أنفاس الإيمان
2016-01-19, 15:33
http://3.bp.blogspot.com/-zGDgBifAgww/UAOwFsDHTjI/AAAAAAAABP0/gd_IOyvc9WA/s1600/2e457f26c74111e19e4a12313813ffc0_7.jpg
وعلى سبيل التجربة فقط، بَدا لي أن أضيف المشكلة السادسة والخمسين من خيال التصور في مشكلات الحب ..وكتبتُ ، تقليدا له:
يومَ أنْ كنَّا صغارا ، يومَ أن كانت تصلنا كلماتهم المغلفّة التي يقولون أننا لانفهمها ، كانت الذاكرة تُسجل شريطها ليتربى شعور النقص في تكويننا.
جاراتنا كنَّ يتهامسن عنّي بأنّي طفلة غير طبيعية تقضي جلَّ وقتها في هزّ ظهرها وهي تلاعب أصابعها ..لاتستسيغ دعابة أحد.
وكانَ جدّي يأخذني إلى حضنه في كل مساء ليقرأ التعويذات على روحي ، يقول هو الآخر أنّ مسًّا أصابني .
وكنتُ في أعماقي أسخر من تعليقاتهم ، وكنتُ ..كنتُ أتألم أيضا.
أمّا أبي فكان يشفق علي ويغطّي شفقته تلك باهتمامه ببطني ، كنتُ آكل كثيرا وكان يحرص على إضافة حصته من الطعام إلى صحني وينهر أمي إن حاولت إيقافي أو سحب الصحن من أمامي . وظللت آكل وآكل، وأسمن وأسمن ، حتى صار زملاء المدرسة ينادونني بقارورة الغاز ، وكان على أحدهم أن يدقق الوصف في تفاصيلي فسماني بقارورة الغاز دون أنبوب ، ولسوء حظي أو حسنه أن شعري كان طويلا ، وكانت لنا عادة قديمة ياسيدي تُسمى "القَردون" ، وهي عبارة عن لفافة نحيط بها الشعر الطويل ليبقى مستقيما ورطبا ، وحصل أن صادفته ذات مساء قبالة بيتنا ، فضحك علي وقال أني الآن أصبحت قاروة غاز بأنبوب .. وبكيت يومها وعزمت أن أنتقم منه .
وأتت نهاية السنة ، وجاء لوالدي قرار بالانتقال الى مدينة أخرى للعمل، وكانت رغبة الانتقام ماتزال قائمة ، وفي آخر يوم من إقامتنا في تلك المدينة عزمت على لقائه، بيد أني لم أجده أنذاك ،ووجدت دراجته التي كانت بالقرب من بيتهم فخرّبتها وهربت .
وانتقلنا الى المدينة الجديدة ، فكان أوّل ماقمتُ بالتخلص منه أنبوب قارورتي . ثم عزمت على انقاص وزني فخفّضه ، وصُورته الضاحكة ماتزال تتردد على عقلي، واكتشفت فيَّ ملكة الحفظ فصرت أحفظ وأحفظ حتى تألقت في دراستي والْتحقت بالجامعة ، وبعد عامين من الدراسة الجامعية كان يجب أن نعود إلى المدينة السابقة بسبب عمل والدي دائما ، وعدنا ..وجيوش الذكرى تعتصر بداخلي ، وسجلت في الجامعة الجديدة ، ورأيته مجددا في نفس قسمي، وعادت صور الماضي إلي وتصاعد دخاني وفارت أعصابي .
ثمَّ حصل أن تقدّم نحوي ذات مساء وهو يعرج بقدمه طالبا بعض الدروس، كان واضحا أنه لم يتذكرني ، وكان علي أن أتجاوز ذلك أيضا، وتكررت لقاءاتنا وتعددت اجتماعاتنا ، وذاب الجليد بيننا ، فسألته يوما عن إعاقته فأخبرني أنها كانت بسبب سقوطه من الدراجة قبل سنوات ، وتأكدت -من دون أن يعرف- بأن ذلك كان في نفس اليوم الذي خرّبت فيه دراجته . والتزمت الصمت والْتزمني عذاب الضمير ، والأمَرُّ من هذا أنه باح لي بأنه يُحبني ..
ولاأدري إن كنتُ أحبه أو أشفق عليه ؟
ولاأدري هل أخبره بفعلتي أو أبقى على صمتي؟
***
.......
ــــــــ
تعوّد مصطفى محمود في كتابه على فصل المشكلة عن رده بثلاث نجوم
وأفصل بثلاث وأترك للعابرين إن شاؤوا تقليد الإجابة
أنفاس الإيمان
وعلى سبيل التجربة فقط، بَدا لي أن أضيف المشكلة السادسة والخمسين من خيال التصور في مشكلات الحب ..وكتبتُ ، تقليدا له:
يومَ أنْ كنَّا صغارا ، يومَ أن كانت تصلنا كلماتهم المغلفّة التي يقولون أننا لانفهمها ، كانت الذاكرة تُسجل شريطها ليتربى شعور النقص في تكويننا.
جاراتنا كنَّ يتهامسن عنّي بأنّي طفلة غير طبيعية تقضي جلَّ وقتها في هزّ ظهرها وهي تلاعب أصابعها ..لاتستسيغ دعابة أحد.
وكانَ جدّي يأخذني إلى حضنه في كل مساء ليقرأ التعويذات على روحي ، يقول هو الآخر أنّ مسًّا أصابني .
وكنتُ في أعماقي أسخر من تعليقاتهم ، وكنتُ ..كنتُ أتألم أيضا.
أمّا أبي فكان يشفق علي ويغطّي شفقته تلك باهتمامه ببطني ، كنتُ آكل كثيرا وكان يحرص على إضافة حصته من الطعام إلى صحني وينهر أمي إن حاولت إيقافي أو سحب الصحن من أمامي . وظللت آكل وآكل، وأسمن وأسمن ، حتى صار زملاء المدرسة ينادونني بقارورة الغاز ، وكان على أحدهم أن يدقق الوصف في تفاصيلي فسماني بقارورة الغاز دون أنبوب ، ولسوء حظي أو حسنه أن شعري كان طويلا ، وكانت لنا عادة قديمة ياسيدي تُسمى "القَردون" ، وهي عبارة عن لفافة نحيط بها الشعر الطويل ليبقى مستقيما ورطبا ، وحصل أن صادفته ذات مساء قبالة بيتنا ، فضحك علي وقال أني الآن أصبحت قاروة غاز بأنبوب .. وبكيت يومها وعزمت أن أنتقم منه .
وأتت نهاية السنة ، وجاء لوالدي قرار بالانتقال الى مدينة أخرى للعمل، وكانت رغبة الانتقام ماتزال قائمة ، وفي آخر يوم من إقامتنا في تلك المدينة عزمت على لقائه، بيد أني لم أجده أنذاك ،ووجدت دراجته التي كانت بالقرب من بيتهم فخرّبتها وهربت .
وانتقلنا الى المدينة الجديدة ، فكان أوّل ماقمتُ بالتخلص منه أنبوب قارورتي . ثم عزمت على انقاص وزني فخفّضه ، وصُورته الضاحكة ماتزال تتردد على عقلي، واكتشفت فيَّ ملكة الحفظ فصرت أحفظ وأحفظ حتى تألقت في دراستي والْتحقت بالجامعة ، وبعد عامين من الدراسة الجامعية كان يجب أن نعود إلى المدينة السابقة بسبب عمل والدي دائما ، وعدنا ..وجيوش الذكرى تعتصر بداخلي ، وسجلت في الجامعة الجديدة ، ورأيته مجددا في نفس قسمي، وعادت صور الماضي إلي وتصاعد دخاني وفارت أعصابي .
ثمَّ حصل أن تقدّم نحوي ذات مساء وهو يعرج بقدمه طالبا بعض الدروس، كان واضحا أنه لم يتذكرني ، وكان علي أن أتجاوز ذلك أيضا، وتكررت لقاءاتنا وتعددت اجتماعاتنا ، وذاب الجليد بيننا ، فسألته يوما عن إعاقته فأخبرني أنها كانت بسبب سقوطه من الدراجة قبل سنوات ، وتأكدت -من دون أن يعرف- بأن ذلك كان في نفس اليوم الذي خرّبت فيه دراجته . والتزمت الصمت والْتزمني عذاب الضمير ، والأمَرُّ من هذا أنه باح لي بأنه يُحبني ..
ولاأدري إن كنتُ أحبه أو أشفق عليه ؟
ولاأدري هل أخبره بفعلتي أو أبقى على صمتي؟
***
.......
ــــــــ
تعوّد مصطفى محمود في كتابه على فصل المشكلة عن رده بثلاث نجوم
وأفصل بثلاث وأترك للعابرين إن شاؤوا تقليد الإجابة
أنفاس الإيمان