكاره ونزغاته وعداوته، والله المستعان.
وفيه فضل هذا الذكر عند الوقاع، وأنه سبب لسلامة الولد وحفظه.
قوله: (لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا) هذا ليس على عمومه، فلا بد من وساوسه ولا بد من المعاصي. وقد قال النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» الحديث متفق عليه البخاري (6612) مسلم (2657) عن أبي هريرة.
فالمراد به بعض الأمور مثل الردة - والعياذ بالله - والكفر، وتسلط الشيطان عليه و ما أشبه ذلك. أيضًا لا يضره بإذن الله عز وجل في عقله ولا في بدنه، والله تعالى أعلم.
الشيطان: هو كل عاتٍ متمردٍ . وهويشمل شياطين الجن والإنس، وكل من تمرد من حيوان أو غيره.
******************************
7397 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: أُرْسِلُ كِلاَبِي المُعَلَّمَةَ؟ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ المُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَأَمْسَكْنَ فَكُلْ، وَإِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْ» .
******************************
(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي.
(حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ) ابن غزوان.
(عَنْ إِبْرَاهِيمَ) ابن يزيد النخعي.
(عَنْ هَمَّامٍ) بن منبه.
(عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) صحابي كريم حتى قال الشاعر (رؤبة بن العجاج):
بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ **** وَمَنْ يُشابِهْ أَبَهُ فَما ظَلَمْ
في هذا الحديث السؤال عن أمور الفقه، وهذه أسئلة الصحابة أسئلة دينية فقهية وأسئلة عن الوصول إلى الجنة.
وفيه إباحة صيد الكلب المعلَّم، وهو الذي إذا أُشلي استشلى، وإذا زُجر انزجر، وإذا صاد لم يأكل مما أمسك.
وهذه ثلاثة شروط في الكلب المعلَّم قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [المائدة:4].
إذا أُشلي استشلى: يعني إذا أغراه صاحبه للذهاب إلى الصيد مضى.
وإذا زجر انزجر لأنه معلَّم.
وإذا صاد لم يأكل مما أمسك؛ لأن الله يقول: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [المائدة:4].
وفي بعض طرق عدي رضي الله عنه: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا خَالَطَ كِلاَبًا، لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ، وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ، وَإِنْ وَقَعَ فِي المَاءِ فَلاَ تَأْكُلْ» البخاري (5486).
وفيه أنه إذا صاد الصائد بِالْمِعْرَاضِ فأصاب بحده حل أكل الصيد، أما إذا أصاب بعرضه فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، فَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلاَ تَأْكُلْ» رواه البخاري (5476).
المِعْرَاض بِالْكَسْرِ: سَهمٌ بِلَا ريشٍ وَلَا نَصْل، وَإِنَّمَا يُصِيب بعَرْضه دُون حدِّه.كما في النهاية .
******************************
7398 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَا هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لاَ نَدْرِي يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لاَ، قَالَ: «اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللَّهِ، وَكُلُوا» تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَأُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ
******************************
(حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى) القطان.
(حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ) سليمان بن حيان.
(سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ) أبو المنذر، زوجته فاطمة بنت المنذر وهي زوجته وشيخته.
(يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبير الصابر المحتسب.
(عَنْ عَائِشَةَ) أم المؤمنين رضي الله عنها.
هذا الحديث انفرد به الإمام البخاري عن مسلم.
قوله: (إِنَّ هَا هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ) حديث عهدهم: أي قريبًا.
في هذا الحديث التسمية عند الأكل. وفي الصحيحين البخاري (5376)، مسلم (2022) عن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.
وفيه حمل ذبائح المسلمين على السلامة. فهنا سألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن هذه المسألة فقال: (اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللَّهِ، وَكُلُوا).
وقد يفهمُ بعض الناس من هذا الحديث إباحة أكل اللحوم المستوردة من بلاد الكفر أنه يسمي الله ويأكل، هذا ليس بصحيح فهؤلاء مسلمون الذين سُئِل عنهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسلمون. أما اللحوم المستوردة من بلاد الكفار فهي ميتة لا يجوز أكلها، والميتة فيها سموم وضرر.
المرق المجفَّف هذا تابع لأصله، ما كان من بلاد إسلامية فهو حلال، وما كان من بلاد كفرية فهو حرام .
والإنسان يتحرى ما يُدخِل جوفَه إلا حلالا ومن كسبٍ حلال؛ لأن لطيب المأكل تأثيرًا على القلب وعلى البدن وعلى الدين .وهذا من أعظم نعم الله البعد عن الحرام .
******************************
7399 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ» .
******************************
(هشام)
ابن أبي عبد الله الدَّستوائي، القائل (وَاللهِ مَا أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ إِنِّي ذَهَبتُ يَوْماً قَطُّ أَطْلُبُ الحَدِيْثَ، أُرِيْدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ) قال الذهبي رحمه الله: (وَاللهِ وَلاَ أَنَا) كما في ترجمة هشام الدستوائي من سير أعلام النبلاء.
نسأل الله أن يعيننا على الإخلاص .
(قتادة) وهو ابن دعامة بن قتادة.
(أنس) وهو ابن مالك.
في هذا الحديث التضحية بكبشين، وللمضحي أن يضحي بأكثر من كبشين.
وفيه التسمية عند الذبيحة.
وفيه التكبير عند الذبيحة، وقد قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام: (وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَكَأَنَّهُ خَاصٌّ بِالتَّضْحِيَةِ وَالْهَدْيِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] ) سبل السلام(2/530) .
وكان الوالد الشيخ مقبل رحمه الله يفيدنا أن التكبير يكون عند ذبح الأضحية والله أعلم .
وتتمة الباب يكون في الدرس اللاحق إن شاءالله .
mohamedfon
2016-02-12, 23:36
جزاك الله خيرااا
امينة كرم
2016-02-15, 08:56
الدَّرْسُ الحادي عشرَ مِنْ / كتابُ التَّوْحِيْدِ مِنْ صحيح البُخَارِي رحمه الله 10 من شهر ربيع الثاني 1437 .
بسم الله الرحمن الرحيم
مذاكرة قبل الدرس:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (" ارْبِعُوا " بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ ارْفُقُوا بِضَمِّ الْفَاءِ وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَنَّهُ فِي كُتُبِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَبَعْضِ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِفَتْحِهَا)
ابن التين: هو أحد شرَّاح صحيح البخاري.
يعني (اربعوا) جاءت بالوجهين.
- حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه السابق من أدلة إخفاء الذكر «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا... » .ومن فوائد إخفاء الذكر أنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن التشويش، وإشغال الآخرين؛ ولهذا أخرج أبوداود في سننه (1332)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» ، أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ». والقرآن من ذكر الله عز وجل.
- عروة بن الزبير الصابر المحتسب: أسوة في الصبر والاحتساب .
جاءعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، أَنَّ أَبَاهُ خَرَجَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى ، وَجَدَ فِي رِجْلِهِ شَيْئًا ، فَظَهَرَتْ بِهِ قُرْحَةٌ ، ثُمَّ تَرَقَّى بِهِ الْوَجَعُ . وَقَدِمَ عَلَى الْوَلِيدِ وَهُوَ فِي مَحْمِلٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اقْطَعْهَا، قَالَ : دُونَكَ. فَدَعَا لَهُ الطَّبِيبَ، وَقَالَ : اشْرَبِ الْمُرْقِدَ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، فَقَطَعَهَا مِنْ نِصْفِ السَّاقِ ، فَمَا زَادَ أَنْ يَقُولَ : حَسِّ ، حَسِّ . فَقَالَ الْوَلِيدُ : مَا رَأَيْتُ شَيْخًا قَطُّ أَصْبَرَ مِنْ هَذَا .
وَأُصِيبَ عُرْوَةُ بِابْنِهِ مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ، رَكَضَتْهُ بَغْلَةٌ فِي إِصْطَبْلٍ، فَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كَلِمَةٌ . فَلَمَّا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى قَالَ : لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا اللَّهُمَّ كَانَ لِي بِنُونَ سَبْعَةٌ ، فَأَخَذْتَ وَاحِدًا وَأَبْقَيْتَ لِي سِتَّةً ، وَكَانَ لِي أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ ، فَأَخَذْتَ طَرْفًا وَأَبْقَيْتَ ثَلَاثَةً; وَلَئِنِ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْتَ ، وَلَئِنْ أَخَذْتَ لَقَدْ أَبْقَيْتَ . سير أعلام النبلاء (4/423) .
وهذا من صبره واحتسابه ومن تسلية النفس. فالمصاب ينبغي أن يشد نفسه، ويرفع معنويته بالصبر والاحتساب، وبِتذكر نعم الله عز وجل الأخرى؛وبالإيمان بالقدر فإن هذا يسلي عليه وإلا تخطَّفه الشيطان. فإن الشيطان له مداخل كثيرة عند ضعف الإنسان وحزنه.
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ القَادِرُ} [الأنعام: 65]
7390 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي المَوَالِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ المُنْكَدِرِ، يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحَسَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ - ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ - خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - قَالَ: أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ" .
************************
(حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) وهو الحزامي، من مشايخ البخاري وابن ماجة.
(حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى) وهو القزَّاز
(حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي المَوَالِي) المدني
(سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ المُنْكَدِرِ) التيمي المدني، يقال عنه: سيد القراء.
ومن آثار محمد بن المنكدر ماأخرج الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/656) من طريق سُفْيَانَ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ الْمُنْكَدِرِ : مَا أَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ؟ قَالَ: إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، قِيلَ:
فَمَا بَقِيَ مِمَّا يُسْتَلَذُّ بِهِ. قَالَ: الْإِفْضَالُ عَلَى الْإِخْوَانِ .
وهذا أثرٌصحيح .
وسفيان هو ابن عيينة .
الفقرة الأولى في هذا الأثر " إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ " .
وهذا من أفضل الأعمال، ومن جملة العبادات لله عز وجل. إذا وجده حزينًا أو في كُرْبة يدخل عليه السرور. فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه مسلم (2580).
مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ: أي يعين أخاه ويقوم بحوائجه؛ فإن الله عز وجل يتولى أموره بالخير، والجزاء من جنس العمل.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُدْخل السرورَعلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما وجده حزينا .
أخرج الإمام مسلم في صحيحه (1478) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ، لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، قَالَ: فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ، فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكِتًا، قَالَ: فَقَالَ: لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ، سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ، فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى، يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ»، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلَاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَقُلْنَ: وَاللهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا - أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ - ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28]. .... الحديث. وهذا من إدخال السرور والتسلية على المؤمن.
وَاجِمًا: أي حزينًا. وهذا من جملة الآداب إدخال السرور والأُنْس على الصاحب فيما لا يُخالف الشرع .
و من الأخطاء أن يزيد في حرارة المصيبة على صاحبها. هذا من الأخطاء سواء على الأقرباء أو الأصدقاء أو الوالدين أو غيرهم من المسلمين .
الفقرة الثانية "الإفضال على الإخوان": أي الإحسان على الأخوان بتعليمهم، بالإحسان إليهم بالأخلاق الطيبة، و بإعانتهم و إطعامهم، وقد كان محمد بن المنكدر رحمه الله كريمًا.
(عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحَسَنِ )
هذا لا علاقة له بالسند، فشيخ محمد بن المنكدر هو جابر بن عبد الله.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحَسَنِ: أَيِ ابْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ).
(أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ)
قال السمعاني في الأنساب : السَلَمى
بفتح السين المهملة وفتح اللام، هذه النسبة إلى بنى سلمة حىّ من الأنصار .
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه. شهد بيعة العقبة الثانية، وكان من ضمن السبعين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة العقبة .
قال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء وَكَانَ آخِرَ مَنْ شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ مَوْتاً.
وقال الذهبي رحمه الله: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ جَابِرٌ العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ، وَكَانَ أَصْغَرَهُم .
وجابر بن عبد الله من أهل بيعة الرضوان .
وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أهل الحديبية: «أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ» رواه مسلم (1856).. وهذه الفضيلة العظيمة جابر بن عبد الله رضي الله عنه داخل فيها.
ومن مناقبه ومحاسنه؛ أن أباه استشهد في غزوة أحد، فتزوج رضي الله عنه امرأة ثيبًا. فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي أَوِ اسْتُشْهِدَ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ والحديث متفقٌ عليه .
وهذا من مناقبه ومن إحسانه إلى أرحامه، آثر مصلحة أخواته على مصلحة نفسه.
ووالده عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه، أحد النقباء الاثني عشر. وقد أسلم ليلة العقبة الثانية، وجعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من النقباء.
والد جابر( كلَّمه الله كفاحا )أي بدون حجابٍ ولا رسولٍ .
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا)
الاستخارة: طلب خير الأمرين المضي أو الترك.
والحديث انفرد به الإمام البخاري عن مسلم.
من فوائد الحديث:
1- أهمية صلاة الاستخارة؛ وشدَّةُ الحاجة إليها ،ولهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اهتمَّ بتعليمها الصحابة اهتمامًا بالغًا، علمهم إياها كما يعلمهم السورة من القرآن.
وقد قيل ما خاب من استخار ولا ندِم من استشار.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى(10/ 663): لَكِنْ إذَا عَنَّ لِلْإِنْسَانِ جِهَةٌ فَلْيَسْتَخِرْ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا الِاسْتِخَارَةَ الْمُتَلَقَّاةَ عَنْ مُعَلِّمِ الْخَيْرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ فِيهَا مِنْ الْبَرَكَةِ مَا لَا يُحَاطُ بِهِ. اهـ
فالاستخارة فيها خير وبركة عظيمة. والاستشارة فيها خيرعظيم، استشارةُ ذوِي الرأي والفهم.
وقد أمر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمشاورة أصحابه لما للمشورة من الأهمية، قال سبحانه: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران:159].
ملِكَةُ سبأ تستشير قومها {قالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34)} .
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:
شَاوِرْ صَدِيقَكَ فِي الْخَفِيِّ الْمُشْكِلِ ... وَاقْبَلْ نَصِيحَةَ نَاصِحٍ مُتَفَضِّلِ
فَاللَّهُ قَدْ أَوْصَى بِذَاكَ نبيه ... في قوله: (شاوِرْهُمْ) و (فَتَوَكَّلْ)
مرجع البيتين تفسير القرطبي في تفسيرآيةِ آل عمران المتقدم ذِكْرُها .
ويجب على المستشار أن ينصح في مشورته، وإذا كان لا يعلم فالواجب أن يسكت، ولا يتكلم إلا بما يعلم مصلحته للمستشير؛ لأنه مؤتمن كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ" رواه أحمد (22360) .
عرفنا أنه يستشار من عنده فهم، وما تطرح الاستشارة على جاهل وعلى من لا يفهم، هذا من الخطأ.
والجمع بين الاستخارة والمشورة أمر حسن، قال ابنُ الحاج المالكي رحمه الله في المدخل(4/ 40) الْجَمْعُ بَيْنَ الِاسْتِخَارَةِ وَالِاسْتِشَارَةِ مِنْ كَمَالِ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ.
فَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى إحْدَاهُمَا فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاقْتِصَارِ فَعَلَى الِاسْتِخَارَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ .
وَالِاسْتِخَارَةُ وَالِاسْتِشَارَةُ بَرَكَتُهُمَا ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ وَالْخُرُوجِ عَمَّا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْهَوَاجِسِ وَالْوَسَاوِسِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ.
قال : فَعَلَى هَذَا فَمَنْ تَرَكَ الِاسْتِخَارَةَ وَالِاسْتِشَارَةَ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ التَّعَبِ فِيمَا أَخَذَ بِسَبِيلِهِ لِدُخُولِهِ فِي الْأَشْيَاءِ بِنَفْسِهِ دُونَ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَمَا أَحْكَمْته فِي ذَلِكَ إذْ إنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي شَيْءٍ إلَّا عَمَّتْهُ الْبَرَكَاتُ وَلَا تُتْرَكُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا حَصَلَ فِيهِ ضِدُّ ذَلِكَ . اهـ
واختلف أهل العلم بأيِّهما يبدأ بالاستشارة أم بالاستخارة ؟.
وقد قال النووي رحمه الله في الأذكار 214: وإذا شاورَ وظهرَ أنه مصلحةٌ استخارَ الله سبحانه وتعالى في ذلك، فصلَّى ركعتين من غير الفريضة ودعا بدعاء الاستخارة . اهـ
2-العناية بحفظ دعاء الاستخارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اهتم بتحفيظ الصحابة ألفاظها وضبطها .
وله أن يقرأها من كتابٍ إذا كان لا يحفظها .
3- اهتمام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتعليم الاستخارة فيه دليل على أنه لا يزاد على هذه الصفة، ولاعلى هذه الألفاظ المذكورة في الدعاء.
قال ابنُ الحاج رحمه الله في المدخل (4/37) : فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، صَاحِبُ الشَّرْعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - اخْتَارَ لَنَا أَلْفَاظًا مُنْقَاةً جَامِعَةً لِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَتَّى قَالَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ فِي صِفَتِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَالْحَضِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِأَلْفَاظِهَا وَعَدَمِ الْعُدُولِ إلَى غَيْرِهَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَالْقُرْآنُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُغَيَّرَ وَلَا يُزَادَ فِيهِ وَلَا يَنْقُصَ مِنْهُ وَإِذَا نَصَّ فِيهِ عَلَى الْحُكْمِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ لَا يَرْجِعُ لِغَيْرِهِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الِاسْتِخَارَةِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَخْتَارُهَا الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ . اهـ المراد
4- ظاهره العموم في كل الأمور لقوله (يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا) والمراد في أشياء مخصوصة .
فصلاة الاستخارة تكون في الأمور المباحة مثل: السفر، والطلاق ، والزواج. يستخير الله عز وجل في المرأة هل هي مناسبة له، أوهل الزواج مناسبًا لابنته- مثلًا- بذلك الخاطب ولمصاهرته.
وقد أخرج مسلم في صحيحه (1428) عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: «فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ» ، قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي، حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي، وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي، فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُكِ، قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ الحديث .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : وَلَعَلَّهَا اسْتَخَارَتْ لِخَوْفِهَا مِنْ تَقْصِيرٍ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .اهـ
وهكذا في التجارة في البيع والشراء - خاصة في الأمور الكبيرة، وفي الإجارة وفي بناء السكن وفي التحول إلى دار أخرى وفي وما أشبه ذلك .
ولا تكون الاستخارة في المحرم، ولا في المكروه، هذا يجتنب ولا تردد فيه.
الطاعات والعبادات التي خيرها محض ليس فيها استخارة .
فلا يستخير الله عز وجل في قيام الليل، ولا صلاة الضحى، ولا صيام الاثنين والخميس .
هناك أمور قد يكون فيها التردد بين أمرين، مثلًا: يريد أن يقوم ببحث، هذا عملُ بِرٍّ، لكنه قد يحتاج يستخير الله عز وجل في ذلك؛ لأنه قد يكون البحث ليس مناسبًا له ، أو غيره أولى منه ، وغير ذلك .
الاستخارة في المستحبات التي يكون فيه تردد بين شيئين أيهما أفضل ، أما الذي خيرُه واضحٌ فهذا لا يستخار الله فيه.
من الأمثلة فيما فيه تردد: السفر للحج سواء كان لفريضة أو نافلة. ينبغي أن يستخير الله عز وجل، وهكذا كل ما فيه أمور السفر حتى لو كان في عبادة؛ لأنه قد يكون السفر فيه حوادث وأمراض وشر .
5- أنه يستخير إذا همَّ بالأمر- أي عزم وقصد- أما إذا كان مجرد خاطر على البال فظاهر الدليل أنه لا يستخير .
6-- أنه يصلي صلاة الاستخارة عن حاجته وليس عن حاجة غيرِه لقوله (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ
بِالأَمْرِ).
فصلاة الاستخارة ليس فيها نيابةٌ .
وقد سُئِل الشيخ ابن باز حفظه الله في فتاوى نور على الدرب (11/ 83)عن صلاة الاستخارة عن الغير فقال : لا أعلم في هذا دليلا، إنما جاءت السنة لمن أراد الشيء، فالحديث: «إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين، ثم يقول: اللهم إلى آخر الدعاء لقوله: (إِذَا هَمَّ) ..
7- وفيه صلاة ركعتي الاستخارة ثم الدعاء.
8-- ظاهر الدليل أن صلاة الاستخارة تصلَّى ولو كان في وقت النهي، ولكن الحديث عام مخصوص بأدلة النهي كحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتفق عليه البخاري (586)، مسلم (827) عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» .
وفي صحيح مسلم (831)، من حديث عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: «حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ». تَضَيَّفُ: أي تميل.
و صلاة الاستخارة وقتها موسع ما تصلى في وقت الكراهة إلا إذا خشيَ أن يفوته الشيء له أن يصلي صلاةَ الاستخارة في وقت النهي لدخولها حبنئذٍ في ذوات الأسباب .
قال شيخُ الإسلامِ رحمه الله في فتاواه(23/ 215) قال وَ" ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ " كُلِّهَا تَفُوتُ إذَا أُخِّرَتْ عَنْ وَقْتِ النَّهْيِ: مِثْلَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَمِثْلَ الصَّلَاةِ عَقِبَ الطَّهَارَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ بِلَالٍ وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ: إذَا كَانَ الَّذِي يَسْتَخِيرُ لَهُ يَفُوتُ إذَا أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ . اهـ
9- أن صلاة الاستخارة تكون نافلة لقوله: (مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ). فلو صلى فريضة الفجر لا تجزئه عن صلاة الاستخارة؛ لأنها فريضة وليست نافلة، لكن له أن يصلي الراتبة أو ركعتي الضحى بنية صلاة الاستخارة؛ لأنه يصدق عليها (نافلة).
ولو صلى ركعتين نافلة ثم طرأ له حاجة بعدما سلم، لا تعدُّ صلاة استخارة؛ لأنه صلى الركعتين بدون نية، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ... » متفق عليه عن عمر بن الخطاب .
10- دليل على أنه إذا كان هناك تراخي يسير بين الصلاة والدعاء فإنه لا يضر لقوله: (ثُمَّ لِيَقُلْ). فإن ثم تفيد التراخي، فإذا كان هناك فاصل يسير لا يضر.
11- ظاهر الدليل أن دعاء الاستخارة بعد السلام لقوله: (فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ...).
12- أن الاستخارة تكون بمجموع أمرين الصلاة والدعاء .
وهذا للأكمل والأفضل –والله أعلم- فإذا كانت المرأة حائضًا أو نفاسا لها أن تقتصر على الدعاء. والله أعلم.
قال النووي رحمه الله في كتابه الأذكار 120 :ولو تعذرت عليه-أي الإنسان- الصلاة استخار بالدعاء.اهـ
13-عدمُ تعيين ما يُقرأُ في الرَّكعتين فنبقى على عموم قول الله عز وجل: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [المزمل:20] .
وقد ذكر النووي رحمه الله في كتابيه التبيان والأذكار (1/294) أنه يقرأ في الركعة الأُولى الكافرون وفي الثانية الصمد .
قال الحافظ رحمه الله في «فتح الباري» عقب حديث الاستخارة (6382): قال شيخنا -يعني: العراقي-: لم أقف على دليل ذلك، ولعله ألحقهما بركعتي الفجر، والركعتين بعد المغرب.
قال: ولهما مناسبة بالحال؛ لما فيهما من الإخلاص والتوحيد. والمستخير محتاج لذلك. اهـ.
وقال رحمه الله في «نتائج الأفكار» (1/510): وأما القراءة في ركعتي الاستخارة، فلم أقف عليها في شيء من الأحاديث. ثم نقل عن العراقي نحو كلامه هنا. اهـ
14- وفي دعاء الاستخارة إثبات صفة العلم، وأن الله علام الغيوب ،وصفة القدرة لله عز وجل .
وهذا هو الشاهد من الحديث إثبات صفة القدرة لله عز وجل .
وفي تبويب الإمام البخاري رحمه الله: {قُلْ هُوَ القَادِرُ} [الأنعام: 65] فمن أسماء الله عز وجل القادر، والقادر يفيد إثبات صفة القدرة لله عز وجل.
15-التوسلُ إلى الله بأسمائه وصفاته قبل السؤالِ .
16- ضعفُ الإنسان وعجزه عن معرفة عواقب أموره المستقبلة؛ ولهذا يتضرع إلى الله عز وجل، ويبتهل أن يختار الله عز وجل له ما فيه الخير ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص:68].
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع فتاواه(4/ 142) فَعَلَّمَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَخِيرَ اللَّهَ بِعِلْمِهِ فَيُعَلِّمَنَا مَنْ عِلْمِهِ مَا نَعْلَمُ بِهِ الْخَيْرَ وَنَسْتَقْدِرَهُ بِقُدْرَتِهِ فَيَجْعَلَنَا قَادِرِينَ. إذْ الِاسْتِفْعَالُ هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ ثُمَّ قَالَ: {وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ} فَهَذَا السُّؤَالُ مِنْ جُودِهِ وَمَنِّهِ وَعَطَائِهِ وَإِحْسَانِهِ الَّذِي يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحَنَانِهِ. وَلِهَذَا قَالَ: {فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ} وَلَمْ يَقُلْ: إنِّي لَا أَرْحَمُ نَفْسِي؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ الِاسْتِخَارَةِ يُرِيدُ الْخَيْرَ لِنَفْسِهِ وَيَطْلُبُ ذَلِكَ. لَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ اللَّهُ إيَّاهُ وَيُقَدِّرْهُ عَلَيْهِ. اهـ المراد
17- تسمية الحاجة فيقول مثلًا: (اللهم إن كان هذا السفر) أو (هذا الزواج)، ونحو ذلك يسمي حاجته ما يقول (إن كان هذا الأمر)؛ لأنه قال: (ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ). وإذا كان له أكثر من حاجة يسمي يقول: (إن كان هذا السفر وهذه التجارة خيرًا لي ....) فله أن يجمع بين حاجتين فأكثر.
18- اسْتُدِلَ بقوله: (وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ) أن الذي يستخير يفعل ما ينشرح له صدره.
وقد نص على ذلك النووي في كتابه الأذكار، وأفاد بذلك الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمهم الله جميعًا.
قال الوالد رحمه الله في قوله: (وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ) يدل على أنه يفعل ما ينشرح صدره له.
19-الإيمان بالقدر لأن الله عزوجل بيده الخير والشر .
مسائل في أحكام الاستخارة
من آداب الاستخارة
1-أن يُنحِّيَ مِن قلبه ما يميل إليه، وأن يفوض الأمرَ إلى ربه قبل أن يستخير .
قال القرطبي رحمه الله في تفسيرقوله تعالى { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْرِغَ قَلْبَهُ مِنْ جَمِيعِ الْخَوَاطِرِ حَتَّى لَا يَكُونَ مَائِلًا إِلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَا يَسْبِقُ إِلَى قَلْبِهِ يَعْمَلُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. اهـ
هذا من الآداب التي قد تُجهل يُنحي عن قلبه ما يميل إليه وما يهواه ليكون مفوضًا الأمر إلى ربه فيدخل في الصلاة متوكلًا على الله لاجئًا إلى الله عز وجل.
2- كان أهل الجاهلية يستقسمون بالأزلام فلما جاء الإسلام أبطلها قال الله عزوجل في سياق بعض المحرمات {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ} .
قال الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله : الاستخارةُ بدلٌ عن الاستقسامِ بالأزلام التي كان يفعلها أهل الجاهلية .
ووجدت الشيخ ابن باز رحمه الله قال هذا في فتاوى نور على الدرب(1/ 212)ونصُّه: أما الأزلام فكانت أشياء يستقسمون بها لحاجتهم، وهي ثلاثة يكتب على واحد افعل، والثاني لا تفعل، والثالث غفل ليس فيه شيء، فإذا أرادوا سفرا أو حاجة مهمة أجالوا هذه الأزلام، فإن خرج افعل فعلوا، وإن خرج لا تفعل تركوا، وإن خرج غفل أعادوا إجالة هذه الأزلام، فنسخ الله ذلك ونهى عنه سبحانه وتعالى، وأرشد المسلمين بدلا من ذلك إلى الاستخارة الشرعية، وهي الدعاء الشرعي بعد صلاة ركعتين بدلا من هذه الأزلام. اهـ
3- هل له أن يكرر صلاة الاستخارة؟ ذكروا أن له أن يكرر الصلاة إذا وجد نفسه مترددًا ولم ينشرح صدره .
والله أعلم .
شكرا على هذا الخير جزاكم الله وجعلها لكم في ميزان حسناتكم يا رب
♥لَيْلَىّ♥
2016-02-15, 13:06
بارك الله فيك
أم سمية الأثرية
2016-02-16, 08:45
وفيكم بارك الله واياكم جزى الله خيرا وزيادة
-
أم سمية الأثرية
2016-02-16, 08:52
الدرس الخامس عشر من كتاب التوحيد من صحيح البخاري 7 من شهر جمادى الأُولى 1437 .
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس عشر
مذاكرة:
- المجاهدة في العمل بالعلم أشق من تعلم العلم ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69].
الصحابة سيرتهم عجيبة في التنافس، وسرعة الاستجابة، والامتثال.
كانوا يطبِّقون كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد مما يطبق المريض كلام الطبيب وسيرتهم مليئة بهذا.
نقتصر على دليلين :
أحدهما :أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ , فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ , وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ , فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ , فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ) .
الثاني : أخرج أبوداود في سننه (650)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ» ، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى - " وَقَالَ: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا " .
وقد ذكر والدي رحمه الله جملة من أدلة الموضوع في كتابه الإلحاد الخُميني .
المحافظة على الأذكار من العمل بالعلم وحصن من الشيطان، وفي الحديث "... وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللهِ ..." الحديث رواه أحمد (2863). ذكرالله حصن من الشيطان ،من نزغاته، ووساوسه، وكيده وعداوته.
حفظُ اللسان من العمل بالعلم وفيه سعادة الأولى والأُخرى .
تقوى الله من العمل بالعلم .
بر الوالدين من العمل بالعلم .
اجتناب الأخلاق الرذيلة والفُحش من العمل بالعلم .
المجاهدة في إصلاح السريرة من العمل بالعلم .
الصبر والشكر من العمل بالعلم .
**********************
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري رحمه الله:
7400 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبٍ، أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ صَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ»
**********************
الإمام البخاري أعجمي، وأصحاب الأمهات الست كلهم أعاجم إلا الإمام مسلمًا؛ فإنه قشيري عربي قال النووي رحمه الله في مقدمة شرح صحيح مسلم (1/10): " الإمام مسلم أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى نسبا ،النيسابورى وطنا، عربى، صليبة، وهو أحد أعلام أئمة هذا الشأن وكبار المبرزين فيه وأهل الحفظ والاتقان والرحالين فى طلبه إلى أئمة الاقطار والبلدان والمعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان والمرجوع إلى كتابه والمعتمد عليه فى كل الازمان..." اهـ.
وغالبًا في المحدثين أنهم أعاجم كما في الحِطَّة في الصحاح الستة لصديِّق حسن، وهذه بركة من الله.
قال رحمه الله (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ)
وهو أبو عمر الحوضي كما في ترجمة شعبة من تهذيب الكمال وهو من كبار شيوخ البخاري.
(حَدَّثَنَا شُعْبَةُ)
وهو ابن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، القائل رحمه الله (من طلب العلم أفلس). من طلب الحديث أفلس لأنه يشتغل بالعلم عن الكسب.
ويقول شعبة: إني أتذكر الحديث بالليل حتى يشتكي فؤادي.أخرجه عبدالله بن أحمد رحمهما الله تعالى في «زوائد العلل» (2/2570).
وهو أثرصحيح.
وتقدم معنا ترجمة له مختصرة .
(عَنْ جُنْدَبٍ)
وهو جندب بن عبد الله بن سفيان رضي الله عنه وقد أخرج ابن ماجة (61) من حديث جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، «فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا» والحديث في الصحيح المسند للشيخ مقبل رحمه الله
قوله "حَزَاوِرَةٌ": قال ابن الأثير في النهاية: (1/380): "هُوَ جَمْع حَزْوَرٍ وحَزَوَّرٍ، وَهُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ، وَالتَّاءُ لِتأنيث الْجَمْعِ". اهـ.
وهذا كما تذاكرنا مرارًا فيه التدرج في أخذ العلم، والبدء بعلم العقيدة قبل تعلم القرآن الكريم.
من فوائد الحديث:
- في هذا الحديث من الفوائد أن صلاة العيد قبل الخطبة.
- وفيه أن ذبح الأضحية يكون بعد صلاة العيد، فمن ذبح أضحيته قبل صلاة العيد فإنها لا تجزِئه. وقد روى البخاري (955)واللفظ له ومسلم (1961)عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَلاَ نُسُكَ لَهُ»، فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ خَالُ البَرَاءِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ اليَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي، فَذَبَحْتُ شَاتِي وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلاَةَ، قَالَ: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ، أَفَتَجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ».
- هذا الحديث من الأدلة على محافظة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تقديم ما قدَّمَه الله عزوجل .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(2/320) كَانَ-(أي النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم )- يُحَافِظُ عَلَى تَقْدِيمِ مَا
قَدَّمَهُ اللَّهُ، وَتَأْخِيرِ مَا أَخَّرَهُ .
كَمَا بَدَأَ بِالصَّفَا، وَقَالَ ( «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ) .
وَبَدَأَ فِي الْعِيدِ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ جَعَلَ النَّحْرَ بَعْدَهَا .
وَأَخْبَرَ أَنَّ ( «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَهَا، فَلَا نُسُكَ لَهُ» ) تَقْدِيمًا لِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] .
وَبَدَأَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِالْوَجْهِ، ثُمَّ الْيَدَيْنِ، ثُمَّ الرَّأْسِ، ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ تَقْدِيمًا لِمَا قَدَّمَهُ اللَّهُ، وَتَأْخِيرًا لِمَا أَخَّرَهُ، وَتَوْسِيطًا
لِمَا وَسَّطَهُ .
وَقَدَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ تَقْدِيمًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14]
[الْأَعْلَى: 13] وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. اهـ.
- وفيه التسمية عند الذبيحة «وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ».
- وفيه تعليم الناس يوم العيد بعض أحكام العيد ففي الخطبة ينبغي أن يذكر لهم الخطيب شيئًا من أحكام وآداب العيد .والله أعلم.
**********************
7401 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ»
**********************
(حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دُكين.
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أبو عبد الرحمن.
وقد كان رضي الله عنه يأمر المحرمة بقطع الخفين عملًا بالعموم في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عندما سُئل عما يلبس المحرم فقال: (لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) متفق عليه .
فأخبرته زوجته صفية بنت أبي عبيد بأنه جاء الرخصة للمرأة المحرمة والحديث أخرجه أبوداود(1831)من طريق سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ «كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ يَعْنِي يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ» ثُمَّ حَدَّثَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ «رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُفَّيْنِ فَتَرَكَ ذَلِكَ» .
يقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (1600): هذا حديث حسنٌ .وصفية بنت أبي عبيد الثقفي لم يوثِّقْها معتبر ، ولكن قبول عبد الله بنِ عمر وعمله بروايتها يدل على أَنها
ثقةٌ عنده . اهـ .
وتقدم معنا وأعدناه للمذاكرة .
من فوائد الحديث:
- فيه النهي عن الحلف بغير الله عز وجل.
- وفيه مشروعية الحلف بأسماء الله وصفاته، وتقدم هذا في إثبات صفة العزة واسم العزيز.
ونعود إلى ترجمة الإمام البخاري في هذا الباب يقول: (بَابُ السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى والِاسْتِعَاذَةِ بِهَا) في هذه الترجمة التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته وقد قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:180].
والتوسل قسمان:
- القسم الأول التوسل المشروع: وهو ثلاثة أقسام:
1- التوسل بأسماء الله وصفاته، ومنه حديث "اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ" البخاري (834،6326،7387)، مسلم (2705).
فيتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته في الدعاء.
ومنه حديث الاستخارة .
وحديث دعاء الاستفتاح كما أخرجه البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، قَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ لِي غَيْرُكَ».
وهذه الأدلة الثلاثة مضت معنا في أبوابها من هذا الكتاب ولله الحمد .
2- التوسل بالعمل الصالح، ومنه قصة الثلاثة النفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فتوسل كل منهم بعمله الصالح، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون. والقصة من حديث ابن عمر رضي الله عنه في صحيح البخاري وصحيح مسلم .
3- التوسل بدعاء الرجل الصالح، ومنه حديث «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا» قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. البخاري(1010، 3710) من حديث أنس رضي الله عنه.
"وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا" أي: بدعاء عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقد تذاكرنا أنه يجوز طلب الدعاء من الرجل الصالح الفاضل .
قال الصنعاني رحمه الله في تطهير الاعتقاد (ص 68-69)
(وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون الدعاءَ منه صلى الله عليه وسلم وهو حي، وهذا أمرٌ متفق على جوازه...) .
كان من الصحابة من يأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويطلب الدعاء منه، وكان منهم من يصبر رغبة في الجنة، ومن هذا ما رواه البخاري في الأدب المفرد (1410) عن أبى هريرة: قال جاءت الحمى إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت: ابعثني إلى آثر أهلك عندك، فبعثها إلى الأنصار فبقيت عليهم ستة أيام ولياليهن فاشتد ذلك عليهم فأتاهم في ديارهم فشكوا ذلك إليه. فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يدخل دارًا دارًا وبيتًا بيتًا يدعو لهم بالعافية، فلما رجع تبعته امرأة منهم فقالت: والذي بعثك بالحق إني لمن الأنصار، وإن أبى لمن الأنصار، فادع الله لي كما دعوت للأنصار. قال: ما شئت، إن شئت دعوت الله أن يعافيك، وإن شئت صبرت ولك الجنة. قالت: بل أصبر، ولا أجعل الجنة خطرا. والحديث صحيح في الصحيح المسند.
فطلب الدعاء من الرجل الصالح يجوز لكن ينبغي ألا يُكثر من هذا. وينبغي أن يُلح صاحب الحاجة على ربه سبحانه؛ لأن الشدة والاضطرار من أسباب استجابة الدعاء كما قال الله: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل:62].
- القسم الثاني التوسل غير المشروع: وهو قسمان:
1- توسل شرك: هو أن يجعل المخلوق بينه وبين ربه واسطة يدعوه، ويذبح له، وغير ذلك من أنواع العبادة. وهذا هو الذي كان عليه شرك المشركين على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال سبحانه وتعالى عن المشركين: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر:3]. وقال: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس:18].
2- توسل بدعة: وهو أن يتوسل بعمل فلان، وبجاه فلان. إما بجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنزلته، أو بعمل بعض الأولياء، وما أشبه ذلك. هذا بدعة ولا يصل إلى حد الشرك، ولكنه بدعة لم يفعله الصحابة رضوان الله عليهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه البخاري (2697) مسلم (1718) عن عائشة رضي الله عنها.
وقوله (والِاسْتِعَاذَةِ بِهَا)
أي: الاستعاذة بأسماء الله وصفاته قال سبحانه:﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النحل:98]. وقال سبحانه:﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾[المؤمنون:97]. وقال سبحانه عن موسى:﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ﴾[الدخان:20]. وقال سبحانه:﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق:1]. وقال: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس:1].
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ" رواه مسلم (2708) عن خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ .
وحديث خولة فيه الاستعاذة بصفة من صفات الله وهو الكلام.
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» والحديث في صحيح مسلم (2202). وجاء عند ابن ماجة (3522) بلفظ «أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ».
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» والحديث رواه مسلم (486).
وهذه الأدلة فيها الاستعاذة بصفات الله .
الاستعاذة داخلة في الدعاء قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (15/ 227) فَالِاسْتِعَاذَةُ وَالِاسْتِجَارَةُ؛ وَالِاسْتِغَاثَةُ: كُلُّهَا مِنْ نَوْعِ الدُّعَاءِ أَوْ الطَّلَبِ وَهِيَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ.اهـ .
ومن الأدلة على أن الاستعاذة دعاء ما أخرج الإمام مسلم في صحيحه (2739)عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ» .
وأخرج أبوداود في سننه(1551) عن شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ أَبِيهِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله علمني دعاء قال: "قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيي" . والحديث في الصحيح المسند للوادعي رحمه الله (1/255).
فتبين من هذا أن الاستعاذة دعاءٌ .
وقد بوب الإمام النجدي رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد: [باب من الشرك الاستعاذة بغير الله].
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (15/227)وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ - كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ - عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الِاسْتِعَاذَةُ بِمَخْلُوقِ وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اسْتَعَاذَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَأَمَرَ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ خَيْرُ مُسْتَعَاذٍ يُسْتَعَاذُ بِهِ أَوْلَى.
وقال الشارح الشيخ سليمان في كتابه تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ص 173) وقد أجمع العلماء على أنه لا تجوز الاستعاذة بغير الله.
وقيده في موضع سابق 25وقال في سياقه لذكربعض الشركيات: ومنها: الاستعاذة فيما لا يقدر عليه إلا الله.
وقد نقل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كلام شيخ الإسلام المذكور في كتابه القول المفيد (1/ 255)وتعقَّبه وقال : وهذا ليس على إطلاقه، بل مرادهم مما لا يقدر عليه إلا الله، لأنه لا يعصمك من الشر الذي لا يقدر عليه إلا الله، سوى الله.
وقال رحمه الله : وعلى هذا، فكلام الشيخ رحمه الله-أي شيخ الإسلام- في قوله: "إن الأئمة لا يجوزون الاستعاذة بمخلوق" مقيد بما لا يقدر عليه إلا الله، ولولا أن النصوص وردت بالتفصيل لأخذنا الكلام على إطلاقه، وقلنا: لا يجوز الاستعاذة بغير الله مطلقا.اهـ .
ومن الأدلة على جواز الاستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ» البخاري (7081،7082،3601) مسلم (2886)عن أبي هريرة .
وفي صحيح مسلم (1689)عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» ، فَقُطِعَتْ .
فاستفدنا تفصيلًا في المسألة: إذا كان فيما لا يقدر عليه المخلوق فهذا من الشرك، مثل أن يستعيذ بالميت، أو يستعيذ بالجن قال سبحانه: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن:6]. الاستعاذة بالحي فيما لا يقدر عليه أيضًا من الشرك.
وهكذا قول: أعوذ بالله وبك هذا شرك فإن الواو تفيد التساوي بين الخالق والمخلوق .
وله أن يقول فيما يقدر عليه المخلوق : أعوذ بالله ثم بك .
ومن خاف من عدو أو من حيوان فلجأ إلى من يحميه فهذا جائز. «فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ».
هذا ومن الأدب ومن تمام التوحيد أنه يعاذُ من استعاذَ بالله لما أخرج أبو داود في سننه (1672) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ. والحديث في الصحيح المسند للوالدرحمه الله (1/361).
والمراد فيما لا يخالف الشرع وفيما لا يكون فيه ضرر.
وفي صحيح البخاري (5254) عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ ابْنَةَ الجَوْنِ، لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: «لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الحَقِي بِأَهْلِكِ».
وسُئل الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله عن المرأة إذا قالت لزوجها: أعوذ بالله منك هل يطلقها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طلق ابنة الجون، فقال رحمه الله: إن أحب أن يطلقها طلقها. يعني ما يلزمُه.
**********************
قال الإمام البخاري رحمه الله:
بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي اللَّهِ
وَقَالَ خُبَيْبٌ: «وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ تَعَالَى»
7402 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ، حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةً»، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ، أَنَّ ابْنَةَ الحَارِثِ، أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ، قَالَ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ:
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الحَارِثِ، «فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا»
**********************
(فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ تَعَالَى)أي: أقام الذات مقام الاسم. قال: وذلك في ذات الإله.
قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافع.
(أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) ابن أبي حمزة.
(عَنِ الزُّهْرِيِّ)
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الشهير بابن شهاب. القائل: (إعادة الحديث أشد علي من نقل الصخر)، والقائل: (أكل التفاح يورث النسيان).
طالب العلم لابد أن يجاهد نفسه حتى في المأكولات، الحمضيات تضعف الحافظية، الزهري رحمه الله يتجنب ما يضعف حفظه. وكان يأكل الزبيب ليقوي حفظه ويشرب العسل. وكان يذاكر- حياتهم متجهة إلى العلم - يذاكر ليثبت محفوظاته.
وثبت في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع أن الزهري كان يكتب العلم عن عروة وغيره، فيأتي جارية له نائمة فيوقظها فيقول لها: حدثني فلان وفلان بكذا، فتقول: ما لي ولهذا؟ فيقول: قد علمت أنك لا تنتفعين به، ولكن سمعت الآن فأردت أن أستذكره.
الإمام الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ذكر عدة أنواع في المذاكرة:
1- الْمُذَاكَرَةُ مَعَ الشُّيُوخِ وَذَوِي الْأَسْنَانِ.
2- الْمُذَاكَرَةُ مَعَ الْأَقْرَانِ وَالْأَتْرَابِ .
3- مُذَاكَرَةُ الْحَدِيثِ مَعَ عَامَّةِ النَّاسِ .
4- مُذَاكَرَةُ الطَّلَبَةِ بِالْحَدِيثِ بَعْدَ حِفْظِهِ لِيَثْبُتَ .
وقوله (موسى يستحد بها)
الآلة التي يستحد بها.
الحديث له قصة طويلة في بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لخبيب .
وقد ذكر الحافظ ابن كثير في الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 121هذا البعث وقال :ثم بعث صلى الله عليه وسلم بعد أُحُد بعث الرجيع، وذلك في صفر من السنة الرابعة ثم ذكر الكلام عليها .
وقد اقتصر الإمام البخاري على ذكر الشاهد منه هو إثبات الذات لله عز وجل، ومن أدلة المسألة قول النبي (لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ (إِنِّي سَقِيمٌ) وَقَوْلُهُ (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا)... الحديث) أخرجه البخاري (3179) ومسلم (2371) .
والله أعلم .
ابو معاد الجزائري
2016-02-26, 10:31
كثر الاستهزاء #باللحية وتقصير الثوب والسواك والنقاب وغير ذالك مما ورد عنه صلى الله عليه وسلم..
.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى :
#الاستهزاء من أقبح الكبائر، من أقبح الشرور، لا يجوز الاستهزاء بالمسلم فيما فعله من #الشرع، وإذا استهزأ بالدين، قصده أن هذا الشرع ليس بشيء، أو أنه هرئ صار كافراً نعوذ بالله، يقول الله -جل وعلا-: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (65-66) سورة التوبة. فالاستهزاء بالصلاة، أو #باللحى، أو بالمسلمين، أو بالصيام، أو بالحج يكون كفر ردة عن الإسلام إذا كان قصده الاستهزاء بالشرع، أما إذا كان قصده الإنسان نفسه وليس قصده اللحية، بل الاستهزاء بمشيته، أو سوء تصرف هذا لا يجوز لكن ما يكون كفراً، أما إذا كان قصده #استنكار_اللحية ، استقباح عمله، أو استقباح الإسبال، هذا كفر؛ لأنه استهزاء بالشرع، فالواجب الحذر من هذا الأمر العظيم؛ لأنه خطير، يجب الحذر منه فلا يجوز الاستهزاء بشيء من الشرع لا #باللحى ولا بمنع الإسبال، ولا بالصلاة، ولا بالصوم ولا بغير ذلك، يجب على المؤمن أن يخضع لشرع الله و أن يؤمن به وأن يعظمه، وأن لا يستهزئ به، نسأل الله العافية.
.
📚 فتاوى نور على الدرب
أم سمية الأثرية
2016-03-06, 08:30
الدرس السادس عشر من كتاب التوحيد من صحيح البخاري 23/من جمادى الأُولى 1437.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمامُ البخاري رحمه الله
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: 28]. وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [المائدة: 116].
7403 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللَّهِ».
********************
(حَدَّثَنَا أَبِي)
حفص بن غياث
(حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ)
الأعمش: سليمان بن مهران أبو محمد الكوفي. كان الأغنياء أحقر ما يكون في مجلسه. وقد تقدم معنا شيءٌ عنه، وأنه كان فقيرًا صبورًا زاهدًا، وأنه كان عسرًا في الحديث.
وأخرج عبدالله بن أحمد في «زوائد العلل» (2/2549) من طريق أبي خالدٍ الأحمر قال: كنَّا عند الأعمش فسألوه عن حديث، فقال لابن المختار: ترى أحدًا من أصحاب الحديث؟ فغمض عينه، قال: ما أرى أحدًا يا أبا محمد فحدث به.
هذا أثر حسن من أجل أبي خالد الأحمر فإنه حسن الحديث .
وأخرجه البغوي في «زوائد الجعديات» (801) سندًا ومتنًا.
وقوله ( لم أر أحدًا) هذا من المعاريض استعملها ذلك الطالب ليأخذ الحديث .
ومن الآثار الثابتة عنه ما أخرج الخطيب في شرف أصحاب الحديث: أنه مَرَّ رَجُلٌ بِالْأَعْمَشِ، وَهُوَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ لَهُ: تُحَدِّثُ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانَ؟ فَقَالَ الْأَعْمَشُ: «هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانُ يَحْفَظُونَ عَلَيْكَ دِينَكَ». وهذا من الاهتمام بتعليم الصغار وأنهم يحفظ الله بهم الدين.
ومن آثار الأعمش الثابتة ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن:11]: من طريق أَبي مُعَاوِيَةَ قَالَ: سمعتُ الْأَعْمَشَ يَقُولُ: تَرَوَّحَ إِلَيْنَا جِنِّيٌّ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْكُمْ؟ فَقَالَ الْأُرْزَ. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ بِهِ، فَجَعَلْتُ أَرَى اللُّقَمَ تُرْفَعُ وَلَا أَرَى أَحَدًا. فَقُلْتُ: فِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ الَّتِي فِينَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا الرَّافِضَةُ فِيكُمْ؟ قَالَ: شَرُّنَا.
(عَنْ شَقِيقٍ)
شقيق بن سلمة أبو وائل ، تقدم أن الحافظ رحمه الله تعالى قال عنه: مشهور بكنيته واسمه.
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ)
أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل، عرفناه بتلميذه، وإلا فهناك عبادلة غيره يروون عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
- الحديث ليس فيه التصريح بموضع الشاهد ولكن فيه إشارة إلى ما جاء في بعض طرق الحديث (فَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ)وهو عند البخاري (4624) ومسلم (2760). وقد نبَّه على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في الشرح فبعد أن ذكر ما وقع من الاستشكال لبعضهم في ذكر الحديث تحت هذا الباب الذي معنا في إثبات صفة النفس لله عزوجل قال: ( وَكُلُّ هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ مُرَادِ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّ ذِكْرَ النَّفْسِ ثَابِتٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقَعْ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ لَكِنَّهُ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ كَعَادَتِهِ فَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ بِلَفْظِ لَا شَيْءَ وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ بِلَفْظِ وَلَا أَحَدَ ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمُطَابِقُ لِلتَّرْجَمَةِ وَقَدْ كَثُرَ مِنْهُ أَنْ يُتَرْجِمَ بِبَعْضِ مَا وَرَدَ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَدْرُ مَوْجُودًا فِي تِلْكَ التَّرْجَمَةِ) .اهـ.
وقد حيَّر بعض تراجم الإمام البخاري رحمه الله بعض العلماء. وجزى الله الحافظ ابن حجر رحمه الله خيرًا على هذا الشرح العظيم وعلى حلِّه وفكِّه للإشكالات . ويقول الشيخ الوالدمقبل رحمه الله: إن الحافظ بن حجر وضع نفسه موضع المدافع عن صحيح البخاري .
في هذا الحديث من الفوائد:
- إثبات صفة الغيرة لله عز وجل، وسيأتي لهذه الصفة باب مستقل عند البخاري إن شاء الله بعد أربعة أبواب.
- وقوله (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ) أي: من أجل غيرة الله حرم الفواحش وفي الصحيحين البخاري (7416) مسلم (1499) عَنِ المُغِيرَةِ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالمُنْذِرِينَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ المِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الجَنَّةَ».
وفي الجمع بين الغيرة والعذرفي هذا الحديث فائدة ذكرها ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي (67) وقال:فَجَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ الْغَيْرَةِ الَّتِي أَصْلُهَا كَرَاهَةُ الْقَبَائِحِ وَبُغْضُهَا، وَبَيْنَ مَحَبَّةِ الْعُذْرِ الَّذِي يُوجِبُ كَمَالَ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ - مَعَ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ - يُحِبُّ أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَيْهِ عَبْدُهُ، وَيَقْبَلُ عُذْرَ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ عَبِيدَهُ بِارْتِكَابِ مَا يَغَارُ مِنَ ارْتِكَابِهِ حَتَّى يَعْذُرَ إِلَيْهِمْ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ إِعْذَارًا وَإِنْذَارًا، وَهَذَا غَايَةُ الْمَجْدِ وَالْإِحْسَانِ، وَنِهَايَةُ الْكَمَالِ.
فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ تَشْتَدُّ غَيْرَتُهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ تَحْمِلُهُ شِدَّةُ الْغَيْرَةِ عَلَى سُرْعَةِ الْإِيقَاعِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ غَيْرِ إِعْذَارٍ مِنْهُ، وَمِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لِعُذْرِ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، بَلْ يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عُذْرٌ وَلَا تَدَعُهُ شِدَّةُ الْغَيْرَةِ أَنْ يَقْبَلَ عُذْرَهُ، وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَقْبَلُ الْمَعَاذِيرَ يَحْمِلُهُ عَلَى قَبُولِهَا قِلَّةُ الْغَيْرَةِ حَتَّى يَتَوَسَّعَ فِي طُرُقِ الْمَعَاذِيرِ، وَيَرَى عُذْرًا مَا لَيْسَ بِعُذْرٍ، حَتَّى يَعْتَذِرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِالْقَدَرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَمْدُوحٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَإِنَّمَا الْمَمْدُوحُ اقْتِرَانُ الْغَيْرَةِ بِالْعُذْرِ، فَيَغَارُ فِي مَحِلِّ الْغَيْرَةِ، وَيَعْذُرُ فِي مَوْضِعِ الْعُذْرِ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ الْمَمْدُوحُ حَقًّا.اهـ المراد.
(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ)
فيه تحريم الفواحش. والفواحش: جمع فاحشة، وهو ما اشتد وقبح من الذنوب. فالفواحش هي من عظائم الذنوب وقد قال بعض العلماء: الفواحش المعاصي كلها، وهذا غير صحيح ،فإن ربنا سبحانه يذكر الذنوب ويفرد الفواحش بالذكر مما يدل أن لها معنى خاصًا قال سبحانه{ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } وقال سبحانه { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }. ، ومن الفواحش فاحشة الزنا قال سبحانه: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء:32]. ونكاح زوجة الأب: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء:22]. ومن الفواحش قتل النفس التي حرم الله بغير حق. والشيطان يؤزُّ الناسَ، ويدفعهم إلى الفواحش كما قال سبحانه: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة:268]. وقال: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:169]. وهذا من جملة عداوة الشيطان وكيده.
ومما يحفظ من الفواحش تقوى الله عز وجل، والصلاة كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت:45]. والمراد بالصلاة الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذه هي التي تقي وتحفظ من الوقوع في الفحشاء. فمن أعظم الأسباب في اتقاء الفواحش الصلاة كما صلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا مما يبيِّن أهمية تعلم كيفية الصلاة؛ لأن من ثمار الصلاة على الوجه المشروع أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، المنكر: ما أنكره الشرع.
(حَرَّمَ الفَوَاحِشَ)التحريم قسمان: تحريم كوني قدري ومنه قوله تعالى: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء:95]. وتحريم شرعي ديني ومنه قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...﴾ [النساء:23]. وقوله عز وجل: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: 3]. وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام:145]. وقد ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل.
(وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللَّهِ)
فيه إثبات صفة المحبة لله عز وجل. والذين أوَّلُوا صفة المحبة قالوا: لأن المحبة رقة في القلب. فقاسوا صفات الخالق بصفات المخلوق، ولذلك أوَّلوا صفة المحبة وقالوا: هي إرادة الثواب والجزاء. والواجب إثباتها كما يليق بجلال الله وعظمته ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11].
"والقول في الصفات كالقول في الذات" وهذه قاعدة في محاجَّة ومناقشة منكري الصفات. أي: كما أثبتم لله ذاتًا، وقلتم لا تشبه ذات المخلوقين فكذلك يقال في الصفات؛ لأن القول في الصفات كالقول في الذات.
-تعريف المدح: قال ابن القيم في بدائع الفوائد (2/92) المخبِر عن محاسن الغير إما أن يقترن بإخباره حب له وإجلال أو لا فإن اقترن به الحب فهو الحمد وإلا فهو المدح اهـ .
عرفنا أن المدح قد يكون مقرونًا بمحبة، وقد يكون من غير محبة، مثل من يتزلف بالمدح للأثرياء والأمراء وهو يبغضهم، هذا يقال له مدح. أما الحمد: فهو الإخبار بمحاسن المحمود، ويكون مقرونًا بالمحبة والإجلال. ولهذا يقول أهل العلم (كل حمدٍ مدح وليس كلُّ مدح حمدًا)
إذا مدح أسدًا من الأسود هذا يقال له مدح؛ لأنه غير مقرون بمحبة. وأيضًا الحمد يكون علي الصفات الاختيارية.
وهنا مسألةٌ :يقول بعضهم إذا كان الله عز وجل يحب المدح فلماذا نحن لا نحب المدح؟
قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي (9/ 357): وَحُبُّ اللَّهِ الْمَدْحَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُعْقَلُ مِنْ حُبِّ الْمَدْحِ وَإِنَّمَا الرَّبُّ أَحَبَّ الطَّاعَاتِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَدْحُهُ لِيُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْتَفِعَ الْمُكَلَّفُ لَا لِيَنْتَفِعَ هُوَ بِالْمَدْحِ وَنَحْنُ نُحِبُّ الْمَدْحَ لِنَنْتَفِعَ وَيَرْتَفِعَ قَدْرُنَا فِي قَوْمِنَا .
فَظَهَرَ مِنْ غَلَطِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُمْ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْمَدْحَ فَكَيْفَ لَا نُحِبُّهُ نَحْنُ فَافْهَمْ .اهـ.
علمنا أن االله عز وجل يحب المدح لا لينتفع بذلك، ولكن لمصلحة العبد نفسه؛ ولهذا في الصحيحين «... وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الجَنَّةَ» قال النووي في شرح صحيح مسلم شرح حديث المغيرة : وَمَعْنَى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ) أَنَّهُ لَمَّا وَعَدَهَا وَرَغَّبَ فِيهَا كثر سؤال العباد إياها منه وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ .وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فلأجل أن يتقرب العباد إلى الله بالأعمال الصالحة، ويثنوا على الله فيحصل لهم النفع. بخلاف العبد فإنه يحب المدح ليرتفع، وليكون له منزلة ،وهذا ضرر في حق العبد؛ ولهذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ» رواه مسلم (3002). وسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي المِدْحَةِ فَقَالَ: «أَهْلَكْتُمْ، أَوْ: قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ».رواه البخاري (2663،6060) مسلم (3001). فالمدح ومحبته عرضة للفتنة وللغرور والعجب، وقد نهى ربنا سبحانه عن مدح الإنسان نفسه فقال: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم:32]. وهذا لغير الحاجة، أما إذا احتاج الإنسان إلى تزكية نفسه ومدحها فهذا جائز،قال تعالى عن نبيه يوسف {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية : ﻣَﺪَﺡَ ﻧَﻔْﺴَﻪُ، ﻭَﻳَﺠُﻮﺯُ ﻟِﻠﺮَّﺟُﻞِ ﺫَﻟِﻚَ ﺇِﺫَا ﺟُﻬِﻞ ﺃَﻣْﺮُﻩُ، ﻟِﻠْﺤَﺎﺟَﺔِ. ﻭَﺫَﻛَﺮَ ﺃَﻧَّﻪُ {ﺣَﻔِﻴﻆٌ} ﺃَﻱْ: ﺧَﺎﺯِﻥٌ ﺃَﻣِﻴﻦٌ، {ﻋَﻠِﻴﻢٌ} ﺫُﻭ ﻋِﻠْﻢٍ ﻭﺑﺼﺮَ ﺑِﻤَﺎ ﻳَﺘَﻮَﻻَّﻩُ .اهـ.
وقد جاء أن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، وَلاَ أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ»؟ فَحَفَرْتُهَا، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ»؟ فَجَهَّزْتُهُمْ، قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ وَقَالَ عُمَرُ فِي وَقْفِهِ: «لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَقَدْ يَلِيهِ الوَاقِفُ وَغَيْرُهُ فَهُوَ وَاسِعٌ لِكُلٍّ» رواه البخاري (2778). فإذا احتاج الإنسان إلى تزكية نفسه جازله ذلك.
- ومما يناسب ذكره في هذا ما جاء عن الإمام مالك بن أنس فيما أخرجه أبونعيم رحمه الله في حلية الأولياء(6/ 321 )ترجمة مالك من طريق إِبْرَاهِيمَ الْحِزَامِيِّ، ثَنَا مُطَرِّفٌ، قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيَّ؟ قُلْتُ: أَمَّا الصَّدِيقُ فَيُثْنِي وَأَمَّا الْعَدُوُّ فَيَقَعُ، قَالَ: مَا زَالَ النَّاسُ كَذَا لَهُمْ صَدِيقٌ وَعَدُوٌّ وَلَكِنْ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ تَتَابُعِ الْأَلْسِنَةِ كُلِّهَا .
ومطرف :ابن عبدالله اليساري بالتحتانية والمهملة المفتوحتين أبو مصعب المدني ابن أخت مالك ثقة لم يصب ابن عدي في تضعيفه كما في تقريب التهذيب .
وكان الوالد الشيخ مقبل من ضمن ما يذكر في ترجمة مالكٍ هذا الأثر .
********************
7404 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى العَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» .
********************
(حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) عبد الله بن عثمان بن جبلة.
(عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) وهو محمد بن ميمون السكري.
(عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان السمَّان.
- في هذا الحديث أن الخالق للكون هو الله عز وجل ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [فاطر:3]. وهذا داخل في توحيد الربوبية، توحيد الربوبية: إفراد الله بالملك والخلق والتدبير.
- وفيه إثبات صفة الكتابة لله عز وجل، وفي البخاري(6614) ومسلم (2652) من حديث أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى " ثَلاَثًا .
وفي سنن أبي داود(4701) بلفظ (وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ) .
(فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) أي: غلبه بالحجة.
والكتابة قسمان: كتابة كونية قدرية، وكتابة شرعية دينية.
الكونية القدرية: مثل قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء:105]. وقوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة:21].
والكتابة الشرعية كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183]. وقوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء:23،24]. وقد ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل (281).
صفة الكتابة صفة فعلية يكتب الله متى شاء، وفيما شاء سبحانه. فالكتابة تتعلق بالإرادة والمشيئة.
- وفيه الإيمان بالعرش، والعرش سقف الجنة كما في صحيح البخاري (7423) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «... فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ».
(فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ) هذا إرشاد أننا إذا سألنا الله عز وجل الجنة نسأله الفردوس الأعلى. وجاءت أدلة في سؤال الله عز وجل الجنة بدون ذكر الفردوس، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثًا، قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنَ النَّارِ ثَلَاثًا، قَالَتِ النَّارُ: اللهُمَّ أَعِذْهُ مِنَ النَّارِ». مسند الإمام أحمد (13173).
(فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ) أي: خيار الجنة.
(وَأَعْلَى الجَنَّةِ) الفردوس أعلى الجنة. وفوق الفردوس العرش، وفوق العرش الرحمن سبحانه وتعالى. قال الله عز وجل: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5]. نؤمن بذلك وهذا من نعمة الله الاستسلام والإيمان بما يدلُّ عليه شرعنا ولا نحكِّم العقل، العقل لا دخل له في الأحكام الشرعية .
المبتدعة مثل الجهمية والمعتزلة ينكرون العرش، ويقولون: المراد به المُلْك من أجل أن يفروا من إثبات صفة العلو لله عز وجل.
العرش من أوصافه العظيمة أن الله عز وجل قال فيه: ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة:129]، وقال: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون:116]، وقال سبحانه: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [85:15]، المجيد:هو الشرف والكرم. وهذه صفات عظيمة لعرش الرحمن. وهو من أعظم مخلوقات الله عز وجل، فالعرش مربوب مخلوق لله عز وجل وداخل في جملة قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر:49]. واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (2726) عَنْ جُوَيْرِيَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ»على أَنَّ زِنَةَ الْعَرْشِ أَثْقَلُ الْأَوْزَانِ. مجموع الفتاوى (6/ 553) .
وقد سألتُ الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله عن وجه الاستنباط من الحديث فقال: لأنه ذكر العرش دون غيره . والله أعلم.
(وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى العَرْشِ)
فيه إثبات صفة العلو لله عز وجل؛ لأن الله عز وجل مستوٍ على عرشه .ومن أسماء الله عز وجل العلي قال سبحانه: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ:23] وقال {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} .ومن أسمائه الأعلى قال تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} . وعلو الله عز وجل يشمل علو الذات وعلو القهر وعلو القدر.
- علو الذات: الله عز وجل عالٍ على خلقه بائنٌ عنهم ،ومع علوه فهو لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء .
- علو القهر: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾[يوسف:21]. علو القهر والغلبة لله عز وجل: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:18] فنواصي الخلق كلهم تحت قهره وملكوته وتدبيره وتصرفه سبحانه .
-علوالقدرأي علو القدر والمكانة وهذا هو علو الصفات فلا يماثل صفاته شيء من صفات المخلوقين ،بل ولا نحيط بها { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } .
والمبتدعة لا يثبتون من العلو إلا علو القهر وعلوالقدر أما علو الذات فينفونه لأنهم لا يؤمنون بعلوالله عزوجل .
وقد قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/ 55): وَكَذَلِكَ اسْمُ الْعَلِيِّ، وَاسْمُ الْحَكِيمِ وَسَائِرُ أَسْمَائِهِ، فَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ الْعَلِيِّ الْعُلُوَّ الْمُطْلَقَ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَلَهُ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ: عُلُوُّ الْقَدْرِ، وَعُلُوُّ الْقَهْرِ، وَعُلُوُّ الذَّاتِ، فَمَنْ جَحَدَ عُلُوَّ الذَّاتِ فَقَدْ جَحَدَ لَوَازِمَ اسْمِهِ الْعَلِيِّ.اهـ.
فالله عزوجل له العلو المطلق من جميع الوجوه وهي علو الذات ،وعلوالقهر،وعلوالقدر .
- وفيه إثبات صفة الرحمة لله (إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي).
- في هذا الحديث شبهة لمن قال بفناء النار، قالوا: رحمة الله واسعة، ورحمة الله تغلب غضبه، فلا يمكن أن يبقي أهل النار مخلدين فيها. ولكن الأدلة متكاثرة في خلود أهل النار، وبقاء النار مثل قوله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [المائدة:37]. ﴿وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة:167]. وقول الله عن أهل النار: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الأحزاب:65]. وفي صحيح البخاري (4730) وصحيح مسلم (2849) عن أبي سعيدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾ [مريم: 39]، وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا ﴿وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم: 39]». هناك رسالة للإمام الصنعاني رحمه الله (رفع الأستار في إبطال أدلة القائلين بفناء النار). وهذه الرسالة ذكر فيها الإمام الصنعاني رحمه الله الشبه الواردة في هذه المسألة، وردَّ عليها.
- فيه إثبات صفة الغضب لله عز وجل كما يليق بالله سبحانه: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [البقرة:90]. ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ [المائدة:60]. وفي الصحيحين البخاري (1712) مسلم (149) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قصة إثبات الشفاعة الطويل: «... إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ...».
منكرو الصفات يؤولون هذه الصفة، ويقولون: غضب الله هو إرادة الانتقام. قالوا: لأن الغضب فَوَران الدم، قالوا: وهذا مستحيل في حق الله عز وجل، ولكن كما تقدم لا يقاس صفات الخالق بصفات المخلوق.
********************
7405 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» .
********************
(حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) ابن غياث، هو المتقدم.
- هذا الحديث من الأحاديث القدسية التي يرويها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ربه.
وفيه من الفوائد
الحث على حسن الظن بالله عز وجل (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) .وأخرج أحمد في مسنده (16016) عن واثلةَ بنِ الأسقع سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ " .
والحديث صحيح .وهو في الصحيح المسند لوالدي رحمه الله (2/243) .
ومن تمام التوحيد حسن الظن بالله.
وسوء الظن بالله عز وجل من صفات المنافقين، ونقص في التوحيد قال الله عز وجل في المنافقين: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ [الفتح:6].
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي 138: أَنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ إِسَاءَةُ الظَّنِّ بِهِ، فَإِنَّ الْمُسِيءَ بِهِ الظَّنَّ قَدْ ظَنَّ بِهِ خِلَافَ كَمَالِهِ الْمُقَدَّسِ، وَظَنَّ بِهِ مَا يُنَاقِضُ أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ، وَلِهَذَا تَوَعَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الظَّانِّينَ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ بِمَا لَمْ يَتَوَعَّدْ بِهِ غَيْرَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 6] .
وَقَالَ تَعَالَى لِمَنْ أَنْكَرَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 23] .
قَالَ تَعَالَى عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {مَاذَا تَعْبُدُونَ - أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ - فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصَّافَّاتِ: 85 - 87] .
أَيْ فَمَا ظَنُّكُمْ أَنْ يُجَازِيَكُمْ بِهِ إِذَا لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ؟ وَمَا ظَنَنْتُمْ بِهِ حِينَ عَبَدْتُمْ مَعَهُ غَيْرَهُ؟
وَمَا ظَنَنْتُمْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ مِنَ النَّقْصِ حَتَّى أَحْوَجَكُمْ ذَلِكَ إِلَى عُبُودِيَّةِ غَيْرِهِ؟ فَلَوْ ظَنَنْتُمْ بِهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ مِنْ أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ عَلَى خَلْقِهِ، وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَالْعَالِمُ بِتَفَاصِيلِ الْأُمُورِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَالْكَافِي لَهُمْ وَحْدَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مُعِينٍ، وَالرَّحْمَنُ بِذَاتِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ فِي رَحْمَتِهِ إِلَى مَنْ يَسْتَعْطِفُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الرُّؤَسَاءِ، فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى مَنْ يُعَرِّفُهُمْ أَحْوَالَ الرَّعِيَّةِ وَحَوَائِجَهُمْ، وَيُعِينُهُمْ إِلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، وَإِلَى مَنْ يَسْتَرْحِمُهُمْ وَيَسْتَعْطِفُهُمْ بِالشَّفَاعَةِ، فَاحْتَاجُوا إِلَى الْوَسَائِطِ ضَرُورَةً، لِحَاجَتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَعَجْزِهِمْ وَقُصُورِ عِلْمِهِمْ.
فَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، فَإِدْخَالُ الْوَسَائِطِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ نَقْصٌ بِحَقِّ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَظَنٌّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَهَذَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَشْرَعَهُ لِعِبَادِهِ، وَيَمْتَنِعُ فِي الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ جَوَازُهُ، وَقُبْحُهُ مُسْتَقِرٌّ فِي الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ فَوْقَ كُلِّ قَبِيحٍ. اهـ المراد.
وقد ذكر ابن القيم مع ما ذُكِر أنواعِا من سوء الظن بالله في زاد المعاد (3/ 205) نذكر منها ما يلي :
مَنْ ظَنَّ بِأَنَّهُ لَا يَنْصُرُ رَسُولَهُ، وَلَا يُتِمُّ أَمْرَهُ، وَلَا يُؤَيِّدُهُ وَيُؤَيِّدُ حِزْبَهُ، وَيُعْلِيهِمْ وَيُظْفِرُهُمْ بِأَعْدَائِهِ، وَيُظْهِرُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَنْصُرُ دِينَهُ وَكِتَابَهُ، وَأَنّهُ يُدِيلُ الشِّرْكَ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَالْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ إدَالَةً مُسْتَقِرَّةً يَضْمَحِلُّ مَعَهَا التَّوْحِيدُ وَالْحَقُّ اضْمِحْلَالًا لَا يَقُومُ بَعْدَهُ أَبَدًا، فَقَدْ ظَنَّ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَنَسَبَهُ إِلَى خِلَافِ مَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ وَصِفَاتِهِ وَنُعُوتِهِ .
أَكْثَرُ النَّاسِ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ السَّوْءِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمْ وَفِيمَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِهِمْ، وَلَا يَسْلَمُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَعَرَفَ أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ، وَعَرَفَ مُوجِبَ حَمْدِهِ وَحِكْمَتِهِ، فَمَنْ قَنَطَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَأَيِسَ مِنْ رَوْحِهِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ جَوَّزَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَذِّبَ أَوْلِيَاءَهُ مَعَ إحْسَانِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ وَيُسَوِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنْ يَتْرُكَ خَلْقَهُ سُدًى مُعَطَّلِينَ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْي، وَلَا يُرْسِلَ إلَيْهِمْ رُسُلَهُ، وَلَا يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ، بَلْ يَتْرُكُهُمْ هَمَلًا كَالْأَنْعَامِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَنْ يَجْمَعَ عَبِيدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي دَارٍ يُجَازِي الْمُحْسِنَ فِيهَا بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، وَيُبَيِّنَ لِخَلْقِهِ حَقِيقَةَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَيُظْهِرَ لِلْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ صِدْقَهُ وَصِدْقَ رُسُلِهِ، وَأَنَّ أَعْدَاءَهُ كَانُوا هُمُ الْكَاذِبِينَ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُضَيِّعُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ الصَّالِحَ الَّذِي عَمِلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَيُبْطِلُهُ عَلَيْهِ بِلَا سَبَبٍ مِنَ الْعَبْدِ، أَوْ أَنَّهُ يُعَاقِبُهُ بِمَا لَا صُنْعَ فِيهِ وَلَا اخْتِيَارَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ وَلَا إرَادَةَ فِي حُصُولِهِ، بَلْ يُعَاقِبُهُ عَلَى فِعْلِهِ هُوَ سُبْحَانَهُ بِهِ، أَوْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَيِّدَ أَعْدَاءَهُ الْكَاذِبِينَ عَلَيْهِ بِالْمُعْجِزَاتِ الَّتِي يُؤَيِّدُ بِهَا أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، وَيُجْرِيَهَا عَلَى أَيْدِيهِمْ يُضِلُّونَ بِهَا عِبَادَهُ، وَأَنَّهُ يَحْسُنُ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى تَعْذِيبُ مَنْ أَفْنَى عُمْرَهُ فِي طَاعَتِهِ فَيُخَلِّدُهُ فِي الْجَحِيمِ أَسْفَلَ السَّافِلِينَ، وَيُنَعِّمُ مَنِ اسْتَنْفَدَ عُمُرَهُ فِي عَدَاوَتِهِ وَعَدَاوَةِ رُسُلِهِ وَدِينِهِ، فَيَرْفَعُهُ إِلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُ فِي الْحُسْنِ سَوَاءٌ، وَلَا يُعْرَفُ امْتِنَاعُ أَحَدِهِمَا وَوُقُوعُ الْآخَرِ إلَّا بِخَبَرٍ صَادِقٍ، وَإِلَّا فَالْعَقْلُ لَا يَقْضِي بِقُبْحِ أَحَدِهِمَا وَحُسْنِ الْآخَرِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ بِمَا ظَاهِرُهُ بَاطِلٌ وَتَشْبِيهٌ وَتَمْثِيلٌ وَتَرَكَ الْحَقَّ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ، وَإِنَّمَا رَمَزَ إِلَيْهِ رُمُوزًا بَعِيدَةً، وَأَشَارَ إِلَيْهِ إشَارَاتٍ مُلْغِزَةً لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَصَرَّحَ دَائِمًا بِالتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَالْبَاطِلِ، وَأَرَادَ مِنْ خَلْقِهِ أنْ يُتْعِبُوا أَذْهَانَهُمْ وَقُوَاهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ فِي تَحْرِيفِ كَلَامِهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَتَأْوِيلِهِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، وَيَتَطَلَّبُوا لَهُ وُجُوهَ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُسْتَكْرَهَةِ، وَالتَّأْوِيلَاتِ الَّتِي هِيَ بِالْأَلْغَازِ وَالْأَحَاجِي أَشْبَهُ مِنْهَا بِالْكَشْفِ وَالْبَيَانِ، وَأَحَالَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى عُقُولِهِمْ وَآرَائِهِمْ لَا عَلَى كِتَابِهِ، بَلْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَحْمِلُوا كَلَامَهُ عَلَى مَا يَعْرِفُونَ مِنْ خِطَابِهِمْ وَلُغَتِهِمْ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يُصَرِّحَ لَهُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهِ، وَيُرِيحَهُمْ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُوقِعُهُمْ فِي اعْتِقَادِ الْبَاطِلِ، فَلَمْ يَفْعَلْ بَلْ سَلَكَ بِهِمْ خِلَافَ طَرِيقِ الْهُدَى وَالْبَيَانِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ .
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يَشَاءُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إيجَادِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ مُعَطَّلًا مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ عَنْ أَنْ يَفْعَلَ، وَلَا يُوصَفُ حِينَئِذٍ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ، ثُمَّ صَارَ قَادِرًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَلَا يَعْلَمُ الْمَوْجُودَاتِ، وَلَا عَدَدَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا النُّجُومِ وَلَا بَنِي آدَمَ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَفْعَالَهُمْ، وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنَ الْمَوْجُودَاتِ فِي الْأَعْيَانِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا سَمْعَ لَهُ وَلَا بَصَرَ وَلَا عِلْمَ لَهُ وَلَا إرَادَةَ وَلَا كَلَامَ يَقُولُ بِهِ، وَأَنّهُ لَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ وَلَا يَتَكَلَّمُ أَبَدًا، وَلَا قَالَ وَلَا يَقُولُ، وَلَا لَهُ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ يَقُومُ بِهِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنًا مِنْ خَلْقِهِ، وَأَنّ نِسْبَةَ ذَاتِهِ تَعَالَى إِلَى عَرْشِهِ كَنِسْبَتِهَا إِلَى أَسْفَلِ السّافِلِينَ، وَإِلَى الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يُرْغَبُ عَنْ ذِكْرِهَا، وَأَنّهُ أَسْفَلُ كَمَا أَنَّهُ أَعْلَى فَقَدْ ظَنّ بِهِ أَقْبَحَ الظّنّ وَأَسْوَأَهُ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَيُحِبُّ الْفَسَادَ كَمَا يُحِبُّ الْإِيمَانَ وَالْبِرَّ وَالطَّاعَةَ وَالْإِصْلَاحَ فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ وَلَا يَرْضَى، وَلَا يَغْضَبُ وَلَا يَسْخَطُ، وَلَا يُوَالِي وَلَا يُعَادِي، وَلَا يَقْرُبُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا يَقْرُبُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَأَنَّ ذَوَاتَ الشَّيَاطِينِ فِي الْقُرْبِ مِنْ ذَاتِهِ كَذَوَاتِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُفْلِحِينَ فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ لِأَجْلِهِ شَيْئًا لَمْ يُعَوِّضْهُ خَيْرًا مِنْهُ أَوْ مَنْ فَعَلَ لِأَجْلِهِ شَيْئًا لَمْ يُعْطِهِ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ إذَا صَدَقَهُ فِي الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ، وَتَضَرَّعَ إلَيْهِ وَسَأَلَهُ، وَاسْتَعَانَ بِهِ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُخَيِّبُهُ وَلَا يُعْطِيهِ مَا سَأَلَهُ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَظَنَّ بِهِ خِلَافَ مَا هُوَ أَهْلُهُ.
إلى أن قال: فَلْيَعْتَنِ اللَّبِيبُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، وَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِيَسْتَغْفِرْهُ كُلَّ وَقْتٍ مِنْ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَلْيَظُنَّ السَّوءَ بِنَفْسِهِ الَّتِي هِي مَأْوَى كُلَّ سُوءٍ، وَمَنْبَعُ كُلَّ شَرٍّ الْمُرَكَّبَةِ عَلَى الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، فَهِيَ أَوْلَى بِظَنِّ السَّوءِ مِنْ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَأَعْدَلِ الْعَادِلِينَ وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ الْغِنَى التَّامُّ وَالْحَمْدُ التَّامُّ وَالْحِكْمَةُ التَّامُّةُ، الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ سَوْءٍ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ، فَذَاتُهُ لَهَا الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَصِفَاتُهُ كَذَلِكَ، وَأَفْعَالُهُ كَذَلِكَ، كُلُّهَا حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ وَرَحْمَةٌ وَعَدْلٌ، وَأَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى.
فَلَا تَظُنَّنَّ بِرَبِّكَ ظَنَّ سَوْءٍ ... فَإِنَّ اللَّهَ أَوْلَى بِالْجَمِيلِ .اهـ المراد.
هذه نماذج من سوء الظن برب العالمين ذكرناها لنعرفَ سعةَ أبواب سوءِ الظن بالله وأنه ليس في كلمةٍ أو كلمتين ،ولنكون على حذرٍ من سوء الظن بالله ،وأن نكون على حُسْنِ ظنٍ به سبحانه فالله عند ظن عبده به .
فمما يشمله قوله (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) إذا دعا يحسن الظن بالله، ويكون على يقين أن الله عز وجل يستجيب دعاءه. إذا أصيب بكربة وشدة يحسن الظن بربه أن العسر لا يدوم، وقد قال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)﴾ [الشرح]. وما أكثر الابتلاء بالقنوط من رحمة الله، وهذا كبيرة من الكبائر فقد قال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر:56]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف:87]. إذا أصيب بمرض يحسن الظن بربه أن الله سينزل الشفاء، من طُلِّقت من زوجها تحسن الظنَّ بربها أن الله لن يضيعها، ولن يضيع أولادها، ولا تسيء الظن بأرحم الراحمين. الله سبحانه عند ظن عبده به، إذا ظن به خيرًا وجده، وإذا ظن به سوء فلا يلومنَّ إلا نفسه. ما أعظم مدى خطورة سوء الظن بالله سبحانه على الحياة.
فلنُرَوِّض أنفسنا على حُسْنِ الظن بالله عزوجل ،وحسن الظن بالله عز وجل زينة الباطن وجماله، وقد مدح الله سبحانه وتعالى من اتصف بذلك فقال سبحانه: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ [الزمر:9]. وقال سبحانه: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة:16]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء:90].
ويتحتم أكثر حسن الظن بالله في حالة الاحتضار لما رواه الإمام مسلم في صحيحه (2877) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ».
ومن الآداب وحق المسلم على أخيه المسلم تذكير المحتضر بعفو الله سبحانه، وسعة رحمته حتى يقوَى حسنُ الظن عنده بالله. وتذكيره بمحاسن أعماله وفي صحيح مسلم (121) عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ، يَبَكِي طَوِيلًا، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي، وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ، فَقَتَلْتُهُ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ، وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ، وَلَا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ، وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي.
وقوله (أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟) وكان مما بشره كما في الأحاديث الأخرى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ: عَمْرٌو وَهِشَامٌ» مسند أحمد (8042) وهو في الجامع الصحيح لوالدي (1344).
(إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) الشهادة كلمة التوحيد أفضل ما يعده الإنسان لآخرته ومماته.
وفي هذا الحديث انتفاع عمرو بن العاص رضي الله عنه بتذكير ولده له، وبشارة ولده له. وهذا من نعمة الجليس الصالح ومن الانتفاع بمجالسته في تذكيرِ الغافل ،وتنبيهِ الساهي ،ورفع الهمَّة، ثم ساق لهم عمرو قصةً له وهو في سياق الكرب رضي الله عنه.
فهذا من الآداب لجليس المحتضَر أن يذكره بما يقوَى به حسن الظن عنده بالله عز وجل.
حسن الظن بالله يكون مع تقوى الله عز وجل، أما حسن ظن بالله وهو على معاصي فهذا غرور، وهذا من الشيطان. وقد بين سبحانه حسن الظن الممدوح ممن يكون فقال عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة:218].
حسن الظن الممدوح يكون من أهل العمل الصالح، ولا يكون من أهل المعاصي. يعصي الله ويقول: الله غفور رحيم، هذا متلاعب بشرع الله، وقد أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين.
العاصي يحسن الظن بالله في قبول توبته إذا تاب، ولا يقنط من رحمة الله ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53].
عرفنا أهمية حسن الظن بالله، وأنه من كمال التوحيد وتمامه فهو داخل في توحيد الله. وهذا بفضل الله ثم بفضل العلم، فالعلم من ثماره أنه يقود إلى طريق الخير والهدى ويجنب طريق الشر والردى .
ومن تزكية أنفسنا الابتعاد عن سوء الظن بالله عز وجل، والابتعاد عن سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره السلامة، فلنحقق هذا ولنجاهد ليكمل لنا التوحيد .والله المستعان.
- وفيه فضل الذكر. فمن ذكر الله سبحانه، ذكره الله، قال عز وجل: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة:152]. وهذا دليل على أن الجزاء من جنس العمل. من ذكر الله ذكره الله عند حاجته وعند كربه وحزنه، ذكره الله في سائر أحواله في سرائه وضرائه.
ويقول سبحانه في الحث على الذكر: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت:45]. أَي: أكبر مِمَّا سواهُ من الْأَعْمَال الصَّالِحَة. كما قال الشوكاني رحمه الله في تحفة الذاكرين (16).
ورتب سبحانه الفلاح على كثرة ذكر الله ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال:45]. وحياة القلب بذكر الله كما في الصحيحين
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ» .
وصلاح القلب واللسان بذكر الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» مسند أحمد (17698). والقرآن الكريم من ذكر الله والدعاء من ذكر الله سبحانه.
عرفنا شيئًا من فضل الذكر، وأن ذكر الله حياة وسعادة، وفيه صلاح القلوب، و به يحصل السعادة في دار الدنيا والآخرة.
(فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي)
قال شيخ الإسلام رحمه الله في بيان تلبيس الجهمية(7/ 485): وذكر العبد ربه في نفسه نوعان أحدهما :في نفسه من غير حروف يسمعها هو. الثاني :ذكرٌ بلفظ خفي يسمعه هو دون غيره قال تعالى وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ [الأعراف 205] وذكر العبد في نفسه يتناول القسمين جميعًا .اهـ.
- وفيه إثبات صفة المعية لله عز وجل ومعية الله نوعان:
معية عامة: لجميع الخلق أي أن الله معنا بسمعه وبصره وقدرته وعلمه كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد:4]. وكما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المجادلة:7]. هذه المعية عامة لجميع الخلق.
ومعية خاصة: وهي تقتضي الحفظ والعناية والنصرة وهذه خاصة بأولياء الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:128]. وفي الحديث هنا (وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي) معية خاصة.
أدلة المعية فيها شبهة للجهمية الذين يقولون: أن الله في كل مكان، فأخذوا بها وتركوا أدلة العلو لله عز وجل، وأهل السنة يقولون: (الله سبحانه في العلو مستوٍ على عرشه، وهو معنا بسمعه وبصره وقدرته وعلمه).
فالإنسان يحمدُ الله ويفرح بالعقيدة الطيبة؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس:58]. نفرح بالعلم والعقيدة الصحيحة والمسابقة إلى طاعة الله وإلى الدار الآخرة ﴿هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
وذكر ابن عثيمين رحمه الله: (أن معية الله حقيقة). وهذه فائدة، نثبت لله المعية، وأنها قسمان وأن إثبات المعية لله حقيقة لا نقول هذا مجاز.
إثبات صفة المعية لله عز وجل حقيقة؛ لأنه لا يلزم من إثبات المعية لله أن يكون مختلطًا بين الناس. يقول القائل: لا نزال نسير والقمر معنا. والقمر في السماء.
- استدل بهذا الحديث من قال بتفضيل الملائكة على صالحي البشرلقوله (ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ). وقد ذهب إلى هذا القول الفلاسفة والمعتزلة وبعض الظاهرية. وجمهور أهل السنة على تفضيل صالحي البشر على الملائكة، وسألت الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله عن هذه المسألة فقال: بقول الجمهور ثم قال: الكلام في هذه المسألة معدود في فضول المسائل. اهـ.هذه من المسائل المعدودة في فضول المسائل، مثل مسألة الاسم والمسمى -كما تقدم معنا- لأنها ما جاءت في كلام الله ولا كلام رسوله ولا تكلم فيها الصحابة.
وقد ناقش المسألة وذكر أدلة القولين شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى، والحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ،وابن أبي العز في شرح الطحاوية. والله تعالى أعلم.
- وفيه صفة القرب لله عز وجل وقد قال تعالى: ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ:50]. وتقدم معنا حديث أبي موسى في الصحيحين البخاري (6384) مسلم (2704) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا».
فالله عز وجل يقرب إلى عابديه وهو في علُوِّهِ، وهذه خاصة بأولياء الله سبحانه، وفي صحيح مسلم (1348) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» وَإِنَّهُ لَيَدْنُو: أي يقرب سبحانه وتعالى.
قال ابنُ القيم رحمه الله في طريق الهجرتين 22: وأما القرب المذكور فى القرآن والسُّنَّة فقرب خاص من عابديه وسائليه وداعيه، وهو من ثمرة التعبد باسمه الباطن قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] ، فهذا قربه من داعيه، وقال تعالى: {إِنّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] ، فوجد الخبر وهو قريب عن لفظ الرحمة وهى مؤنثة [إيذاناً] بقربه تعالى من المحسنين، فكأنه قال: إِن الله برحمته قريب من المحسنين. وفى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ"، و"أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ فِى جَوْفِ اللَّيْلِ"، فهذا قرب خاص غير قرب الإِحاطة وقرب البُطون.اهـ المراد.
أما قربُ الإحاطة فهذه عامة ومن أسماء الله الظاهر والباطن .
(وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا)
الشبر:قال في القاموس : الشِّبْرُ، بالكسر: ما بين أعْلَى الإِبْهامِ وأعْلَى الخِنْصَرِ، مُذَكَّرٌ
ج: أشْبارٌ. اهـ.
الذراع : قال الخليل بن أحمد في كتاب العين : الذِّراعُ من طَرَف المِرْفَق إلى طرف الإِصْبَع الوُسْطَى.اهـ.
والباع ما بين يديك إذا مددتهما، ويذكرون أن الباع بمقدار قامة صاحبه .
- وفيه صفة الإتيان لله عز وجل، فالله عز وجل يأتي قال سبحانه: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [البقرة:210].
(وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)
الهرولة: المشي السريع، وفيه إثبات صفة الهرولة لله عز وجل، نؤمن بذلك.
وهذا الحديث من أدلة فضل الله عز وجل على عباده، وأنه يعطي أكثر مما يعمل العامل، وقد قال تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام:160]. ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل:89].
وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ. سنن الترمذي (3573).
بعض الناس يقول إنه يدعو ويدعو ولا يجد الإجابة من الله، قد يكون فيه موانع للاستجابة، وقد يكون استعجل يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» البخاري (6340) مسلم (2735).
وقد يكون من رحمة الله أنه صرف عنه من الشر ما لا يعرفه، فالله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملًا ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف:30].
هذا الباب الذي قرأناه في إثبات صفة النفس لله عز وجل، نؤمن بذلك ولا نؤول وقد قال بعض أهل التأويل :نفسه أي غيره .
وقد ذكر هذه المسألة ابن خزيمة في كتابه العظيم " كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل "(1/ 19) وذكر قول المؤولة وردَّ عليهم وقال : زَعَمَ بَعْضُ جَهَلَتِهِمْ-أي بعض جهلة الجهمية - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَضَافَ النَّفْسَ إِلَيْهِ عَلَى مَعْنَى إِضَافَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، وَزَعَمَ أَنَّ نَفْسَهُ غَيْرُهُ، كَمَا أَنَّ خَلْقَهُ غَيْرُهُ , وَهَذَا لَا يَتَوَهَّمُهُ ذُو لُبٍّ وَعِلْمٍ , فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ , أَفَيَتَوَهَّمُ مُسْلِمٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَى غَيْرِهِ الرَّحْمَةَ؟ وَحَذَّرَ اللَّهُ الْعِبَادَ نَفْسَهُ , أَفَيَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ [ص:20] يَقُولَ: أَنَّ اللَّهَ حَذَّرَ الْعِبَادَ غَيْرَهُ؟ أَوَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ لِكَلِيمِهِ، مُوسَى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] , فَيَقُولُ مَعْنَاهُ: وَاصْطَنَعْتُكَ لِغَيْرِي مِنَ الْخُلُوقِ، أَوْ يَقُولَ: أَرَادَ رُوحَ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] أَرَادَ وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي غَيْرِكَ؟ هَذَا لَا يَتَوَهَّمُهُ مُسْلِمٌ , وَلَا يَقُولُهُ إِلَّا مُعَطِّلٌ كَافِرٌ.اهـ.
والنفس من الصفات الذاتية لله عزوجل .
والله تعالى أعلم.
زينب المهدى
2016-03-06, 10:35
جميل جدا هذا الشرح
karim2016
2016-03-21, 19:31
شكرًااااا عل الموضوع اخي الكريم
اوتشيها مادارا
2016-03-25, 09:32
بارك الله فيك
oumrajaa
2016-05-05, 22:26
جزاك الله خيرا
أصيل الـمـسـلـم
2016-12-21, 21:40
بارك الله فيك على المجهود
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir