عبد الباسط آل القاضي
2015-11-15, 23:29
يا صاحبـي فيِ الإتباعِ حكمةٌ لطيفة قلّما يستقيم لها نظر الرجل العامي ؛ بلهْ في احيانٍ معدودةٍ تغيّب على العاقلِ الحازمِ لدواخلٍ حادثةٍ من مخالطةِ علائقِ الدنياَ ؛ ( إن في ذلك لعبرةً لمن كان له قلب أو ألقى السمعَ وهو شهيد ) . والحكم على شـىء جزء من تصورهِ فإن سلمَ التصورُ لم يعدلْ عن الحقِ الحكم والقضاء إذ سلامة القلب غلبت على الحال الظاهر ؛ وقد تقرأ لأصحابناَ فإذا نفسُ المسلم تستبشر ونفس الطاغية تبهتُ لما استبان من الحقِ والوعد بسعادة الدارين ؛ ونجاة أهل الحق وظهورهم على من سواهم وإن لم يبقى منهم إلا نفر واحد فالعبرةُ بالإتباع الصحيح وقد قيل أنت الجماعة ولو كنت وحدك ؛ وهذا المجاز لولا انه نصبت له قرينةُ وهي الاتباع الحقاني لكان مجازا بوازن الكذب ؛ ولكن قد سألتنـي نفسي قبل حينٍ ؛ كيف السبيل لكي استوي في الصفِ كمثل هيئةِ اصطفافِ أبا بكر وعمر والصحابة الكرام ؛ فضلا على اتباع خطى الحبيب المصطفى ، ذاك النبي التقي الدمث سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم ؛ أنى السبيل لذلك ؟
وقالت يا صاحبي :" ألم ترى أنك كلما علمتَ أمراً إبتدرتَ فيهِ فأشغلك عما هو حقيق عليك أن تبدأ به "؟
وقالت :" إني لا ارضى منك بالقليل في اتباع السبيل ؛ فكما إستكثرت بالأمس القريب بالمعاصـي ؛ فهلا جعلت السعي واحداَ ؛ ثم أما علمت أن الراضي بالدونِ لئيم وما عيب عاقل بمثل دنائة الهمة "
فأحرجتنـي وأعايتنـي ؛ فولا اني انشغلت بالطلب قبل حين لكنتُ في سعةٍ من شطط النفس ؛ وقد خبرتها لا ترض بفضلةٍ طعام ولا بقيةِ علم إنما تريد الزيادة على اصل كل شـىء .
ولعل الحال شبيهٌ لحالك ؛ فماذا إذن ؟
فالأمر على وجهين لا ثالث لهما عندي :
فإما الأخذ بالرخصةِ والقعود مثلي مثل كل عابرٍ فالكثرة هي الغالبة كما يشاع في هذا الزمان ؛ بلهْ كأنها آيةٌ تتلى في كل مقامٍ يقوم فيه رجلان فأكثر ؛ ولعل قد قيل لك قبل هذا ؛ صلِّ ، فطوحت بيدك في الهواء متبرما ؛" لماذا أنا ؟ إنما أنا رجل من الناس " ، وحتـى في تفاصيل الحياةِ التي تنتهى بالموت ،" البس هذا لان الناس يلبسونه "؛ "وارجلّ شعري كما يفعل الناسّ" –الترجيل هو تسريح الشعر- "وأهيـىء مطبخي كما يفعل الناس بالزخارف وبالزوائد" ؛ "واحاور خصميِ – اتخذه خصماً بله يوجد من يتخذ من يخالفه في جزء فرعي بالعدو – ولن ارضخ له أبدا حتى لو جاء بالملائكة قبيلا "...إلخ
فالنفس ستأخذ بالكثرة وتتكأ وتقول لك :" يكفيك ما تطيق من الدين ودع الجهد والعسر وأقبل الى الدعة ومتاع الحياة ؛ " فإن راوحت مكانك متذبذبا ضربت لك الأمثال بما للأقران والصحب والناس من خيراتٍ في السيارات الفارهة والمساكن الواسعة والنساء الحسنوات والذرية ؛ فأحوجت إلى المقابلة بحالهم وحالك ؛ فإن غصت في ذلك ؛ فلا معدى أنك هالك هالك . اذ تنبت يومئذ شجرة خبيثة لا اصل لها ولا قرار ؛ الحسد والتعب ؛ فمن حيث اوهمتك النفس بالدعة عند بغية المتع جلبت لك الجهد والكبد . فتدبّر فإنه مخلص حسن .
الوجه الثاني :
أن تأخذ بالعزم وترمي وراءك هذا الغبش والاستشراف لشرف العلم ؛ فالعلم سلمٌ للوصول إلى مبتغى الدين وهو معرفة الله والعمل بشرعه ؛ فلا تمعن في الوسيلة على الغاية ؛ فإن أمعنت في الوسيلة وذهلت على المبتغى كنت بمنزلة من جعل الطعام والشراب غاية بينما هما سببان للقيام بأمر الله ؛ كالصلاة والحج والجهاد والسعي في مرضات الله بالعمل الصالح ؛ وكنت بمنزلة من اتخذ النكاح شهوةً خالصة بينما هي شهوةٌ في حلال وسكنٌ وأنسٌ من الوحدة والوحشة ؛ واكثار من الذرية الصالحة ؛ والامثلة كثيرة .
فإن اخذت بالعزم متوكلاً على العزيز الحكيم فليكن السُّلم الاخلاص في طلب العلم ؛ ولا تعبأ بغير ذلك ؛ ولا تقرنه بالمجد وبكثرة المسائل فإن ذلك قد يكون هلكة ومدخلاً من مداخل الهوى والشيطان ؛ فكفى أن تخلص في طلب العلم الحقاني ، ويبارك الله لمن يشاء ، وإذا علمت شيئاً فلا تحفظه في الذاكرة بل اعمل بهِ ذلك أولى ان يزينك وألا تنسـى ؛ فإن رأيت في نفسك على كثرة ما تعلم قلة جهلٍ بمقتضى الحال في كثير من الاحيان ففتشّ في قلبك عما يمنع وصول نورِ المعرفة وقد أخذتها بقوةٍ ؛ فكآين من طلبة العلم من يعلم المتشابه والمحكم والناسخ والمنسوخ ويلم باختلاف الائمة والاصول والفروع لكنه خالٍ من نورِ العلمِ وزينِ العلماء ؛ وتدبرت في نفسـي فوجدتنـي أكابد صنديداَ ؛ فإن موانعِ الوصول هي في التعلقٌ بما دون الأصول ؛ فالتخلية صنوّ التزكية ؛ فهذّب وشذّب العوائد ؛ والجم الطباع بلجامِ الهدى ؛ واصبر وصابر فالأمر خطير وذاك شأن كل أمر شريف عظيم ؛ اذ أمرتَ أن تصلي وتصبر عليها ؛ وكذا في اخراج حق الزكاة وفي اداء الحجِ وكذا في بذل النفس في الجهاد ؛ وكل ذلك يبتغي عزماً وصبرا ؛ فما ظنك بجهاد النفس وقد سماه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ( الجهاد الأكبر) فلا جرم أنك قد عقلت أن المبتغى ليس في نيل العلوم واحاطتها واحصائها فذلك مبلغ هين ؛ إنما الحكمة في الإتباع الحقاني ومن اسماء الحكمة وضع الاشياء في مواضعها الصحيحة ؛ فأجعل كل معرفةٍ في نصيب حالك وابدل الطبعَ الموروث بالعادة بالعلم الحقاني ؛ فيكون علمك بهدى النبي صلى الله عليه وسلم طبعاً سهلاً فيك ؛ علما واعتقاد وعملاً ؛ ولا يضرك فوات كل العلم وقصر العمر ؛ فإنه لم يفرض عليك إستقصاء كل العلوم إنما فرض عليك من الأمر ما وسعك من العلم .
فقلت لي يا صاحبي هلا اخلصت النصح لمن صرف العقل حيث لا يعودُ بخير وانشغل بغيرِ المراد ؛ فحسب نفسه حارساً فإذا هو على باب مقبرةٍ ؛ المقبورُ لا مناص له في الرجوع والزائرُ اذا دخلَ ألقى السلامَ وأسرع بالرجوعْ ؛ فقلت لك :" لعل في ذلك هدم لذاته "؟ فالقرينة منصوبة ؛ غير أني لو كنت سالكاً طريقا لسلكت الطريق إلى الماء وذاك ما ذكرت لك من ان الاتباع الحقاني اخلاص وعلم وعمل بما تعلم .
وعفا الله عنا وعنهم .
وقالت يا صاحبي :" ألم ترى أنك كلما علمتَ أمراً إبتدرتَ فيهِ فأشغلك عما هو حقيق عليك أن تبدأ به "؟
وقالت :" إني لا ارضى منك بالقليل في اتباع السبيل ؛ فكما إستكثرت بالأمس القريب بالمعاصـي ؛ فهلا جعلت السعي واحداَ ؛ ثم أما علمت أن الراضي بالدونِ لئيم وما عيب عاقل بمثل دنائة الهمة "
فأحرجتنـي وأعايتنـي ؛ فولا اني انشغلت بالطلب قبل حين لكنتُ في سعةٍ من شطط النفس ؛ وقد خبرتها لا ترض بفضلةٍ طعام ولا بقيةِ علم إنما تريد الزيادة على اصل كل شـىء .
ولعل الحال شبيهٌ لحالك ؛ فماذا إذن ؟
فالأمر على وجهين لا ثالث لهما عندي :
فإما الأخذ بالرخصةِ والقعود مثلي مثل كل عابرٍ فالكثرة هي الغالبة كما يشاع في هذا الزمان ؛ بلهْ كأنها آيةٌ تتلى في كل مقامٍ يقوم فيه رجلان فأكثر ؛ ولعل قد قيل لك قبل هذا ؛ صلِّ ، فطوحت بيدك في الهواء متبرما ؛" لماذا أنا ؟ إنما أنا رجل من الناس " ، وحتـى في تفاصيل الحياةِ التي تنتهى بالموت ،" البس هذا لان الناس يلبسونه "؛ "وارجلّ شعري كما يفعل الناسّ" –الترجيل هو تسريح الشعر- "وأهيـىء مطبخي كما يفعل الناس بالزخارف وبالزوائد" ؛ "واحاور خصميِ – اتخذه خصماً بله يوجد من يتخذ من يخالفه في جزء فرعي بالعدو – ولن ارضخ له أبدا حتى لو جاء بالملائكة قبيلا "...إلخ
فالنفس ستأخذ بالكثرة وتتكأ وتقول لك :" يكفيك ما تطيق من الدين ودع الجهد والعسر وأقبل الى الدعة ومتاع الحياة ؛ " فإن راوحت مكانك متذبذبا ضربت لك الأمثال بما للأقران والصحب والناس من خيراتٍ في السيارات الفارهة والمساكن الواسعة والنساء الحسنوات والذرية ؛ فأحوجت إلى المقابلة بحالهم وحالك ؛ فإن غصت في ذلك ؛ فلا معدى أنك هالك هالك . اذ تنبت يومئذ شجرة خبيثة لا اصل لها ولا قرار ؛ الحسد والتعب ؛ فمن حيث اوهمتك النفس بالدعة عند بغية المتع جلبت لك الجهد والكبد . فتدبّر فإنه مخلص حسن .
الوجه الثاني :
أن تأخذ بالعزم وترمي وراءك هذا الغبش والاستشراف لشرف العلم ؛ فالعلم سلمٌ للوصول إلى مبتغى الدين وهو معرفة الله والعمل بشرعه ؛ فلا تمعن في الوسيلة على الغاية ؛ فإن أمعنت في الوسيلة وذهلت على المبتغى كنت بمنزلة من جعل الطعام والشراب غاية بينما هما سببان للقيام بأمر الله ؛ كالصلاة والحج والجهاد والسعي في مرضات الله بالعمل الصالح ؛ وكنت بمنزلة من اتخذ النكاح شهوةً خالصة بينما هي شهوةٌ في حلال وسكنٌ وأنسٌ من الوحدة والوحشة ؛ واكثار من الذرية الصالحة ؛ والامثلة كثيرة .
فإن اخذت بالعزم متوكلاً على العزيز الحكيم فليكن السُّلم الاخلاص في طلب العلم ؛ ولا تعبأ بغير ذلك ؛ ولا تقرنه بالمجد وبكثرة المسائل فإن ذلك قد يكون هلكة ومدخلاً من مداخل الهوى والشيطان ؛ فكفى أن تخلص في طلب العلم الحقاني ، ويبارك الله لمن يشاء ، وإذا علمت شيئاً فلا تحفظه في الذاكرة بل اعمل بهِ ذلك أولى ان يزينك وألا تنسـى ؛ فإن رأيت في نفسك على كثرة ما تعلم قلة جهلٍ بمقتضى الحال في كثير من الاحيان ففتشّ في قلبك عما يمنع وصول نورِ المعرفة وقد أخذتها بقوةٍ ؛ فكآين من طلبة العلم من يعلم المتشابه والمحكم والناسخ والمنسوخ ويلم باختلاف الائمة والاصول والفروع لكنه خالٍ من نورِ العلمِ وزينِ العلماء ؛ وتدبرت في نفسـي فوجدتنـي أكابد صنديداَ ؛ فإن موانعِ الوصول هي في التعلقٌ بما دون الأصول ؛ فالتخلية صنوّ التزكية ؛ فهذّب وشذّب العوائد ؛ والجم الطباع بلجامِ الهدى ؛ واصبر وصابر فالأمر خطير وذاك شأن كل أمر شريف عظيم ؛ اذ أمرتَ أن تصلي وتصبر عليها ؛ وكذا في اخراج حق الزكاة وفي اداء الحجِ وكذا في بذل النفس في الجهاد ؛ وكل ذلك يبتغي عزماً وصبرا ؛ فما ظنك بجهاد النفس وقد سماه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ( الجهاد الأكبر) فلا جرم أنك قد عقلت أن المبتغى ليس في نيل العلوم واحاطتها واحصائها فذلك مبلغ هين ؛ إنما الحكمة في الإتباع الحقاني ومن اسماء الحكمة وضع الاشياء في مواضعها الصحيحة ؛ فأجعل كل معرفةٍ في نصيب حالك وابدل الطبعَ الموروث بالعادة بالعلم الحقاني ؛ فيكون علمك بهدى النبي صلى الله عليه وسلم طبعاً سهلاً فيك ؛ علما واعتقاد وعملاً ؛ ولا يضرك فوات كل العلم وقصر العمر ؛ فإنه لم يفرض عليك إستقصاء كل العلوم إنما فرض عليك من الأمر ما وسعك من العلم .
فقلت لي يا صاحبي هلا اخلصت النصح لمن صرف العقل حيث لا يعودُ بخير وانشغل بغيرِ المراد ؛ فحسب نفسه حارساً فإذا هو على باب مقبرةٍ ؛ المقبورُ لا مناص له في الرجوع والزائرُ اذا دخلَ ألقى السلامَ وأسرع بالرجوعْ ؛ فقلت لك :" لعل في ذلك هدم لذاته "؟ فالقرينة منصوبة ؛ غير أني لو كنت سالكاً طريقا لسلكت الطريق إلى الماء وذاك ما ذكرت لك من ان الاتباع الحقاني اخلاص وعلم وعمل بما تعلم .
وعفا الله عنا وعنهم .