تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جهود المسلمين في بناء الحضارة


ب.جلولي
2015-07-23, 14:23
يقول الدكتور الحبر يوسف نور الدايم من السودان: " ... دور الإسلام في الحضارة الإنسانية قديمها وحديثها لا ينكره إلا مكابر جهول. ومن المؤسف أن بعض المسلمين جهلا منهم، وغفلة وسوء نظر يحسبون أن العلوم التي ينعم الناس بثمرتها اليوم إن هي إلا جهد خالص للأوروبين وفضل سابغ لا يشركهم فيه أحد. وهم في هذا إنما ينسون أن هذه العلوم ثمرة تجارب طويلة ضاربة في أعماق التاريخ ".
وعن المسلمين الأوائل يقول: " فقد استطاعوا أن يبهروا عالم العصور المظلمة عند الغربيين بما أحرزوه من تقدم علمي منير في كثير من الميادين "، ويذكر بعض العلماء فيقول " ففي الكمياء برز جابر بن حيان الذي قيل فيه إن لجابر بن حيان في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق، وفي الحساب والجبر أبدع محمد بن موسى الخوارزمي، وفي علم الفلك اشتهر البتاني، وفي الطبيعة علا كعب بن الهيثم، وفي النبات طارت شهرة ابن بيطار إلى غير هؤلاء ممن لا يحصرهم العد، ولا يحيطهم الخبر ".
ثم يقول: " ... هذه الجهود لم تذهب عبثا ولم تمض سدى، بل أدت دورها كاملا في تقدم الإنسانية وازدهار الحضارة ... كانت حضارة متكاملة تقف وراءها عقول صافية مؤمنة، ونفوس آمنة مطمئنة وقلوب عامرة واعية، وما من باحث منصف إلا ويعترف اعترافا كاملا بالمسؤولية الضخمة التي نهض بها المسلمون دون كلل أو ملل ".
ويستشهد بقول أحد المفكرين الذي قال: " وبدافع القرآن رفع المسلمون لواء الحكمة وخدموا العلم والمعرفة، واحيوا علوم السابقين وعلموا الفلسفة والطب والفلك ... مما أتاح لنا أن نصل إلى النهضة العلمية الحديثة ولهذا يجدر بنا ألا نكف عن البكاء كلما تذكرنا اليوم الذي سقطت فيه غرناطة "، يجدر بنا ألا نكف عن البكاء والنحيب لما آل إليه أمرنا اليوم.
ويقول الدكتور: " ... فأصاب الناس كسل قاتل وخمول مريع ماتت منه الهمم وخبت له النفوس فسيطرت الشهوات وسيرت الناس الأهواء ... وعندما يترك الناس الاجتهاد والمجاهدة والجهاد ... عندما يترك الناس التعلق بالمثل العليا، والأهداف السامية والأغراض النبيلة ... عندما يكون همهم الأكل والشرب والسبق فقد أذنوا بزوال.
ويقول: ' ... فالتتار والصليبين والاستعمار الحديث انزلوا ضربات قاصمات، وصبوا سوط عذاب على المسلمين الذين كانوا يعانون من أمراضهم الداخلية الفتاكة ويكفي أن كثيرا من المسلمين كانوا عونا وظهيرا وناصرا لأولائك المعتدين على إخوانهم المسلمين. ومن العوامل التي أدت إلى عواقب وخيمة وبيلة سخافة العقول وضحالة الفكر "، وما أشبه اليوم بالبارحة، فاليوم كذلك نجد بعض المسلمين يساعدون العدو على ضرب إخوانهم وتفكيك صفوفهم، ثم يقول: " ... تعلق الناس بالقشور والأعراض والأشكال وأفرغت الشعائر الدينية من معناها وانتشرت الأوهام والخرافات واستهان الناس بالواجبات والفرائض وتعصبوا وتدابروا في مسائل فرعية لا تغني ولا تسمن من جوع وهكذا، وهذا مما يدعو للحزن والأسف "، تعصبنا للقبض والسدل وجلسة الاستراحة أو عدمها وما إلى ذلك من المندوبات والمستحبات وتنافرنا من أجل وتقاتلنا؛ وتركنا الجوهر الذي هو المحبة والإخاء ونبذ العنف والتطرف وتوحيد الصفوف والنهوض بالعلوم خدمة للبشرية جمعاء.
ثم يبين دور كل من العالم والحاكم من أجل النهوض بالمجتمع ومن ثم تكوين دولة قوية على أسس متينة فيقول: " العالم في الإسلام ينصح ويعظ ويرشد والحاكم يستشير ويسمع ويطيع كلمة الحق وتاريخنا مليء بسير العلماء العاملين الأبطال الذين أدوا الأمانة وحفظوا العهود ولم يمائلوا باطلا "، فإذا اتفق العالم مع الحاكم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فذلك هو الخير كله؛ وما أحوجنا إلى ذلك.
ويقول: " ... فالحكمة ضالة المؤمن وهناك تمويه وخداع من كثير ممن تأثروا بالحضارة الغربية إذ يزعمون أن الحضارة لا تتجزأ فهي إما أن تؤخذ جملة أو تترك وهؤلاء يريدون منا أن نكون حطاب ليل نأخذ الغث والسمين كأنا مشلولو الإدارة. نحن نريد أن نأخذ بأسباب العلم لان ديننا يدعونا لذلك وهو بعد حق من حقوقنا شاركنا فيه مشاركة فعلية ولكننا لا نريد أن نرث أمراض القوم وآفاتهم "، وما يؤسف له اليوم؛ أننا أخذنا الغث وتركنا السمين، أخذنا كل شيء من الغرب إلا العلم فقد ضربنا عنه صفحا.
ويقول: " علينا أن نتابع ما تخرجه المطابع فبعضه جيد نافع ... وبعضه يهاجمنا من وراء حجاب فابسم التقدمية والقومية الاشتراكية والواقعية يهاجم الدين ويذبح الفضيلة، ثم يضيف: " إن ظلام الجهل المتراكم لا يقطعه إلا نور المعرفة الوهاج والمعرفة لا تنال إلا بالجهد الدائب والتوفيق المتألب وليس المعرفة – بعد – ترفا ذهنيا ولا حيلة تُرتدى وإنما العبرة بما تخلفه من اثر في النفس والشعور "، ويتساءل فيقول: " ... وما من نهضة ترجى للمسلمين والقرآن مهجور والحديث مهدوم، والشريعة معطلة "، هذه بعض القطوف من المحاضر التي ألقاها الدكتور الحبر يوسف نور الدايم من السودان بالجزائر في إحدى ملتقيات التعرف على الفكر الإسلامي سنة 1975.
مجلة الأصالة عدد25 سنة 1975.