علي النموشي
2009-09-22, 19:24
حدثنا عباس النموشي قال : اتفق و أن صادفتني حاجة بالسوق ، فأخذت معي رفيقي فاروق ، قاصدا هذا المكان ، شر بقاع الأرض على مدى الأزمان ، لما فيه من لصوص كثر ، و سلع دثر ، و زحام و زجر ، و لما هممت بالدخول ، قرأت الدعاء المأمول ، في تجنب شراره ، و الإفلات من أوزاره و سرت بين أجنحته أطوف ، فهذا غطاء ملفوف ، و آخر محفوف ، و ذاك مصفوف ، حتى تناهي إلى سمعي صوت مألوف ، فأسرعت أهرول بين الصفوف ، قاصدا مصدر الصوت ، قبل أوان الفوت ، فوجدت جمعا من الناس مهول ، فيهم التابع و المسئول ، و من يصول و يجول ، و البائع و المشتري ، و اللص و المكتري ، ثم رحت أبحث لي عن مكان ، لأقرب صوت الرجل الأبان ، و لقصر قامتي ، و قلة حيلتي ، بقيت أترقب قول الرجل ، على مكث و مهل ، و راح يطيل في الكلام و يحمد المولى السلام ، و يثني على نبي الإسلام ، و صحبه و التابعين الكرام ، و يقول : قرّب مني ولا تندم ، عجل في الشراء و لا تخجل ، أنت تطلب و أنا أجزل ، عندي لكل داء دواء ، إلا السأم و بلوغ السماء ، عندي دواء العين ، و كحل البين و علاج فروة الرأس ، و من تساقط شعره بالأمس ، و التخلص من داء الثعلب ، و من للقيأ لا يغلب ، و الشقيقة و يقين الحقيقة ، و ألم التداريز لكل غالي و عزيز ، عندي علاج الزكام ، و بقاء الركام ، في الأنف و الآكام ، و تشقق الوجه ، و إختلاف الشبه ، يا من تعاني من داء البهاق ، و الألم و الفراق ، إني أعالج الأسنان ، للحيوان و الإنسان ، عندي دواء للأذن ، و من صمَّ عن سماع الزوجة و الإبن ، و دهن لآلام الرقبة ، في الأمام و في العقبة ، عندي دواء مجرب للربو و الكرب ، للسعال و للكبد و الطحال ، و لمغص الأمعاء و حرقة المعدة ، و علة القلب و داء الشدة ، و تيبس الغائط و تألم المرتاب و القانط ، و الكلى و من عليه الغاز طغى ، و الأعور و من إليه الوجع في سائر الجسم أتى ، والعجز الجنسي و التصلب الشرياني ، و ألم المفاصل ، و شر النوازل ، و سلس البول ، و وجع الحول ، و حصى المرارة ، و داء الطيارة ، و عرق اللساء و حمى النساء ، و الدوالي و من أتته نائبات الخوالي ، و الحمى القرمزية ، و الذبحة الصدرية ، و الدودة الشرجية ، و البواسير و مرارة البصاق ، و الصفراء و الشقاق ، إني أجبر المكسور ، و أداوي المقهور ، و أبرأ المنحور ، و هلم جر ، من الأول إلى الآخر ، يا من تعاني ، و تسهر الليالي ، قرب و لا تبالي ، عندي الكثير من الأعشاب ، للصحبة و للأحباب ، أحضرتها من بلاد السند و الهند ، و السودان و أرض الجولان ، و من الصين و حتى ثغور المسلمين ، من أرض قشتالة و بلاد الجرمان و الايالة ، و من حدود نهر جيحون ، حتى تخوم بحر القلزم و الطيون ، و من حـَذاء سجلماسة إلى بلاد خوارزم و الرياسة ، و من بلاد زنجبار إلى و هران و بشار ، و أرض الرُس و مكان أصحاب الرَّس ، ومن أقاصي فرغانة إلى بلاد غانة ، يا جماعة الخير ، و يا وجوه حسان الطير ، لقد إستسقيت علومي ، من أمهات الكتب فهاكم كلموني و اسألوني ، إطلعت على أخبار الجان و الملائكة الحسان ، من كتب أخبار الزمان إلى البيان و التبيان ، و اللؤلؤ و المرجان في استحضار ملوك الجان ، إلى منبع أصول الحكمة ، و الرحمة في الطب و الحكمة ، و شمس المعارف الكبرى و شموس الأنوار و كنوز الأسرار ، و غاية الحكيم ، و منارة السقيم ، و جلب الحبيب ، و القانون العجيب ، و الجواهر اللماعة في استحضار ملوك الجن في الوقت و الساعة ، و الروض العاطر في نزهة الخاطر ، إني إستخدمت و استحضرت شمس القواميد و الجني العربيد ، و ميمون أبا نوخ و عنفريل صاحب الفسوخ ، و الطهاطيل السبعة ، و الملوك الأربعة ، و أصحاب الخير ، و ملك الطير ، و جمهروش و طيرلوش ، و شمهروش الطيار و من يوصل الهاتف و الأخبار ، و الراكب على الفيل و المتعمم بالثعبان الطويل ، و الملك الأبيض المخيف ، و صاحب المجرى و الكنيف ، فلما سمعت كل هذا القول ، لم أتمالك نفسي من الهول ، فصرت أبحث لي عن مكان بين الجموع ، لأرى مَن الرجل المسموع ، حتى اهتديت إليه ، و وصلت بقربه ، فإذا هو و الله صاحبنا أبو عبد الرحمان الموسوي ، فلما أردت أن أكلمه ، أدار عني و جهه ، و راح يشرح متنه و درسه ، و قرّب أمامه جلد ثعبان في طول السماط الأحمر ، حتى أصابت القوم الدهشة من الأمر ، و شرع يحكي قصته معه و كيف اصطاده ، وأوضح أنه ظفر به من نهر السنغال ، ذي الطين و الأوحال ، بمعية صيادين مهرة أبطال ، لكني بقيت أرقب و لشيخنا أنتظر ، فلما قاربتْ الشمس كبد السماء ، أصاب الناس العياء فانفضوا من حوله ، و تركوه وحده ، فاقتربت منه ، أستفسر عنه ، و عن أهله ، فقال لي :
لا تعجبَـن مِــن تقلـّب الحـال ****** فالدنيــا و الله فيهـــا سجال
فكـم مــن أميـــر تقلب عبـدا ****** و كم من نساء ثكلـن رجال
و لا يخـدعنك مظهــر امرئ ****** و لا تــزدري مـن فقد المال
و لا تبهـــرنك زينــة قــــوم ****** أو مـــن قـــــال إلـــيّ المآل
فـــإن ظفــرت بجـــاه يومـا ****** لا بـــــــد أن مــآلـــه الزوال
ألا تــرى أن المـــوت نـازل ****** و لـيس فـــــي هـــــذا محال
و أنت إذ وجدتنـي أسترزق ****** خلتنــــي فـــي نفســك دجال
و مــا طلب الــرزق بالعيب ****** فالـــرازق جعــل فيــه أشكال
فمن عاف فــي هــذا مراما ****** يبقى مخزيــا في الدنيا سوّال
قد تجدني على الناس أتأمر ****** وقـــد ترانــــي بعدهــا حمال
فقلت : أي داهية أنت يا أبا عبد الرحمان ، إنك و الله لعجيب أبان ، و معجز حكماء هذا الزمان ، فما رأيت أغزر منك ثقافة ، و أقوى منك فراسة وقيافة ، و أعرف بالنبع و الريافة .
لا تعجبَـن مِــن تقلـّب الحـال ****** فالدنيــا و الله فيهـــا سجال
فكـم مــن أميـــر تقلب عبـدا ****** و كم من نساء ثكلـن رجال
و لا يخـدعنك مظهــر امرئ ****** و لا تــزدري مـن فقد المال
و لا تبهـــرنك زينــة قــــوم ****** أو مـــن قـــــال إلـــيّ المآل
فـــإن ظفــرت بجـــاه يومـا ****** لا بـــــــد أن مــآلـــه الزوال
ألا تــرى أن المـــوت نـازل ****** و لـيس فـــــي هـــــذا محال
و أنت إذ وجدتنـي أسترزق ****** خلتنــــي فـــي نفســك دجال
و مــا طلب الــرزق بالعيب ****** فالـــرازق جعــل فيــه أشكال
فمن عاف فــي هــذا مراما ****** يبقى مخزيــا في الدنيا سوّال
قد تجدني على الناس أتأمر ****** وقـــد ترانــــي بعدهــا حمال
فقلت : أي داهية أنت يا أبا عبد الرحمان ، إنك و الله لعجيب أبان ، و معجز حكماء هذا الزمان ، فما رأيت أغزر منك ثقافة ، و أقوى منك فراسة وقيافة ، و أعرف بالنبع و الريافة .