زيتوني محرز
2009-09-22, 08:43
عندما يبرعم الألم
الإهداء : إلى كل أستاذ بمناسبة الدخول المدرسي الجديد ... أخط هذه الرسالة في زمن أصبح فيه الضباب ستارا بيني وبين تقيؤاتي المزمنة فاكتشفت عمق الجرح النازف فقررت الرحيل إليك عبر الكلمة .. اعذرني على صراحتي ، ولكنه الألم المتبرعم في كياني يدفعني إلى الكتابة إليك ..........
أرضعتني أمي مرارة الأيام الثكلى بالألم ، ورحلت تبحث عن مرفأ آخر في مدينة منسية لم يسكنها بشر ، رحلت أمي فخرجت من بوتقة الدلال لأصطدم بالغازات السامة النافذة إلى أعماقي عنوة ، رحلت أمي فعرفت معنى الحرمان والمعاناة والصراع ..كنت نبتة فتية أرادوها بين عشية وضحاها أن تكون شجرة باسقة فغمروها بالمياه فذبلت وماتت ، كنت عصفورا غريدا أغلقوا عليه قفصا من ذهب وأطعموه المهج لكنه صمت إلى الأبد ، كنت وكم كنت فرحا بالحياة لكن أعلنوا حالة الطوارئ في مدينتي الآمنة فشلت حركتي وبح صوتي وغارت عيناي .. رحلت أمي فاكتشفت أما ثانية في زوج أبي ،أرضعتني أمي – رغم تدليلي المفرط –الحب والعطاء ، وسقتني إكسير الحياة فعشت ملكا دون تاج في مملكة الأمومة الرحبة ، أجل ، أعلم يا أستاذي أن أمي هي التي عودتني أن أرتعد أمام البشر ، أن أحمر وأصفر ثم أبكي ،، علمتني أن الغول ذو العين الواحدة يسكن في أعماق بني جلدتي فهجرتهم وانزويت في غرفتي أقتات من جسدي النحيل وأسقي عمري من دمعي المدرار وأنهش من عضلات جسمي المنهك ، ن وانظر إلى الحرز المعلق على صدري فأعرف إنه قدري ،،وهل لي من قوة يا أستاذي في رد القدر ؟.. رحلت أمي وتركت عرشها خاليا وكان لا بد أن يحتل ،إخوتي الصغار في حاجة إلى رعاية ،واتت زوجة أبي ،ملكة أخرى تحمل في يدها اليمنى سندانا وفي يدها الأخرى مطرقة ، وكنت ولإخوتي المسامير بين المطرقة والسندان ،لم ترحم صغري ، أخرجتني من قوقعتي مرغما دون أن تمنحني لقاح الحياة ، فخرجت هائما على وجهي ، أبحث عن هويتي وانتمائي ، هل تصدق يا أستاذي أن والدي تنكر لي فجأة ، فأبيت أتحسس مواقع الألم في جسدي من كثرة الركل والرفس بالأحذية ..
أستاذي .. لا تظلمني ، أنا قطرة ماء عذب مزجت بماء بحر الحياة ، فهل يمكن أن ابقى على طبيعتي كما عرفتني عندما كانت أمي ملكة على عرش قلبي ، أتعرف لماذا لم احضر كراساتي إلى اليوم رغم مضي هذه المدة عن الدخول المدرسي ؟ توسلت إلى أبي أن يمنحني ثمن الأدوات المدرسية فكان يعدني ثم ينهض صباحا ليقول بصوت أجش يمزق نياط قلبي :- ماكانش- أعرف انه تلقى أمرا من السلطة العليا وما عليه إلا تنفيذه
وإلا ..- الله يعلم ماذا سيحدث عندها - .. كل ما أرجوه منك يا أستاذي أن تنتظرني مدة أخرى ريثما أجمع ثمن الكراريس من بيع – التبغ- و-الزعرور -......
لا تجرح شعوري بكلامك القاسي أمام رفاقي ..حمار أنا وكيف تريدني أن لا أكون كذلك وعلى ظهري تحمل دلاء الماء يوميا ؟ حمار أنا ومن مثلي يهان ويضرب ولا ينبس ببنت شفة ؟.. حمار أنا في حياة لم ترحم حتى الحيوانات ..نعم ..لك الحق كل الحق أن تقول لي يا أستاذي : -أنك غبي لا تفهم شيئا - ، وما عساي أن أفهم وأستوعب الدروس وبمجرد دخولي إلى المنزل أرمي – كيس النيلون –الذي تكدست فيه أدواتي البالية وفتات الخبز الذي كنت أخفيه على الأعين حتى أتغذى به مع أترابي ..ثم أتلقى الأوامر المتتالية : جلب الماء ،رعاية إخوتي الصغار و..و..، فكيف أفهم – يا أستاذي -؟ أنا لست مشاغبا ولا مهملا ولكن الحياة ومراراتها جعلتني كذلك ، عذاب الأيام ترك في نفسي غصة وجرحا لا يندمل ...
أستاذي .. لو سألوني عن أسعد لحظات حياتك لما ترددت في الإجابة :إنها الساعة التي أقضيها معك ، أنت والدي ، أنت أمي الراحلة بلا عودة – ومعذرة على هذا التجاوز - ، أنت كل ما بقى لي من هذه الحياة المرة ،فهل تكون عند حسن الظن وتساعدني ؟
وأخيرا دمت لي نعم الذخر والسند ... مع تحيات تلميذك وابنك – س - .
الإهداء : إلى كل أستاذ بمناسبة الدخول المدرسي الجديد ... أخط هذه الرسالة في زمن أصبح فيه الضباب ستارا بيني وبين تقيؤاتي المزمنة فاكتشفت عمق الجرح النازف فقررت الرحيل إليك عبر الكلمة .. اعذرني على صراحتي ، ولكنه الألم المتبرعم في كياني يدفعني إلى الكتابة إليك ..........
أرضعتني أمي مرارة الأيام الثكلى بالألم ، ورحلت تبحث عن مرفأ آخر في مدينة منسية لم يسكنها بشر ، رحلت أمي فخرجت من بوتقة الدلال لأصطدم بالغازات السامة النافذة إلى أعماقي عنوة ، رحلت أمي فعرفت معنى الحرمان والمعاناة والصراع ..كنت نبتة فتية أرادوها بين عشية وضحاها أن تكون شجرة باسقة فغمروها بالمياه فذبلت وماتت ، كنت عصفورا غريدا أغلقوا عليه قفصا من ذهب وأطعموه المهج لكنه صمت إلى الأبد ، كنت وكم كنت فرحا بالحياة لكن أعلنوا حالة الطوارئ في مدينتي الآمنة فشلت حركتي وبح صوتي وغارت عيناي .. رحلت أمي فاكتشفت أما ثانية في زوج أبي ،أرضعتني أمي – رغم تدليلي المفرط –الحب والعطاء ، وسقتني إكسير الحياة فعشت ملكا دون تاج في مملكة الأمومة الرحبة ، أجل ، أعلم يا أستاذي أن أمي هي التي عودتني أن أرتعد أمام البشر ، أن أحمر وأصفر ثم أبكي ،، علمتني أن الغول ذو العين الواحدة يسكن في أعماق بني جلدتي فهجرتهم وانزويت في غرفتي أقتات من جسدي النحيل وأسقي عمري من دمعي المدرار وأنهش من عضلات جسمي المنهك ، ن وانظر إلى الحرز المعلق على صدري فأعرف إنه قدري ،،وهل لي من قوة يا أستاذي في رد القدر ؟.. رحلت أمي وتركت عرشها خاليا وكان لا بد أن يحتل ،إخوتي الصغار في حاجة إلى رعاية ،واتت زوجة أبي ،ملكة أخرى تحمل في يدها اليمنى سندانا وفي يدها الأخرى مطرقة ، وكنت ولإخوتي المسامير بين المطرقة والسندان ،لم ترحم صغري ، أخرجتني من قوقعتي مرغما دون أن تمنحني لقاح الحياة ، فخرجت هائما على وجهي ، أبحث عن هويتي وانتمائي ، هل تصدق يا أستاذي أن والدي تنكر لي فجأة ، فأبيت أتحسس مواقع الألم في جسدي من كثرة الركل والرفس بالأحذية ..
أستاذي .. لا تظلمني ، أنا قطرة ماء عذب مزجت بماء بحر الحياة ، فهل يمكن أن ابقى على طبيعتي كما عرفتني عندما كانت أمي ملكة على عرش قلبي ، أتعرف لماذا لم احضر كراساتي إلى اليوم رغم مضي هذه المدة عن الدخول المدرسي ؟ توسلت إلى أبي أن يمنحني ثمن الأدوات المدرسية فكان يعدني ثم ينهض صباحا ليقول بصوت أجش يمزق نياط قلبي :- ماكانش- أعرف انه تلقى أمرا من السلطة العليا وما عليه إلا تنفيذه
وإلا ..- الله يعلم ماذا سيحدث عندها - .. كل ما أرجوه منك يا أستاذي أن تنتظرني مدة أخرى ريثما أجمع ثمن الكراريس من بيع – التبغ- و-الزعرور -......
لا تجرح شعوري بكلامك القاسي أمام رفاقي ..حمار أنا وكيف تريدني أن لا أكون كذلك وعلى ظهري تحمل دلاء الماء يوميا ؟ حمار أنا ومن مثلي يهان ويضرب ولا ينبس ببنت شفة ؟.. حمار أنا في حياة لم ترحم حتى الحيوانات ..نعم ..لك الحق كل الحق أن تقول لي يا أستاذي : -أنك غبي لا تفهم شيئا - ، وما عساي أن أفهم وأستوعب الدروس وبمجرد دخولي إلى المنزل أرمي – كيس النيلون –الذي تكدست فيه أدواتي البالية وفتات الخبز الذي كنت أخفيه على الأعين حتى أتغذى به مع أترابي ..ثم أتلقى الأوامر المتتالية : جلب الماء ،رعاية إخوتي الصغار و..و..، فكيف أفهم – يا أستاذي -؟ أنا لست مشاغبا ولا مهملا ولكن الحياة ومراراتها جعلتني كذلك ، عذاب الأيام ترك في نفسي غصة وجرحا لا يندمل ...
أستاذي .. لو سألوني عن أسعد لحظات حياتك لما ترددت في الإجابة :إنها الساعة التي أقضيها معك ، أنت والدي ، أنت أمي الراحلة بلا عودة – ومعذرة على هذا التجاوز - ، أنت كل ما بقى لي من هذه الحياة المرة ،فهل تكون عند حسن الظن وتساعدني ؟
وأخيرا دمت لي نعم الذخر والسند ... مع تحيات تلميذك وابنك – س - .