مشاهدة النسخة كاملة : الذين هم يراؤون
seifellah
2015-12-31, 10:14
تعريف الرياء
ذكر العلماء للرياء عدة تعريفات منها:
1- أن يقوم العبد بالعبادة التي يتقرب بها لله لا يريد الله عز وجل، بل يريد عرضًا دنيويًا ([1]).
2- أن يفعل الطاعة، ويترك المعصية، مع ملاحظة غير الله، أو يخبر بها، أو يحب أن يطلع عليها لمقصد دنيوي من مال أو نحوه ([2]).
3- إرادة نفع الدنيا بعمل الآخرة ([3]).
4- إظهار العمل للناس، ليروه ويظنوا به خيرًا ([4]).
5- أن يكون ظاهر المرء خيرًا من باطنه، أي: لملاحظة الخلق([5]).
6- إرادة العباد بطاعة الله ([6]).
([1]) الإخلاص للأشقر 94.
([2]) سبل السلام 04/ 356).
([3]) الإخلاص للصاغرجي 22.
([4]) القاموس الفقهي 141.
([5]) تيسير العزيز الحميد 533.
([6]) الإحياء (4/ 116).
seifellah
2015-12-31, 10:15
ذم الرياء في الكتاب العزيز
ذكر الله سبحانه وتعالى الرياء في مواضع عدة من كتابه المجيد، وذمه وذم أهله ونفر الناس من فعله، ولو ذهبنا نستقصي الآيات التي ذكرت ذلك لطال بنا المقام، ولكننا نكتفي من القلادة بما أحاط بالعنق.
1- قال تعالى وتقدس: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإسراء: 18 – 19].
2- وقال تبارك وتمجد: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾ [البقرة: 264].
3- وقال عز من قائل: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ [الماعون: 4 – 7]. قال الحسن: إن صلاها رياءً, وإن لم يصلها لم يبالها([1]).
4- وقال تبارك وتنزه: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 142].
ففي هذه الآيات التنفير الشديد من الرياء، وذمه وذم أهله، والتهديد والوعيد لمن وقع فيه، وإنه من عظائم الذنوب؛ ذلك لأن المرائي أشرك بالله في العمل مطلق الشرك, ولم يقصد الله تعالى وحده، بل جعل عبادته مطية لغرض دنيوي أو لحظ نفس، وكل ذلك من الضلال البعيد، ويزداد الأمر وضوحًا باطلاعك على بعض النصوص النبوية المتعلقة بالرياء؛ شرك السرائر.
([1]) الزهد لأحمد 327.
seifellah
2015-12-31, 10:20
الرياء في السنة النبوية
1- قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» [مسلم].
2- وقال عليه الصلاة والسلام: «اليسير من الرياء شرك» [الحاكم وصححه].
3- وقال: «يحشر الناس على نياتهم» [ابن ماجة].
4- وسئل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله». [مسلم].
5- وفي الحديث: «من سمَّع سمّع الله به، ومن يراءِ يراءِ الله به» [متفق عليه].
6- وكان صلى الله عليه وسلم يقول عند تلبيته بالحج: «اللهم, حجة لا رياء فيها, ولا سمعة» [الضياء المقدسي].
7- وعن أبي سعيد الخدري قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر الدجال فقال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ فقلنا: بلي يا رسول الله قال: الشرك الخفي: أن يقوم الرجل فيصلي فيزيد صلاته لما يرى من نظر الرجل» [ابن ماجة].
8- عن محمود بن لبيد قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس، إياكم وشرك السرائر، قالوا: وما شرك السرائر؟ قال: يقوم الرجل, فيصلي فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الناس إليه, فذلك شرك السرائر» [ابن خزيمة].
فيستفاد من هذه الأحاديث النبوية – صلى الله وسلم وبارك على قائلها – فوائد عدة، منها ([1]):
1- كمال غنى الله ومجده عز وعلا لقوله: «أنا أغنى الشركاء...».
2- عظم حقه تعالى واستحقاقه العبودية؛ لأنه صاحب صفات الجلال والجمال والكمال والخالق الصمد، وأنه لا يجوز لأحد أن يشرك مع الله تعالى أحدًا من خلقه بأي نوع من الشرك صغيرًا كان أم كبيرًا، يسيرًا كان أم كثيرًا.
3- بطلان العمل الذي صاحبه الرياء, وحلول مقت الله على فاعله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «تركته وشركه».
4- تحريم الرياء؛ لأن ترك الإنسان وعمله وعدم قبوله يدل على الغضب، وما أوجب الغضب فهو محرم.
5- فتنة الشرك الخفي «الرياء» أعظم من فتنة المسيح الدجال، لأن التخلص منها صعب جدًا؛ لما يزينه الشيطان والنفس الأمارة في قلب صاحبه، ولخفائه وقوة الداعي إليه كما صرح بذلك جماعة من أهل العلم.
6- إذا كان المعصوم صلى الله عليه وسلم يخافه على أصاحبه الأولياء الذين زكاهم الله من فوق سماواته – رضي الله عنهم – فالخوف على من بعدهم أولى وأحرى.
7- أن من سمَّع الله به؛ أي: من أظهر عمله للناس رياء فضحه الله يوم القيامة، وكذلك من يراءِ يراء الله به أي: من أظهر للناس العمل الصالح, وليس هو كذلك؛ أظهر سريرته وخذله على رؤوس الخلائق.
فلا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفي عليه يغيب
8- أن الرياء «شرك السرائر» من الأعمال القلبية الخفية التي لا يطلع حقيقتها إلا علام الغيوب - عز في علاه - فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله، فمن فعل ذلك أصلح الله تعالى له أموره، ومن لم يفعل حال الله تعالى بينه وبين ما يشتهي وشتت شمله والعياذ بالله.
فلذلك كله وجب على العاقل أن يعتني كل العناية بعمل القلب, وأن يرعاه كل الرعاية؛ لأن القلب محل اطلاع الرب، فمن أصلح وعمر جوانبه أصلح الله وعمر له برانيه ([2]).
[/URL]([1]) القول المفيد (2/ 226) وما بعدها، إبطال التنديد 45، 211، رياض الصالحين 720، تيسير العزيز الحميد 534.
[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref2"] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) الجواني والبراني: الباطن والظاهر. المعجم الوسيط (1/ 149).
seifellah
2015-12-31, 10:24
العناية بعمل القلب ([1])
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم, ولا إلى صوركم, ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [مسلم].
في هذا الحديث التنبيه والحث على الاعتناء بحال القلب وصفاته بتصحيح مقاصده، وتطهيره من كل وصف مذموم وتحليته بكل نعت محمود؛ فإنه لما كان القلب محل نظر الرب حق على العبد أن يفتش عن صفات قلبه لإمكان أن يكون فيه وصف مذموم يمقته الله بسببه.
وفيه أن الاعتناء بإصلاح القلب وبصفاته مقدم على عمل الجوارح؛ لأن عمل القلب هو المصحح للأعمال الشرعية، إذ لا يصح عمل شرعي إلا من مؤمن عالم بمن كلفه، مخلص له فيما يعمله ثم لا يكمل إلا بمراقبته تعالى، وذلك هو الإحسان الوارد في حديث جبريل المشهور.
1- قال ابن أبي كثير: «تعلموا النية, فإنها أبلغ من العمل».
2- وعن الثوري: «ما عالجت شيئًا أشد علي من نيتي؛ لأنها تتقلب علي».
3- أما ابن أسباط فيقول: «تخليص النية من فسادها أشد علي العاملين من طول الاجتهاد».
4- وهذا الإمام المبارك عبد الله بن المبارك يشير إلى هذا المعنى العظيم قائلاً: «رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية».
5- قال الفضيل: «ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة».
6- قال الزرعي: «ومن تأمل الشريعة ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد من الأعمال التي ميزت بينهما... وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم؛ فهي واجبة في كل وقت، ولهذا كان الإيمان واجب القلب على الدوام».
7- قال الفضيل بن عياض: «إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك».
8- وقال بعض العارفين: «إنما تفاضل الناس بالإرادات, ولم يتفاضلوا بالصوم والصلاة».
ولا يفهم مما تقدم أن أعمال الجوارح لا اعتبار لها في الشريعة، فيزهد فيها المرء فإن هذا خطأ فادح؛ لأن الإيمان عند أهل السنة هو قول اللسان، وعمل الأركان، واعتقاد الجنان؛ كما أن العمل الصالح قرين الإيمان في الكتاب والسنة، ولكن المقصود هو أن تكون العناية الكبرى لعلم وعبادة القلب ثم لعمل وعبادة الجوارح، فما أتي المراؤون إلا من جهة مقاصدهم التي يسعون إليها.
([1]) دليل الفالحين (1/ 61) بتصرف، جامع العلوم (1/ 7220)، بدائع الفوائد (3/ 163).
seifellah
2015-12-31, 10:31
المقاصد التي يسعى إليها المراؤون
إن الحظوظ الدنيوية والأغراض والمقاصد التي يطلبها المراؤون بأعمالهم لا تحصى؛ لأنها تختلف بحسب الحال والزمان والشخص المرائي, لكن ذكر العلماء منها:
1- المفاخرة والسمعة وذيوع الصيت.
2- نيل المنزلة الرفيعة والمكانة في قلوب الخلق.
3- الثناء والمدح.
4- تصدر المجالس.
5- الحصول على المال أو التخلص من إنفاقه.
6- الشهرة.
7- السلامة من سطوة الوالي, ودفع نقمته, وعقوبته.
8- الزواج، وحصول الوظيفة.
أما أسوأ أصناف المرائين, فإنه الذي يعمل الطاعة – رياء – ليتمكن من معصية ما، وهذا من أقبح الأشخاص؛ لأنه جعل الطاعة سُلَّمًا إلى المعصية ([1]).
كبهيمة عمياء قاد زمامها
أعمى على عوج الطريق الحائر
([1]) الإخلاص للصاغرجي 30، وأضاف: كمن يظهر الورع؛ ليخون الناس، ومن يحضر الصلاة في المسجد؛ ليراقب النساء القادمات إليهن, ويوقعهن في شِراكه. وانظر الإحياء (4/ 127).
seifellah
2015-12-31, 10:33
بواعث الرياء ([1])
بواعث الرياء ودوافعه وأسبابه كثيرة تختلف بحسب الشخص والزمان والمكان، لكن نشير إلى طرف منها:
1- حب المحمدة والثناء.
2- خوف المذمة والنقيصة.
3- حب التعالي والعلو.
4- حب الدنيا وإيثارها على الآخرة.
5- ضعف الصدق بموعود الله للمخلصين.
6- تعظيم البشر والسعي لإرضائهم، ونسيان أنهم لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا.
يهوى الثناء مبرز ومقصر
حب الثناء طبيعة الإنسان
([1]) انظر لزامًا الإخلاص للأشقر ص 97 – 100.
seifellah
2015-12-31, 10:37
بضدها تتميز الأشياء
بين العبد وبين الله والجنة لجة - الماء العظيم - لا يقطعها العبد إلا بكبح جماح نفسه عن حظوظها وشهواتها، وقطع طمعه عن نفع أو ضر الناس له، وذلك هو الإخلاص..
نعم.. فالإخلاص هو: تخليص العمل وتنقيته من الشوائب، مثل حظوظ النفس ورغباتها وحظوظ الدنيا, وقد تقدمت الأمثلة عليهما.
ولقد أمر الله - عز في علاه- وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالإخلاص، فقال جل جلاله: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ...﴾ [الزمر: 2 – 3] وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ...﴾ [الأعراف: 29].
وقال المصطفي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يغل عليهن قلب مسلم» وذكر أولهن: «إخلاص العمل لله» [الترمذي وصححه].
وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: ظن أبي أن له فضلاً على من هو دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم» [النسائي].
وفي بعض الآثار: «اخلص يَكْفِك قليل العمل» [الديملي].
1- قال السنوسي: مراد الله من الخلائق الإخلاص فقط.
2- وقال أيوب السختياني: تخليص النيات على العمال أشد عليهم من جميع أعمال.
3- قال بعضهم: في إخلاص ساعة تجاة الأبد، ولكن الإخلاص عزيز.
4- ومما أثر عن الفاروق رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسي الأشعري: من خلصت نيته كفاه الله ما بينه وبين الناس.
5- قال حكيم: العلم بذر، والعمل زرع، وماؤه الإخلاص.
6- ومن عجيب ما ينقل في هذا الباب قول بعض العارفين: إذا أبغض الله عبدًا أعطاه ثلاثًا، ومنعه ثلاثًا: أعطاه صحبة الصالحين, ومنعه القبول منهم، وأعطاه الأعمال الصالحة, ومنعه الإخلاص فيها، وأعطاه الحكمة, ومنعه الصدق فيها.
7- وأخيرًا, اعلم أن الإخلاص باب الخير كله، فقد قال الجنيد: إن لله عبادًا عقلوا، فلما عقلوا عملوا، فلما عملوا أخلصوا، فاستدعاهم الإخلاص إلى أبواب البر أجمع.
8- وكلنا يقرأ قول الله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]، فقد قال الفضيل فيه: «أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا لم يكن خالصًا, ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا, ولم يكن خالصًا لم يقبل، وإذا كان خالصًا, ولم يكن صوابًا لم يقبل».
9- قيل لسهل التستري: أي شيء أشد على النفس؟ فقال: الإخلاص؛ إذا ليس لها فيه نصيب.
10- ولذلك كله كان معروف الكرخي يضرب نفسه, ويقول: يا نفس أخلصي تتخلصي([1]).
فإذا عرفت الإخلاص حق المعرفة, وذقت من حلواه طعمًا, فستؤثره على سائر لذاتك؛ لأنه ساعتئذ سيظهر لك قبح الرياء، فبضدها تتميز الأشياء, ويومئذ أبشر بقطف ثمار الإخلاص.
([1]) انظر: إحياء علوم الدين (5/ 181).
seifellah
2015-12-31, 10:41
من ثمار الإخلاص
من رحمة الله تعالى, ومقتضى حكمته أن جعل لكل عمل صالح ثمارًا في الدارين؛ وهذا مما يرغب المؤمنين في الاستقامة على دين الله عز وعلا.
كما أنه من عدل الله تعالى وحكمته جعل للعمل الطالح آثارًا ضارة وعواقب وخيمة تزهد وترهب المؤمنين من المعاصي والذنوب.
ومن تأمل الكتاب والسنة وجد ذلك بظهور لا يتطلب إدراكه كبير جهد.. قال تعالى وتمجد: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 137 – 138]. ﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [آل عمران: 11].
وعليه, فإن للإخلاص لله تعالى ثمارًا وفوائد جليلة منها:
1- تفريج الكربات الشديدة, ومن ذلك:
أ- قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار فانطبقت عليهم الصخرة، فدعوا الله تعالى بالإخلاص, فأنجاهم بِمَنِّه وكرمه من تلك المحنة المدلهمة.
ب- قصة عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه في فتح مكة، عندما أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال: اقتلوهم, وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة، ومنهم عكرمة الذي ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف, فقال أهل السفينة: أخلصوا؛ فإن آلهتكم لا تغني عنكم هاهنا شيئًا. فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره.. اللهم, إن لك علي عهدًا إن أنت عافيتني مما أنا فيه لآتين محمدًا حتى أضع يدي في يده، فنجا فأسلم.. [أبو داود والنسائي].
ج- قصة الفتية السبعة الذين آووا إلى الكهف فرارًا بدينهم من قومهم المشركين قال تعالى: ﴿ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً ﴾ [الكهف: 14، 15]، وهذا هو التوحيد والإخلاص؛ فامتن الله عليهم بأن هيَّأ لهم من أمرهم رشدًا ومرفقًا، ثم بعد ذكر هذه القصة ألمح الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم إلماحة فقال: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الكهف: 28]. وهم الضعفة الصالحون أهل الإخلاص من مثل الفتية المؤمنين أصحاب الكهف.
2- الانتصار: قال تعالى وتمجد: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ...﴾ [الأنفال: 45 – 47].
قال الجزائري: في الآيات بيان أسباب النصر وعوامله ووجوب الأخذ بها في كل معركة، وهي الثبات وذكر الله وطاعة الله ورسوله وطاعة القيادة وترك النزاع والخلاف والصبر والإخلاص، وبيان عوامل الفشل والخيبة, وهي النزاع والاختلاف والبطر والرياء... ([1]).
3- العصمة من الشيطان والفواحش وسائر الآفات والآثام: قال عز من قائل عن يوسف عليه السلام: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]. وقال سبحانه حاكيًا قصة إبليس: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82 – 83].
4- نيل شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة: في الحديث: سئل صلى الله عليه وسلم: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» [البخاري].
قال شيخ الإسلام الحراني: «فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله...» ([2]). فهنيئًا لأهل الإخلاص بشفاعة المعصوم عليه الصلاة والسلام، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
5- الثواب العظيم والفضل الجزيل وغفران الذنوب، ومن ذلك:
أ- حديث صاحب البطاقة الذي ينشر له تسعة وتسعون سجلاً من الخطايا والمعاصي كلها مد البصر ترجح بميزان حسناته، ثم تخرج له بطاقة مكتوب عليها لا إله إلا الله، توضع في الميزان فتطيش السجلات السوداء كلها، وترجح لا إله إلا الله، فيدخل صاحبها الجنة [الحاكم وابن حبان].
قال العلماء: والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله, فيغفر الله به كبائر كما في حديث البطاقة.
ب- حديث البغية التي سقت الكلب الذي كان يطوف ببئر قد كاد يقتله العطش، فسقته بموقها فغفر لها [الشيخان].
قال العلماء: فهذه سقت الكلب بإيمان خالص في قلبها فغفر لها، وإلا فليس كل بغية سقت كلبًا يغفر لها.
7- دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب: وهو جزاء من حقق التوحيد في نفسه, واجتنب نواقصه ونواقضه، ومن ذلك الشرك بنوعيه: الأكبر، والأصغر, وهو الرياء (شرك السرائر).
وكذلك كان إمام التوحيد إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120].
[/URL]([1]) أيسر التفاسير (2/ 146).
[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref2"] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) إبطال التنديد 118.
seifellah
2015-12-31, 10:44
ولم يك من المشركين ([1])
قال تعالى عن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120].
وقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ﴾ [المؤمنون: 59].
والمعنى الذي ترشد إليه الآيتان هو: تحقيق التوحيد وتهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر ومن سائر المعاصي، ولا يكون ذلك إلا بكمال الإخلاص – لله عز وعلا – في الأقوال والأفعال والإرادات، وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد، ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله، ومن المعاصي التي تكدر التوحيد, وتمنع كماله وتعوقه عن حصول آثاره.
وما هذا الثناء من الله تعالى على إبراهيم الخليل, وعلى سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك صغيره وكبيره بهذه الصفات التي هي أعلا مراتب التحقيق للتوحيد؛ إلا للحث على الإتيان بها والاتصاف بها؛ لأن لها ثوابًا عظيمًا عنده تعالى إلا وهو دخول الجنة بغير حساب, ولا عذاب.
فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي الأمم؛ فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان .. فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.. هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون» [الشيخان]. فهم لكمال توحيدهم لا يلتفتون إلى المخلوقين في شأن من شؤونهم، ولا يسألونهم بلسان الحال أو المقال.
والناس في هذا المقام العظيم درجات: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾ [الأنعام: 132]، وليس تحقيق التوحيد بالتمني ولا بالدعاوى الخالية من الحقائق، وإنما ذلك بما وقر في القلوب من عقائد الإيمان وحقائق الإحسان والأعمال الصالحة الجليلة.
قال شيخ الإسلام التميمي عن قوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً...﴾ قال: «أمة؛ لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين، قانتًا لله لا للملوك ولا للتجار المترفين، ولم يكُ من المشركين خلافًا لمن كثر سوادهم, وزعم أنه من المسلمين».
([1]) القول السديد 20، 23، إبطال التنديد 37، 42.
seifellah
2016-01-03, 16:14
مظاهر الرياء
للرياء صور عديدة، ومظاهر شتى، إليك بعضها:
1- بالنحول والاصفرار وضعف الصوت كأن ذلك من أثر الصيام والقيام والاجتهاد في الطاعات.
2- بارتداء الغليظ وتشعيث الرأس إظهارًا للزهادة في الدنيا.
3- بالبكاء أو التباكي عند المواعظ, وفي مجالس الذكر؛ لادعاء خشية الله تعالى.
قال الكتاني: «بلغني أن البكاء عشرة أجزاء: تسعة رياء, وواحد لله عز وجل, فإذا جاء الواحد الذي لله عز وجل، في السنة مرة فهو كثير».
وقال الحسن: «إن كان الرجل ليجلس المجلس, فتجيئه عبرته, فيردها, فإذا خشي أن تسبقه قام» فيالله العجب!
4- بحفظ النصوص والآثار والأشعار لإظهار العلم وسعة الإطلاع وإقامة الحجج عند اللجاج.
قال عمر بن عبد العزيز: إني لأَدَعُ كثيرًا من الكلام مخافة المباهاة.
وقال سري السقطي: لأن تصلي ركعتين في خلوة تخلصهما خير لك من أن تكتب سبعين أو سبعمائة بعلو([1]).
5- بالإكثار من التآلف والتصانيف وطلب الغرائب من الآثار والأخبار.
6- بتحريك الشفتين إيهاما للناظر بأنه من الذاكرين الله كثيرًا أو الذكرات.
7- بتحسين الصوت عند التلاوة وتحزينه.
8- بإظهار التسخط والتحسر على أهل الدنيا, وغفلتهم عن الله تعالى والدار الآخرة.
9- بإطالة الصلوات وزيادة وقت الركوع والسجود.
10- بصحبة العلماء وطلبة العلم والوجهاء، ليقال: إن فلانًا صاحب فلانًا فيعظم بذلك، أو باستزارة لهؤلاء؛ ليقال: فلان استضاف العالم أو الوجيه الفلاني.
11- بإحناء الجسم وطأطأة الرأس وتنعيس العينين.
12- بإنفاق الأموال، وبالجهاد في ساحات القتال، وبصيام الهواجر؛ ليقال: فلان ما أكرمه وما ِأشجعه وما أجلده.
13- بالمشي بسكينة ووقار إظهارًا للهدوء عند الناس, وطلبًا للثناء.
14- بالمشاركة في المشاريع الخيرية، وطبع الكتب والمصاحف مع اشتراط ذكر الاسم ونشره.
وغير ذلك من المظاهر والصور التي لا تحصى، وكلها قبيحة، بيد أنه إذا صدرت من العالم أو القدوة صارت أقبح.. فما أعظم خطر الرياء على حملة العلم.
([1]) العلو: قلة رجال الإسناد, وعكسه النزول: كثرة رجال الإسناد. انظر شرح قصب السكر للأثري ص 108.
seifellah
2016-01-03, 16:18
خطر الرياء على حملة العلم
حملة العلم أعني العلماء وطلبة العلم من أشد الناس تعرضًا للفتن، ومن ذلك فتنة الشرك الخفي كالرياء والعجب والشهوة الخفية، فإن الباعث لبعضهم على الاجتهاد في طلب العلم ونشره هو التالي:
1- لذة الاستيلاء وإرادة غزارة العلم.
2- الفرح بالأتباع وكثرتهم.
3- الاستبشار بالحمد والثناء، وعدم القناعة بحمد الله تعالى.
4- الأنس بقبول الناس له وتزلفهم بخدمته.
5- السرور بتقديم الناس له في المحافل.
فاستراحت النفس بذلك, وأصابت أعظم اللذات وأعظم الشهوات، وربما لبَّس الشيطان على بعضهم فقال: غرضكم نشر الدين والنضال عن الشرع.
فالواجب على من وفقه الله سبحانه لسلوك سبيل العلم التنبه لمثل هذا لا سيما وأن أهل العلم قد صانوا أنفسهم عن الشبهات, واجتنبوا المعاصي الظاهرة، والحذر من الاستدراج الإلهي، وتذكر أنه عز وعلا صاحب المنة العظمى والمنحة الجلية؛ فهو الذي وهب آلات العلم, ويسر تناوله, وشرح الصدور لقبوله.
فلا يصح بحال أن يجعل هذا العلم سلمًا للأغراض الدنيوية الزائلة، ففي الحديث: «من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» [أبو داود].
قال ابن الجوزي: وهؤلاء لم يفهموا العلم، وليس العلم صور الألفاظ، إنما المقصود فهم المراد منه, وذاك يورث الخشية والخوف، ويرى المنة للمنعم بالعلم وقوة الحجة له على المتعلم، نسأل الله عز وجل يقظة تفهمنا المقصود وتعرفنا المعبود، ونعوذ بالله من سبيل رعاع يتسمون بالعلماء، لا ينهاهم ما يحملون ويعلمون ولا يعملون، ويتكبرون على الناس بما لا يعلمون، ويأخذون عرض الأدنى, وقد نهوا عما يأخذون، غلبتهم طباعهم، وما راضتهم علومهم التي يدرسون، فهم أخس حالاً من العوام الذين يجهلون([1]). ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: 7].
يا أهل العلم, قد علمتم أن الأعمال بالنيات، وقد فهمتهم قوله تعالى: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ...﴾ [الزمر: 3] وقد سمعتم عن السلف أنهم كانوا لا يعملون, ولا يقولون حتى تتقدم النية.
يا أهل العلم, أيذهب زمانكم في طلب الحظوظ الدنيوية, وأنتم ملح الدنيا, وشمس الأرض وعافية الناس.
يا رجال العلم يا ملح البلد
ما يصلح الملح إذا الملح فسد
فأفيقوا من سكرتكم، وتوبوا من زللكم واستقيموا على الجادة: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ....﴾ [الزمر: 56].
حكى بعضهم عن شيخ أفنى عمره في علوم كثيرة، أنه فتن في آخر عمره بفسق أصر عليه وبارز الله به، وكانت حالته تعطي بمضمونها أن علمي يدفع عني شر ما أنا فيه, ولا يبقى له أثر، وكان كأنه قد قطع لنفسه بالنجاة, فلا يُرى عنده أثر لخوف، ولا ندم على ذنب، قال الحاكي: فتغير في آخر عمره ولازمه الفقر، فكان يلقى الشدائد ولا ينتهي عن قبح حاله، إلى أن جمعت له يومًا قراريط على وجه الكدية «السؤال»، فاستحى من ذلك, وقال: يا رب, إلى هذا الحد؟!
قال الحاكي: فتعجبت من غفلته كيف نسي الله عز وجل, وأراد منه حسن التدبير له والصيانة وسعة الرزق، وكأنه ما سمع قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16]، ولا علم أن المعاصي تسد أبواب الرزق، وأن من ضيع الله ضيعه الله، فما رأيت علمًا ما أفاد كعلم هذا؛ لأن العالم إذا زل انكسر، وهذا مصر لا تؤلمه معصيته, وكأنه يجوز له ما يفعل، أو كأن له التصرف في الدين تحليلاً وتحريمًا، فمرض عاجلاً ومات على أقبح حال([2]) فحَذَارِ من عواقب الرياء.
[/URL]([1]) صيد الخاطر 384.
[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref2"] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) مرجع سابق ص 385.
الربيع ب
2016-01-03, 16:32
بارك الله فيك أخي الفاضل وجزاك عنا خيرا
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا أعمالنا ويجعلها لوجهه خالصة ولا يجعل لأحد منها شيئا
فإن رأى العبد في نفسه ما يشوب عمله فليحذر ، وليستعن بالله ويدعوه على الإخلاص وقبول العمل
قيل ليحيى بن معاذ رحمه الله تعالى : متى يكون العبد مخلصاً ؟
فقال : إذا صار خلقه كخلق الرضيع ، لا يبالي من مدحه أو ذمه .
seifellah
2016-01-08, 08:47
عواقب الرياء
قد تقدم قريبًا أن لكل معصية آثارًا وأضرارًا في الدنيا والآخرة، فمن آثار الرياء وعواقبه التالي:
1- أن صاحبة شبيه بالمنافقين، والباطنيين وأهل التقية الذين يظهرون جميعًا خلاف ما يبطنون، قال عز في علاه: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]، ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ ......﴾ [النساء: 142]. قال الذهبي عن الرياء: وهو من النفاق([1])
2- أنه محبط؛ لما قارنه من الأعمال، مانع من الثواب الأخروي، ففي الحديث: «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب» [أحمد]، وقد تقدمت في هذا المعنى أحاديث أخر.
3- أنه سبب لخذلان الأمة وضعفها وهزيمتها، للحديث المتقدم وغيره.
4- أن يسعر صاحبه في النار قبل المشركين عبدة الأوثان؛ لحديث أبي هريرة المشهور قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل يقتل في سبيل الله ورجل كثير المال. ثم ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله يسائل هؤلاء الثلاثة في ما فعلوا بما آتاهم الله من القرآن والجهاد والمال فيقولون: عملنا فيه صالحًا فيكذبهم الله ثم تكذبهم الملائكة، قال أبو هريرة: ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة, أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة»[الترمذي والبغوي].
وعالم بعلمه لم يعملن
معذب من قبل عباد الوثن
5- أن يعامله الله بنقيض قصده وفعله فيورثه الذلة، ففي الحديث «من سمَّع الناس بعمله، سمَّع الله به مسامع خلقه وصغَّره وحقَّره» [الطبراني]. نعم؛ لأن من تعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه.
6- أن ينقص من توحيد المرء بقدر ما راءى به، وقد نعى الله تعالى على الذين استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فخليق بالمرء اجتناب ذلك.
7- أن يشينه الله تعالى بين الناس، قال الفاروق رضي الله عنه: «فمن خلصت نيته في الحق, ولو على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله».
قال ابن القيم: «ولما كان المخلص يعجل له من ثواب إخلاصه الحلاوة والمحبة والمهابة في قلوب الناس, عجل للمتزين بما ليس فيه من عقوبته أن شانه الله بين الناس؛ لأنه شان باطنه عند الله...» ([2]).
8- أن يعدم صاحبه من الصدق في القول والعمل مجترئًا على الله تعالى، لأن المرائي يسأله الله تعالى يوم القيامة: لمن عملت هذه الطاعة؟ فيقول: من أجلك يا رب، وهو كاذب في دعواه. ولقد صدق القائل:
إذا رزق الفتى وجهًا وقاحًا
تقلب في الأمور كما يشاء
وعلى العكس تجد المخلص؛ فإن الإخلاص يورث في القلب الصدق وتعظيم الله تعالى وتنزيهه وتوقيره، قال تعالى عن المشركين: ﴿ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ ([3]) [الصافات: 158 – 160].
قال المفسرون: قال المشركون بأن الله تعالى صاهر الجن, فكانت الملائكة من أولادهم، فرد الله عليهم بقوله: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ...﴾ أي علم الجنة بأن أصحاب هذه المقولة الجائرة سيحضرون النار ويعذبون فيها، ثم نزه سبحانه وتعالى نفسه عما وصفه به المشركون، وقال بعدئذ لكن عباد الله المخلصين بريئون عن أن يصفوا الله بشيء من ذلك([4])، وهذا من أبلغ ما يكون من التزكية والثناء.
فلذلك كله كان معروف الكرخي رحمه الله يضرب نفسه, ويقول لها: يا نفس أخلصي تتخلصي.
[/URL]([1]) الكبائر ص 90.
(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) إعلام الموقعين (3/ 180).
([3]) بكسر اللام وهي قراءة متواترة صحيحة.
[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref4"] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref3)([4]) فتح القدير (4/ 414).
seifellah
2016-01-08, 11:37
أخلصي تتخلصي
ما من داء إلا وله دواء حاشا الموت والهرم، ومن ذلك الرياء فالواجب علينا بعد معرفة الداء وأضراره أن نبحث عن دوائه، عل الله تعالى أن يرزقنا الشفاء والعافية فتتخلص بالإخلاص من العواقب والأضرار، فمن ذلك:
1- اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والضراعة والانطراح بين يديه بطلب العافية من هذا الداء، فإنه داء دوي، ومرض عضال، مسالكه متشعبة، والأعوان عليه كثير: الهوى، والنفس، والشيطان، والناس، وحظوظ النفس.
2- فكيف النجاة بلا عون من الله عز وعلا، فلا ينجيك من هذا الأمر إلا الصدق مع الله في طلب السلامة، فلو صدقت الله صدقك, وكان خيرًا لك، ولقد كان المعصوم صلى الله عليه وسلم يكثر الاستعاذة واللجأ إلى مولاه العلي المجيد، فقد كان كثير الاستغفار والدعاء، وكان أكثر يمينه: «لا, ومقلب القلوب» [البخاري].
قال بعضهم: أحصيت عدد ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه من الأمراض والفتن ونحوهما, فبلغ قرابة تسعين داء وفتنة، فإذا كان هذا, وهو المعصوم صلى الله عليه وسلم, فبالله ما لنا معرضين عن الإقبال على الله تعالى وعن دعائه، ونحن نعلم أنه تعالى: «حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا» [أبو داود].
2- استشعار اطلاع الله عليك ومراقبته، وأنه مطلع على مكنون الضمير, وما يتلجلج في الصدور، وأنه إليه المصير، فهو سبحانه يعلم خائنة الأعين, وما تخفي الصدور، فإذا علمت ذلك, وعلمت أن الله تعالى يغار وغيريته أن يأتي عبده ما حرم عليه؛ هان عليك ترك معصيته، وفي الحديث المشهور سئل صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال: «أن تخشى الله كأنك تراه...» [مسلم].
3- تدبر القرآن المجيد والاستشفاء به، فإنه الشفاء التام لما في الصدور، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، ولكن ما كل أحد يؤهل, ولا يوفق للاستشفاء به إلا إن أخذه بإيمان واعتقاد جازمين؛ فعندئذ لا يقاومه الداء أبدًا، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها، فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه فلا كفاه الله، فعليك بالتداوي بالقرآن, وذلك بالإكثار من تلاوته سرًا وجهارًا، وتدبره، والوقوف عند مواعظه وعبره، وتأمل عظيم ما فيه من البراهين والبصائر.
قال ابن رجب([1]): كان بعضهم يكثر تلاوة القرآن، ثم اشتغل عنه بغيره, فرأى في المنام قائلاً يقول له:
إن كنت تزعم حبي
فلمَ جفوت كتابي
أ
أما تأملت ما فيه
من لطيف عتابي
نعم .. فإن المحب لمن يحب مطيع، مريد لما يريده منه مولاه, ويرضاه.
4- التخلص من حظوظ النفس، فإنه لا يجتمع الإخلاص في القلب وحب المدح والثناء والطمع فيما عند الناس، إلا كما يجتمع الماء والنار، فإذا أردت الإخلاص فأقبل على الطمع فاذبحه بسكين اليأس، وقم على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، حينئذ فقط يسهل عليك الإخلاص.
فإن قلت: ما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟
قلت: أما ذبح الطمع فيسهله عليك اليقين بأنه ليس من شيء تطمع فيه إلا وبيد الله خزائنه, لا يملكها غيره، وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه, ويضر ذمه إلا الله وحده، وفي الحديث: «إنك لن تدع شيئًا لله إلا أبدلك الله به ما هو خير منه» [وكيع].
قال الغزاوي: إن من الناس من يحب الثناء عليه، وما يساوي عند الله جناح بعوضة.
وقال محمد بن واسع: ما يغني عني ما يقول الناس إذا أخذ بيدي ورجلي, فألقيت في النار.
وما ذاك إلا لعملهم أن الثناء والمدح لا يقدمانك, ولا يؤخرانك، فيا ترى.. أين نحن من هؤلاء؟
5- معرفة أن النفس البشرية دائمة الطلاب, وأنها شرهة.
والنفس إن تتبعها هواها
فاغرة نحو هواها فاها
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثًا» [الشيخان]، فليس هناك شيء يمكن أن يسد فقرها وحاجتها إلا أن تصل إلى ربها ومعبودها فتعرفه وتقصده وحده دون سواه، فهناك يجد القلب مراده فتحصل الطمأنينة والقناعة والرضا بالله تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
فليكن الله وحده هو المقصود الأوحد، فمن كانت الآخرة همه جمع الله عليه شمله وأقر عينه ، ومن لم تكن الآهخة همه , شتت الله عليه شمله وعذبه بما أحبه من دونه.
6- المجاهدة، فقد قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69] فالمطلوب منك بذل الجهد في دفع خواطر الرياء وعدم الركون إليها، وكلما ازدادت معرفتك بربك وعظم حقه سهل عليك مدافعة هذه الخواطر.
فهذه مرحلة أولى لا بد من مقاساتها حتى تصل إلى المرحلة التي قال تعالى فيها: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ...﴾ [الحجر: 42]، وهي المرحلة التي تكون النفس فيها مطمئنة بطاعة الله، ساكنة إليها، لا تخالجها الشكوك الأثيمة, فتصبح النية الصالحة تسبق نية الرياء, ويصير إقبالك على الله تامًا، وكله بفضله ورحمته أولاً وآخرًا.
7- إخفاء الطاعات [إلا التي حث الشرع على إظهارها] وعدم التحدث بها، فإن من الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها... ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه» [البخاري].
قال الزبير: من استطاع أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل، وكان بعضهم يبكي على فراشة وزوجته بجانبه لا تشعر به، وكان الرجل من السلف تجيئه عبرته, فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام، أو يقول: ما أشد الزكام, فالله المستعان.
8- عدم الاكتراث بالناس، فمن عرف أن مقاليد كل شيء بيد الله, وأن الناس لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17] لم يراء أبدًا.
قال صالح بن خالد: إذا أردت أن تعمل بشيء من الخير, فأنزل الناس بمنزلة البقر إلا أنك لا تحقرهم([2]).
9- الخوف من الشرك بنوعيه، وقد تقدم الكلام عليه قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ...﴾ [النساء: 116].
10- الدعاء بكفارة الرياء، ففي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل. قالوا: وكيف نتقيه؟ قال: قولوا: اللهم, إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه» [أحمد].
11- تعاهد النفس بالمواعظ ومجالس الذكر ومصاحبة أهل الإخلاص، فإن الله تعالى جبل الآدميين على أن الحق ينقص في قلوبهم والباطل يزيد ([3]).
12- تذكر العذاب والنكال الذي أعده الله تعالى للمرائين يوم القيامة، قد تقدم الكلام عليه.
13- تذكر عظم نعمة الله سبحانه على المرء، فإنه تعالى ابتدأ خلق الإنسان من العدم، وأسبغ عليه وافر النعم، بسط له الأرض، وبنى له السماء فأنزل منها القطر فروى وارتوى وأنبت الزرع وأدر الضرع، ثم امتن عليه بنعم أعظم وأجل حيث أرسل له الرسل, وأنزل عليهم الكتب؛ ليقوموا بالقسط، ثم بعد ذلك شرح الله تعالى صدر هذا المرء بالإيمان، وهيأه لقبول نور السماء ورزقه محبة الإيمان وزينه في قلبه، وأدام عليه – مع كل ذلك – نعمة الهداية والعناية والثبات, فكيف يصرف شيئًا من العبادة لغيره ويرائي الخلق الذين لا حول ولا طول ولا قوة لهم؟ أليس هذا من الضلال البعيد؟
فالواجب استشعار عظم هذه النعم وشكرهم الذي يكون بنسبتها إلى مسببها، والاعتراف بها ظاهرًا وباطنًا, وتسخير الجوارح لخدمة باريها.
إذا كنت في نعمة فارعها ** فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله ** فإن الإله سريع النقم.
14- اعتياد الطاعات بحيث تصير جزءًا لا يتجزأ من حياة المرء، قال الغزالي ([4]): «وما روي من مدافعة الإمامة في الصلاة بين الصحابة رضي الله عنهم, فسببه إيثارهم من رأوه أولى بذلك، أو خوفهم على أنفسهم السهو، وخطر ضمان صلاتهم، فإن الأئمة ضمناء، وكان من لم يتعود ذلك ربما يشتغل قلبه, ويتشوش عليه الإخلاص في صلاته حياء من المقتدين لا سيَّما في جهره بالقراءة، فكان لاحتراز من احترز أسباب من هذا الجنس» أﻫ.
والشاهد قوله ويتشوش عليه الإخلاص أي لعدم اعتياده، بخلاف من اعتاد الطاعة مؤديًا وفق ما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
[/URL]([1]) جامع العلوم والحكم (2/343).
(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) الزهد للإمام أحمد ص 327.
([3]) إبطال التنديد ص 129.
[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref4"] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref3)([4]) الإحياء (1/ 119).
toufik_dj
2016-01-08, 17:57
اللهم انا نعوذ بك من النفاق والرياء
seifellah
2016-01-28, 20:48
في قصصهم عبرة
القصص جنود الله تعالى في الأرض، فكم من عبرة تحملها وموعظة تنشرها، علاوة على أنها تروح عن النفس الكليلة، وتشرح الصدور الحرجة، وعبر هذه السطور لنا وقفة مع بعض القصص الهادفة.
1- هي راودتني عن نفسي:
من منَّا لا يعرف يوسف النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، يوسف المخلص.. يوسف المجاهد.. يوسف العزيز قص الله علينا قصته في القرآن الكريم وغني عن الذكر سرد تفاصيلها؛ فهي معروفة لدى الجميع، فإنه عليه السلام تعرض للفتنة, وتوافرت له كل أسبابها ودوافعها بلا مثيل على وجه الإطلاق، لكنه عصم بفضل الله تعالى وحده، ثم بإخلاصه، ومن تأمل هذه الآية عرف مصداق ذلك: ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24].
فإلى فتيان الإسلام وفتياته هذه القصة، مع خالص الدعاء بالانتفاع بها والاقتداء بهذا النبي العظيم عليه السلام.
seifellah
2016-01-28, 20:52
2- إنه كان مخلصًا:
إذا قرأت قصص موسى عليه السلام ومواقفه مع الطاغوت العاتي فرعون تأسرك قوة موسى وشجاعته، فتشعر بأنه كالريح تدمر كل شيء .. لكن .. بأمر ربها، ومعلوم ما كاد به موسي عليه السلام، وجمعه للجنود ليقتل موسى وأتباعه، فأنجاه الله بالمعجزات الباهرات..
فيا ترى ما سر هذا التأييد الإلهي؟ والجواب: إنه الإخلاص، فاقرأ هذه الآية وتدبر: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا ([1]) وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 51].
قال المفسرون: مخلصًا «بكسر اللام»أي أخلص العبادة والتوحيد لله غير مراء للعباد([2]).
فاسلك سبيل موسى تلق التأييد والمعونة. قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا ﴾ [الفرقان: 35 – 36].
[/URL]([1]) بكسر اللام، وهي قراءة متواترة صحيحة.
[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref2"] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) فتح القدير (3/ 338).
seifellah
2016-03-12, 12:39
3- لأتصدقن الليلة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فقال: الحمد لله على سارق، لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يقولون: تصدق الليلة على زانية، فقال: الحمد لله على زانية، لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني، فقال اللهم: لك الحمد على سارق، وعلى زانية، وعلى غني فقيل له: أما صدقتك على السارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله» [الشيخان].
4- إخلاص المحبة:
قال صلى الله عليه وسلم: «إن رجلا زار أخًا في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكًا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها – تحفظها -؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله، قال الملك: فإني رسول الله إليك بأن الله أحبك كما أحببته فيه» [مسلم].
5- وقد خفت من الكلام:
قال القاضي ابن اللحام: ذكر لنا مرة شيخنا – الإمام العلامة الحافظ عبد الرحمن بن رجب الحنبلي – مسألة, فأطنب فيها فعجبت من ذلك ومن إتقانه لها، فوقعت بعد ذلك بمحضر من أرباب المذاهب وغيرهم، فلم يتكلم فيها الكلمة الواحدة، فلما قام، قلت له: أليس قد تكلمت فيها بذلك الكلام؟ قال: إنما أتكلم بما أرجو ثوابه، وقد خفت من الكلام في هذا المجلس([1]).
6- بركات الإخلاص:
قال ابن عقيل: كان أبو إسحاق الفيروزبادي لا يخرج شيئًا إلى فقير إلا أحضر النية، ولا يتكلم في مسألة إلا قدم الاستعانة بالله وإخلاص القصد في نصرة الحق دون التزيين والتحسين للخلق، ولا صنف مسألة إلا بعد أن صلى ركعات، فلا جرم أن شاع اسمه واشتهرت تصانيفه شرقًا غربًا؛ هذه بركات الإخلاص ([2]).
7- عوضه الله خيرًا منه:
ومن الأمثلة المشرقة عن قصص المخلصين؛ ما وقع للشيخ العلامة/ محمد الأمين الشنقطي؛ حيث إنه أَّلف في صغره منظومة في أنساب العرب، وبعد البلوغ دفنها، قال: لأنها كانت على نية التفوق على الأقران، فلامه مشايخه على دفنها, وقالوا: كان من الممكن تحويل النية وتحسينها أ.ﻫ.
لكن الله تعالى عوضه فلم يمت حتى أحيا علومًا درست، وخلف تراثًا باقيًا، وربى أفواجًا متلاحقة تعد بالآلاف من الطلاب، وترك في كل مكتبة وفي كل منزل «أضواء البيان» تبدد الظلام وتهدي السبيل.
قال عنه سماحة العلامة محمد بن إبراهيم: مُلِئَ علمًا من رأسه حتى أخمص قدميه.
وقال عنه العلامة بكر أبو زيد: لو كان في هذا الزمان أحد يستحق أن يسمى شيخ الإسلام لكان هو ([3]).
[/URL]([1]) جامع العلوم والحكم (1/ 37).
(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) بدائع الفوائد (3/ 149).
[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref3"]([3]) انظر الكتاب النفيس إتحاف النبلاء بسير العلماء للزهراني، ترجمة العلامة الشنقيطي رحمه الله.
seifellah
2016-03-12, 12:58
تنبيهات
1- يقال في الأمثال: فر من الموت وفي الموت وقع، فأول التنبيهات هي أن بعض الناس عندما يهم بعمل الطاعة يعرض في نفسه خاطر الرياء، فيخشى منه ويترك الطاعة، وهذا من الخطأ الفادح إذ ود الشيطان لو ظفر منك بهذا؛ ليقعدك عن السير إلى الله تعالى.
قال بعضهم: «ترك العمل لأجل الناس شرك، والعمل لأجل الناس رياء» نعم.. لأن العبد المتجرد لله تعالى وحده لا يفعل ولا يترك إلا لله، لكن إن ترك الطاعة ليفعلها في الخلوة وحده فلا بأس، أما تركها مطلقًا لأجل الناس فلا.
2- خواطر المعاصي التي تمر بالعبد مثل الرياء ونحوه لا إثم فيها، وإنما الإثم بالعزم والإرادة وفعل هذا المحرم، لأن الله تعالى تجاوز عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تكلم [الشيخان].
لكن الأكمل ولا ريب في حق المؤمن كراهية المعاصي؛ لأن ذلك يعطي المرء حصانة داخلية ووازعًا قويًا، ولذلك امتن الله على المؤمنين بقوله جل جلاله: ﴿... وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾. [الحجرات: 7].
3- المبالغة في إخفاء العمل بحيث يزري على نفسه، ويفعل أمرًا يلام عليه، أو يكذب, لئلا يصرح بطاعة – أمر لا ينبغي، فقد ذكر أن بعض الولاة أراد أن يولي أحد الصالحين القضاء فبلغه ذلك، فما كان منه إلا أن تظاهر بالجنون, ولبس فروة، فجعل الجلد على ظهره والصوف خارجًا، وأخذ بيده رغيفًا وعظمًا, وخرج بلا رداء ولا قلنسوة ولا نعل ولا خف، فأخذ يمشي في الأسواق ويأكل، فقيل ذلك للوالي فقال: إن فلانًا قد اختلط, وأخبر بما فعل، فترك توليته القضاء.
4- ليس من الإخلاص في شيء أن يتحدث المرء عن معاصيه، وليس من الرياء أو النفاق كتمانها، قال صلى الله عليه وسلم: «من ارتكب شيئًا من هذه القاذورات (المعاصي) فليستتر بستر الله» [الحاكم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين, وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان, عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه, ويصبح يكشف ستر الله عنه» [الشيخان].
ثم إن تحدث المرء عن معاصيه وتقصيره في طاعة الله تعالى مدح للنفس بطريق غير مباشر، قال بعض السلف: لولا أن تكون مدحة لَذَمَمْتُ لكم نفسي([1])، فالمخلص هو من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.
5- إذا عملت الطاعة فحمدك الناس وأثنوا عليك ففرحت بفضل الله عليك فلا بأس بذلك، بل إن ذلك من علامات قبول الله تعالى للعمل، فقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم عن الصحابي الذي قال في إحدى المعارك لكافر خذها وأنا لغلام الغفاري قال صلى الله عليه وسلم: «لا بأس أن يؤجر ويحمد» [أبو داود].
6- الاجتهاد في الطاعة عند رؤية المجتهدين فيها، والإقبال على حفظ القرآن الكريم عند مخالطة حفظته, ونحو ذلك ليست من الرياء([2])؛ لأن الجماعة المؤمنة، والأتقياء البررة يعينون المرء على نفسه وشيطانه فيزداد تعبدًا لربه. ففي الآثار: «إن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يُذكرون بذكري وأُذكر بذكرهم» [أحمد]. وفي الحديث: «... فعليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [أبو داود].
7- ليس من الرياء أن يسر الإنسان بفعل الطاعة في نفسه، بل ذلك دليل على إيمانه لقوله صلى الله عليه وسلم: «من سرته حسنته، وساءته سيئته, فذلك المؤمن» [الحاكم].
8- في حكم العبادة إذا خالطها رياء:
أ- إذا كان الباعث على العبادة مراءاة الناس، واستمر العابد على هذا الباعث والقصد الفاسد فعمله حابط، وهو شرك أصغر, ويُخشى أن يتذرع به إلى الشرك الأكبر.
ب- وإذا كان الباعث على العبادة إرادة وجه الله مع إرادة مراءاة الناس, ولم يقلع عن الرياء بعمله؛ فظاهر النصوص تدل على بطلان عمله أيضًا.
ج- وإن كان الباعث على العبادة وجه الله وحده، ثم عرض للعابد الرياء أثناء العمل، فإن دفعه وكرهه لم يضره شيئًا، وإن سكن إليه واطمأن نقص العمل, وحصل لصاحبه من ضعف الإيمان والإخلاص بحسب ما قام في قلبه من الرياء([3]).
9- مثل ابن القيم للشرك الأصغر فقال: مثل يسير الرياء. قال لعلامة ابن عثيمين: وهذا يدل على أن كثير الرياء قد يصل إلى الشرك الأكبر([4]).
10- من الآفات الشنيعة – والمشابهة للرياء – التي يجب الحذر منها: التسميع وهو أن يحدث المرء غيره بما يفعله من الطاعات التي لم يطلع عليها. قال النووي: التسميع: أن يعمل العمل في الخلوة ثم يحدث بما عمل.
والتسميع أقسام:
1- تسميع الصادقين: وهو أن يفعل الطاعة خالصة لله، ثم يحدث بها ويسمع ليعظموه ويوقروه وينفعوه ولا يؤذوه.
2- تسميع الكاذبين: وهو أن يقول: صليت ولم يصلِّ، وزكيت ولم يزكِ، وغزوت ولم يغزُ، وأنفقت ولم ينفق... وهكذا، وهذا أشد من الأول، لأنه زاد على التسميع إثم الكذب، فأتى بذلك معصيتين قبيحتين.
3- وقد يجمع العبد بين هذين الأمرين القبيحين «الرياء والسمعة»، كأن يرائي ببعض العبادات ثم يسمع بها موهمًا أنه وتسميعه وكذبه ثلاثة آثام، وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «من سمَّع سمَّع الله به...» [الشيخان].
والمعنى: فضحه يوم القيامة, وقال صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» [الشيخان]([5]).
[/URL]([1]) الزهد لأحمد ص 438.
(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) إذا خلصت النية.
([3]) القول السديد للسعدي 128 بتصرف.
(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref3)([4]) القول المفيد (2/ 227).
[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref5"]([5]) بتصرف من الإخلاص للأشقر 95 – 96.
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir