عبد القادر الطالب
2015-08-10, 10:43
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
الستر على من أظهر المعاصي ليس من الستر الذي يحبه الله (( شيخ الإسلام إبن تيمية))
قال شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله تعالى :
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} الْآيَةُ فَأَمَرَ بِعُقُوبَتِهِمَا وَعَذَابِهِمَا بِحُضُورِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ بِشَهَادَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً كَانَتْ عُقُوبَتُهَا ظَاهِرَةً؛ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ: " مَنْ أَذْنَبَ سِرًّا فَلْيَتُبْ سِرًّا وَمَنْ أَذْنَبَ عَلَانِيَةً فَلْيَتُبْ عَلَانِيَةً "
وَلَيْسَ مِنْ السَّتْرِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا فِي الْحَدِيثِ: {مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ} - بَلْ ذَلِكَ إذَا سُتِرَ كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا لِمُنْكَرِ ظَاهِرٍ: وَفِي الْحَدِيثِ {إنَّ الْخَطِيئَةَ إذَا خُفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إلَّا صَاحِبَهَا وَإِذَا أُعْلِنَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ ضَرَّتْ الْعَامَّةَ}
فَإِذَا أُعْلِنَتْ أُعْلِنَتْ عُقُوبَتُهَا بِحَسَبِ الْعَدْلِ الْمُمْكِنِ.
وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْلِنِ بِالْبِدَعِ وَالْفُجُورِ غَيْبَةٌ كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعْلَنَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ عُقُوبَةَ الْمُسْلِمِينَ لَهُ وَأَدْنَى ذَلِكَ أَنْ يُذَمَّ عَلَيْهِ لِيَنْزَجِرَ وَيَكُفَّ النَّاسُ عَنْهُ وَعَنْ مُخَالَطَتِهِ وَلَوْ لَمْ يُذَمَّ وَيُذْكَرْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفُجُورِ وَالْمَعْصِيَةِ أَوْ الْبِدْعَةِ لَاغْتَرَّ بِهِ النَّاسُ وَرُبَّمَا حَمَلَ بَعْضَهُمْ عَلَى أَنْ يَرْتَكِبَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيَزْدَادَ أَيْضًا هُوَ جُرْأَةً وَفُجُورًا وَمَعَاصِيَ فَإِذَا ذُكِرَ بِمَا فِيهِ انْكَفَّ وَانْكَفَّ غَيْرُهُ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ صُحْبَتِهِ وَمُخَالَطَتِهِ
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {أَتَرْغَبُونَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ اُذْكُرُوهُ بِمَا فِيهِ كَيْ يَحْذَرُهُ النَّاسُ} وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا و " الْفُجُورُ " اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مُتَجَاهِرٍ بِمَعْصِيَةِ أَوْ كَلَامٍ قَبِيحٍ يَدُلُّ السَّامِعَ لَهُ عَلَى فُجُورِ قَلْبِ قَائِلِهِ. وَلِهَذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْهَجْرِ إذَا أَعْلَنَ بِدْعَةً أَوْ مَعْصِيَةً أَوْ فُجُورًا أَوْ تَهَتُّكًا أَوْ مُخَالَطَةً لِمَنْ هَذَا حَالُهُ بِحَيْثُ لَا يُبَالِي بِطَعْنِ النَّاسِ عَلَيْهِ
فَإِنَّ هَجْرَهُ نَوْعُ تَعْزِيرٍ لَهُ فَإِذَا أَعْلَنَ السَّيِّئَات أُعِلْنَ هَجْرُهُ وَإِذَا أَسَرَّ أُسِرَّ هَجْرُهُ إذْ الْهِجْرَةُ هِيَ الْهِجْرَةُ عَلَى السَّيِّئَاتِ وَهِجْرَةُ السَّيِّئَاتِ هِجْرَةُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} وَقَالَ: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ}.
تفسير سورة النور لإبن تيمية ص 31 - 33
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
الستر على من أظهر المعاصي ليس من الستر الذي يحبه الله (( شيخ الإسلام إبن تيمية))
قال شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله تعالى :
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} الْآيَةُ فَأَمَرَ بِعُقُوبَتِهِمَا وَعَذَابِهِمَا بِحُضُورِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ بِشَهَادَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً كَانَتْ عُقُوبَتُهَا ظَاهِرَةً؛ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ: " مَنْ أَذْنَبَ سِرًّا فَلْيَتُبْ سِرًّا وَمَنْ أَذْنَبَ عَلَانِيَةً فَلْيَتُبْ عَلَانِيَةً "
وَلَيْسَ مِنْ السَّتْرِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا فِي الْحَدِيثِ: {مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ} - بَلْ ذَلِكَ إذَا سُتِرَ كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا لِمُنْكَرِ ظَاهِرٍ: وَفِي الْحَدِيثِ {إنَّ الْخَطِيئَةَ إذَا خُفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إلَّا صَاحِبَهَا وَإِذَا أُعْلِنَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ ضَرَّتْ الْعَامَّةَ}
فَإِذَا أُعْلِنَتْ أُعْلِنَتْ عُقُوبَتُهَا بِحَسَبِ الْعَدْلِ الْمُمْكِنِ.
وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْلِنِ بِالْبِدَعِ وَالْفُجُورِ غَيْبَةٌ كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعْلَنَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ عُقُوبَةَ الْمُسْلِمِينَ لَهُ وَأَدْنَى ذَلِكَ أَنْ يُذَمَّ عَلَيْهِ لِيَنْزَجِرَ وَيَكُفَّ النَّاسُ عَنْهُ وَعَنْ مُخَالَطَتِهِ وَلَوْ لَمْ يُذَمَّ وَيُذْكَرْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفُجُورِ وَالْمَعْصِيَةِ أَوْ الْبِدْعَةِ لَاغْتَرَّ بِهِ النَّاسُ وَرُبَّمَا حَمَلَ بَعْضَهُمْ عَلَى أَنْ يَرْتَكِبَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيَزْدَادَ أَيْضًا هُوَ جُرْأَةً وَفُجُورًا وَمَعَاصِيَ فَإِذَا ذُكِرَ بِمَا فِيهِ انْكَفَّ وَانْكَفَّ غَيْرُهُ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ صُحْبَتِهِ وَمُخَالَطَتِهِ
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {أَتَرْغَبُونَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ اُذْكُرُوهُ بِمَا فِيهِ كَيْ يَحْذَرُهُ النَّاسُ} وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا و " الْفُجُورُ " اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مُتَجَاهِرٍ بِمَعْصِيَةِ أَوْ كَلَامٍ قَبِيحٍ يَدُلُّ السَّامِعَ لَهُ عَلَى فُجُورِ قَلْبِ قَائِلِهِ. وَلِهَذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْهَجْرِ إذَا أَعْلَنَ بِدْعَةً أَوْ مَعْصِيَةً أَوْ فُجُورًا أَوْ تَهَتُّكًا أَوْ مُخَالَطَةً لِمَنْ هَذَا حَالُهُ بِحَيْثُ لَا يُبَالِي بِطَعْنِ النَّاسِ عَلَيْهِ
فَإِنَّ هَجْرَهُ نَوْعُ تَعْزِيرٍ لَهُ فَإِذَا أَعْلَنَ السَّيِّئَات أُعِلْنَ هَجْرُهُ وَإِذَا أَسَرَّ أُسِرَّ هَجْرُهُ إذْ الْهِجْرَةُ هِيَ الْهِجْرَةُ عَلَى السَّيِّئَاتِ وَهِجْرَةُ السَّيِّئَاتِ هِجْرَةُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} وَقَالَ: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ}.
تفسير سورة النور لإبن تيمية ص 31 - 33