تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سافر تجد عوضاً عمَّن تفارقهُ وَانْصِبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ


أبو همام الجزائري
2015-09-28, 20:28
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال الشافعي_رحمه الله_ :
ما في المقامِ لذي عقلٍ وذي أدبِ
مِنْ رَاحَة ٍ فَدعِ الأَوْطَانَ واغْتَرِبِ

سافر تجد عوضاً عمَّن تفارقهُ
وَانْصِبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ

إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ
إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ

والأسدُ لولا فراقُ الأرض ما افترست
والسَّهمُ لولا فراقُ القوسِ لم يصب

والشمس لو وقفت في الفلكِ دائمةً
لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنَ عَرَبِ

والتَّبْرَ كالتُّرْبَ مُلْقَى ً في أَمَاكِنِهِ
والعودُ في أرضه نوعً من الحطب

فإن تغرَّب هذا عزَّ مطلبهُ
وإنْ تَغَرَّبَ ذَاكَ عَزَّ كالذَّهَبِ
******************
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا ** وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفـرج هم واكتـساب معـيشة ** وعلـمٌ وآداب وصحبة ماجد
وإن قيـل في الأسـفار ذل ومحنة ** وقطع الفيافي وارتكاب الشدائد
فمـوت الفتى خير لـه من مقامه ** بدار هـوان بين واش وحاسد

قال إبراهيم الحربي -رحمه الله- (198-285هــ) لرفاقه :
من تعدون الغريب في زمانكم هذا؟
فقال واحد منهم: الغريب من نأى عن وطنه،
وقال آخر: الغريب من فارق أحبابه،
وقال كل واحد منهم شيئاً،
فقال إبراهيم: الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين،
إن أمر بالمعروف آزروه، وإن نهى عن منكر أعانوه،
وإن احتاج إلى سبب من الدنيا مانوه،
ثم ماتوا وتركوه ـ
كأن إبراهيم يعني بذلك نفسه.

منقول

ريـاض
2015-09-29, 18:03
بارك الله فيكم


وقال الطغرائي في لاميته المشهورة -لامية العجم- :

إن العُلَى حدَّثتِني وهي صادقةٌ ... في ما تُحدِّثُ أنَّ العزَّ في النُقَلِ
لو أنَّ في شرفِ المأوى بلوغَ مُنَىً ... لم تبرحِ الشمسُ يوماً دارةَ الحَمَلِ

ويقول ابن الوردي في لاميته المشهورة :

حبُّكَ الأوطانَ عجزٌ ظاهرٌ ... فاغتربْ تلْقَ عنِ الأهلِ بدلْ
فبمكثِ الماءِ يبقى آسناً ... وسُرى البدرِ بهِ البدرُ اكتملْ

ريـاض
2015-09-29, 19:01
باب السَّفر والاغتراب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السفر قطعةٌ من العذاب، فإذا قضى أحدكم نهمته
من سفره فليعجِّل الرجوع إلى أهله".
وزاد بعضهم في هذا الحديث"السفر قطعة من العذاب، فاقطعوه بالدُّلجة".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:تلقَّوا الحاجَّ ولا تشّيعوهم.
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم:"سافروا تصحّوا وتغنموا".
وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
"ما مات ميت بأرض غربةٍ إلا قيس له من مسقط رأسه إلى منقطع أثره في الجنة".
ومن حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلَّم، قال: "موت الغريب شهادة".
ومن حديث أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "من مات غريباً مات شهيداً".
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العباد عباد الله، والبلاد بلاد الله، فأينما وجدت
الخير فأقم واتق الله".
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه -ومنهم من يرفعه - قال: من سعادة المرء
أن تكون زوجته موافقة، وأولاده أبراراً، وإخوانه صالحين، ورزقه في بلده الذي فيه أهله.
مكتوبٌ في التوراة: ابن آدم أحدث سفراً أحدث لك رزقاً.
قالت العرب: من أجدب انتجع.
قيل لأعرابيّ أين منزلك؟ قال: بحيث ينزل الغيث.
من أمثال العامة: البركات مع الحركات.
وقالوا: ربما أسفر السَّفر عن الظَّفر.
قال البحتري:
وإذا الزَّمان كساك حلَّة معدمٍ *** فالبس لها حلل النَّوى وتغرَّب
وقال زهير:
ومن يغترب يحسب عدوَّاً صديقه *** ومن لا يكرِّم نفسه لا يكرَّم
وقال الأعشى:
ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى *** مصارع مظلومٍ مجرّاً ومسحبا
وتدفن منه الصَّالحات وإن يسيء *** يكن ماأساء النَّار في رأس كبكبا
وقال آخر:
إنَّ الغريب بأرضٍ لا عشير بها *** كبائع الرِّيح لا يعطى به ثمنا
وقال سابق:
لا ألفينَّك ثاوياً في غربةٍ *** إنَّ الغريب بكلِّ سهمٍ يرشق
وقال آخر:
فلم أرعزَّ المرء إلاَّ عشيرةً *** ولم أر ذلاً مثل نأيٍ عن الأهل
وقال آخر:
إنِّي الغريب فما ألام على البكا *** إنَّ البكا حسنٌ بكلِّ غريب
وقال آخر:
يجازى بالَّذي تجد القلوب *** ويأنس بابن بلدته الغريب
وصادفني غريبٌ فالتقينا *** وكلُّ مساعدٍ فهو القريب
وقال آخر:
تغرَّبت عن أهلي أؤمِّل ثروةً *** فلم أعط آمالي وطال التَّغرُّب
فما للفتى المحتال في الرِّزق حيلةٌ *** ولا لجدودٍ جدَّها الله مذهب
وقال كعب بن زهير:
فقرِّي في بلادك إنَّ قوماً *** متى يدعوا بلادهم يهونوا
وقال آخر:
ليس ارتحالك تزداد الغنى سفراً *** بل المقام على خسفٍ هو السَّفر
قالوا: ترك الوطن أحد اليسارين.
قال الشاعر:
وماالموت إلاَّرحلةٌ غير أنَّها *** من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي
وقال آخر:
لقرب الدَّار في الإقتار خيرٌ *** من العيش الموسَّع في اغتراب
وقال آخر:
ومهمةٍ فيها السَّراب يسبح *** يدأب فيه القوم حين يصبح
كأنَّما ثووا بحيث أصبحوا *** الَّليل أخفى والنَّهار أفضح
قالوا: إذا كنت في غير بلدك، فلا تنس نصيبك من الذل.
وأنشدوا:
إنَّ الغريب له استكانة مذنبٍ *** وخضوع مديانٍ وذلٌ مريب
وقال آخر:
إذا كنت في قومٍ عداً لست منهم *** فكل ما علفت من خبيثٍ وطيِّبٍ
وقال آخر:
إنّ الغريب وإن أقام ببلدةٍ *** يهدى إليه خراجها لغريب
وقال آخر:
غريبٌ يقاسي الهمَّ في أرض غربةٍ *** فياربِّ قرِّب دار كلِّ غريب
قالوا: الغريب كغرس ذابل ماتت أرضه، ونفد شربه.
قال النمر بن تولب:
إذا كنت في سعدٍ وأمُّك منهم *** غريباً فلا يغررك خالك من سعد
فإنّ ابن أخت القوم مصغىً إناؤه *** إذا لم يزاحم خاله بأبٍ جلد
قالت العرب: ليس بينك وبين بلاد نسب، خير البلاد ما حملك.
وقال آخر:
ليس الفتى بفتىً لا يستضاء به *** ولا يكون له في الأرض آثار
وقال آخر:
سل الله الإياب من المغيب *** فكم قد ردَّ مثلك من غريب
سلِّ الهمَّ عنك بحسن ظنٍ *** ولا تيأس من الفرج القريب
قال بعض العقلاء: أعرف بيتاً قد بيّت أكثر من مائة ألف رجل في المساجد، وفي غير
أوطانهم، وهو:
فسر في بلاد الله والتمس الغنى *** تمش ذا يسارٍ أو تموت فتعذرا
قال خالد بن صفوان: في السفر ثلاثة معان:الأول الغرم، الثاني القدرة، والثالث الرحيل.
كان يقال: فقد الأحبة غربة.
قال الشاعر:
إذا مامضى القرن الَّذي أنت فيهم *** وخلِّفت في قرنٍ فأنت غريب
وقال لبيد بن ربيعة:
لعمرك مايدريك إلاَّ تظنِّياً *** إذا رحل السُّفار من هو راجع
لعمرك ماتدري الطَّوارق بالحصى *** ولا زاجرات الطَّير ما الله صانع
وقال علي بن الجهم:
يارحمتا للغريب في البلدالنَّا *** زح ماذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا *** بالعيش من بعده ولا انتفعا
يقول في نأيه وغربته *** عدلٌ من الله كلُّ ما صنعا
أراد أعرابي السفر فقال لامرأته -وقيل إنه الحطيئة-:
عدِّي الِّسنين لغيبتي وتصبَّري *** وذري الشُّهور فإنَّهنَّ قصار
فأجابته:
اذكر صبابتنا إليك وشوقنا *** وارحم بناتك إنَّهنَّ صغار
فأقام وترك سفره.
قال امرؤ القيس:
وقد طوَّفت في الآفاق حتَّى *** رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
طربت إلى الأصيبية الصِّغار *** وهاجك منهم قرب المزار
وكلُّ مسافرٍ يزداد شوقاً إذا دنت الدِّيار من الدِّيار
وقال جرير:
ولما التقى الحيَّان ألقيت العصا *** ومات الهوى لما أصببت مقاتله
وقال آخر:
سررت بجعفرٍ والقرب منه *** كما سرَّ المسافر بالإياب
وكنت بقربه إذ حلَّ أرضى *** أميراً بالسَّكينة والصَّواب
كممطورٍ ببلدته فأضحى *** غنيّاً عن مطالبة السَّحاب
وقال آخر، وحكى صاحب البيان أنه لمضرَّس الأسدي:
مقلٌ رأى الإفلال عاراً فلم يزل *** يجوب بلاد الله حتَّى تموَّلا
إذا جاب أرضاً أو ظلاماً رمت به *** مهامه أخرى عيسه متقلقلا
ولم يثنه عمَّا أراد مهابةٌ *** ولكن مضى قدماً وما كان مبسلا
فلمَّا أفاد المال جاد بفضله *** لمن جاءه يرجو نداه مؤمِّلا
وقال آخر، وهو الأحمر بن سالم المزني:
فألقت عصاها واستقرّ بها النَّوى *** كماقرَّعيناً بالإياب المسافر
وقال آخر:
إذا نحن أبنا سالمين بأنفسٍ *** كرامٍ رجت أمراً فخاب رجاؤها
فأنفسنا خير الغنيمة إنَّها *** تؤوب وفيها ماؤها وحياؤها
وقال آخر:
رجعنا سالمين كما بدأنا *** وما خابت غنيمة سالمينا
وماتدرين أيُّ الأمر خيرٌ *** أما تهوين أم ما تكرهينا
قال عوف بن محلِّم:عادلت عبد الله بن طاهر إلى خراسان، فدخلنا الرُّيّ في السحر فإذا
قمرية تغرد على فنن شجرة، فقال عبد الله:أحسن والله أبو كبير في قوله:
ألاياحمام الأيك إلفك حاضرٌ *** وغصنك ميَّادٌ ففيم تنوح
ثم قال: يا عوف أجزها. فقلت: شيخ كبير،وحملت على البديهة، وهي معارضة أبي
كبير،ثم انفتح لي شيء، فقلت:
أفي كلِّ عامٍ غربةٌ ونزوح *** أما للنَّوى من ونيةٍ فتريح
لقد طلح البين المشتُّ ركائبي *** فهل أرينَّ البين وهو طليح
وأرَّقني بالرَّيِّ نوح حمامةٍ *** فنحت وذو الشَّجو القريح ينوح
على أنَّها ناحت ولم تذر عبرةً *** ونحت وأسراب الدُّموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما *** ومن دون أفراخي مهامه فيح
وذكر تمام الخبر.
كان يقال: من لم يرزق ببلدة فليتحوّل إلى أخرى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:"الأرض أرض الله،والعباد عباد الله، فحيث وجد
أحدكم رزقه،فليتق الله وليقم".
قال عبد الله بن أبي الشّيص:
أظنُّ الدَّهر قد آلا فبرَّا *** بألاَّ يكسب الأموال حرَّاً
لقد قعد الزَّمان بكلِّ حرٍّ *** ونقّض من قواه المستمرَّا
كأنَّ صفائح الأحرار أردت *** أباه فحارب الأحرار طرَّا
فأصبح كلُّ ذي شرفٍ ركوباً *** لأعناق الدُّجى برَّاً وبحرا
فهتَّك جيب درع الَّليل عنه *** إذا ما جيب درع الَّليل زرَّا
يراقب للغنى وجهاً ضحوكاً *** ووجها للمنيَّة مكفهرَّا
فيكسب من أقاصي الأرض كسباً *** يحلُّ به المحلَّ المشمخرَّا
ومن جعل الظَّلام له قعوداً *** أضاء له الدُّجى خيراً وشرَّا
وقال آخر:
لا تصحبنَّ رفيقاً لست تأمنه *** شرُّ الرَّفيق رفيقٌ غير مأمون
أنشد نفطويه:
خاطر بنفسك لا تقعد بمعجزةٍ *** فليس حرٌ على عجزٍ بمعذور
إن لم تنل في مقامٍ ماتطالبه *** فأبل عذراً بادلاجٍ وتهجير
لن يبلغ المرء بالإحجام همَّته *** حتَّى يباشرها منه بتغيير
قالت بنت الأعشى:
أرانا إذا أضمرتك البلا *** د نجفى وتقطع منَّا الرّحم
إذا غبت عنَّا وخلَّفتنا *** فإنَّا سواءٌ ومن قد يتم
وقال آخر:
وقالت وعيناها تفيضان عبرةً *** أيا أملي خبِّر متى أنت راجع
فقلت لها تالله يدري مسافرٌ *** إذا أضمرته الأرض ما الله صانع
وقال آخر:
حتَّى متى أنا في حلٍّ وترحال *** وطول سعىٍ وإدبارٍ وإقبال
ونازح الدَّار لا أنفكُّ مغترباً *** عن الأحبَّة لا يدرون ما حالي
بمشرق الأرض طوراً ثمَّ مغربها *** لايخطر الموت من حرصي على بالي
ولو قنعت أتاني الرِّزق في دعةٍ *** إنَّ القنوع الغنى لا كثرة المال
أنشد الأصمعي لحاجب الفيل اليشكري:
لمَّا رأت بنتي بأنِّي مزمعٌ *** بترحُّلٍ من أرضها فمودِّع
ورأت ركابي قرِّبت لرحالها *** قالت وغرب العين منها يدمع
أبتا أتتركنا وتذهب تائهاً *** في الأرض تخفضك البلاد وترفع
فيضيع صبيتك الّذين تركتهم *** بمضيمةٍ في المصر لم يترعرعوا
فيهم صغيرٌ ليس ينفع نفسه *** وصغيرةٌ تبكي وطفلٌ يرضع
إنَّا سنرضى ما أقمت بعيشنا *** ماكان من شيءٍ نجوع ونشبع
والله يرزقنا فنرضى رزقه *** وكفى بحسن معيشة من يقنع
إنَّا إذا ما غبت عنَّا لم نجد *** ممَّا تخلَّف عندنا ما ينفع
تجفو موالينا ويعرض جارنا *** وقريبنا الأدنى يعزُّ ويقطع
ونخاف أن تلقاك وشك منيّةٍ *** فيصيبنا الأمر الجليل المفظع
فنصير بعدك ليس يرفع بيتنا *** ويذلُّنا أعداؤنا ونضيَّع
هذا الرَّحيل وأمرنا ماقد ترى *** فمتى تؤوب إلى الصِّغار وترجع
فخنقت من قول الصِّغار بعبرةٍ *** كاد الفؤاد لقولهم يتصدَّع
وأجبتها صبراً بنيَّة واعلمي *** أن ليس يعدو يومه من يجزع
وقال الغزال:
وكم ظاعنٍ قد ظنَّ أن ليس آيباً *** فآب وأودى حاضرون كثير
وإنَّ الَّذي أعظمته من تغرُّبي *** عليَّ -وإن أعظمت ذاك- يسير
رأيت المنايا يدرك العصم عدوها *** فينزلها والطَّير منه تطير
وعلِّي أمضي ثمَّ أرجع سالماً *** ويهلك بعدي آمنون حضور
جعلت أرجِّيها إيابي ومن غدا *** على مثل حالي لا يكاد يحور
وكيف أبالي والزَّمان قد انقضى *** وعظمي مهيضٌ والمكان شطير
وإنِّي وإن أظهرت منِّي تجلُّداً *** لذو كبدٍ حرَّي عليك حسير
وقال آخر:
يقيم الرِّجال الأغنياء بأرضهم *** وترمي النَّوى بالمقترين المراميا
فأكرم أخاك الدَّهر ما دمتما معاً *** كفى بالممات فرقةً وتنائيا
وقال الراجز:
إنَّ فراخاً كفراخ الأوكر *** بأرض بغداد وراء الأجسر
تركتهم كبيرهم كالأصغر *** عجزاً عن الحيلة والتَّشمر
ذكرى لديهم مثل طعم السُّكَّر *** ووجدهم بي مثل وجد الأعور
بعينه إذ ذهبت لم يبصر
التشمر: الاكتساب، شمرت لأهلي: أي اكتسبت لهم، وتشَّمر الشجر إذا أورق.
قال أبو الفتح البستيّ:
لئن تنقَّلت من دارٍ إلى دارٍ *** وصرت بعد ثواءٍ رهن أسفار
فالحرُّ حرٌ عزيز النَّفس حيث ثوى *** والشَّمس في كلِّ برج ذات أنوار
وقال غيره:
كفى حزناً أنِّي مقيمٌ ببلدةٍ *** وأنت بأخرى ما إليك سبيل
خرج الشافعي الفقيه رضي الله عنه في بعض أسفاره، فضمَّه الليل إلى مسجدٍ،فبات
فيه،وإذا في المسجد قوم عوامّ يتحدثون بضروب من الخنا وهجر المنطق، فتمثل:
وأنزلني طول النَّوى دار غربةٍ *** إذا شئت لاقيت امرءاً لا أشاكله
قال شريك:كان يقال: إن أنجى النَّاس من البلايا والفتن، من انتقل من بلدٍ إلى بلد.
قيل لبعضهم:أيُّ سفرٍ أطول؟ فقال: من كان في طلب صاحبٍ يرضاه، أودرهم حلالٍ
يكسبه.
قال حاتم الطَّائي:
إذا لزم النَّاس البيوت وجدتهم *** عماةً عن الأخبار خرق المكاسب
قال محمد بن أبي حازم الباهلي:
كم المقام وكم تعتافك العلل *** ما ضاقت الأرض في الدُّنيا ولا السُّبل
فارحل فإنّ بلاد الله ما خلقت *** إلا ليسلك منها السَّهل والجبل
إن ضاق لي بلدٌ يّممت لي بلداً *** وإن نبا منزلٌ بي، كان لي بدل
وإن تغيَّر لي عن ودِّه رجلٌ *** أصفى المودَّة لي من بعده رجل
لم يقطع الله لي من صاحب أملا *** إلاّ تجدَّد لي من صاحبٍ أمل
الله قد عوَّد الحسنى فما برحت *** منه لنا نعمٌ تترى وتتَّصل
يمسي ويصبح بي عمرٌ أدافعه *** برزق ربِّي حتى ينفد الأجل
وقال بعض المتأخرين من المغاربة،وتنسب إلى المتنبي، ولا تصح له:
رأيت المقام على الإقتصاد *** قنوعاً به ذلَّةً للعباد
وعجزٌ بذي أدبٍ أن يضيق *** به عيشه وسع هذي البلاد
وماغرب الرِّزق عن رائدٍ *** ولا سيما حسن الإرتياد
إذا ما الأديب ارتضى بالخمول *** فلاحظَّ في الأدب المستفاد
وفي الإضطراب وفي الإغتراب *** منال المنى وبلوغ المراد
وشرُّ الضَّراغم ضرغامةٌ *** طوى شبله وهو في الغيل هاد
وإن صارمٌ قرَّ في غمده *** حوى غيره الفضل يوم الجلاد
ولو يستوي بالنُّهوض القعود *** لما ذكر الله فضل الجهاد
إذا النَّار ضاق بها زندها *** ففسحتها في فراق الزِّناد
فدع موطناً واغد مسترزقاً *** كذا الرِّزق غادٍ إلى كلِّ غاد
ولا تفن عمرك خوف الفراق *** لبيضٍ ملاح وسمرٍ خراد
يطلن البكا عند شحط النَّوى *** ويأسين كلَّ الأسى في البعاد
فكم ترحةٍ من أسى فرقةٍ *** تعود سروراً بحسن المعاد
إلى كم تحمَّل ضيق المعاش *** وتصبر والصَّبر صعب القياد
على حالةٍ فوتها خيرها *** وضيق المعيشة سقم الفؤاد
بلا حاسدٍ لي ولا حامدٍ *** قليلة خيرٍ كماء الثِّماد
فلا شرَّ منِّي يخاف العدو *** ولا خير يرجوه أهل الوداد
جب الأرض شرقاً وجب غربها *** إلى كلِّ فجٍ عميقٍ وواد
عساك تنال الغنى أو تموت *** وعذرك في ذاك للنَّاس باد
فإن يكن الفقر حتماً عليك *** فكابده في غير ناديك ناد
فللموت أهون من أن تراك *** بعين الخساسة عين الأعادي
فإن لم تنل مطلباً رمته *** فليس عليك سوى الإجتهاد
وقال آخر:
مامن غريبٍ وإن أبدى تجلُّده *** إلاَّ سيذكر بعد الغربة الوطنا
وقال عبيد بن الأبرص:
وكلُّ ذي غيبةٍ يؤوب *** وغائب الموت لا يؤوب


منقول من كتاب (بهجة المجالس وأنس المجالس) لابن عبد البر القرطبي

ريـاض
2015-09-29, 20:00
باب التحول عن مواطن الذلّ
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه" قالوا: يا رسول
الله وكيف يذل نفسه؟ قال: "يتعرض من البلاء لما لا يطيق".

قال أوس بن حجر:
أقيم بدار الحزم ما دام حزمها ... وأحر إذا حالت بأن أتحوَّلا
وقال المتلمّس:
إنَّ الهوان حمار البيت يألفه ... والحرُّ ينكره والفيل والأسد
ولا يقيم بدار الذُّلِّ يألفها ... إلاَّ الذَّليلان عير الحيِّ والوتد
هذا على الخسف مربوطٌ برمَّته ... وذا يشجُّ فما يأوي له أحد
وقال مالك بن الرَّيب:
فإن تنصفونا آل مروان نقترب ... إليكم وإلاَّفأذنوا ببعاد
ففي الأرض عن دار المذلَّة مذهبٌ ... وكلُّ بلادٍ أوطنت كبلادي
وقال المغيرة بن حبناء:
ومثلى إذا ما الدَّار يوماً نبت به ... تحوَّل عنها واستمرَّت مرائره
ولا أنزل الدَّار المقيم بها الأذى ... ولا أرأم الشّيء الَّذي أنا قادره
إذا أنت لم ترغب بدارٍ نزلتها ... فبعها بدار أو بجارٍ تجاوره
أنشد أبو عبيد عن الأصمعي:
إذا كنت في دارٍ يهينك أهلها ... ولم تك مكبولاً بها فتحوَّل
وقال الزبير بن عبد المطلب:
ولا أقيم بدارٍ لا أشدُّ بها ... صوتي إذا ما اعترتني سورة الغضب
وقال آخر:
لا تأسفنَّ على خلٍّ تفارقه ... إنَّ الأقاصي قد تدنو فتأتلف
في النَّاس متبدلٌ والأرض واسعةٌ ... فيها مجالٌ لذي لبٍّ ومنصرف
وقال قيس بن الخطيم:
ومابعض الإقامة في ديارٍ ... يعيش بها الفتى إلاَّ بلاء
وقال المغيرة بن حنباء:
وفي الدّهر والأيَّام للمرء عبرةٌ ... وفي الأرض عن دار الأذى مترحرح
وقال معن بن أوس:
وفي النَّاس إن رثَّت حبالك واصلٌ ... وفي الأرض عن دار القلى متحوَّل
وقال عبد الصمد بن المعذل، ويروى لغيره:
إذا وطنٌ رابني ... فكلُّ بلادٍ وطن
وقال أبو العتاهية:
من عاش قضَّى كثيراً من لبانته ... وللمضايق أبوابٌ من الفرج
من ضاق عنك فأرض الله واسعةٌ ... في كلِّ وجه مضيقٍ وجه منفرج
وقال الحسين بن الضحاك، أو أبو العتاهية:
هممٌ تقاذفت الخطوب بها ... فهرعن من بلد إلى بلد
وقال آخر:
وفي الأرض عمَّن لايواتيك مرحل
وقال حبيب بن أوس الطائي:
وطول مقام المرء في الحيِّ مخلقٌ ... لديباجتيه فاغترب تتجدَّد
فإني رأيت الشَّمس زيدت محبَّةً ... إلى النَّاس إذ ليست عليهم بسرمد
وقال ابن المعتز:
رأيت حياة المرء ترخص قدره ... فإن مات أغلته المنايا الطَّوائح
كما يخلق الثوب الجديد ابتذاله ... كذا تخلق المرء العيون اللَّوامح

وقال أبوالفتح البستي:
وطول الماء في مستقرِّه ... يغيِّره لوناً وريحاً ومطعما
و قال أبو الفتح الشدوني:
إذا ما الحرُّ هان بأرض قومٍ ... فليس عليه في هربٍ جناح
وقد هنَّا بأرضكم وصرنا ... لقى في الأرض تذروه الرِّياح
وقال محمود الوراق:
وإذا نبا بي منزلٌ لا يرتضي ... جاوزته واخترت منه منزلا
وقال آخر:
وإذا الدِّيار تنكَّرت عن حالها ... فدع الدِّيار وأسرع التَّحويلا
ليس المقام عليك حقاً واجباً ... في منزلٍ يدع العزيز ذليلا
وقال بشار بن برد:
وكنت إذا ضاقت عليّ محلةٌ ... تيمَّمت أخرى ما عليّ تضيق
وماخاب بين الله والنَّاس عاملٌ ... له في النّقى أو في المحامد سوق
ولا ضاق فضل الله عن متعفّفٍ ... ولكنَّ أخلاق الرِّجال تضيق
وقال آخر:
إذا كنت في دارٍ وحاولت رحلةٍ ... فدعها وفيها إن رجعت معاد
وقال آخر:
خلِّط فهذا زمانٌ فيه تخليط ... والنَّاس صنفان محرومٌ ومغبوط
ولا تقم ببلادٍ لا انتفاع بها ... فالأرض واسعةٌ والرِّزق مبسوط
ولا تكن غرَّةًٍترضى بغير رضىً ... فإنَّ رزقك عند الله مخطوط
وقال جواس الكلبي:
وإذا العلج أغلق الباب دوني ... لم يحرِّم على متن الطَّريق
وكفاني جفاء من يزدريني ... قطعي الخرق بالمروخ الحروق
وقال آخر:
اصبر على حدث الزَّمان فإنَّما ... فرج الشَّدائد مثل حلِّ عقال
وإذا خشيت تعذُّراً في بلدةٍ ... فاشدد يديك بعاجل التِّرحال
إنَّ المقام على الهوان مذلَّةٌ ... والعجز أضعف حيلة المحتال
وقال يحيى بن حكم الغزال:
وإنَّ مقامي شطر يومٍ بمنزلٍ ... أخاف على نفسي به لكثير
وقد يهرب الإنسان من خيفة الردى ... فيدركه ما خاف حيث يسير
وقال المتنبي:
إذا لم أجد في بلدةٍ ما أريده ... فعندي لأخرى عزمةٌ وركاب
وقال أبو عثمان العروضي في مهموزته:
إنَّ الفتى كلَّ الفتى من رأى ... هوانه أقبح ما قد رأى
اهرب عن الذُّلِّ وعجِّل فما ... أقربه من كلِّ من أبطآ
لو جرحت رأسي يدا منصفٍ ... لما تمنَّيت بأن أبرآ
ولي حين رحلت من إشبيلية:
وقائلةٍ مالي أراك مرحّلاً ... فقلت لها:صه واسمعي القول مجملا
تنكَّر من كنَّا نسرُّ بقربه ... وعاد زعافاً بعدما كان سلسلا
وحقَّ لجارٍ لم يوافقه جاره ... ولا لاء مته الدَّار أن يترحَّلا
بليت بخفضٍ والمقام ببلدةٍ ... طويلاً لعمري مخلقٌ يورث البلا
إذا هان حرٌ عند قومٍ أتاهم ... ولم ينأ عنهم كان أعمى وأجهلا
ولم تضرب الأمثال إلاَّ لعالمٍ ... ولا عوتب الإنسان إلاَّ ليعقلا
وقال ابن حازم، أو ابن بسام:
وإن نبا منزلٌ بحرٍّ ... فمن مكانٍ إلى مكان
لا يلبث الحرُّ في مكانٍ ... ينسب فيه إلى هوان
الحرُّ حرٌّ وإن تعدَّت ... عليه يوماً يد الزَّمان
والنَّذل نذلٌ وإن تكنَّى ... وصار ذا منطقٍ وشان
فاسترزق الله واستعنه ... فإنَّه خير مستعان
وقال أبو الفتح:
متى رفضتني دار قومٍ تركتها ... وإن لم يكن منها ومن أهلها بد
وقال حبيب:
لا يمنعنَّك خفض العيش في دعةٍ ... نزوع نفسٍ إلى أهلٍ وأوطان
تلقى بكلِّ بلادٍ إن نزلت بها ... أهلاً بأهل وإخواناً بإخوان
وقال ابن أبي حبيش:
يا نازلاً ببطليوسٍ إذا ظفرت ... يوماً يداك بيوم البين فاستبق
ولا تقم ببلادٍ لا يعاد بها ال ... مرضى وعجِّل على ما فيك من رمق
إنَّ المقام بأرضٍ لا يزار بها ... ولا يعاد أخو الشَّكوى من الحمق


منقول من كتاب (بهجة المجالس وأنس المجالس) لابن عبد البر القرطبي

أبو همام الجزائري
2015-09-30, 10:04
بارك الله فيك الأستاذ رضا

رَكان
2015-09-30, 12:24
رحم الله الإمام الشافعي فإنه كان صورة متفجرة للحكمة وتور العقل والبصيرة ..طيب ما نقلت ومفيد .

medjide chrivati
2015-09-30, 14:36
بارك الله فيك اخي

Obitov
2015-09-30, 14:43
بوركت ؛ جزاك الله خيرا .

youcef hadj
2015-09-30, 14:51
بوركت ؛ جزاك الله خيرا

أبو همام الجزائري
2015-09-30, 17:44
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم

ing.Youcef
2015-09-30, 20:19
جزاك الله خيرا ووفقك ويسر لك أمورك

أبو همام الجزائري
2015-09-30, 20:27
آمين أستاذ يوسف
رفع الله قدرك في الدارين

M-N-NADJIB
2015-10-01, 09:50
أشكرك جزيل الشكر علي. هذا الموضوع القيم

mustitus17
2015-10-03, 13:48
السلام عليكم