المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اهم الشروط للاستعانة بالكفار


ايوب الجزائري
2009-09-23, 11:57
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا بحث قيم لاخ نقلته كي نستفيد منه
وضع اهل العلم شروطا لجواز الاستعانة بالكفار اهمها




الشرط الأول : أن يكون الكافر الذي يُستعان به حسن الرأي في المسلمين، بمعنى أن لا يكون غاشاً لهم، مدلساً عليهم، حريصاً على إيصال الضرر بهم، وأن يكون ظاهرَ الصدقِ فيما يُشير به من رأي، أو يقوم به من عملٍ، فإن فُقد هذا الشرط فلا يجوز الاستعانة به، لأن في ذلك تغريراً بالمسلمين، وإيقاعهم فيما فيه الإضرار بهم، بل إن المستعين بكافرٍ فاقدٍ لهذا الشرط يُعد من أعظم الغاشين لله ولرسوله وللمؤمنين، وما حاله إلا كحال من يسوق غَنمه إلى مسبعة وهو يَعلم، ويزعم بعد ذلك أنه يحسن رعيها ويحرص على حفظها.

قال الشيرازي الشافعي : [فإن احتاج أن يستعين بهم ؛ فإن لم يكن من يستعين به حسن الرأي فى المسلمين لم نستعن به، لأن ما يخاف من الضرر بحضورهم أكثر مما يرجى من المنفعة، وإن كان حسن الرأي فى المسلمين جاز أن نستعين بهم](35)

وقال الإمام ابن قدامة –رحمه الله- : [ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم لم تجزئه الاستعانة به، لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمَن من المسلمين مثل المخذل، والمرجف، فالكافر أولى.](36)

وقال أيضاً : [فإن دعت حاجة إليه ولم يكن حسن الرأي في المسلمين لم يستعن به أيضاً؛ لأن ما يخشى من ضرره أكثر مما يرجى من نفعه، و إن كان حسن الرأي فيهم جاز](37)

وننبه هنا إلى أن الأصل هو عدم الوثوق في الكفار، وطرحُ الطمئنينة إلى رأيهم، والاستنامة لمشورتهم، وذلك لما يضمرونه لنا من البغضاء والعداوة والحسد، ولما جُبلت عليه نفوسهم الخبيثة من الحرص على إيقاع الضرر بالمسلمين، وتحين الفرص واغتنام الأحوال لذلك، والسعي الدائم لصدهم عن دينهم.

وعليه فلا بد من استصحاب هذا الأصل، والاستمساك به، والتفطن له، وتوطيد النفس عليه، وعدم الاغترار والانجرار وراء ظواهر خداعة، وتمويهات يُلبس بها الكفرة على السذج ليخفوا هذه الحقيقة التي بينها القرآن أيما بيان، وحذَّر المؤمنين من دخائل نفوس أعدائهم أتم تحذير، وكشف لهم ما تنطوي عليه صدورهم من الضغائن والأحقاد، كما قال سبحانه وتعالى : }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ*هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{(38)

قال الإمام السعدي –رحمه الله- في تفسير الآية الأولى : [هذا تحذير من الله لعباده عن ولاية الكفار، واتخاذهم بطانة، أو خصيصة، وأصدقاء يسرون إليهم ويفضون لهم بأسرار المؤمنين، فوضح لعباده المؤمنين الأمور الموجبة للبراءة من اتخاذهم بطانة بأنهم : «لا يألونكم خبالا» أي : هم حريصون غير مقصرين في إيصال الضرر بكم، وقد بدت البغضاء من كلامهم، وفلتات ألسنتهم، وما تخفيه صدورهم من البغضاء والعداوة أكبر مما ظهر لكم من أقوالهم وأفعالهم، فإن كانت لكم فهوم وعقول فقد وضح الله لكم أمرهم](39)

وقال عز وجل : }إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ{(40)، والآيات في هذا كثيرة معلومة.

قال الإمام الشافعي –وهو من القائلين بجواز الاستعانة مع هذا الشرط – بعد أن ذكر كثيراً من صفات المنافقين التي بينها الله عز وجل في كتابه : [فمن شُهِرَ بمثل ما وصف الله تعالى المنافقين لم يحل للإمام أن يدعه يغزو معه، ولم يكن لو غزا معه أن يسهم له ولا يرضخ، لأنه ممن منع الله عز وجل أن يغزو مع المسلمين، لِطلْبَتِه فتنتهم، وتخذيله إياهم، وأن فيهم من يستمع له بالغفلة، والقرابة، والصداقة، وأن هذا قد يكون أضرَ عليهم من كثير من عدوهم، قال : ولما نزل هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن ليخرج بهم أبداً، وإذا حرم الله عز وجل أن يخرج بهم فلا سهم لهم، لو شهدوا القتال، ولا رضخ، ولا شيء، لأنه لم يحرم أن يخرج بأحد غيرهم، ...قال الشافعي : وإن كان مشرك يغزو مع المسلمين، وكان معه في الغزو من يطيعه من مسلم، أو مشرك، وكانت عليه دلائل الهزيمة، والحرص على غلبة المسلمين، وتفريق جماعتهم لم يجز أن يغزو به ،...لأن هذا إذا كان في المنافقين مع استتارهم بالإسلام، كان في المكتشفين في الشرك مثله فيهم، أو أكثر، إذا كانت أفعاله كأفعالهم أو أكثر، ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة، فكانت فيه منفعة للمسلمين، بدلالة على عورة عدو، أو طريق، أو ضيعة، أو نصيحة للمسلمين، فلا بأس أن يغزى به](41)

وقال الشيخ محماس جلعود في كتابه الموالاة والمعاداة: [فلا يجوز الانخداع بما يظهره الكفار من صداقة وإخلاص حيث إنهم أعداء عقيدة لا ترجى مودتهم، وما يتظاهرون به من صداقة ونصح، فإنما هو لأغراض في أنفسهم، ولمصالحهم الخاصة، وللمكر والوقيعة بالمسلمين كالأفعى ينخدع الجاهل برقبتها ونعومتها وفي فمها السم الزعاف، وهؤلاء الكفار كذلك فإن مبدأهم في التعامل مع المسلمين، أن لا إثم ولا خطيئة عليهم في خيانة المسلمين في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، بل يرون ذلك قربة وقصاصًا عما فعله المسلمون بأسلافهم في الشام ومصر والأندلس.

وقد حذرنا الله منهم، وبين لنا مواقفهم منا، ونظرتهم إلينا في التعامل والمعاملة، حتى نكون على بينة في معاملتنا لهم.]

ومع ما ذكرنا من أن الأصل عدم الوثوق في الكفرة، فليس هناك ما يمنع من أن يكون فيهم مؤتمنون يشذون عن هذا الأصل كما قال شيخ الإسلام –رحمه الله - : [فإن المشركين وأهل الكتاب فيهم المؤتمن، كما قال تعالى : «ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما» ؛ ولهذا جاز ائتمان أحدهم على المال، وجاز أن يستطب المسلم الكافر إذا كان ثقة، نص على ذلك الأئمة كأحمد وغيره ... وهو جائز إذا لم يكن فيه مفسدة راجحة مثل ولايته على المسلمين، وعلوه عليهم ونحو ذلك](42)

الشرط الثاني :أن يكون حكم الإسلام هو الساري عليهم الجاري فوقهم،فالإسلام يعلو ولا يعلى، ومعنى هذا، أن يكون من يُستعان به من الكفار تحت قهر جيش المسلمين، وتابعاً لهم، وخاضعاً لسطانهم، ومأتمراً بأوامرهم، فلا يكون مساوياً لهم في القوة والعدد والعُدد أحرى أن لا يكون فوقهم وأقوى منهم، وهذا يدل أيضاً على أن تدبير الأمور وتسييسها وتسييرها بيد جيش الإسلام وقادته، ولهم في ذلك تمام الاستقلال، فخططهم وأوامرهم نابعة من محض النظر والاجتهاد والمصلحة الراجحة عندهم، وليس للكفرة المستعان بهم يدٌ في فرض رأي أو إلزام بمشورة أو إصدار لأمر.

قال الإمام ابن عبد البر –رحمه الله- : [وقال الشافعي، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، وأصحابهم لا بأس بالاستعانة بأهل الشرك على قتال المشركين، إذا كان حكم الإسلام هو الغالب عليهم، وإنما تكره الاستعانة بهم، إذا كان حكم الشرك هو الظاهر](43)

وقال الإمام الشافعي –رحمه الله - : [ولا بأس إذا كان حكم الإسلام الظاهر أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين ؛ وذلك أنهم تحل دماؤهم مقبلين ومدبرين ونياما وكيفما قدر عليهم إذا بلغتهم الدعوة](44)

وقال الطحاوي –رحمه الله- : [قال أصحابنا : لا بأس بالاستعانة بأهل الشرك على قتال المشركين، إذا كان حكم الإسلام هو الغالب الجاري عليهم، وإنما يكره الاستعانة بهم إذا كان حكم الشرك الظاهر، وهو قول الشافعي](45)

وقال أبو المظفر أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي :[يجوز للمسلمين الاستعانة بأهل الذمة على الكفار اذا لم يكن لهم شوكة، ولا يجوز الاستعانة بأهل الذمة اذا كانت لهم شوكة، والفرق أن الشرط في مخالطتهم أن يكونوا تحت قهرنا وحكمنا، فإذا كان فيهم قلة كانوا تحت قهرنا فلم يكن بالاستعانة بهم ضرر بالمسلمين فجازت الاستعانة بهم، وليس كذلك إذا كانت لهم شوكة لأنهم ربما لا يكونون تحت قهرنا، ولا يؤمن أن يخرجوا علينا، ويظهر دينهم وإذا لم يؤمن في الاستعانة بهم الأضرار لا يستعان بهم](46)

ولأن التفريط في هذا الشرط يؤدي إلى جعل سبيلٍ للكافرين على المؤمنين، إما حالاً وإما مآلاً كما سيأتي في الشرط التالي، وأعني بقولي حالاً بأن يتغلب الكفار المستعان بهم على جيش المسلمين ويستقلوا بقوتهم وينفردوا بأحكامهم، ويُخضعوا من معهم من المسلمين لها، ويلزموهم بها، ويكون جيش المسلمين –والعياذ بالله- في حالةٍ من الاضطرار، والانكسار، والضعف، والتبعية، بحيث يعجز أمام حاجته لهم عن الاستقلال بنفسه والانفراد بسلطانه وشوكته، وبهذا تكون يدهم هي الغالبة، وسبيلهم هي الجارية، وكلمتهم هي العالية، ولا مخرج من هذا إلا بعلوِّ يد المسلمين عليهم، وخضوع الكفرةِ وانقيادهم لقيادتهم.

قال الإمام الشوكاني –رحمه الله- : [وقد روي عن الشافعي المنع من الاستعانة بالكفار على المسلمين، لأن في ذلك جعلَ سبيلٍ للكافر على المسلم، وقد قال تعالى :«ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا»، وأجيب بأن السبيل هو اليد، وهي للإمام الذي استعان بالكافر، وشرط بعض أهل العلم - ومنهم الهادوية - أنها لا تجوز الاستعانة بالكفار والفساق، إلا حيث يكون مع الإمام جماعة من المسلمين يستقل بهم في إمضاء الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم ليكونوا مغلوبين لا غالبين، كما كان عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين يخرجون مع النبي صلى الله عليه وسلم للقتال وهم كذلك](47)

وقال أيضاً : [وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أنها تجوز الاستعانة بالكفار والفساق، حيث يستقيمون على أوامره ونواهيه .](48)

فلا بد إذاً من وضع هذا الشرط الخطير نصب أعين كل من أراد أن يحتج بكلام الفقهاء في هذه المسألة، وأن لا يخادع نفسه ويُضلل جماعته بالتنصل منه والتغاضي عنه، بحجة الحاجة حيناً والضرورة أحياناً، فيرمي جماعته في أحضان دولٍ كافرة كاسرة غادرة ارتماء الطفل الرضيع العاجز في حجر أمه، فيهلك جماعته، ويضيع جهودها، ويحرف مسارها، تحت وطأة ضغط القوانين، وتوالي الشروط من تلك الدول الكافرة، والتحكم في مسيرة جماعته بحسب ما يصب في مصلحة تلك الدول، ويوافق سياساتها الظرفية المتقلبة، فتصبح تلك الجماعة تتقلب بها المصالح، وتصعد وتنزل بين أمواج الشروط، وهي كالقشة الصغيرة في ذلك البحر الخضم المتلاطم، بلا تحكم ولا انضباط، لا تملك من أمرها شيئاً، ثم يزعم قادتها وأمراؤها بعد ذلك كله أن ما يفعلونه لا يتجاوز «الاستعانة بالمشركين على المشركين»، فحذار حذار من التلاعب بكلام الأئمة وتجاوز شروط الفقهاء، ولنحذر أكثر من أن تنسب مزالقنا إليهم ونجعلها مذاهبهم، فيكون الحال كلابس ثوبي زور.

الشرط الثالث :أن يكون مآل الحكم بعد الغلبة والظفر للإسلام وأهله،وفرقُ ما بين هذا الشرط والذي قبله، أن الشرط السابق يتعلق بإجراء أحكام الإسلام على المشركين المستعان بهم حينَ الاستعانة وأثناءها، أما هذا الشرط فهو ينص على أن الجيش الإسلامي الذي استعان بالكفار واثقٌ بأن حكم الإسلام هو الذي سيؤول إليه الأمر بعد النصر وكسر شوكة أعدائهم ومتحققٌ من ذلك، وقادرٌ عليه بحسب ما معه من القوة والشوكة ووفق سنن الأسباب، أما إذا كانت هذه الاستعانة ستؤدي إلى ظهور كلمة الشرك –والعياذ بالله- وغلبة أهلها، وبسط يدها فإنها محرمةٌ آنذاك قطعاً.

قال الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي –رحمه الله- : [وقال أصحابنا : لا بأس بالاستعانة بالمشركين على قتال غيرهم من المشركين إذا كانوا متى ظهروا كان حكم الإسلام هو الظاهر، فأما إذا كانوا لو ظهروا كان حكم الشرك هو الغالب فلا ينبغي للمسلمين أن يقاتلوا معهم .](49)

وقال أيضاً في قوله تعالى : }بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً{(50) : [قيل في معنى قوله : «أولياء من دون المؤمنين» أنهم اتخذوهم أنصارا وأعضادا ؛ لتوهمهم أن لهم القوة والمنعة بعداوتهم للمسلمين بالمخالفة جهلا منهم بدين الله، وهذا من صفة المنافقين المذكورين في الآية، وهذا يدل على أنه غير جائز للمؤمنين الاستنصار بالكفار على غيرهم من الكفار ؛ إذا كانوا متى غلبوا كان حكم الكفر هو الغالب، وبذلك قال أصحابنا.

وقوله : «أيبتغون عندهم العزة» يدل على صحة هذا الاعتبار، وأن الاستعانة بالكفار لا تجوز، إذا كانوا متى غلبوا كان الغلبة والظهور للكفار، وكان حكم الكفر هو الغالب.](51)

ولا يخفى على أحد مدى أهمية هذا الشرط، ووجوب مراعاته مراعاة تامة، لأن إهماله والتساهل في التقيد به، يؤدي إلى خلاف مقصد الاستعانة، فيكون حال المستعين في ذلك كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً.

إذ إن المطلوب الأول – عند من أجازها – هو التقوي بهؤلاء الكفرة لإعزاز الدين، وعلوِّ كلمة الحق، وانقهار الشرك، وانقماع أهله، فإذا كانت الاستعانة بالكفار على إخوانهم الكفار ستكون سبباً في تقوي الكفر ببعضه، وتسلط أربابه على المسلمين، والحيلولة دون غلبة حكم الإسلام، ومنْعِ أن يكون الدين كله لله، فما فائدة تلك الاستعانة أذاً.

وكم من الجماعات التي تساهلت في هذا الأمر –وهي قادرة على عدم الوقوع فيه-، ولم تراعِ هذا الشرط بل لم تلتفت إليه أصلاً، وانشغلت بأعباء المعركة وضخامتها وانكبت على مشكلاتها، ولم تولِ عنايةً لمكائد أعدائها الذين يتظاهرون بمد يد العون لها، وبالغت في إحسان الظن بهم، وتوسعت في مسألة الاستعانة بدعوى الحاجة إلى خبراتهم وطاقاتهم وإمكاناتهم، وأن ذلك كله لا يخرج عن كونه «تقاطع مصالح» يُستفاد منها، حتى إذا اقترب النصر، ولاحت مخايل الظفر، ودنى وقت جني الثمر ؛ كشر أولئك الأعداء عن أنيابهم، وبرزوا على حقيقتهم، وراحوا يعيثون في الجهاد فساداً جهاراً بعد أن كانوا يفسدونه إسراراً، فصاروا أعداءً مفضوحين مكشوفين، وقد كانوا –زعماً- معاونين مساندين، فضاعت الجهود وتشتت الطاقات وجنى الثمرةَ غيرُ أهلها، وما ذلك إلا بسبب التهاون في مبدأ الأمر، والاغترار بمصالح مغرية مؤقتة والغفلة عن مفاسد عظمى ملازمة لهذه المصالح أو مؤدية إليها فكانت الكارثة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.





الشرط الرابع :وجود الحاجة الحقيقية للاستعانة،فقد ذكر كثيرٌ من الفقهاء القائلين بجواز الاستعانة أنه لا بد من تحقق الحاجة إليها، وإلا بأن لم تدع حاجةٌ إلى ذلك فلا يجوز.

قال الإمام النووي –رحمه الله- : [وقال الشافعي وآخرون : إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعين به، وإلا فيكره](52)

وقال العلامة الألوسي –رحمه الله- : [وذكر بعضهم جواز الاستعانة بشرط الحاجة والوثوق أما بدونهما فلا تجوز وعلى ذلك يحمل خبر عائشة](53)

وقال الحازمي –رحمه الله- : [وذهبت طائفة إلى أن للإمام أن يأذن للمشركين أن يغزوا معه، ويستعين بهم بشرطين : أحدهما : أن يكون في المسلمين قلة بحيث تدعو الحاجة إلى ذلك...](54) ، وقول الحازمي : «أن يكون في المسلمين قلة» هو بيان لبعض صور الحاجة التي تجوز معها الاستعانة عند القائلين بها، ولكن لا بد من التنبه إلى أنه ليس مطلق القلة يُعد حاجةً، بل هي كما قيدها بأنها القلة التي يحتاج معها إلى الاستعانة بهم.

وقال الإمام الشوكاني- رحمه الله - : [وأما الإستعانة بالكفار على الكفار فقد وقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في غير موطن، ووقع منه الرد لمن أراد إعانته من المشركين على قتال المشركين، وقال لهم إنه لا يستعين بمشرك، ويمكن الجمع بأن الجواز مع الحاجة ورجاء النفع والرد مع عدمهما أو أحدهما فيكون ذلك مفوضا إلى نظر الإمام](55)

ولعل بعض العلماء عبر عن الحاجة بوجود فائدة من تلك الاستعانة كما قال الإمام ابن العربي المالكي –رحمه الله- : [...والصحيح منعه لقوله عليه السلام إنا لا نستعين بمشرك، وأقول إن كانت في ذلك فائدة محققة فلا بأس به](56)، وقد يعد هذا قولاً مستقلاً، ويحمل معنى الفائدة المحققة على المصلحة الظاهرة المؤكدة والله أعلم.

الشرط الخامس :أن يكون المُستعان بهم مأمونين، وهذا الشرط يقارب الشرط الأول وليس إياه، ولهذا جمع بينهما بعض العلماء وعدهما شيئاً واحداً كما جاء في حواشي الشرواني وغيره من كتب الشافعية : [إنما تجوز الاستعانة بهم بشرطين : أحدهما ما ذكره بقوله تؤمن خيانتهم، قال في الروضة وأن يعرف حسن رأيهم في المسلمين، والرافعي جعل معرفة حسن رأيهم مع أمن الخيانة شرطا واحدا](57)

ولكن بالتأمل يظهر أن بينهما فرقاً ولو كان دقيقاً، فالأمانة تقابلها الخيانة، وحسن الرأي والنصح، يقابله التدليس والغش، وعلى كل حال فالمقصود من هذا الشرط أن يكون الكافر الذي يُستعان به موثوقاً مأموناً، لا يبتهل أول فرصة ليخون، ولا يترقب أدنى سبب ليغدر، فتطمئن النفس إليه، ويأمن المسلمون جانبه، والأمانة المشترطة هنا هي فيما يتعلق بأمر الجيش والمجاهدين، وليست الأمانة المطلقة، فقد يكون الكافر معروفاً بالصدق، ومشتهراً بالأمانة في بيعه وشرائه وسائر معاملاته، ولكنه شديد العداوة للمسلمين، عظيم الحنق عليهم، يتحين كل لحظة لإيقاع أعظم الضرر بهم، فمثل هذا لا يشمله هذا الشرط ولا يجوز الاستعانة به، فأمانته في معاملاته لا تشفع له لتجويز الاستعانة به في الجهاد.

قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- عند عده لفوائد صلح الحديبية : [ومنها : أن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة لأن عينه الخزاعي كان كافرا إذ ذاك وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو وأخذه أخبارهم.](58)

وقال الإمام السرخسي-رحمه الله- عند ذكره لبعض الاحتمالات التي رد لأجلها النبي صلى الله عليه وسلم من جاءه من المشركين مريداً القتال معه : [وقيل : كان يخاف الغدر منهما لضعف كان بالمسلمين يوم بدر ؛ كما قال الله تعالى : «ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة»، وإذا خاف الإمام ذلك فلا ينبغي أن يستعين بهم، وأن يمكنهم من الاختلاط بالمسلمين](59)

وقال الإمام النووي –رحمه الله- : [الثالثة تجوز الاستعانة بأهل الذمة وبالمشركين في الغزو ويشترط أن يعرف الإمام حسن رأيهم في المسلمين ويأمن خيانتهم](60)
وقال الحازمي –رحمه الله - : [وذهبت طائفة إلى أن للإمام أن يأذن للمشركين أن يغزوا معه، ويستعين بهم بشرطين : ... والثاني : أن يكونوا ممن يوثق بهم في أمر المسلمين](61)
الشرط السادس :أن تكون لدى المسلمين قوة تكف شر خيانتهم فيما لو خانوا، وهذا الشرط كالقيد اللازم للذي سبقه، أو هو احتراز لا بد منه، فمع اشتراط أن يكون من يُستعان به مؤموناً موثوقاً، إلا أن ذلك وحده لا يكفي، ولا يسوِّغ الاتكال على الثقة به اتكالاً كاملاً، بل يتحتم الاحتياط في شأنه، ويلزم أخذ الأهبة لتوقع غدره وخيانته، بحيث يمكن دفع شره، ومنع ضرره إن حصلت منه، فحتى لو انضمت فرقة الكفار المُستعان بها إلى الذين يقاتلهم المسلمون لأمكنهم قتالهم وردهم جميعاً.

قال الإمام النووي : [وشرط الإمام البغوي وآخرون شرطاً ثالثاً، وهو أن يكثر المسلمون بحيث لو خان المستعان بهم وانضموا إلى الذين يغزونهم لأمكننا مقاومتهم جميعاً](62)

قال الخطيب الشربيني في شرح المنهاج : [(وله الاستعانة ) على الكفار (بكفار) من أهل الذمة وغيرهم، وإنما تجوز الاستعانة بهم بشرطين : ...

وثانيهما : ما ذكره بقوله : (ويكونون بحيث لو انضمت فرقتا الكفر قاومناهم) ؛ أي إنهم إذا انضموا إلى الفرقة الأخرى أمكن دفعهم، فإن زادوا بالاجتماع على الضعف لم تجز الاستعانة بهم، وشرط العراقيون قلة المسلمين، قال الرافعي : وهذا الشرط وما قبله أي هو مقاومة الفريقين كالمتنافيين ؛ لأنهم إذا قلوا حتى احتاجوا لمقاومة فرقة إلى الاستعانة بالأخرى كيف يقدرون على مقاومتهما معاً ؟ قال المصنف : ولا منافاة ؛ لأن المراد أن يكون المستعان بهم فرقة يسيرة لا يكثر العدد بهم كثرة ظاهرة.

قال : البلقيني : وفيه لين، ثم أجاب بأن الكفار إذا كانوا مائتين مثلا، وكان المسلمون مائة وخمسين، ففيهم قلة بالنسبة لاستواء العددين، فإذا استعانوا بخمسين كافراً فقد استوى العددان، ولو انحاز هؤلاء الخمسون إلى العدو فصاروا مائتين وخمسين أمكن المسلمين مقاومتهم لعدم زيادتهم على الضعف.](63)

فأصحاب هذا الشرط من العلماء يوجبون على أمراء الجهاد وأتباعهم أن يكونوا فطنين حذرين، وأن لا يتعاملوا مع أعدائهم الذين يتخللون صفوفهم تعاملَ الغِر الغُمْرِ الأعمى، فيبالغوا في الاطمئنان إليهم، والثقة بهم، والتوسع في ائتمانهم، مع الغفلة عمَّا قد يكونون أضمروه من الخيانة، وأرادوه من الخديعة، ودبروه من المكيدة، حتى إذا حصل ما حصل وجد المجاهدون أنفسهم –وبسبب غفلتهم وتهاونهم- في مصيدة محكمة أعدت لهم، فحوّطهم المستعان بهم والمستعان عليهم وطوقوهم جميعاً، وهم لم يعدوا لمثل هذا الحدث عدته، ولم يأخذوا له أهبته، فأغفلوه وغفلوا عنه، وعندها سيعضون أصابع الحسرة والندامة ولات ساعة مندم، والله وحده المستعان.

الشرط السابع :مخالفة اعتقاد الكفار المستعان بهم لاعتقاد المستعان عليهم، وهذا قد اشترطه الإمام الماوردي من الشافعية كما قال –رحمه الله- : [فإذا ثبت جواز الاستعانة بالمشركين على قتال المشركين وشروطها بهم فعلى ثلاثة شروط: ... والثالث : أن يخالفوا معتقد المشركين كاليهود مع النصارى وعبدة الأوثان فإن وافقوهم لم يجز](64)، وبعض علماء الشافعية جعل اختلاف المعتقد هو سبب أمننا من خيانتهم، كما جاء في حاشية الجمل : [( و ) له ( استعانة بهم ) على كفار عند الحاجة إليها ( إن أمناهم ) بأن يخالفوا معتقد العدو](65)، وتفسيره أن تخالف الاعتقاد يورث العداوة والتضاد في الجملة، فالكفر وإن كان ملة واحدة إلا أن قلوب أهله متنافرة، ترشح بالأحقاد على بعضهم كما قال الله عز وجل في حق أهل الاعتقاد الواحد منهم : }تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ{(66)

ومع ذلك فدوافع العداوة بين الكفار ليس محصورة في تضاد الاعتقاد وتخالفه، بل قد تكون عداوتهم المبنية على تدافع بعض الأمور الدنيوية أشد وأعظم، ولهذا ترى من الحروب الاستئصالية التي تقع بين الدول النصرانية الكبرى –وهي في دينهم ومعتقدهم سواء- أغلبها مبني على تعارض المصالح، والتنافس على الثروات، فيبيدون بعضهم لأجلها ولا يبالون، فالذي يظهر لي أن ما اشترطه الإمام الماوردي -رحمه الله- ليس مقصودا به خصوص المخالفة في الاعتقاد الديني، وإنما قيام الدواعي القوية على وجود العداوة فيما بينهم والتي تكون سبباً في تنافرهم وتقاتلهم، وهو ما يعرف اليوم بتعارض المصالح، ولكن ينبغي أن يكون هذا الأمر ظاهراً محققاً مسلَّماً، وليس مجرد تخيلات وتحليلات.

الشرط الثامن :أن لا يكونوا منفردين برايتهم،بل يقاتلون تحت راية الجيش الإسلامي، فكما شرط بعض العلماء أن تكون أحكام الإسلام هي الجارية عليهم، فكذلك هنا اشترطوا أن لا تكون للكفار المستعان بهم راية ينفردون بها ويستقلون بالقتال تحتها.

قال الإمام السرخسي الحنفي –رحمه الله- في بيان أحد الأسباب المحتملة لرد النبي صلى الله عليه وسلم لحلفاء عبد الله بن أبي يوم أحد : [...أو تأويله أنهم كانوا متعززين في أنفسهم، لا يقاتلون تحت راية المسلمين، وعندنا إنما يستعين بهم إذا كانوا يقاتلون تحت راية المسلمين، فأما إذا انفردوا براية أنفسهم فلا يستعان بهم.](67)

وقال أيضاً : [والذي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد رأى كتيبة حسناء، ... تأويله أنهم كانوا أهل منعة، وكانوا لا يقاتلون تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندنا إذا كانوا بهذه الصفة فإنه يكره الاستعانة بهم.](68)

وكما ترى فإن كلام الإمام السرخسي في الموطنين اشتمل أمرين، يحتمل أن يكونا متلازمين، ويحتمل أن يجعل كل منهما شرطاً مستقلاً يمنع معه الاستعانة بالمشركين، وهما : وجود المنعة، وهذا يعني أن للكفار فئتهم وشوكتهم وقوتهم التي يتظاهرون بها، والثاني : وجود راية مستقلة بهم يقاتلون تحتها دون راية المسلمين.

وقال ابن الهمام الحنفي –رحمه الله- : [ولا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا ... ولا يكون لهم راية تخصهم](69)
فإذا كان العلماء قد منعوا من الاستعانة بهم في حالة يكون معها جيش المسلمين هو الأقوى، وسلطانه هو الأعلى، ورايته هي المقدَّمة، إلا أن للكفار راية استقلوا بها لأنفسهم، فكيف إذا كانت راية الكفار هي العليا، ويدهم في تسيير الأمور وتدبيرها هي الطولى، والمسلمون معهم أهون من أهل الذمة، فلا تسمع لهم كلمة، ولا تُرى لهم راية، ولا يستشارون في شأن كبير ولا حقير.

وسوف نناقش من بعد هل توفرت هذه الشروط اثناء الاستعانة باليهود والنصاري لحرب المسلمين في العراق ام لا