ريـاض
2016-01-11, 21:03
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
هل الخوارج كفّار، أم فساق فحسب ؟
وهل يجوز لعن الخوارج جملة؟
أم يجوز لعن المعين منهم ؟
السلف في الحكم على الخوارج على قسمين: مُكفِّر، ومُفسّق.
نبدأ بالفريق الذي لم يكفر الخوارج؛ بل اكتفوا بتفسيقهم وتضليلهم.
سئل علي رضي الله عنه الخوارج الذين قنت عليهم وقاتلهم، فقد أخرج عبد الرزاق في "مصنفه": (18656 ):عن الحسن أنه قال: " لما قَتل علي رضي الله عنه الحرورية، قالوا: من هؤلاء يا أمير المؤمنين؛ أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. قيل: فمنافقين، قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، وهؤلاء يذكرون الله كثيرا، قيل: فما هم؟ قال قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا".
قال ابن حجر في "الفتح" ( 12/300 ):
"وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السنة إلى أن الخوارج فساق وان حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام وإنما فسقوا بتكفيرهم المسلمين مستندين إلى تأويل فاسد وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم بالكفر والشرك.
وقال الخطابي: " أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين وأجازوا مناكحتهم وأكل ذبائحهم وأنهم لا يكفرون ما داموا متمسكين بأصل الإسلام وقال عياض كادت هذه المسألة تكون أشد إشكالا عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه عبد الحق الإمام أبا المعالي عنها فاعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين قال وقد توقف قبله القاضي أبو بكر الباقلاني وقال لم يصرح القوم بالكفر وإنما قالوا أقوالا تؤدي إلى الكفر، وقال الغزالي في كتاب "التفرقة بين الإيمان والزندقة": والذي ينبغي؛ الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا فان استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد. ومما احتج به من لم يكفرهم قوله في ثالث أحاديث الباب بعد وصفهم بالمروق من الدين كمروق السهم فينظر الرامي إلى سهمه إلى أن قال "فيتمارى في الفوقة هل علق بها شيء" قال بن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين عن جملة المسلمين لقوله:"يتمارى في الفوق" لأن التماري من الشك، وإذا وقع الشك في ذلك لم يقطع عليهم بالخروج من الإسلام".
ونقل الرزقاني في شرحه على "الموطأ" (2/26) قوله:
قال إسماعيل القاضي" رأى مالك قتل الخوارج، لكنه يرى استتابتهم لعلهم يراجعون الحق فإن تمادوا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم وهذا قول عامة الفقهاء الذين يرون قتلهم واستتابتهم.
أما الفريق الذي كفّر الخوارج.
فقد قال ابن حجر في "الفتح" (12/301) عقب أثر علي ـ رضي الله عنه ـ المتقدم وهو قوله: " مِنْ الكُفْر فروا" بعد أن استشهد به "ابن بطال"، قال ابن حجر:
"وهذا إن ثبت عن علي؛ حمل على أنه لم يكن اطلع على معتقدهم الذي أوجب تكفيرهم عند من كفرهم وفي احتجاجه بقوله "يتمارى في الفوق" نظر فان في بعض طرق الحديث المذكور كما تقدمت الإشارة إليه وكما سيأتي "لم يعلق منه بشيء" وفي بعضها "سيق الفرث والدم" وطريق الجمع بينهما أنه تردد هل في الفوق شيء أو لاثم تحقق أنه لم يعلق بالسهم ولا بشيء منه من الرمي بشيء ويمكن أن يحمل الاختلاف فيه على اختلاف أشخاص منهم ويكون في قوله "يتمارى" إشارة إلى أن بعضهم قد يبقى معه من الإسلام شيء قال القرطبي في "المفهم": والقول بتكفيرهم أظهر في الحديث"اهـ.
قلت: أما أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلم يخرجه غير عبد الرزاق، فيما بين يدي من المراجع الحديثية؛ وهي ليست بالقليلة.
وذكره ابن عبد البر في "التمهيد": ( 23/335 ) عن جماعة، وأورده في " الاستذكار ": ( 2/501 ).
وسنده في " المصنف": "عن عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن قال: ..فذكره".
وهذا الإسناد في مجهول كما ترى، ولهذا قال الحافظ رحمه الله في "الفتح": (وهذا إن ثبت عن علي حمل على...). فقول الحافظ " إن ثبت "، يدل على أنه لم يثبت عنده رحمه الله، وهو الحجة في الحديث وعلومه.
وقال ابن حجر في "الفتح" ( 6/618 ):
وقوله: "يمرقون من الدين" إن كان المراد به الإسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج.
وقال أيضاً: ( 8/ 69 ):
"قوله: " يمرقون من الدين" في رواية سعيد بن مسروق "من الإسلام" وفيه رد على من أول الدين هنا بالطاعة وقال أن المراد أنهم يخرجون من طاعة الإمام كما يخرج السهم من الرمية وهذه صفة الخوارج الذين كانوا لا يطيعون الخلفاء والذي يظهر أن المراد بالدين الإسلام كما فسرته الرواية الأخرى وخرج الكلام مخرج الزجر وأنهم بفعلهم ذلك يخرجون من الإسلام الكامل وزاد سعيد بن مسروق في روايته "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان" وهو مما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات فوقع كما قال قوله وأظنه قال: "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود" في رواية سعيد بن مسروق " لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" ولم يتردد فيه وهو الراجح وقد استشكل قوله "لئن أدركتهم لأقتلنهم" مع أنه نهى خالدا عن قتل أصلهم وأجيب بأنه أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف ولم يكن ظهر ذلك في زمانه وأول ما ظهر في زمان على كما هو مشهور وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في علامات النبوة واستدل به على تكفير الخوارج وهي مسألة شهيرة في الأصول".
ونقل الرزقاني في شرحه على "الموطأ" (2/26)قول إسماعيل القاضي:
"وقالت طائفة من المحدثين هم كفار على ظواهر الأحاديث".
قال ابن حجر في"الفتح" (12/ 299ـ300):
"وأسند الطبري عن الحسن أنه سئل عن رجل كان يرى رأي الخوارج ولم يخرج فقال العمل أملك بالناس من الرأي قال الطبري ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الخوارج بأنهم يقولون الحق بألسنتهم ثم أخبر أن قولهم ذلك وان كان حقا من جهة القول فإنه قول لا يجاوز حلوقهم ومنه قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه أخبر أن العمل الصالح الموافق للقول الطيب هو الذي يرفع القول الطيب قال وفيه أنه لا يجوز قتال الخوارج وقتلهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم بدعائهم إلى الرجوع إلى الحق والاعذار إليهم والى ذلك أشار البخاري في الترجمة بالآية المذكورة فيها واستدل به لمن قال بتكفير الخوارج وهو مقتضى صنيع البخاري حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة وبذلك صرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي فقال: الصحيح أنهم كفار لقوله صلى الله عليه وسلم يمرقون من الإسلام ولقوله لأقتلنهم قتل عاد وفي لفظ ثمود وكل منهما إنما هلك بالكفر وبقوله هم شر الخلق ولا يوصف بذلك إلا الكفار ولقوله أنهم أبغض الخلق إلى الله تعالى ولحكمهم على كل من خالف معتقدهم بالكفر والتخليد في النار فكانوا هم أحق بالاسم منهم وممن جنح إلى ذلك من أئمة المتأخرين الشيخ تقي الدين السبكي فقال في فتاويه احتج من كفر الخوارج وغلاة الروافض بتكفيرهم؛ أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في شهادته لهم بالجنة قال وهو عندي احتجاج صحيح.
قال: واحتج من لم يكفرهم بان الحكم بتكفيرهم يستدعي تقدم علمهم بالشهادة المذكورة علما قطعيا.
وفيه نظر، لأنا نعلم تزكية من كفروه علما قطعيا إلى حين موته وذلك كاف في اعتقادنا تكفير من كفرهم ويؤيده حديث من قال لأخيه كافر فقد باء به أحدهما وفي لفظ مسلم من رمى مسلما بالكفر أو قال عدو الله إلا حاد عليه قال وهؤلاء قد تحقق منهم أنهم يرمون جماعة بالكفر ممن حصل عندنا القطع بإيمانهم فيجب أن يحكم بكفرهم بمقتضى خبر الشارع وهو نحو ما قالوه فيمن سجد للصنم ونحوه ممن لا تصريح بالجحود فيه بعد أن فسروا الكفر بالجحود فان احتجوا بقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك قلنا وهذه الأخبار الواردة في حق هؤلاء تقتضي كفرهم ولو لم يعتقدوا تزكية من كفروه علما قطعيا ولا ينجيهم اعتقاد الإسلام إجمالا والعمل بالواجبات عن الحكم بكفرهم كما لا ينجي الساجد للصنم ذلك قلت وممن جنح إلى بعض هذا البحث الطبري في تهذيبه فقال بعد أن سرد أحاديث الباب فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله في الحديث يقولون الحق ويقرءون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوه من آي القرآن على غير المراد منه ثم أخرج بسند صحيح عن بن عباس وذكر عنده الخوارج وما يلقون عند قراءة القرآن فقال يؤمنون بمحكمه ويهلكون عند متشابهه ويؤيد القول المذكور الأمر بقتلهم مع ما تقدم من حديث بن مسعود لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وفيه التارك لدينه المفارق للجماعة قال القرطبي في المفهم يؤيد القول بتكفيرهم التمثيل المذكور في حديث أبي سعيد يعني الأتي في الباب الذي يليه فان ظاهر مقصوده أنهم خرجوا من الإسلام ولم يتعلقوا منه بشيء كما خرج السهم من الرمية لسرعته وقوة راميه بحيث لم يتعلق من الرمية بشيء وقد أشار إلى ذلك بقوله سبق الفرث والدم وقال صاحب الشفاء فيه وكذا نقطع بكفر كل من قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة وحكاه صاحب الروضة في كتاب الردة عنه وأقره".
وقال أيضاً: (12/286 ):
"وعند أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي برزة مرفوعا في ذكر الخوارج "شر الخلق والخليقة" يقولها ثلاثا وعند ابن أبي شيبة من طريق عمير بن إسحاق عن أبي هريرة "هم شر الخلق" وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم".
قال كاتبه: وحدثني الشيخ محمد الفيفي أنه سمع الإمام ابن باز في الرياض في درس من دروس التفسير يذهب إلى تكفير الخوارج للحديث، ونقل لي الشيخ محمد بن رمزان الهاجري ذلك، وقال والشيخ عبيد الجابري ينقل ذلك عن الإمام بن باز، وحدثني مجموعة من الإخوة أن الشيخ ربيع بن هادي ينقل تكفير الإمام ابن باز للخوارج أيضاً.
ثم بعد ذلك وقفت على تصريح الإمام ابن باز رحمه الله؛ تكفيره الخوارج، وأنا أنقل ذلك فيما يلي:
سؤال:
ما حكم القائل لهذه العبارة :
"منهج المستشرقين أفضل من منهج السلف جملةً وتفصيلاً" ؟
الجواب:
حكمُه أنه كافرٌ ضالٌ مُضِلّ؛ إن كان قصده أن منهج الكفّار من اليهود والنصارى أحسن من منهج المسلمين، هذا كافرٌ بالله ضال مضل، يجب استتابته؛ فإن تاب وإلا قُتل.
ومن قال مذهب الخلف أحسن من مذهب السلف؛ فهو كافرٌ أيضاً، لأن المعنى: يفضل مذهب الآخِرين على مذهب الصحابة وعلى النبي صلى الله عليه وسلم.
مذهب السلف أصح، وأهدى، وأقوم، وهو الطريق القويم؛ مذهب الصحابة رضي الله عنهم وما تُلُقِي عنهم رضي الله عنهم.
ومن قال أن مذهب المستشرقين ـ وأطلق ذلك ـ ، فهذا كافر. لا يقوله مؤمن، ولا يقوله مسلم. نسأل الله العافية. نعم.
سؤال:
إذا أصر على كبيرة من كبائر الذنوب، وهو يعلم أنها محرمة؛ فهل هذا الإصرار يُخرجه من الملة ؟
الجواب:
إذا أصر على كبيرة؛ يكون عاصياً، ولا يَخرج من الملة.
ـ هذا قول الخوارج ـ ؛ يكفرون الخوارج مرتكبين الذنوب.
لا.
عند أهل السنة والجماعة، ولو أصر؛ ما يكون كافراً، إذا لم يستحلها.
لو أصر على شرب الخمر، أو العقوق للوالدين، أو الزنا والعياذ بالله؛ ما يكون كافر، يكون عاص ...
وهكذا لو زنا وهو يعرف أن الزنا حرام، ويعتقد أنه حرام، ولكن أطاع الشيطان والهوى؛ هذا لا يكون كافراً، يكون عاصٍ أتى كبيرة؛ من أسباب حرمان المغفرة، وعلى خطر من دخول النار يوم القيامة إذا مات على ذلك، لكن ليس بكافر، ولا يُخلد في النار، إذا دخلها؛ يُعذب فيها ما شاء الله ثم يُخرج.
قد أنكر أهل السنة على الخوارج، وصاحوا بهم لأنهم كفّروا بالذنوب، كفّروا علياً، وكفّروا عثمان، وكفّروا بعض الصحابة؛ بزعمهم أنهم خالفوا النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، فكانوا بهذا ضالين.
والصّواب في الخوارج: أنهم كُفّار؛ هم كفّارـ الخوارج ـ.
قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه ) ، وقال: ( يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية ).
والصّواب فيهم أنهم كفّار؛ بتكفيرهم المسلمين.
أما العاصي؛ فليس بكافر؛ إذا لم يستحل المعصية. لكن عليه البِدار بالتوبة، والرجوع إلى الله لعل الله يتوب عليه. نعم.
انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
هذه إجابات إمام أهل السنة في عصره، ناصر السنة وأهلها، وقامع البدعة والمبتدعة، الذي أجمعت الأمة في عصره على إمامته ومحبته؛ حتى أعداؤه جعل الله في قلوبهم هيبة منه.
هو الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن بار رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
نقلت هذه الإجابات وفرغتها من شريط وصلني هذا وصفه:
مكتوب على الشريط من الخارج طباعةً:
"ابن باز مجالس فقه وإيمان في جدة" (791).
مؤسسة البيارق للإنتاج الإعلامي والتوزيع.
ص. ب 4631 مكة ـ مركز شركة مكة التجاري ـ الدور الأول محل رقم 61
هاتف وفاكس 5373148
ومن الداخل يقول الذي سجل المادة:
قام بتسجيل هذه المادة: تسجيلات الآثار الإسلامية ـ جدة ـ.
وبقية الشريط درس للشيخ رحمه شرح في حديثي ـ بعد أن قُرئت عليه ـ:
من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ القدسي: ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ....).
وحديث أبي ثعلبة الخشني ـ رضي الله عنه ـ ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ....).
وهو قرب موسم شهر ذو الحجة كما يبد في الشريط، لأن المقدم ذكر أن هناك أسئلة عن الحج ـ ولم يُذكر التاريخ ـ فقال الشيخ نعم هذه تقدم.
فرّغ هذه الأسئلة وأجوبتها من الشريط المذكور وكتبه:
جمال بن فريحان الحارثي
25/7/1425هـ
ثم وقفت على كلام الإمام ابن باز منصوصاً على تكفيره للخوارج.
س : ترك الصلاة على أهل البدع ما حكمه ؟
ج : إذا تركها أهل العلم من باب التنفير من عملهم فهو مناسب؛ إذا كانت بدعتهم لا توجب التكفير، أما إذا كانت بدعتهم مكفرة كبدعة الخوارج والمعتزلة والجهمية فلا يصلى عليهم.
المصدر: "مجموع فتاوى ومقالات" الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ (13/161).
بعد هذا بقي أن نعرف هل يجوز لعن الخوارج جملة ، أم يجوز لعن المعين منهم؟؟
فنقول وبالله التوفيق:
أما لعن المعين من الخوارج وغيرهم ، سواءٌ كفّار أو فسّاق؛ لا يجوز.
وإنْ قال به بعض أهل العلم ـ رحمهم الله ـ من الحنابلة، وغيرهم كما نقل ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى في " منهاج السنة" ( 4/569 ) فقال: " وقد تنازع الناس في لعنة الفاسق المعيّن. فقيل: أنه جائز، كما قال ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم، كأبي الفرج ابن الجوزي، وغيره. ونُقلت رواية عن أحمد في لعنه يزيد وأنه قال: ألا ألعن من لعنه الله، واستدل بالآية ــ قلت ( القائل هو: كاتب هذا الموضوع): يعني: قوله تعالى: ( ألا لعنة الله على الظالمين ) فقد ذكرها ابن تيمية في معرض كلام قبل صفحة تقريباً في "منهاجه" ــ ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية والكلام موصولاً له: لكنها رواية منقطعة ليست ثابتة عنه. والآية لا تدل على لعن المعيّن، ولو كان كل ذنب فُعل لُعن فاعله؛ يلعن المعيّن الذي فعله؛ للُعن جمهور الناس".اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في "مجموع الفتاوى" (10/329):
ثبت في "الصحيح": أنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجل يدعى حماراً، وكان يشرب الخمر، وكان كلما أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم جلده الحد، فلما كثر ذلك منه؛ أتي به مرة فأمر بجلده فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله).
فنهى عن لعنه مع إصراره على الشرب لكونه يحب الله ورسوله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة: ( لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها) ا.هـ.
وكما قلنا فإنه لا يجوز لعن المعيّن ـ وهو مذهب ابن تيمية كما تقدم ـ لما يتبين من الأدلة وتحقيق أهل العلم المحققين للمسألة.
أخرج مسلم في "صحيحه"( 1/466 ):
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون).
وأخرج الإمام أحمد في "مسنده" (2/93 ):
عن سالم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم العن فلانا اللهم العن الحرث بن هشام اللهم العن سهيل بن عمرو اللهم العن صفوان بن أمية قال فنزلت هذه الآية ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون، قال فتيب عليهم كلهم.
وأخرجه البخاري في "صحيحه" معلقاً عقب حديث رقم ( 3843 ).
قال ابن حجر في "الفتح" (8/227 ):
"قوله: وكان يقول: في بعض صلاته في صلاة الفجر كأنه يشير إلى أنه لا يداوم على ذلك قوله "اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب" وقع تسميتهم في رواية يونس عن الزهري عند مسلم بلفظ "اللهم العن رعلا وذكوان وعصية" قوله حتى أنزل الله ليس لك من الأمر شيء تقدم استشكاله في غزوة أحد وأن قصة رعل وذكوان كانت بعد أحد ونزول (ليس لك من الأمر شيء) كان في قصة أحد فكيف يتأخر السبب عن النزول ثم ظهر لي علة الخبر وأن فيه إدراجا وأن قوله حتى أنزل الله منقطع من رواية الزهري عمن بلغه بين ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا قال يعني الزهري ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت وهذا البلاغ لا يصح لما ذكرته وقد ورد في سبب نزول الآية شيء آخر لكنه لا ينافي ما تقدم بخلاف قصة رعل وذكوان فعند أحمد ومسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج وجهه حتى سأل الدم على وجهه فقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء الآية وطريق الجمع بينه وبين حديث بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم دعا على المذكورين بعد ذلك في صلاته فنزلت الآية في الأمرين معا فيما وقع له من الأمر المذكور وفيما نشأ عنه من الدعاء عليهم وذلك كله في أحد بخلاف قصة رعل وذكوان فأنها أجنبية ويحتمل أن يقال إن قصتهم كانت عقب ذلك وتأخر نزول الآية عن سببها قليلا ثم نزلت في جميع ذلك والله أعلم".
وقال ابن تيمية رحمه الله في " منهاجه" ( 4/573 ):
"المنصوص الثابت عن أحمد من رواية صالح انه قال: " ومتى رأيت أباك يلعن أحدا؟ لما قيل له: ألا تلعن يزيد؟ فقال: ومتى رأيت أباك يلعن أحدا". وثبت عنه أن الرجل إذا ذكر الحجاج ونحوه من الظلمة وأراد أن يلعن، يقول: ألا لعنة الله على الظالمين، وكره أنْ يلعن المعين باسمه".
وقال أيضاً: ( 4/567 ):
" فلعنة الفاسق المعيّن لست مأموراً بها، إنما جاءت السنة بلعن الأنواع، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله السارق؛ ...". وقوله: " لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً". وقوله: "لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه". وقوله: "لعن الله المحلِّل والمحلَّل له". "لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها،....".
بقي لنا أن نعرف هل يجوز "لعن المطلق" أم لا ؟؟؟
مما تقدم تبين انه لا يجوز " لعن المعين" كافراً كان أم فاسقاً، أما لعن المطلق؛ فقد سبق بيان ابن تيمية بجواز لعن الأنواع، وسيأتي معنا زيادة بيان.
فأقول : " لعن المطلق" ، سواءً كانوا كفاراً أو فسّاقاً أو ظلمة أو ضُلاّلاً أو خوارج، جاء في القرآن وثبت في السنة.
كقوله تعالى: فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ. [البقرة: 89].
وقوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ). [البقرة: 161].
وقوله: فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ . [آل عمران: 61].
وقوله جل ذكره: فََأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ . [الأعراف: 44].
وقوله: وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار ِ. [الرعد: 25]. والآيات في هذا كثيرة ومستفيضة.
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" البخاري: (425 ).
وقوله: " قال المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" البخاري: ( 1768 ).
وقوله: " من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" مسلم: ( 1370/1 )
وقوله: " من تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة لا يقبل منه عدل ولا صرف" مسلم: ( 1508 ).
وكان السلف يلعنون الكفار مطلقاً، فعن عبد الرحمن بن عبد القاريء قال: ( وكانوا ـ أي الصحابة ـ يلعنون الكفرة ...)، " صحيح ابن خزيمة" ( 1100 ).
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموع الفتاوى ": ( 10/329 )، و " منهاج السنة": ( 4/569 ):
ثبت في "الصحيح"، أنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجل يدعى حماراً، وكان يشرب الخمر، وكان كلما أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم جلده الحد، فلما كثر ذلك منه أتي به مرة فأمر بجلده فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله).
فنهى عن لعنه مع إصراره على الشرب لكونه يحب الله ورسوله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة: " لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها".
ولكن لعن المطلق لا يستلزم لعن المعين الذي قام به ما يمنع لحوق اللعنة له. اهـ.
وقال أيضاً في "منهاج السنة": ( 4/570 ): " فدل ذلك على أنه يجوز أن يُلعن المطلق، ولا يجوز لعنة المعيّن ...). والله أعلم.
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،،،،،،
كتبه
جمال بن فريحان الحارثي
27/4/1425هـ
منقول
أما بعد:
هل الخوارج كفّار، أم فساق فحسب ؟
وهل يجوز لعن الخوارج جملة؟
أم يجوز لعن المعين منهم ؟
السلف في الحكم على الخوارج على قسمين: مُكفِّر، ومُفسّق.
نبدأ بالفريق الذي لم يكفر الخوارج؛ بل اكتفوا بتفسيقهم وتضليلهم.
سئل علي رضي الله عنه الخوارج الذين قنت عليهم وقاتلهم، فقد أخرج عبد الرزاق في "مصنفه": (18656 ):عن الحسن أنه قال: " لما قَتل علي رضي الله عنه الحرورية، قالوا: من هؤلاء يا أمير المؤمنين؛ أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. قيل: فمنافقين، قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، وهؤلاء يذكرون الله كثيرا، قيل: فما هم؟ قال قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا".
قال ابن حجر في "الفتح" ( 12/300 ):
"وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السنة إلى أن الخوارج فساق وان حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام وإنما فسقوا بتكفيرهم المسلمين مستندين إلى تأويل فاسد وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم بالكفر والشرك.
وقال الخطابي: " أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين وأجازوا مناكحتهم وأكل ذبائحهم وأنهم لا يكفرون ما داموا متمسكين بأصل الإسلام وقال عياض كادت هذه المسألة تكون أشد إشكالا عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه عبد الحق الإمام أبا المعالي عنها فاعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين قال وقد توقف قبله القاضي أبو بكر الباقلاني وقال لم يصرح القوم بالكفر وإنما قالوا أقوالا تؤدي إلى الكفر، وقال الغزالي في كتاب "التفرقة بين الإيمان والزندقة": والذي ينبغي؛ الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا فان استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد. ومما احتج به من لم يكفرهم قوله في ثالث أحاديث الباب بعد وصفهم بالمروق من الدين كمروق السهم فينظر الرامي إلى سهمه إلى أن قال "فيتمارى في الفوقة هل علق بها شيء" قال بن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين عن جملة المسلمين لقوله:"يتمارى في الفوق" لأن التماري من الشك، وإذا وقع الشك في ذلك لم يقطع عليهم بالخروج من الإسلام".
ونقل الرزقاني في شرحه على "الموطأ" (2/26) قوله:
قال إسماعيل القاضي" رأى مالك قتل الخوارج، لكنه يرى استتابتهم لعلهم يراجعون الحق فإن تمادوا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم وهذا قول عامة الفقهاء الذين يرون قتلهم واستتابتهم.
أما الفريق الذي كفّر الخوارج.
فقد قال ابن حجر في "الفتح" (12/301) عقب أثر علي ـ رضي الله عنه ـ المتقدم وهو قوله: " مِنْ الكُفْر فروا" بعد أن استشهد به "ابن بطال"، قال ابن حجر:
"وهذا إن ثبت عن علي؛ حمل على أنه لم يكن اطلع على معتقدهم الذي أوجب تكفيرهم عند من كفرهم وفي احتجاجه بقوله "يتمارى في الفوق" نظر فان في بعض طرق الحديث المذكور كما تقدمت الإشارة إليه وكما سيأتي "لم يعلق منه بشيء" وفي بعضها "سيق الفرث والدم" وطريق الجمع بينهما أنه تردد هل في الفوق شيء أو لاثم تحقق أنه لم يعلق بالسهم ولا بشيء منه من الرمي بشيء ويمكن أن يحمل الاختلاف فيه على اختلاف أشخاص منهم ويكون في قوله "يتمارى" إشارة إلى أن بعضهم قد يبقى معه من الإسلام شيء قال القرطبي في "المفهم": والقول بتكفيرهم أظهر في الحديث"اهـ.
قلت: أما أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلم يخرجه غير عبد الرزاق، فيما بين يدي من المراجع الحديثية؛ وهي ليست بالقليلة.
وذكره ابن عبد البر في "التمهيد": ( 23/335 ) عن جماعة، وأورده في " الاستذكار ": ( 2/501 ).
وسنده في " المصنف": "عن عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن قال: ..فذكره".
وهذا الإسناد في مجهول كما ترى، ولهذا قال الحافظ رحمه الله في "الفتح": (وهذا إن ثبت عن علي حمل على...). فقول الحافظ " إن ثبت "، يدل على أنه لم يثبت عنده رحمه الله، وهو الحجة في الحديث وعلومه.
وقال ابن حجر في "الفتح" ( 6/618 ):
وقوله: "يمرقون من الدين" إن كان المراد به الإسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج.
وقال أيضاً: ( 8/ 69 ):
"قوله: " يمرقون من الدين" في رواية سعيد بن مسروق "من الإسلام" وفيه رد على من أول الدين هنا بالطاعة وقال أن المراد أنهم يخرجون من طاعة الإمام كما يخرج السهم من الرمية وهذه صفة الخوارج الذين كانوا لا يطيعون الخلفاء والذي يظهر أن المراد بالدين الإسلام كما فسرته الرواية الأخرى وخرج الكلام مخرج الزجر وأنهم بفعلهم ذلك يخرجون من الإسلام الكامل وزاد سعيد بن مسروق في روايته "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان" وهو مما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات فوقع كما قال قوله وأظنه قال: "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود" في رواية سعيد بن مسروق " لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" ولم يتردد فيه وهو الراجح وقد استشكل قوله "لئن أدركتهم لأقتلنهم" مع أنه نهى خالدا عن قتل أصلهم وأجيب بأنه أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف ولم يكن ظهر ذلك في زمانه وأول ما ظهر في زمان على كما هو مشهور وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في علامات النبوة واستدل به على تكفير الخوارج وهي مسألة شهيرة في الأصول".
ونقل الرزقاني في شرحه على "الموطأ" (2/26)قول إسماعيل القاضي:
"وقالت طائفة من المحدثين هم كفار على ظواهر الأحاديث".
قال ابن حجر في"الفتح" (12/ 299ـ300):
"وأسند الطبري عن الحسن أنه سئل عن رجل كان يرى رأي الخوارج ولم يخرج فقال العمل أملك بالناس من الرأي قال الطبري ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الخوارج بأنهم يقولون الحق بألسنتهم ثم أخبر أن قولهم ذلك وان كان حقا من جهة القول فإنه قول لا يجاوز حلوقهم ومنه قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه أخبر أن العمل الصالح الموافق للقول الطيب هو الذي يرفع القول الطيب قال وفيه أنه لا يجوز قتال الخوارج وقتلهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم بدعائهم إلى الرجوع إلى الحق والاعذار إليهم والى ذلك أشار البخاري في الترجمة بالآية المذكورة فيها واستدل به لمن قال بتكفير الخوارج وهو مقتضى صنيع البخاري حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة وبذلك صرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي فقال: الصحيح أنهم كفار لقوله صلى الله عليه وسلم يمرقون من الإسلام ولقوله لأقتلنهم قتل عاد وفي لفظ ثمود وكل منهما إنما هلك بالكفر وبقوله هم شر الخلق ولا يوصف بذلك إلا الكفار ولقوله أنهم أبغض الخلق إلى الله تعالى ولحكمهم على كل من خالف معتقدهم بالكفر والتخليد في النار فكانوا هم أحق بالاسم منهم وممن جنح إلى ذلك من أئمة المتأخرين الشيخ تقي الدين السبكي فقال في فتاويه احتج من كفر الخوارج وغلاة الروافض بتكفيرهم؛ أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في شهادته لهم بالجنة قال وهو عندي احتجاج صحيح.
قال: واحتج من لم يكفرهم بان الحكم بتكفيرهم يستدعي تقدم علمهم بالشهادة المذكورة علما قطعيا.
وفيه نظر، لأنا نعلم تزكية من كفروه علما قطعيا إلى حين موته وذلك كاف في اعتقادنا تكفير من كفرهم ويؤيده حديث من قال لأخيه كافر فقد باء به أحدهما وفي لفظ مسلم من رمى مسلما بالكفر أو قال عدو الله إلا حاد عليه قال وهؤلاء قد تحقق منهم أنهم يرمون جماعة بالكفر ممن حصل عندنا القطع بإيمانهم فيجب أن يحكم بكفرهم بمقتضى خبر الشارع وهو نحو ما قالوه فيمن سجد للصنم ونحوه ممن لا تصريح بالجحود فيه بعد أن فسروا الكفر بالجحود فان احتجوا بقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك قلنا وهذه الأخبار الواردة في حق هؤلاء تقتضي كفرهم ولو لم يعتقدوا تزكية من كفروه علما قطعيا ولا ينجيهم اعتقاد الإسلام إجمالا والعمل بالواجبات عن الحكم بكفرهم كما لا ينجي الساجد للصنم ذلك قلت وممن جنح إلى بعض هذا البحث الطبري في تهذيبه فقال بعد أن سرد أحاديث الباب فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله في الحديث يقولون الحق ويقرءون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوه من آي القرآن على غير المراد منه ثم أخرج بسند صحيح عن بن عباس وذكر عنده الخوارج وما يلقون عند قراءة القرآن فقال يؤمنون بمحكمه ويهلكون عند متشابهه ويؤيد القول المذكور الأمر بقتلهم مع ما تقدم من حديث بن مسعود لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وفيه التارك لدينه المفارق للجماعة قال القرطبي في المفهم يؤيد القول بتكفيرهم التمثيل المذكور في حديث أبي سعيد يعني الأتي في الباب الذي يليه فان ظاهر مقصوده أنهم خرجوا من الإسلام ولم يتعلقوا منه بشيء كما خرج السهم من الرمية لسرعته وقوة راميه بحيث لم يتعلق من الرمية بشيء وقد أشار إلى ذلك بقوله سبق الفرث والدم وقال صاحب الشفاء فيه وكذا نقطع بكفر كل من قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة وحكاه صاحب الروضة في كتاب الردة عنه وأقره".
وقال أيضاً: (12/286 ):
"وعند أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي برزة مرفوعا في ذكر الخوارج "شر الخلق والخليقة" يقولها ثلاثا وعند ابن أبي شيبة من طريق عمير بن إسحاق عن أبي هريرة "هم شر الخلق" وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم".
قال كاتبه: وحدثني الشيخ محمد الفيفي أنه سمع الإمام ابن باز في الرياض في درس من دروس التفسير يذهب إلى تكفير الخوارج للحديث، ونقل لي الشيخ محمد بن رمزان الهاجري ذلك، وقال والشيخ عبيد الجابري ينقل ذلك عن الإمام بن باز، وحدثني مجموعة من الإخوة أن الشيخ ربيع بن هادي ينقل تكفير الإمام ابن باز للخوارج أيضاً.
ثم بعد ذلك وقفت على تصريح الإمام ابن باز رحمه الله؛ تكفيره الخوارج، وأنا أنقل ذلك فيما يلي:
سؤال:
ما حكم القائل لهذه العبارة :
"منهج المستشرقين أفضل من منهج السلف جملةً وتفصيلاً" ؟
الجواب:
حكمُه أنه كافرٌ ضالٌ مُضِلّ؛ إن كان قصده أن منهج الكفّار من اليهود والنصارى أحسن من منهج المسلمين، هذا كافرٌ بالله ضال مضل، يجب استتابته؛ فإن تاب وإلا قُتل.
ومن قال مذهب الخلف أحسن من مذهب السلف؛ فهو كافرٌ أيضاً، لأن المعنى: يفضل مذهب الآخِرين على مذهب الصحابة وعلى النبي صلى الله عليه وسلم.
مذهب السلف أصح، وأهدى، وأقوم، وهو الطريق القويم؛ مذهب الصحابة رضي الله عنهم وما تُلُقِي عنهم رضي الله عنهم.
ومن قال أن مذهب المستشرقين ـ وأطلق ذلك ـ ، فهذا كافر. لا يقوله مؤمن، ولا يقوله مسلم. نسأل الله العافية. نعم.
سؤال:
إذا أصر على كبيرة من كبائر الذنوب، وهو يعلم أنها محرمة؛ فهل هذا الإصرار يُخرجه من الملة ؟
الجواب:
إذا أصر على كبيرة؛ يكون عاصياً، ولا يَخرج من الملة.
ـ هذا قول الخوارج ـ ؛ يكفرون الخوارج مرتكبين الذنوب.
لا.
عند أهل السنة والجماعة، ولو أصر؛ ما يكون كافراً، إذا لم يستحلها.
لو أصر على شرب الخمر، أو العقوق للوالدين، أو الزنا والعياذ بالله؛ ما يكون كافر، يكون عاص ...
وهكذا لو زنا وهو يعرف أن الزنا حرام، ويعتقد أنه حرام، ولكن أطاع الشيطان والهوى؛ هذا لا يكون كافراً، يكون عاصٍ أتى كبيرة؛ من أسباب حرمان المغفرة، وعلى خطر من دخول النار يوم القيامة إذا مات على ذلك، لكن ليس بكافر، ولا يُخلد في النار، إذا دخلها؛ يُعذب فيها ما شاء الله ثم يُخرج.
قد أنكر أهل السنة على الخوارج، وصاحوا بهم لأنهم كفّروا بالذنوب، كفّروا علياً، وكفّروا عثمان، وكفّروا بعض الصحابة؛ بزعمهم أنهم خالفوا النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، فكانوا بهذا ضالين.
والصّواب في الخوارج: أنهم كُفّار؛ هم كفّارـ الخوارج ـ.
قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه ) ، وقال: ( يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية ).
والصّواب فيهم أنهم كفّار؛ بتكفيرهم المسلمين.
أما العاصي؛ فليس بكافر؛ إذا لم يستحل المعصية. لكن عليه البِدار بالتوبة، والرجوع إلى الله لعل الله يتوب عليه. نعم.
انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
هذه إجابات إمام أهل السنة في عصره، ناصر السنة وأهلها، وقامع البدعة والمبتدعة، الذي أجمعت الأمة في عصره على إمامته ومحبته؛ حتى أعداؤه جعل الله في قلوبهم هيبة منه.
هو الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن بار رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
نقلت هذه الإجابات وفرغتها من شريط وصلني هذا وصفه:
مكتوب على الشريط من الخارج طباعةً:
"ابن باز مجالس فقه وإيمان في جدة" (791).
مؤسسة البيارق للإنتاج الإعلامي والتوزيع.
ص. ب 4631 مكة ـ مركز شركة مكة التجاري ـ الدور الأول محل رقم 61
هاتف وفاكس 5373148
ومن الداخل يقول الذي سجل المادة:
قام بتسجيل هذه المادة: تسجيلات الآثار الإسلامية ـ جدة ـ.
وبقية الشريط درس للشيخ رحمه شرح في حديثي ـ بعد أن قُرئت عليه ـ:
من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ القدسي: ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ....).
وحديث أبي ثعلبة الخشني ـ رضي الله عنه ـ ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ....).
وهو قرب موسم شهر ذو الحجة كما يبد في الشريط، لأن المقدم ذكر أن هناك أسئلة عن الحج ـ ولم يُذكر التاريخ ـ فقال الشيخ نعم هذه تقدم.
فرّغ هذه الأسئلة وأجوبتها من الشريط المذكور وكتبه:
جمال بن فريحان الحارثي
25/7/1425هـ
ثم وقفت على كلام الإمام ابن باز منصوصاً على تكفيره للخوارج.
س : ترك الصلاة على أهل البدع ما حكمه ؟
ج : إذا تركها أهل العلم من باب التنفير من عملهم فهو مناسب؛ إذا كانت بدعتهم لا توجب التكفير، أما إذا كانت بدعتهم مكفرة كبدعة الخوارج والمعتزلة والجهمية فلا يصلى عليهم.
المصدر: "مجموع فتاوى ومقالات" الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ (13/161).
بعد هذا بقي أن نعرف هل يجوز لعن الخوارج جملة ، أم يجوز لعن المعين منهم؟؟
فنقول وبالله التوفيق:
أما لعن المعين من الخوارج وغيرهم ، سواءٌ كفّار أو فسّاق؛ لا يجوز.
وإنْ قال به بعض أهل العلم ـ رحمهم الله ـ من الحنابلة، وغيرهم كما نقل ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى في " منهاج السنة" ( 4/569 ) فقال: " وقد تنازع الناس في لعنة الفاسق المعيّن. فقيل: أنه جائز، كما قال ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم، كأبي الفرج ابن الجوزي، وغيره. ونُقلت رواية عن أحمد في لعنه يزيد وأنه قال: ألا ألعن من لعنه الله، واستدل بالآية ــ قلت ( القائل هو: كاتب هذا الموضوع): يعني: قوله تعالى: ( ألا لعنة الله على الظالمين ) فقد ذكرها ابن تيمية في معرض كلام قبل صفحة تقريباً في "منهاجه" ــ ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية والكلام موصولاً له: لكنها رواية منقطعة ليست ثابتة عنه. والآية لا تدل على لعن المعيّن، ولو كان كل ذنب فُعل لُعن فاعله؛ يلعن المعيّن الذي فعله؛ للُعن جمهور الناس".اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في "مجموع الفتاوى" (10/329):
ثبت في "الصحيح": أنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجل يدعى حماراً، وكان يشرب الخمر، وكان كلما أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم جلده الحد، فلما كثر ذلك منه؛ أتي به مرة فأمر بجلده فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله).
فنهى عن لعنه مع إصراره على الشرب لكونه يحب الله ورسوله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة: ( لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها) ا.هـ.
وكما قلنا فإنه لا يجوز لعن المعيّن ـ وهو مذهب ابن تيمية كما تقدم ـ لما يتبين من الأدلة وتحقيق أهل العلم المحققين للمسألة.
أخرج مسلم في "صحيحه"( 1/466 ):
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون).
وأخرج الإمام أحمد في "مسنده" (2/93 ):
عن سالم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم العن فلانا اللهم العن الحرث بن هشام اللهم العن سهيل بن عمرو اللهم العن صفوان بن أمية قال فنزلت هذه الآية ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون، قال فتيب عليهم كلهم.
وأخرجه البخاري في "صحيحه" معلقاً عقب حديث رقم ( 3843 ).
قال ابن حجر في "الفتح" (8/227 ):
"قوله: وكان يقول: في بعض صلاته في صلاة الفجر كأنه يشير إلى أنه لا يداوم على ذلك قوله "اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب" وقع تسميتهم في رواية يونس عن الزهري عند مسلم بلفظ "اللهم العن رعلا وذكوان وعصية" قوله حتى أنزل الله ليس لك من الأمر شيء تقدم استشكاله في غزوة أحد وأن قصة رعل وذكوان كانت بعد أحد ونزول (ليس لك من الأمر شيء) كان في قصة أحد فكيف يتأخر السبب عن النزول ثم ظهر لي علة الخبر وأن فيه إدراجا وأن قوله حتى أنزل الله منقطع من رواية الزهري عمن بلغه بين ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا قال يعني الزهري ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت وهذا البلاغ لا يصح لما ذكرته وقد ورد في سبب نزول الآية شيء آخر لكنه لا ينافي ما تقدم بخلاف قصة رعل وذكوان فعند أحمد ومسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج وجهه حتى سأل الدم على وجهه فقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء الآية وطريق الجمع بينه وبين حديث بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم دعا على المذكورين بعد ذلك في صلاته فنزلت الآية في الأمرين معا فيما وقع له من الأمر المذكور وفيما نشأ عنه من الدعاء عليهم وذلك كله في أحد بخلاف قصة رعل وذكوان فأنها أجنبية ويحتمل أن يقال إن قصتهم كانت عقب ذلك وتأخر نزول الآية عن سببها قليلا ثم نزلت في جميع ذلك والله أعلم".
وقال ابن تيمية رحمه الله في " منهاجه" ( 4/573 ):
"المنصوص الثابت عن أحمد من رواية صالح انه قال: " ومتى رأيت أباك يلعن أحدا؟ لما قيل له: ألا تلعن يزيد؟ فقال: ومتى رأيت أباك يلعن أحدا". وثبت عنه أن الرجل إذا ذكر الحجاج ونحوه من الظلمة وأراد أن يلعن، يقول: ألا لعنة الله على الظالمين، وكره أنْ يلعن المعين باسمه".
وقال أيضاً: ( 4/567 ):
" فلعنة الفاسق المعيّن لست مأموراً بها، إنما جاءت السنة بلعن الأنواع، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله السارق؛ ...". وقوله: " لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً". وقوله: "لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه". وقوله: "لعن الله المحلِّل والمحلَّل له". "لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها،....".
بقي لنا أن نعرف هل يجوز "لعن المطلق" أم لا ؟؟؟
مما تقدم تبين انه لا يجوز " لعن المعين" كافراً كان أم فاسقاً، أما لعن المطلق؛ فقد سبق بيان ابن تيمية بجواز لعن الأنواع، وسيأتي معنا زيادة بيان.
فأقول : " لعن المطلق" ، سواءً كانوا كفاراً أو فسّاقاً أو ظلمة أو ضُلاّلاً أو خوارج، جاء في القرآن وثبت في السنة.
كقوله تعالى: فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ. [البقرة: 89].
وقوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ). [البقرة: 161].
وقوله: فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ . [آل عمران: 61].
وقوله جل ذكره: فََأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ . [الأعراف: 44].
وقوله: وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار ِ. [الرعد: 25]. والآيات في هذا كثيرة ومستفيضة.
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" البخاري: (425 ).
وقوله: " قال المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" البخاري: ( 1768 ).
وقوله: " من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" مسلم: ( 1370/1 )
وقوله: " من تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة لا يقبل منه عدل ولا صرف" مسلم: ( 1508 ).
وكان السلف يلعنون الكفار مطلقاً، فعن عبد الرحمن بن عبد القاريء قال: ( وكانوا ـ أي الصحابة ـ يلعنون الكفرة ...)، " صحيح ابن خزيمة" ( 1100 ).
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموع الفتاوى ": ( 10/329 )، و " منهاج السنة": ( 4/569 ):
ثبت في "الصحيح"، أنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجل يدعى حماراً، وكان يشرب الخمر، وكان كلما أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم جلده الحد، فلما كثر ذلك منه أتي به مرة فأمر بجلده فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله).
فنهى عن لعنه مع إصراره على الشرب لكونه يحب الله ورسوله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة: " لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها".
ولكن لعن المطلق لا يستلزم لعن المعين الذي قام به ما يمنع لحوق اللعنة له. اهـ.
وقال أيضاً في "منهاج السنة": ( 4/570 ): " فدل ذلك على أنه يجوز أن يُلعن المطلق، ولا يجوز لعنة المعيّن ...). والله أعلم.
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،،،،،،
كتبه
جمال بن فريحان الحارثي
27/4/1425هـ
منقول