موسى عبد الله
2015-08-22, 08:00
التوحيد يا عباد الله!
(محاضرة مفرغة للشيخ ربيع بن هادي المدخلي)
إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُُه.
يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ` يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70-71].
أمّا بعد: فإنّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلّ ضلالةٍ في النار.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ` الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ` [البقرة:20-22]؛ فالله I ينادي النَّاس على مُختَلَف أجناسهم من أسود وأبيض وأحمر، وعلى اختلاف مِلَلِهِم ونِحَلِهم من مسلمين ومشركين ووثنيِّين وأهل كتاب ومنافقين وغيرهم ممن تشملهم كلمة النَّاس؛ لأنَّ رسول الله محمداً r خَاتَمَ النَّبيين أرسله الله إلى العالمين إلى النَّاس أجمعين؛ قال الله I: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[سبأ : 28] وقالI: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، فالله I ينادي النَّاس جميعًا ليقوموا بالواجب العظيم الذي خَلَقَهم من أجله، وهو عبادته وإخلاص الدِّين له I، وإنَّ هذه العبادة غايةٌ عظيمة من أجلها خَلَقَ الله الجِنَّ والإنس والملائكة وسائر خلقه، وَسَخَّرَ ما في السَّموات وما في الأرض لهؤلاء المخلوقين العُقَلاَء المُكَلَّفِين؛ ليقوموا بهذه الغاية العظيمة والواجب الأصيل الكبير الذي ما خَلَقَ الله هذا الكون إلا من أجله.
وقوله I ...رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ أي: سَيِّدُكم وخالقكم ومُرَبِّيكم، والمنفرد بإسداء النِّعم إليكم، وإسباغِها عليكم I، فهو المُتفرِّد بكلِّ ذلك، وساق الأدلة التي تَفرِضُ عليهم وتوجب عليهم أن يعرفوا الله ويعترفوا بحقِّه فيعبدوه فقالI: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً أي: مَهَّدَها ووَطَّأَها وذلَّلها، وأرساها بالجبال، ومهَّد لهم الطرق، وجعل خلال الجبال فجاجا؛ ليعيشوا عليها ويبتغوا الرِّزق في مناكبها، وأسبغ عليهم كلَّ النعم؛ ليعبدوه على هذه الأرض .
وقوله I: وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ المراد بالسَّماء هنا السَّحاب؛ لأنَّ السَّماء كلُّ ما سما وعلا؛ فكلمة سماء تتناول كلَّ ماعلا هذه الأرض ومن فيها؛ فالسَّحاب فوقنا فهو سماء، والسَّموات السبع نسمّيها سموات؛ لأنَّها فوقنا من السُمو وهو العلو، ونقول : الله في السَّماء أي فوق السَّموات كلِّها؛ لأنَّه فوق كلِّ شيء I.
وقولهI: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ: من كُلّ أنواع الثِّمار المعروفة عند البشر، فالله أنزل المطر وصَبَّه على الأرض صبَّا كما قالI : فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ` أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً ` ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً `فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ` وَعِنَباً وَقَضْباً `وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً ` وَحَدَائِقَ غُلْباً ` وَفَاكِهَةً وَأَبّاً `مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ` [عبس:25-32] هذه الأنواع المذكورة في سورة عبس وفي غيرها من السُّوَر هي هذه الأرزاق التي أجمل ذكرها في قوله I ... فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ؛ فالشاهد من الآيات أنَّ الله هو ربكم وسيِّدُكم ومالككم، وخالق السَّماء وخالق الأرض...؛ فهو الذي يستحق العبادة وحده؛ فاعرفوا هذه العبادة التي كُلِّفتم بها من كتاب الله ومن سنة رسول الله r ؛ لأنَّك إذا لم تعرف حقَّه الذي هو العبادة كيف تعبده؟! لابدَّ أن نتعلَّم العبادات التي شرعها الله U من الواجبات والمستحبات وسائر التطوعات، التي من أعظمها بعد الشهادتين الصَّلاة؛ المكتوبات الخمس وسائر التطوعات من الرواتب كالوتر، وسُنَّة الفجر التي قال فيها رسول اللهr : «رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهاَ»[1] والنوافل كصلاة الضُّحى، وقيام الليل... هذه أمور كلُّها عبادات وجنسها الصَّلاة؛ لأنها ترجع إلى الصَّلاة، وسائر الذِّكر الأذكار المقيَّدة، والمطلقة كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير؛ فإنَّ هذا من أعظم العبادات، قال رسول الله r: « لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لله وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَاللهُ أَكْبَر أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس»[2] فاعرفوا هذه الصَّلاة، واعرفوا فضلها، وتقرَّبوا بها إلى الله خاشعين صادقين مخلصين كما قال I:قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ `الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ `وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ `وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ` وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ `إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ `فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ `وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ` وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ` أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ` الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ` [المؤمنون:1-11]هذه الآيات أثنى فيها الله على هؤلاء المؤمنين المتصفين بتلك الصفات ووعدهم بالفلاح كما أنَّ الصَّلاة إذا نودي إليها يقال: <حَيَّ عَلَى الصَّلاة، حَيَّ عَلَى الفَلاَح> أي على النَّجاح والفوز العظيم؛ لأنَّ هذه الصَّلاة إذا أخلصنا فيها لله U ووحَّدنا الله فيها محسنين أداءها كانت من أعظم أسباب الفلاح بعد توحيد الله U.
كذلك الدُّعاء هو العبادة؛ كما جاء في الحديث[3] والقرآن؛ كما في قوله U : فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14] وفي قولهU : ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55] فتدعو الله تبارك وتعالى بصدق وجِدٍّ وإخلاص وثقة في الله U أنه يستجيب لك كما قال U: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186]؛ فالدُّعاء هو العبادة، وإذا استعرضتَ الأعمال من الذِّكر والصَّلاة .. تجد أكثرها يقوم على الدُّعاء، وورد في بعض الأحاديث: « الدُّعَاءُ مُخُّ العَبَادَة»[4] واخْتَلَف العلماء في تصحيحه وتضعيفه؛ لكن الواقع كذلك؛ فالصَّلاة كم تجد فيها من الدُّعاء والذِّكر لله U، التشهد دعاء، الفاتحة فيها دعاء، في الرُّكوع دعاء، في السُّجود دعاء، بين السجدتين دعاء وهكذا...، فنتعلَّم الأدعية الشَّرعية الواردة في الكتاب والسُنَّة وندعو الله U بها في الصَّلاة وخارجها، ونخلص له الدُّعاء، ونخلص له سائر العبادات، وإخلاصها لله بألاَّ نجعل له فيها شريكًا لا الشِّرك الأكبر ولا الشِّرك الأصغر بما فيه الرياء وما شاكل ذلك، بل نيَّةٌ خالصة كما قال I: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ` وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ` [االزمر:11-12] وقال I :إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ` أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [االزمر:2-3] وقال I: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة : 5].
(محاضرة مفرغة للشيخ ربيع بن هادي المدخلي)
إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُُه.
يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ` يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70-71].
أمّا بعد: فإنّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلّ ضلالةٍ في النار.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ` الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ` [البقرة:20-22]؛ فالله I ينادي النَّاس على مُختَلَف أجناسهم من أسود وأبيض وأحمر، وعلى اختلاف مِلَلِهِم ونِحَلِهم من مسلمين ومشركين ووثنيِّين وأهل كتاب ومنافقين وغيرهم ممن تشملهم كلمة النَّاس؛ لأنَّ رسول الله محمداً r خَاتَمَ النَّبيين أرسله الله إلى العالمين إلى النَّاس أجمعين؛ قال الله I: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[سبأ : 28] وقالI: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، فالله I ينادي النَّاس جميعًا ليقوموا بالواجب العظيم الذي خَلَقَهم من أجله، وهو عبادته وإخلاص الدِّين له I، وإنَّ هذه العبادة غايةٌ عظيمة من أجلها خَلَقَ الله الجِنَّ والإنس والملائكة وسائر خلقه، وَسَخَّرَ ما في السَّموات وما في الأرض لهؤلاء المخلوقين العُقَلاَء المُكَلَّفِين؛ ليقوموا بهذه الغاية العظيمة والواجب الأصيل الكبير الذي ما خَلَقَ الله هذا الكون إلا من أجله.
وقوله I ...رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ أي: سَيِّدُكم وخالقكم ومُرَبِّيكم، والمنفرد بإسداء النِّعم إليكم، وإسباغِها عليكم I، فهو المُتفرِّد بكلِّ ذلك، وساق الأدلة التي تَفرِضُ عليهم وتوجب عليهم أن يعرفوا الله ويعترفوا بحقِّه فيعبدوه فقالI: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً أي: مَهَّدَها ووَطَّأَها وذلَّلها، وأرساها بالجبال، ومهَّد لهم الطرق، وجعل خلال الجبال فجاجا؛ ليعيشوا عليها ويبتغوا الرِّزق في مناكبها، وأسبغ عليهم كلَّ النعم؛ ليعبدوه على هذه الأرض .
وقوله I: وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ المراد بالسَّماء هنا السَّحاب؛ لأنَّ السَّماء كلُّ ما سما وعلا؛ فكلمة سماء تتناول كلَّ ماعلا هذه الأرض ومن فيها؛ فالسَّحاب فوقنا فهو سماء، والسَّموات السبع نسمّيها سموات؛ لأنَّها فوقنا من السُمو وهو العلو، ونقول : الله في السَّماء أي فوق السَّموات كلِّها؛ لأنَّه فوق كلِّ شيء I.
وقولهI: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ: من كُلّ أنواع الثِّمار المعروفة عند البشر، فالله أنزل المطر وصَبَّه على الأرض صبَّا كما قالI : فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ` أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً ` ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً `فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ` وَعِنَباً وَقَضْباً `وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً ` وَحَدَائِقَ غُلْباً ` وَفَاكِهَةً وَأَبّاً `مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ` [عبس:25-32] هذه الأنواع المذكورة في سورة عبس وفي غيرها من السُّوَر هي هذه الأرزاق التي أجمل ذكرها في قوله I ... فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ؛ فالشاهد من الآيات أنَّ الله هو ربكم وسيِّدُكم ومالككم، وخالق السَّماء وخالق الأرض...؛ فهو الذي يستحق العبادة وحده؛ فاعرفوا هذه العبادة التي كُلِّفتم بها من كتاب الله ومن سنة رسول الله r ؛ لأنَّك إذا لم تعرف حقَّه الذي هو العبادة كيف تعبده؟! لابدَّ أن نتعلَّم العبادات التي شرعها الله U من الواجبات والمستحبات وسائر التطوعات، التي من أعظمها بعد الشهادتين الصَّلاة؛ المكتوبات الخمس وسائر التطوعات من الرواتب كالوتر، وسُنَّة الفجر التي قال فيها رسول اللهr : «رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهاَ»[1] والنوافل كصلاة الضُّحى، وقيام الليل... هذه أمور كلُّها عبادات وجنسها الصَّلاة؛ لأنها ترجع إلى الصَّلاة، وسائر الذِّكر الأذكار المقيَّدة، والمطلقة كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير؛ فإنَّ هذا من أعظم العبادات، قال رسول الله r: « لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لله وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَاللهُ أَكْبَر أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس»[2] فاعرفوا هذه الصَّلاة، واعرفوا فضلها، وتقرَّبوا بها إلى الله خاشعين صادقين مخلصين كما قال I:قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ `الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ `وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ `وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ` وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ `إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ `فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ `وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ` وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ` أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ` الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ` [المؤمنون:1-11]هذه الآيات أثنى فيها الله على هؤلاء المؤمنين المتصفين بتلك الصفات ووعدهم بالفلاح كما أنَّ الصَّلاة إذا نودي إليها يقال: <حَيَّ عَلَى الصَّلاة، حَيَّ عَلَى الفَلاَح> أي على النَّجاح والفوز العظيم؛ لأنَّ هذه الصَّلاة إذا أخلصنا فيها لله U ووحَّدنا الله فيها محسنين أداءها كانت من أعظم أسباب الفلاح بعد توحيد الله U.
كذلك الدُّعاء هو العبادة؛ كما جاء في الحديث[3] والقرآن؛ كما في قوله U : فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14] وفي قولهU : ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55] فتدعو الله تبارك وتعالى بصدق وجِدٍّ وإخلاص وثقة في الله U أنه يستجيب لك كما قال U: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186]؛ فالدُّعاء هو العبادة، وإذا استعرضتَ الأعمال من الذِّكر والصَّلاة .. تجد أكثرها يقوم على الدُّعاء، وورد في بعض الأحاديث: « الدُّعَاءُ مُخُّ العَبَادَة»[4] واخْتَلَف العلماء في تصحيحه وتضعيفه؛ لكن الواقع كذلك؛ فالصَّلاة كم تجد فيها من الدُّعاء والذِّكر لله U، التشهد دعاء، الفاتحة فيها دعاء، في الرُّكوع دعاء، في السُّجود دعاء، بين السجدتين دعاء وهكذا...، فنتعلَّم الأدعية الشَّرعية الواردة في الكتاب والسُنَّة وندعو الله U بها في الصَّلاة وخارجها، ونخلص له الدُّعاء، ونخلص له سائر العبادات، وإخلاصها لله بألاَّ نجعل له فيها شريكًا لا الشِّرك الأكبر ولا الشِّرك الأصغر بما فيه الرياء وما شاكل ذلك، بل نيَّةٌ خالصة كما قال I: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ` وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ` [االزمر:11-12] وقال I :إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ` أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [االزمر:2-3] وقال I: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة : 5].