تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الصـــَّـوم جُنَّــــة


oum salim
2015-07-10, 01:07
http://www.foxpic.com/Vsxqbh4t.gif (http://www.foxpic.com/)
http://www.foxpic.com/VzynXLLu.png (http://www.foxpic.com/)




بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله –تعالى- بدين الحق ليظهره على الدين كله، فبلَّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة، وتركنا على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فإن الله –سبحانه وتعالى- قد خلق العباد لحكمة عظيمة وغاية ساميةٍ كريمة، خلقهم وهو أعلم بما يصلحهم إذ له الخلق والأمر وبيده مقادير الأمور، خلق الله –سبحانه وتعالى- العباد لعبادته؛ كما قال –تعالى-: {وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلا ليعبدون} فهذه هي الغاية الشريفة؛ وهي عمارة الله بعبادة الله –سبحانه وتعالى- وطاعته والتذلل له، وبذلك كمال الإنسان، وبذلك صلاح الإنسان، وبذلك فلاحه وزكاؤه وسعادته في الدنيا والآخرة وأهليَّته لرحمة الرحمن وسكنى الجِنان.
من رحمة الله –سبحانه وتعالى- أن نوَّع لعباده العبادات؛ ليشتاقوا إليها ولينشطوا لكل عبادة في وقتها، ولألا يملُّوا نوعًا واحدًا من العبادة، وإنما نوّعها لهم ما بين صلاة أحيانًا وذكرٍ وصيامٍ وحجٍ وزكاةٍ وغير ذلك.
وإنّ من العبادات الفاضلة الكريمة التي جاء بيان فضلها ومزيّتها في كتاب الله وسنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عبادة الصيام، فالصيام من أجلّ العبادات وأعظم الطاعات والقُربات، وقد أوصى به النبي الحبي-صلى الله عليه وسلم-أبا أمامة، فقال عندما سأله عن أمرٍ يأخذه عنه ينفعه الله به أو عن أفضل العمل كما جاء في بعض الروايات قال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((عليك بالصوم فإنه لا مِثل له)) وفي رواية: ((لا عِدْلَ له)).
ومن أعظم أدلة فضيلة الصيام فرْضيَّته على الأمم قبلنا كما فُرِض علينا؛ كما قال الله –تعالى- في كتابه العزيز: {يا أيها الذين ءامنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، وإذا اتفقت الشرائع على أمرٍ في الخير أو الشر دلّ على عظمته، فعندما بيّن الله –تعالى- في هذه الآية أنه فرض علينا الصيام كما فرضه على من كان قبلنا دلّ هذا على أنه عبادةٌ عظيمة، وأن للعباد الحاجة الماسّة إلى هذه العبادة؛ لِمَا لهم فيها من زكاءٍ وصلاحٍ وفلاح.
ومن نظر إلى الصيام ومعناه ومقصوده وغايته تبيّن له عظمته وتبيّن له حقا حاجة العباد إليه.
يعرِّفه الفقهاء بأنه إمساكٌ بنيةٍ عن المفطِّرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، ولكنه إنما يَكمُل ويتحقق ما يترتّب عليه من أجر بالتأدّب بآداب الصيام، فإن لكل عبادة لها كيفيّة وآدابٌ تؤدَّى على وِفْقِها لتؤثِّر أثرها ويترتّب عليها أجرها، إذ ليس المراد هو مجرد الصورة الظاهرة بل لها مع صورتها الظاهرة حقيقة تقوم بالقلوب تقرِّب من علّام الغيوب وهو الله –سبحانه وتعالى-.
فالصلاة مثلا أقوالٌ وأفعال مفتتحة التكبير ومختتمة بالتسليم، ولكن لا يكفي فيها مجرّد القراءة والركوع والسجود حتى يكون مع ذلك وينضمّ إليه إقبال القلب على هذه الصلاة وإحضاره فيها وخشوعه، ولهذا قد يصلي اثنان في صفِ واحد أحدهما إلى جانب صاحبه وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، ولهذا جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (( إنّ الرجل لينصرف عن الصلاة وما كُتِبَ له إلا نصغها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا خمسها.. حتى قال: إلا عشرها)) وربما يكون هذا المصلي قد قرأ كما قرأ غيره وركع وسجد كما يسجد غيره لكن العبرة بحضور قلبه وخشوعه في صلاته، وهكذا غيرها من العبادات، ومن ذلك الصيام، ولهذا سأتحدث عن آداب الصيام لعل الله أن يوفقنا ليؤثر الصيام فينا أثره وليتحقق عليه ما رتّب الله عليه من المغفرة للذنوب والسيئات، وذلك بعد أن أُعرِّج على شيءٍ من فضائل الصيام فأقول:
إنّ أعظم فضيلةٍ للصيام هي أنه سببٌ لتحقيق التقوى؛ كما قال الله –تعالى-: {يا أيها الذين ءامنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، والتقوى : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية باتباع أوامره واجتناب نواهيه، التقوى اتقاء الذنوب باتقاء أسبابها، ومن أسباب الذنوب أخطاء اللسان والجوارح كلها، وذلك يعني أنّ الصيام فيه حفْظٌ للجوارح عن كل محرّم، سواء اللسان أو الجوارح الأخرى، فهو تقوى من الذنوب؛ لأنه يحفظ الإنسان في لسانه ويحفظه في جوارحه إذ هو متلبِّسٌ بالصيام، ولهذا جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (( والصوم جنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَله فليقل: إنّي صائم))، قال: ((الصوم جنّة)) جنَّة: أي وقايةٌ وسِتْر من اللغو والرّفث ونحو ذلك من الكلام السيئ، وإذا اتقى الإنسان الرفث والكلام السيئ التزامًا بصيامه وتأدّبًا بآدابه اتقى الذنوب بالتالي، فإذا اتقى الذنوب اتقى النار، فكان الصوم بالتالي سببا لاتقاء النار؛ كما جاء في الحديث عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: ((والصوم جنّة يَستجنُّ بها العبد من النار)).
هناك قال: ((والصوم جنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب)) فهو جنّة مما يوصِل إلى النار من الرفث والصخب ونحوه.
وفي الحديث الآخر قال: (( من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا)) فهذه فضيلة عظيمة للصيام أنه يحقق لصاحبه تقوى الله –عز وجل- لمن عرف الصيام على حقيقته وأنه لا يقف عند حدودِ أن يُمسِك الإنسان عن الطعام والشراب، فإنّ الله –سبحانه وتعالى- لا يريد أن يُجِيعَنا ويُعطِّشنا وإنما يريد أن يبتلينا ويختبرنا ويمتحننا ويزكّينا، ولهذا جاء في الحديث: (( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه)) يعني الله –تعالى- غني من أن تدع الطعام والشراب، إنما الغاية فوق ذلك، وإنما ترك الطعام والشراب وسيلة من الوسائل حتى تزكو النفس وتصفو الروح فيضبط الإنسان نفسه.

oum salim
2015-07-10, 01:15
كذلك أيضا من فضائل الصيام أنه سببٌ لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، وكم نجتني من الذنوب وكم نجترم في حق الله وحق خلقه، والذنوب هي الموصلة إلى النار –والعياذ بالله- وهي الموصلة لغضب الجبار، فما كان ماحيا لها فإنه من أفضل الأعمال، فالصيام سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، فإذا غُفِرت الذنوب وكُفِّرت السيئات زكى الإنسان وسَلِمَ قلبه وتأهّل لجنة عرضها السماوات والأرض، ولهذا جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه)) ، أي إيمانا بالله –تعالى- وبفرضيَّة هذا الصيام، واحتسابا للثواب عند الله –سبحانه وتعالى- غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، وهذا والله فضلٌ عظيم وهي مغفرة الذنوب والسيئات، كم يقوم العباد ويُحيون ليلهم ويُتعبون نهارهم كم يجاهدون في سبيل الله كم يبذلون من أنفسهم ومُهَجِهِم وأموالهم من أجل أن يُحصِّلوا على مغفرة الذنوب فهذه مغفرة الذنوب تتحقق بفضل الله لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا.
كذلك أيضا جاء عنه-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهنّ إذا اجتُنِبَت الكبائر))، الصلوات الخمس: أي من صلاة إلى صلاة تكفّر ما بينها، ومن جمعة إلى جمعة تكفِّر ما بينها، ومن رمضان إلى رمضان تكفّر ما بينها، إذا اجتُنبت الكبائر؛ إذن لابد للكبائر من توبة.
كذلك من فضائل الصيام: أنّ ثوابه لا يتقيَّد بعدد معيَّن، بل يُعطى الصائم أجره بغير حساب، لأنّا نعلم أن الله –سبحانه وتعالى- قد رتّب على الأعمال ثوابا يتجلّى فيه كرم الرب –عز وجل- ، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، بالعدد، إلا الصيام، فإنه لا يدخل في هذا التضعيف، جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال تعالى: ((كل عمل ابن آدم له ))يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله –تعالى-، يدع شهوته وطعامه من أجلي فهذه فضيلة للصيام أن الله –تعالى- قد تكفّل بالجزاء على الصيام بدون عددٍ معيَّن، هذا الحديث يتبيَّن منه فضيلة الصوم من وجوه:
أولا: أن الله –تعالى- اختص الصوم له –تعالى- من بين الأعمال، فقال: ((كل عمل ابن آدم له إلا الصوم)) يعني أن كل عمل ابن آدم يضاعف له كذا كذا كما ذكر إلا الصوم فإن الله –تعالى- اختصه من بين الأعمال قال: ((فإنه لي وأنا أجزي به))؛ وهذا لشرفه ومحبته، شرف الصيام ومحبة الله –تعالى- له، وظهور الإخلاص فيه، فهو سرٌّ بين العبد وربه، إذ الامساك أساسه في القلب، نية، إمساك بنية، الصيام أساسه في القلب؛ إمساكٌ بنية، ثم أيضا قد يستتر الإنسان عن الناس فيأكل ويشرب، وربما لا ينوي بقلبه الصيام فلا يكون صائما، فإذن الصيام سرٌ بين العبد وربه –عز وجل-، لا يقوم به إلأا المتقي المخلص لله –عز وجل- المراقب لله الخائف من الله –تعالى- سرا وعلانية، ولهذا اختصه الله –تعالى- من بين الأعمال قال: ((الا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)).
عن سفيان ابن عيينة –رحمه الله- قال: " إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدّي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى إذا لم يبقى إلا الصوم يتحمَّل الله عنه ما بقي من المظالم ويدخله الجنة بالصوم" يعني أن الله يحاسب العبد يوم القيامة ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله الذي عمل، فإذا فَنِيَ عمله وبقيت عليه بعض المظالم فإن الله –سبحانه وتعالى- يتحمّل عنه تلك المظالم ويستبقي له من عمله الصيام حتى يدخله الجنة بالصيام، وهذه خصيصة من خصائص الصيام بها يتجلّى ويتبيّن وجه اختصاص الله –تعالى- نفسه بالصيام في قوله : ((إلا الصوم فإنه لي وأنا اجزي به)).
ثم أيضا إن الله –تعالى- قال في الصوم : ((وأنا أجزي به)) فأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة والعطية على قدر معطيها، والله –سبحانه وتعالى- غني كريم جواد بيده مقاليد السماوات والأرض، ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض لم يَغِض ما في يمينه –سبحانه وتعالى- فهو قال: (( وأنا اجزي به)) يعني جزاء الصائم عليّ، وقد يتبيّن شيء من هذا إذا قال لك كبير أو غني أو ثري أو أمير قال: يا فلان لك مني هدية أو لك مني مكافأة، هل تتوقع أن تكون مثل مكافأة سائر الناس وهو أمير أو ثري؟ لا، بل تتوقع أن تكون على قدره، فالعطية على قدر معطيها، كيف إذا كان الذي قال هذا القول هو الله –سبحانه وتعالى- الذي بيده مقاليد السماوات والأرض؟ وإذا اجتمع العباد كلهم إنسهم وجنهم في صعيد واحد فسألوا الله –عز وجل- فأعطى كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عند الله –عز وجل- إلا كما ينقص المِخْيَط إذا غُمِسَ في البحر، فماذا ينقص؟ .
الله –تعالى- قال: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) ذلك أن الصوم يتحقق فيه الصبر بجميع أنواعه؛ صبر على طاعة الله بآداء الصيام، وصبرٌ عن محارم الله بانتهاك ما يؤثر في الصيام، وصبر على أقدار الله المؤلمة من جوعٍ وعطش، والصابرون يوفَّون أجرهم بغير حساب؛ كما قال –تعالى- : {إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.

oum salim
2015-07-10, 01:20
من فضائل الصوم كذلك اختصاص أهله من بين أهل الجنة بباب خاصٍ بهم يسمّى باب الريّان، ولاحِظ لمّا عطّشوا أنفسهم في الدنيا نودوا من ذلك الباب الذي اسمه يدلُّ على الرِّي، ولهذا من دخل من ذلك الباب شرب شربة لا يظمأ بعدها أبدا، فهو باب الريّان، الحديث: (( إن في الجنة بابا يقال له باب الريّان يدخل منه الصائمون فإذا دخلوا أُغلِق فلا يدخل منه أحدٌ سواهم)).
كذلك من فضائل الصوم محبة الله للصائم على ما هو عليه من آثار الصيام، وإن كانت آثارا في ظاهرها غير محببةٍ لنا لكنها محبوبةٌ إلى الله –تعالى- لأنها ناتجةٌ من الطاعة، وذلك ما جاء في قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده لخَلُوفُ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)) خَلوف فم الصائم: هو تغيُّر رائحة فم الصائم من أثر خُلوِ المائدة، فهي محبوبة عندا الله –تعالى- لأنها ناتجة عن الطاعة، وما كان ناتجا عن الطاعة فإنه محبوب عند الله –تعالى-، ألم ترَوا إلى الحاج عندما سافر وشَعِثَ وغَبِر لكن كان سعيه في طاعة الله –عز وجل- أعجب ذلك ربه فقال الله –تعالى- لملائكته وهو يباهي في بأهل الموقف –موقف عرفة- ملائكتَه يقول: ((انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثا غُبرا اُشهِدكم أني قد غفرتُ لهم)) ((شُعثا غُثبرا)) أي غير ممشّطي شعورهم، وغُبرا: قد علتهم غبرة من آثار السفر، لكن باهى الله بهم لأنه جاءوا يرجون رحمة الله –جل وعلا- ويخافون عذابه، وهكذا الصائم لمّا أمسك عن المفطِّرات طاعة لله –عز وجل- تغيَّرت رائحة فمه أحبّ الله ذلك من عبده.
كذلك من فضائل الصيام أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة، فما بالك بعبدٍ تشفع له عبادة من العبادات عند الله –عز وجل- الذي شرعها؟، جاء في حديث ابن عمر عند الإمام أحمد أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعتُه الطعام والشراب والشهوة فشفّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النوم بالليل فشفّعني فيه، قال: فيشفعان))، وهذان الشافعان متحققان في رمضان، فهو شهر الصيام والقرآن، فما بالكم بعبدٍ يشفع له عند الله كلام الله؟ أو يشفع له عند الله عبادة الله؟، نحن أحدنا إذا جاء لعبدٍ مثله قال له: يا أخي لا تنسنا من دعائك اُدعُ لنا ، هذا نوع شفاعة، فما بالكم أن يكون الشافع هو كلام الله أو عبادةٌ شرعها الله؟، حريٌّ أن يُشفَّع هذان الشافعان.
هذه بعض فضائل الصيام أنه يحبب العبد للرحمن ويُكسبه التقوى ويجلب له الغفران ويؤهله لسكنى الجِنان ويقيه من النيران فأيّ مطلوبٍ للعاقل وراء ذلك؟ وكيف لا يُشمِّر عن ساعد الجد ومنادي الخير ينادي: ((يا باغي الخير أقبِل ويا باغي الشر اقصر))؟ فالمجال مجال عملٍ واجتهاد ومنافسةٍ في الخيرات، فهل من مشمِّرٍ إلى الجنة؟ فهل من مشمِّرٍ إلى الجنة؟ فإن السوق قائمة والسلعة حاضرة والثمن اليوم موجود، وما بالك إذا اجتمعت فضيلة الزمان مع فضيلة العبادة فكانت العبادة فاضلة وزمانها فاضلا؟ فهو خيرٌ على خير ونور على نور، العبادة الصيام، والزمان شهرٌ كريم وموسمٌ عظيم إنه شهر رمضان، شهرٌ اختاره الله من بين الشهور فميَّزه بليلة هي خيرٌ من ألف شهر، تلك هي ليلة القدر، ميَّزه الله –تعالى- بتلك الليلة التي خصّها بأن أنزل فيها القرآن على خير البشر {شهر رمضان الذي أُنزِل فيه القرآن هدىً للناس وبيّناتٍ من الهدى والفرقان} إنه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
من فضائل هذا الشهر علاوةً على ما تقدَّم : ما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: ((إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة وغُلِّقت أبواب النار وصُفِّدت الشياطين)) فُتِّحت أبواب الجنة لكثرة العاملين للخيرات في هذا الشهر الكريم ولكثرة من يكتب الله –تعالى- لهم دخول الجنة، وغُلِّقت أبواب النار وذلك لكثرة ا يُعتِق الله –تعالى- منها ومن يقيهم الله إياها ولما يجعل الله –تعالى- للعباد من حواجز بالصيام عن الأعمال التي تُدخِلهم النار فتُغلَّق أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين أن سُلْسِلَت وقُيِّدت وأُلقِيَت في البحار فلا يَخلُصون إلى ما كانوا يَخلُصون إليه من قبل.
ومن فضائله ما جاء في حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد –رحمه الله- قال قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((أُعطِيَت أمتي خمس خصالٍ في رمضان لم تُعْطَهنّ أمة من الأمم قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)) وقد تقدّم بيانه (( وتستغفر لهم الملائكة حتى يُفطِروا، ويُزيِّن الله كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يُلْقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليكِ، وتُصفَّد فيه مردة الشياطين فلا يَخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويُغفَر لهم في آخر ليلة)) قيل يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: ((لا، ولكن العامِل إنما يوفّى أجره إذا قضى عمله))، حديثٌ عظيم فيه خصائص الله –عز وجل- لهذه الأمة في هذا الشهر الكريم، خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يُفطِروا، والملائكة كما نعلم عبادٌ مكرَمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ليس فيهم شهوة الشر فلا يعصون الله أبدا، ما بالك بمن هذه حاله يستغفرون لعبادٍ مذنبين خطّائين؟ إنها لفضيلةٌ عظيمة، وقد قلتُ: إن الواحد منّا إذا أتى إلى من يتوسَّم فيه الخير والصلاح من إخوانه وهو يعلم أنه غير معصوم ربما قال له: لا تنسنا يا أُخيّ من دعائك اُدعُ لنا، فما بالك إذا كان الذين يستغفرون لك ملائكة الرحمن وهم لا يفعلون شيئا إلى عن إذن الله –عز وجل- فالظن بالله –تعالى- أنه لم يأذن لهم أن يستغفروا للمؤمنين إلا ليستجيب لهم –سبحانه وتعالى- ، فيا لها من فضيلة؛ تستغفر لهم الملائكة حتى يُفطِروا، ((ويُزيّن الله كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يُلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليكِ)) المؤنة: مؤنة العبادة وتكليفها، والأذى: ما يكون في هذه الحياة الدنيا من همٍّ وغمٍّ وكدر { لقد خلقنا الإنسان في كبد}، ويصيروا إليكِ فأنتِ دار النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول {لا يمسّهم فيها نصب وما هم منها بمخرَجين}، ((وتصفّد فيه مردة الشياطين)) مردة الشياطين يُصفّدون ويُسلسلون ويُلقَون في البحار من أول ليلة فلا يَخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره، أي لا يستطيعون أن يصلوا ويكون لهم سلطان في غير هذا الشهر، ولكن مع هذا لا ينبغي للإنسان أن يُلقي بنفسه ويقول: إن الشياطين مسلسلةٌ مردتها بل يحذر من نفسه وهواه وقرناء السوء ويحذر من هذه الدنيا فإنه غرّارة فتّانة. قال: ((ويُغفَر لهم في آخر ليلة)) قيل يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: ((لا، ولكن العامِل إنما يوفّى أجره إذا قضى عمله))، وهذا مِصداق قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)).
ولهذا جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-بيان خيبة وخسران من دخل عليه هذا الشهر ثم خرج ولم يُغفَر له؛ لأنّ أسباب المغفرة متاحة وأسباب المعاصي دونها حُجُب، فكيف يقتحم العبد المعاصي ويُعرِض عن الله –عز وجل- فينقضي هذا الشهر ولم يتأهل للمغفرة.
جاء في الحديث: ((رغم أنف امرءٍ دخل عليه رمضان ثم خرج ولم يُغفَر له)) هذه الفضائل والأجور العظيمة إنما تكون لمن تأدب بآداب الصيام فصام كما صام نبي الله-صلى الله عليه وسلم-والمؤمنون، ولم يكن صومه صوما مَظْهَريّا وإنما صوما حقيقا، جاء في الحديث: ((رُبّ صائمٍ ليس من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُبّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر)) فالعبرة كما قلتُ آنفا ليست بصورة العبادة ما لم تكن لها حقيقة|، ما لم يتأدب العبد بآدابها حتى تترتب عليها آثارها التي رتبها الله –عز وجل- عليها وربطها بها جريا على سنة الله –عز وجل- في ربط المسببات بمسبباتها.
فلنتعرف إخوتي في الله وأخواتي في الله على آداب الصيام لعلنا ان نتأدب بها فيؤثر الصيام فينا أثره ونتأهل لمغفرة الله وجنته.

oum salim
2015-07-10, 01:24
قسّم العلماء آداب الصيام إلى قسمين:
-آداب واجبة.
-وآداب مستحبة.
فمن الآداب الواجبة: الإخلاص لله –تعالى- في الصوم؛ وذلك بأن يصوم الإنسان ابتغاء وجه الله، لا من أجل أنّ الناس صاموا، وإنما من أجل أن الله –تعالى- ربه الذي خلقه شرع له الصيام وأمره به فهو يصوم ابتغاء وجه الله –عز وجل-، فالإخلاص ركن ركين في كل عملٍ شرعي، إخلاص لله –عز وجل- أن يبتغي الإنسان بعمله وجه الله والدار الآخرة.
والشرط الآخر: المتابعة، فهذان الشرطان لابد أن يستحضرهما الإنسان في كل عمل، إخلاص لله ومتابعة لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-، شرطان عظيمان إذا انخرم واحدٌ منهما لم يُقبَل العمل؛ لأن أعظم الآفات التي تصيب العباد وتسري على أعمالهم فتفسدها: شركٌ بالله أو ابتداعٌ في دين الله، فمن عمل عملا وإن كان عملا صالحا لكنه أراد بذلك العمل غير وجه الله أو أراد به وجه الله وغير وجه الله فأشرك مع الله غيره فإنّ عمله مردود عليه؛ قال الله –تعالى- : {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} ، وقال –سبحانه في الحديث القدسي: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عَمِل عملا أشرك فيه معيَ غيري تركته وشركه)) فمن صام من أجل أن يقول الناس إنه صائم أو أراد أن يُظهِر صيامه أمام الناس من أجل أن يمدحوه عليه فذلك حظّه من صيامه، حظه من صيامه مدح الناس لا أجر الله ولا ثواب الله؛ لأنه لم يُخلِص لله –عز وجل-، فلهذا يجب على الإنسان أن يُخلِص لله –عز وجل- في صيامه ولا يهمّه لو لم يدرِ أحدٌ بصيامه؛ لأنه يريد وجه الله –سبحانه- ولا يريد الناس.
والشرط الثاني: المتابعة لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فإنّ من ابتدع عملا مهما كان ذلك العمل حسنا في صورته إلا أنه إذا لم يكن على وِفْقِ الشرع الكامل فإنه مردود على صاحبه؛ لقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) من عمل عملا سواء أحدثه هو أو ابتكره أو أحدثه له غيره ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، فعلى الإنسان دائما إذا أراد أن يُقدِم على عمل أن يستحضر هذين الشرطين: هل هو مخلصٌ لله؟ وهل هذا العمل على وِفْقِ شرع الله؟ فإن كان العمل كذلك فليُقدِم وإلا فليعالج نفسه ليُخلِص وليعمل عملا على وِفْق سنة النبي-صلى الله عليه وسلم-.
ولننظر إلى هذا الشرط وهو الإخلاص لله الذي ترتّب عليه المشروط وهو المغفرة نجد هذا الشرط قد جاء في قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا )) صامه احتسابا من أجل لله ووجه الله –عز وجل-؛ غُفِر له ما تقدّم من ذنبه، نفهم من هذا أنّ من صام رمضان لغير هذا كأن صام وهو شاكّ أو صامه من أجل مدحة الناس فإنه لا يترتب عليه ذلك الأجر والثواب؛ لا يُغفَر له ما تقدَّم من ذنبه، لا يتحقق له المشروط لأن هلم يحقق الشرط.
كذلك من الآداب الواجبة: أن يقوم العبد بما أوجب الله عليه من العبادات الواجبة القولية والفعلية، وهذه العبادات واجبة على الإنسان في كل وقت لكن تتأكد عندما يتلبس بهذه العبادة العظيمة وهي عبادة الصيام.
ومن أهم تلك العبادات الصلاة، فإن الصلاة كما نعلم هي عمود الدين، وهي صلة بين العبد وبين رب العالمين، من حفِظها حفظه الله، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيَع.
ومن الناس من يتهاون في الصلاة أو يضيعها بأثر الصيام، يعني أنه ينام عن الصلاة بحجة أنه صائم ومتعَب فربما خرج وقت الصلاة وهو لم يصلي، فضيّع ما هو أهم من أجل الصيام، وهذا محرّم لا يجوز، إذا الصيام الواجب أن يستعين به على طاعة الله -عز وجل- لا أن يكون الصيام سببا في تضييع ما هو أهم من الصلاة التي هي عمود الدين.
كثير من الناس ما ينام في رمضان عن صلاة العصر ، أو ينام عن صلاة الفجر وخصوصا إذا لم يتّبع السنة في تأخير السحور فيتسحّر في نصف الليل فتمتلئ بطنه فينام نومة ثقيلة ولا يقوم إلا بعد طلوع الشمس، أو يتأخر عن الجماعة، فكل هذا محرّم ويتنافى مع الصيام.
من الآداب الواجبة أيضا كما يفعل الإنسان الواجبات أن يجتنب المحرمات، فيجتنب ما حرّم الله –عز وجل- عليه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، هي محرمة في كل وقت لكنها في شهر الصيام في مدرسة الصيام يتأكد تحريمها، ومن ذلك الكذب وهو الإخبار بخلاف الواقع، والغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته وإن كان فيه ما تقول، سواء كان فيه ما تقول أو لم يكن فيه، لكن إذا لم يكن فيه فإن ذلك يكون مع الغيبة بهتانا عظيما، كما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((أتدرون ما الغيبة؟ ذكرك أخاك بما يكره)) قالوا: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهتَّه)) أي قلتَ فيه بهتانا عظيما وافتريتَ فيه فِريَة عظيمة، وقد قبَّح الله الغيبة في كتابه بما لا مَزيد عليه فقال –سبحانه: { ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}

oum salim
2015-07-10, 01:27
للأخ على أخيه الرحمة وله في حال موته الإحسان وأن يحفظ عرضه، فما بالكم بمن نزع الرحمة من قلبه وهجم على جسم أخيه وقد مات واستُلَّت منه روحه فبدلا من أن يواريه ويستره عمد إليه نهش منه ويأكل، هكذا المغتاب لمّا غاب عنه أخوه أخذ ينهش في عرضه فأخوك الميّت لأنه لا يستطيع أن يدفع عن عرضه فهو كالميّت الذي لا يستطيع أن يدفع عن لحمه من ينهش منه، إذا استقبحنا هذا الأمر وهذا المثل في فِطَرِنا وطبعنا فلنستقبِح الغيبة شرعا، أي كما استقبحتم هذا الأمر في فِطَرِكم وطبائعكم لا تحبونه فاستقبحوا الغيبة شرعا واتركوها واجتنبوها فإنها من كبائر الذنوب.
كذلك النميمة التي تكثر بين الناس، وهي القالة التي تكون بين الناس، نقل الكلام من إنسان إلى إنسان على وجه الإفساد أو على وجه إغار الصدور أو على وجه التفريق بين الأحبة أو الإيحاش بينهم او غير ذلك من المقاصد السيئة إنها من كبائر الذنوب ولا يدخل الجنة نمام كما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-، ومن نمَّ إليك نمَّ فيك، فلا ينبغي لنا أن نفتح المجال لمثل هؤلاء المغتابين والنمامين بل نقطع عليهم الطريق بقولنا: اذكر الله واتقِ الله في أخيك ولنتحدث بما ينفعنا، وعلى الأقل: اتركونا من هذا، ومن ذبَّ عن عرض مسلم ودفع عنه دفع الله عن عرضه، من حفظ الله في غيبته حفظه الله –عز وجل-.
كذلك من الآداب الواجبة أن يحذر الصائم الغش في كل شيء، سواء في أخذه أو عطائه أو بيعه أو شرائه، أو نصحه أو في امتحانه أو غير ذلك، فليحذر الغِش والتدليس على عباد الله –عز وجل-.
كذلك ليحذر سماع المعازف وآلات اللهو والطرب، فإن ذلك محرم في كل وقت ويتأكد في حق الصائم، قال الله –تعالى-: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليُضِّل عن سبيل الله بغير علم ويتَّخذها هُزُوا أولئك لهم عذاب مهين} كان ابن مسعود –رضي الله عنه- يقول: "والله الذي لا إله غيره إنه الغناء" يعني لهو الحديث الذي ذكره الله –عز وجل- في هذه الآية وتوعّد عليه بالعذاب الشديد هو الغناء، فهو محرم بالقرآن ومحرم بالسنة لقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلِّون الحر والحرير والخمر والمعازف)) يعني أنهم يستحلّون الزنا، ولُبس الحرير بالنسبة للرجال، والخمر والمعازف، يعني يعملونها عمل المستحِلِّ لها، ينهمكون فيها ويفعلونها فعل المستحل لها، مما يدل على أنها محرمة وإلا لَمَ قال: ((يستحلُّون)) ، وكثير من الناس يُسرفون على أنفسهم في شهر رمضان فيسهرون ويقضون الليالي الطوال في اللهو واللعب الذي كثيرا ما يكون فيه شيء من الأشياء المحرمة؛ إمّا من عناء أو استماع إليه أو طبولٍ محرمة أو نحو ذلك.
كذلك على الصائم أن يجتنب قول الزور كله، كل قول لا خير فيه يتركه، كما يجتنب السب والشتم فيحفظ لسانه؛ لأنه صائم، هو ممسك عن كل ما يجني عليه الذنوب، فيتأدب الأدب العظيم في هذا الشهر، حتى يكون كأنما دخل في دورةٍ تدريبية شهرٍ كامل، لا يقول زورا، لا يقول كذبا، لا يغتاب، لا يغش، لا ينُم، شهرٌ كاملٌ كفيلٌ –بإذن الله- أن يؤثِّر فيه بقية الأشهر وأن يكون هذا من صفاته.
وأما إذا ترك المسلم لنفسه العنان وترك للسانه أن ينهش في أعراض الناس، يغتاب هذا ويسب هذا ويستهزأ بهذا فإن الله –تعالى- غني عن صيام مثل هذا، يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))، إذ حكمة الله –عز وجل- عالية سامية من الصيام، لا تقف عند حد ترك الطعام والشراب إنما تتجاوز ذلك إلى تهذيب سلوك الإنسان وأخلاقه في منطقه وأعماله، فيتميَّز عن غيره ويتميَّز عنه في أيّ وقت آخر، ولهذا جاء عن جابر –رضي الله عنه- أنه قال: "إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وَقارٌ وسكينة، ولا يكن يوم صومك وفطرك سواء"، بل قد جاء عن بعض السلف أنهم كانوا إذا دخل عليهم رمضان لزموا المساجد وقالوا: "نحفظ صيامنا"، نحفظ صيامنا حتى لا نجرحه بالكلام الذي لا يرضي الله –عز وجل-.

oum salim
2015-07-10, 01:31
كذلك على الصائم أن يجتنب آفات القلب، فإن آفات القلب قد تكون أخطر من آفات اللسان، وكثير من الناس يحاسب نفسه وجوارحه الظاهرة وينسى آفات القلب ولا يعالج قلبه، من آفات القلب: الكِبْر، أن يتكبر على عباد الله ويتعالى ولا يقبل الحق؛ كما جاء في الحديث: ((الكِبْر بطر الحق وغمط الناس)) بطر الحق: أي ردّه، وغمط الناس: أي ازدراؤهم واحتقارهم، فالكبْر آفة من آفات القلوب، و((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبْر)).
كذلك الحسد، وهو تمني زوال النعمة عن الغير. وظن السوء، كل هذه من الكبائر المحرمة التي نهى الله –عز وجل0- عنها، هي محرمة في كل وقت لكن تتأكد حرمتها في رمضان. فعلى المرء المسلم أن يحفظ صيامه ظاهرا وباطنا.
كثير من الناس –مع الأسف- يفقدون السيطرة على أنفسهم عند الصيام، إذا أحسّ بالجوع غضب وخصوصا عند الإفطار، وزمان الإفطار ووقت الإفطار ذلكم الوقت وقتٌ فاضل شريف وقت كريم، جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: ((إن للصائم عند فطره دعوة ما تردّ))، فأنت كلما مضى عليك من هذا اليوم وقتٌ كلما اقتربتَ من الله –سبحانه وتعالى- لأنك في عبادة بعد عبادة بعد عبادة، فلا ينبغي أن يحملك ذلك على الغضب بل اضبط نفسك واعلم أنّ لك في هذا الأجر من الله –سبحانه وتعالى-، كثير من الناس خاصة عند الصيام تجد أنه غضبان ما يريد أن يكلمه أحد، جائع وينتظر متى يفطر، وهذا ما عرف قيمة هذا الوقت وما عرف الغاية من الصيام؛ وهو تهذيب النفس، وما عرف أنه مما يجب عليه في الصيام أن يتعلّم أدبا من الآداب؛ وهو الصبر وكظم الغيظ وتحمُّل المشاق، فعلى المرء المسلم أن يسيطر على نفسه وعلى مشاعره وأعصابه فلا يغضب؛ لأنك أنت في عبادة، وما تعانيه من تعب وجوع وعطش تثاب عليه من الله –سبحانه وتعالى-، وإذا كنت ما تستطيع تضبط نفسك من السب والشتم فعلى الأقل اسكت، فإنّ السكوت سلامة وغنيمة.
من عباد الله من هذّبوا أنفسهم وتعوّدوا على الصيام، فترى أنّ الصيام لا يؤثِّر عليهم في أخلاقهم تأثيرًا سيئا بل هم يتعاملون أحسن تعامل ويقومون بعملهم بأكمل ما يكون، ومن أظهر الأمثلة على هذا الذين يوفِّقهم الله –عز وجل- من عباده للتطوُّع بالصيام، تجد أنّ بيننا من يتطوَّعون بالصيام فيصومون الاثنين والخميس أو الثلاثة أيام البيض أو غير ذلك ونحن ما نشعر بهذا أخلاقهم من أحسن ما يكون وعملهم من أتمِّ ما يكون، سيطروا على أنفسهم وقاموا بواجبهم مع أنهم صائمون، فلا مشقة في الصيام مع الاحتساب والصبر، مع الاحتساب والصبر لا مشقة في الصيام والحمد لله.
أمّا الآداب المستحبة فهي كثيرة ومنها:
-السحور، وهو أكلة السَّحر، أكل الطعام آخر الليل قبل طلوع الفجر، هذه الأكلة تسمّى السحور، وهي سنة، يعني يُسنّ للإنسان أن يتسحّر، تسحّر النبي-صلى الله عليه وسلم-والله –تعالى- يقول: {ولكم في رسول الله أسوة حسنة} وأمر بالسحور قال: ((تسحَّروا، فإنّ في السحور بركة))، وقال: ((السحور كله بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرَع أحدكم جرعةً من ماء، فإنّ الله وملائكته يصلّون على المتسحرين))، وقال: ((نِعمَ سحور المؤمن التمر))، وقال: ((فصْل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)) يعني الفرق بين صيامنا وصيام اهل الكتاب من اليهود والنصارى أكلة السحر، فنحن نتسحر، فالسحور سنة.
والسنة تأخير السحور، أن يؤخره الإنسان حتى يكون آخر الليل؛ لحديث: ((لا تزال أمتي بخير ما عجَّلوا الفِطر وأخَّروا السحور)) يعني أنهم على السنّة لم يتنطِّعوا ولم يتشددوا، ومن فضائل ذلك أن الإنسان إذا أخّر السحور وانتهى من سحوره قُبيل الفجر فإنه يدرك صلاة الفجر مع الجماعة، أمّا إذا تسحر في نصف الليل ونام فإنه غالبا ما ينام عن صلاة الفجر؛ لأنه نام شبعانا مثقلا ومن شبع ونام ثقل عليه النوم.
وعلى العبد أن يستحضر وهو يأكل هذا السحور ويشبع به أن يستحضر النية وهو أنه يريد بسحوره في هذا الوقت التأسي بالنبي-صلى الله عليه وسلم-فيثيبه الله –تعالى- على أكله ذلك، هو يأكل وعلى أجرٍ وثواب من الله –تعالى-.
كذلك من الآداب: تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس، بسماع أذان أو بإخبار ثقة أو رآها هو بنفسه قد غربت؛ لما جاء في الحديث: ((لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفِطر)) يعني أنهم على السنة لم يتنطّعوا، لكم يتشددوا، لم ينتظروا حتى يرَوا النجوم، وإنما هم على وِفْقِ سنة النبي-صلى الله عليه وسلم-.
وقد جاء في الحديث أن الله –تعالى- يقول: ((إن أحبَّ عبادي إليَّ أعجلهم فِطرا))، فلا يقول الإنسان أنا أريد أن أحتاط وأنتظر ربع ساعة عشر دقائق ونحو ذلك، لا، إذا أردتَ محبة الله –عز وجل- بمجرد ما تتيقن أن الشمس قد غربت أو تسمع أذان الثقة تُفطِر.
والسنة أن يفطر على رطب إن وجد، فإن لم يجد فعلى تمرات وتر، واحدة أو ثلاث أو خمس أو سبع أو إحدى عشر، فإن لم يجد أفطر على ماء، حسا حسوات من ماء، فإن لم يجد شيئا فإنه ينوي الفطر بقلبه، ينوي أنه أفطر؛ حتى ما دخل في باب الوِصال؛ أن يواصل الليل مع النهار.
ومن السنة أيدعوَ عند صيامه بما ورد، فقد جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه يقول: ((اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت))، وورد انه كان يقول: ((ذهب الظمأ، وابتلَّت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله)).

oum salim
2015-07-10, 01:34
وعلينا أن نستغلّ تلك اللحظات الفاضلة ونهيِّئ أنفسنا للدعاء عند ذلك الوقت؛ فإن للصائم عند فطره دعوة ما ترد، وكثير من الناس يضيع عليهم هذا الوقت الفاضل، يقرِّب هذا ويُحضِّر هذا وهاتِ هذا ..فينشغل ويؤذن المؤذن وهو ما دعا الله –عز وجل-، لا، ينبغي أن نستعد بإفطارنا قبل وقت الإفطار بوقت ثم نتفرّغ بالدعاء قبيل الإفطار وأثناء الإفطار؛ لأن للصائم عند فطره دعوة ما تُرد، وهذه فرصة عظيمة ما ينبغي ان تُفوَّت أبدا، بل نحرص عليها غاية الحرص.
كذلك من الآداب: كثرة قراءة القرآن وذكر الله والدعاء والصلاة والصدقة وعمارة الوقت كله بالطاعة، فهذا الشهر شهر الصيام وشهر القرآن، ولهذا كان النبي-صلى الله عليه وسلم-يُكثر فيه من تلاوة القرآن، بل كان يدارسه إياه جبريل –عليه السلام-، فيذاكر النبي-صلى الله عليه وسلم-ويدارسه القرآن؛ كما جاء في حديث عائشة –رضي الله عنها- قالت: ((كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله-صلى الله عليه وسلم-حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسَلة))، يعني كل ليلة يأتي ويدارس النبي-صلى الله عليه وسلم-القرآن، كل ليلة، فإذا كان الزمان رمضان والمعلِّم جبريل والمعلَّم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-والمدارَس هو القرآن فإن النفس تزكو وتسمو وتزكو نفس رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وتجود أكثر من ذي قبل مع جوده –صلوات الله وسلامه عليه- فيكون أجود بالخير من الريح المرسَلة.
ونحن مأمورون بأن نقتدي بالنبي-صلى الله عليه وسلم-فنكثر من تلاوة القرآن، نتأسى به في هذا فنكثر من تلاوة القرآن في رمضان فإن رمضان شهر القرآن.
ولهذا كان السلف الصالح يحرصون غاية الحرص على أن يتفرَّغوا لقراءة القرآن وألا يزاحمه بغيره من الأعمال، فقد كان الزهري –رحمه الله- إذا دخل رمضان يقول: "إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام".
وكان الإمام مالك –رحمه الله- إمام دار الهجرة إذا دخل رمضان ترك مجالس الحديث ومجالس العلم وأقبل على قراءة القرآن من المصحف، من المصحف حتى تجتمع عبادة النظر وعبادة اللسان وعبادة القلب بالقراءة من المصحف نظرا.
وكان قتادة –رحمه الله- يختم القرآن في كل سبع ليال في غير رمضان، أمّا في رمضان فكان يختمه في كل ثلاث ليال.
وكان إبراهيم النخعي –رحمه الله- يختم في كل ثلاث ليال، وفي العشر الأواخر يختمه في كل ليلتين.
فهكذا علينا أن نتأسى بألئك السلف الصالحين سلفنا وأئمتنا –رحمهم الله ورضي عنهم- ونكثر من تلاوة القرآن ونُرِيَ الله من أنفسنا خيرا.
وتلاوة القرآن من ذكر اله، ومن أعظم ذكر الله، وقد جاء في الحديث : ((ذاكر الله في رمضان مغفورٌ له))، وما تقرّب متقرِّب لله –عز وجل- بمثل كلامه.
كذلك أيضا من الآداب العظيمة والفضائل الكريمة: قيام رمضان، فإن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدّم من ذنب قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه))، الله أكبر! ما أعظمها من فضائل، ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه))، ((من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه))،فلاحِظوا ((إيمانا واحتسابا)) إيمانا بالله وبشرعية هذه الأمور، واحتسابا للأجر والثواب عند الله –سبحانه وتعالى- .
ومن فضل الله –عز وجل- قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((إنه من قام مع الإمام حتى يفرغ من صلاته كُتِبَ له قيام ليلة)) الله أكبر! يقوم الإنسان مع الإمام ساعة أو ساعة ونصف يكتب الله –تعالى- له قيام ليلة فيكون حينئذ ممن قام رمضان إيمانا واحتسابا.
كذلك أيضا من الآداب: الاعتكاف، والاعتكاف سنّة، وقد اعتكف النبي-صلى الله عليه وسلم-في العشر الأواخر، واعتكف أزواجه من بعده، وهو سنة سنها النبي-صلى الله عليه وسلم-حتى يتفرغ الإنسان لله –عز وجل- بجميع أنواع العبادة من صلاة وذكر لله –عز وجل- يجتمع هذا مع جو الصيام وفي حال الصيام فيزكو الإنسان وتسمو روحه ويبتعد عن مخالطة الناس وما يترتب على ذلك من لغو ورفث وما يجر إليه من آثام وشرور.
فهذا شهر رمضان ينادي مناديه كل ليلة: ((يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر اقصر)).

oum salim
2015-07-10, 01:38
شهرٌ ما مرَّ بالمؤمنين شهرٌ خيرٌ لهم منه، ولا مرّ بالمنافقين شهرٌ شرٌّ عليهم منه.
فعلينا إخوتي في الله وأخواتي في الله أن نستقبل هذا الشهر الاستقبال الذي يليق به، بنية صالحة وعزيمةٍ ماضية أن نعمر هذا الشهر بطاعة الله –عز وجل-، وأن نضبط أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا وجوارحنا حتى نتأهّل لرضوان الله ونتأهّل لمجاورة الله –عز وجل- في جناته جنات النعيم وفي فردوسه الأعلى.
ولنحذر إخوتي و أخواتي غاية الحذر من السهر في المجالس الفارغة التي يكثر فيها القيل والقال والنهش في أعراض الناس وفضول الكلام الذي يُقسِّي القلب ويفتح للإنسان آفاقًا هو في غنىً عنها، وقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).
ولنحذر كذلك مما ابتلي به بعض الناس رجالا ونساء من الصفق بالأسواق في رمضان، يقضي ليله أو غالب ليله من دكان إلى دكان ومن سوق إلى سوق على أتفه الأشياء، فيضيّع أفضل الأوقات وأسناها وأسماها في الصفق في الأسواق، والأسواق شر البقاع، فإن أحب البقاع إلى الله مساجدها وأبغضها أسواقها؛ لأن السوق يكون فيه فضول الكلام وفضول النظر ويكون فيه الغش والكذب والخداع ويكون فيه أشياء من اللهو، فعلى الإنسان إذا احتاج إلى شيءٍ من هذا أن يحزِم ولو أنه قضى شؤونه قبل دخول شهر رمضان مما يحتاج إليه من ملابس أو أواني أو نحوها قبل دخول شهر رمضان حتى يتفرّغ في شهر رمضان للعبادة لكان هذا خيرا، فإذا صفق الناس في الأسواق يكون هو قائمٌ في مصلاه أو في مسجده يعبد الله ويرجوه ويتذلل بين يديه، يرجو رحمته ويخشى عذابه.
كذلك على أخواتي في الله أن يحذرن من أن يفتن أو يُفتن؛ وذلك بالخروج إلى الأسواق بزينتهن أو بطيبهن فإن ذلك فتنة وذلك ميلٌ بالناس، وقد ذكر النبي-صلى الله عليه وسلم-حديث ينبغي أن نخاف منه غاية الخوف وهو قوله-صلى الله عليه وسلم-: ((صنفانٌ من أمتي من أهل النار لم أرهما: وذكر منهما: ونساء كاسياتٌ عاريات مائلاتٌ مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)) فهن مائلات مميلات؛ أي مائلات في أنفسهن مميلات لغيرهن، فعلى المرأة المؤمنة إذا احتاجت أن تدخل السوق أن تكون متحجبة غاية الحجاب بقفازها وجواربها وخمارها ما على رأسها ووجههاـ، تغطي كل شيء حتى لا تفتن أحدا، ولا تكون ممن وصفهم النبي-صلى الله عليه وسلم-في هذا الحديث ولتنجو بنفسها من النار.
كذلك لتحذر من أن تتطيب وتخرج إلى السوق، فإنه ما من امرأة تمس طيبا ثم تخرج إلى السوق فهي كذا، كما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-، ((فهي كذا )) يعني زانية –أجارنا الله وإياكم-، فعلينا ان نكون وقذافين عند حدود الله –عز وجل-، وإذا احتاجت المرأة لمساومة فلا تخضع بالقول وتميل في الكلام مع البائع وغنما بقدر الحاجة، هذا بكم؟ بكذا، أريده بكذا تبيع؟ نعم أو لا، وينتهي الكلام إلى هذا الحد، ما تأخذ وتعطي معه حتى لا تفتن أحدا ولا يُفتَن بها أحد وليسلم لها دينها وعرضها.
أسأل الله –سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك لنا فيما بقي لنا من رمضان وأن يبلغنا ليلة القدر وأن يوفقنا فيه لصالح الصيام والقيام، وأن يجعلنا وإياكم ممن يخرج شهر رمضان وقد غُفِرَت لهم ذنوبهم وعادوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

منقووول

.

http://www.foxpic.com/V0fbZdY5.jpg (http://www.foxpic.com/)

http://www.foxpic.com/VgtK91ip.png (http://www.foxpic.com/)

Aymen Dz Boy
2015-07-11, 03:40
شكراااااااااااا

bahi_2020
2015-07-11, 14:14
جزاك الله خيرا