ام مصعب111
2015-07-27, 18:50
http://www.wlh-wlh.com/vb/storeimg/img_1381153643_406.gif
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك؛ بيّن فيها ما تحتاجه الأمة في جميع شئونها حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: «ما ترك النبي صلى الله عليه وسلّم طائراً يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً»(1). وقال رجل من المشركين لسلمان الفارسي رضي الله عنه: علمكم نبيكم حتى الخراة ـ آداب قضاء الحاجة ـ قال: «نعم، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي برجيع أو عظم»(2).
* وإنك لترى هذا القرآن العظيم قد بين الله تعالى فيه أصول الدين وفروع الدين فبين التوحيد بجميع أنواعه، وبين حتى آداب المجالس والاستئذان، قال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ في الْمَجَـالِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ }(المجادلة 11). وقال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(النور 27-28). حتى آداب اللباس قال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّلاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَـاتِ بِزِينَةٍ }(النور 60). {يأَيُّهَا النَّبِي قُل لاَِزْوَاجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }(الأحزاب 59). {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ }(النور 31). {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}(البقرة 189) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي يتبين بها أن هذا الدين شامل كامل لا يحتاج إلى زيادة كما أنه لا يجوز فيه النقص، ولهذا قال الله تعالى في وصف القرآن: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شيء }(النحل 89)، فما من شيء يحتاج الناس إليه في معادهم ومعاشهم إلا بينه الله تعالى في كتابه إما نصّاً أو إيماء وإما منطوقاً وإما مفهوماً.
* أيها الإخوة: إن بعض الناس يفسر قول الله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ في الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِن شيء}(الأنعام 38). يفسر قوله: {مَّا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِن شيء } على أن الكتاب القرآن، والصواب أن المراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ. وأما القرآن فإن الله تعالى وصفه بأبلغ من النفي وهو قوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شيء } فهذا أبلغ وأبين من قوله: {مَّا فَرَّطْنَا في الكِتَـابِ مِن شيء ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }. ولعل قائلاً يقول أين نجد أعداد الصلوات الخمس في القرآن؟ وعدد كل صلاة في القرآن؟ وكيف يستقيم أننا لا نجد في القرآن بيان أعداد ركعات كل صلاة والله يقول: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شيء }؟
والجواب على ذلك أن الله تعالى بين لنا في كتابه أنه من الواجـب علينـا أن نأخذ بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلّم وبما دلنا عليه {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَـكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }(النساء 80)، {وَمَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }(الحشر 7)، فما بينته السنة فإن القرآن قد دل عليه لأن السنة أحد قسمي الوحـي الـذي أنزله الله على رسوله وعلّمه إياه كمـا قـال الله تعالـى: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء 113)، وعلى هذا فما جاء في السنة فقد جاء في كتاب الله عز وجل.
* أيها الإخوة: إذا تقرر ذلك عندكم فهل النبي صلى الله عليه وسلّم توفي وقد بقي شيء من الدين المقرب إلى الله تعالى لم يبيّنه؟
أبداً فالنبي عليه الصلاة والسلام بين كل الدِّين إما بقوله، وإما بفعله، وإما بإقراره إما ابتداءاً أو جواباً عن سؤال، وأحياناً يبعث الله أعرابياً من أقصى البادية ليأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسأله عن شيء من أمور الدين لا يسأله عنه الصحابة الملازمون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ولهذا كانوا يفرحون أن يأتي أعرابي يسأل النبي صلى الله عليه وسلّم عن بعض المسائل. ويدلك على أن النبي صلى الله عليه وسلّم ما ترك شيئاً مما يحتاجه الناس في عبادتهم ومعاملتهم وعيشهم إلا بينه يدلك على ذلك قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً }(المائدة 3).
* إذا تقرر ذلك عندك أيها المسلم فاعلم أن كل من ابتدع شريعة في دين الله ولو بقصد حسن فإن بدعته هذه مع كونها ضلالة تعتبر طعناً في دين الله عز وجل، تعتبر تكذيباً لله تعالى في قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } لأن هذا المبتدع الذي ابتدع شريعة في دين الله تعالى وليست في دين الله تعالى كأنه يقول بلسان الحال إن الدين لم يكمل لأنه قد بقي عليه هذه الشريعة التي ابتدعها يتقرب بها إلى الله عز وجل. ومن عجب أن يبتدع الإنسان بدعة تتعلق بذات الله عز وجل وأسمائه وصفاته ثم يقول إنه في ذلك معظم لربه، إنه في ذلك منزه لربه، إنه في ذلك ممتثل لقوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }(البقرة 22)، إنك لتعجب من هذا أن يبتدع هذه البدعة في دين الله المتعلقة بذات الله التي ليس عليها سلـف الأمـة ولا أئمتهـا ثم يقول إنه هو المنزه لله وإنه هو المعظم لله وإنـه هـو الممتثـل لقـول الله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} وأن من خالف ذلك فهو ممثل مشبه أو نحو ذلك من ألقاب السوء.
كما أنك لتعجب من قوم يبتدعون في دين الله ما ليس منه فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلّم ويدعون بذلك أنهم هم المحبون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنهم المعظمون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وأن من لم يوافقهم في بدعتهم هذه فإنه مبغض لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى غير ذلك من ألقاب السوء التي يلقبون بها من لم يوافقهم على بدعتهم فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلّم.
ومن العجب أن مثل هؤلاء يقولون نحن المعظمون لله ولرسوله، وهم إذا ابتدعوا في دين الله وفي شريعته التي جاء بها رسوله صلى الله عليه وسلّم ما ليس منها فإنهم بلا شك متقدمون بين يدي الله ورسوله وقد قال الله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يدي اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(الحجرات 10).
* أيها الإخوة: إني سائلكم ومناشدكم بالله عز وجل وأريد منكم أن يكون الجواب من ضمائركم لا من عواطفكم، من مقتضى دينكم لا من مقتضى تقليدكم. ما تقولون فيمن يبتدعون في دين الله ما ليس منه سواء فيما يتعلق بذات الله وصفات الله وأسماء الله، أو فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم يقولون نحن المعظمون لله ولرسول الله أهؤلاء أحق بأن يكونوا معظمين لله ولرسول الله؟ أم أولئك القوم الذين لا يحيدون قيد أنملة عن شريعة الله، يقولون فيما جاء من الشريعة آمنا وصدقنا فيما أخبرنا به وسمعنا وأطعنا فيما أمرنا به أو نهينا عنه، ويقولون فيما لم تأت به الشريعة أحجمنا وانتهينا وليس لنا أن نتقدم بين يدي الله ورسوله، وليس لنا أن نقول في دين الله ما ليس منه. أيهما أحق أن يكون محبّاً لله ورسوله ومعظماً لله ورسوله؟ لا شك أن الذين قالوا آمنا وصدقنا فيما أخبرنا به وسمعنا وأطعنا فيما أمرنا به، وقالوا كففنا وانتهينا عما لم نؤمر به، وقالوا نحن أقل قدراً في نفوسنا من أن نجعل في شريعة الله ما ليس منها، أو أن نبتدع في دين الله ما ليس منه؛ لا شك أن هؤلاء هم الذين عرفوا قدر أنفسهم وعرفوا قدر خالقهم، هؤلاء هم الذين عظموا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم وهم الذين أظهروا صدق محبتهم لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم.
لا أولئك الذين يبتدعون في دين الله ما ليس منه في العقيدة أو القول أو العمل، وإنك لتعجب من قوم يعرفون قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»(3). ويعلمون أن قوله «كل بدعة» كلية عامة شاملة مسورة بأقوى أدوات الشمول والعموم «كل» والذي نطق بهذه الكلية صلوات الله وسلامه عليه يعلم مدلول هذا اللفظ وهو أفصح الخلق، وأنصح الخلق للخلق لا يتلفظ إلا بشيء يقصد معناه. إذن فالنبي صلى الله عليه وسلّم حينما قال: «كل بدعة ضلالة» كان يدري ما يقول، وكان يدري معنى ما يقول، وقد صدر هذا القول منه عن كمال نصح للأمة.
يتبع............
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك؛ بيّن فيها ما تحتاجه الأمة في جميع شئونها حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: «ما ترك النبي صلى الله عليه وسلّم طائراً يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً»(1). وقال رجل من المشركين لسلمان الفارسي رضي الله عنه: علمكم نبيكم حتى الخراة ـ آداب قضاء الحاجة ـ قال: «نعم، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي برجيع أو عظم»(2).
* وإنك لترى هذا القرآن العظيم قد بين الله تعالى فيه أصول الدين وفروع الدين فبين التوحيد بجميع أنواعه، وبين حتى آداب المجالس والاستئذان، قال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ في الْمَجَـالِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ }(المجادلة 11). وقال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(النور 27-28). حتى آداب اللباس قال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّلاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَـاتِ بِزِينَةٍ }(النور 60). {يأَيُّهَا النَّبِي قُل لاَِزْوَاجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }(الأحزاب 59). {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ }(النور 31). {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}(البقرة 189) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي يتبين بها أن هذا الدين شامل كامل لا يحتاج إلى زيادة كما أنه لا يجوز فيه النقص، ولهذا قال الله تعالى في وصف القرآن: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شيء }(النحل 89)، فما من شيء يحتاج الناس إليه في معادهم ومعاشهم إلا بينه الله تعالى في كتابه إما نصّاً أو إيماء وإما منطوقاً وإما مفهوماً.
* أيها الإخوة: إن بعض الناس يفسر قول الله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ في الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِن شيء}(الأنعام 38). يفسر قوله: {مَّا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِن شيء } على أن الكتاب القرآن، والصواب أن المراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ. وأما القرآن فإن الله تعالى وصفه بأبلغ من النفي وهو قوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شيء } فهذا أبلغ وأبين من قوله: {مَّا فَرَّطْنَا في الكِتَـابِ مِن شيء ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }. ولعل قائلاً يقول أين نجد أعداد الصلوات الخمس في القرآن؟ وعدد كل صلاة في القرآن؟ وكيف يستقيم أننا لا نجد في القرآن بيان أعداد ركعات كل صلاة والله يقول: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شيء }؟
والجواب على ذلك أن الله تعالى بين لنا في كتابه أنه من الواجـب علينـا أن نأخذ بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلّم وبما دلنا عليه {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَـكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }(النساء 80)، {وَمَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }(الحشر 7)، فما بينته السنة فإن القرآن قد دل عليه لأن السنة أحد قسمي الوحـي الـذي أنزله الله على رسوله وعلّمه إياه كمـا قـال الله تعالـى: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء 113)، وعلى هذا فما جاء في السنة فقد جاء في كتاب الله عز وجل.
* أيها الإخوة: إذا تقرر ذلك عندكم فهل النبي صلى الله عليه وسلّم توفي وقد بقي شيء من الدين المقرب إلى الله تعالى لم يبيّنه؟
أبداً فالنبي عليه الصلاة والسلام بين كل الدِّين إما بقوله، وإما بفعله، وإما بإقراره إما ابتداءاً أو جواباً عن سؤال، وأحياناً يبعث الله أعرابياً من أقصى البادية ليأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسأله عن شيء من أمور الدين لا يسأله عنه الصحابة الملازمون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ولهذا كانوا يفرحون أن يأتي أعرابي يسأل النبي صلى الله عليه وسلّم عن بعض المسائل. ويدلك على أن النبي صلى الله عليه وسلّم ما ترك شيئاً مما يحتاجه الناس في عبادتهم ومعاملتهم وعيشهم إلا بينه يدلك على ذلك قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً }(المائدة 3).
* إذا تقرر ذلك عندك أيها المسلم فاعلم أن كل من ابتدع شريعة في دين الله ولو بقصد حسن فإن بدعته هذه مع كونها ضلالة تعتبر طعناً في دين الله عز وجل، تعتبر تكذيباً لله تعالى في قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } لأن هذا المبتدع الذي ابتدع شريعة في دين الله تعالى وليست في دين الله تعالى كأنه يقول بلسان الحال إن الدين لم يكمل لأنه قد بقي عليه هذه الشريعة التي ابتدعها يتقرب بها إلى الله عز وجل. ومن عجب أن يبتدع الإنسان بدعة تتعلق بذات الله عز وجل وأسمائه وصفاته ثم يقول إنه في ذلك معظم لربه، إنه في ذلك منزه لربه، إنه في ذلك ممتثل لقوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }(البقرة 22)، إنك لتعجب من هذا أن يبتدع هذه البدعة في دين الله المتعلقة بذات الله التي ليس عليها سلـف الأمـة ولا أئمتهـا ثم يقول إنه هو المنزه لله وإنه هو المعظم لله وإنـه هـو الممتثـل لقـول الله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} وأن من خالف ذلك فهو ممثل مشبه أو نحو ذلك من ألقاب السوء.
كما أنك لتعجب من قوم يبتدعون في دين الله ما ليس منه فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلّم ويدعون بذلك أنهم هم المحبون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنهم المعظمون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وأن من لم يوافقهم في بدعتهم هذه فإنه مبغض لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى غير ذلك من ألقاب السوء التي يلقبون بها من لم يوافقهم على بدعتهم فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلّم.
ومن العجب أن مثل هؤلاء يقولون نحن المعظمون لله ولرسوله، وهم إذا ابتدعوا في دين الله وفي شريعته التي جاء بها رسوله صلى الله عليه وسلّم ما ليس منها فإنهم بلا شك متقدمون بين يدي الله ورسوله وقد قال الله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يدي اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(الحجرات 10).
* أيها الإخوة: إني سائلكم ومناشدكم بالله عز وجل وأريد منكم أن يكون الجواب من ضمائركم لا من عواطفكم، من مقتضى دينكم لا من مقتضى تقليدكم. ما تقولون فيمن يبتدعون في دين الله ما ليس منه سواء فيما يتعلق بذات الله وصفات الله وأسماء الله، أو فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم يقولون نحن المعظمون لله ولرسول الله أهؤلاء أحق بأن يكونوا معظمين لله ولرسول الله؟ أم أولئك القوم الذين لا يحيدون قيد أنملة عن شريعة الله، يقولون فيما جاء من الشريعة آمنا وصدقنا فيما أخبرنا به وسمعنا وأطعنا فيما أمرنا به أو نهينا عنه، ويقولون فيما لم تأت به الشريعة أحجمنا وانتهينا وليس لنا أن نتقدم بين يدي الله ورسوله، وليس لنا أن نقول في دين الله ما ليس منه. أيهما أحق أن يكون محبّاً لله ورسوله ومعظماً لله ورسوله؟ لا شك أن الذين قالوا آمنا وصدقنا فيما أخبرنا به وسمعنا وأطعنا فيما أمرنا به، وقالوا كففنا وانتهينا عما لم نؤمر به، وقالوا نحن أقل قدراً في نفوسنا من أن نجعل في شريعة الله ما ليس منها، أو أن نبتدع في دين الله ما ليس منه؛ لا شك أن هؤلاء هم الذين عرفوا قدر أنفسهم وعرفوا قدر خالقهم، هؤلاء هم الذين عظموا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم وهم الذين أظهروا صدق محبتهم لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم.
لا أولئك الذين يبتدعون في دين الله ما ليس منه في العقيدة أو القول أو العمل، وإنك لتعجب من قوم يعرفون قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»(3). ويعلمون أن قوله «كل بدعة» كلية عامة شاملة مسورة بأقوى أدوات الشمول والعموم «كل» والذي نطق بهذه الكلية صلوات الله وسلامه عليه يعلم مدلول هذا اللفظ وهو أفصح الخلق، وأنصح الخلق للخلق لا يتلفظ إلا بشيء يقصد معناه. إذن فالنبي صلى الله عليه وسلّم حينما قال: «كل بدعة ضلالة» كان يدري ما يقول، وكان يدري معنى ما يقول، وقد صدر هذا القول منه عن كمال نصح للأمة.
يتبع............