صفية 2010
2015-12-10, 10:02
بسم الله الرحمن الرحيم
تأمل أخي الكريم أختي الكريمة هذا الفصل البديع من كلام ابن الجوزي في مسألة سر تأخير إجابة الدعاء قال رحمه الله : نزلت في شدة، وأكثرت من الدعاء أطلب الفرج والراحة، و تأخرت الإجابة فانزعجت النفس وقلقت. فصحت بها: و يلك تَأَمَّلي أمرك أمملوكة أنت أم حرَّة مالكة ؟ أمدَبِّرةٌ أنت أم مدَبِّرةٌ؟ أما علمت أن الدنيا دار ابتلاء واختبار، فإذا طلبتِ أغراضك ، و لم تصبري على ما ينافي مرادك فأين الابتلاء؟ و هل الابتلاء إلا الإعراض وعكس المقاصد . فافهمي معني التكليف وقد هَانَ عليك ما عزَّ، وسهل ما استصعب.
فلما تَدَبَرَتْ ما قلتُه سكنت بعض السكون. فقلت لها: وعندي جواب ثان، وهو أنك تقتضين الحق بأغراضك ولا تقتضين نفسك بالواجب له، وهذا عين الجهل. و إنما كان ينبغي أن يكون الأمر بالعكس، لأنك مملوكة، والمملوك العاقل يطالب نفسه بأداء حق المالك، ويعلم أنه لا يجب على المالك تبليغه ما يهوى. فسكَنَتْ أكثر من ذلك السكون. فقلت لها: وعندي جواب ثالث، و هو أنك قد استبطأت الإجابة، وأنت سددت طرقها بالمعاصي، فلو قد فتحت الطريق أسرعت، كأنك ما علمت أن سبب الراحة التقوى. أو ما سمعت قوله تعالى: " وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَ يَرْزُقْهُ ". "وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ". أو ما فهمت أن العكس بالعكس؟
آه من سكر غفلة صار أقوى من كل سكر في وجه مياه، المراد يمنعها من الوصول إلى زرع الأماني. فعرفت النفس أن هذا حق فاطمأنت.
فقلت: وعندي جواب رابع، وهو أنك تطلبين ما لا تعلمين عاقبته، و ربما كان فيه ضررك. فمثلك كمثل طفل محموم يطلب الحلوى، و المدبر له أعلم بالمصالح. كيف وقد قال تعالى: " وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ". فلما بان الصواب للنفس في هذه الأجوبة، زادت طمأنينتها. فقلت لها عندي جواب خامس، وهو أن هذا المطلوب ينقص من أجرك، ويحط من مرتبتك، فمنع الحق لك ما هذا سبيله عطاء منه لك. و لو أنك طلبت ما يصلح آخرتك كان أولى لك، فأولى لك أن تفهمي ما قد شرحت، فقالت : «لقد سرحت في ما شرحت، فهمتُ إذ فهمت» .
المصدر : صيد الخاطر/ فصل : كم من حكمة في الحرمان
لأَبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي .
أسأل الله ان ينفع بها
تأمل أخي الكريم أختي الكريمة هذا الفصل البديع من كلام ابن الجوزي في مسألة سر تأخير إجابة الدعاء قال رحمه الله : نزلت في شدة، وأكثرت من الدعاء أطلب الفرج والراحة، و تأخرت الإجابة فانزعجت النفس وقلقت. فصحت بها: و يلك تَأَمَّلي أمرك أمملوكة أنت أم حرَّة مالكة ؟ أمدَبِّرةٌ أنت أم مدَبِّرةٌ؟ أما علمت أن الدنيا دار ابتلاء واختبار، فإذا طلبتِ أغراضك ، و لم تصبري على ما ينافي مرادك فأين الابتلاء؟ و هل الابتلاء إلا الإعراض وعكس المقاصد . فافهمي معني التكليف وقد هَانَ عليك ما عزَّ، وسهل ما استصعب.
فلما تَدَبَرَتْ ما قلتُه سكنت بعض السكون. فقلت لها: وعندي جواب ثان، وهو أنك تقتضين الحق بأغراضك ولا تقتضين نفسك بالواجب له، وهذا عين الجهل. و إنما كان ينبغي أن يكون الأمر بالعكس، لأنك مملوكة، والمملوك العاقل يطالب نفسه بأداء حق المالك، ويعلم أنه لا يجب على المالك تبليغه ما يهوى. فسكَنَتْ أكثر من ذلك السكون. فقلت لها: وعندي جواب ثالث، و هو أنك قد استبطأت الإجابة، وأنت سددت طرقها بالمعاصي، فلو قد فتحت الطريق أسرعت، كأنك ما علمت أن سبب الراحة التقوى. أو ما سمعت قوله تعالى: " وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَ يَرْزُقْهُ ". "وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ". أو ما فهمت أن العكس بالعكس؟
آه من سكر غفلة صار أقوى من كل سكر في وجه مياه، المراد يمنعها من الوصول إلى زرع الأماني. فعرفت النفس أن هذا حق فاطمأنت.
فقلت: وعندي جواب رابع، وهو أنك تطلبين ما لا تعلمين عاقبته، و ربما كان فيه ضررك. فمثلك كمثل طفل محموم يطلب الحلوى، و المدبر له أعلم بالمصالح. كيف وقد قال تعالى: " وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ". فلما بان الصواب للنفس في هذه الأجوبة، زادت طمأنينتها. فقلت لها عندي جواب خامس، وهو أن هذا المطلوب ينقص من أجرك، ويحط من مرتبتك، فمنع الحق لك ما هذا سبيله عطاء منه لك. و لو أنك طلبت ما يصلح آخرتك كان أولى لك، فأولى لك أن تفهمي ما قد شرحت، فقالت : «لقد سرحت في ما شرحت، فهمتُ إذ فهمت» .
المصدر : صيد الخاطر/ فصل : كم من حكمة في الحرمان
لأَبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي .
أسأل الله ان ينفع بها