عَبِيرُ الإسلام
2015-12-23, 12:31
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رد فضيلة الشيخين الألباني والفوزان على الشيخ "البوطي"
ملاحظة:
معذرة على الحروف المتلاصقة سوف أحاول تعديلها مااستطعت إلى ذلك سبيلا، بارك الله فيكم .
دفاع عن الحديث النبوي و السيرة
و الرد على جهالات الدكتور البوطي في فقه السيرة
تأليف الشيخ المحدّث العلامة
محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة بين يدي الرسالة
الحمد لله رب العالمين، و لا عدوان إلا على الظالمين، و الصلاة و السلام على نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين، و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فبين يديك أيها القارئ الكريم بحوث علمية حديثية، في نقد كتاب ((فقه السيرة)) للدكتور محمد سعيد البوطي الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة دمشق، كان وضعه لطلاب السنة الثانية في الكلية، و كنت نشرت هذا النقد في مجلة التمدن الإسلامي الغراء بحوثاً متتابعة، رجوت منها أن يجد الطلاب و غيرهم فيها ((نموذجا صالحاً للنقد العلمي النزيه، القائم على البحث و الالتزام للقواعد العلمية الصحيحة، عسى أن يزيدهم ذلك عناية بدراسة الحديث الشريف دراسة علمية، و بذلك يحيون ما كاد يندرس من هذا العلم العظيم، بسبب اقتصار المدرسين و الأساتذة على تدريسه دراسة نظرية محضة، و إصدارهم على أساسها تأليفاتـهم التي يؤلفونَها لطلابهم أو لغيرهم، غير مراعين فيها أبسط تلك القواعد العلمية، من اختيار النصوص الصحيحة، و الأحاديث الثابتة، من المصادر الموثوقة و المراجع المعتمدة، مع العزو إليها، و تخريجها تخريجاً علمياً دقيقاً، فترى أحدهم – و هو أستاذ هذه المادة: الحديث – يورد حديثاً نبوياً، أو خبراً متعلقاً بسيرته عليه الصلاة و السلام أو أخلاقه؛ يقول في تخريجه: ((رواه أبو داود)) أو ((رواه ابن هشام في (السيرة)))!! و هو يظن أنه بذلك قد أدى الأمانة العلمية المطوقة في عنقه، و أنه نصح لطلابه! هيهات هيهات! فإن التزام المنهج العلمي المشار إليه في الدراسة الحديثية يوجب عليه قبل هذا التخريج المقتضب أن يدرس إسناد ذلك الحديث أو الخبر، و يتتبع رجاله، و يتعرف علله، و أقوال أهل الاختصاص فيه ثم يحكم عليه بما تقتضيه هذه الدراسة من صحة أو ضعف، ثم يقدم خلاصتها إلى طلابه مع التخريج المذكور، و إلا فمثل هذا التخريج المبتور الذي جرى عليه الأستاذ المشار إليه؛ مما لا يعجز عنه أحد من الطلاب أنفسهم إن شاء الله تعالى)).
ذلك ما كنت كتبته في مقدمة رسالتي ((نقد نصوص حديثية في الثقافة العامة))(1) للشيخ محمد منتصر الكتاني، و هو ينطبق على الدكتور البوطي تمام الانطباق بل إن هذا زاد على الشيخ فادّعى لكتابه ((فقه السيرة)) من الصحة ما ليس له كما كنت أشرت إلى ذلك في التعليق على المقدمة المذكورة فقلت ما نصه: ((ثم وقفت على كتاب ((فقه السيرة)) للأستاذ الفاضل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، فرأيته نحا فيه نحو الأستاذ الكتاني، فأورد فيه كثيرا من الأحاديث الضعيفة و المنكرة، بل و ما لا أصل له البتة، و لكنه زاد عليه فنصّ في المقدمة أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث و الأخبار! و لكن دراستي للكتاب بينت أنـها دعوى مجردة، و أن جل اعتماده كان على كتاب فضيلة الشيخ محمد الغزالي: ((فقه السيرة)) الذي لم يقتصر الدكتور على أن يأخذ اسمه فقط، بل زاد عليه فاستفاد منه كثيرا من بحوثه و نصوصه، بل و عناوينه! كما استفاد من تخريجي إياه المطبوع معه، مع اختصار له مخل، ليستر بذلك ما قد فعل، و قد انتقدني في ثلاث مواطن منه تمنيت – يشهد الله – أن يكون مصيباً و لو في واحد منها، و لكنه على العكس من ذلك، فقد كشف بذلك كله أن هذه الشهادات العالية، و ما يسمونه بـ (الدكتوراه) لا تعطي لصاحبها علماً و تحقيقاً و أدباً، و إني لأرجو أن تتاح لي الفرصة، لأتمكن من بيان هذا الإجمال و الله المستعان. ثم أتيحت لي الفرصة، فبينت الإجمال المشار إليه في هذه الرسالة، التي يعود الفضل الأول في نشرها للسادة القائمين على مجلة التمدن الإسلامي الغراء، و بخاصة منهم الأستاذ أحمد مظهر العظمة شفاه الله و قواه، فقد نشرت فيها تباعاً في مقالات متسلسلة من العدد (7 – مجلد 42 – 2 – مجلد 44)، ثم أفردتـها في هذه الرسالة ليعم النفع بـها، و يطلع عليها من لم يتمكن من متابعتها في المجلة الغراء.
هذا و قد نمي إلي أن بعض الأساتذة رأى في ردي هذا على الدكتور شيئاً من الشدة و القسوة في بعض الأحيان، مما لا يعهدون مثله في سائر كتاباتي و ردودي العلمية، و تمنوا أنه لو كان رداً علمياً محضاً.
فأقول: إنني أعتقد اعتقاداً جازماً أنني لم أفعل إلا ما يجوز لي شرعاً، و أنه لا سبيل لمنصف إلى انتقادنا، كيف و الله عز و جل يقول في كتابه الكريم في وصف عباده المؤمنين: {و الذين إذا أصابـهم البغي هم ينتصرون * و جزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا و أصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * و لمن صبر و غفر إن ذلك من عزم الأمور}،
فإن كل من يتتبع ما يكتبه الدكتور البوطي في كتبه و رسائله و يتحدث به في خطبه و مجالسه يجده لا يفتأ يتهجم فيها على السلفيين عامة، و علي من دونـهم خاصة، و يشهر بـهم بين العامة و الغوغاء، و يرميهم بالجهل و الضلال، و بالتبله و الجنون، و يلقبهم بـ (السلفيين)(2) و (السخفيين)!! و ليس هذا فقط، بل هو يحاول أن يثير الحكام ضدهم برميه إياهم بأنـهم عملاء للاستعمار. إلى غير ذلك من الأكاذيب و الترهات التي سجلها عليه الأستاذ محمد عيد عباسي في كتابه القيم ((بدعة التعصب المذهبي)) (ص 274 – 300) و غيرها، داعماً ذلك بذكر الكتاب و الصفحة التي جاءت فيها هذه الأكاذيب.
و من طاماته و افتراءاته قوله في ((فقه السيرة)) (ص 354 – الطبعة الثالثة) بعد أن نبزهم بلقب الوهابية: ((ضل أقوام لم تشعر أفئدتـهم بمحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم و راحوا يستنكرون التوسل بذاته صلى الله عليه و سلم بعد وفاته)). و هذا كأنه اجترار من الدكتور لفرية ذلك المتعصب الجائر: ((إن هؤلاء الوهابيين تتقزز نفوسهم أو تشمئز حينما يذكر اسم محمد صلى الله عليه و سلم))(3). و الدكتور حين يلفظ هذه الفرية يتذكر أن الواقع - الذي هو على علم به – يكذبـها فإن السلفيين و أمثالهم بفضل الله تعالى – من بين المسلمين جميعاً – شعارهم اتباعهم للنبي صلى الله عليه و سلم وحده دون سواه؛ و هو الدليل القاطع على حبهم الخالص له الذي لازمه حبهم لله عز و جل، كما قال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.
و لعلم الدكتور بـهذا الفضل الإلهي على السلفيين حمله حقده عليهم أن يحاول إبطال دلالة الآية المذكورة على ما سلف، بل و على تضليل السلفيين مجدداً لفهمهم إياها هذا الفهم الواضح و أنـها تعني أن الاتباع دليل المحبة و أنـها لا تنفك عنه فقال (ص 195 – الطبعة الثالثة): ((و لقد ضل قوم حسبوا أن محبة رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس لها معنى إلا الاتباع و الاقتداء، و فاتـهم أن الاقتداء لا يأتي إلا بوازع و دافع، و لن تجد من وازع يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية …)).
و أقول: إن الذي ضل إنما هو الذي يناقض نفسه بنفسه من جهة، فأول كلامه ينقض آخره لأنه إذا كان لا يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية، و هو كذلك و هو الذي نعتقده و نعمل به فكيف يتفق هذا مع أول كلامه الصريح في أن المحبة لها معنى غير الاتباع؟! و لو كان الأمر كذلك و ثبت الدكتور عليه لأبطل دلالة الآية و العياذ بالله تعالى.
و من جهة أخرى فقد افترى علينا بقوله: ((و فاتـهم أن الاقتداء …)) الخ. فلم يفتنا ذلك مطلقاً بحمد الله بل نعلم علم اليقين أنه كلما ازداد المسلم اتباعاً للنبي صلى الله عليه و سلم ازداد حباً له، و أنه كلما ازداد حباً له ازداد اتباعاً له صلى الله عليه و سلم، فهما أمران متلازمان كالإيمان و العمل الصالح تماماً. فهذا الحب الصادق المقرون بالإتّباع الخالص للنبي صلى الله عليه و سلم، هو الذي أراد الدكتور أن ينفيه عن السلفيين بفريته السابقة، فالله تعالى حسيبه، {و كفى بالله حسيبا}.
ذلك قليل من كثير من افتراءات الدكتور البوطي و ترهاته، الذي أشفق عليه ذلك البعض، أن قسونا عليه أحياناً في الرد، و لعله قد تبين لهم أننا كنا معذورين في ذلك، و أننا لم نستوف حقنا منه بعد،{و جزاء سيئة سيئة مثلها} و لكن لن نستطيع الاستيفاء، لأن الافتراء لا يجوز مقابلته بمثله؛ و كل الذي صنعته أنني بينت جهله في هذا العلم و تطفله عليه و مخالفته للعلماء، و افتراءه عليهم و على الأبرياء، بصورة رهيبة لا تكاد تصدق، فمن شاء أن يأخذ فكرة سريعة عن ذلك، فليرجع إلى فهرس الرسالة هذه ير العجب العجاب. هذا، و هناك سبب أقوى استوجب القسوة المذكورة في الرد ينبغي على ذلك البعض المشفق على الدكتور أن يدركه، ألا و هو جلالة الموضوع و خطورته الذي خاض فيه الدكتور بغير علم، مع التبجح و الادعاء الفارغ الذي لم يسبق إليه، فصحح أحاديث و أخباراً كثيرة لم يقل بصحتها أحد، و ضعف أحاديث أخرى تعصباً للمذهب، و هي ثابتة عند أهل العلم بـهذا الفن و المشرب، مع جهله التام بمصطلح الحديث و تراجم رواته، و إعراضه عن الاستفادة من أهل العلم العارفين به، ففتح بذلك بابا خطيراً أمام الجهال و أهل الأهواء أن يصححوا من الأحاديث ما شاءوا، و يضعفوا ما أرادوا، ((و مَن سنّ في الإسلام سُنّة سيّئة فعليه وزرها و وزر من عمل بـها إلى يوم القيامة)).
و سبحان الله العظيم، إن الدكتور ما يفتأ يتّهم السلفيين في جملة ما يتّهمهم به بأنّـهم يجتهدون في الفقه و إن لم يكونوا أهلا لذلك، فإذا به يقع فيما هو شر ممّا اتّـهمهم به تحقيقاً منه للأثر السائر: ((مَن حفر بئراً لأخيه وقع فيه))! أم أن الدكتور يرى أن الاجتهاد في علم الحديث من غير المجتهد بل من جاهل يجوز، و إن كان هذا العلم يقوم عليه الفقه كله أو جله!!. من أجل ذلك فإني أرى من الواجب على أولئك المشفقين على الدكتور أن ينصحوه (و الدين النصيحة) بأن يتراجع عن كل جهالاته و افتراءاته، و أن يمسك قلمه و لسانه عن الخوض في مثلها مرة أخرى، عملا بقول نبينا محمد صلى الله عليه و سلم: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قيل: كيف أنصره ظالماً؟ قال: تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره)). أخرجه البخاري من حديث أنس، و مسلم من حديث جابر، و هو مخرج في ((الإرواء)) (2515).
فإن استجاب الدكتور فذلك ما نرجو، و (عفا الله عما سلف)، و إن كانت الأخرى فلا يلومن إلا نفسه، و العاقبة للمتقين، و صدق الله العظيم إذ يقول: {إنا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتـهم و لهم اللعنة و لهم سوء الدار}.
و صلى الله على محمد النبي الأمي و على آله و صحبه و سلم.
دمشق في 27 جمادى الآخرة سنة 1397 هـ
محمد ناصر الدين الألباني
*******************************************
رد العلامة الفوزان على البوطي في كتابه( السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي)..
/ تعْقـِـيبـــــــــــــَات علَى كِتَاب السَّلفيَّة ليسَتْ مَذهَباً
بقلم د.صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ، وأشهد أن ى إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداًعبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم. وبعد: فقد اطلعت على كتاب من تأليف الدكتور/محمد سعيد رمضان البوطي بعنوان: (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي)..
فاستغربت هذا العنوان لما يوحي به من إنكار أن يكون للسلف مذهب ومنهج تجب علينا معرفته والتمسك به ، وترك المذاهب المخالفة له ، ولما قرأت الكتاب وجدت مضمونه أغرب من عنوانه حيث وجدته يقول فيه: إن التمذهب بالسلفية بدعة ،ويشن حملة على السلفيين. ونحن نتساءل: هل الذي حمله على أن يشن هذه الحملة الشعواء على السلفية والسلفيين –الحملة التي تناولت حتى القدامى منهم كشيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – هل الذي حمله على ذلك كراهيته للبدع فظن أن التمذهب بالسلفية بدعة فكرهه لذلك؟ كلا ، ليس الحامل له كراهية البدع ، لأننا رأيناه يؤيد في هذا الكتاب كثيرا من البدع: يؤيد الأذكار الصوفية المبتدعة ، ويؤيد الدعاء الجماعي بعد صلاة الفريضة وهو بدعة ، ويؤيد السفر لزيارة قبر الرسول وهو بدعة..
فاتضح لنا – والله أعلم – أن الحامل له على شن هذه الحملة هو التضايق من الآراء السلفية التي تناهض البدع والأفكار التي يعيشها كثير من العالم الإسلامي اليوم وهي لا تتلاءم مع منهج السلف ، وقد ناقشت في هذه العجالة الآراء التي أبداها في كتابه المذكور حول السلفية والسلفيين.
وذلك من خلال التعقيبات التالية ، وهي تعقيبات مختصرة تضع تصوراً لمايحتويه كتابه من آراء هي محل نظر ، وإذا كان الدكتور يعني بحملته هذه جماعةمعينة فلماذا لا يخصها ببيان أخطائها دون أن يعمم الحكم على جميع السلفيين المعاصرين ، وحتى بعض السابقين منهم ، والآن التعقيبات..
التعقــيب الأول
قوله في العنوان: (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي) اهـ.
هذا العنوان معناه أن السلف ليس لهم مذهب يعرفون به وكأنهم في نظره عوام عاشوا في فترة من الزمن بلا مذهب..
وأن تفريق العلماء بين مذهب السلف ومذهب الخلف تفريق خاطئ ؛ لأن السلف ليس لهم مذهب ، وعلى هذا لا معنى لقول الرسول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين..) ، وقوله لما سئل عن الفرقة الناجيةمن هي؟ قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) لا معنى لهذا كله ؛ لأن السلف ليس لهم مذهب ، ولعل قصد الدكتور من ذلك هو الرد على الذين يتمسكون بمذهب السلف في هذا الزمان ويخالفون المبتدعة والخرافيين.
التعقــيب الثــاني:
قوله في صفحة (5): (هذا الكتاب لا يتضمن أي مناقشة لآراء السلفية وأفكارهم التي يعرفون بها ، كما لا يتضمن تصويبا ولا تخطئة لها) اهـ.
ومعنى هذا أن الآراء السلفية قابلة للمناقشة والتخطئة ، وهذا فيه إجمال ؛لأن السلفية بعناها الصحيح المعروف لا تخالف الكتاب والسنة فلا تقبلالمناقشة والتخطئة ، وأما السلفية المدعاة فهي محل نظر ، وهو لم يحددالمراد بالسلفية ، فكان كلامه موهماً عاماً يتناول السلفية الصحيحةالمستقيمة.
التعقــيب الثــالـث:
في صفحة (12) المقطع الأول يعلل فيه وجوب اتباع السلف بكونهم أفهم للنصوص لسلامة لغتهم ولمخالطتهم لرسول الله، وهذا فيه نقص كبير ، لأنه أهمل قضية تلقيهم عن رسول الله]وتعلمهم منه وسؤالهم إياه ، ومشاهدتهم للتنزيل على رسول الله ، وتلقيهم التأويل عنه، وهذه مرتبة من العلم لم يبلغها غيرهم ، وقد أهمل ذكرها وتناسها تماما ،كما أنه في آخر هذه الصفحة يقرر أن اتباع السلف لا يعني أخذ أقوالهم والاستدلال بمواقفهم من الوقائع وإنما يعني الرجوع إلى القواعد التي كانوايحتكمون إليها.
ومعنى هذا الكلام أن أقوال السلف وأفعالهم ليست حجة وإنما الحجة هي القواعدالتي كانوا يسيرون عليها وهذا الكلام فيه تناقض ؛ لأن معناه أننا نلغيأقوالهم ونأخذ قواعدها فقط ، ونستنبط بها من النصوص غير استنباطهم ، وهذاإهدار لكلام السلف ودعوة لاجتهاد جديد وفهم جديد يدعي فيه أنه على قواعدالسلف.
التعقــيب الرابــع:
في صفحة (13-14) ينكر أن تتميز طائفة من المسلمين من بين الفرق – المختلفةالمفترقة – وتسمى بالسلفية ، ويقول: لا اختلاف بين السلف والخلف ولا حواجز بينهم ولا انقسام. وهذا الكلام فيه إنكار بقول الرسول صلى الله عليه ويلم : {لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم).
وقوله: {وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) قيل منهي يا رسول الله؟ قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} فهذان الحديثان يدلان على وجود الافتراق والانقسام والتميز بين السلف وأتباعهم وبين غيرهم.
والسلف ومن سار على نهجهم ما زالوا يميزون أتباع السنة عن غيرهم من المبتدعة والفرق الضالة ويسمونهم (أهل السنة والجماعة وأتباع السلف الصالح) ومؤلفاتهم مملوءة بذلك. حيث يردون على الفرق المخالفة لفرقة أهل السنةوأتباع السلف. والدكتور يجحد هذا ويقول: لا اختلاف بين السلف والخلف ولاحواجز بينهم ولا انقسام اهـ.
وهذا إنكار للواقع مخالف لما أخبر به النبيمن وجود الانقسام والافتراق في هذه الأمة وأنه لا يبقى على الحق منها إلا فرقة واحدة.
التعقــيب الخــامس:
من صفحة 14 – 17 يحاول أن يبرر قوله بعدم وجوب الأخذ بأقوال السلف وأعمالهم وتصرفاتهم ؛ بأن السلف أنفسهم لم يدعوا الناس إلى ذلك وبأن العادات تختلف وتتطور في اللباس والمباني والأواني......الخ ما ذكره....
وهذا الكلام فيه جهل وخلط وتلبيس من وجهين:
الوجه الأول: قوله: إن السلف لم يدعوا إلى الأخذ بأقوال السابقين اهـ.
وهذا كذب عليهم ، فإن السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين يحثون علىامتثال ما أمر الله ورسوله به من الاقتداء بالسلف الصالح ، والأخذ بأقوالهم ، والله قد أثنى على الذين يتبعونهم ، فقال تعالى :{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضواعنه وأعد لهم جنات} الآية ، وقال]عن الفرقة الناجية: { هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}..
وقال: { عليكم بسنتي وستة الخلفاء الراشدين من بعدي} ، وقال عبد الله بن مسعود: من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب رسول الله أبر الناس قلوبا وأغزرهم علماً وأقلهم تكلفاً..
وقال الإمام مالك بن أنس: { لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أو لها} إلى غير ذلك مما تضمنته الكتب المؤلفة في عقائد السلف والمسماة بكتب السنة ،ككتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ، وكتاب السنة للآجري ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم وغيرهت تذكر أقوال السلف وتحث على الأخذ بها.
الوجه الثاني: أنه جعل مسائل العادات كالمباني والأواني والملابس كمسائل العلم والعقائد والعبادات تختلف باختلاف الأزمنة والأعراف وهذا منه جهل أوتلبيس ، فإن الفرق في ذلك معروف لأقل الناس ثقافة وعلماً ، كل يعرف أن العادات تختلف وأما العبادات وأحكام الشريعة فهي ثابتة.
التعقــيب الســادس:
في صفحة 18 المقطع الأخير يقول: إن السلف لم يجمدوا عند حرفية أقوال صدرت عنهم اهـ. ومراده أن السلف لا يبقون على أقوالهم بل يتحولون عناه ومن ثم لايجب علينا الأخذ بأقوالهم.. وهذا فيه إجمال ، فإن كان مراده أقوالهم في العقيدة فهو كذب عليهم ؛ لأنهم ثبتوا على قولهم في العقيدة ولم يتحولوا عنه، وإن كان مراده أقوالهم في المسائل الاجتهادية فهم لا يجمدون على القول الذي ظهر لهم أنه خطأ بل يتركونه إلى الصواب.
التعقــيب الســابع
قوله: فكل من التزم بالمتفق عليه من تلك القواعد ( ) والأصول وبنى اجتهادهوتفسيره وتأويلاته للنصوص على أساسها فهو مسلم ملتزم بكتاب الله وسنةرسوله...اهـ.
نقول: ضابط الإسلام قد بينه الرسول في حديث جبريل وهو: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ( ).
فالمسلم هو الملتزم بالإسلام المقيم لأركانه ، فلا حاجة إلى هذا التعريف الذي ذكره مع تعريف رسول الله، ثم إن تعريفه فيه إجمال وعدم وضوح فهو يتيح لكل أحد أن يفسر الإسلام بمايريد ، يدل على ذلك قوله فيما بعد: نعم إن من قواعد هذا المنهج ما قد يخضع فهمه للاجتهاد ومن ثم فقد وقع الخلاف الخ....
فهل الإسلام قابل للاختلاف؟ كلا بل إن أصول الإسلام والعقيدة ليست مجالاً للاجتهاد والاختلاف ، وإنما هذا في المسائل الفرعية ، فمن خالف في أصول الدين وعقيدته فإنه يكفر أو يضلل بحسب مخالفته ؛ لأن مدارها على النصوالتوقيف ولا مسرح للاجتهاد فيها.
التعقـــيب الثـــامن
قوله في ص 23: إن السلفية لا تعني مرحلة زمنية ، قصارى ما في الأمر أن الرسول وصفها بالخيرية كما وصف كل من عصر آت من بعدُ بأنه خير من الذي يليه ، فإن قصدت بها جماعة إسلامية ذات منهج معين خاص بها ، فتلك إذن إحدى البدع اهـ.
ونقول: هذا التفسير منه للسلفية بأنها مرحلة زمنية وليست جماعة تفسير غريب وباطل ، فهل يقال للمرحلة الزمنية بأنها سلفية؟ هذا لم يقل به أحد من البشر، وإنما تطلق السلفية على الجماعة المؤمنة الذين عاشوا في العصر الأول من عصور الإسلام ، والتزموا بكتاب الله وسنة رسوله من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ووصفهم الرسول بقوله: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" الحديث..
فهذا وصف لجماعة وليس لمرحلة زمنية ، ولما ذكر افتراق الأمة فيما بعد قال عن الفرق كلها: "إنها في النار إلا واحدة" ووصف هذه الواحدة بأنها هي التي تتبع منهج السلف وتسير عليه فقال: "هم من كان على مثل ما أن عليه اليوم وأصحابي"..
فدل على أن هناك جماعة سلفية سابقة وجماعة متأخرة تتبعها في نهجها ، وهناك جماعات مخالفة لها متوعدة بالنار ، وما ذاك إلا لضلال هذه الفرق المخالفة للفرقة الناجية ، لا كما يقول فيما سبق في صفحة 20-21: ومن حق صاحب أحدالرأيين أو الآراء في تلك المسائل الاجتهادية أن يطمئن إلى أن ما ذهب إليه هو الصواب ، ولكن ليس من حقه أن يجزم بأن الذين خالفوه إلى الآراء الأخرى ضالون خارجون عن حظيرة الهدى اهـ.
ونقول له: ليس هذا على إطلاقه ، إنما هو في المسائل الفروعية التي هي مسرح للاجتهاد ، أما مسائل العقيدة فلا مجال للاجتهاد فيها وإنما مدارها على التوقيف ومن خالف فيها ضُلِّل أو كُفِّر بحسب مخالفته ، وقد ضَلَّل السلف القدرية والخوارج والجهمية وحكموا على بعضهم بالكفر لمخالفتهم منهج السلف.
التعقـــيب التـــاسع
زعم في صفحة 27-31 أن الصحابة لم يكن بهم حاجة إلى تحكيم ميزان علمي في الاستنباط. وهذا فيه إجمال ، فإن أراد بالميزان العلمي فهم النصوص ومعرفة معانيها وما يراد بها فهم أغزر الناس علماً في ذلك وأقلّهم تكلّفاً ، وإن أراد بالميزان العلمي منهج الجدل وعلم الكلام فهذا ميزان جهلي لا ميزان علمي ، وهم أغنى الناس عنه ، وقد تركوه وحذّروا منه وضلّلوا أصحابه لأنّه لايوصل إلى حقيقة ولا يهدي إلى صواب ، وإنما آل بأصحابه إلى الشك ، وإن زعم من ابتلي به أنه ميزان علمي ووصفوا أنفسهم بأن طريقتهم أعلم وأحكم وأنّ طريقة السلف أسلم ويوصفون بأنّهم ظاهريون كما وصفهم الدكتور بذلك في هذاالكتاب في صفحة 31 فقال: (ومن ثم فإن الشأن فيما ذكرناه عنهم من ابتعادهم عن ساحة الرأي وعدم الخوض فيما تلقوه أنباء الغيب وغوامض المعاني ، ووقوفهم في ذلك مع ظاهر النصوص دون تعطيل ولا تشبيه) – فهذا معناه: أن طريقة السلف طريقة بدائية تقف عند ظاهر النصوص وليست طريقة علمية تنفذ إلى غور النصوص ومقاصدها ، ومعناه أيضاً: أن للنصوص باطناً وظاهراً يختلفان كما يقوله أهل الضلال.
التعقــيب العــاشر
من صفحة 32 إلى صفحة 47 يحاول أن يبرر مخالفة بعض الخلف لمنهج السلف باتّساع بلاد الإسلام ودخول أجناس من البشر في دين الإسلام وهم يحملون ثقافات أجنبية وبتوسّع مجالات الحياة المعيشية باختلاف الملابس والمباني والأواني والصناعات والأطعمة إلى غير ذلك ممّا ذكره من الكلام الطويل إلى أن قال في النهاية: فلو كانت اتّجاهات السلف واجتهادهم هذه حجة لذاتها لا تحتاج هي بدورها إلى برهان أو مستند يدعماه لأنّها برهان نفسها إذل لوجب أن تكون تلك النظرات (يعني نظرات السلف) المتباعدة المتناقضة كلها حقاً وصواباً ولوجب المصير ودون أي تردد إلى رأي المصوبة( ) ولما احتاج أولئك السلف رضوان الله عليهم أن يلجئوا أخيرا من مشكلة هذا التناقض والاضطراب إلى منهج علمي يضبط حدود المصالح... الخ ما قال....
ونحن نجيبه عن ذلك:
الجواب الأول: أن السلف لم يختلفوا في مسائل العقائد والإيمان ، وإنمااختلفوا في مسائل الاجتهاد الفرعية وليس ذلك اضطراباً وتناقضاً كما يقول ،وإنما هو اجتهاد يؤجرون عليه.
الجواب الثاني: أن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أمرنا باتّباعهم بقوله: {عليكم بِسُنّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي} ، وقال عن الفرقةالناجية: {هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} ، وأثنى الله على من اتّبعهم ورضي عنه معهم فقال سبحانه: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار}.
والإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول: (لا يصلح آخر هذه الأُمّة إلا ما أصلح أوّلها..) فيجب اتّباعهم والأخذ بأقوالهم لا سيما في العقيدة ؛ لأن قولهم حجة كما هو مقرر في الأصول.
التعقـــيب الحادي عشـــر
في صفحة 53-54 وصف الكوثري بأنه محقق ونقل كلاما له ذكر فيه أن عدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى وموابذة المجوس بثوا بين أعراب الرواة من المسلمين أساطير وأخبارا في جانب الله فيها تجسيم وتشبيه وأن المهدي أمرعلماء الجدل من المتكلمين بتصنيف الكتب في الرد على الملحدين والزنادقة ( ) وأقاموا البراهين وأزالوا الشُّبَه وخدموا الدّين.
هكذا وصف الكوثري رواة الإسلام بأنّهم أعراب راجت عليهم أساطير اليهود والنصارى والمجوس ، وهذه الأساطير بزعمه هي الأخبار المتضمّنة لأسماء الله وصفاته ؛ لأنّها تفيدالتّشبيه والتّجسيم عنده ؛ وأثنى على علماء الكلام الذين ردّوا هذه الروايات ووصفهم بالدّفاع عن الإسلام والردّ على الملحدين والزنادقة ، وأمّا علماءالكتاب والسُنَّة فليس لهم دور عند الكوثري في الذب عن الإسلام والرد على الملاحدة والزنادقة ، وقد نقل الدكتور كلامه هذا مترضيا له ووصفه بالمحقق –والله المستعان.
رد فضيلة الشيخين الألباني والفوزان على الشيخ "البوطي"
ملاحظة:
معذرة على الحروف المتلاصقة سوف أحاول تعديلها مااستطعت إلى ذلك سبيلا، بارك الله فيكم .
دفاع عن الحديث النبوي و السيرة
و الرد على جهالات الدكتور البوطي في فقه السيرة
تأليف الشيخ المحدّث العلامة
محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة بين يدي الرسالة
الحمد لله رب العالمين، و لا عدوان إلا على الظالمين، و الصلاة و السلام على نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين، و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فبين يديك أيها القارئ الكريم بحوث علمية حديثية، في نقد كتاب ((فقه السيرة)) للدكتور محمد سعيد البوطي الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة دمشق، كان وضعه لطلاب السنة الثانية في الكلية، و كنت نشرت هذا النقد في مجلة التمدن الإسلامي الغراء بحوثاً متتابعة، رجوت منها أن يجد الطلاب و غيرهم فيها ((نموذجا صالحاً للنقد العلمي النزيه، القائم على البحث و الالتزام للقواعد العلمية الصحيحة، عسى أن يزيدهم ذلك عناية بدراسة الحديث الشريف دراسة علمية، و بذلك يحيون ما كاد يندرس من هذا العلم العظيم، بسبب اقتصار المدرسين و الأساتذة على تدريسه دراسة نظرية محضة، و إصدارهم على أساسها تأليفاتـهم التي يؤلفونَها لطلابهم أو لغيرهم، غير مراعين فيها أبسط تلك القواعد العلمية، من اختيار النصوص الصحيحة، و الأحاديث الثابتة، من المصادر الموثوقة و المراجع المعتمدة، مع العزو إليها، و تخريجها تخريجاً علمياً دقيقاً، فترى أحدهم – و هو أستاذ هذه المادة: الحديث – يورد حديثاً نبوياً، أو خبراً متعلقاً بسيرته عليه الصلاة و السلام أو أخلاقه؛ يقول في تخريجه: ((رواه أبو داود)) أو ((رواه ابن هشام في (السيرة)))!! و هو يظن أنه بذلك قد أدى الأمانة العلمية المطوقة في عنقه، و أنه نصح لطلابه! هيهات هيهات! فإن التزام المنهج العلمي المشار إليه في الدراسة الحديثية يوجب عليه قبل هذا التخريج المقتضب أن يدرس إسناد ذلك الحديث أو الخبر، و يتتبع رجاله، و يتعرف علله، و أقوال أهل الاختصاص فيه ثم يحكم عليه بما تقتضيه هذه الدراسة من صحة أو ضعف، ثم يقدم خلاصتها إلى طلابه مع التخريج المذكور، و إلا فمثل هذا التخريج المبتور الذي جرى عليه الأستاذ المشار إليه؛ مما لا يعجز عنه أحد من الطلاب أنفسهم إن شاء الله تعالى)).
ذلك ما كنت كتبته في مقدمة رسالتي ((نقد نصوص حديثية في الثقافة العامة))(1) للشيخ محمد منتصر الكتاني، و هو ينطبق على الدكتور البوطي تمام الانطباق بل إن هذا زاد على الشيخ فادّعى لكتابه ((فقه السيرة)) من الصحة ما ليس له كما كنت أشرت إلى ذلك في التعليق على المقدمة المذكورة فقلت ما نصه: ((ثم وقفت على كتاب ((فقه السيرة)) للأستاذ الفاضل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، فرأيته نحا فيه نحو الأستاذ الكتاني، فأورد فيه كثيرا من الأحاديث الضعيفة و المنكرة، بل و ما لا أصل له البتة، و لكنه زاد عليه فنصّ في المقدمة أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث و الأخبار! و لكن دراستي للكتاب بينت أنـها دعوى مجردة، و أن جل اعتماده كان على كتاب فضيلة الشيخ محمد الغزالي: ((فقه السيرة)) الذي لم يقتصر الدكتور على أن يأخذ اسمه فقط، بل زاد عليه فاستفاد منه كثيرا من بحوثه و نصوصه، بل و عناوينه! كما استفاد من تخريجي إياه المطبوع معه، مع اختصار له مخل، ليستر بذلك ما قد فعل، و قد انتقدني في ثلاث مواطن منه تمنيت – يشهد الله – أن يكون مصيباً و لو في واحد منها، و لكنه على العكس من ذلك، فقد كشف بذلك كله أن هذه الشهادات العالية، و ما يسمونه بـ (الدكتوراه) لا تعطي لصاحبها علماً و تحقيقاً و أدباً، و إني لأرجو أن تتاح لي الفرصة، لأتمكن من بيان هذا الإجمال و الله المستعان. ثم أتيحت لي الفرصة، فبينت الإجمال المشار إليه في هذه الرسالة، التي يعود الفضل الأول في نشرها للسادة القائمين على مجلة التمدن الإسلامي الغراء، و بخاصة منهم الأستاذ أحمد مظهر العظمة شفاه الله و قواه، فقد نشرت فيها تباعاً في مقالات متسلسلة من العدد (7 – مجلد 42 – 2 – مجلد 44)، ثم أفردتـها في هذه الرسالة ليعم النفع بـها، و يطلع عليها من لم يتمكن من متابعتها في المجلة الغراء.
هذا و قد نمي إلي أن بعض الأساتذة رأى في ردي هذا على الدكتور شيئاً من الشدة و القسوة في بعض الأحيان، مما لا يعهدون مثله في سائر كتاباتي و ردودي العلمية، و تمنوا أنه لو كان رداً علمياً محضاً.
فأقول: إنني أعتقد اعتقاداً جازماً أنني لم أفعل إلا ما يجوز لي شرعاً، و أنه لا سبيل لمنصف إلى انتقادنا، كيف و الله عز و جل يقول في كتابه الكريم في وصف عباده المؤمنين: {و الذين إذا أصابـهم البغي هم ينتصرون * و جزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا و أصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * و لمن صبر و غفر إن ذلك من عزم الأمور}،
فإن كل من يتتبع ما يكتبه الدكتور البوطي في كتبه و رسائله و يتحدث به في خطبه و مجالسه يجده لا يفتأ يتهجم فيها على السلفيين عامة، و علي من دونـهم خاصة، و يشهر بـهم بين العامة و الغوغاء، و يرميهم بالجهل و الضلال، و بالتبله و الجنون، و يلقبهم بـ (السلفيين)(2) و (السخفيين)!! و ليس هذا فقط، بل هو يحاول أن يثير الحكام ضدهم برميه إياهم بأنـهم عملاء للاستعمار. إلى غير ذلك من الأكاذيب و الترهات التي سجلها عليه الأستاذ محمد عيد عباسي في كتابه القيم ((بدعة التعصب المذهبي)) (ص 274 – 300) و غيرها، داعماً ذلك بذكر الكتاب و الصفحة التي جاءت فيها هذه الأكاذيب.
و من طاماته و افتراءاته قوله في ((فقه السيرة)) (ص 354 – الطبعة الثالثة) بعد أن نبزهم بلقب الوهابية: ((ضل أقوام لم تشعر أفئدتـهم بمحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم و راحوا يستنكرون التوسل بذاته صلى الله عليه و سلم بعد وفاته)). و هذا كأنه اجترار من الدكتور لفرية ذلك المتعصب الجائر: ((إن هؤلاء الوهابيين تتقزز نفوسهم أو تشمئز حينما يذكر اسم محمد صلى الله عليه و سلم))(3). و الدكتور حين يلفظ هذه الفرية يتذكر أن الواقع - الذي هو على علم به – يكذبـها فإن السلفيين و أمثالهم بفضل الله تعالى – من بين المسلمين جميعاً – شعارهم اتباعهم للنبي صلى الله عليه و سلم وحده دون سواه؛ و هو الدليل القاطع على حبهم الخالص له الذي لازمه حبهم لله عز و جل، كما قال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.
و لعلم الدكتور بـهذا الفضل الإلهي على السلفيين حمله حقده عليهم أن يحاول إبطال دلالة الآية المذكورة على ما سلف، بل و على تضليل السلفيين مجدداً لفهمهم إياها هذا الفهم الواضح و أنـها تعني أن الاتباع دليل المحبة و أنـها لا تنفك عنه فقال (ص 195 – الطبعة الثالثة): ((و لقد ضل قوم حسبوا أن محبة رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس لها معنى إلا الاتباع و الاقتداء، و فاتـهم أن الاقتداء لا يأتي إلا بوازع و دافع، و لن تجد من وازع يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية …)).
و أقول: إن الذي ضل إنما هو الذي يناقض نفسه بنفسه من جهة، فأول كلامه ينقض آخره لأنه إذا كان لا يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية، و هو كذلك و هو الذي نعتقده و نعمل به فكيف يتفق هذا مع أول كلامه الصريح في أن المحبة لها معنى غير الاتباع؟! و لو كان الأمر كذلك و ثبت الدكتور عليه لأبطل دلالة الآية و العياذ بالله تعالى.
و من جهة أخرى فقد افترى علينا بقوله: ((و فاتـهم أن الاقتداء …)) الخ. فلم يفتنا ذلك مطلقاً بحمد الله بل نعلم علم اليقين أنه كلما ازداد المسلم اتباعاً للنبي صلى الله عليه و سلم ازداد حباً له، و أنه كلما ازداد حباً له ازداد اتباعاً له صلى الله عليه و سلم، فهما أمران متلازمان كالإيمان و العمل الصالح تماماً. فهذا الحب الصادق المقرون بالإتّباع الخالص للنبي صلى الله عليه و سلم، هو الذي أراد الدكتور أن ينفيه عن السلفيين بفريته السابقة، فالله تعالى حسيبه، {و كفى بالله حسيبا}.
ذلك قليل من كثير من افتراءات الدكتور البوطي و ترهاته، الذي أشفق عليه ذلك البعض، أن قسونا عليه أحياناً في الرد، و لعله قد تبين لهم أننا كنا معذورين في ذلك، و أننا لم نستوف حقنا منه بعد،{و جزاء سيئة سيئة مثلها} و لكن لن نستطيع الاستيفاء، لأن الافتراء لا يجوز مقابلته بمثله؛ و كل الذي صنعته أنني بينت جهله في هذا العلم و تطفله عليه و مخالفته للعلماء، و افتراءه عليهم و على الأبرياء، بصورة رهيبة لا تكاد تصدق، فمن شاء أن يأخذ فكرة سريعة عن ذلك، فليرجع إلى فهرس الرسالة هذه ير العجب العجاب. هذا، و هناك سبب أقوى استوجب القسوة المذكورة في الرد ينبغي على ذلك البعض المشفق على الدكتور أن يدركه، ألا و هو جلالة الموضوع و خطورته الذي خاض فيه الدكتور بغير علم، مع التبجح و الادعاء الفارغ الذي لم يسبق إليه، فصحح أحاديث و أخباراً كثيرة لم يقل بصحتها أحد، و ضعف أحاديث أخرى تعصباً للمذهب، و هي ثابتة عند أهل العلم بـهذا الفن و المشرب، مع جهله التام بمصطلح الحديث و تراجم رواته، و إعراضه عن الاستفادة من أهل العلم العارفين به، ففتح بذلك بابا خطيراً أمام الجهال و أهل الأهواء أن يصححوا من الأحاديث ما شاءوا، و يضعفوا ما أرادوا، ((و مَن سنّ في الإسلام سُنّة سيّئة فعليه وزرها و وزر من عمل بـها إلى يوم القيامة)).
و سبحان الله العظيم، إن الدكتور ما يفتأ يتّهم السلفيين في جملة ما يتّهمهم به بأنّـهم يجتهدون في الفقه و إن لم يكونوا أهلا لذلك، فإذا به يقع فيما هو شر ممّا اتّـهمهم به تحقيقاً منه للأثر السائر: ((مَن حفر بئراً لأخيه وقع فيه))! أم أن الدكتور يرى أن الاجتهاد في علم الحديث من غير المجتهد بل من جاهل يجوز، و إن كان هذا العلم يقوم عليه الفقه كله أو جله!!. من أجل ذلك فإني أرى من الواجب على أولئك المشفقين على الدكتور أن ينصحوه (و الدين النصيحة) بأن يتراجع عن كل جهالاته و افتراءاته، و أن يمسك قلمه و لسانه عن الخوض في مثلها مرة أخرى، عملا بقول نبينا محمد صلى الله عليه و سلم: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قيل: كيف أنصره ظالماً؟ قال: تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره)). أخرجه البخاري من حديث أنس، و مسلم من حديث جابر، و هو مخرج في ((الإرواء)) (2515).
فإن استجاب الدكتور فذلك ما نرجو، و (عفا الله عما سلف)، و إن كانت الأخرى فلا يلومن إلا نفسه، و العاقبة للمتقين، و صدق الله العظيم إذ يقول: {إنا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتـهم و لهم اللعنة و لهم سوء الدار}.
و صلى الله على محمد النبي الأمي و على آله و صحبه و سلم.
دمشق في 27 جمادى الآخرة سنة 1397 هـ
محمد ناصر الدين الألباني
*******************************************
رد العلامة الفوزان على البوطي في كتابه( السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي)..
/ تعْقـِـيبـــــــــــــَات علَى كِتَاب السَّلفيَّة ليسَتْ مَذهَباً
بقلم د.صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ، وأشهد أن ى إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداًعبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم. وبعد: فقد اطلعت على كتاب من تأليف الدكتور/محمد سعيد رمضان البوطي بعنوان: (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي)..
فاستغربت هذا العنوان لما يوحي به من إنكار أن يكون للسلف مذهب ومنهج تجب علينا معرفته والتمسك به ، وترك المذاهب المخالفة له ، ولما قرأت الكتاب وجدت مضمونه أغرب من عنوانه حيث وجدته يقول فيه: إن التمذهب بالسلفية بدعة ،ويشن حملة على السلفيين. ونحن نتساءل: هل الذي حمله على أن يشن هذه الحملة الشعواء على السلفية والسلفيين –الحملة التي تناولت حتى القدامى منهم كشيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – هل الذي حمله على ذلك كراهيته للبدع فظن أن التمذهب بالسلفية بدعة فكرهه لذلك؟ كلا ، ليس الحامل له كراهية البدع ، لأننا رأيناه يؤيد في هذا الكتاب كثيرا من البدع: يؤيد الأذكار الصوفية المبتدعة ، ويؤيد الدعاء الجماعي بعد صلاة الفريضة وهو بدعة ، ويؤيد السفر لزيارة قبر الرسول وهو بدعة..
فاتضح لنا – والله أعلم – أن الحامل له على شن هذه الحملة هو التضايق من الآراء السلفية التي تناهض البدع والأفكار التي يعيشها كثير من العالم الإسلامي اليوم وهي لا تتلاءم مع منهج السلف ، وقد ناقشت في هذه العجالة الآراء التي أبداها في كتابه المذكور حول السلفية والسلفيين.
وذلك من خلال التعقيبات التالية ، وهي تعقيبات مختصرة تضع تصوراً لمايحتويه كتابه من آراء هي محل نظر ، وإذا كان الدكتور يعني بحملته هذه جماعةمعينة فلماذا لا يخصها ببيان أخطائها دون أن يعمم الحكم على جميع السلفيين المعاصرين ، وحتى بعض السابقين منهم ، والآن التعقيبات..
التعقــيب الأول
قوله في العنوان: (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي) اهـ.
هذا العنوان معناه أن السلف ليس لهم مذهب يعرفون به وكأنهم في نظره عوام عاشوا في فترة من الزمن بلا مذهب..
وأن تفريق العلماء بين مذهب السلف ومذهب الخلف تفريق خاطئ ؛ لأن السلف ليس لهم مذهب ، وعلى هذا لا معنى لقول الرسول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين..) ، وقوله لما سئل عن الفرقة الناجيةمن هي؟ قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) لا معنى لهذا كله ؛ لأن السلف ليس لهم مذهب ، ولعل قصد الدكتور من ذلك هو الرد على الذين يتمسكون بمذهب السلف في هذا الزمان ويخالفون المبتدعة والخرافيين.
التعقــيب الثــاني:
قوله في صفحة (5): (هذا الكتاب لا يتضمن أي مناقشة لآراء السلفية وأفكارهم التي يعرفون بها ، كما لا يتضمن تصويبا ولا تخطئة لها) اهـ.
ومعنى هذا أن الآراء السلفية قابلة للمناقشة والتخطئة ، وهذا فيه إجمال ؛لأن السلفية بعناها الصحيح المعروف لا تخالف الكتاب والسنة فلا تقبلالمناقشة والتخطئة ، وأما السلفية المدعاة فهي محل نظر ، وهو لم يحددالمراد بالسلفية ، فكان كلامه موهماً عاماً يتناول السلفية الصحيحةالمستقيمة.
التعقــيب الثــالـث:
في صفحة (12) المقطع الأول يعلل فيه وجوب اتباع السلف بكونهم أفهم للنصوص لسلامة لغتهم ولمخالطتهم لرسول الله، وهذا فيه نقص كبير ، لأنه أهمل قضية تلقيهم عن رسول الله]وتعلمهم منه وسؤالهم إياه ، ومشاهدتهم للتنزيل على رسول الله ، وتلقيهم التأويل عنه، وهذه مرتبة من العلم لم يبلغها غيرهم ، وقد أهمل ذكرها وتناسها تماما ،كما أنه في آخر هذه الصفحة يقرر أن اتباع السلف لا يعني أخذ أقوالهم والاستدلال بمواقفهم من الوقائع وإنما يعني الرجوع إلى القواعد التي كانوايحتكمون إليها.
ومعنى هذا الكلام أن أقوال السلف وأفعالهم ليست حجة وإنما الحجة هي القواعدالتي كانوا يسيرون عليها وهذا الكلام فيه تناقض ؛ لأن معناه أننا نلغيأقوالهم ونأخذ قواعدها فقط ، ونستنبط بها من النصوص غير استنباطهم ، وهذاإهدار لكلام السلف ودعوة لاجتهاد جديد وفهم جديد يدعي فيه أنه على قواعدالسلف.
التعقــيب الرابــع:
في صفحة (13-14) ينكر أن تتميز طائفة من المسلمين من بين الفرق – المختلفةالمفترقة – وتسمى بالسلفية ، ويقول: لا اختلاف بين السلف والخلف ولا حواجز بينهم ولا انقسام. وهذا الكلام فيه إنكار بقول الرسول صلى الله عليه ويلم : {لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم).
وقوله: {وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) قيل منهي يا رسول الله؟ قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} فهذان الحديثان يدلان على وجود الافتراق والانقسام والتميز بين السلف وأتباعهم وبين غيرهم.
والسلف ومن سار على نهجهم ما زالوا يميزون أتباع السنة عن غيرهم من المبتدعة والفرق الضالة ويسمونهم (أهل السنة والجماعة وأتباع السلف الصالح) ومؤلفاتهم مملوءة بذلك. حيث يردون على الفرق المخالفة لفرقة أهل السنةوأتباع السلف. والدكتور يجحد هذا ويقول: لا اختلاف بين السلف والخلف ولاحواجز بينهم ولا انقسام اهـ.
وهذا إنكار للواقع مخالف لما أخبر به النبيمن وجود الانقسام والافتراق في هذه الأمة وأنه لا يبقى على الحق منها إلا فرقة واحدة.
التعقــيب الخــامس:
من صفحة 14 – 17 يحاول أن يبرر قوله بعدم وجوب الأخذ بأقوال السلف وأعمالهم وتصرفاتهم ؛ بأن السلف أنفسهم لم يدعوا الناس إلى ذلك وبأن العادات تختلف وتتطور في اللباس والمباني والأواني......الخ ما ذكره....
وهذا الكلام فيه جهل وخلط وتلبيس من وجهين:
الوجه الأول: قوله: إن السلف لم يدعوا إلى الأخذ بأقوال السابقين اهـ.
وهذا كذب عليهم ، فإن السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين يحثون علىامتثال ما أمر الله ورسوله به من الاقتداء بالسلف الصالح ، والأخذ بأقوالهم ، والله قد أثنى على الذين يتبعونهم ، فقال تعالى :{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضواعنه وأعد لهم جنات} الآية ، وقال]عن الفرقة الناجية: { هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}..
وقال: { عليكم بسنتي وستة الخلفاء الراشدين من بعدي} ، وقال عبد الله بن مسعود: من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب رسول الله أبر الناس قلوبا وأغزرهم علماً وأقلهم تكلفاً..
وقال الإمام مالك بن أنس: { لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أو لها} إلى غير ذلك مما تضمنته الكتب المؤلفة في عقائد السلف والمسماة بكتب السنة ،ككتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ، وكتاب السنة للآجري ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم وغيرهت تذكر أقوال السلف وتحث على الأخذ بها.
الوجه الثاني: أنه جعل مسائل العادات كالمباني والأواني والملابس كمسائل العلم والعقائد والعبادات تختلف باختلاف الأزمنة والأعراف وهذا منه جهل أوتلبيس ، فإن الفرق في ذلك معروف لأقل الناس ثقافة وعلماً ، كل يعرف أن العادات تختلف وأما العبادات وأحكام الشريعة فهي ثابتة.
التعقــيب الســادس:
في صفحة 18 المقطع الأخير يقول: إن السلف لم يجمدوا عند حرفية أقوال صدرت عنهم اهـ. ومراده أن السلف لا يبقون على أقوالهم بل يتحولون عناه ومن ثم لايجب علينا الأخذ بأقوالهم.. وهذا فيه إجمال ، فإن كان مراده أقوالهم في العقيدة فهو كذب عليهم ؛ لأنهم ثبتوا على قولهم في العقيدة ولم يتحولوا عنه، وإن كان مراده أقوالهم في المسائل الاجتهادية فهم لا يجمدون على القول الذي ظهر لهم أنه خطأ بل يتركونه إلى الصواب.
التعقــيب الســابع
قوله: فكل من التزم بالمتفق عليه من تلك القواعد ( ) والأصول وبنى اجتهادهوتفسيره وتأويلاته للنصوص على أساسها فهو مسلم ملتزم بكتاب الله وسنةرسوله...اهـ.
نقول: ضابط الإسلام قد بينه الرسول في حديث جبريل وهو: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ( ).
فالمسلم هو الملتزم بالإسلام المقيم لأركانه ، فلا حاجة إلى هذا التعريف الذي ذكره مع تعريف رسول الله، ثم إن تعريفه فيه إجمال وعدم وضوح فهو يتيح لكل أحد أن يفسر الإسلام بمايريد ، يدل على ذلك قوله فيما بعد: نعم إن من قواعد هذا المنهج ما قد يخضع فهمه للاجتهاد ومن ثم فقد وقع الخلاف الخ....
فهل الإسلام قابل للاختلاف؟ كلا بل إن أصول الإسلام والعقيدة ليست مجالاً للاجتهاد والاختلاف ، وإنما هذا في المسائل الفرعية ، فمن خالف في أصول الدين وعقيدته فإنه يكفر أو يضلل بحسب مخالفته ؛ لأن مدارها على النصوالتوقيف ولا مسرح للاجتهاد فيها.
التعقـــيب الثـــامن
قوله في ص 23: إن السلفية لا تعني مرحلة زمنية ، قصارى ما في الأمر أن الرسول وصفها بالخيرية كما وصف كل من عصر آت من بعدُ بأنه خير من الذي يليه ، فإن قصدت بها جماعة إسلامية ذات منهج معين خاص بها ، فتلك إذن إحدى البدع اهـ.
ونقول: هذا التفسير منه للسلفية بأنها مرحلة زمنية وليست جماعة تفسير غريب وباطل ، فهل يقال للمرحلة الزمنية بأنها سلفية؟ هذا لم يقل به أحد من البشر، وإنما تطلق السلفية على الجماعة المؤمنة الذين عاشوا في العصر الأول من عصور الإسلام ، والتزموا بكتاب الله وسنة رسوله من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ووصفهم الرسول بقوله: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" الحديث..
فهذا وصف لجماعة وليس لمرحلة زمنية ، ولما ذكر افتراق الأمة فيما بعد قال عن الفرق كلها: "إنها في النار إلا واحدة" ووصف هذه الواحدة بأنها هي التي تتبع منهج السلف وتسير عليه فقال: "هم من كان على مثل ما أن عليه اليوم وأصحابي"..
فدل على أن هناك جماعة سلفية سابقة وجماعة متأخرة تتبعها في نهجها ، وهناك جماعات مخالفة لها متوعدة بالنار ، وما ذاك إلا لضلال هذه الفرق المخالفة للفرقة الناجية ، لا كما يقول فيما سبق في صفحة 20-21: ومن حق صاحب أحدالرأيين أو الآراء في تلك المسائل الاجتهادية أن يطمئن إلى أن ما ذهب إليه هو الصواب ، ولكن ليس من حقه أن يجزم بأن الذين خالفوه إلى الآراء الأخرى ضالون خارجون عن حظيرة الهدى اهـ.
ونقول له: ليس هذا على إطلاقه ، إنما هو في المسائل الفروعية التي هي مسرح للاجتهاد ، أما مسائل العقيدة فلا مجال للاجتهاد فيها وإنما مدارها على التوقيف ومن خالف فيها ضُلِّل أو كُفِّر بحسب مخالفته ، وقد ضَلَّل السلف القدرية والخوارج والجهمية وحكموا على بعضهم بالكفر لمخالفتهم منهج السلف.
التعقـــيب التـــاسع
زعم في صفحة 27-31 أن الصحابة لم يكن بهم حاجة إلى تحكيم ميزان علمي في الاستنباط. وهذا فيه إجمال ، فإن أراد بالميزان العلمي فهم النصوص ومعرفة معانيها وما يراد بها فهم أغزر الناس علماً في ذلك وأقلّهم تكلّفاً ، وإن أراد بالميزان العلمي منهج الجدل وعلم الكلام فهذا ميزان جهلي لا ميزان علمي ، وهم أغنى الناس عنه ، وقد تركوه وحذّروا منه وضلّلوا أصحابه لأنّه لايوصل إلى حقيقة ولا يهدي إلى صواب ، وإنما آل بأصحابه إلى الشك ، وإن زعم من ابتلي به أنه ميزان علمي ووصفوا أنفسهم بأن طريقتهم أعلم وأحكم وأنّ طريقة السلف أسلم ويوصفون بأنّهم ظاهريون كما وصفهم الدكتور بذلك في هذاالكتاب في صفحة 31 فقال: (ومن ثم فإن الشأن فيما ذكرناه عنهم من ابتعادهم عن ساحة الرأي وعدم الخوض فيما تلقوه أنباء الغيب وغوامض المعاني ، ووقوفهم في ذلك مع ظاهر النصوص دون تعطيل ولا تشبيه) – فهذا معناه: أن طريقة السلف طريقة بدائية تقف عند ظاهر النصوص وليست طريقة علمية تنفذ إلى غور النصوص ومقاصدها ، ومعناه أيضاً: أن للنصوص باطناً وظاهراً يختلفان كما يقوله أهل الضلال.
التعقــيب العــاشر
من صفحة 32 إلى صفحة 47 يحاول أن يبرر مخالفة بعض الخلف لمنهج السلف باتّساع بلاد الإسلام ودخول أجناس من البشر في دين الإسلام وهم يحملون ثقافات أجنبية وبتوسّع مجالات الحياة المعيشية باختلاف الملابس والمباني والأواني والصناعات والأطعمة إلى غير ذلك ممّا ذكره من الكلام الطويل إلى أن قال في النهاية: فلو كانت اتّجاهات السلف واجتهادهم هذه حجة لذاتها لا تحتاج هي بدورها إلى برهان أو مستند يدعماه لأنّها برهان نفسها إذل لوجب أن تكون تلك النظرات (يعني نظرات السلف) المتباعدة المتناقضة كلها حقاً وصواباً ولوجب المصير ودون أي تردد إلى رأي المصوبة( ) ولما احتاج أولئك السلف رضوان الله عليهم أن يلجئوا أخيرا من مشكلة هذا التناقض والاضطراب إلى منهج علمي يضبط حدود المصالح... الخ ما قال....
ونحن نجيبه عن ذلك:
الجواب الأول: أن السلف لم يختلفوا في مسائل العقائد والإيمان ، وإنمااختلفوا في مسائل الاجتهاد الفرعية وليس ذلك اضطراباً وتناقضاً كما يقول ،وإنما هو اجتهاد يؤجرون عليه.
الجواب الثاني: أن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أمرنا باتّباعهم بقوله: {عليكم بِسُنّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي} ، وقال عن الفرقةالناجية: {هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} ، وأثنى الله على من اتّبعهم ورضي عنه معهم فقال سبحانه: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار}.
والإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول: (لا يصلح آخر هذه الأُمّة إلا ما أصلح أوّلها..) فيجب اتّباعهم والأخذ بأقوالهم لا سيما في العقيدة ؛ لأن قولهم حجة كما هو مقرر في الأصول.
التعقـــيب الحادي عشـــر
في صفحة 53-54 وصف الكوثري بأنه محقق ونقل كلاما له ذكر فيه أن عدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى وموابذة المجوس بثوا بين أعراب الرواة من المسلمين أساطير وأخبارا في جانب الله فيها تجسيم وتشبيه وأن المهدي أمرعلماء الجدل من المتكلمين بتصنيف الكتب في الرد على الملحدين والزنادقة ( ) وأقاموا البراهين وأزالوا الشُّبَه وخدموا الدّين.
هكذا وصف الكوثري رواة الإسلام بأنّهم أعراب راجت عليهم أساطير اليهود والنصارى والمجوس ، وهذه الأساطير بزعمه هي الأخبار المتضمّنة لأسماء الله وصفاته ؛ لأنّها تفيدالتّشبيه والتّجسيم عنده ؛ وأثنى على علماء الكلام الذين ردّوا هذه الروايات ووصفهم بالدّفاع عن الإسلام والردّ على الملحدين والزنادقة ، وأمّا علماءالكتاب والسُنَّة فليس لهم دور عند الكوثري في الذب عن الإسلام والرد على الملاحدة والزنادقة ، وقد نقل الدكتور كلامه هذا مترضيا له ووصفه بالمحقق –والله المستعان.