عمي صالح
2009-09-20, 00:58
بسم الله.الرحمن.الرحيم
الحمد لله.رب.العالمين والصلاة والسلام على أشرف.الأنبياء والمرسلين وبعد:
السلام.عليكم ورحمة.الله وبركاته
فصل أنواع الصيام
( كِتَابُ الصَّوْمِ ) . الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الصِّيَامِ ، وَصِفَةِ كُلِّ نَوْعٍ ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِهَا ، وَفِي بَيَانِ أَرْكَانِهَا ، وَيَتَضَمَّنُ بَيَانَ مَا يُفْسِدُهَا وَفِي بَيَانِ حُكْمِهَا إذَا فَسَدَتْ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الصَّوْمِ الْمُؤَقَّتِ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يُسَنُّ وَمَا يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ وَمَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ ، أَمَّا الْأَوَّلُ : فَالصَّوْمُ فِي الْقِسْمَةِ الْأُولَى وَيَنْقَسِمُ إلَى : لُغَوِيٍّ ، وَشَرْعِيٍّ ، أَمَّا اللُّغَوِيُّ : فَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمُطْلَقُ ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَيُسَمَّى الْمُمْسِكُ عَنْ الْكَلَامِ وَهُوَ الصَّامِتُ صَائِمًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } أَيْ صَمْتًا وَيُسَمَّى الْفَرَسُ الْمُمْسِكُ عَنْ الْعَلَفِ صَائِمًا قَالَ الشَّاعِرُ : خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا أَيْ : مُمْسِكَةٌ عَنْ الْعَلَفِ ، وَغَيْرُ مُمْسِكَةٍ . وَأَمَّا الشَّرْعِيُّ : فَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ : الْأَكْلُ ، وَالشُّرْبُ ، وَالْجِمَاعُ ، بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ نَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ الشَّرْعِيُّ يَنْقَسِمُ إلَى : فَرْضٍ ، وَوَاجِبٍ ، وَتَطَوُّعٍ ، وَالْفَرْضُ يَنْقَسِمُ إلَى : عَيْنٍ ، وَدَيْنٍ ، فَالْعَيْنُ : مَا لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ ، إمَّا بِتَعْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى كَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَصَوْمِ التَّطَوُّعِ خَارِجَ رَمَضَانَ ، لِأَنَّ خَارِجَ رَمَضَانَ مُتَعَيَّنٌ لِلنَّفْلِ شَرْعًا ، وَإِمَّا بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّةِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ : الْكِتَابُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَالْإِجْمَاعُ ، وَالْمَعْقُولُ ، أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وَقَوْلُهُ { كُتِبَ عَلَيْكُمْ } أَيْ : فُرِضَ ، وقَوْله تَعَالَى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وَأَمَّا السُّنَّةُ : فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ : { أَيّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ } وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ : فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى فَرْضِيَّةِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، لَا يَجْحَدُهَا إلَّا كَافِرٌ . وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا : أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إلَى شُكْرِ النِّعْمَةِ إذْ هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْأَكْلِ ، وَالشُّرْبِ ، وَالْجِمَاعِ ، وَإِنَّهَا مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْلَاهَا ، وَالِامْتِنَاعُ عَنْهَا زَمَانًا مُعْتَبَرًا يُعَرِّفُ قَدْرَهَا ، إذْ النِّعَمُ مَجْهُولَةٌ فَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ ، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ حَقِّهَا بِالشُّكْرِ ، وَشُكْرُ النِّعَمِ فَرْضٌ عَقْلًا ، وَشَرْعًا ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الرَّبُّ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ فِي آيَةِ الصِّيَامِ { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى التَّقْوَى لِأَنَّهُ إذَا انْقَادَتْ نَفْسُهُ لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الْحَلَالِ طَمَعًا فِي مَرْضَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَخَوْفًا مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ فَأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الْحَرَامِ ، فَكَانَ الصَّوْمُ سَبَبًا لِلِاتِّقَاءِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنَّهُ فَرْضٌ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ آيَةِ الصَّوْمِ { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، وَالثَّالِثُ : أَنَّ فِي الصَّوْمِ قَهْرَ الطَّبْعِ ، وَكَسْرَ الشَّهْوَةِ ، لِأَنَّ النَّفْسَ إذَا شَبِعَتْ تَمَنَّتْ الشَّهَوَاتِ ، وَإِذَا جَاعَتْ امْتَنَعَتْ عَمَّا تَهْوَى ، وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ خَشِيَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ } فَكَانَ الصَّوْمُ ذَرِيعَةً إلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي وَإِنَّهُ فَرْضٌ . وَأَمَّا صَوْمُ الدَّيْنِ : فَمَا لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ ، كَصَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ ، وَصَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَالظِّهَارِ ، وَالْيَمِينِ ، وَالْإِفْطَارِ ، وَصَوْمِ الْمُتْعَةِ ، وَصَوْمِ فِدْيَةِ الْحَلْقِ ، وَصَوْمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ ، وَصَوْمِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ ، وَصَوْمِ الْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا ، ثُمَّ بَعْضُ هَذِهِ الصِّيَامَاتِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ الْعَيْنِ ، وَالدَّيْنِ مُتَتَابِعٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مُتَتَابِعٍ ، بَلْ صَاحِبُهَا فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ ، أَمَّا الْمُتَتَابِعُ : فَصَوْمُ رَمَضَانَ ، وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَالظِّهَارِ ، وَالْإِفْطَارِ ، وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عِنْدَنَا ، أَمَّا صَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَالظِّهَارِ : فَلِأَنَّ التَّتَابُعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } . وَأَمَّا صَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ : فَقَدْ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ) . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : التَّتَابُعُ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَمَوْضِعُ الْمَسْأَلَةِ كِتَابُ الْكَفَّارَاتِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ بِالْجِمَاعِ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ : صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . وَأَمَّا صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ : فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِصَوْمِ الشَّهْرِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ، وَالشَّهْرُ مُتَتَابِعٌ لِتَتَابُعِ أَيَّامِهِ ، فَيَكُونُ صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا ضَرُورَةً ، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ الْمَنْذُورُ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ، بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرَ رَجَبٍ ، يَكُونُ مُتَتَابِعًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ . وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَتَابِعِ : فَصَوْمُ قَضَاءِ رَمَضَانَ ، وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ ، وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْحَلْقِ ، وَصَوْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ ، وَصَوْمُ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ ، وَصَوْمُ الْيَمِينِ ، لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ذُكِرَ مُطْلَقًا عَنْ صِفَةِ التَّتَابُعِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } أَيْ : فَأَفْطَرَ فَلْيَصُمْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَوْمِ الْمُتْعَةِ : { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَفَّارَةِ الْحَلْقِ : { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ : { أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الصِّيَامَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ التَّتَابُعِ . وَكَذَا النَّاذِرُ ، وَالْحَالِفُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ ، وَالْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ ، ذُكِرَ الصَّوْمُ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ التَّتَابُعِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي صَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ : إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّتَابُعُ ، لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَتَابِعًا ، وَاحْتَجُّوا بِقِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ الْآيَةَ " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ " فَيُزَادُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَصْفُ التَّتَابُعِ بِقِرَاءَتِهِ كَمَا زِيدَ وَصْفُ التَّتَابُعِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ ، وَالْأَدَاءُ وَجَبَ مُتَتَابِعًا فَكَذَا الْقَضَاءُ . ( وَلَنَا ) مَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ عَلِيٍّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ غَيْرَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إنَّهُ يُتَابِعُ لَكِنَّهُ إنْ فَرَّقَ جَازَ وَهَذَا مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّتَابُعَ أَفْضَلُ وَلَوْ كَانَ التَّتَابُعُ شَرْطًا لَمَا احْتَمَلَ الْخَفَاءَ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ وَلَمَا احْتَمَلَ مُخَالَفَتَهُمْ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ لَوْ عَرَفُوهُ . وَبِهَذَا الْإِجْمَاعِ تَبَيَّنَ أَنَّ قِرَاءَةَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ لَوْ ثَبَتَتْ فَهِيَ عَلَى النَّدْبِ ، وَالِاسْتِحْبَابِ دُونَ الِاشْتِرَاطِ ، إذْ لَوْ كَانَتْ ثَابِتَةً وَصَارَتْ كَالْمَتْلُوِّ وَكَانَ الْمُرَادُ بِهَا الِاشْتِرَاطَ لَمَا احْتَمَلَ الْخِلَافَ مِنْ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، بِخِلَافِ ذِكْرِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ ، فَصَارَ كَالْمَتْلُوِّ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِهِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : إنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ ، وَالْأَدَاءُ وَجَبَ مُتَتَابِعًا ، فَنَقُولُ : التَّتَابُعُ فِي الْأَدَاءِ مَا وَجَبَ لِمَكَانِ الصَّوْمِ ، لِيُقَالَ : أَيْنَمَا كَانَ الصَّوْمُ كَانَ التَّتَابُعُ شَرْطًا ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِأَجْلِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ صَوْمُ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ وَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ إلَّا بِصِفَةِ التَّتَابُعِ ، فَكَانَ لُزُومُ التَّتَابُعِ لِضَرُورَةِ تَحْصِيلِ الصَّوْمِ فِي هَذَا الْوَقْتِ . وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ : أَنَّ كُلَّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ الْفِعْلِ وَهُوَ الصَّوْمُ وَيَكُونُ التَّتَابُعُ شَرْطًا فِيهِ حَيْثُ دَارَ الْفِعْلُ ، وَكُلُّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ الْوَقْتِ فَفَوْتُ ذَلِكَ الْوَقْتِ يُسْقِطُ التَّتَابُعَ وَإِنْ بَقِيَ الْفِعْلُ وَاجِبَ الْقَضَاءِ ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَعْبَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ شَعْبَانَ مُتَتَابِعًا ، لَكِنَّهُ إنْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْهُ يَقْضِي إنْ شَاءَ مُتَتَابِعًا ، وَإِنْ شَاءَ مُتَفَرِّقًا ، لِأَنَّ التَّتَابُعَ هَهُنَا لِمَكَانِ الْوَقْتِ ، فَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا ، يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ مُتَتَابِعًا ، لَا يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ إلَّا بِهِ ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي وَسَطِ الشَّهْرِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ لِأَنَّ التَّتَابُعَ ذُكِرَ لِلصَّوْمِ فَكَانَ الشَّرْطُ هُوَ وَصْلَ الصَّوْمِ بِعَيْنِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ أَبَدًا ، وَعَلَى هَذَا صَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَالظِّهَارِ ، وَالْيَمِينِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ لِعَيْنِ الصَّوْمِ لَا يَسْقُطُ أَبَدًا إلَّا بِالْأَدَاءِ مُتَتَابِعًا ، وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ التَّتَابُعُ لِأَجْلِ نَفْسِ الصَّوْمِ فَمَا لَمْ يُؤَدِّهِ عَلَى وَصْفِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَإِذَا وَجَبَ لِضَرُورَةِ قَضَاءِ حَقِّ الْوَقْتِ ، أَوْ شَرْطِ التَّتَابُعِ لَوَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ ، فَيَقَعُ جَمِيعُ الصَّوْمِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ بِمُرَاعَاةِ حَقِّهِ بِالصَّوْمِ فِيهِ ، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَوَقَعَ عَامَّةُ الصَّوْمِ فِيهِ ، وَبَعْضُهُ فِي غَيْرِهِ ، فَكَانَ أَقْرَبَ إلَى قَضَاءِ حَقِّ الْوَقْتِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَا قُلْنَا مِنْ قَضَاءِ حَقِّ الْوَقْتِ : أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ فِي بَعْضِهِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَلَوْ كَانَ التَّتَابُعُ شَرْطًا لِلصَّوْمِ لَوَجَبَ كَمَا فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ بِصِفَةِ التَّتَابُعِ ، وَكَمَا فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، وَالْيَمِينِ ، وَالْقَتْلِ ، وَكَذَا لَوْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ ثُمَّ بَرِئَ فِي الشَّهْرِ وَصَامَ الْبَاقِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَصْلُ الْبَاقِي بِشَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى إذَا مَضَى يَوْمُ الْفِطْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ عَنْ الْقَضَاءِ مُتَّصِلًا بِيَوْمِ الْفِطْرِ ، كَمَا فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَالْإِفْطَارِ ، إذَا أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ بِسَبَبِ الْحَيْضِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ خُلُوُّ شَهْرٍ عَنْهُ ، إنَّهَا كَمَا طَهُرَتْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَصِلَ ، وَتُتَابِعَ ، حَتَّى لَوْ تَرَكَتْ يَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِقْبَالُ ، وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ شَوَّالًا مُتَّصِلًا وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا آخَرَ . فَدَلَّ أَنَّ التَّتَابُعَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لِأَجْلِ الصَّوْمِ بَلْ لِأَجْلِ الْوَقْتِ ، فَيَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الصَّوْمُ الْوَاجِبُ : فَصَوْمُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ ، وَصَوْمُ قَضَائِهِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ ، وَصَوْمُ الِاعْتِكَافِ عِنْدَنَا ، أَمَّا مَسْأَلَةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ بِالشُّرُوعِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ : فَقَدْ مَضَتْ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ . وَأَمَّا وُجُوبُ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ : فَنَذْكُرُهُ فِي الِاعْتِكَافِ ، وَأَمَّا التَّطَوُّعُ : فَهُوَ صَوْمُ النَّفْلِ خَارِجَ رَمَضَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ أَقْسَامِ الصِّيَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
و السلام.عليكم ورحمة.الله وبركاته
الحمد لله.رب.العالمين والصلاة والسلام على أشرف.الأنبياء والمرسلين وبعد:
السلام.عليكم ورحمة.الله وبركاته
فصل أنواع الصيام
( كِتَابُ الصَّوْمِ ) . الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الصِّيَامِ ، وَصِفَةِ كُلِّ نَوْعٍ ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِهَا ، وَفِي بَيَانِ أَرْكَانِهَا ، وَيَتَضَمَّنُ بَيَانَ مَا يُفْسِدُهَا وَفِي بَيَانِ حُكْمِهَا إذَا فَسَدَتْ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الصَّوْمِ الْمُؤَقَّتِ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يُسَنُّ وَمَا يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ وَمَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ ، أَمَّا الْأَوَّلُ : فَالصَّوْمُ فِي الْقِسْمَةِ الْأُولَى وَيَنْقَسِمُ إلَى : لُغَوِيٍّ ، وَشَرْعِيٍّ ، أَمَّا اللُّغَوِيُّ : فَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمُطْلَقُ ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَيُسَمَّى الْمُمْسِكُ عَنْ الْكَلَامِ وَهُوَ الصَّامِتُ صَائِمًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } أَيْ صَمْتًا وَيُسَمَّى الْفَرَسُ الْمُمْسِكُ عَنْ الْعَلَفِ صَائِمًا قَالَ الشَّاعِرُ : خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا أَيْ : مُمْسِكَةٌ عَنْ الْعَلَفِ ، وَغَيْرُ مُمْسِكَةٍ . وَأَمَّا الشَّرْعِيُّ : فَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ : الْأَكْلُ ، وَالشُّرْبُ ، وَالْجِمَاعُ ، بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ نَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ الشَّرْعِيُّ يَنْقَسِمُ إلَى : فَرْضٍ ، وَوَاجِبٍ ، وَتَطَوُّعٍ ، وَالْفَرْضُ يَنْقَسِمُ إلَى : عَيْنٍ ، وَدَيْنٍ ، فَالْعَيْنُ : مَا لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ ، إمَّا بِتَعْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى كَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَصَوْمِ التَّطَوُّعِ خَارِجَ رَمَضَانَ ، لِأَنَّ خَارِجَ رَمَضَانَ مُتَعَيَّنٌ لِلنَّفْلِ شَرْعًا ، وَإِمَّا بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّةِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ : الْكِتَابُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَالْإِجْمَاعُ ، وَالْمَعْقُولُ ، أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وَقَوْلُهُ { كُتِبَ عَلَيْكُمْ } أَيْ : فُرِضَ ، وقَوْله تَعَالَى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وَأَمَّا السُّنَّةُ : فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ : { أَيّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ } وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ : فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى فَرْضِيَّةِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، لَا يَجْحَدُهَا إلَّا كَافِرٌ . وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا : أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إلَى شُكْرِ النِّعْمَةِ إذْ هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْأَكْلِ ، وَالشُّرْبِ ، وَالْجِمَاعِ ، وَإِنَّهَا مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْلَاهَا ، وَالِامْتِنَاعُ عَنْهَا زَمَانًا مُعْتَبَرًا يُعَرِّفُ قَدْرَهَا ، إذْ النِّعَمُ مَجْهُولَةٌ فَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ ، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ حَقِّهَا بِالشُّكْرِ ، وَشُكْرُ النِّعَمِ فَرْضٌ عَقْلًا ، وَشَرْعًا ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الرَّبُّ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ فِي آيَةِ الصِّيَامِ { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى التَّقْوَى لِأَنَّهُ إذَا انْقَادَتْ نَفْسُهُ لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الْحَلَالِ طَمَعًا فِي مَرْضَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَخَوْفًا مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ فَأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الْحَرَامِ ، فَكَانَ الصَّوْمُ سَبَبًا لِلِاتِّقَاءِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنَّهُ فَرْضٌ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ آيَةِ الصَّوْمِ { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، وَالثَّالِثُ : أَنَّ فِي الصَّوْمِ قَهْرَ الطَّبْعِ ، وَكَسْرَ الشَّهْوَةِ ، لِأَنَّ النَّفْسَ إذَا شَبِعَتْ تَمَنَّتْ الشَّهَوَاتِ ، وَإِذَا جَاعَتْ امْتَنَعَتْ عَمَّا تَهْوَى ، وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ خَشِيَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ } فَكَانَ الصَّوْمُ ذَرِيعَةً إلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي وَإِنَّهُ فَرْضٌ . وَأَمَّا صَوْمُ الدَّيْنِ : فَمَا لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ ، كَصَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ ، وَصَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَالظِّهَارِ ، وَالْيَمِينِ ، وَالْإِفْطَارِ ، وَصَوْمِ الْمُتْعَةِ ، وَصَوْمِ فِدْيَةِ الْحَلْقِ ، وَصَوْمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ ، وَصَوْمِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ ، وَصَوْمِ الْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا ، ثُمَّ بَعْضُ هَذِهِ الصِّيَامَاتِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ الْعَيْنِ ، وَالدَّيْنِ مُتَتَابِعٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مُتَتَابِعٍ ، بَلْ صَاحِبُهَا فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ ، أَمَّا الْمُتَتَابِعُ : فَصَوْمُ رَمَضَانَ ، وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَالظِّهَارِ ، وَالْإِفْطَارِ ، وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عِنْدَنَا ، أَمَّا صَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَالظِّهَارِ : فَلِأَنَّ التَّتَابُعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } . وَأَمَّا صَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ : فَقَدْ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ) . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : التَّتَابُعُ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَمَوْضِعُ الْمَسْأَلَةِ كِتَابُ الْكَفَّارَاتِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ بِالْجِمَاعِ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ : صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . وَأَمَّا صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ : فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِصَوْمِ الشَّهْرِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ، وَالشَّهْرُ مُتَتَابِعٌ لِتَتَابُعِ أَيَّامِهِ ، فَيَكُونُ صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا ضَرُورَةً ، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ الْمَنْذُورُ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ، بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرَ رَجَبٍ ، يَكُونُ مُتَتَابِعًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ . وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَتَابِعِ : فَصَوْمُ قَضَاءِ رَمَضَانَ ، وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ ، وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْحَلْقِ ، وَصَوْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ ، وَصَوْمُ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ ، وَصَوْمُ الْيَمِينِ ، لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ذُكِرَ مُطْلَقًا عَنْ صِفَةِ التَّتَابُعِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } أَيْ : فَأَفْطَرَ فَلْيَصُمْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَوْمِ الْمُتْعَةِ : { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَفَّارَةِ الْحَلْقِ : { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ : { أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الصِّيَامَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ التَّتَابُعِ . وَكَذَا النَّاذِرُ ، وَالْحَالِفُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ ، وَالْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ ، ذُكِرَ الصَّوْمُ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ التَّتَابُعِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي صَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ : إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّتَابُعُ ، لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَتَابِعًا ، وَاحْتَجُّوا بِقِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ الْآيَةَ " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ " فَيُزَادُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَصْفُ التَّتَابُعِ بِقِرَاءَتِهِ كَمَا زِيدَ وَصْفُ التَّتَابُعِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ ، وَالْأَدَاءُ وَجَبَ مُتَتَابِعًا فَكَذَا الْقَضَاءُ . ( وَلَنَا ) مَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ عَلِيٍّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ غَيْرَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إنَّهُ يُتَابِعُ لَكِنَّهُ إنْ فَرَّقَ جَازَ وَهَذَا مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّتَابُعَ أَفْضَلُ وَلَوْ كَانَ التَّتَابُعُ شَرْطًا لَمَا احْتَمَلَ الْخَفَاءَ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ وَلَمَا احْتَمَلَ مُخَالَفَتَهُمْ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ لَوْ عَرَفُوهُ . وَبِهَذَا الْإِجْمَاعِ تَبَيَّنَ أَنَّ قِرَاءَةَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ لَوْ ثَبَتَتْ فَهِيَ عَلَى النَّدْبِ ، وَالِاسْتِحْبَابِ دُونَ الِاشْتِرَاطِ ، إذْ لَوْ كَانَتْ ثَابِتَةً وَصَارَتْ كَالْمَتْلُوِّ وَكَانَ الْمُرَادُ بِهَا الِاشْتِرَاطَ لَمَا احْتَمَلَ الْخِلَافَ مِنْ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، بِخِلَافِ ذِكْرِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ ، فَصَارَ كَالْمَتْلُوِّ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِهِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : إنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ ، وَالْأَدَاءُ وَجَبَ مُتَتَابِعًا ، فَنَقُولُ : التَّتَابُعُ فِي الْأَدَاءِ مَا وَجَبَ لِمَكَانِ الصَّوْمِ ، لِيُقَالَ : أَيْنَمَا كَانَ الصَّوْمُ كَانَ التَّتَابُعُ شَرْطًا ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِأَجْلِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ صَوْمُ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ وَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ إلَّا بِصِفَةِ التَّتَابُعِ ، فَكَانَ لُزُومُ التَّتَابُعِ لِضَرُورَةِ تَحْصِيلِ الصَّوْمِ فِي هَذَا الْوَقْتِ . وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ : أَنَّ كُلَّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ الْفِعْلِ وَهُوَ الصَّوْمُ وَيَكُونُ التَّتَابُعُ شَرْطًا فِيهِ حَيْثُ دَارَ الْفِعْلُ ، وَكُلُّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ الْوَقْتِ فَفَوْتُ ذَلِكَ الْوَقْتِ يُسْقِطُ التَّتَابُعَ وَإِنْ بَقِيَ الْفِعْلُ وَاجِبَ الْقَضَاءِ ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَعْبَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ شَعْبَانَ مُتَتَابِعًا ، لَكِنَّهُ إنْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْهُ يَقْضِي إنْ شَاءَ مُتَتَابِعًا ، وَإِنْ شَاءَ مُتَفَرِّقًا ، لِأَنَّ التَّتَابُعَ هَهُنَا لِمَكَانِ الْوَقْتِ ، فَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا ، يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ مُتَتَابِعًا ، لَا يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ إلَّا بِهِ ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي وَسَطِ الشَّهْرِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ لِأَنَّ التَّتَابُعَ ذُكِرَ لِلصَّوْمِ فَكَانَ الشَّرْطُ هُوَ وَصْلَ الصَّوْمِ بِعَيْنِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ أَبَدًا ، وَعَلَى هَذَا صَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَالظِّهَارِ ، وَالْيَمِينِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ لِعَيْنِ الصَّوْمِ لَا يَسْقُطُ أَبَدًا إلَّا بِالْأَدَاءِ مُتَتَابِعًا ، وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ التَّتَابُعُ لِأَجْلِ نَفْسِ الصَّوْمِ فَمَا لَمْ يُؤَدِّهِ عَلَى وَصْفِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَإِذَا وَجَبَ لِضَرُورَةِ قَضَاءِ حَقِّ الْوَقْتِ ، أَوْ شَرْطِ التَّتَابُعِ لَوَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ ، فَيَقَعُ جَمِيعُ الصَّوْمِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ بِمُرَاعَاةِ حَقِّهِ بِالصَّوْمِ فِيهِ ، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَوَقَعَ عَامَّةُ الصَّوْمِ فِيهِ ، وَبَعْضُهُ فِي غَيْرِهِ ، فَكَانَ أَقْرَبَ إلَى قَضَاءِ حَقِّ الْوَقْتِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَا قُلْنَا مِنْ قَضَاءِ حَقِّ الْوَقْتِ : أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ فِي بَعْضِهِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَلَوْ كَانَ التَّتَابُعُ شَرْطًا لِلصَّوْمِ لَوَجَبَ كَمَا فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ بِصِفَةِ التَّتَابُعِ ، وَكَمَا فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، وَالْيَمِينِ ، وَالْقَتْلِ ، وَكَذَا لَوْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ ثُمَّ بَرِئَ فِي الشَّهْرِ وَصَامَ الْبَاقِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَصْلُ الْبَاقِي بِشَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى إذَا مَضَى يَوْمُ الْفِطْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ عَنْ الْقَضَاءِ مُتَّصِلًا بِيَوْمِ الْفِطْرِ ، كَمَا فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَالْإِفْطَارِ ، إذَا أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ بِسَبَبِ الْحَيْضِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ خُلُوُّ شَهْرٍ عَنْهُ ، إنَّهَا كَمَا طَهُرَتْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَصِلَ ، وَتُتَابِعَ ، حَتَّى لَوْ تَرَكَتْ يَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِقْبَالُ ، وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ شَوَّالًا مُتَّصِلًا وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا آخَرَ . فَدَلَّ أَنَّ التَّتَابُعَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لِأَجْلِ الصَّوْمِ بَلْ لِأَجْلِ الْوَقْتِ ، فَيَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الصَّوْمُ الْوَاجِبُ : فَصَوْمُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ ، وَصَوْمُ قَضَائِهِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ ، وَصَوْمُ الِاعْتِكَافِ عِنْدَنَا ، أَمَّا مَسْأَلَةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ بِالشُّرُوعِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ : فَقَدْ مَضَتْ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ . وَأَمَّا وُجُوبُ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ : فَنَذْكُرُهُ فِي الِاعْتِكَافِ ، وَأَمَّا التَّطَوُّعُ : فَهُوَ صَوْمُ النَّفْلِ خَارِجَ رَمَضَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ أَقْسَامِ الصِّيَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
و السلام.عليكم ورحمة.الله وبركاته