موسى عبد الله
2015-09-12, 08:12
وصية ابن القيم لصاحب السنة مع تعليق الشيخ بن عثيمين –رحمهما الله
لا تُوحِشَنَّكَ غُربةٌ بين الوَرَى = فالنَّاسُ كالأَمواتِ فى الْحُسبانِ
أوَ ما عَلِمتَ بأنَّ أهلَ السُّنَّةِ الْـ = غُرباءُ حقًّا عند كلِّ زَمانِ
قُل لي مَتَى سَلِمَ الرَّسولُ وصَحبُهُ = والتَّابِعونَ لَهُمْ على الإحسانِ
مِن جاهِلٍ ومُعانِدٍ ومُنافِقٍ = ومُحارِبٍ بِالبَغْيِ وَالطُّغْيانِ
وَتَظُنُّ أنَّكَ وَارِثٌ لَهُمُ وَمَا = ذُقْتَ الأَذَى فِي نُصْرَةِ الرَّحْمنِ
كلَّا وَلا جَاهَدْتَ حَقَّ جِهَادِهِ = في اللهِ لا بِيَدٍ ولا بِلِسانِ
مَنَّتْكَ واللهِ الْمُحالَ النَّفْسُ فاسْـ = ــتَحْدِثْ سِوى ذا الرَّأيِ والْحُسبانِ
لَو كنتَ وارِثَهُ لآذاكَ الأُلَى = وَرِثُوا عِداهُ بِسائرِ الألوانِ
شرح الشيخ ابن عثيمين :
(لا تُوحِشَنَّكَ غُربةٌ بين الوَرَى) الله أكبر!
يعني: إذا ضل الناس وأنت على هدى؛ فلا تستوحش؛ لأن الإنسان حقيقةً إذا لم يرى معه أحدًا ربما يستوحش ويتوقف أو يرجع أنه ما عليه من الهدى؛ ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن أيام الصبر أن العامل فيهن له أجر خمسين من الصحابة، أجر خمسين من الصحابة، لماذا؟ لأن الصحابة إذا رأى الإنسان من حوله وإذا هم كلهم على الطريق؛ فلا يستوحش، ولا يتعب ولا يُعَيَّر ولا يُذَل، ولكن أيام الصبر كل الناس على صِدام؛ فَتصعُبُ عليه الطاعة، تَصعُب عليه الطاعة وتشق؛ لكنه صابر، راسخ القدمين؛
فهو يقول –رحمه الله-: (لا تُوحِشنَّكَ غربة بين الورى )وهذا والله هو الحق، ما دمت على نور من الله؛ فمن أين تأتيك الوحشة؟! لا وحشة؛ أنت على دين، أنت على حق، لا يهمنك أحد، أنت ستدفن وحدك، وهم سيدفون وحدهم، وستبعث يوم القيامة لا مال ولا بنون.
(فالنَّاسُ كالأَمواتِ فى الْحُسبانِ)
الناس كالأموات وصاحب الحق حي؛ بل إن صاحب الحق حيٌّ بعد موته؛ كما قال عز وجل: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام: 122]
أهل العلم الآن أحياء بيننا؛ ألسنا كل يوم نقرأ كتاب لشيخ الإسلام مثلاً؟ هو يُعلِّمُنَا، هو شيخنا، أستاذنا، حيٌّ، وهذه هي الحياة؛ ولهذا قال الشاعر: (ذكر الفتى عمره الثاني)، فهذه هي الحياة الحقيقية؛ أما بقاؤك في الدنيا فهو ساعات وأيام تمشي وتمضي.
(أوَ ما عَلِمتَ بأنَّ أهلَ السُّنَّةِ الْـ = غُرباءُ حقًّا)
الجواب:بلى، والله أهل السنة هم الغرباء حقًا، أهل الدين هم الغرباء حقًا في كل زمان، ولو تأملت التاريخ لوجدت الأمر كذلك؛ الخلافات والآراء والعقائد والملل وتجد صاحب السنة كغُرَّةِ وجه الفرس؛ غريب بين الناس.
(قُل لي مَتَى سَلِمَ الرَّسولُ وصَحبُهُ = والتَّابِعونَ لَهُمْ على الإحسانِ)
الجواب:لم يسلم، ما سَلِمَ الرسول ولا الصحابة، وثلاثة من خلفائه قُتِلُوا على أيدي أعدائهم؛ عمر، عثمان، وعلي –م- كلهم قُتِلُوا على أيدي أعدائهم؛ فما سَلِمَ الرسول ولا صحبه من الأذى؛
(مِن جاهِلٍ ومُعانِدٍ ومُنافِقٍ = ومُحارِبٍ بِالبَغْيِ وَالطُّغْيانِ)
من جاهل، ومعاند وهو عالم، ومنافق يأخذ بالتَقيِّة، ومحارب معلن بالعداوة ومحارب بالبغي والعدوان، فهذه أصناف: الجاهل، المعاند، المنافق، المحارب أربعة، كل هؤلاء مستعدون لأذى الرسول وصحبه وأتباعه.
(وَتَظُنُّ أنَّكَ وَارِثٌ لَهُمُ وَمَا = ذُقْتَ الأَذَى فِي نُصْرَةِ الرَّحْمنِ)
والله هذا ظن، ظن خاطئ (خائب)؛ يعني: تظن أنك وارث الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يصبك ما أصابه؛ أين الإرث؟! إذا لم يصبك شيء منه أو من نوعه؛ فإنك قاصر في إرث الرسول قاصر، ولا يمكن أن تُفرش الأرض زهورًا وورودًا لإنسان متمسك بالسنة كما ينبغي، أبدًا، من رام ذلك فقد رام المحال، وفتش في التاريخ، ما من إنسان قام لله عز وجل بحق إلا وجد أذى، لكن هذا الأذى يختلف، قد يكون من يريد الأذى لا يتمكن بقوة السلطان مثلاً، أو لا يتمكن لشرف الرجل وجاهه عند الناس، أو لما هو نحوه، ولكن لابد أن يجد أذى؛
يقول: (وَتَظُنُّ أنَّكَ وَارِثٌ لَهُمُ وَمَا = ذُقْتَ الأَذَى فِي نُصْرَةِ الرَّحْمنِ
كلَّا وَلا جَاهَدْتَ حَقَّ جِهَادِهِ = في اللهِ لا بِيَدٍ ولا بِلِسانِ)
اللسان: بالقول، واليد: بالسنان والرمح والقلم.
فجهاد اليد: بالقلم، بالسيف، بالرمح، بالقوس
يقول: (مَنَّتْكَ واللهِ الْمُحالَ النَّفْسُ)؛ يعني: النفس تُمنِّيكَ المحال المستحيل، ما هي الأمنية التي تمنيه هنا؟ ألا يتأذى من أعداء الله وهو قائم بنصرة دين الله؛ أبدًا هذا محال، لابد أن يتأذى ولكن كما قلت لكم: الأذية قد تختلف، وقد يوجد أحد الموانع، ولكن لابد منها.
(مَنَّتْكَ واللهِ الْمُحالَ النَّفْسُ فاسْـ = ــتَحْدِثْ سِوى ذا الرَّأيِ والْحُسبانِ)
يعني: دور عن غير هذا
(لَو كنتَ وارِثَهُ - وارث من؟ وارث الرسول - لآذاكَ الأُلَى = وَرِثُوا عِداهُ بِسائرِ الألوانِ)
بسائر:متعلق بالأذى، يعني بسائر الألوان من الأذى، وصدق رسول الله؛ لقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) [ الفرقان: 31]
كل نبي له عدو من المجرمين، ولأتباعهم عدو من المجرمين؛ لأن هؤلاء المجرمين الذين عادوا الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعادوه لأنه محمد بن عبد الله؛ وإنما عادوه لدينه، فمن تمسك بدينه فقد ورث، فلابد أن يكون لأعدائه الذين آذوه وارث، وارث يؤذي ورثة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا مُشاهد.
الإمام أحمد ماذا حصل له؟ حصل أذية، يجر بالبغلة في الأسواق، ويضرب بالسياط حتى يغمى عليه، وحُبِس، وشيخ الإسلام كذلك وغيرهم كثير، غيرهم كثير.
كل من كان أقوم لله وأصدع للحق؛ فإنه سيكون أعداؤه أكثر، وإن شئت الدليل، فكم من بني آدم يضل؟ تسعمئة وتسع وتسعين في الألف؛ أتظن أن هؤلاء الضالين يحبون المهتدين؟! أبدًا لا يحبونهم، وإن أظهروا المحبة لهم فهو نفاق؛ كيف تحبهم وهم على غير طريقك؟ هذا مستحيل.
[من شرح الشيخ بن عثيمين -رحمه الله- لنونية ابن القيم]
منقول
لا تُوحِشَنَّكَ غُربةٌ بين الوَرَى = فالنَّاسُ كالأَمواتِ فى الْحُسبانِ
أوَ ما عَلِمتَ بأنَّ أهلَ السُّنَّةِ الْـ = غُرباءُ حقًّا عند كلِّ زَمانِ
قُل لي مَتَى سَلِمَ الرَّسولُ وصَحبُهُ = والتَّابِعونَ لَهُمْ على الإحسانِ
مِن جاهِلٍ ومُعانِدٍ ومُنافِقٍ = ومُحارِبٍ بِالبَغْيِ وَالطُّغْيانِ
وَتَظُنُّ أنَّكَ وَارِثٌ لَهُمُ وَمَا = ذُقْتَ الأَذَى فِي نُصْرَةِ الرَّحْمنِ
كلَّا وَلا جَاهَدْتَ حَقَّ جِهَادِهِ = في اللهِ لا بِيَدٍ ولا بِلِسانِ
مَنَّتْكَ واللهِ الْمُحالَ النَّفْسُ فاسْـ = ــتَحْدِثْ سِوى ذا الرَّأيِ والْحُسبانِ
لَو كنتَ وارِثَهُ لآذاكَ الأُلَى = وَرِثُوا عِداهُ بِسائرِ الألوانِ
شرح الشيخ ابن عثيمين :
(لا تُوحِشَنَّكَ غُربةٌ بين الوَرَى) الله أكبر!
يعني: إذا ضل الناس وأنت على هدى؛ فلا تستوحش؛ لأن الإنسان حقيقةً إذا لم يرى معه أحدًا ربما يستوحش ويتوقف أو يرجع أنه ما عليه من الهدى؛ ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن أيام الصبر أن العامل فيهن له أجر خمسين من الصحابة، أجر خمسين من الصحابة، لماذا؟ لأن الصحابة إذا رأى الإنسان من حوله وإذا هم كلهم على الطريق؛ فلا يستوحش، ولا يتعب ولا يُعَيَّر ولا يُذَل، ولكن أيام الصبر كل الناس على صِدام؛ فَتصعُبُ عليه الطاعة، تَصعُب عليه الطاعة وتشق؛ لكنه صابر، راسخ القدمين؛
فهو يقول –رحمه الله-: (لا تُوحِشنَّكَ غربة بين الورى )وهذا والله هو الحق، ما دمت على نور من الله؛ فمن أين تأتيك الوحشة؟! لا وحشة؛ أنت على دين، أنت على حق، لا يهمنك أحد، أنت ستدفن وحدك، وهم سيدفون وحدهم، وستبعث يوم القيامة لا مال ولا بنون.
(فالنَّاسُ كالأَمواتِ فى الْحُسبانِ)
الناس كالأموات وصاحب الحق حي؛ بل إن صاحب الحق حيٌّ بعد موته؛ كما قال عز وجل: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام: 122]
أهل العلم الآن أحياء بيننا؛ ألسنا كل يوم نقرأ كتاب لشيخ الإسلام مثلاً؟ هو يُعلِّمُنَا، هو شيخنا، أستاذنا، حيٌّ، وهذه هي الحياة؛ ولهذا قال الشاعر: (ذكر الفتى عمره الثاني)، فهذه هي الحياة الحقيقية؛ أما بقاؤك في الدنيا فهو ساعات وأيام تمشي وتمضي.
(أوَ ما عَلِمتَ بأنَّ أهلَ السُّنَّةِ الْـ = غُرباءُ حقًّا)
الجواب:بلى، والله أهل السنة هم الغرباء حقًا، أهل الدين هم الغرباء حقًا في كل زمان، ولو تأملت التاريخ لوجدت الأمر كذلك؛ الخلافات والآراء والعقائد والملل وتجد صاحب السنة كغُرَّةِ وجه الفرس؛ غريب بين الناس.
(قُل لي مَتَى سَلِمَ الرَّسولُ وصَحبُهُ = والتَّابِعونَ لَهُمْ على الإحسانِ)
الجواب:لم يسلم، ما سَلِمَ الرسول ولا الصحابة، وثلاثة من خلفائه قُتِلُوا على أيدي أعدائهم؛ عمر، عثمان، وعلي –م- كلهم قُتِلُوا على أيدي أعدائهم؛ فما سَلِمَ الرسول ولا صحبه من الأذى؛
(مِن جاهِلٍ ومُعانِدٍ ومُنافِقٍ = ومُحارِبٍ بِالبَغْيِ وَالطُّغْيانِ)
من جاهل، ومعاند وهو عالم، ومنافق يأخذ بالتَقيِّة، ومحارب معلن بالعداوة ومحارب بالبغي والعدوان، فهذه أصناف: الجاهل، المعاند، المنافق، المحارب أربعة، كل هؤلاء مستعدون لأذى الرسول وصحبه وأتباعه.
(وَتَظُنُّ أنَّكَ وَارِثٌ لَهُمُ وَمَا = ذُقْتَ الأَذَى فِي نُصْرَةِ الرَّحْمنِ)
والله هذا ظن، ظن خاطئ (خائب)؛ يعني: تظن أنك وارث الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يصبك ما أصابه؛ أين الإرث؟! إذا لم يصبك شيء منه أو من نوعه؛ فإنك قاصر في إرث الرسول قاصر، ولا يمكن أن تُفرش الأرض زهورًا وورودًا لإنسان متمسك بالسنة كما ينبغي، أبدًا، من رام ذلك فقد رام المحال، وفتش في التاريخ، ما من إنسان قام لله عز وجل بحق إلا وجد أذى، لكن هذا الأذى يختلف، قد يكون من يريد الأذى لا يتمكن بقوة السلطان مثلاً، أو لا يتمكن لشرف الرجل وجاهه عند الناس، أو لما هو نحوه، ولكن لابد أن يجد أذى؛
يقول: (وَتَظُنُّ أنَّكَ وَارِثٌ لَهُمُ وَمَا = ذُقْتَ الأَذَى فِي نُصْرَةِ الرَّحْمنِ
كلَّا وَلا جَاهَدْتَ حَقَّ جِهَادِهِ = في اللهِ لا بِيَدٍ ولا بِلِسانِ)
اللسان: بالقول، واليد: بالسنان والرمح والقلم.
فجهاد اليد: بالقلم، بالسيف، بالرمح، بالقوس
يقول: (مَنَّتْكَ واللهِ الْمُحالَ النَّفْسُ)؛ يعني: النفس تُمنِّيكَ المحال المستحيل، ما هي الأمنية التي تمنيه هنا؟ ألا يتأذى من أعداء الله وهو قائم بنصرة دين الله؛ أبدًا هذا محال، لابد أن يتأذى ولكن كما قلت لكم: الأذية قد تختلف، وقد يوجد أحد الموانع، ولكن لابد منها.
(مَنَّتْكَ واللهِ الْمُحالَ النَّفْسُ فاسْـ = ــتَحْدِثْ سِوى ذا الرَّأيِ والْحُسبانِ)
يعني: دور عن غير هذا
(لَو كنتَ وارِثَهُ - وارث من؟ وارث الرسول - لآذاكَ الأُلَى = وَرِثُوا عِداهُ بِسائرِ الألوانِ)
بسائر:متعلق بالأذى، يعني بسائر الألوان من الأذى، وصدق رسول الله؛ لقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) [ الفرقان: 31]
كل نبي له عدو من المجرمين، ولأتباعهم عدو من المجرمين؛ لأن هؤلاء المجرمين الذين عادوا الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعادوه لأنه محمد بن عبد الله؛ وإنما عادوه لدينه، فمن تمسك بدينه فقد ورث، فلابد أن يكون لأعدائه الذين آذوه وارث، وارث يؤذي ورثة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا مُشاهد.
الإمام أحمد ماذا حصل له؟ حصل أذية، يجر بالبغلة في الأسواق، ويضرب بالسياط حتى يغمى عليه، وحُبِس، وشيخ الإسلام كذلك وغيرهم كثير، غيرهم كثير.
كل من كان أقوم لله وأصدع للحق؛ فإنه سيكون أعداؤه أكثر، وإن شئت الدليل، فكم من بني آدم يضل؟ تسعمئة وتسع وتسعين في الألف؛ أتظن أن هؤلاء الضالين يحبون المهتدين؟! أبدًا لا يحبونهم، وإن أظهروا المحبة لهم فهو نفاق؛ كيف تحبهم وهم على غير طريقك؟ هذا مستحيل.
[من شرح الشيخ بن عثيمين -رحمه الله- لنونية ابن القيم]
منقول