ريـاض
2016-01-13, 14:52
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: «إِذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُتَحَقِّقًا بِ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] " إِلَّا بِأَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالثَّانِي: الْإِخْلَاصُ لِلْمَعْبُودِ، فَهَذَا تَحْقِيقُ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] ".
وَالنَّاسُ مُنْقَسِمُونَ بِحَسَبِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ أَيْضًا إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
[أَهْلُ الْإِخْلَاصِ لِلْمَعْبُودِ وَالْمُتَابَعَةِ]
أَحَدُهَا:أَهْلُ الْإِخْلَاصِ لِلْمَعْبُودِ وَالْمُتَابَعَةِ، وَهُمْ أَهْلُ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] " حَقِيقَةً، فَأَعْمَالُهُمْ كُلُّهَا لِلَّهِ، وَأَقْوَالُهُمْ لِلَّهِ، وَعَطَاؤُهُمْ لِلَّهِ، وَمَنْعُهُمْ لِلَّهِ، وَحُبُّهُمْ لِلَّهِ، وَبُغْضُهُمْ لِلَّهِ، فَمُعَامَلَتُهُمْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِوَجْهِ اللَّهِ وَحْدَهُ، لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ مِنَ النَّاسِ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، وَلَا ابْتِغَاءَ الْجَاهِ عِنْدَهُمْ، وَلَا طَلَبَ الْمُحَمَّدَةِ، وَالْمُنْزِلَةِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَلَا هَرَبًا مِنْ ذَمِّهِمْ، بَلْ قَدْ عَدُّوا النَّاسَ بِمَنْزِلَةِ أَصْحَابِ الْقُبُورِ، لَا يَمْلِكُونَ لَهُمْ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا، وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، فَالْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ، وَابْتِغَاءُ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُمْ، وَرَجَاؤُهُمْ لِلضُّرِّ وَالنَّفْعِ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ مِنْ عَارِفٍ بِهِمُ الْبَتَّةَ، بَلْ مِنْ جَاهِلٍ بِشَأْنِهِمْ، وَجَاهِلٍ بِرَبِّهِ، فَمَنْ عَرَفَ النَّاسَ أَنْزَلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ، وَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ أَخْلَصَ لَهُ أَعْمَالَهُ وَأَقْوَالَهُ، وَعَطَاءَهُ وَمَنْعَهُ وَحُبَّهُ وَبُغْضَهُ، وَلَا يُعَامِلُ أَحَدَ الْخَلْقِ دُونَ اللَّهِ إِلَّا لِجَهْلِهِ بِاللَّهِ وَجَهْلِهِ بِالْخَلْقِ، وَإِلَّا فَإِذَا عَرَفَ اللَّهَ وَعَرَفَ النَّاسَ آثَرَ مُعَامَلَةَ اللَّهِ عَلَى مُعَامَلَتِهِمْ.
وَكَذَلِكَ أَعْمَالُهُمْ كُلُّهَا وَعِبَادَتُهُمْ مُوَافَقَةٌ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَلِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهَذَا هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ عَامِلٍ سِوَاهُ، وَهُوَ الَّذِي بَلَا عِبَادَهُ بِالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ لِأَجْلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] وَجَعَلَ مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِيَخْتَبِرَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: الْعَمَلُ الْحَسَنُ هُوَ أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ، قَالُوا: يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ قَالَ: إِنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا، وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ، حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا، وَالْخَالِصُ: مَا كَانَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ: مَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] وَفِي قَوْلِهِ {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 125] فَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ، عَلَى مُتَابَعَةِ أَمْرِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى عَامِلِهِ، يُرَدُّ عَلَيْهِ أَحْوَجَ مَا هُوَ إِلَيْهِ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَكُلُّ عَمَلٍ بِلَا اقْتِدَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَامِلَهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يُعْبَدُ بِأَمْرِهِ، لَا بِالْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ.
[مَنْ لَا إِخْلَاصَ لَهُ وَلَا مُتَابَعَةَ]
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَنْ لَا إِخْلَاصَ لَهُ وَلَا مُتَابَعَةَ، فَلَيْسَ عَمَلُهُ مُوَافِقًا لِشَرْعٍ، وَلَيْسَ هُوَ خَالِصًا لِلْمَعْبُودِ، كَأَعْمَالِ الْمُتَزَيِّنِينَ لِلنَّاسِ، الْمُرَائِينَ لَهُمْ بِمَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَهَؤُلَاءِ شِرَارُ الْخَلْقِ، وَأَمْقَتُهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَهُمْ أَوْفَرُ نَصِيبٍ مِنْ قَوْلِهِ {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 188] يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا مِنَ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ وَالشِّرْكِ، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْإِخْلَاصِ.
وَهَذَا الضَّرْبُ يَكْثُرُ فِيمَنِ انْحَرَفَ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْعِلْمِ وَالْفَقْرِ وَالْعِبَادَةِ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَإِنَّهُمْ يَرْتَكِبُونَ الْبِدَعَ وَالضَّلَالَاتِ، وَالرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوهُ مِنَ الِاتِّبَاعِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْعِلْمِ، فَهُمْ أَهْلُ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ.
[مُخْلِصٌ فِي أَعْمَالِهِ لَكِنَّهَا عَلَى غَيْرِ مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ]
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَنْ هُوَ مُخْلِصٌ فِي أَعْمَالِهِ، لَكِنَّهَا عَلَى غَيْرِ مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ، كَجُهَّالِ الْعُبَّادِ، وَالْمُنْتَسِبِينَ إِلَى طَرِيقِ الزُّهْدِ وَالْفَقْرِ، وَكُلِّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَاعْتَقَدَ عِبَادَتَهُ هَذِهِ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ فَهَذَا حَالُهُ، كَمَنْ يَظُنُّ أَنَّ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ قُرْبَةٌ، وَأَنَّ الْخَلْوَةَ الَّتِي يَتْرُكُ فِيهَا الْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ قُرْبَةٌ، وَأَنَّ مُوَاصَلَةَ صَوْمِ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ قُرْبَةٌ، وَأَنَّ صِيَامَ يَوْمِ فِطْرِ النَّاسِ كُلِّهِمْ قُرْبَةٌ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
[مَنْ أَعْمَالُهُ عَلَى مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ لَكِنَّهَا لِغَيْرِ اللَّهِ]
الضَّرْبُ الرَّابِعُ: مَنْ أَعْمَالُهُ عَلَى مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ، لَكِنَّهَا لِغَيْرِ اللَّهِ، كَطَاعَةِ الْمُرَائِينَ، وَكَالرَّجُلِ يُقَاتِلُ رِيَاءً وَحَمِيَّةً وَشَجَاعَةً، وَيَحُجُّ لِيُقَالَ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ، فَهَؤُلَاءِ أَعْمَالُهُمْ ظَاهِرُهَا أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا، لَكِنَّهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ، فَلَا تُقْبَلُ {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] فَكُلُّ أَحَدٍ لَمْ يُؤْمَرْ إِلَّا بِعِبَادَةِ اللَّهِ بِمَا أَمَرَ، وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فِي الْعِبَادَةِ، وَهُمْ أَهْلُ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ".»
[«مدارج السالكين» لابن القيّم: (104 - 106)].
أَحَدُهُمَا: مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالثَّانِي: الْإِخْلَاصُ لِلْمَعْبُودِ، فَهَذَا تَحْقِيقُ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] ".
وَالنَّاسُ مُنْقَسِمُونَ بِحَسَبِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ أَيْضًا إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
[أَهْلُ الْإِخْلَاصِ لِلْمَعْبُودِ وَالْمُتَابَعَةِ]
أَحَدُهَا:أَهْلُ الْإِخْلَاصِ لِلْمَعْبُودِ وَالْمُتَابَعَةِ، وَهُمْ أَهْلُ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] " حَقِيقَةً، فَأَعْمَالُهُمْ كُلُّهَا لِلَّهِ، وَأَقْوَالُهُمْ لِلَّهِ، وَعَطَاؤُهُمْ لِلَّهِ، وَمَنْعُهُمْ لِلَّهِ، وَحُبُّهُمْ لِلَّهِ، وَبُغْضُهُمْ لِلَّهِ، فَمُعَامَلَتُهُمْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِوَجْهِ اللَّهِ وَحْدَهُ، لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ مِنَ النَّاسِ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، وَلَا ابْتِغَاءَ الْجَاهِ عِنْدَهُمْ، وَلَا طَلَبَ الْمُحَمَّدَةِ، وَالْمُنْزِلَةِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَلَا هَرَبًا مِنْ ذَمِّهِمْ، بَلْ قَدْ عَدُّوا النَّاسَ بِمَنْزِلَةِ أَصْحَابِ الْقُبُورِ، لَا يَمْلِكُونَ لَهُمْ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا، وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، فَالْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ، وَابْتِغَاءُ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُمْ، وَرَجَاؤُهُمْ لِلضُّرِّ وَالنَّفْعِ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ مِنْ عَارِفٍ بِهِمُ الْبَتَّةَ، بَلْ مِنْ جَاهِلٍ بِشَأْنِهِمْ، وَجَاهِلٍ بِرَبِّهِ، فَمَنْ عَرَفَ النَّاسَ أَنْزَلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ، وَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ أَخْلَصَ لَهُ أَعْمَالَهُ وَأَقْوَالَهُ، وَعَطَاءَهُ وَمَنْعَهُ وَحُبَّهُ وَبُغْضَهُ، وَلَا يُعَامِلُ أَحَدَ الْخَلْقِ دُونَ اللَّهِ إِلَّا لِجَهْلِهِ بِاللَّهِ وَجَهْلِهِ بِالْخَلْقِ، وَإِلَّا فَإِذَا عَرَفَ اللَّهَ وَعَرَفَ النَّاسَ آثَرَ مُعَامَلَةَ اللَّهِ عَلَى مُعَامَلَتِهِمْ.
وَكَذَلِكَ أَعْمَالُهُمْ كُلُّهَا وَعِبَادَتُهُمْ مُوَافَقَةٌ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَلِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهَذَا هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ عَامِلٍ سِوَاهُ، وَهُوَ الَّذِي بَلَا عِبَادَهُ بِالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ لِأَجْلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] وَجَعَلَ مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِيَخْتَبِرَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: الْعَمَلُ الْحَسَنُ هُوَ أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ، قَالُوا: يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ قَالَ: إِنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا، وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ، حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا، وَالْخَالِصُ: مَا كَانَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ: مَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] وَفِي قَوْلِهِ {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 125] فَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ، عَلَى مُتَابَعَةِ أَمْرِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى عَامِلِهِ، يُرَدُّ عَلَيْهِ أَحْوَجَ مَا هُوَ إِلَيْهِ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَكُلُّ عَمَلٍ بِلَا اقْتِدَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَامِلَهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يُعْبَدُ بِأَمْرِهِ، لَا بِالْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ.
[مَنْ لَا إِخْلَاصَ لَهُ وَلَا مُتَابَعَةَ]
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَنْ لَا إِخْلَاصَ لَهُ وَلَا مُتَابَعَةَ، فَلَيْسَ عَمَلُهُ مُوَافِقًا لِشَرْعٍ، وَلَيْسَ هُوَ خَالِصًا لِلْمَعْبُودِ، كَأَعْمَالِ الْمُتَزَيِّنِينَ لِلنَّاسِ، الْمُرَائِينَ لَهُمْ بِمَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَهَؤُلَاءِ شِرَارُ الْخَلْقِ، وَأَمْقَتُهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَهُمْ أَوْفَرُ نَصِيبٍ مِنْ قَوْلِهِ {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 188] يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا مِنَ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ وَالشِّرْكِ، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْإِخْلَاصِ.
وَهَذَا الضَّرْبُ يَكْثُرُ فِيمَنِ انْحَرَفَ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْعِلْمِ وَالْفَقْرِ وَالْعِبَادَةِ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَإِنَّهُمْ يَرْتَكِبُونَ الْبِدَعَ وَالضَّلَالَاتِ، وَالرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوهُ مِنَ الِاتِّبَاعِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْعِلْمِ، فَهُمْ أَهْلُ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ.
[مُخْلِصٌ فِي أَعْمَالِهِ لَكِنَّهَا عَلَى غَيْرِ مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ]
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَنْ هُوَ مُخْلِصٌ فِي أَعْمَالِهِ، لَكِنَّهَا عَلَى غَيْرِ مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ، كَجُهَّالِ الْعُبَّادِ، وَالْمُنْتَسِبِينَ إِلَى طَرِيقِ الزُّهْدِ وَالْفَقْرِ، وَكُلِّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَاعْتَقَدَ عِبَادَتَهُ هَذِهِ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ فَهَذَا حَالُهُ، كَمَنْ يَظُنُّ أَنَّ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ قُرْبَةٌ، وَأَنَّ الْخَلْوَةَ الَّتِي يَتْرُكُ فِيهَا الْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ قُرْبَةٌ، وَأَنَّ مُوَاصَلَةَ صَوْمِ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ قُرْبَةٌ، وَأَنَّ صِيَامَ يَوْمِ فِطْرِ النَّاسِ كُلِّهِمْ قُرْبَةٌ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
[مَنْ أَعْمَالُهُ عَلَى مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ لَكِنَّهَا لِغَيْرِ اللَّهِ]
الضَّرْبُ الرَّابِعُ: مَنْ أَعْمَالُهُ عَلَى مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ، لَكِنَّهَا لِغَيْرِ اللَّهِ، كَطَاعَةِ الْمُرَائِينَ، وَكَالرَّجُلِ يُقَاتِلُ رِيَاءً وَحَمِيَّةً وَشَجَاعَةً، وَيَحُجُّ لِيُقَالَ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ، فَهَؤُلَاءِ أَعْمَالُهُمْ ظَاهِرُهَا أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا، لَكِنَّهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ، فَلَا تُقْبَلُ {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] فَكُلُّ أَحَدٍ لَمْ يُؤْمَرْ إِلَّا بِعِبَادَةِ اللَّهِ بِمَا أَمَرَ، وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فِي الْعِبَادَةِ، وَهُمْ أَهْلُ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ".»
[«مدارج السالكين» لابن القيّم: (104 - 106)].