المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : Ѽ كَانَ الْأَحْنَفُ يَفِرُّ مِنَ الشَّرَفِ ، وَالشَّرَفُ يَتْبَعُهُ Ѽ


وفاء الياسمين
2015-08-03, 06:53
الأحنف بن قيس

هو الذي قال : لَسْتُ بِحَلِيمٍ وَلَكِنِّي أَتَحَالَمُ
..
.

كَانَ الْأَحْنَفُ إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ وَسَّعَ لَهُ ; فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةً أَرَاهُ كَأَنَّهُ يُوَسِعُ لَهُ

الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ ابْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُصَيْنٍ ، الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ ، الْعَالِمُ النَّبِيلُ أَبُو بَحْرٍ التَّمِيمِيُّ ، أَحَدُ مَنْ يُضْرَبُ بِحِلْمِهِ وَسُؤْدُدِهِ الْمَثَلُ .

اسْمُهُ ضَحَّاكٌ ، وَقِيلَ : صَخْرٌ ، وَشُهِرَ بِالْأَحْنَفِ لِحَنَفِ رِجْلَيْهِ ، وَهُوَ الْعَوَجُ وَالْمَيْلُ ، كَانَ سَيِّدَ تَمِيمٍ ،
أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ .

حَدَّثَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَأَبِي ذَرٍّ ، وَالْعَبَّاسِ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعِدَّةٍ .

وَعَنْهُ : عَمْرُو بْنُ جَاوَانَ ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَطَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمِيرَةَ ،
وَيَزِيدُ بْنُ الشِّخِّيرِ ، وَخُلَيْدٌ الْعَصَرِيُّ ، وَآخَرُونَ . وَهُوَ قَلِيلُ الرِّوَايَةِ .

كَانَ مِنْ قُوَّادِ جَيْشِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ .

قَالَ ابْنُ سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا ، قَلِيلَ الْحَدِيثِ وَكَانَ صَدِيقًا لِمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، فَوَفَدَ عَلَيْهِ إِلَى الْكُوفَةِ ، فَمَاتَ عِنْدَهُ بِالْكُوفَةِ .

قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ : كَانَ أَحْنَفَ الرِّجْلَيْنِ جَمِيعًا ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا بَيْضَةً وَاحِدَةً ، وَاسْمُهُ صَخْرُ بْنُ قَيْسٍ أَحَدُ بَنِي سَعْدٍ .
وَأُمُّهُ بَاهِلِيَّةٌ ، فَكَانَتْ تُرَقِّصُهُ وَتَقُولُ :


وَاللَّهِ لَوْلَا حَنَفٌ بِرِجْلِهِ وَقِلَّةٌ أَخَافُهَا مِنْ نَسْلِهِ

مَا كَانَ فِي فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِهِ

قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ : هُوَ افْتَتَحَ مَرْوَ الرُّوذِ . وَكَانَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ فِي جَيْشِهِ ذَاكَ .

قُلْتُ : هَذَا فِيهِ نَظَرٌ ; هُمَا يَصْغُرَانِ عَنْ ذَلِكَ .

حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ : عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ إِذْ لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ ، فَأَخَذَ بِيَدِي ، فَقَالَ : أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ قُلْتُ : بَلَى .
قَالَ : أَمَا تَذْكُرُ إِذْ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى قَوْمِكَ بَنِي سَعْدٍ أَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَجَعَلْتُ أُخْبِرُهُمْ ، وَأَعْرِضُ عَلَيْهِمْ ، فَقُلْتُ : إِنَّهُ يَدْعُو إِلَى خَيْرٍ وَمَا أَسْمَعُ إِلَّا حَسَنًا؟
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَحْنَفِ فَكَانَ الْأَحْنَفُ يَقُولُ : فَمَا شَيْءٌ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ . رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " .

الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ الْمِنْقَرِيُّ : حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ جَرِيرٍ ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمِّهِ عُرْوَةَ ، حَدَّثَنِي الْأَحْنَفُ ،
أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بِفَتْحِ تُسْتَرُ فَقَالَ : قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ تُسْتَرَ وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ،
إِنَّ هَذَا -يَعْنِي الْأَحْنَفَ - الَّذِي كَفَّ عَنَّا بَنِي مُرَّةَ حِينَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي صَدَقَاتِهِمْ ، وَقَدْ كَانُوا هَمُّوا بِنَا .
قَالَ الْأَحْنَفُ : فَحَبَسَنِي عُمَرُ عِنْدَهُ سَنَةً يَأْتِينِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَلَا يَأْتِيهِ عَنِّي إِلَّا مَا يُحِبُّ ،
ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ : يَا أَحْنَفُ هَلْ تَدْرِي لِمَ حَبَسْتُكَ عِنْدِي؟ قُلْتُ : لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَذَّرَنَا كُلَّ مُنَافِقٍ عَلِيمٍ فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ، فَاحْمَدِ اللَّهَ يَا أَحْنَفُ .

حَمَّادٌ : عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ الْأَحْنَفِ ، قَالَ : احْتَبَسَنِي عُمَرُ عِنْدَهُ حَوْلًا ، وَقَالَ بَلَوْتُكَ وَخَبَرْتُكَ فَرَأَيْتُ عَلَانِيَتَكَ حَسَنَةً ،
وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُونَ سَرِيرَتُكَ مِثْلَ عَلَانِيَتِكَ ، وَإِنَّا كُنَّا نَتَحَدَّثُ ، إِنَّمَا يُهْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمٍ .

قَالَ الْعِجْلِيُّ : الْأَحْنَفُ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ ، كَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ ، وَكَانَ أَعْوَرَ أَحْنَفَ ، دَمِيمًا قَصِيرًا كَوْسَجًا لَهُ بَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ ،
حَبَسَهُ عُمَرُ سَنَةً يَخْتَبِرُهُ فَقَالَ : هَذَا وَاللَّهِ السَّيِّدُ .

مَعْمَرٌ : عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : قَدِمَ الْأَحْنَفُ فَخَطَبَ فَأَعْجَبَ عُمَرَ مَنْطِقُهُ ، قَالَ : كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مُنَافِقًا عَالِمًا ،
فَانْحَدِرْ إِلَى مِصْرِكَ ; فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنًا .

وَعَنِ الْأَحْنَفِ قَالَ : كَذَبْتُ مَرَّةً وَاحِدَةً ، سَأَلَنِي عُمَرُ عَنْ ثَوْبٍ : بِكُمْ أَخَذْتَهُ ، فَأَسْقَطْتُ ثُلْثَيِ الثَّمَنِ .

يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ : حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : وَفَدَ أَبُو مُوسَى وَفْدًا مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى عُمَرَ ، مِنْهُمْ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ ،
فَتَكَلَّمَ كُلُّ رَجُلٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ ، وَكَانَ الْأَحْنَفُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ،
فَإِنَّ أَهْلَ مِصْرَ نَزَلُوا مَنَازِلَ فِرْعَوْنَ وَأَصْحَابِهِ ، وَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ نَزَلُوا مَنَازِلَ قَيْصَرَ وَأَصْحَابِهِ ،
وَإِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ نَزَلُوا مَنَازِلَ كِسْرَى وَمَصَانِعَهُ فِي الْأَنْهَارِ وَالْجِنَانِ ، وَفِي مِثْلِ عَيْنِ الْبَعِيرِ وَكَالْحِوَارِ فِي السَّلَى تَأْتِيهِمْ ثِمَارُهُمْ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ ،
وَإِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ نَزَلُوا فِي أَرْضٍ سَبَخَةٍ ، زَعِقَةٍ ، نَشَّاشَةً لَا يَجِفُّ تُرَابُهَا ، وَلَا يَنْبُتُ مَرْعَاهَا ، طَرَفُهَا فِي بَحْرٍ أُجَاجٍ ، وَطَرَفٌ فِي فَلَاةٍ ،
لَا يَأْتِينَا شَيْءٌ إِلَّا فِي مِثْلِ مَرِّيءِ النَّعَامَةِ ، فَارْفَعْ خَسِيسَتَنَا وَانَعَشْ وَكِيسَتَنَا ، وَزِدْ فِي عِيَالِنَا عِيَالًا , وَفِي رِجَالِنَا رِجَالًا ، وَصَغِّرْ دِرْهَمَنَا ،
وَكَبِّرْ قَفِيزَنَا ، وَمُرْ لَنَا بِنَهَرٍ نَسْتَعْذِبُ مِنْهُ . فَقَالَ عُمَرُ : عَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ هَذَا ، هَذَا وَاللَّهِ السَّيِّدُ .
قَالَ فَمَا زِلْتُ أَسْمَعُهَا بَعْدُ . وَفِي رِوَايَةٍ : فِي مِثْلِ حُلْقُومِ النَّعَامَةِ .

قَالَ خَلِيفَةُ : تَوَجَّهَ ابْنُ عَامِرٍ إِلَى خُرَاسَانَ ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ الْأَحْنَفُ ، فَلَقِيَ أَهْلَ هَرَاةٍ فَهَزَمَهُمْ ، فَافْتَتَحَ ابْنُ عَامِرٍ أبْرَشَهْرَ صُلْحًا -وَيُقَالُ عَنْوَةً-
وَبَعَثَ الْأَحْنَفُ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ ، فَتَجَمَّعُوا لَهُ مَعَ طُوقَانِ شَاهْ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا ، فَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ .

قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : كَانَ الْأَحْنَفُ يَحْمِلُ ، وَيَقُولُ :

إِنَّ عَلَى كُلِّ رَئِيسٍ حَقَّا أَنْ يَخْضِبَ الْقَنَاةَ أَوْ تَنْدَقَّا
[ ص: 91 ] وَقِيلَ : سَارَ الْأَحْنَفُ إِلَى بِلْخٍ ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَرْبَعِ مِائَةِ أَلْفٍ ، ثُمَّ أَتَى خُوَارِزْمَ ، فَلَمْ يُطِقْهَا ، فَرَجَعَ .

وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، أَنَّ ابْنَ عَامِرٍ خَرَجَ مِنْ خُرَاسَانَ مُعْتَمِرًا قَدْ أَحْرَمَ مِنْهَا ، وَخَلَّفَ عَلَى خُرَاسَانَ الْأَحْنَفَ ، وَجَمَعَ أَهْلَ خُرَاسَانَ جَمْعًا كَبِيرًا ،
وَتَجَمَّعُوا بِمَرْوٍ ، فَالْتَقَاهُمُ الْأَحْنَفُ فَهَزَمَهُمْ ، وَكَانَ ذَلِكَ الْجَمْعُ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ .

ابْنُ عُلَيَّةَ : عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ : نُبِّئْتُ أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ بَنِي تَمِيمٍ فَذَمَّهُمْ ، فَقَامَ الْأَحْنَفُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ائْذَنْ لِي ،
قَالَ : تَكَلَّمْ . قَالَ : إِنَّكَ ذَكَرْتَ بَنِي تَمِيمٍ ، فَعَمَمْتَهُمْ بِالذَّمِّ ; وَإِنَّمَا هُمْ مِنَ النَّاسِ ، فِيهِمُ الصَّالِحُ وَالطَّالِحُ . فَقَالَ : صَدَقْتَ .
فَقَامَ الْحُتَاتُ -وَكَانَ يُنَاوِئُهُ- فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ائْذَنْ لِي فَلْأَتَكَلَّمْ ، قَالَ : اجْلِسْ ، فَقَدْ كَفَاكُمْ سَيِّدُكُمْ الْأَحْنَفُ .

رَوَى ابْنُ جُدْعَانَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى : ائْذَنْ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ وَشَاوِرْهُ وَاسْمَعْ مِنْهُ .

قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : مَا رَأَيْتُ شَرِيفَ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْأَحْنَفِ .

قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : قِيلَ لِلْأَحْنَفِ : بِمَ سَوَّدُوكَ؟ قَالَ : لَوْ عَابَ النَّاسُ الْمَاءَ لَمْ أَشْرَبْهُ .

وَقِيلَ : عَاشَتْ بَنُو تَمِيمٍ بِحِلْمِ الْأَحْنَفِ أَرْبَعِينَ سَنَةً . وَفِيهِ قَالَ الشَّاعِرُ :


إِذَا الْأَبْصَارُ أَبْصَرَتِ ابْنَ قَيِسٍ ظَلَلْنَ مَهَابَةً مِنْهُ خُشُوعَا
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ : كَانَ الْأَحْنَفُ يَفِرُّ مِنَ الشَّرَفِ ، وَالشَّرَفُ يَتْبَعُهُ .

وَقِيلَ لِلْأَحْنَفِ : إِنَّكَ كَبِيرٌ ، وَالصَّوْمُ يُضْعِفُكَ . قَالَ : إِنِّي أُعِدُّهُ لِسَفَرٍ طَوِيلٍ . وَقِيلَ : كَانَتْ عَامَّةُ صَلَاةِ الْأَحْنَفِ بِاللَّيْلِ ،
وَكَانَ يَضَعُ أُصْبُعَهُ عَلَى [ ص: 92 ] الْمِصْبَاحِ ، ثُمَّ يَقُولُ : حَسِّ وَيَقُولُ : مَا حَمَلَكَ يَا أَحْنَفُ عَلَى أَنْ صَنَعْتَ كَذَا يَوْمَ كَذَا .

مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : حَدَّثَنَا أَبُو كَعْبٍ صَاحِبُ الْحَرِيرِ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَصْفَرِ أَنَّ الْأَحْنَفَ اسْتُعْمِلَ عَلَى خُرَاسَانَ ، فَأَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ ،
فَلَمْ يُوقِظْ غِلْمَانَهُ وَكَسَرَ ثَلْجَا وَاغْتَسَلَ .

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ ، سَمِعَ الْأَحْنَفَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنْ تَغْفِرْ لِي ، فَأَنْتَ أَهْلُ ذَاكَ ، وَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَأَنَا أَهْلُ ذَاكَ .

قَالَ مُغِيرَةُ : ذَهَبَتْ عَيْنُ الْأَحْنَفِ فَقَالَ : ذَهَبَتْ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا شَكَوْتُهَا إِلَى أَحَدٍ .

ابْنُ عَوْنٍ : عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : ذَكَرُوا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ شَيْئًا ، فَتَكَلَّمُوا وَالْأَحْنَفُ سَاكِتٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَحْرٍ ، مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ قَالَ : أَخْشَى اللَّهَ إِنْ كَذَبْتُ ،
وَأَخْشَاكُمْ إِنْ صَدَقْتُ .

وَعَنِ الْأَحْنَفِ : عَجِبْتُ لِمَنْ يَجْرِي فِي مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ كَيْفَ يَتَكَبَّرُ ! قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، قَالَ الْأَحْنَفُ : ثَلَاثٌ فِيَّ مَا أَذْكُرُهُنَّ إِلَّا لِمُعْتَبِرٍ :
مَا أَتَيْتُ بَابَ السُّلْطَانِ إِلَّا أَنْ أُدْعَى ، وَلَا دَخَلْتُ بَيْنَ اثْنَيْنِ حَتَّى يُدْخِلَانِي بَيْنَهُمَا ، وَمَا أَذْكُرُ أَحَدًا بَعْدَ أَنْ يَقُومَ مِنْ عِنْدِي إِلَّا بِخَيْرٍ .

وَعَنْهُ : مَا نَازَعَنِي أَحَدٌ إِلَّا أَخَذْتُ أَمْرِي بِأُمُورٍ ، إِنْ كَانَ فَوْقِي ، عَرَفْتُ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ دُونِي رَفَعْتُ قَدْرِي عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِي ، تَفَضَّلْتُ عَلَيْهِ .

وَعَنْهُ ، قَالَ : لَسْتُ بِحَلِيمٍ وَلَكِنِّي أَتَحَالَمُ .

[ ص: 93 ] وَقِيلَ : إِنَّ رَجُلًا خَاصَمَ الْأَحْنَفَ ، وَقَالَ : لَئِنْ قُلْتَ وَاحِدَةً لَتَسْمَعَنَّ عَشْرًا . فَقَالَ : لَكِنَّكَ إِنْ قُلْتَ عَشْرًا لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَةً .

وَقِيلَ : إِنَّ رَجُلًا قَالَ لِلْأَحْنَفِ : بِمَ سُدْتَ؟ وَأَرَادَ أَنْ يَعِيبَهُ- قَالَ الْأَحْنَفُ : بِتَرْكِي مِنْ مَا لَا يَعْنِينِي كَمَا عَنَاكَ مِنْ أَمْرِي مَا لَا يَعْنِيكَ .

الْأَصْمَعِيُّ : عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُقْبَةَ أَخِي ذِي الرُّمَّةِ ، قَالَ : شَهِدْتُ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ وَقَدْ جَاءَ إِلَى قَوْمٍ فِي دَمٍ ، فَتَكَلَّمَ فِيهِ ،
وَقَالَ : احْتَكِمُوا . قَالُوا : نَحْتَكِمُ دِيَتَيْنِ قَالَ : ذَاكَ لَكُمْ . فَلَمَّا سَكَتُوا قَالَ : أَنَا أُعْطِيكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ، فَاسْمَعُوا : إِنَّ اللَّهَ قَضَى بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ ،
وَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِنَّ الْعَرَبَ تَعَاطَى بَيْنَهَا دِيَةً وَاحِدَةً ، وَأَنْتُمُ الْيَوْمُ تُطَالِبُونَ ، وَأَخْشَى أَنْ تَكُونُوا غَدًا مَطْلُوبِينَ ،
فَلَا تَرْضَى النَّاسُ مِنْكُمْ إِلَّا بِمِثْلِ مَا سَنَنْتُمْ ، قَالُوا : رُدَّهَا إِلَى دِيَةٍ .

عَنِ الْأَحْنَفِ : ثَلَاثَةٌ لَا يَنْتِصُفُونَ مِنْ ثَلَاثَةٍ : شَرِيفٌ مِنْ دَنِيءٍ ، وَبَرٌّ مِنْ فَاجِرٍ ، وَحَلِيمٌ مِنْ أَحْمَقَ .

وَقَالَ : مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ ، قَالُوا فِيهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ .

وَعَنْهُ وَسُئِلَ : مَا الْمُرُوءَةُ؟ قَالَ : كِتْمَانُ السِّرِّ ، وَالْبُعْدُ مِنَ الشَّرِّ .

وَعَنْهُ : الْكَامِلُ مَنْ عُدَّتْ سَقَطَاتُهُ .

وَعَنْهُ قَالَ : رَأْسُ الْأَدَبِ آلَةُ الْمَنْطِقِ ، لَا خَيْرَ فِي قَوْلٍ بِلَا فِعْلٍ ، وَلَا فِي مَنْظَرٍ بِلَا مَخْبَرٍ ، وَلَا فِي مَالٍ بِلَا جُودٍ ، وَلَا فِي صَدِيقٍ بِلَا وَفَاءٍ ،
وَلَا فِي فِقْهٍ بِلَا وَرَعٍ ، وَلَا فِي صَدَقَةٍ إِلَّا بِنْيَّةٍ ، وَلَا فِي حَيَاةٍ إِلَّا بِصِحَّةٍ وَأَمْنٍ .

وَعَنْهُ : الْعِتَابُ مِفْتَاحُ الثُّقَالَى ، وَالْعِتَابُ خَيْرٌ مِنَ الْحِقْدِ .

هِشَامٌ : عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : رَأَى الْأَحْنَفُ فِي يَدِ رَجُلٍ دِرْهَمًا ، فَقَالَ : لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ : لِي : قَالَ :
لَيْسَ هُوَ لَكَ حَتَّى تُخْرِجَهُ فِي أَجْرٍ أَوِ اكْتِسَابِ شُكْرٍ , وَتَمَثَّلَ :


أَنْتَ لِلْمَالِ إِذَا أَمْسَكْتَهُ وَإِذَا أَنْفَقْتَهُ فَالْمَالُ لَكْ

وَقِيلَ : كَانَ الْأَحْنَفُ إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ وَسَّعَ لَهُ ; فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةً أَرَاهُ كَأَنَّهُ يُوَسِعُ لَهُ .

وَعَنْهُ قَالَ : جَنِّبُوا مَجَالِسَنَا ذِكْرَ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ ; إِنِّي أُبْغِضُ الرَّجُلَ يَكُونُ وَصَّافًا لِفَرْجِهِ وَبَطْنِهِ .

وَقِيلَ : إِنَّهُ كَلَّمَ مُصْعَبًا فِي مَحْبُوسِينَ وَقَالَ : أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ ، إِنْ كَانُوا حُبِسُوا فِي بَاطِلٍ ، فَالْعَدْلُ يَسَعُهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا حُبِسُوا فِي حَقٍّ ، فَالْعَفْوُ يَسَعُهُمْ .

وَعَنْهُ ، قَالَ : لَا يَنْبَغِي لِلْأَمِيرِ الْغَضَبُ ; لِأَنَّ الْغَضَبَ فِي الْقُدْرَةِ لَقَاحُ السَّيْفِ وَالنَّدَامَةِ .

الْأَصْمَعِيُّ ، قَالَ : عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا الْأَحْنَفُ الْكُوفَةَ مَعَ مُصْعَبٍ ، فَمَا رَأَيْتُ صِفَةً تُذَمُّ إِلَّا رَأَيْتُهَا فِيهِ ، كَانَ ضَئِيلًا ،
صَعْلَ الرَّأْسِ ، مُتَرَاكِبَ الْأَسْنَانِ ، مَائِلَ الذَّقْنِ ، نَاتِئَ الْوَجْنَةِ ، بَاخِقَ الْعَيْنِ ، خَفِيفَ الْعَارِضَيْنَ ، أَحْنَفَ الرِّجْلَيْنِ ، فَكَانَ إِذَا تَكَلَّمَ ، جَلَا عَنْ نَفْسِهِ .

الصَّعَلُ : صِغَرُ الرَّأْسِ ، وَالْبَخْقُ : انْخِسَافُ الْعَيْنِ ، وَالْحَنَفُ : أَنْ تُفْتَلَ كُلُّ رِجُلٍ عَلَى صَاحِبَتِهَا .

[ ص: 95 ] وَقِيلَ : كَانَ مُلْتَصِقَ الْأَلْيَةِ ، فَشُقَّ لَهُ . وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : الْأَحْنَفُ الَّذِي يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ .

عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ : عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنِ الْأَحْنَفِ ، قَالَ : سَمِعْتُ خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْخُلَفَاءِ ،
فَمَا سَمِعْتُ الْكَلَامَ مِنْ مَخْلُوقٍ أَفْخَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ .

وَعَنْهُ : لَا يَتِمُّ أَمْرُ السُّلْطَانِ إِلَّا بِالْوُزَرَاءِ وَالْأَعْوَانِ ، وَلَا يَنْفَعُ الْوُزَرَاءُ وَالْأَعْوَانُ إِلَّا بِالْمَوَدَّةِ وَالنَّصِيحَةِ ، وَلَا تَنْفَعُ الْمَوَدَّةُ وَالنَّصِيحَةُ إِلَّا بِالرَّأْيِ وَالْعِفَّةِ .

قِيلَ : كَانَ زِيَادٌ مُعَظِّمًا لِلْأَحْنَفِ ، فَلَمَّا وُلِّيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ تَغَيَّرَ أَمْرُ الْأَحْنَفِ ، وَقَدَّمَ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ دُونَهُ ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي الْأَشْرَافِ
فَقَالَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ : أَدْخِلْهُمْ عَلَيَّ عَلَى قَدْرِ مَرَاتِبِهِمْ . فَأَخَّرَ الْأَحْنَفَ ، فَلَمَّا رَآهُ مُعَاوِيَةُ أَكْرَمَهُ لِمَكَانِ سِيَادَتِهِ ، وَقَالَ : إِلَيَّ يَا أَبَا بَحْرٍ ،
وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُمْ ، فَأَخَذُوا فِي شُكْرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ، وَسَكَتَ الْأَحْنَفُ . فَقَالَ لَهُ : لِمَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ قَالَ : إِنْ تَكَلَّمْتُ خَالَفْتُهُمْ .
قَالَ : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ عَزَلْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ . فَلَمَّا خَرَجُوا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَرُومُ الْإِمَارَةَ . ثُمَّ أَتَوْا مُعَاوِيَةَ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، وَذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ شَخْصًا ، وَتَنَازَعُوا ،
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : مَا تَقُولُ يَا أَبَا بَحْرٍ ؟ قَالَ : إِنْ وَلَّيْتَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ لَمْ تَجِدْ مِثْلَ عُبَيْدِ اللَّهِ . فَقَالَ : قَدْ أَعَدْتُهُ . قَالَ : فَخَلَا مُعَاوِيَةُ بِعُبَيْدِ اللَّهِ
وَقَالَ : كَيْفَ ضَيَّعْتَ مِثْلَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي عَزَلَكَ وَأَعَادَكَ وَهُوَ سَاكِتٌ !؟ فَلَمَّا رَجَعَ عُبَيْدُ اللَّهِ جَعَلَ الْأَحْنَفَ صَاحِبَ سِرِّهِ .

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ الْمِصْرِيُّ الْفَقِيهُ ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْمُعَافِرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ ، قَالَ : حَضَرْتُ جَنَازَةَ الْأَحْنَفِ بِالْكُوفَةِ ،
فَكُنْتُ فِيمَنْ نَزَلَ قَبْرَهُ ، فَلَمَّا سَوَّيْتُهُ ، رَأَيْتُهُ قَدْ فُسِحَ لَهُ مَدَّ بَصَرِي ، فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ أَصْحَابِي ، فَلَمْ يَرَوْا مَا رَأَيْتُ .

قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ : تُوُفِّيَ الْأَحْنَفُ فِي دَارِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي غَضَنْفَرٍ ، فَلَمَّا دُلِّيٍ فِي حُفْرَتِهِ ، أَقْبَلَتْ بِنْتٌ لِأَوْسٍ السَّعْدِيِّ وَهِيَ عَلَى رَاحِلَتِهَا عَجُوزٌ ،
فَوَقَفَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ : مَنِ الْمُوَافَى بِهِ حُفْرَتَهُ لِوَقْتِ حِمَامِهِ؟ قِيلَ لَهَا : الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ . قَالَتْ : وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونَا إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ فِي حَيَاتِهِ
لَا تَسْبِقُونَا إِلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ . ثُمَّ قَالَتْ : لِلَّهِ دَرُّكَ مِنْ مِجَنٍّ فِي جَنَنٍ , وَمُدْرَجٍ فِي كَفَنٍ ، وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ : نَسْأَلُ مَنِ ابْتَلَانَا بِمَوْتِكَ ،
وَفَجَعَنَا بِفَقْدِكَ أَنْ يُوَسِّعَ لَكَ فِي قَبْرِكَ ، وَأَنْ يَغْفِرَ لَكَ يَوْمَ حَشْرِكَ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فِي بِلَادِهِ هُمْ شُهُودُهُ عَلَى عِبَادِهِ ، وَإِنَّا لَقَائِلُونَ حَقًّا ،
وَمُثْنُونَ صِدْقًا ، وَهُوَ أَهْلٌ لِحُسْنِ الثَّنَاءِ ، أَمَا وَالَّذِي كُنْتُ مِنْ أَجْلِهِ فِي عِدَّةٍ ، وَمِنَ الْحَيَاةِ فِي مُدَّةٍ ، وَمِنَ الْمِضْمَارِ إِلَى غَايَةٍ ، وَمِنَ الْآثَارِ إِلَى نِهَايَةٍ ،
الَّذِي رَفَعَ عَمَلَكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَجْلِكَ ، لَقَدْ عِشْتَ مَوْدُودًا حَمِيدًا ، وَمِتَّ سَعِيدًا فَقِيدًا ، وَلَقَدْ كُنْتَ عَظِيمَ الْحِلْمِ ، فَاضِلَ السِّلْمِ ، رَفِيعَ الْعِمَادِ ، وَارِيَ الزِّنَادِ ،
مَنِيعَ الْحَرِيمِ ، سَلِيمَ الْأَدِيمِ ، عَظِيمَ الرَّمَادِ ، قَرِيبَ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ .

قَالَ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ : حَدَّثَنَا أَبُو الضَّحَّاكِ أَنَّهُ أَبْصَرَ مُصْعَبًا يَمْشِي فِي جَنَازَةِ الْأَحْنَفِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ .

قَالَ الْفَسَوِيُّ : مَاتَ الْأَحْنَفُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ . وَقَالَ غَيْرُهُ : تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِينَ . وَقَالَ جَمَاعَةٌ :
مَاتَ فِي إِمْرَةِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى الْعِرَاقِ رَحِمَهُ اللَّهُ .

قُلْتُ : قَدِ اسْتَقْصَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَةَ الْأَحْنَفِ فِي كَرَارِيسَ .

وَطَوَّلْتُهَا -أَنَا- فِي تَارِيخِ الْإِسْلَامِ . رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .

وفاء الياسمين
2015-08-03, 07:03
حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبَّادٍ التَّمِيمِيُّ ، نَا أَبُو عُثْمَانَ الْمَازِنِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ :
سَمِعْتُ أَبَا عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ ، وَأَبَا سُفْيَانَ ابْنِ الْعَلَاءِ ، يَقُولَانِ : قِيلَ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ : مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ الْحِلْمَ ؟
قَالَ : مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيِّ ، لَقَدِ اخْتَلَفْنَا إِلَيْهِ فِي الْحِلْمِ كَمَا نَخْتَلِفُ إِلَى الْفُقَهَاءِ فِي الْفِقْهِ . بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ قَاعِدٌ بِفِنَائِهِ مُحْتَبٍ بِكِسَائِهِ ،
أَتَتْهُ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ مَقْتُولٌ وَمَكْتُوفٌ ، فَقَالَ : هَذَا ابْنُكَ قَتَلَهُ ابْنُ أَخِيكِ . فَوَاللَّهِ ، مَا حَلَّ حَبْوَتَهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ كَلَامِهِ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى ابْنٍ لَهُ فِي الْمَحْشِدِ ،
فَقَالَ : قُمْ ، فَأَطْلِقْ عَنِ ابْنِ عَمِّكَ وَوَارِي أَخَاكَ ، وَاحْمِلْ إِلَى أُمِّهِ مِئَةً مِنَ الْإِبِلِ ، فَإِنَّهَا غَرِيبَةٌ .
وَأَنْشَأَ يَقُولُ : إِنِّي امْرُؤٌ لَا شَائِنٌ حَسَبِي دَنَسٌ يُعَيِّرُهُ
وَلَا أَفَنُ مِنْ مِنْقَرٍ فِي بَيْتِ مَكْرُمَةٍ وَالْغُصْنُ يَنْبُتُ حَوْلَهُ الْغُصُنُ خُطَبَاءُ حِينَ يَقُولُ قَائِلُهُمْ بِيضُ الْوُجُوهِ أَعِفَّةٌ لُسُنُ لَا يَفْطُنُونَ لِعَيْبِ جَارِهِمْ
وَهُمْ بِحُسْنِ جِوَارِهِ فُطُنُ "
(حديث موقوف)
الحديث الموقوف: هو ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم ونحوها، فيوقف عليهم ولا يتجاوز بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهذا النوع منه الصحيح والحسن والضعيف.

وَقَالَ الشَّاعِرُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ :
عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا
تَحِيَّةَ مَنْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ نِعْمَةً إِذَا زَارَ عَنْ شَحْطِ بِلَادِكَ سَلَّمَا
فَمَا كَانَ قَيْسُ هُلْكُهُ هُلْكُ وَاحِدٍ وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا .

رَكان
2015-08-03, 13:21
بارك الله فيك الإفاده القيّمة ..ولمزيد من تعميمها ..أنقل لكم بعد إذنكم صاحب الموضوع ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقد بلغ من حلمه أن " عَمَرو بن الأهتم " أغرى رجلاً بسبِّه سبًّا مقذعًا ، ولكنه ظلَ صامتًا مُطرقًا .
فلما رأى الرجل أنه لا يُجيبه ، ولا يأبه له ، أخذ إبهامه في فمه ، وجعل يعضّه وهو يقول : واسوأتاه ، والله ، ما منعَهُ من جوابي إلا هَواني عليه .
إنه التابعي الجليل الأحنف ابن قيس ابن معاوية بن حصين الأمير الكبير أبو بحر التميمي اسمه ضحاك وقيل صخر وشهر بالأحنف سيد بني تميم ، وأحد أفذاذ العرب وأبطالهم الفاتحين نشأ هذا الفتى يتيمًا ، حيث قُتل أبوه وهو طفل ، ثم غمرت أنوار الإسلام قلبه وهو غلام صغير .
كان الأحنف بن قيس ثابتًا قويّ الجَنَان في عظائم الأمور بالرغم من حداثة سنّه .
فلا عجب من ذلك إذا عرفنا أن هذا الفتى التميمي كان نادرة من نوادر الدهر في حِدّة الخاطر ، وتوقّد الذكاء ، وصِدق النظرة ، وصفاء الفطرة ، والحِلم الذي اشتُهر به .
إجـابة الدعـوة :
قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنوات معدودات بعث بداعية من أصحابه إلى قوم الأحنف بن قيس يُعرفهم بدين الإسلام ، ويدعوهم إلى الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فسكت القوم وجعل بعضهم ينظر إلى بعض فبادرهم الأحنف - وكان حاضرًا - وهو يقول : " يا قوم مالي أراكم متردّدين ، تُقدّمون رِجْلاً وتؤخِّرون أخرى .. والله ، إن هذا الوافد عليكم لَوافِد خير .. وإنه يدعوكم إلى مكارم الأخلاق ، وينهاكم عما لا يجوز .. وواللهِ، ما سمعنا منه إلا حُسنًا، فأجيبوا داعي الهُدىَ، تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة" فما لبثوا أن أسلموا، وأسلم الفتى معهم .
دعا له الرسول فقال : " اللهمّ اغفر للأحنف". رواه أحمد في مسنده.
مواقف حاسمة :
في أحد الايام كان جالسا في مجلس الخليفة معاوية بن ابي سفيان فعاتبه معاوية لوقوفه في صف على بن ابي طالب رضي الله عنه وخاطبه بـ يااحنف , فرد عليه الاحنف بـ يامعاوية , فلما ترفق معه معاوية وقال له عهدتك حليما يا أبا صخر , فرد عليه الاحنف ليس على الند يا امير المؤمنين , وكانت ابنة معاوية تسمع حوارهما وتتعجب من هذا الرجل الذي يرد على الخليفة بهذا الاسلوب فقال لها معاوية : هذا الذي اذا غضب , غضب لغضبه مئة الف فارس من بني تميم لا يسألونه فيما غضب .
سُئِلَ مرة عن الخصال التي تجعل الرجل يسود قومه ؟..
فقال : من كان فيه أربع خصال ساد قومه من غير مُدافع .
فقيل له : وما هذه الخصال ؟
فقال : من كان له دين يحجزه ( يمنعه) ، وحسب ( شرف) يصونه، وعقل يُرشده، وحياء يمنعه.
وكان الأحنف عبّادًا صوّامًا قوّامًا زاهدًا بما في أيدي الناس .
وكان رضي الله عنه إذا جَنّ الليل أسردَ مصباحه ، ووضعه قريبًا منه ، ووقف يصلي في محرابه ، وهو يبكي إشفاقًا من عذاب الله ، وخشية مِن غضبه .
وقيل إن رجلا خاصم الأحنف .. وقال : لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا ..
فقال : لكنك إن قلت عشرا لم تسمع واحدة .
يعني سفهه ومارد عليه
وقيل إن رجلا قال للأحنف : بم سدت وأراد أن يعيبه ؟!..
قال الأحنف : بتركي ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك .
قيل للأحنف : فلان أغتابك ؟!..
فقال : ربَّ من يعنيه أمري .. وهو لم يخطر ببالي . قلبه ملآن من .. غيظي وقلبي منه خالي .

وفاته :
مات الأحنف سنة67 هـ
قال أبو عمرو بن العلاء توفي الأحنف في دار عبيد الله بن أبي غضنفر ..
فلما دلي في حفرته أقبلت بنت لأوس والسعدي وهي على راحلتها عجوز ..
فوقفت عليه وقالت : من الموافى به حفرته لوقت حمامه ؟..
قيل لها : الأحنف بن قيس ..
قالت : والله لئن كنتم سبقتمونا إلى الاستمتاع به في حياته لا تسبقونا إلى الثناء عليه بعد وفاته ..
ثم قالت : لله درك من مجن في جنن ومدرج في كفن وإنا لله وإنا إليه راجعون نسأل من ابتلانا بموتك وفجعنا بفقدك أن يوسع لك في قبرك وأن يغفر لك يوم حشرك ..
أيها الناس إن أولياء الله في بلاده هم شهوده على عباده وإنا لقائلون حقا ومثنون صدقا وهو أهل لحسن الثناء ..
أما والذي كنت من أجله في عدة ومن الحياة في مدة ومن المضمار إلى غاية ومن الآثار إلى نهاية الذي رفع عملك عند انقضاء أجلك ..
لقد عشت مودودا حميدا ..
ومت سعيدا فقيدا ..
ولقد كنت عظيم الحلم فاضل السلم رفيع العماد واري الزناد منير الحريم سليم الأديم عظيم الرماد قريب البيت من الناد ..

hunterxpro4
2015-09-05, 16:09
بارك الله فيك

koumari
2015-09-06, 20:30
الله يبارك فيك

NEWFEL..
2015-09-07, 07:59
بارك الله فيك

وفاء الياسمين
2015-09-27, 20:20
رفع للفائدة

أم محمد علي
2015-10-24, 10:06
الله يبارك
جزاك الله خيرا

وفاء الياسمين
2015-10-24, 13:21
وفيكِ بارك الله
جزاك الله كل خير

sidali75
2015-10-27, 17:42
بارك الله فيكِ أُختي