عبد الباسط آل القاضي
2015-12-25, 16:45
رب أعن يا كريم
الحمد الله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد ؛ فهذه كلمات مختصرة في معنى العلم ، وانقسامه إلى علم نافع وعلم غير نافع ، والتنبيه على فضل علم السلف على علم الخلف .
فنقول وبالله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله :
قد ذكر الله –تعالى- في كتابه العلم تارة في مقام المدح ، وهو العلم النافع ، وذكر العلم تارة في مقام الذّم ، وهوالعلم الذي لا ينفع .
فأما الأول فمثل قوله تعالى :( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)[الزمر:9] وقوله ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) [آل عمران:187] وقوله ( وقل رب زدني علما) [طه:114] وما قص الله سبحانه من قصة موسى- عليه السلام- وقوله للخضر ( هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا )[ الكهف :66] فهذا هو العلم النافع .
وقد أخبر عن قوم أنهم أوتوا علما ولم ينفعهم علمهم ، فهذا علم نافع في نفسه لكن صاحبه لم ينتفع به ، قال تعالى :
( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ) [ الجمعة :5] وقال تعالى ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فأنسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين [175] ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض وأتبع هواه ) [ الأعراف :176-175] وقال ( وأضله الله على علم) [ الجاثية :23]
وأما العلم الذي ذكره الله – تعالى- على جهة الذم له ، فقوله في السحر :( ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن إشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) [ البقرة :102] وقوله ( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) [ غافر :83] وقوله تعالى ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون )[ الروم :7]
ولذلك جاءت السنة بتقسيم العلم الى نافع وغير نافع ، والأستعاذة من العلم الذي لا ينفع ، وسؤال العلم النافع .
ويفسر أيضا : بأن العلم الذي يضر ولا ينفع جهل ، لأن الجهل به خير من العلم به ، فإذا كان الجهل به خيرا منه فهو شر من الجهل ، وهذا كالسحر وغيره من الجهل ، وهذا كالسحر وغيره من العلوم المضرة في الدين أو في الدنيا .
وقد ورد الأمر بأن يتعلم من الأنساب ما توصل به الى الأرحام .
وروى مسعر عن محمد بن عبيد الله قال : قال عمر بن الخطاب : تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق .
وكان النخعي لا يرى بأسا أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به .
ورخص في تعلم منازل القمر أحمد واسحاق ، نقله عنهما حرب ، زاد اسحاق : ويتعلم من أسماء النجوم ما يهتدي به.
وكره قتادة تعلم منازل القمر ، ولم يرخص ابن عيينة فيه ، ذكره حرب عنهما
وقال طاوس : رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق .
فعلم تأثير النجوم باطل محرم ، والعمل بمقتضاه كالتقرب إلى النجوم ، وتقريب القرابين لها كفر .
وأما علم التسيير فاذا تعلم منه ما يحتاج إليه للاهتداء ومعرفة القبلة ، والطرق كان جائزا عند الجمهور .
وما زاد عليه فلا حاجة اليه وهو يشعل عما هو أهم منه ، وربما أدى التدقيق فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين في أمصارهم ، كما وقع كثيرا من أهل العلم قديما وحديثا .
وقد أنكر الامام احمد الاستدلال بالجدي وقال إنما ورد ( ما بين المشرق والمغرب قبلة) يعني : لم يرد اعتبار الجدي ونحوه من النجوم .
وقد انكر ابن مسعود على كعب قوله : إن الفلك تدور ، وأنكر ذلك مالك وغيره ، وأنكر الامام احمد على المنجمين قولهم ان الزوال يختلف في البلدان . لأن الرسل لم تتكلم في هذا وإن كان أهله يقطعون به ، وإن الاشتغال به ربما أدى إلى فساد عريض .
وقد اعترض بعض من كان يعرف هذا على حديث ( النزول ثلث الليل الآخر )[ البخاري 1145] وقال : ثلث الليل يختلف بأختلاف البلدان فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين .
ومعلوم بالضرورة من دين الاسلام قبح هذا الاعتراض ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أو خلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ناظروه ، بل بادروه الى عقوبته أو إلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين .
كذلك التوسع في علم الأنساب مما لا يحتاج به وقد سبق عن عمر وغيره النهي عنه .
وكذلك التوسع في علم العربية لغة ونحوا وهو مما يشغل عن العلم الاهم ، وقد كره القاسم بن مخيمرة علم النحو وقال : أوله شغل وآخره بغي ، وأراد التوسع في معرفة اللغة وغريبها ولهذا قيل : إن العربية في الكلام كالملح في الطعام .
وكذلك علم الحساب يحتاج منه الى مايعرف به حساب ما ينتفع به من قسمة الفرائض والوصايا والاموال التي تقسم بين المستحقين لها ، والزائد على ذلك بما لا ينتفع به لا حاجة اليه .
واما ما احدث بعد الصحابة من العلوم التي توسع فيها أهلها وسموها علوما ، وظنوا أن من لم يكن عالما بها فهو جاهل أو ضال ، فكلها بدعة وهي من محدثات الأمور المنهي عنها ، فمن ذلك ما احدثته المعتزلة من الكلام في القدر وضرب الأمثال لله ، وقد ورد النهي عن الخوض في القدر ومنها :
ضرب كتاب الله بعضه ببعض فينزع المثبت للقدر بآية والنافي له بأخرى ويقع التجادل في ذلك .
ومنها : الخوض في القدر إثباتا ونفيا بالأقيسة العقلية ، كقول القدرية : لو قدر وقضى ثم عذب كان ظالما ، وقول من خالفهم : إن الله جبر العباد على أفعالهم ونحو ذلك .
ومنها : الخوض في سر القدر وقد ورد النهي عن ذلك ، ..فإن العباد لا يطلعون على حقيقة ذلك .
ومن ذلك: محدثات الامور- ما احدثته المعتزلة ، ومن حذا حذوهم من الكلام في ذات الله –تعالى- وصفاته بأدلة العقول وهو أشد خطرا من الكلام في القدر ، لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله ، وهذا كلام في ذاته وصفاته.
وأنقسم هؤلاء إلى قسمين :
أحدهما : من نفى كثيرا مما ورد به الكتاب والسنة من ذلك لاستلزامه عنده التشبيه بالمخلوقين ، كقول المعتزلة : لو رؤي لكان جسما ، لأنه لا يرى إلا في جهة .
وقولهم : لوكان له كلام يسمع لكان جسما ، واوفقهم من نفى الاستواء فنفوه لهذه الشبهة وهذا طريق المعتزلة والجهمية وقد اتفق السلف على تبديعهم وتضليلهم ، وقد سلك سبيلهم في بعض الأمور كثير ممن انتسب إلى السنة والحديث من المتأخرين .
مما تأولوه على نصوص الكتاب والسنة لكن بتأويلات يخالفهم غيرهم فيهاا .
فأما الأئمة و فقهاء أهل الحديث ، فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولا به عند الصحابة ومن بعدهم أو عند طائفة منهم ، فأما اتفق السلف على تركه فلا يجوز العمل به ، لانهم ما تركوه الا على علم أنه لا يعمل به .
( يتبع مختصر بالتصرف فصل فضل السلف على علم الخلف من كتاب مجموع رسائل ابن رجب الحنبلي الجزء :3)
اخوكم عبد الباسط آل القاضي
الحمد الله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد ؛ فهذه كلمات مختصرة في معنى العلم ، وانقسامه إلى علم نافع وعلم غير نافع ، والتنبيه على فضل علم السلف على علم الخلف .
فنقول وبالله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله :
قد ذكر الله –تعالى- في كتابه العلم تارة في مقام المدح ، وهو العلم النافع ، وذكر العلم تارة في مقام الذّم ، وهوالعلم الذي لا ينفع .
فأما الأول فمثل قوله تعالى :( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)[الزمر:9] وقوله ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) [آل عمران:187] وقوله ( وقل رب زدني علما) [طه:114] وما قص الله سبحانه من قصة موسى- عليه السلام- وقوله للخضر ( هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا )[ الكهف :66] فهذا هو العلم النافع .
وقد أخبر عن قوم أنهم أوتوا علما ولم ينفعهم علمهم ، فهذا علم نافع في نفسه لكن صاحبه لم ينتفع به ، قال تعالى :
( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ) [ الجمعة :5] وقال تعالى ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فأنسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين [175] ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض وأتبع هواه ) [ الأعراف :176-175] وقال ( وأضله الله على علم) [ الجاثية :23]
وأما العلم الذي ذكره الله – تعالى- على جهة الذم له ، فقوله في السحر :( ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن إشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) [ البقرة :102] وقوله ( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) [ غافر :83] وقوله تعالى ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون )[ الروم :7]
ولذلك جاءت السنة بتقسيم العلم الى نافع وغير نافع ، والأستعاذة من العلم الذي لا ينفع ، وسؤال العلم النافع .
ويفسر أيضا : بأن العلم الذي يضر ولا ينفع جهل ، لأن الجهل به خير من العلم به ، فإذا كان الجهل به خيرا منه فهو شر من الجهل ، وهذا كالسحر وغيره من الجهل ، وهذا كالسحر وغيره من العلوم المضرة في الدين أو في الدنيا .
وقد ورد الأمر بأن يتعلم من الأنساب ما توصل به الى الأرحام .
وروى مسعر عن محمد بن عبيد الله قال : قال عمر بن الخطاب : تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق .
وكان النخعي لا يرى بأسا أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به .
ورخص في تعلم منازل القمر أحمد واسحاق ، نقله عنهما حرب ، زاد اسحاق : ويتعلم من أسماء النجوم ما يهتدي به.
وكره قتادة تعلم منازل القمر ، ولم يرخص ابن عيينة فيه ، ذكره حرب عنهما
وقال طاوس : رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق .
فعلم تأثير النجوم باطل محرم ، والعمل بمقتضاه كالتقرب إلى النجوم ، وتقريب القرابين لها كفر .
وأما علم التسيير فاذا تعلم منه ما يحتاج إليه للاهتداء ومعرفة القبلة ، والطرق كان جائزا عند الجمهور .
وما زاد عليه فلا حاجة اليه وهو يشعل عما هو أهم منه ، وربما أدى التدقيق فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين في أمصارهم ، كما وقع كثيرا من أهل العلم قديما وحديثا .
وقد أنكر الامام احمد الاستدلال بالجدي وقال إنما ورد ( ما بين المشرق والمغرب قبلة) يعني : لم يرد اعتبار الجدي ونحوه من النجوم .
وقد انكر ابن مسعود على كعب قوله : إن الفلك تدور ، وأنكر ذلك مالك وغيره ، وأنكر الامام احمد على المنجمين قولهم ان الزوال يختلف في البلدان . لأن الرسل لم تتكلم في هذا وإن كان أهله يقطعون به ، وإن الاشتغال به ربما أدى إلى فساد عريض .
وقد اعترض بعض من كان يعرف هذا على حديث ( النزول ثلث الليل الآخر )[ البخاري 1145] وقال : ثلث الليل يختلف بأختلاف البلدان فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين .
ومعلوم بالضرورة من دين الاسلام قبح هذا الاعتراض ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أو خلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ناظروه ، بل بادروه الى عقوبته أو إلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين .
كذلك التوسع في علم الأنساب مما لا يحتاج به وقد سبق عن عمر وغيره النهي عنه .
وكذلك التوسع في علم العربية لغة ونحوا وهو مما يشغل عن العلم الاهم ، وقد كره القاسم بن مخيمرة علم النحو وقال : أوله شغل وآخره بغي ، وأراد التوسع في معرفة اللغة وغريبها ولهذا قيل : إن العربية في الكلام كالملح في الطعام .
وكذلك علم الحساب يحتاج منه الى مايعرف به حساب ما ينتفع به من قسمة الفرائض والوصايا والاموال التي تقسم بين المستحقين لها ، والزائد على ذلك بما لا ينتفع به لا حاجة اليه .
واما ما احدث بعد الصحابة من العلوم التي توسع فيها أهلها وسموها علوما ، وظنوا أن من لم يكن عالما بها فهو جاهل أو ضال ، فكلها بدعة وهي من محدثات الأمور المنهي عنها ، فمن ذلك ما احدثته المعتزلة من الكلام في القدر وضرب الأمثال لله ، وقد ورد النهي عن الخوض في القدر ومنها :
ضرب كتاب الله بعضه ببعض فينزع المثبت للقدر بآية والنافي له بأخرى ويقع التجادل في ذلك .
ومنها : الخوض في القدر إثباتا ونفيا بالأقيسة العقلية ، كقول القدرية : لو قدر وقضى ثم عذب كان ظالما ، وقول من خالفهم : إن الله جبر العباد على أفعالهم ونحو ذلك .
ومنها : الخوض في سر القدر وقد ورد النهي عن ذلك ، ..فإن العباد لا يطلعون على حقيقة ذلك .
ومن ذلك: محدثات الامور- ما احدثته المعتزلة ، ومن حذا حذوهم من الكلام في ذات الله –تعالى- وصفاته بأدلة العقول وهو أشد خطرا من الكلام في القدر ، لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله ، وهذا كلام في ذاته وصفاته.
وأنقسم هؤلاء إلى قسمين :
أحدهما : من نفى كثيرا مما ورد به الكتاب والسنة من ذلك لاستلزامه عنده التشبيه بالمخلوقين ، كقول المعتزلة : لو رؤي لكان جسما ، لأنه لا يرى إلا في جهة .
وقولهم : لوكان له كلام يسمع لكان جسما ، واوفقهم من نفى الاستواء فنفوه لهذه الشبهة وهذا طريق المعتزلة والجهمية وقد اتفق السلف على تبديعهم وتضليلهم ، وقد سلك سبيلهم في بعض الأمور كثير ممن انتسب إلى السنة والحديث من المتأخرين .
مما تأولوه على نصوص الكتاب والسنة لكن بتأويلات يخالفهم غيرهم فيهاا .
فأما الأئمة و فقهاء أهل الحديث ، فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولا به عند الصحابة ومن بعدهم أو عند طائفة منهم ، فأما اتفق السلف على تركه فلا يجوز العمل به ، لانهم ما تركوه الا على علم أنه لا يعمل به .
( يتبع مختصر بالتصرف فصل فضل السلف على علم الخلف من كتاب مجموع رسائل ابن رجب الحنبلي الجزء :3)
اخوكم عبد الباسط آل القاضي