المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فضل العشر من ذي الحجة


أم محمد علي
2015-09-09, 20:54
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
لا شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات، والإستمرار في الحرص على تزكية النفس ,ومن أجل هذه التزكية شُرعت العبادات والطاعات، وبقدر نصيب العبد من الطاعات تكون تزكيته لنفسه، وبقدر تفريطه يكون بُعده عن التزكية,والسعيد من اغتنم تلك المواسم، ولم يجعلها تمر عليه مروراً عابراً. ومن هذه المواسم الفاضلة عشر ذي الحجة، وهي أيام شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا، وحث على العمل الصالح فيها؛ بل إن لله تعالى أقسم بهاقال تعالى : ( والفجر وليال عشر )قال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف : إنها عشر ذي الحجة . قال ابن كثير : " وهو الصحيح " تفسير ابن كثير8/413 .
وهذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن استقبالها واغتنامها, وفي هذه العجالة بيان لفضل عشر ذي الحجة وفضل العمل فيها، والأعمال المستحبة فيها وهذا وحده يكفيها شرفاوفضلاً، إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم.


فضل العشر من ذي الحجة:

روى البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)
قال الـحافظ ابن حجر العسقلانـي رحمه الله : ( وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي اِمْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ : لِمَكَانِ اِجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ ، وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ )فتح الباري شرح صحيح البخاري : (2 / 593) .
وقال الـمباركفوري : ( الْمُخْتَارُ أَنَّ أَيَّامَ هَذِهِ الْعَشْرِ أَفْضَلُ لِيَوْمِ عَرَفَةَ ، وَلَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ أَفْضَلُ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، لِأَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ ، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ). تُحفة الأحوذي : (3 / 530)

وروى ابن حبان رحمه الله في صحيحه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الأيام يوم عرفة).

الأعمال المستحبة في هذه العشر :

ــ قراءة القرآن فضلها عظيم في كل وقت : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ( صلى الله عليه وسلم ) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : (( مَنْ قَرَأَ حَرْفَاً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، لاَ أَقُولُ : [ أ] حََرْفٌ ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ).صحيح سنن الترمذي(2910) ، للإمام الألباني.
ــ الأعمال الصالحة :من التوبة والاستغفار , بر الوالدين , صلة الأرحام, إطعام الطعام ,النفقه على الأهل والأقارب, كفالة الأيتام , زيارة المرضى ,الإحسان إلى الجيران ,قضاء حوائج الإخوان , الدعاء لموتى المسلمين وخاصة الوالدين - الدعاء للإخوان بظهر الغيب, سقيا الماء ,إتباع جنازه -,الجلوس بعد صلاة الفجر وذكر الله حتى الشروق وصلاة ركعتين بعد الشروق , الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و قيام الليل في العشر أفضل من غيره .
ــ الإستكثار من ذكر الله تعالى من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والإستغفاروالدعاء و الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ( رضي الله عنه ) قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) : (( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى)) ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ( رضي الله عنه ) : مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ. صحيح سنن الترمذي (3377) للإمام الالباني.
ــ كثرة السجود لله تعالى: الصلوات الخمس في أول وقتها صلاة الضحى وركعتا الوضوء,,,, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ ، فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَـجْدَةً إِلاَّ رَفَعَـكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً). صحيح مسلم (1093) .
ــ الصدقة في سبيل الله تعالى : وهي من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ( رضي الله عنه ) قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ ( صلى الله عليه وسلم ) وَهُوَ يَقْرَأُ : [ ألهاكم التكاثر ] قَالَ : (يَقُولُ ابْـنُ آدَمَ : مَالِـي مَالِي ، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ). صحيح مسلم(7346) .
ــ صيام عشرٍ من ذي الحجة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً) متفق عليه. (أي مسيرة سبعين عاماً)
وعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ ). صحيح سنن أبـي داود(2437) .
ــ صيام التاسع من ذي الحجة (يوم عرفة ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ). صحيح مسلم (1162)

ــ التكبير والذكر في هذه الأيام- قال تعالى : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) الحج / 28 . والأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة .

قال الإمام البخاري في صحيحه : (كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ( رضي الله عنهما ) يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا). فتح الباري شرح صحيح البخاري : (2 / 589) .
فيُسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة وسائر أيام التشريق ، وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة ( أي من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة ) إلى آخر يوم من أيام التشريق ( وذلك بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة )
وأما المقيد فإنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق - بالإضافة إلى التكبير المطلق – فإذا سَلَّم من الفريضة واستغفر ثلاثاً وقال : " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " بدأ بالتكبير .
هذا لغير الحاج ، أما الحاج فيبدأ التكبير المقيد في حقه من ظهر يوم النحر .
وجاء فـي فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : (يُشرعُ التكبير الـمطلق فـي جميع الأوقات من أول دخول شهر ذي الـحجة إلى آخر أيام التشريق …). وقالوا أيضاً : (التكبير مشروع فـي عشر ذي الـحجة مطلقاً). يُنظر : فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، الفتوى رقم : (9887) .
وصيغ التكبير الصحيحة:

ـــ الصفة الأولى(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا):
روى البيهقي في «الكبرى» (3/316) وفي «فضائل الأعمال» (227) من طريق عبدالرزاق عن معمر عن عاصم عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه كان يكبر فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا.
وهذا إسناد صحيح، وصحح سنده الحافظ ابن حجر في «الفتح» (2/462).
ــ الصفة الثانية (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد):
روى ابن أبي شيبة في كتابه «المصنف» (5633) عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من النحر، يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
وهذا إسناد صحيح.
ــ الصفة الثالثة (الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد):
روى ابن أبي شيبة في «المصنف» (5646) عن يحيى بن سعيد القطان عن أبي بكار عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب: الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد.
وهذا إسناد صحيح.
ــ ومن الأعمال الصالحة في العشر من ذي الحجة ( الأضحية )عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ ( رضي الله عنه ) قَالَ : شَهِدْتُ النَّبيَّ ( صلى الله عليه وسلم ) يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ : ( مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى ، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ ). صحيح البخاري (5562) /صحيح مسلم(1960) .

روى مسلم وغيره عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضّحي فليمسك عن شعره وأظفاره)، وفي رواية (فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي) ولعل ذلك تشبهاً بمن يسوق الهدي، فقد قال الله تعالى: (وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) وهذا النهي ظاهره انه يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه، ولا بأس بغسل الرأس ودلكه ولو سقط منه شيء من الشعر.
ــــ أداء الحج والعمرة، وهو أفضل ما يعمل، قال رسول صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)متفق عليه .
فعلينا بإغتنام هذه الأيام المباركة بصدق وإخلاص

إذا أنت لم ترحل بزاد من التــقى * ولاقيت يوم العرض من قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثلـــــه * وانك لم ترصد كما كان ارصــدا
والله أعلم وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
جمع وترتيب : أم محمد علي ــ عفا الله عنها ــ

oum sidou
2015-09-09, 21:03
جزاك الله خيرا ، جعله الله في ميزان حسناتك ،كفيت و وفيت .

أم محمد علي
2015-09-09, 21:20
وأنت جزاك الله خيرا

NEWFEL..
2015-09-10, 08:56
http://i45.tinypic.com/293il3n.gif

أم محمد علي
2015-09-10, 13:47
وفيك يبارك الله

ريحآنة الوفآء
2015-09-10, 20:18
شكرآآآآ باركك الله
مشكووووووورة جدّآآ على المعلومـــآت الثمينة جعلهًــآ الله لك في ميزآآًًًًًنِ حسًنًــــــــــآتك،،,,

بلّغنآ اللهم العشر الآوآئل من ذي الحجة ويوم عرفة
و امنحنآ فرصة زيآرة بيتك الحرآم يًآآآآآآآ ربْ

djoo22
2015-09-10, 21:05
بارك الله فيك على الموضوع

أم محمد علي
2015-09-11, 00:15
آمين
وفيكم يبارك الله
وجزاكم الله خيرا على المرور الطيب

علي الجزائري
2015-09-11, 08:48
بارك الله فيكم على الفائدة .

أم محمد علي
2015-09-11, 21:02
وفيكم يبارك الله
جزاكم الله خيرا

imanaz
2015-09-13, 09:45
بارك الله فيك شكرا على الافادة و ان شاء الله في ميزان الحسنات

أم محمد علي
2015-09-13, 10:16
جزاكم الله خيرا

صوفيا27
2015-09-13, 10:24
ربي يجازيك كل خير ياااااااااااااااااااارب

touta :)
2015-09-13, 11:23
جزاك الله خيرا

أم محمد علي
2015-09-13, 11:29
وأنتم جزاكم الله خيرا

أم محمد علي
2015-09-13, 16:48
جزاك الله خيرا
وأنت جزاك الله خيرا

ام منيب
2015-09-13, 17:11
ربي يجازيك بالخير

أم محمد علي
2015-09-13, 17:54
آمين وإياك

باراكودا
2015-09-13, 18:48
بارك الله فيك

celia16
2015-09-14, 08:23
جعله الله في ميزان حسناتك

أم محمد علي
2015-09-14, 10:56
آمين
وأنتم جزاكم الله خيرا

maloo
2015-09-14, 13:48
جزاك الله خيرا

أم محمد علي
2015-09-14, 13:59
وأنتم جزاكم الله خيرا

باراكودا
2015-09-14, 14:07
:mh31:♥ ♥ ♥ :)

Amine456
2015-09-14, 14:50
جزاك الله عنا جنة الفردوس والله يفتح عليك دنيا واخرة

أم محمد علي
2015-09-14, 22:14
آمين ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

yazidbnr
2015-09-14, 23:06
جزاك الله خيرا

أيمن شبيطة
2015-09-14, 23:33
بــارك الله فيك و جزاكـ الفردوس الاعلى

دمتي متــألقة

مستر سمبل
2015-09-15, 01:27
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.

قال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ(مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّه )).

قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم عند قول الرسول صلى الله عليه وسلم (وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)( فيه وجهان. أحدهما: يرفعه في الدنيا، ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة، ويرفعه الله عند الناس، ويجل مكانه. الثاني: أن المراد ثوابه في الآخرة، ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا. قال العلماء: وهذه الأوجه في الألفاط الثلاثة، موجودة في العادة معروفة، وقد يكون المراد الوجهين معاً في جميعها في الدنيا والآخرة والله اعلم)). اهـ [ شرح النووي لصحيح مسلم 8/386]

وقال العلامة المناوي رحمه الله في شرحه للحديث( وما تواضع أحد لله من المؤمنين رقاً وعبودية في ائتمار أمره والانتهاء عن نهيه ومشاهدته لحقارة النفس ونفي العجب إلا رفعه الله في الدنيا بأن يثبت له في القلوب بتواضعه منزلة عند الناس ويجل مكانه، وكذا في الآخرة على سرير خلد لا يفنى ومنبر ملك لا يبلى ومن تواضع لله في تحمل مؤن خلقه كفاه الله مؤنة ما يرفعه إلى هذا المقام ومن تواضع في قبول الحق ممن دونه قبل الله منه مدخول طاعاته ونفعه بقليل حسناته وزاد في رفعة درجاته وحفظه بمعقبات رحمته من بين يديه ومن خلفه)). اهـ [ فيض القدير شرح الجامع الصغير 5/643]

يقول الحافظ أبو حاتم ابن حبان رحمه الله( الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة لكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره. والتواضع تواضعان: أحدهما: محمود والآخر مذموم والتواضع المحمود ترك التطاول على عباد الله والإزراء بهم. والتواضع المذموم: هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها)). اهـ [ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 58].

يقول الحافظ أبو حاتم ابن حبان رحمه الله أيضاً وهو يبين ثمار التواضع( التواضع يرفع المرء قدرا، ويعظم له خطرًا، ويزيده نبلا. والتواضع لله جل وعز على ضربين: أحدهما: تواضع العبد لربه عندما يأتي من الطاعات غير معجب بفعله، ولا راء له عنده حالة بوجب بها أسباب الولاية، إلا أن يكون المولى جل وعز هو الذي يتفضل عليه بذلك، وهذا التواضع هو السبب الدافع لنفس العجب عن الطاعات. والتواضع الآخر: هو ازدراء المرء نفسه واستحقاره إياها عند ذكره ما قارف من المآثم حتى لا يرى أحدا من العالم إلا ويرى نفسه دونه في الطاعات وفوقه في الجنايات)). اهـ [ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 60]

ويقول رحمه الله وهو يحذر من الكبر وعواقبه( العاقل يلزم مجانبة التكبر لما فيه من الخصال المذمومه. إحداهما: أنه لا يتكبر على أحد حتى يعجب بنفسه، ويرى لها على غيرها الفضل. والثانية: ازدراءه بالعالم لأن من لم يستحقر الناس لم يتكبر عليهم، وكفى بالمستحقر لمن أكرمه الله بالإيمان طغيانا. والثالث: منازعة الله جل وعلا في صفاته، إذ الكبرياء والعظمة من صفات الله جل وعلا، فمن نازعه إحداهما ألقاه في النار، إلا أن يتفضل عليه بعفوه)). اهـ [ روضة العقلاء ونزهة
الفضلاء 60- 61]

ورحم الله الكريزي القائل:

ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا ............ فكم تحتها قوم هم منك أرفع
فإن كنت في عز وخير ومنعة ................ فكم مات من قوم هم منك أمنع

[ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 61]

وقال آخر:

وأقبح شيئ أن يرى المرء نفسه ................. رفيعاً وعند العالمين وضيع
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر ................ على صفحات الماء وهو رفيع
ولاتكن كالدخان يعلو بنفسه ...................... على طبقات الجو وهو وضيع


ويقول ربنا عز وجل في كتابه العزيز[ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولً ]الاسراء:37]. قال الإمام بن سعدي رحمه الله في تفسيرها( يقول تعالى: [ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ] أي: كبرا وتيها وبطرا متكبرا على الحق ومتعاظما على الخلق.[ إِنَّكَ ] في فعلك ذلك [ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ] في تكبرك بل تكون حقيرا عند الله ومحتقرا عند الخلق مبغوضا ممقوتا قد اكتسبت أشر الأخلاق واكتسيت أرذلها من غير إدراك لبعض ما تروم)). اهـ [ تفسير السعدي سورة الاسراء].

وبعد الذي تقدم وتقرر أقول: لقد ضرب سلفنا الصالح رضوان لله عليهم أجمعين أروع الأمثلة في التواضع وصدقهم مع لله عز وجل، حتى حبب لله لهم الخلق والعباد، وإليك هذه الأمثلة النيرة.

عن قيس قال بلغ بلالا أن ناسا يفضلونه على أبي بكر، فقال كيف يفضلوني عليه وإنما أنا حسنة من حسناته. اهـ [ سير أعلام النبلاء 1/359].

عن هزيم أو هذيم قال: رأيت سلمان الفارسي على حمار عري وعليه قميص سنبلاني ضيق الاسفل، وكان طويل الساقين، يتبعه الصبيان فقلت لهم: تنحوا عن الامير. فقال: دعهم فإن الخير والشر فيما بعد اليوم. اهـ [ سير أعلام النبلاء 1/546]

عن يزيد بن زياد القرظي حدثني ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال: أقبل أبو هريرة في السوق، يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة لمروان. فقال: أوسع الطريق للأمير. اهـ [ سير أعلام النبلاء 2/614]

وعن عبد الرحمن بن أردك ( يقال هو ) أخو علي ابن الحسين لأمه قال: كان علي بن الحسين يدخل المسجد، فيشق الناس حتى يجلس في حلقة زيد ابن أسلم، وقال له نافع بن جبير: غفر الله لك أنت سيد الناس، تأتي تتخطى حتى تجلس مع هذا العبد. فقال: علي بن الحسين العلم يبتغى ويؤتى، ويطلب من حيث كان. اهـ [ سير أعلام النبلاء 4/388]

وعن وھيب بن بن خالد قال: قال أيوب السختياني: (( إذا ذكر الصالحون كنت منهم بمعزل)) [صفوة الصفوة 3/210]

قال أبو أمية الأسود: سمعت ابن المبارك: يقول أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الطالحين وأنا شر منهم ثم أنشأ يقول:

الصمت أزين بالفتى ......................... .... من منطق في غير حينه
والصدق أجمل ......................... .......... بالفتى في القول عندي من يمينه
وعلى الفتى بوقاره ......................... .......... سمة تلوح على جبينه
فمن الذي يخفي علي ......................... ........ اذا نظرت الى قرينه
رب امرئ متيقن ......................... ............... غلب الشقاء على يقينه
فأزاله عن رأيه ......................... ................ فابتاع دنياه بدينه

أم محمد علي
2015-09-15, 18:53
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

أم محمد علي
2015-09-16, 15:51
جزاك الله عنا جنة الفردوس والله يفتح عليك دنيا واخرة

آمين
وأنتم جزاكم الله خيرا