المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أصحاب الكهف


بدرالدين قادري
2009-09-24, 23:06
أصحاب الكهف
قصة أصحاب الكهف:
قال الله تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّأَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَىالْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةًوَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِيالْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِأَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّإِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَىقُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْنَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا هَؤُلَاءِ قَوْمُنَااتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍفَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْوَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْرَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا وَتَرَىالشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَاغَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْآيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْتَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌوَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْفِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوابَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْبَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْبِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًافَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًاإِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِيمِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْلِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَاإِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْبُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْلَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْكَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِوَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُبِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّامِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَا تَقُولَنَّلِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْرَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَارَشَدًا وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًاقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِأَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِيحُكْمِهِ أَحَدًا .
كان سبب نزول قصة أصحاب الكهف، وخبر ذي القرنين ما ذكرهمحمد بن إسحاق في "السيرة" وغيره، أن قريشا بعثوا إلى اليهود يسألونهم عن أشياءيمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسألونه عنها؛ ليختبروا ما يجيب به فيهافقالوا: سلوه عن أقوام ذهبوا في الدهر فلا يدري ما صنعوا، وعن رجل طواف في الأرضوعن الروح. فأنزل الله تعالى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْذِي الْقَرْنَيْنِ وقال ههنا: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِوَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا أي؛ ليسوا بعجب عظيم بالنسبة إلى ماأطلعناك عليه من الأخبار العظيمة، والآيات الباهرة والعجائب الغريبة. والكهف هوالغار في الجبل. قال شعيب الجبائي: واسم كهفهم حيزم. وأما الرقيم فعن ابن عباس أنهقال: لا أدري ما المراد به. وقيل: هو الكتاب المرقوم فيه أسماؤهم وما جرى لهم، كتبمن بعدهم. اختاره ابن جرير وغيره. وقيل: هو اسم الجبل الذي فيه كهفهم. قال ابن عباسوشعيب الجبائي: واسمه بناجلوس. وقيل: هو اسم واد عند كهفهم. وقيل: اسم قرية هنالك.والله أعلم.
قال شعيب الجبائي: واسم كلبهم حمران. واعتناء اليهود بأمرهم ومعرفةخبرهم يدل على أن زمانهم متقدم على ما ذكره بعض المفسرين أنهم كانوا بعد المسيح،وأنهم كانوا نصارى. والظاهر من السياق أن قومهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام. قالكثير من المفسرينوالمؤرخين وغيرهم: كانوا في زمن ملك يقال له: دقيانوس. وكانوا منأبناء الأكابر. وقيل: من أبناء الملوك. واتفق اجتماعهم في يوم عيد لقومهم فرأوا مايتعاطاه قومهم من السجود للأصنام والتعظيم للأوثان، فنظروا بعين البصيرة، وكشف اللهعن قلوبهم حجاب الغفلة، وألهمهم رشدهم، فعلموا أن قومهم ليسوا على شيء، فخرجوا عندينهم وانتموا إلى عبادة الله وحده لا شريك له. ويقال: إن كل واحد منهم لما أوقعالله في نفسه ما هداه إليه من التوحيد، انحاز عن الناس، واتفق اجتماع هؤلاء الفتيةفي مكان واحد، كما صح في البخاري الأرواح جنودة مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وماتناكر منها اختلف فكل منهم سأل الآخر عن أمره وعن شأنه، فأخبره ما هو عليه، واتفقواعلى الانحياز عن قومهم والتبري منهم والخروج من بين أظهرهم، والفرار بدينهم منهم،وهو المشروع حال الفتن وظهور الشرور. قال الله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَنَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًىوَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَاإِذًا شَطَطًا هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَايَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ أي؛ بدليل ظاهر على ما ذهبوا إليه وصاروامن الأمر عليه فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَإِذِاعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ أي؛ وإذ قد فارقتموهم فيدينهم وتبرأتم مما يعبدون من دون الله، وذلك لأنهم كانوا يشركون مع الله، كما قالالخليل: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُسَيَهْدِينِ وهكذا هؤلاء الفتية قال بعضهم لبعض: إذ قد فارقتم قومكم في دينهم،فاعتزلوهم بأبدانكم لتسلموا منهم أن يوصلوا إليكم شرا فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِيَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْمِرفَقًا أي؛ يسبل عليكم ستره، وتكونوا تحت حفظه وكنفه، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير،كما جاء في الحديث: اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا ومنعذاب الآخرة ثم ذكر تعالى صفة الغار الذي آووا إليه، وأن بابه موجه الى نحو الشمال،وأعماقه إلى جهة القبلة، وذلك أنفع الأماكن؛ أن يكون المكان قبليا، وبابه نحوالشمال، فقال: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ وقرىء: (تزور) عَنْكَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فأخبرأن الشمس، يعني في زمن الصيف وأشباهه، تشرق أول طلوعها في الغار في جانبه الغربي،ثم تشرع في الخروج منه قليلا قليلا، وهو ازورارها ذات اليمين فترتفع في جو السماءوتتقلص عن باب الغار، ثم إذا تضيفت للغروب تشرع في الدخول فيه من جهته الشرقيةقليلا قليلا إلى حين الغروب، كما هو المشاهد في مثل هذا المكان، والحكمة في دخولالشمس إليه في بعض الأحيان أن لا يفسد هواؤه وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَمِنْ آيَاتِ اللَّهِ أي؛ بقاؤهم على هذه الصفة دهرا طويلا من السنين، لا يأكلون ولايشربون، ولا تتغذى أجسادهم في هذه المدة الطويلة من آيات الله وبرهان قدرته العظيمةمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُوَلِيًّا مُرْشِدًا وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ قال بعضهم: لأنأعينهم مفتوحة؛ لئلا تفسد بطول الغمض وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَالشِّمَالِ قيل: في كل عام يتحولون مرة من جنب إلى جنب، ويحتمل أكثر من ذلك. فاللهأعلم. وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ قال شعيب الجبائي: اسم كلبهمحمران. وقال غيره: الوصيد أسكفة الباب. والمراد أن كلبهم الذي كان معهم، وصحبهم حالانفرادهم من قومهم، لزمهم ولم يدخل معهم في الكهف، بل ربض على بابه ووضع يديه علىالوصيد، وهذا من جملة أدبه ومن جملة ما أكرموا به؛ فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيهكلب، ولما كانت التبعية مؤثرة، حتى في كلب هؤلاء، صار باقيا معهم ببقائهم؛ لأن منأحب قوما سعد بهم، فإذا كان هذا في حق كلب فما ظنك بمن تبع أهل الخير وهو أهلللإكرام. وقد ذكر كثير من القصاص والمفسرين لهذا الكلب نبأ وخبرا طويلا أكثره متلقىمن الإسرائيليات، وكثير منها كذب، ومما لا فائدة فيه، كاختلافهم في اسمهولونه.
وأما اختلاف العلماء في محلة هذا الكهف، فقال كثيرون: هو بأرض أيلة.وقيل: بأرض نينوى . وقيل: بالبلقاء. وقيل: ببلاد الروم. وهو أشبه. والله أعلم. ولماذكر الله تعالى ما هو الأنفع من خبرهم، والأهم من أمرهم، ووصف حالهم، حتى كأنالسامع راء، والمخبر مشاهد لصفةكهفهم، وكيفيتهم في ذلك الكهف وتقلبهم من جنب إلىجنب، وأن كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد. قال: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَمِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا أي؛ لما عليهم من المهابةوالجلالة في أمرهم الذي صاروا إليه، ولعل الخطاب ههنا لجنس الإنسان المخاطب لابخصوصية الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله: فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أي؛أيها الإنسان؛ وذلك لأن طبيعة البشرية تفر من رؤية الأشياء المهيبة غالبا، ولهذاقال: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَمِنْهُمْ رُعْبًا ودل على أن الخبر ليس كالمعاينة، كما جاء في الحديث؛ لأن الخبر قدحصل ولم يحصل الفرار ولا الرعب. ثم ذكر تعالى أنه بعثهم من رقدتهم بعد نومهمبثلاثمائة سنة وتسع سنين، فلما استيقظوا قال بعضهم لبعض: كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوالَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْفَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ أي؛ بدراهمكم هذه،يعني التي معهم، إلى المدينة ويقال، كان اسمها دفسوس. فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَاأَزْكَى طَعَامًا أي؛ أطيب مالا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ أي؛ بطعام تأكلونه،وهذا من زهدهم وورعهم وليتلطف أي؛ في دخوله إليها وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًاإِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِيمِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا أي؛ إن عدتم في ملتهم بعد إذ أنقذكمالله منها؛ وهذا كله لظنهم أنهم رقدوا يوما أو بعض يوم أو أكثر من ذلك، ولم يحسبواأنهم قد رقدوا أزيد من ثلاثمائة سنة وقد تبدلت الدول أطوارا عديدة، وتغيرت البلادومن عليها، وذهب أولئك القرن الذين كانوا فيهم، وجاء غيرهم وذهبوا وجاء غيرهم؛ولهذا لما خرج أحدهم، وهو تيذوسيس فيما قيل، وجاء إلى المدينة متنكرا؛ لئلا يعرفهأحد من قومه فيما يحسبه تنكرت له البلاد واستنكره من رآه من أهلها، واستغربوا شكلهوصفته ودراهمه. فيقال: إنهم حملوه إلى متوليهم، وخافوا من أمره أن يكون جاسوسا أوتكون له صولة يخشون من مضرتها، فيقال: إنه هرب منهم. ويقال: بل أخبرهم خبره ومنمعه، وما كان من أمرهم، فانطلقوا معه ليريهم مكانهم، فلما قربوا من الكهف دخل إلىأخوانه فأخبرهم حقيقة أمرهم ومقدار ما رقدوا، فعلموا أن هذا من قدرة الله. فيقال:إنهم استمروا راقدين. ويقال: بل ماتوا بعد ذلك.
وأما أهل البلدة، فيقال: إنهم لميهتدوا إلى موضعهم من الغار، وعمي الله عليهم أمرهم. ويقال: لم يستطيعوا دخوله حسا.ويقال: مهابة لهم.
واختلفوا في أمرهم؛ فقائلون يقولون: ابْنُوا عَلَيْهِمْبُنْيَانًا أي؛ سدوا عليهم باب الكهف؛ لئلا يخرجوا أو لئلا يصل إليهم ما يؤذيهم،وآخرون، وهم الغالبون على أمرهم قالوا: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا أي؛معبدا يكون مباركا لمجاورته هؤلاء الصالحين. وهذا كان شائعا فيمن كان قبلنا، فأمافي شرعنا فقد ثبت في "الصحيحين" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن اللهاليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا. وأما قوله تعالى:وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّوَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيها


المصدر:
تم تحميل هذا الملف من الإصدار الأول من النجاح .............. النجاح 1

مرواني
2009-10-22, 20:26
موضوع مميّز بارك الله فيك