مشاهدة النسخة كاملة : أخـ (تـ) ـي التوحيد والعقيدة أول ما يبدأ به المسلم .. جددوا عقيدتكم معنا بإذن الله.
جزائرــــية
2009-09-08, 14:52
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بيان أهمية التوحيد
نريد من سماحتكم أن توجهوا نداء إلى الناس تُبيّنون فيه أهمية الدعوة إلى الله وتفسير النافي لمعنى (لا إله إلا الله).
في كتاب الله العظيم الكفاية العظيمة والدعوة إلى هذا الحق العظيم، فقد دعاهم مولاهم سبحانه وتعالى في كتابه العظيم في آيات كثيرة إلى أن يعبدوه وحده، وهكذا رسوله صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى ذلك بمكة والمدينة مدة ثلاث وعشرين سنـة، يدعـو إلى الله ويبصِّر الناس بدينهم، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، وقال سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ، وقال جل وعلا: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ، وقال سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وقال عز وجل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ في آيات كثيرة، قال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءوقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)) متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام: ((من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار))
فالواجب على جميع أهل الأرض من المكلفين أن يعبدوا الله وحده وأن يقولوا لا إله إلا الله وأن يشهدوا أن محمداً رسول الله وأن يخصوا الله بدعائهم وخوفهم ورجائهم واستغاثتهم وصومهم وصلاتهم وسائر عباداتهم، وهكذا طوافهم بالكعبة يطوفون بالكعبة تقرباً إلى الله وعبادة له وحده سبحانه وتعالى، وأن يحذروا دعوة غير الله بأصحاب القبور أو بالأصنام أو الأنبياء أو غير ذلك، فالعبادة حق الله وحده، لا يجوز لأحد أن يصرفها لغيره سبحانه وتعالى، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، الصلاة عبادة والصوم عبادة والصدقة عبادة والحج عبادة وخوف الله عبادة ورجاؤه عبادة والنذر عبادة والذبح عبادة وهكذا لا يستغيث إلا بالله ولا يطلب المدد إلا من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه خالقه ومعبوده هو الحق سبحانه وتعالى، وقد بعث الله الرسل كلهم بذلك من أولهم إلى آخرهم من أولهم نوح إلى آخرهم محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، كلهم يدعون الناس إلى توحيد الله كما قال عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأهل مكة: ((يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)) هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء، من العجم والعرب، من الجن والإنس، في جميع أرض الله، يجب عليهم أن يعبدوا الله وحده، وأن يقولوا لا إله إلا الله وأن يخصوه بالعبادة سبحانه وتعالى وألاَّ يعبدوا معه سواه لا صنماً ولا نبياً ولا ملكاً ولا جنياً ولا شجراً ولا غير ذلك، العبادة حق الله وحده: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ هذا هو الواجب على جميع المكلفين من جن وإنس، من عرب وعجم من ذكور وإناث من ملوك وعامة، يجب على الجميع أن يعبدوا الله وحده وأن يخصوه بدعائهم وخوفهم ورجائهم وتوكلهم واستغاثاتهم ونذورهم وذبحهم وصلاتهم وصومهم ونحو ذلك، كما قال عز وجل: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا.وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ. (http://www.binbaz.org.sa/mat/4142#_ftn16)إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين.وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ.
لكن خوف الإنسان ما يضره واتخاذ الأسباب غير داخل في العبادة، خوفه من اللص حتى يغلق الباب ويتخذ الحرس لا حرج في ذلك كما قال الله عن موسى لما خاف فرعون قال: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُخائف من شر فرعون، وخوف الأمور الحسية، وخوف الظلمة واتخاذ الأسباب هذا غير داخل في العبادة، فإذا خاف من اللصوص وأغلق بابه وجعل حارساً على ماله، أو خاف حين سفره من اللصوص أو قطاع الطريق وحمل السلاح وسلك الطريق الآمنة، كل هذا لا بأس به، وهكذا إذا خاف الجوع أكل وإذا خاف الظمأ شرب، وإذا خاف البرد لبس ما يدفئه وما أشبه ذلك من الأمور الحسية المعروفة لا حرج في ذلك، وهكذا إذا استعان بأخيه في مزرعته، في إصلاح سيارته، في بناء بيته، هذه أمور عادية داخلة في العبادة، كما قال تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ لموسى، هذه أمور عادية يقدر عليها المخلوق، التصرف مع المخلوق الحي الحاضر في أشياء يقدر عليها من تعاون في بناء، في مزرعة، في جهاد، وغير ذلك هذا غير داخل فيما يتعلق بالعبادة. لكن دعاء الميت دعاء الشجر، دعاء الصنم، دعاء الجن، دعاء الملائكة، دعاء الأنبياء؛ ليستغيث بهم هذا هو الشرك الأكبر، أو دعاء الحي في أمور لا يقدر عليها، يعتقد فيه أن له تصرفاً في الكون، كما يفعل بعض الصوفية مع مشايخهم يدعونهم مع الله ويعتقدون أن لهم تصرفاً في الكون فإن لهم سراً يستطيعون أن يعلموا الغيب أو ينفعوا بما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، هذه أمور شركية حتى مع الأحياء. نسأل الله السلامة.
من موقع الشيخ بن باز رحمه الله تعالى
جزائرــــية
2009-09-08, 15:00
يستبين لنا من جواب الشيخ رحمة الله عليه أن أول ما يبدأ به المسلم لا الصلاة ولا الزكاة ولا شيء إلا التوحيد
فينظر إذا ما كان توحيده يوافق ما أرسل به الله الرسل، يوافق حنيفية إبراهيم عليه السلام، يوافق ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا واجب على كل مسلم ومسلمة،
لاسيما أن الكفر العقدي لا ينفع معه ولا عمل.
وكثير منا تستشكل عليه بعض الأمور في العقيدة لهذا أحببت أن أنقل إليكم ما يفيدكم في هذا المجل
عسى الله يغفر لي ويجعل هذا العمل خالصا لوجهه تعالى
أسأل الله لي ولكم التوفيق
وهذا هو الفهرس الذي سنمشي عليه:
فتاوي العقيدة:
1- التوحيد
2- أهل السنة والجماعة
3- الإيمان والإسلام
4- توحيد الربوبية
5- الشهاداتان
6- العبادة
7- الأسماء والصفات
8- الإيمان بالملائكة
9- الجن والشياطين
10- الإيمان بالكتب
11- الإيمان بالرسل
12- الإيمان باليوم الآخر
13- القضاء والقدر
14- الكفر والتكفير
15- السحر
16- الشرك
17- الحلف
18- القبور
19- التصوير
20- البدعة
21- التوسل
22- الولاء والبراء
23- ألفاظ وعبارات
24- فرق وملل
25- الأولياء
26- الصحابة
ملحوظة: الفتاوي كلها للشيخ العلامة محمد العثيمين رحمة الله عليه من فتاوي نور على الدرب
جزائرــــية
2009-09-08, 15:03
1/ التوحيد:
* السائلة أماني عبد الحليم تقول: قرأت في كتاب بأن أهل التوحيد لايخلدون في النار، فمن هم أهل التوحيد؟
فأجاب الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى: أهل التوحيد الذين عبدوا الله تعالى وحده، الذين عبدوا الله تعالى وحده أي: قاموا بالعبادة مخلصين بها لله، متبعين فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم أهل التوحيد، ولا يختصون بطائفةٍ دون أخرى، في أي بلادٍ كان الإنسان، ومن أي قبيلةٍ كان، ومن أي جنسٍ كان، إذا قام بعبادة الله عز وجل وحده، متبعاً في ذلك رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو من أهل الجنة.
جزائرــــية
2009-09-08, 15:05
يسري حامد يقول: ما أقسام التوحيد مفصلة؟ لأننا في زمن كثرت فيه الشركيات، فنشاهد أناساً يذبحون عند الأضرحة ويطوفون بها ويتقربون إليها؟
فأجاب العثيمين رحمه الله تعالى: سؤال الأخ عن التوحيد وأقسامه سؤال مهم؛ لأن التوحيد هو الذي بعثت به الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم قال الله تبارك وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ). والرسل حكى الله عنهم على وجه التفصيل أنهم كانوا يقولون لأقوامهم: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ). والنبي عليه الصلاة والسلام جاء بتحقيق هذا التوحيد تحقيقاً تامّاً يمنع العبد من الإشراك بالله الشرك الصغير والكبير، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن أقسام التوحيد ثلاثة، وذلك بالتتبع والاستقراء، أولها: توحيد الربوبية، والثاني: توحيد الألوهية، والثالث: توحيد الأسماء والصفات، وقد اجتمعت الثلاثة في آية واحدة من كتاب الله في قوله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) فقوله تعالى (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) هذا توحيد الربوبية، وقوله: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) هذا توحيد الألوهية، وقوله تعالى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) هذا توحيد الأسماء والصفات، أي لا تعلم له سميّاً أي: مساميا يضاهيه ويماثله عز وجل. أقسام التوحيد ثلاثة:
القسم الأول: توحيد الربوبية، وهو إفراد الله عز وجل في الخلق والملك والتدبير، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر إلا الله، لا أحد يقوم بهذا على وجه الإطلاق والعموم والشمول إلا الله رب العالمين، فهو المتفرد بالخلق، المتفرد بالملك، المتفرد بالتدبير، قال الله عز وجل: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ). فالآية هذه فيها حصر الخلق والأمر في الله وحده، وذلك بتقديم الخبر (له) على المبتدأ (الخلق)، وتقديم ماحقه التأخير يفيد الحصر، كما قرر ذلك علماء البلاغة، فالخلق كله له، والأمر كله له عز وجل، لا يشركه أحد، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ). وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ. وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ). فبين الله عز وجل أن هؤلا السفهاء الذين يشركون ، الذين اتخذهم عبادهم شفعاء عند الله، شركاء مع الله، لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض على وجه الاستقلال بها دون الله، ما لهم فيهما من شرك، أي: لا يملكون شركة مع الله عز وجل، فليسوا مستقلين في شيء، وليسوا شركاء مع الله في شيء ،(وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) يعني: ما لله أحد من هؤلاء يساعده ويعينه عز وجل، بل هو مستغنٍ عن جميع خلقه، (وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) وذلك لكمال سلطانه وعظيم ملكه عز وجل، لا أحد يشفع عنده يتوسط بشيء لأحد من خير أو دفع ضرر إلا بإذنه عز وجل، وفي هذا قطع لجميع ما يتعلق به المشركون الذين يدعون أنهم يعبدون هذه الأصنام، يتخذونها شفعاء عند الله، قال: (وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) ومن المعلوم أن الله لن يأذن لهذه الأصنام أن تشفع، ولا يأذن لأحد أن يشفع لعابد هذه الأصنام، قال الله تبارك وتعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى). وقال تعالى: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى). وحينئذٍ تنقطع كل الآمال التي يتعلق بها هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله غيره، يرجونه نفعاً أو دفع ضرر، فإن ذلك لا ينفعه، قال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). إذاً توحيد الربوبية إفراد الله عز وجل بأمور ثلاثة: بالخلق والملك والتدبير، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر إلا الله. وما يوجد من المخلوق من صنع الأشياء، وما يوجد من المخلوق من الملك، وما يوجد للمخلوق من التدبير، فكله تدبير ناقص، وهم أيضاً غير مستقلين به، بل ذلك من خلق الله عز وجل، أما المنفرد بذلك على وجه الاستقلال فهو الله سبحانه وتعالى، فللمخلوق خلق وإيجاد، لكنه ليس كخلق الله، فالله تعالى موجد الأشياء من العدم، والمخلوق لا يستطيع أن يوجد الشيء من العدم، وإنما يستطيع أن يركب شيئاً مع شيء ،أو يغير صورة شيء إلى شيء، كما لو غير النجار الخشبة إلى باب، والحداد الصفائح الحديد إلى أبواب وما أشبه ذلك، لكنه لن يخلق هذه المادة، قال الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). كذلك الإنسان له ملك، قال الله تعالى: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ). وقال الله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَه). ولكن هذا الملك ملك مقيد محدود ليس بشامل، وليس للإنسان فيه مطلق التصرف، بل هو محدود، فما بيدي من الملك ليس لك، وما بيدك من الملك ليس لي، ثم إنه ملك محدود لا تستطيع أن تتصرف فيه إلا على حسب ما جاءت به الشريعة. وكذلك للإنسان تدبير: يدبر مملوكه، ويدبر زوجته، يدبر أهله، لكنه تدبير ناقص ليس بشامل، ولا للإنسان فيه مطلق الحرية، وبهذا عرفنا أن المنفرد بالخلق والمنفرد بالملك والمنفرد بالتدبير هو الله عز وجل وحده. هذا قسم من أقسام التوحيد، وهذا التوحيد لم ينكره المشركون الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل كانوا يقرون به غاية الإقرار، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ). وقال: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ). وهكذا الآيات الكثيرة كلها تدل على أن المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستباح دماءهم وأموالهم ونساءهم وذريتهم كانوا يقرون بهذا التوحيد، لكن ذلك لم ينفعهم؛ لأنهم مشركون في توحيد الألوهية، توحيد العبادة الذي هو حق الله الخاص له، وهو:
القسم الثاني: توحيد الألوهية، المستفاد من قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) والألوهية مبنية على شيئين، بل العبادة مبنية على شيئين: المحبة والتعظيم، فبالمحبة يكون الرجاء وفعل الأوامر، طلباً للوصول إلى محبة الله عز وجل وثوابه، والتعظيم- وهو الأساس الثاني للعبادة- به يترك الإنسان المناهي التي نهى الله عنها؛ لأنه بتعظيمه لله يترك مناهيه ويخاف من عقابه. ثم إن العبادة لها شرطان: الشرط الأول: الإخلاص لله، والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فللعبادة إذاً ركنان ولها شرطان، أما ركناها فالمحبة والتعظيم وهما الأساس، وأما شرطاها فهما الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودليل ذلك قوله تعالى: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ). وقوله تعالى في الحديث القدسي : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه). ودليل المتابعة قوله تبارك وتعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). وقال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). أي: مردود على صاحبه؛ لأنه لم تتحقق فيه المتابعة. وإذا نظرنا إلى حال كثير من المسلمين اليوم وجدنا أنهم ليسوا على توحيد خالص في باب الألوهية والعبودية: فمنهم من يعبد القبور، ومنهم من يعبد الأولياء، ومنهم من يطوف بالقبور رجاءً لنفعها ودفعها للضرر، ومنهم من يُؤلِّه الحكام ويجعلهم في منزلة الألوهية، يطيعهم فيما حرم الله فيستحله وفيما أحل الله فيحرمه، وهذا هو اتخاذهم أرباباً، قال الله تبارك وتعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). ويروى عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم. قال: (أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: بلى. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتلك عبادتهم). وهذا القسم من التوحيد هو الذي خالف فيه المشركون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنكروا عليه، وقالوا فيه: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ). وسبحان الله أن يكون التوحيد عجاباً، وأن يكون شركه صواباً. فالعجب العجاب الذي لا ينقضي هو أن يشرك هؤلاء بالله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ولا يستجيب لهم إلى يوم القيامة، وقد استباح النبي صلى الله عليه وآله وسلم دماء هؤلاء المشركين ونساءهم وذرياتهم وأموالهم وقاتلهم على ذلك أشد المقاتلة، حتى يعبدوا الله عز وجل أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
أما القسم الثالث فهو توحيد الأسماء والصفات، وهو إفراد الله عز وجل بأسمائه وصفاته، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، ونفي ما نفى الله عن نفسه، والسكوت عما سكت الله عنه ورسوله، إثباتاً بلا تمثيل، ونفياً بلا تعطيل. وهذا هو الذي انقسمت فيه الأمة الإسلامية إلى أقسام متعددة: فمنهم السلف، وهم فقط أهل السنة والجماعة الذين أثبتوا لله ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، إثباتاً بلا تمثيل، ونفوا ما نفى الله عن نفسه نفياً بلا تعطيل، وسكتوا عما سكت الله عنه ورسوله. فمن ذلك أنهم أثبتوا لله كل ما وصف به نفسه، كل صفة أثبتها لنفسه: من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام والعزة والحكمة والرحمة والعجب والضحك، وأثبتوا لله الوجه واليدين والعينين، وأثبتوا لله القدم والساق، وكذلك كل ما وصف الله به نفسه أثبتوه لله عز وجل لكن بلا تمثيل، يثبتون هذا ويقولون: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصيرِ). فيقولون: لله يد ولكن ليستا كأيدينا ، وجه لكن ليس كوجوهنا ، عينان لكن ليست كأعيننا ، وهكذا بقية الصفات. ويقولون أيضاً: إن الله استوى على العرش، علا عليه علوّاً يليق بجلاله عز وجل، لكن ليس كاستوائنا نحن على السرير أو على الدابة أو على الفلك؛ لا؛ لأن الله تعالى يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصيرِ). هذا هو مذهب السلف: إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، ونفي ما نفى الله عن نفسه من الأسماء والصفات، والسكوت عما سكت عنه. وبعد ذلك تنازع الناس تنازعاً طويلاً عريضاً لا ينبني على أصل، لا من المعقول ولا من المنقول: فأثبت قوم الأسماء، وأثبتوا من الصفات صفات قليلة، وليس على الوجه الذي يثبته عليه أهل السنة والجماعة، بل يخالفونه في كيفية هذا الإثبات. وأثبت قوم الأسماء، ونفوا الصفات كلها، أو إلا الحياة والعلم والقدرة. ونفى قوم الأسماء والصفات، ونفى قوم الإثبات والنفي، واضطربوا في ذلك اضطراباً كثيراً. لكن من هؤلاء من تصل بدعته إلى حد الكفر المخرج من الملة، ومنهم من دون ذلك، ولكن الحق فيما ذهب إليه السلف، وهم أهل السنة والجماعة: إثبات كل صفة أثبتها الله لنفسه بدون تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، ونفي كل صفة نفاها الله عن نفسه، والسكوت عما سكت الله عنه، وهذه الطريقة السليمة الثابتة سمعاً وعقلاً وفطرةً. وللناس في هذا كتب ورسائل معلومة، ومن أحسن ما رأيته تقريباً لهذا الأصل العظيم ما كتبه شيخ الإسلام، ابن تيمية رحمه الله، وكتبه تليمذه ابن القيم، فإنهما كتبا في هذا الباب كتابات عظيمة مفيدة، ما رأيت أحداً كتب مثل كتابتهما، وغالب من يكتب في هذا الباب تجدهم يقلد بعضهم بعضاً، ولهم مقلدون لا يخرجون عن كلامهم ولو تبين الحق، والحقيقة أن الواجب على المرء أن يتبع ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله سلم، وأنه ليس بمعذور إذا خالف ذلك من أجل قول فلان وفلان ، قد يخطئ فلان وفلان من المتبوعين خطأً يعذر فيه، لكن التابع الذي تبين له الحق لا يعذر في اتباعه لهؤلاء الذين أخطؤوا. وإنني من هذا المنبر منبر نور على الدرب في إذاعة المملكة العربية السعودية أدعو جميع إخواني الذين درسوا في هذا العلم علم التوحيد علم العقائد، أدعوهم إلى تقوى الله عز وجل، وأن يسلكوا ما سلكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من الخلفاء الراشدين وغيرهم في هذا الباب العظيم الخطير؛ لأن هذا الباب مبناه على الخبر المحض، ليس للعقول فيه مجال إلا على سبيل الإجمال، فإن العقول تهتدي إجمالاً إلى أن الله موصوف بصفات الكمال، منزه عن كل نقص وعيب، ولكن لا تدرك هذا على وجه التفصيل، وإنما يؤخذ ذلك من الكتاب والسنة، وإذا كان هذا هو الواقع، وأن ما يتعلق بصفات الله وأسمائه خبر محض، فإنه يجب علينا أن لا نحيد عن ما جاء به الكتاب والسنة قيد أنملة، ولا سمك شعرة، بل يجب علينا قبول ما جاء به الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. ولقد رأينا أن الذين يحيدون عن هذه السبيل ويتخبطون خبط عشواء في بعض أسماء الله وصفاته، رأينا أنهم يضلون كثيراً، ويؤدي بهم الحال إلى الشرك وإلى الحيرة، كما نقل ذلك عن كثيرٍ من زعمائهم، حتى إن الفخر الرازي وهو من رؤسائهم قال فيما نقل عنه، إما منشداً وإما ناظماً:
نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وقال: ( لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تروي غليلاً ولا تشفي عليلاً، وجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ). وأقرأ في النفي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)،( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً). ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي). ويقول الآخر:
لقد طفت في تلك المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم
وهذا يدل على أن هؤلاء المتكلمين الذين ذهبوا يحكمون على الله تعالى بعقولهم فيما يصفونه به كانوا في حيرة شديدة، وأن من بلغ منهم الغاية في علم الكلام رجع إلى الحق، وهو ما كان عليه سلف هذه الأمة: من إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ونفي ما نفى الله عنه أو ما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والسكوت عن ما لم يرد به إثبات ولا نفي، وهذا هو الأدب مع الله ورسوله، فعلينا جميعاً أن نتوب إلى الله عز وجل، وأن نرجع إلى منهج سلفنا الصالح في هذا الباب العظيم الخطير. ونسأل الله لنا ولإخواننا السلامة و التوفيق لمنهج السلف الصالح، وأن يتوفانا على ما يحبه ويرضاه، إنه جواد كريم.
جزائرــــية
2009-09-08, 21:34
هل الإيمان هو التوحيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان والتوحيد شيئان متغايران وشيئان متفقان، فالتوحيد هو إفراد الله عز وجل بما يستحقه ويختص به من الربوبية والألوهية و الأسماء والصفات، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وإن هذه الأقسام جاءت في قوله تعالى: ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً). فقوله : ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)يعني توحيد الربوبية، وقوله: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) يعني توحيد الألوهية، وقوله: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) يعني توحيد الأسماء والصفات. وهذا التقسيم للإيمان في الواقع؛ لأن الإيمان بالله عز وجل يتضمن الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وعلى هذا فالموحد لله مؤمن به، والمؤمن بالله موحد له، لكن قد يحصل خلل في التوحيد أو في الإيمان فينقصان، ولهذا كان القول الراجح أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد وينقص في حقيقته وفي آثاره ومقتضياته: فالإنسان يجد من قلبه أحياناً طمأنينة بالغة، كأنما يشاهد الغائب الذي كان يؤمن به، وأحياناً يحصل له شيء من قلة هذا اليقين الكامل، وإذا شيءت أن تعرف أن اليقين يتفاوت فاقرأ قول الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه الصلاة والسلام: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي). كما أنه أيضاً يزيد بآثاره ومقتضياته: فإن الإنسان كلما ازداد عملاً صالحاً ازداد إيمانه، حتى يكون من المؤمنين الخلص.
جزائرــــية
2009-09-08, 21:36
كيف يحقق المسلم التوحيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يحقق التوحيد بالإخلاص لله عز وجل، وأن تكون عبادته لله تعالى وحده لا يرائي فيها ولا يحابي فيها، وإنما يعبد الله مخلصاً له الدين، هذا بالنسبة للعبادة. كذلك أيضاً بالنسبة للربوبية: لا يعتمد إلا على الله، ولا يستعين إلا بالله، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابن عمه وهو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك). وعليه أن يسأل الله دائماً الثبات على الحق وعلى التوحيد، فإن كثيراً من الناس وإن كان معه أصل التوحيد لكن يكون هناك أشياء منقصة، وأضرب لك مثلاً شائعاً عند الناس يتهاونون به، وهو الاعتماد على الأسباب، فإن من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قدر للأشياء أسباباً: فالمرض قدر الله للشفاء منه أسباباً، والجهل قدر الله تعالى للتخلص منه أسباباً، الأولاد قدر الله لهم أسباباً، وهلم جرّاً. فبعض الناس يعتمد على السبب: فتجده إذا مرض يتعلق قلبه تعلقاً كلياً بالمستشفى وأطبائه، ويذهب وكأن الشفاء بأيديهم، وينسى أن الله سبحانه وتعالى جعل هؤلاء أسباباً قد تنفع وقد لا تنفع، فإن نفعت فبفضل الله وتقديره، وإن لم تنفع فبعدل الله وتقديره، فلا ينبغي بل لا يجوز أن ينسى الإنسان المتسبب ويتفكر للسبب، نعم نحن لا ننكر أن السبب له تأثير في المسبب، لكن هذا التأثير إنما كان بإذن الله عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى في السحرة: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) قال (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ). فالمهم أن تحقيق التوحيد هو تعلق القلب بالله تبارك وتعالى خوفاً وطمعاً، وتخصيص العبادة له وحده.
ليتيم الشافعي
2009-09-08, 21:58
أحسن الله إليك موضوع مهم لكل مسلم ومسلمة
جزاك المولى خير الجزاء
الماسة الزرقاء
2009-09-09, 18:13
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
جزيت الجنة اختي الفاضلة موضوع في القمة جعله ربي في ميزان حسناتك
قال وهب بن منبه لمن سأله: أليس (لا إله إلا الله) مفتاح الجنة؟
قال: بلى.
ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتـح لك
وأسنان هذا المفتاح هي شروط (لا إله إلا الله)
لهذا يجب على كل مسلم و مسلمة ان يعلم معنا التوحيد و شروط لا اله الا الله
اسال الله ان ينفعنا بما علما و اياكم
جزائرــــية
2009-09-09, 18:34
بارك الله فيكم على حسن المرور
جزائرــــية
2009-09-09, 18:44
2/ أهل ا لسنة والجماعة:
من هي الطائفة المنصورة؟ وكيف تُعرف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطائفة المنصورة هم أهل السنة والجماعة، وهم الفرقة الناجية، وهم الذين كانوا على مثل ما عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه عقيدةً وقولاً وفعلاً. ففي العقيدة: يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، يؤمنون بأن الله تعالى رب كل شيء ومليكه، يؤمنون بأن الله تعالى هو الحق وأن ما يدعى من دونه هو الباطل، يؤمنون بكل ما سمى الله به نفسه أو ما سماه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، يؤمنون كذلك بملائكة الله تعالى على ما جاء في الكتاب والسنة، وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر والقدر خيره وشره، يتعبدون لله تعالى بما شرع، لا يبتدعون في دين الله تعالى ما لم يشرع، يعتقدون أن كل بدعة في دين الله تعالى ضلالة، مخلصون لله تعالى في عباداتهم؛ لأنهم أمروا بذلك: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ). لا يبتدعون في دين الله ما ليس منه، لا في العقيدة ولا في الأعمال القولية أو الفعلية، بل هم مخلصون لله، متبعون لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، هؤلاء هم الفرقة الناجية، وهم الطائفة المنصورة، وهم أهل السنة والجماعة.
***
ما أهمية الجماعة في الإسلام؟ وهل يشترط على المسلم أن ينتمي إلى جماعةٍ معينة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الجماعة في الإسلام هي الاجتماع على شريعة الله عز وجل التي قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام : (لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك). هذه هي الجماعة التي يجب على الإنسان أن ينتمي إليها، أما الجماعة الحزبية التي لا تريد إلا انتصار رأيها، سواء كان بحق أم بباطل، فإنه لا يجوز الانتماء إليها؛ لأن ذلك متضمنٌ البراءة من الجماعة الإسلامية، والولاية للجماعة الحزبية التي فيها التفرق والاختلاف، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى الله). وقال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ). وقال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ). وهذه الجماعات الإسلامية التي تنتمي إلى الإسلام وهدفها انتصار الإسلام يجب عليها أن لا تتفرق، يجب عليها أن تنحصر في طائفةٍ واحدة، طائفة الجماعة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي). وهذه الجماعات فرقت الأمة وشتتهم، وألقت بينهم العداوة، حتى صار الواحد منهم ينظر إلى الثاني نظر العدو البعيد، مع أن الكل منهم مسلم ينتمي إلى الإسلام ويريد أن ينتصر الإسلام به، ولكن أنى وقد تفرقوا هذا التفرق، وتمزقوا هذا التمزق؟ فالذي ينبغي أن أوجه إخواني إليه من هذا المنبر منبر نور على الدرب من إذاعة المملكة العربية السعودية أن يجتمعوا على الحق؟ وأن يجتنبوا أوجه الاختلاف بينهم، فيزيلوها بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والحقيقة أن هذا التفرق أصبح فريسته هذا الوعي الذي نشاهده في الشباب الإسلامي، فإن هذا الشباب بتفرق هذه الجماعات صار كل طائفةٍ منهم تنتمي إلى جماعة، صار كل واحدٍ منهم ينتمي إلى جماعة من هذه الجماعات، وتفرقوا وصار بعضهم يسب بعضاً ويطعن في بعض، وهذه ضربةٌ قاسية قاصمةٌ للظهر إلى هذه الصحوة التي بدأت ولله الحمد تظهر آثارها في شباب المسلمين. المهم أنني أنا أنصح بعدم التفرق ولو في ضمن هذه الجماعات، وأرى أن تكون الأمة الإسلامية أمةً واحدة ،لا تختلف ولا تتسمى كل واحدةٍ منهم باسم ترى أنها ندٌ للجماعات الأخرى.
جزائرــــية
2009-09-09, 19:08
وجدت في تفسير ابن كثير حديثاً يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة). فهل هذا الحديث صحيح؟ وما هي الفرق الضالة من هذه الفرقة الناجية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح، بكثرة طرقه، وتلقي الأمة له بالقبول، فإن العلماء قبلوه وأثبتوه حتى في بعض كتب العقائد، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن الفرقة الناجية هي الجماعة الذين اجتمعوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عقيدة وقول وعمل، فمن التزم ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقائد الصحيحة السليمة و الأقوال والأفعال المشروعة فإن ذلك هو الفرقة الناجية، ولا يختص ذلك بزمان ولا بمكان، بل كل من التزم هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ظاهراً وباطناً فهو من هذه الجماعة الناجية، وهي ناجية في الدنيا من البدع والمخالفات، وناجية في الآخرة من النار.
***
ماالمقصود بالسلف ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السلف معناه المتقدمون، فكل متقدم على غيره فهو سلف له، ولكن إذا أطلق لفظ السلف فالمراد به القرون الثلاثة المفضلة: الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، هؤلاء هم السلف الصالح، ومن كان بعدهم وسار على منهاجهم فإنه مثلهم على طريقة السلف، وإن كان متأخراً عنهم في الزمن؛ لأن السلفية تطلق على المنهاج الذي سلكه السلف الصالح رضي الله عنهم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة ،كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة). وفي لفظ: (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي). وبناء على ذلك تكون السلفية هنا مقيدة بالمعنى، فكل من كان على منهاج الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان فهو سلفي وإن كان في عصرنا، هذا وهو القرن الرابع عشر بعد الهجرة.
جزائرــــية
2009-09-09, 19:10
ما المراد بالتوسط في الدين أو الوسطية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوسط في الدين أو الوسطية أن يكون الإنسان بين الغالي والجافي، وهذا يدخل في الأمور العلمية العقدية، وفي الأمور العملية التعبدية. فمثلاً في الأمور العقدية انقسم الناس فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته إلى ثلاثة أقسام: طرفان ووسط طرفٌ، غلا في التنزيه فنفى عن الله ما سمى ووصف به نفسه، وقسمٌ غلا في الإثبات فأثبت لله ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، لكن باعتقاد المماثلة، وقسمٌ وسط أثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، لكن بدون اعتقاد المماثلة، بل باعتقاد المخالفة، وأن الله تعالى لا يماثله شيئٌ من مخلوقاته. مثال الأول الذين غلوا في التنزيه الذين يقولون: إن الله تعالى لا يوصف إلا بصفاتٍ معينة حددوها، وادعوا أن العقل دل عليها، وأن ما سواها لا يثبت؛ لأن العقل بزعمهم لم يدل عليها، فمثلاً أثبتوا صفة الإرادة لله وقالوا: إن الله تعالى مريد، لكنهم نفوا صفة الرحمة عنه وقالوا: معنى الرحمة الإحسان أو إرادة الإحسان، وليست وصفاً في الله عز وجل، فتجد هؤلاء أخطؤوا حيث نفوا ما وصف الله به نفسه، بل نفوا ما كانت دلالة العقل فيه أظهر من دلالة العقل على ما أثبتوه ، فإن إثباتهم للإرادة بالطريق العقلي أنهم قالوا: إن تخصيص المخلوقات بما تختص به مثل: هذه سماء وهذا أرض وهذه بعير وهذه فرس وهذا ذكر وهذه أنثى، هذا التخصيص يدل على إرادة الخالق أنه أراد أن يكون الشيء على هذا فكان. فنقول لهم: إن دلالة نعم الله عز وجل ودفع نقمه تدل على الرحمة أكثر مما يدل التخصيص على الإرادة، ولكن مع ذلك نفوا الرحمة وأثبتوا الإرادة، بناءً على شبهةٍ عرضت لهم. القسم الثاني الذين غلوا في الإثبات وهم أهل التمثيل، قالوا: نثبت لله عز وجل الصفات، لكن على وجهٍ مماثل للمخلوق، وهؤلاء ضلوا وغفلوا عن قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). والقسم الثالث الوسط قالوا: نثبت لله كل ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو فيما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، مع اعتقاد عدم المماثلة، وأن ما يثبت للخالق من ذلك مخالفٌ لما يثبت للمخلوق، فإن ما يثبت للخالق أكمل وأعلى، كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). هذا في العقيدة، كذلك أيضاً في الأعمال البدنية: من الناس من يغلو فيزيد ويشدد على نفسه، ومن الناس من يتهاون ويفرط فيضيع شيئاً كثيرا،ً وخير الأمور الوسط . والوسط الضابط فيه: ما جاءت به الشريعة فهو وسط، وما خالف الشريعة فليس بوسط، بل هو مائل إما للإفراط وإما إلى التفريط. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية خمسة أصول، بين فيها رحمه الله أن أهل السنة فيها وسطٌ بين طوائف المبتدعة، فيا حبذا لو أن السائل رجع إليها؛ لما فيها من الفائدة.
***
عبد الله بن عبد الرزاق يقول: ما حكم من قال بأن الخوض في مسائل العقيدة والتوحيد والمناقشات العلمية يسبب الفرقة وضياع الجهد والفكر والدعوة؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التعمق في السؤال فيما يتعلق بالعقيدة ليس هو من طريق السلف، بل كانوا يحذرون منه غاية التحذير؛ لأن أمور العقيدة أمورٌ غيبية يجب أن يتلقاها الإنسان بالتسليم، دون الخوض في كيفياتها وحقيقتها، ولهذا لما سأل رجلٌ الإمام مالكاً رحمه الله عن قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى): كيف استوى؟ فأطرق مالكٌ رحمه الله برأسه حتى علاه الرحض- أي: حتى علاه العرق- ثم رفع رأسه فقال: (يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً)، ثم أمر به فأخرج من المسجد مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما البحث عن معاني أسماء الله تعالى وصفاته وإثباتها على الوجه اللائق به جل وعلا من غير تكييفٍ ولا تمثيل فهذا حق، وهذا منهج السلف الصالح رضي الله عنهم، هذه هي القاعدة والجادة فيما يتعلق بالعقيدة، ولكن إذا ابتليت بشخص أرغمك على أن تبحث معه وله اصطلاحات خاصة، فعليك أن تبين الحق، وأن لا تسكت أو تسكته إلا إذا علمنا أنه معاند، فلنا أن نسكته حتى يعرف قدر نفسه.
***
أم عبدالله تقول: ما حكم التنطع في الإسلام؟ وضحوا لنا ذلك من الكتاب والسنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التنطع في الإسلام معناه التشدد في الإسلام والتعمق والتقعر، وحكمه أنه هلاك للمرء ؛لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون). ودين الله سبحانه وتعالى الحق بين الغالي فيه والجافي عنه، فالتعمق والتنطع وإلزام النفس بما لا يلزمها هذا كله هلاك، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***
ما السبب في وجود عقيدة صحيحة وعقيدة خاطئة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤالٌ عجيب! يعني إذاً قل: ما السبب في وجود مؤمنين وكافرين؟ ما السبب في وجود فاسقين ومعتدلين؟ ونقول: السبب في ذلك أن هذه حكمة الله عز وجل، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ). وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً). أي: على دينٍ واحد وعقيدة واحدة ،ولكن: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ). ولولا هذا الاختلاف لكان خلق الجنة والنار عبثاً؛ لأن النار تحتاج إلى أهل والجنة تحتاج إلى أهل، فلا بد من الاختلاف. لكن ينبغي أن يقول: ما هو الضابط في العقيدة الصحيحة وفي العقيدة الفاسدة؟ وجوابنا على هذا أن نقول: ما كان موافقاًً لما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فهو عقيدةٌ صحيحة، وما كان مخالفاً لهم فهو عقيدةٌ فاسدة، وكذلك يقال في الأعمال البدنية: ما كان موافقاً لما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فهو عملٌ صالح، وما لم يكن كذلك فهو عملٌ فاسد، وهذا هو الذي ينبغي أن نسأل عنه، وينبغي أن نبحث: هل نحن في عقيدتنا، هل نحن في أعمالنا موافقون لما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه أم مخالفون؟!!
جزائرــــية
2009-09-09, 19:11
في بعض البلاد الإسلامية يدرس تاريخ الإسلام بطريقة غير صحيحة، مما يؤدي إلى بغض بعض الصحابة رضوان الله عليهم، نرجو التوضيح خاصة عن موقف بعض المعارك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما قاله السائل صحيح، فإن التاريخ في الحقيقة يزوّر ويشوّه حسب ما تكون الدولة، فهو خاضع مع الأسف للدولة بحيث توجهه حيث ما تريد، وخاضع كذلك لبعض الأفكار التي تجترئ على الكذب وتستسيغه في جانب ما تدعو إليه وتهدف إليه، ولذلك نرى في كثير من كتب التاريخ أشياء مشوهة إن كان صدقاً، وكثيراً وكثيراً مزورة مكذوبة، لاسيما فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم مما هم فيه معذورون؛ لأنهم مجتهدون، ومن أصاب منهم له أجران، ومن أخطأ فله أجر، وخطؤه مغفور. فيجب على المرء أن يحذر من مثل هذه الكتب المزورة أو المشوهة بزيادة أو نقص، لاسيما إذا كان يشعر بأن هذا الكتاب مثلاً يسيء إلى الصحابة رضي الله عنهم في تشويه حياتهم ومجتمعاتهم؛ لأن القدح في الصحابة رضي الله عنهم ليس قدحاً في الصحابة أنفسهم فقط، بل هو قدح فيهم وقدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدح في الشريعة، وقدح في الله سبحانه وتعالى؛ لأنه إذا صار القدح في الصحابة رضي الله عنهم كان ذلك قدحاً في الشريعة؛ لأنهم هم وسيلة النقل، هم الذين نقلوها إلينا، فإذا كانوا محل قدح وعيب فكيف نثق بالشريعة التي بين أيدينا وهي جاءت عن طريقهم؟ وإذا كان قدحاً في الصحابة صار قدحاً في النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أصحابه وأحبابه وناصروه على أعدائه، والقدح في الصاحب قدح في المصحوب، وإذا كان القدح في الصحابة صار قدحاً في الله عز وجل، فكيف يقال: إن الله تعالى اختار لنبيه -وهو أفضل خلقه- مثل هؤلاء الأصحاب الذين هم محل القدح والسب والعيب؟ إذاً فالقدح في الصحابة قدح في الله وفي رسوله وفي شريعته، والأمر أمر عظيم، وكتب التاريخ قد يكون بعضها متناولاً لهذا الأمر مما يكون دالاً على القدح في الصحابة إما تصريحاً وإما تلميحاً ،فليحذر المؤمن من مثل هذه التواريخ التي تضله .والله المستعان.
***
جزائرــــية
2009-09-10, 14:22
3/ الإيمان والإسلام
ما هي أركان الإيمان؟ وما حكم الإيمان بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أركان الإيمان هي ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال : (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). ومن لم يؤمن بها جميعاً فهو كافر، يعني: لو آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر؛ لأن الذي يؤمن ببعض الشريعة ويكفر ببعضها فهو كافر بالجميع، والذي يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعضهم كافر بالجميع، كما قال الله تعالى موبخاً بني إسرائيل: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ). وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً). فبين الله تعالى أن هؤلاء الذين يؤمنون ببعض الرسل دون بعض هم الكافرون حقاً فأركان الإيمان إذاً ستة: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره فأما الإيمان بالله فأن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى حي عليم قادر، منفرد بالربوبية وبالألوهية وبأسمائه وصفاته، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ويؤمن بأنه على كل شيء قدير، وأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون. والإيمان بالملائكة: أن تؤمن بهذا العالم من الخلق، وهم- أعني: الملائكة- عالم غيبـي لا نشاهده إلا إذا أراد الله أن نشاهده لحكمة فهذا يقع، هذا العالم من المخلوقات خلقوا من نور- أعني: الملائكة- وهم مطيعون لله تعالى دائماً، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، نعلم منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل: أما جبريل فهو موكل بالوحي يأتي به من الله عز وجل إلى من أوحاه الله إليه، وأما اسرافيل فإنه موكل بالنفخ في الصور، وأما ميكائيل فإنه موكل بالقطر والنبات، ومنهم- أي: من الملائكة- من وكلوا بحفظ بني آدم كما قال تعالى عنهم: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ). ومنهم من هو موكل بإحصاء أعمال ابن آدم يكتبها عليه، كما قال الله تبارك وتعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). فهم عن أيماننا وعن شمائلنا لكن لا نراهم، وقد يُرى الملك بصورة إنسان مثلاً، كما جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم جلسة المتأدب، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، ثم سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها. والملائكة عليهم الصلاة والسلام لا يأكلون ولا يشربون، وهم عدد لا يحصيهم إلا الله عز وجل كما جاء في الحديث: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد). (وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البيت المعمور أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه)، وهذا يدل على كثرتهم العظيمة. الإيمان بكتب الله هذا الركن الثالث من أركان الإيمان، كتب الله المنزلة نعرف منها التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، وخاتمها القرآن الكريم المنزل على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم . ورسله جمع رسول، وهم الذين أرسلهم الله تبارك وتعالى إلى البشر، وهم من بني آدم، يلحقهم من العوارض الجسدية ما يلحق بني آدم، وكم من بني آدم فضلوا بما أعطاهم الله من النبوة والأخلاق والشمائل، نعرف منهم عدداً كبيراً، ومنهم من لم نعلم، لم يقصه الله علينا، لكن يكفينا الإجمال: أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ومن علمناه بعينه آمنا به بعينه . اليوم الآخر هو يوم القيامة، وسمي آخراً لأنه لا يوم بعده. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ويدخل في الإيمان باليوم الآخر كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت: كفتنة القبر وعذابه أو نعيمه؛ لأن كل من مات فقد قامت قيامته، انتهى، انتقل إلى اليوم الآخر، ويدخل في ذلك الإيمان بما يكون في ذلك اليوم من حشر العالم كلهم في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وما ذكر في ذلك اليوم من الميزان، وحوض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والصراط المنصوب على جهنم، والجنة والنار، وغير ذلك مما جاء به القرآن وصحت به السنة . والقدر خيره وشره، القدر يعني: تقدير الله عز وجل، والله تبارك وتعالى قدر كل شيء، قال الله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً). ومراتب القدر أربع: الأولى: أن تؤمن بعلم الله تعالى المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً، فإن الله تعالى عالم بكل شيء كان أم لم يكن، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ). المرتبة الثانية: الكتابة، فإن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، ودليل ذلك: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). فما كتب في اللوح المحفوظ فلابد أن يقع، كما جاء في الحديث: (جفت الأقلام وطويت الصحف). المرتبة الثالثة: أن تؤمن بعموم مشيئة الله عز وجل، وأنه ما في الكون من موجود ولا معدوم إلا بمشيئة الله، فهو الذي يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، حتى أفعالنا نحن كائنة بمشيئة الله. المسألة الرابعة: الإيمان بخلق الله، أي بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأن له مقاليد السماوات والأرض، حتى أعمال العباد مخلوقة لله عز وجل، قال الله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان: من الآية2). وقال تعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات: 96). هذه المراتب الأربع لابد من الإيمان بها، فمن نقص منها مرتبة واحدة لم يتم إيمانه بالقدر. وقوله: (خيره وشره). إذا قال قائل: إذا كان القدر من الله كيف يكون فيه شر؟ فالجواب: أن الشر ليس في تقدير الله، ولكن فيما قدره الله، أي: في المقدورات، أما قدر الله لها بالشر فإنه لحكمة بالغة، وبهذا الاعتبار يكون خيراً.
***
ما هي العقيدة الإسلامية الصحيحة التي بها يتقبل الله صلوات المصلىن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العقيدة الصحيحة للمسلمين التي يتقبل الله بها صلاة المصلىن هي ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). هذه هي العقيدة الصحيحة التي يتقبل الله بها من المسلمين، وتتضمن هذه العقيدة تمام القبول والانقياد، وذلك بأن يشهد الإنسان أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وحينئذٍ يكون مسلماً تصح منه الصلاة وسائر العبادات.
***
ما هي العروة الوثقى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العروة الوثقى هي الإسلام، وسميت عروة وثقى لأنها توصل إلى الجنة.
***
إذا أخل المسلم بركن واحد من أركان الإيمان الستة فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أخل بركن من أركان الإيمان الستة جحداً وتكذيباً فهو كافر، وأما إذا كان عن تأويل- كالذين أنكروا مسائل في باب القدر- فهذا لا يكفر؛ لأنه متأول لكن أحياناً يكون التأويل بعيداً، وأحياناً يكون التأويل قريباً.
***
ما الفرق بين الإسلام و الإيمان والإحسان؟ وإذا أقام الشخص الإسلام وترك الباقيات هل نكفره أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بين هذه الثلاثة بيّنه النبي عليه الصلاة والسلام حين سأله جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال له : (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت). وسأله عن الإيمان فقال : (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره). فسأله عن الإحسان فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، هذا هو الفرق. ومن ترك واحداً من ذلك ففيه تفصيل: من ترك الشهادتين فلم يشهد أن لا إله إلا لله ولا أن محمداً رسول الله فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين، ومن أتى بالشهادتين لكن ترك الصلاة فهو كافر على القول الراجح، والأدلة على ذلك كثيرة تمر بنا كثيراً في هذا البرنامج، ومن ترك الزكاة أو الصيام أو الحج فإنه لا يكفر على القول الراجح؛ لقول عبد الله بن شقيق : (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة). وأما الإيمان فأركانه ستة، إذا أنكر واحداً منها كفر: لو لم يؤمن بالله فهو كافر، أو بملائكته فهو كافر، أو بكتبه فهو كافر، أو برسله فهو كافر، أو باليوم الآخر فهو كافر، أو بالقدر فهو كافر. وأما الإحسان فهو كمال: إن أتى به الإنسان فلا شك أنه أكمل، يعني: صلى كأنه يرى ربه فإن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه، فالإحسان كمال وفضل، والإيمان ترك واحد من أركانه كفر، والإسلام فيه التفصيل.
***
تقول المستمعة: كيف يعلم الشخص أنه وصل إلى درجة الإيمان؟ لأن عندي إحدى الأخوات تقول بأنها مؤمنة وإيماني قوي، كيف يعلم الإنسان بأن إيمانه قوي؟ وما هي الشروط التي تجعل المؤمن قوي الإيمان؟ وهل يعلم الإنسان إذا كان إيمانه قويّاً أو ضعيفاً؟ أرجو توضيح ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان أعلى مرتبة من الإسلام، والإنسان يعلم أنه مؤمن بما يكون في قلبه من الإقرار الجازم بما يجب الإيمان به، وهو: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وبما يكون لهذا الإيمان من النتائج، وهي الإنابة إلى الله عز وجل بفعل الطاعات، والتوبة إليه من المعاصي، ومحبة الخير للمؤمنين، ومحبة النصر للإسلام، وغير ذلك من موجبات الإيمان التي تدل دلالة واضحة على أن الإنسان مؤمن. ويمكن هذا، أعني: أن العلم بأن الإنسان مؤمن، بأن يطبق أحواله وأعماله على ما جاءت به السنة مثل: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). فلينظر: هل هو يحب لأخيه ما يحب لنفسه، أو يحب أن يستأثر على أخيه ولا يهتم بشأنه، أم ماذا؟ وليطبق ذلك أيضاً على نفسه في المعاملة :هل هو ناصح في معاملته لإخوانه، أو غاشٌّ لهم؟ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم). وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من غش فليس منا). فلننظر إلى هذا، ولننظر أيضاً: هل هو حَسَنُ الجوار بجيرانه، أو على خلاف ذلك؟ لأن حسن الجوار من علامات الإيمان؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه). وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، إلى غير ذلك من الأحاديث التي يعرف بها الإنسان ما عنده من الإيمان قوة وضعفاً. فالإنسان العاقل البصير يزن إيمانه بما يقوم به من طاعة الله واجتناب معصيته، ومحبة الخير لنفسه وللمسلمين. وأما قول القائل: أنا مؤمن وإيماني قوي، فهذا إن قاله على سبيل التزكية لنفسه فقد أساء؛ لقول الله تعالى: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى). وإن قالها على سبيل التحدث بنعمة الله، وتشجيع غيره على تقوية إيمانه، فلا حرج عليه في ذلك، ولا بأس به. والإنسان يعرف قوة الإيمان- كما ذكرنا آنفاً- بآثاره التي تترتب عليه، ومتى قوي إيمانه صار الإنسان كما أنه يشاهد علم الغيب الذي أخبر الله عنه، بحيث لا يكون عنده أدنى شك فيما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب.
***
ما الفرق بين المسلم والمؤمن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإسلام والإيمان يذكران جميعاً ويذكر أحدهما منفرداً عن الآخر. فإذا ذكرا جميعاً اختلف معناهما، وكان الإيمان للأعمال الباطنة والإسلام للأعمال الظاهرة، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام). ثم سأله عن الإيمان فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره). ففرق بين الإيمان والإسلام، فجعل الإسلام هي الأعمال الظاهرة التي هي قول اللسان وعمل الجوارح، وجعل الإيمان الأعمال الباطنة التي هي إقرار القلب واعترافه وإيمانه، ولهذا قال الله عز وجل عن الأعراب: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ). فجعل الله تعالى الإيمان في القلب، وبين في هذه الآية الكريمة أن الإيمان أعلى رتبة من الإسلام؛ لأن الإسلام يكون من المنافق ومن المؤمن حقاً، وفي هذه الحال نقول: إن الإيمان أعلى مرتبة من الإسلام. أما إذا أفرد أحدهما عن الآخر فإنهما يكونان بمعنى واحد، كقول الإنسان: أنا مؤمن، كقوله: أنا مسلم ولا فرق، ولكن إذا قال: أنا مؤمن، فإنه يجب عليه أن يكون الباعث له على هذه المقالة التحدث بنعم الله عز وجل، أو الإخبار المحض المجرد، لا أن يكون الحامل له على ذلك تزكية نفسه وإعجابه بها وافتخاره على غيره، فإن ذلك من الأمور المحرمة.
***
ما الفرق بين المسلم والمؤمن وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإسلام والإيمان يتفقان في المعنى إذا افترقا في اللفظ، بمعنى: أنه إذا ذكر أحدهما في مكان دون الآخر فهو يشمل الآخر، وإذا ذكرا جميعاً في سياق واحد صار لكل واحد منهما معنى: فالإسلام إذا ذكر وحده شمل كل الإسلام، من شرائعه ومعتقداته وآدابه وأخلاقه، كما قال الله عز وجل : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ). وكذلك المسلم إذا ذكر هكذا مطلقاً فإنه يشمل كل من قام بشرائع الإسلام من معتقدات وأعمال وآداب وغيرها، وكذلك الإيمان: فالمؤمن مقابل الكافر، فإذا قيل: إيمان ومؤمن بدون قول الإسلام معه فهو شامل للدين كله، أما إذا قيل: إسلام وإيمان في سياق واحد فإن الإيمان يفسر بأعمال القلوب وعقيدتها، والإسلام يفسر بأعمال الجوارح. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) إلى آخر أركان الإسلام. وقال في الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه) إلى آخر أركان الإيمان المعروفة. ويدل على هذا الفرق قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ). وهذا يدل على الفرق بين الإسلام والإيمان: فالإيمان يكون في القلب، ويلزم من وجوده في القلب صلاح الجوارح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). بخلاف الإسلام فإنه يكون في الجوارح، وقد يصدر من المؤمن حقاً، وقد يكون من ناقص الإيمان. هذا هو الفرق بينهما، وقد تبين أنه لا يفرق بينهما إلا إذا اجتمعا في سياق واحد، وأما إذا انفرد أحدهما في سياق فإنه يشمل الآخر.
***
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا). يقول: أيهما أولى: الإسلام أم الإيمان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان أكمل، ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية: (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ). يعني: لم يدخل بعدُ الإيمان في قلوبكم، ولكنه قريب من الدخول. ولكن إذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان، كما في قوله تعالى: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً). وإذا ذكر الإيمان وحده فقيل: مؤمن وكافر، فإن الإيمان يشمل الإسلام، أما إذا ذكرا جميعاً- كما في آية الحجرات- فإن الإيمان في القلب، والإسلام في الجوارح، والإيمان أكمل.
***
بعض الناس يقدمون المعونات المادية لبعض المساكين، ويكتفون بذلك ولا يؤدون فرائض الله تعالى كالصلاة والصوم وغيرهما، ويدّعون أنهم يعملون الصالحات، وأنهم خيرٌ عند الله من الذين يؤدون فرائض الله ثم يذنبون ،وأنهم سيدخلون الجنة بما قدموا من حسناتٍ ماديةٍ قبل الذين يؤدون الفرائض، وربما حرمت على الذين يؤدون الفرائض ويذنبون وهم لا يحرمون منها؛ لأنهم أيضاً بيض القلوب غير مذنبين ،فما الحكم في مثل هؤلاء أينما كانوا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هؤلاء أنه إذا كان الواحد منهم يدعي بأنه غير مذنب فإننا نقول: أي ذنبٍ أعظم من ترك الصلاة وشعائر الإسلام؟ وما أنفقوه على الناس من سد الحاجات وإعانة المحتاج وإصلاح الطرق وغيرها، كل هذا لا ينفعهم، كل هذا هباءٌ منثور كما قال الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً). وقال تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ). فهؤلاء كل أعمالهم- ولو كانت متعدياً نفعها إلى الغير، كلها- لا تنفعهم عند الله ولا تقربهم إليه، وهم إن ماتوا على ترك الصلاة ماتوا كفاراً مخلدين في النار والعياذ بالله. فعليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم، ودعواهم أن من قام بشرائع الإسلام ولم ينفق إنفاقهم فإنه يحرم دخول الجنة وتكون الجنة لهم، هذه دعوىكاذبة، بل إن من قام بشرائع الإسلام، وحصل منه بخل في بعض ما أوجب الله عليه بذله، فإنه كغيره من أهل الذنوب والمعاصي تحت المشيئة إن شاء الله تعالى عذبه، وإن شاء غفر له ، فهذه التي قالها أولئك القوم دعوى باطلة كاذبة.
***
راشد غانم العبد الغفار الرياض الديرة يقول
: كثير من الناس لا يؤدون شرائع الإسلام، وإذا طُلب من أحدهم تأديتها قال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله،وهذا ما طُلب من الرسول تحصيله بالقتال، فإذا قالوا ذلك فقد عصموا منه دماءهم وأموالهم، ولذا يرددون: الإسلام مجرد النطق بكلمة التوحيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: هذا الفهم الذي فهمه هذا السائل وغيره خطأ عظيم فادح، حيث يظنون أن الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وإنما هذا مفتاح الإسلام للدخول فيه، وأما الإسلام فإنه هذا مع الشرائع الأخرى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : (فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها). وقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه، قاتل من منع الزكاة، ولما راجعه عمر في ذلك قال: الزكاة حق المال، والزكاة من حقوق الإسلام التي لابد منها. وكذلك الصلاة والحج والصيام، لكن من هذه الحقوق ما يكون تركه كفراً، كما في الصلاة التي ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنها هي التي بين الرجل وبين الكفر والشرك، وأنها هي العهد الذي بيننا وبين الكفار؛ ومن حقوق الإسلام ما لا يكون تركه كفراً بحسب ما تقتضيه النصوص الشرعية. والمهم أن الإسلام ليس مجرد النطق بالشهادتين، وكيف يكون مسلماً من يقول: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهو لا يقوم لله ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم بالحق الواجب لهما؟ إذا كان يشهد ألا إله إلا الله فلماذا لا يقوم بحقه؟ لماذا لا يعبده؟ إذا كان يقول: أشهد أن محمداً رسول الله لماذا لا يقوم بحقه؟ لماذا لا يتبعه؟ فلابد من عبادة الله، ومن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا مجرد النطق بالشهادتين لا يكفي، المنافقون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولكنهم لا يأتون بأركان الإسلام، فلذلك لم يكونوا مؤمنين.
***
عثمان محمد يقول: أحياناً يوسوس لي الشيطان: من خلق هذا؟ إلى أن يقول لي: من خلق الله سبحانه وتعالى؟ وأسهو كثيراً وأحزن وأترك هذا الموضوع. أفيدوني على ما أصرف به هذا الوسواس، وهل الوسواس يؤثر عليّ في حياتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الوسواس لا يؤثر عليك، وقد أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام (أن الشيطان يأتي للإنسان فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ إلى أن يقول: من خلق الله؟). وأعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدواء الناجع، وهو: أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وننتهي عن هذا، فإذا طرأ عليك هذا الشيء وخطر ببالك فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وانتهِ عنه وأعرض إعراضاً كلياً، وسيزول بإذن الله.
***
مدحت أحمد محمود عمارة يقول: أنا مصري الجنسية وأعيش في ألمانيا، وقد حاول الكثير ممن أعرفه يدينون بالمسيحية، حاولوا استمالتي وترغيبي في دينهم، ولقلة معرفتي بدين الإسلام وعدم توفر القرآن عندي جعلني أحتار وأشك في أي الدينين هو الصحيح؟ وقد قرأت الإنجيل الذي أهدوه إلي ولم أجد فيه شيئاً يقبله العقل السليم ولا المنطق، مما يؤكد لي أنه محرف وأنه غير صحيح، مما قوى إيماني بالله وتمسكي بديني الإسلام، وأخيراً حصلت على نسخةٍ من القرآن الكريم وأخذت أقرأ فيها وفي بعض التفاسير، وزادني ذلك والحمد لله قوة إيمانٍ ويقين بأن دين الإسلام هو الدين الحق، وأخذت بعد ذلك أحاول فيهم هم أن يعتنقوا دين الإسلام. فهل علي إثمٌ في حيرتي الأولى؟ وبماذا تنصحونني أن أفعل نحو هؤلاء؟ كما أرجو إرشادي إلى من أجد عنده الكتب الدينية والقرآن بخطٍ واضح والتفاسير الصحيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي حصل لك أيها الأخ هو من نعمة الله عليك، حيث ثبتك الله عز وجل في حال الشبهة والتلبيس من هؤلاء، ولا ريب أن ما فتح الله به عليك من معرفة الحق ومعرفة الإنجيل المحرف، لا ريب أن ما فتح الله عليك به خيرٌ ونعمة، ولهذا يسر الله لك حيث كنت تريد الحق، يسر الله لك هذه النسخة من القرآن الكريم، وكذلك ما تقرؤه من التفاسير، وما حصل لك من الحيرة إبان دعوتهم إياك لا يضرك، ما دمت والحمد لله قد ثبت على دين الإسلام، ثم ازددت يقيناً بما حصل لك من هذه النسخة من القرآن الكريم والتفاسير القيمة، فنرجو لك الثبات، ونرجو أن تمضي قدماً في دعوة هؤلاء وغيرهم إلى دين الإسلام، ببيان صحته من الوجهة النقلية ومن الوجهة العقلية، فإنه الدين الحق الذي لا يشك فيه أي عاقلٍ منصف إذا علمه أنه حق، وحينئذٍ فاستمر في دعوتك إليه: (ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم). وأما ما ذكرت من إرشادك إلى من يكون عنده تفسير أو كتب دينية: فإننا نرشدك إلى أن تتصل برئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في الرياض في المملكة العربية السعودية، وتطلب منها الكتب المناسبة، لعل الله ينفع بها من يطلع عليها.
***
السائل أبو عبد الله يقول: أكثر الناس يحبون المال حباً شديداً، فهل يؤثر ذلك على عقيدتهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن حب المال لا يؤثر على العقيدة ولا على الدين إذا لم يشغل عن واجب أو مستحب، فإن شغل عن واجب كان الاشتغال به حراماً، وإن شغل عن مستحب كان الاشتغال بالمستحب أولى من الاشتغال بالمال، ولابد أن يكون تصرف الإنسان بالمال على وفق الشريعة الإسلامية، فلا يعامل معاملة تشتمل على ظلم أو ربا أو غش، ولا يعامل الناس بدعوى ما ليس له أو بإنكار ما هو عليه. وحب المرء للمال أمر طبيعي، كما قال الله تبارك وتعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً. فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً . فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً. فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً. فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا. ً إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ. وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ). أي: لحب المال، كما قال تعالى: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً). وإذا كانت محبة الإنسان المال من أجل أن ينميه ليعمل به عملاً صالحاً كان ذلك خيراً، فإنه نِعْمَ المال الصالح عند الرجل الصالح، وكم من أناس أغناهم الله فنفع الله تعالى بأموالهم: في الجهاد في سبيل الله، في نشر العلم، في إعانة الملهوف، إلى غير ذلك.
***
مديحة القاضي تقول في رسالتها: عندما أقرأ القرآن تمر علي آيات الترغيب في الجنة وآيات الترهيب من النار، ولكني في قرارة نفسي أتأثر كثيراً من آيات الترغيب في الجنة، ولكنني قليلة التأثر في الترهيب من النار، فهل في ذلك خلل أو نقص في العقيدة؟ رغم أنني والحمد لله مؤمنة بهما، وأقيم الصلاة في أوقاتها. أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس فيه خلل في العقيدة، ما دمت تؤمنين بأن ما أخبر الله به من الثواب والعقاب حق واقع لا محالة، فإن ذلك لا يؤثر في عقيدتك، وبعض الناس قد يكون في قلبه شيء من القسوة فلا يلين عند المواعظ، وبعض الناس ربما يتأثر من المواعظ دون بعض، باعتبار صفاء ذهنه في تلك الساعة، أو باعتبار إلقاء الواعظ، أو باعتبارات أخرى. والحاصل أن الإنسان ما دام مؤمناً بما أخبر الله به من الثواب والعقاب ولا شك عنده في ذلك فإن عقيدته سليمة، فلا يحزن ولا يخف.
***
نهج السلف
2009-09-10, 18:15
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تقبل الله صيامكم و قيامكم
بارك الله فيك أختي على الموضوع الرائع الذي يعالج أهم شيئ في حياة المسلم
واصلي و الله الموفق ان شاء الله و جزاك الله خير الجزاء و أسكنك الفردوس الأعلى من الجنة
و انصح الجميع بقراءة كتب العلامة ابن تيمية و ابن القيم و الألباني و ابن باز و
العثيمين
كما أنصحكم و نفسي بقراءة كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة
أصحاب الجحيم
لأنه بالفعل كتاب أكثر من رائع و جد مفيد
جزائرــــية
2009-09-11, 18:47
4/ توحيد الربوبية
حامد عبد الله الجور يقول: ما رأيكم في نشرة الأحوال الجوية، وكل التنبؤات الجوية التي نسمعها يومياً في نشرات الراديو وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن نزول المطر من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ). فمن ادعى علم الغيب فيما ينزل من المطر في المستقبل فإنه كافر؛ لأنه مكذب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ). وأما من أخبر بنزول مطر، أو توقع نزول مطر في المستقبل، بناءً على ما تقتضيه الآلات الدقيقة التي تقاس بها أحوال الجو، فيعلم الخبيرون بذلك أن الجو مهيأ لسقوط الأمطار؛ فإن هذا ليس من علم الغيب، بل هو مستند إلى أمر محسوس، والشيء المستند إلى أمر محسوس لا يقال: إنه من علم الغيب، والتنبؤات التي تقال في الإذاعات من هذا الباب وليست من باب علم الغيب، ولذلك هم يستنتجونها بواسطة الآلات الدقيقة التي تضبط حالات الجو، وليسوا مثلاً يخبرونك بأنه سينزل مطر بعد كذا سنة وبمقدار معين؛ لأن هذه الآلات لم تصل بعد إلى حدٍ تدرك به ماذا يكون من حوادث الجو، بل هي محصورة في ساعات معينة، ثم قد تخطئ أحياناً وقد تصيب، أما علم الغيب فهو الذي يستند إلى مجرد العلم فقط بدون وسيلة محسوسة، وهذا لا يعلمه إلا الله عز وجل. وبهذه المناسبة أود أن أقول: إنه يجب أن يعلم بأن ما جاء في كتاب الله أو فيما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم من الأمور الإخبارية فإنه لا يمكن أبداً أن يُكَذِّبها الواقع؛ لأن الواقع أمر يقيني، وما جاء به كتاب الله أو ما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم فهو أيضاً أمر يقيني، إذا كانت دلالاته على مدلوله غير محتملة، ولا يمكن التعارض بين يقينيين؛ لأن اليقيني قطعي ولا تعارض بين قطعيين. وعلى هذا فإذا وجدنا آيةً في كتاب الله ظاهرها كذا ولكن الواقع يخالف الظاهر فيما يبدو لنا، فإنه يجب أن نعرف أن هذا الظاهر ليس هو ما أراده الله عز وجل؛ لأنه لا يمكن أبداً أن يكون الواقع المحسوس مكذباً للقرآن أبداً، بل إن القرآن نزل من عند الله عز وجل، وهو العليم الخبير الصادق فيما يقول، فبعض الناس يظن أن هذه التنبؤات مخالفة لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ). والحقيقة أنها لا تعارضها؛ لأنه كما أشرنا إليه إنما يعارضها لو كانوا يحكمون بهذه الأمور بمجرد العلم، ولكنهم هم يحكمونها بواسطة آلات محسوسة يتبين بها حال الجو، وهل هو مهيأ للأمطار أو ليس بمهيأ. ومثل هذا ما نُقل أخيراً من كونهم يعلمون ما في الأرحام من ذكر أو أنثى، يعرفون أنه ذكر أو أنه أنثى، فإن بعض الناس يظن أنه معارض لقوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ). وفي الحقيقة أنه إذا ثبت ذلك فإنه لا يعارض هذه الآية؛ لأن قوله: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) ما اسم موصول يقتضي العموم، وهو شامل لكل ما يتعلق بهذا الجنين، ومن المعلوم أن أحداً لا يستطيع أن يدعي أنه يعلم أن هذا الجنين سيخرج حياً أو ميتاً، أو أنه إذا خرج حياً سيبقى مدة طويلة أو يموت بعد زمن قصير، أو أن هذا الجنين إذا خرج إلى الدنيا وعاش هل يكون غنياً أو فقيراً، وهل يكون صالحاً أو فاسداً، وهل هو شقي أو سعيد، ثم لا يدعي أحد أن يعلم هل هو ذكر أو أنثى قبل أن يُخلَّق وتتبين ذكورته وأنوثته. فمتعلق العلم بما في الأرحام ليس خاصاً بالذكورة والأنوثة بعد أن يُخلَّق الجنين في بطن أمه؛ لأنه إذا خُلِّق فإنه يمكن أن يعلم به الملك الذي يوكّل بالأرحام يقول: أذكر أو أنثى؟ ويعلم أنه ذكر أو أنثى. فتبين بهذا أن ما ذكر إذا صح أنهم استطاعوا أن يعرفوا كون الجنين ذكراً أم أنثى، فإنه لا يعارض الآية؛ لسعة متعلق علم ما في الأرحام؛ لأنه ليس خاصاً بكونه ذكراً أو أنثى.
***
مجدي عبد الغني محاسب بالعراق محافظة صلاح الدين يقول: إلى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين نرى في الآونة الأخيرة ما شاع عن حقيقة تحديد نوع المولود ذكر أم أنثى، وبهذا نسأل توصل علماء الطب في أمريكا واليابان إلى ذلك، فهل هذا حرام؟ وما علاقة الآية الكريمة التي يقول الله فيها عز وجل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى)؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال الذي ذكره السائل يحتمل أن يريد بقوله: نوع الذكورة والأنوثة، أي: العلم بأن هذا ذكر أو أنثى. ويحتمل أن يكون مراده تحديد نوع الذكورة والأنوثة، أي: العلم بأن هذا ذكر وأنثى، أن يجعلوا هذه الأنثى ذكراً، أو أن يجعلوا الذكر أنثى. أما الأول- وهو: العلم بأن الجنين ذكر أو أنثى- فهذا كما قاله السائل، قد اشتهر أنهم يعلمون ذلك، وهذا العلم لا ينافي ما جاءت به النصوص من كون الله سبحانه وتعالى يعلم ما في الأرحام، فإن الله تعالى يعلم ما في الأرحام بلا شك، ولا ينافي علمه بذلك أن يكون أحدٌ من خلقه يعلمه، فالله يعلم وكذلك غيره يعلم. لكن المعلوم الذي يتعلق بالجنين ينقسم إلى قسمين: قسم محسوس يمكن للخلق أن يعلموا به، كالذكورة والأنوثة، والكبر والصغر، واللون، وما أشبه ذلك، فهذا يكون معلوماً عند الله عز وجل، ويكون معلوماً عند من يتوصل إلى علمه بالوسائل الحديثة،ولا منافاة بين الأمرين. وأما المعلوم الثاني للجنين فهو المعلوم الذي ليس بمحسوس يدرك، وهو علم ماذا سيكون مآل هذا الجنين: هل يخرج حياً أو ميتاً؟ وإذا خرج حياً هل يبقى طويلاً في الدنيا أو لا؟ وإذا بقي فهل يكون عمله صالحاً أم سيئا؟ً وإذا بقي أيضاً فهل يكون رزقه واسعاً أو ضيقاً؟ وما أشبه ذلك من المعلومات الخفية التي ليست بحسية، فهذا النوع من العلوم المتعلقة بالجنين هذا لا يعلمه إلا الله، ولا يستطيع أحد أن يعلمه، ومن ادعى علمه فهو كاذب، ومن صدقه في ذلك فقد كذب قول الله عز وجل: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه). أما الاحتمال الثاني ما يحمله سؤال السائل أنهم توصلوا إلى أن يجعلوا الذكر أنثى أو الأنثى ذكراً، فهذا لا يمكن؛ لأن هذا يتعلق بخلق الله عز وجل، وهو الذي بيده التذكير والتأنيث، فلا يمكن لأحد من المخلوقين أن يجعل ما قدره الله ذكراً أنثى، ولا يمكن أن يجعل ما قدره الله أنثى ذكراً، يقول الله عز وجل: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ). وكذلك الآية التي ساقها السائل: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى). فالذي أقوله الآن: إن هذا أمر غير ممكن، وكما أنهم لا يستطيعون أن يجعلوا الذكر المولود أنثى والأنثى المولودة ذكراً، فكذلك لا يمكنهم أن يجعلوا الجنين الذي قدره الله ذكراً أن يجعلوه أنثى أو العكس، هذا ما أعتقده في هذه المسألة.
***
أبو صالح يقول: هل صحيح أن للأرض حركتين أم لا؟ وهل في ذلك آيات تدل على ذلك أم العكس؟ ثم أفيدوني أين توجد الجنة والنار؟ وهل هناك آيات دالة على ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن البحث في هذا من فضول العلم، وليس من الأمور العقدية التي يجب على الإنسان أن يحققها ويعمل بما تقتضيه الأدلة، ولهذا لم يبين هذا الأمر في القرآن الكريم على وجهٍ صريح لا يحتمل الجدل، فمن الناس من يقول: إن للأرض حركتين: حركة تختلف بها الفصول، وحركة أخرى يختلف بها الليل والنهار، ويقول: إن قول الله تعالى: (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) يدل على ذلك، ووجه الدلالة عنده أن نفي المَيَدان دليلٌ على أصل الحركة، إذ لو لم يكن أصل الحركة موجوداً لكان نفي الميدان لغواً من القول لا فائدة منه، ويقول: إن هذا دالٌ على كمال قدرة الله، أن تكون هذه الأرض- وهي هذا الجرم الكبير- تتحرك بدون أن تميد بالناس وتضطرب، مع أن الله عز وجل إذا شاء حركها فحصلت الزلازل والخسوفات. ومن العلماء من يقول: الأرض لا تتحرك، بل هي ثابتة؛ لقوله تبارك وتعالى: (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) أي: تضطرب. ولقوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً). ولأن الله تعالى جعل الأرض قراراً يقر الناس عليه، وهذا ينافي أن تكون لها حركة. و أياً كان هذا أو هذا فإن إشغال النفس بمثل ذلك ليس فيه كبير فائدة، فيقال: إن كانت تتحرك وهي في هذا القرار التام فهذا دليلٌ على تمام قدرة الله عز وجل، وإن كانت لا تتحرك فالله تعالى هو الذي خلقها وجعلها ساكنةً لا تتحرك، لكن الشيء الذي أرى أنه لا بد منه هو أن نعتقد أن الشمس هي التي تدور على الأرض، وهي التي يكون بها اختلاف الليل والنهار؛ لأن الله تعالى أضاف الطلوع والغروب إلى الشمس، فقال عز وجل : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ). فهذه أربعة أفعال أضيفت كلها إلى الشمس: إذا طلعت، وإذا غربت، تزاور، تقرض، كلها أفعال أضيفت إلى الشمس، والأصل أن الفعل لا يضاف إلا إلى فاعله أو من قام به، أي: من قام به هذا الفعل، فلا يقال: مات زيدٌ ويراد مات عمرو، ولا يقال: قام زيدٌ ويراد قام عمرو، فإذا قال الله: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ) فليس المعنى أن الأرض دارت حتى رأينا الشمس؛ لأنه لو كانت الأرض هي التي تدور وطلوع الشمس يختلف باختلاف الدوران ما قيل: إن الشمس طلعت، بل يقال: نحن طلعنا على الشمس، أو: الأرض طلعت على الشمس. وكذلك قال الله تبارك وتعالى في قصة سليمان: (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ ) أي: الشمس (بالْحِجَابِ) ولم يقل: حتى توارى عنها بالحجاب. وقال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذر عند غروب الشمس : ( أتدري أين تذهب)؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنها تذهب فتسجد تحت العرش). فأضاف الذهاب إلى الشمس. فظاهر القرآن والسنة أن اختلاف الليل والنهار يكون بدوران الشمس على الأرض، وهذا هو الذي يجب أن نعتقده، ما لم يوجد دليلٌ حسيٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرف النصوص عن ظواهرها إلى ما يوافق هذا النص القاطع، وذلك لأن الأصل في أخبار الله ورسوله أن تكون على ظاهرها، حتى يقوم دليل قاطع على صرفها عن ظاهرها؛ لأننا يوم القيامة سنسأل عما تقتضيه هذه النصوص بحسب الظاهر، والواجب علينا أن نعتقد ظاهرها، إلا إذا وجد دليلٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرفها عن هذا الظاهر، هذا هو الجواب عن السؤال الأول. وأما قوله: أفيدوني أين توجد الجنة والنار؟ فالجواب عليه أن نقول: الجنة في أعلى عليين، والنار في سجين، وسجين في الأرض السفلى، كما جاء في الحديث: (الميت إذا احتضر يقول الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى). وأما الجنة فإنها فوق في أعلى عليين، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أن عرش الرب جل وعلا هو سقف جنة الفردوس). جعلنا الله تعالى من أهلها.
***
يا فضيلة الشيخ تعلمون وفقكم الله أن الملاحدة منذ زمن قديم يبثون شبهاتهم حول الإسلام، ويدعون لأفكارهم الفاسدة، ومن تلك الأفكار أن الكون أوجد نفسه، ثم ما زال يتطور حتى كان كما هو عليه الآن، واستدلوا على هذا بالميكروبات والطفيليات التي تتكون في الأشياء المتعفنة من غير أصل لها، فبماذا نرد على هذه الطائفة لدحض حجتهم الزائفة وشبهاتهم الباطلة؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: نرد على هؤلاء بما ذكره الله تعالى في سورة الطور : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون َ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ). فنسألهم أولاً: هل هم موجودون بعد العدم، أو موجودون في الأزل وإلى الأبد؟ والجواب بلا شك أن يقولوا: نحن موجودون بعد العدم، كما قال الله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً). فإذا قالوا: نحن موجودون بعد العدم، قلنا: من أوجدكم؟ أوجدكم أبوكم أو أمكم أو وجدتم هكذا بلا موجد؟ سيقولون: لم يوجدنا أبونا ولا أمنا؛ لأن الله تعالى يقول: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُون * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشيءكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ). إذا قالوا: وجدنا من غير موجد، نقول: هذا مستحيل في العقل؛ لأنه ما من حادث إلا وله محدث، وحينئذٍ يتعين أن يكون حدوثهم بمحدث، وهو الله عز وجل الواجب الوجود. وكذلك يقال في السماوات والأرض: نقول: من أوجد السماوات والأرض؟هو الله عز وجل، لكن السماوات والأرض كانت ماءً تحت العرش، كما قال الله تبارك وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ). فخلق الله عز وجل السماوات والأرض من هذا الماء، قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا) أي: فصلنا ما بينهما (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ). فهذا جواب على هؤلاء الملاحدة، فإن أَبَوا إلا ما كانوا عليه فهم مكابرون، ويحق عليهم قول الله تعالى في آل فرعون : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً).
***
الخير أحمد سوداني مقيم بالعراق يقول في رسالته: عرفنا من القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ). ولكن أريد أن أعرف منكم ما البعد بين كل سماء؟ وهل هناك سمك لكل سماء؟ أفيدونا بذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن السماوات كما ذكر السائل سبع، جعلهنّ الله تعالى طباقاً، وجعل بينهن مسافات، ويدل لذلك حديث المعراج الثابت في الصحيحين وغيرهما: (أن جبريل عليه الصلاة والسلام جعل يعرج بالنبي صلى الله عليه وسلم من سماء إلى سماء، ويستفتح عند دخول كل سماء، حتى انتهى به إلى السماء السابعة، وبلغ صلى الله عليه وسلم موضعاً سمع فيه صريف الأقلام، ووصل إلى سدرة المنتهى). وكذلك الأَرَاضون هي سبع، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ). والمثلية هنا ليست في الصفة؛ لأن ذلك من المعلوم بالضرورة، ولكنها مثلية في العدد، ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من اقتطع شبراًَ من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين). وهذا يدل على أن الأرضين متطابقة أيضاً، وأن بعضها تحت بعض .وأما بُعْد ما بين كل سماء والأخرى: فقد ورد في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن بعد ما بين سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، وأن كثافة كل سماء مسيرة خمسمائة عام). والعلم عند الله تبارك وتعالى.
***
جزائرــــية
2009-09-11, 18:54
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تقبل الله صيامكم و قيامكم
بارك الله فيك أختي على الموضوع الرائع الذي يعالج أهم شيئ في حياة المسلم
واصلي و الله الموفق ان شاء الله و جزاك الله خير الجزاء و أسكنك الفردوس الأعلى من الجنة
و انصح الجميع بقراءة كتب العلامة ابن تيمية و ابن القيم و الألباني و ابن باز و
العثيمين
كما أنصحكم و نفسي بقراءة كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة
أصحاب الجحيم
لأنه بالفعل كتاب أكثر من رائع و جد مفيد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
وفيك بارك الله أختي
جزاك الله خيرا على النصيحة،
نسأله عز وجل أن يعيننا وإياكم على كل ما هو خير لنا في ديننا وأخرانا
جزائرــــية
2009-09-11, 19:13
5/ الشهادتان
السائلة من الأردن تقول يا فضيلة الشيخ محمد ما هي شروط لا إله إلا الله وضحها لنا يا شيخ.
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تحتاج إلى شروط توضح واضحة بنفسها لا إله إلا الله يعني لا معبود حق إلا الله يجب أن يشهد الإنسان بذلك بقلبه ولسانه وجوارحه. فبقلبه يعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا معبود حق إلا الله، وأن جميع ما يعبد من دون الله فهو باطل، كما قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج: 62). ثانياً: أن يقول ذلك بلسانه ما دام قادراً على النطق؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (حتى يشهدوا ألا إله إلا الله). فلابد من النطق لمن كان قادراً عليه، أما الأخرس فيكتفى باعتقاد قلبه. ثالثا
:ً لابد من تحقيق هذه الكلمة، وذلك بالعمل بمقتضاها، بأن لا يعبد إلا الله، وأن لا يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، فمن أشرك بالله ولو شركاً أصغر فإنه لم يحقق معنى قول: لا إله إلا الله، ومن تابع غير الرسول عليه الصلاة والسلام مع مخالفته للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لم يحقق معنى لا إله إلا الله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكتفي بقول: لا إله إلا الله، حتى فيما يظن الإنسان أنه قالها غير مخلص بها، لحق أسامة بن زيد بن حارثة رجلاً مشركاً، فلما أدركه قال الرجل: لا إله إلا الله، فظن أسامة أنه قال ذلك خوفاً من القتل، فقتله، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأسامة: (أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله)؟ قال يا رسول الله إنما قالها تعوذاً ! فجعل يكرر الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: (ما تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة)؟ يقول: حتى تمنيت أنني لم أكن أسلمت من قبل. فلهذا نقول: لابد من النطق بها باللسان، والعمل بمقتضاها بالأركان، والاعتقاد بمعناها ومدلولها في الجنان، أي: في القلب.
***
السائل من السودان ع. أحمد يقول في هذا السؤال
: ما هي شروط كلمة التوحيد لا إله إلا الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة التوحيد لا إله إلا الله أولاً لا بد أن نعرف ما معناها؟ معناها: لا معبود حقٌ إلا الله، هذا معناها، فكل ما عبد من دون الله من ملكٍ ونبيٍ ووليٍ وشجرٍ وحجر وشمسٍ وقمر فهو باطل؛ لقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ). هذا معنى هذه الكلمة العظيمة، وهي مبنية على ركنين: نفي وإثبات، نفي الألوهية عما سوى الله، وإثباتها لله، وبهذا يتحقق التوحيد، أي: باجتماع النفي والإثبات يتحقق التوحيد، ووجه ذلك أن النفي المحض الذي لا يقترن بإثبات نفيٌ محض فهو عدم وأن الإثبات المحض الذي لا يقترن بالنفي إثباتٌ لا يمنع المشاركة، فلا يتحقق التوحيد إلا بإثبات ونفي: نفي الحكم عما سوى من أثبت له، وإثباته لمن أثبت له، وهذان الركنان هما الأصل. أما شروطها: فلا بد أن تكون صادرةً عن يقين وعلم، يقين لا شك معه، وعلمٍ لا جهل معه، ولا بد لها من شروطٍ لاستمرارها: كالعمل بمقتضاها حسب ما تقتضيه الشريعة، وأما مجرد
القول باللسان بدون اعتقادٍ وإيقان فإن ذلك لا ينفع، فنشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
***
كيف يكون المسلم محققاً لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قولاً وعملاً واعتقاداً بحيث يضمن لنفسه النجاة من الخلود في النار؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله: أن يفهم الإنسان معناها أولاً ثم يعمل بمقتضى هذا العلم، فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله، وليس معناها لا إله موجود إلا الله، بل المعنى: لا إله حق إلا الله؛ لأن من المخلوق ما عبد من دون الله وسمي إلهاً، كما قال تعالى: (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ). وقال تعالى: (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ). وقال المشركون : (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً). لكن هذه الآلهة ليست حقّاً، بل هي باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ). وإذا كان لا معبود حق إلا الله وجب على الإنسان أن يجعل العبادة كلها عقيدة وقولاً وعملاً لله تعالى وحده، وإذا كان هذا معنى لا إله إلا الله فلا يمكن أن يحققها الإنسان حتى يعمل بمقتضاها، بمعنى: أن لا يعبد إلا الله، فلا يتذلل ولا يخضع لأحد على وجه التعبد والتقرب والإنابة إلا لله عز وجل، ومقتضى هذا أيضاً أن لا يعبد الله إلا بما شرع؛ لأن الله هو الإله الحق، وما سواه فهو الباطل، وعلى هذا فلا يعبد الله إلا بما شرع على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام. ولا بد أيضاً لتحقيق شهادة أن لا اله إلا الله من أن يكفر بما سوى الله عز وجل من الآلهة، حتى يتحقق له الاستمساك بالعروة الوثقى قال الله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى). وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). فلابد لتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله من اجتناب الطاغوت، وهو: كل ما عبد من دون الله عز وجل، أو تحكم إليه من دون الله.
***
أحسن الله إليكم هناك من يقول بأن شروط لا إله إلا الله السبعة أو الثمانية التي وضعت لا يصح أن نسميها شروطاً؛ لأن التعريف ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود. يقول: فبهذه الشروط تلزم كل إنسان، ومتى اختل واحد من هذه الشروط اختلت هذه الشروط وقيل بأن الأصح أن يقال: من لوازم لا إله إلا الله؛ لأن اللازم ليس مثل الشروط، فما رأيكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين أعظم بيان صلى الله عليه وسلم، سأله أبو هريرة رضي الله عنه: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه). فإذا قال الإنسان: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، وقام بلوازم هذه الشهادة العظيمة فإنه مسلم، وأما من قالها غير مخلص في قلبه ،كالمنافقين الذين يقولونها اتقاءً ورياءً فإنها لا تنفعه، ومن قالها ولم يلتزم ببعض الشرائع فإن قوله إياها ناقص بلا شك؛ لأن تركه بعض شرائع الإسلام يضعف توحيده، وربما ينتفي عنه التوحيد كله، حسب ما تقتضيه الأدلة الشرعية.
***
المستمع سيد عباس مصري يقول: فضيلة الشيخ هل الكبار الذين يجهلون معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله مسلمون؟ وماهي شروط كلمة التوحيد وواجباتها ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذين يقولون: لا إله إلا الله يجب أن يعرفوا معناها، وأنه لا معبود حق إلا الله، وأن كل ما يعبد من دون الله فهو باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ). وشروط قول: لا إله إلا الله: أن يقولها الإنسان بلسانه نطقاً لا بقلبه، وأن يقولها طائعاً مختاراً. ويشترط أيضاً أن يقوم بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة ومن أهم ما يقوم به الصلاة لأن من ترك الصلاة فهو كافر ولو قال لا إله إلا الله ثم إن هذة الكلمة إذا قالها الإنسان وهو يفهم معناها فإنها تستلزم أن يقوم بطاعة الله عز وجل؛ لأن معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وهذا يقتضي أن يعبد هذا الإله الحق على الوجه الذي أمر به: مخلصاً له الدين، متبعاً لخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***
هذه رسالة وصلت من عبد الله أحمد يقول: في كلمة الإخلاص شروط وأركان، فإذا لم يأت بها المسلم كاملاً فهل يكون قد أدى حقيقتها؟ أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الإخلاص هي قول لا إله إلا الله. ولا يكفي أن يقولها الإنسان بلسانه؛ لأن المنافقين يقولون ذلك بألسنتهم كما قال الله تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً). ولكن لا بد من أن يكون الإنسان معتقداً لمعناها في قلبه، مؤمناً بها، قائماًَ بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة، وهو: التعبد لله وحده لا شريك له، بحيث لا يشرك معه في عبادته ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا سلطاناً حاكماً، ولا غير ذلك من مخلوقات الله عز وجل، كما قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتكفير في أمور تقع ممن قال: لا إله إلا الله، مثل كفر تارك الصلاة، فإن من ترك الصلاة كسلاً وتهاوناً يكفر، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وكلام الصحابة رضي الله عنهم، والمعنى الصحيح بل والنظر الصحيح. وهذه مناسبة لما وعدنا به سابقاً من أننا سنتكلم بإسهاب عن حكم تارك الصلاة، حيث بينا فيما سبق أن كفر تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً هومقتضى دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح، وأن ما خالف ذلك لا يخلو من واحد من أمور خمسة: إما ألا يكون فيه دلالة أصلاً، وإما أن يكون وقع من قوم معذورين بجهلهم، وإما أن يكون مقيداً بقيد يمتنع معه أن يترك الصلاة، وإما أن يكون ضعيفاً، وإما أن يكون عاماً لكنه مخصوص بأدلة تكفير تارك الصلاة. وبينا أيضاً فيما سبق بأن المراد بترك الصلاة تركها بالكلية، وأما من كان يصلى ويخلي، أي: إنه يصلى أحياناً ويدع أحياناً فإنه لا يكفر. نحن الآن نسوق ما تيسر لنا من الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة: فمن ذلك قوله تبارك وتعالى عن المشركين: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ). فإن هذه الآية الكريمة شرطت لثبوت الأخوة في الدين من المشركين ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يتوبوا من الشرك، والشرط الثاني: أن يقيموا الصلاة، والشرط الثالث: أن يؤتوا الزكاة. ومن المعلوم أن ما رُتب على شرط فإنه يتخلف بتخلف هذا الشرط، فإذا لم يتوبوا ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخواناً لنا في الدين، ولا تنتفي الأخوة الدينية إلا بكفر مخرج عن الإيمان، أما مجرد المعاصي- وإن عظمت، إذا لم تصل إلى حد الكفر- فإنها لا تخرج الإنسان من الإيمان، ودليل ذلك- أي: دليل أن المعاصي لا تخرج من الإيمان وإن عظمت- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ). فجعل الله القاتل والمقتول أخوين، مع أن القاتل أتى ذنباً عظيماً، توعد الله عليه بوعيد شديد في قوله: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً). وقال الله عز وجل: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ). فأثبت الله الأخوة بين الطائفتين المقتتلتين وبين الطائفة المصلحة بينهما، مع أن قتال المؤمن من أعظم الذنوب. فإذا تبين أن الأخوة الإيمانية لا تنتفي بكبائر الذنوب التي دون الكفر، فإن انتفاءها يدل على أن من حصل منه ما يوجب هذا الانتفاء، دليل على أنه كافر. فإن قال قائل: ما تقولون فيمن تاب من الشرك وأقام الصلاة ولم يؤت الزكاة؟ أتكفرونه كما تقتضيه الآية أم لا تكفرونه؟ قلنا لا نكفره؛ لأن لدينا منطوقاً يدل على أنه ليس بكافر، والمنطوق عند العلماء مقدم على المفهوم، هذا المنطوق ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار). فإن هذا الحديث يدل على أن من لم يؤد الزكاة لا يكفر؛ لأن قوله: (ثم يرى سبيله: إما إلى النار أو الجنة) دليل على أنه قد يدخل الجنة، ولا يمكن أن يدخل الجنة مع كفره، وعلى هذا فيبقى القيد في التوبة من الشرك وإقام الصلاة قيداً معتبراً لا معارض له، بخلاف قوله: (وآتوا الزكاة)، فإن مفهومه عورض بمنطوق الحديث الذي ذكرت، فحينئذٍ لا يكون ترك الزكاة والبخل بها مكفراً مخرجاً عن الإسلام، على أن من العلماء من قال: إن تارك الزكاة الذي لا يؤديها كافر، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، ولكن الذي تقتضيه الأدلة أنه لا يكفر، ونحن بحول الله لا نعدو ما دلت الأدلة عليه سلباً ولا إيجابا
.ً وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة: ففيما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة). فجعل ترك الصلاة هو الحد الفاصل بين الكفر وبين الإيمان، أو بين الشرك وبين الإيمان ومن المعلوم أن الحد فاصل بين محدودين لا يدخل أحدهما في الآخر، ويدل لهذا أن لفظ الحديث: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة). فقال: (والكفر). ولم يقل صلى الله عليه وسلم: ترك الصلاة كفر، حتى يمكن أن يحمل على كفر دون كفر، ولكنه عرفه بأل، الدالة على حقيقة الكفر، وقد أشار إلى هذا الفرق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم. أما الحديث الثاني فهو ما رواه أهل السنن عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر). فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحد الفاصل بين المسلمين والكفار هو الصلاة، ومن المعلوم أن الحد يخرج كل محدود عن دخوله في الآخر. أما كلام الصحابة رضي الله عنهم: فقد حكى إجماعهم على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق رحمه الله، وهو تابعي مشهور قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة). وقد حكى إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة إسحاق بن راهويه الإمام المشهور، وحكاه غيره أيضاً. وأما النظر الصحيح الذي يقتضي أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة: فإنه لا يمكن لمؤمن- بل لا يمكن لمن في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان- أن يعلم شأن الصلاة وعظمها ومنزلتها عند الله عز وجل ثم يحافظ على تركها، هذا من المحال أن يكون في قلبه شيء من الإيمان، وعلى هذا نقول: إن من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل إيمان لا يمكن أن يترك الصلاة تركاً مطلقاً وهو يعلم ما لها من المنزلة العظيمة في دين الإسلام. وأما الأدلة التي استدل بها من قال: إنه لا يكفر، فقد أشرنا إلى أنها لا تخلو من واحد من خمسة أمور، كما صدرنا ذلك في كلامنا هذا. وإذا تبين قيام الدليل السالم عن المعارض المقاوم فإنه يجب الأخذ بمقتضاه، وإننا حين نحكم بالكفر على من دلت الأدلة على كفره لم نتجاوز ولم نتعد؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدم التكفير إلى الله عز وجل، كما أن الحكم بالتحليل والتحريم والإيجاب والاستحباب إلى الله عز وجل، ولا لوم على الإنسان إذا أخذ بما تقتضيه الأدلة من أي حكم من الأحكام، وعلى كل مؤمن أن يأخذ بما تقتضيه الأدلة من أي وصف كان، ولأي موصوف كان، وألا يجعل النزاع سبباً موجباً للتخلي عن مدلول الكتاب والسنة وغيرهما من الأدلة؛ لقول الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً). وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ). فإن قال قائل: إذا قلت بتكفير تارك الصلاة حصل في ذلك ارتباك وتشويش وتكفير لكثير من الناس؟ فالجواب عن ذلك أن نقول: إننا إذا قلنا بمقتضى الأدلة الشرعية فإنه لن يكون من جراء ذلك إلا ما فيه الخير والصلاح؛ لأن الناس إذا علموا أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة وردَّة كبرى، فإنهم لن يتجرؤوا على ترك الصلاة، بل سيكون ذلك حافزاً لهم على القيام بها على الوجه المطلوب منهم، ولكننا إذا قلنا: إنه ليس بكفر وإنما هو فسق، فإنهم يتهاونون بها أكثر مما قلنا لهم ذلك: إنه كفر، ونحن لا نقول: إنه كفر، من أجل أن نحث الناس على فعل الصلاة، ولكننا نقول: إنه كفر، من أجل دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على ذلك. وأما قول هذا القائل الذي يقول: إنك إذا حكمت بكفر تارك الصلاة فإنك بهذا توقع الإرباك والتذبذب، وتخرج كثيراً من الناس عن الملة الإسلامية، أقول: ما قول هذا القائل إلا كقول من قال: إنك إذا قطعت يد السارق أصبح نصف الشعب مقطوعاً؛ لأننا نقول لهذا: إنك إذا قطعت يد السارق فسيقل السراق قلة كبيرة؛ لأن السارق إذا علم أن يده ستقطع فإنه لن يقدم على السرقة، وما مثل هذا وهذا إلا كمثل من يقول: إنك إذا قتلت القاتل المستحق للقتل قصاصاً فإنك تضيف إلى قتل الأول قتل رجل آخر، وهذا يضاعف عدد المقتولين، فإننا نقول: إن هذه القولة قولة باطلة، أبطلها الله في قوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). فإن القاتل إذا علم أنه إذا قتل عمداً سيقتل لن يقدم على القتل، فحينئذٍ يقل القتل عمداً وعدواناً. والمهم كل المهم أنه يجب على الإنسان العالم المتقي لله عز وجل أن يكون متمشياً مع الدليل حيث ما كان إيجاباً وسلباً، وإصلاح الحال على الرب عز وجل الذي شرع هذا الذي أقدم عليه المفتي والحاكم، والله عز وجل لم يشرع لعباده إلا ما فيه صلاحهم وسعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، لا يمكن أبداً أن يشرع لعباده ما فيه مفسدة راجحة على مصلحة، كما قال الله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا). وأنت إذا حكمت الناس بمقتضى شريعة الله لا بمقتضى واقعهم فإن الواقع سوف يتغير، حتى يتحول إلى مراد الله عز وجل في عباده فيما شرعه لهم.
فضيلة الشيخ: يقول: في كلمة الإخلاص شروط وأركان، فإذا لم يأت بها المسلم كاملةً فهل يكون قد أدى حقيقتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قلنا: إنه لا يؤدي حقيقتها إذا لم يأت بشروطها ومقتضياتها اللازمة، فإنه ليس المراد من كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله أن يقولها بلسانه، بل لا بد أن يقولها بلسانه معتقداً مدلولها بقلبه، قائماً بما تقتضيه من واجبات وشروط وأركان.
***
السائل أحمد صالح يقول: هل من قال: لا إله إلا الله، بدون أن يعمل أي عمل يدخل الجنة؟ أي: قالها بلسانه؛ لأنه يوجد حديث فيما معناه يقول: (وعزتي وجلالي لأُخْرِجَنَّ من النار كل من قال: لا إله إلا الله). والله أعلم، ولكم جزيل الشكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة لا إله إلا الله كلمة عظيمة، لو وزنت بها السماوات والأرض لرجحت بهن. ومعناها: لا معبود حق إلا الله، فكل ما يعبد من دون الله فهو باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ). والعبادة لا تختص بالركوع أو السجود، يعني: أن الإنسان قد يعبد غير الله دون أن يركع له ويسجد، ولكن يقدم محبته على محبة الله، وتعظيمه على تعظيم الله، ويكون قوله أعظم في قلبه من قول الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعطَ سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش). فَجَعَلَ للدينار عبداً، وللدرهم عبداً، وللخميلة عبداً، وللخميصة عبداً, الخميلة: الفراش، والخميصة: الكساء، مع أن هؤلاء لا يعبدون الدرهم والدينار، لا يركعون له ولا يسجدون له، لكنهم يعظمونه أكثر من تعظيم الله عز وجل، وإلى هذا يشير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ). فهذه الكلمة كلمة عظيمة، فيها البراءة من كل شرك، وإخلاص الألوهية والعبادة لله عز وجل، فلو قالها بلسانه وقلبه فهو الذي قالها حقاً، ولهذا قال أبو هريرة: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه). وقال في حديث عتبان بن مالك- أعني: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال-: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)، فلا بد من الإخلاص. وأمَّا مَنْ قالها بلسانه دون أن يوقن بها قلبه فإنها لا تنفعه؛ لأن المنافقين يذكرون الله ويقولون: لا إله إلا الله، كما قال تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً). ويشهدون للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، كما قال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ). فلن تنفعهم شهادة أن لا إله إلا الله ولا شهادة أن محمداً رسول الله؛ لأنهم لم يقولوا ذلك عن قلب وإخلاص. فمن قال هذه الكلمة دون إخلاص فإنها لا تنفعه، ولا تزيده من الله تعالى إلا بعداً. فنسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الإيقان بها والعمل بمقتضاها، إنه على كل شيء قدير.
***
هذا المستمع سيد محمد من جمهورية مصر العربية يقول: يوجد بعض الرجال يقولون لنا: قولوا: لا إله إلا الله تدخل الجنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قولاً بلا عمل فقط، فهل هم على صواب؟ أفيدونا وانصحونا بهذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليسوا على صواب، فإن المراد بقول: لا إله إلا الله، أن يقولها الإنسان بلسانه، معتقداً مدلولها بقلبه، عاملاً بمقتضاها. ولهذا لو قال الإنسان: لا إله إلا الله، وجحد ولو حرفاً واحداً من القرآن كان كافراً، ولم تنفعه لا إله إلا الله. ومن قال: لا إله إلا الله، وترك الصلاة مثلاً كان كافراً، ولم تنفعه لا إله إلا الله، لكن من قال: لا إله إلا الله، وكانت آخر كلامه، فإنه سيقولها مخلصاً لله بها وهو في هذه الحال، لا يستطيع أن يعمل أكثر من ذلك فتكون مدخلة له الجنة.
***
الذي ينطق بالشهادة قبل موته هل يدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال: لا إله إلا الله، عند موته موقناً بها قلبه فإنه يدخل في الحديث، ولكن ليعلم أن النصوص العامة فيما يدخل الجنة أو يدخل النار لا تطبق على شخصٍ بعينه إلا بدليل، فمثلاً: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة). إذا علمنا أن هذا الرجل كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله فنحن نقول: يرجى أن يكون من أهل الجنة، فالمعين لا تجزم له وإنما قل: يرجى إذا كان في خير، أو يخشى إذا كان في شر؛ لأنه يفرق بين العموم والخصوص، نحن نشهد ونعلم ونوقن بأن كل مؤمنٍ في الجنة، فهل نشهد لكل مؤمن بعينه أنه في الجنة؟ فالجواب: لا، لكننا إذا علمنا أنه مؤمن نرجو له أن يكون داخلاً في الجنة، نؤمن بأن الله تعالى يحب المؤمنين ويحب المحسنين، فلو رأينا رجلاً يحسن ورأينا رجلاً مؤمناً يقوم بالواجبات ويترك المحرمات فهل نشهد أن الله يحبه؟ فالجواب: لا؛ لأن التعيين غير التعميم، ولكن نقول: نشهد لكل مؤمن أن الله يحبه، ونرجو أن يكون هذا الرجل بعينه ممن يحبه الله عز وجل. وقد أشار البخاري رحمه الله في صحيحه إلى نحو هذا فقال: (بابٌ: لا يقال فلان شهيد). وإن كان قتل في سبيل الله فلا تقل: إنه شهيد، واستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من مكلومٍ يكلم في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا إذا كان يوم القيامة جاء وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك). فقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) إشارة إلى أنك لا تشهد للشخص المعين، بل قل: الله أعلم. وخطب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقال: إنكم تقولون: فلان شهيد فلان شهيد، وما أدراك لعله فعل كذا وكذا؟ ولكن قولوا: من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد، ففرق رضي الله عنه بين التعيين والتعميم.
***
ع. أ. ك. ، يقول: أخبركم أني قرأت في كتاب رياض الصالحين عن الإمام المحدث الحافظ محيي الدين أبي زكريا بن شرف النووي أحاديث كثيرة، ومنها يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال في آخر حياته- يعني: عند موته، من قال-: لا إله إلا الله دخل الجنة). (ومن مات له ثلاثة أولاد أو أقل قبل البلوغ دخل الجنة). (ومن كان له أربع بنات ورباهن على تربية الإسلام دخل الجنة). (ومن مات له ولد في السن الصغير وقال: الحمد لله عند موته بني له بيت في الجنة). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله إلا أبعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب يقال له: باب الريان: (يدخل منه الصائمون). فإذا كان ذلك من الأحاديث الصحيحة، فما بال آكل الربا والزاني والقاتل والسارق والكذاب؟ أفتوني بهذه المسألة؛ لأنني في حيرة جزاكم الله عني خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مهم، وهو موضع إشكال كما ذكره الأخ الكاتب؛ لأن ما ذكره من الأحاديث التي ترتب دخول الجنة على هذه الأعمال يعارضها أحاديث كثيرة تدل على دخول النار لمن عمل أعمالاً أخرى، مع قيام صاحبها بهذه الأعمال الموجبة لدخول الجنة، فجوابنا على هذا وأمثاله من الأحاديث، بل من النصوص، سواء من القرآن أو من السنة أن يقال: إن ذكر بعض الأعمال التي تكون سبباً لدخول الجنة ما هو إلا ذكر للسبب، وكذلك ذكر بعض الأحاديث التي ذكر فيها أن بعض الأعمال سبب لدخول النار ما هو إلا ذكر للسبب فقط، ومن المعلوم أن الأحكام لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها، فهذه الأعمال المذكورة هي سبب لدخول الجنة، لكن هذا السبب قد يكون له موانع، فمثلاً: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة). هذا إذا قالها على سبيل اليقين والصدق، فإذا قالها على سبيل النفاق- وهو بعيد أن يقولها على سبيل النفاق في هذه الحال- فإنها لا تنفعه ،وهكذا: ( من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا ستراً له من النار). هذا سبب من الأسباب، من أسباب وقاية النار، لكن قد يكون هناك موانع تمنع نفوذ هذا السبب، وهي الأعمال التي تكون سبباً لدخول النار، وإن هذه الموانع وتلك الأسباب تتعارضان، ويكون الحكم لأقواهما، فالقاعدة إذاً أن ما ذكر من الأعمال مرتباً عليه دخول الجنة ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بالنصوص الأخرى التي تفيد أن هذا لابد له من انتفاء الموانع، فلنضرب مثلاً أن رجلاً من الناس كافر ومات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم وصبر، فهل نقول: إن هذا الكافر يدخل الجنة ولا يدخل النار؟ فالجواب لا، كذلك أيضاً في آكل الربا، وكذلك في آكل مال اليتيم، وكذلك في قتل النفس وغيرها، مما وردت فيه العقوبة بالنار، هذا أيضاً مقيد بما إذا لم يوجد أسباب أو موانع قوية تمنع من نفوذ هذا الوعيد، فإذا وجدت موانع تمنع من نفوذ هذا الوعيد فإنها تمنع منه؛ لأن القاعدة كما أسلفنا هي: أن الأمور لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها.
***
جزائرــــية
2009-09-12, 11:04
6/ العبادة:
السائلة ن ع من جمهورية مصر العربية وتقيم الآن في المملكة تقول هذه السائلة بأنه كانت لي أمنية أرجو أن تتحقق من الله عز وجل، وقد نذرت لها العديد من النذور لتتحقق، وكنت أذهب إلى مساجد أولياء الله الصالحين وأنذر هناك، كذلك وبعد تحقق هذه الأمنية قمت بالوفاء بما أتذكر من هذه النذور، ولكن كان هناك العديد من النذور نسيتها نظراً لطول المدة على هذه النذور، فأرجو من فضيلتكم توضيح هل تسقط هذه النذور التي نسيتها أم ماذا أفعل؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في الجواب على هذا السؤال المهم: أولا
:ً كونها تنذر لله عز وجل ليحصل مقصودها هذا خطأ عظيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير). فليس النذر هو الذي يجلب الخير للإنسان، ولا النذر هو الذي يدفع الشر، إذا قضى الله قضاءً فلا مرد له لا بالنذر ولا غيره، ولهذا جاء في حديث آخر: (أن النذر لا يرد القضاء). فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يظن الظان إذا نذر شيئاً وحصل مقصوده أن هذا من أجل النذر؛ لأن النذر مكروه منهي عنه، والمكروه لا يكون وسيلة إلى الله عز وجل، وكيف تتوسل إلى الله بما نهى عنه رسول الله؟ هذا فيه مضادة؟ إنما يتوسل الإنسان إلى الله بما يحب- أي: بما يحبه الله عز وجل- حتى يحصل للمتوسل ما يحب. ثانياً: كونها تذهب إلى مساجد الأولياء والصالحين، أفهم من هذا أن هناك مساجد مبنية على قبور الأولياء والصالحين، وهذه المساجد التي تبنى على قبور الأولياء والصالحين ليست مكان عبادة ولا قربة، والصلاة فيها لا تصح، ويجب أن تهدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور وقال: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). والواجب على ولاة الأمور في البلاد التي فيها مساجد مبنية على القبور، الواجب أن يهدموها إذا كانوا ناصحين لله ورسوله وكتابه والمسلمين، أما إذا كانت المساجد سابقة على القبور ودفن الميت في المسجد؛ فإن الواجب نبشه؛ لأن المسجد لم يبنَ على أنه مقبرة، بني للصلاة والذكر وقراءة القرآن، فالواجب نبش هذا القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس، ولا يجوز إقرار القبر في المسجد. فإن قال قائل: كيف تقول هذا وقبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده؟ الآن المسجد محيط به من كل جانب ومازال المسلمون يشاهدون هذا؟ فالجواب: أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وقبر النبي عليه الصلاة والسلام لم يبن عليه المسجد، ولم يدفن الرسول في المسجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد،والمسجد لم يبن على قبره،المسجد كان قديماً بناه الرسول عليه الصلاة والسلام من حين قدم المدينة مهاجراً،والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبر فيه،وإنما قبر في بيته في حجرة عائشة رضي الله عنها،ثم لما احتاج المسلمون إلى توسعة المسجد وسعوه،فدخلت فيه بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم،وكان من جملتها بيت عائشة،لكنه بيت مستقل،لم ينو المسلمون حين وسعوا المسجد أن يكون من المسجد،فهو حجرة في مسجد،قائمة قبل بناء المسجد-أعني:الزيادة في المسجد-ثم إنه زيد فيه أن طوق بثلاثة جدران،فهو بناء مستقل سابق على هذه الزيادة،وحين زادوها كانوا يعتقدون أن هذا بناء منفصل عن المسجد متميز بجدرانه،فليس مثل الذي يؤتى بالميت ويدفن في جانب المسجد،أو يبنى المسجد على القبر،وحينئذٍ لا حجة فيه لأصحاب المساجد التي بنيت على القبور أو التي قبر فيها الأموات إطلاقاً،وما الاحتجاج بهذا إلا شبهة يلقيها أهل الأهواء على البسطاء من الناس؛ليتخذوا منها وسيلة إلى تبرير مواقفهم في المساجد المبنية على قبورهم،وما أكثر الأمور المتشابهات-بل التي يجعلها ملبسوها متشابهات-من أجل أن يضلوا بها عباد الله،هاتان مسألتان مهمتان في الجواب على هذا السؤال.أما المسألة الثالثة،وهي:أنها لا تعلم أن النذور التي نذرتقد وفت بها جميعا، فلا يجب عليها إلا ما علمته؛ لأن الأصل براءة الذمة، فما علمته من النذور وجب عليها الوفاء به، وما لم تعلمه فإنه لا يجب عليها؛ لأن الأصل براءة الذمة إلا بيقين. ولكنني أكرر النهي عن النذر، سواء كان نذراً مطلقاً أو معلقاً بشرط,أكرر ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير). هكذا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام: لا يأتي بخير، لا يرد قضاءً، ولا يرفع بلاءً، وإنما يكلف الإنسان، ويلزمه ما ليس بلازم له، وما هو بعافية منه، سواء كان هذا النذر معلقاً بشرط، مثل أن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا وكذا، أو غير معلق مثل أن يقول: لله علي نذر أن أصوم من كل شهر عشرة أيام مثلاً، فالبعد البعد عن النذر، نسأل الله السلامة.
***
هذه سائلة من الدمام تقول: فضيلة الشيخ كيف يكون المؤمن بين الرجاء والخوف؟ وإذا كان عند الإنسان خوف كثير، وأنا أعلم بأن فضل الله عز وجل على عباده كبير، وأن رحمته سبقت غضبه، فأنا دائماً خائفة جدّاً لتقصيري، وأسأل الله عز وجل أن يمن علينا وعليكم بعفوه وفضله، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المؤمن يجب أن يسير إلى الله تبارك وتعالى بين الخوف والرجاء كجناحي طائر، قال الإمام أحمد رحمه الله: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً، فأيهما غلب هلك صاحبه. فالإنسان إذا رأى ذنوبه وما حصل منه من التقصير في حقوق الله عز وجل وحقوق العباد خاف، وإذا تأمل فضل الله تعالى وسعة رحمته وعفوه طمع ورجع، وعليه فينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً؛ لأنه إن غلب عليه الرجاء يخشى عليه من الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف خشي عليه أن يقنط من رحمة الله، وكلاهما محظور، وقد قال الله تعالى عن أوليائه وأنبيائه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). ومن العلماء من قال: إن فعل الطاعات فليغلب جانب الرجاء والقبول، وأن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً؛ وإن فعل المحرمات غلب الخوف، وخاف أن تناله سيئاته بعقوبات حاضرة ومستقبلة.وقال آخرون من أهل العلم: ينبغي في حال الصحة أن يغلب جانب الخوف؛ ليحمله ذلك على فعل الواجبات وترك المحرمات، وفي حال المرض المدنف الذي يخشى أن يلاقي ربه به يغلب جانب الرجاء، من أجل أن يموت وهو يحسن الظن بالله عز وجل. وعلى كل حال يجب على الإنسان أن لا يستولي عليه الخوف حتى يقنط من رحمة الله، أو الرجاء حتى يأمن من مكر الله،وليكن سائراً إلى ربه بين هذا وهذا.
***
السائلة ن ع غ تقول: اشرحوا لنا حسن الظن بالله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حسن الظن بالله أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً يحسن الظن بربه أنه سيقبل منه، إذا دعا الله عز وجل يحسن الظن بالله أنه سيقبل منه دعاءه ويستجيب له إذا أذنب ذنباً ثم تاب إلى الله ورجع من ذلك الذنب يحسن الظن بالله أنه سيقبل توبته، إذا أجرى الله تعالى في الكون مصائب يحسن الظن بالله، وأنه جل وعلا إنما أحدث هذه المصائب لحكم عظيمة بالغة، يحسن الظن بالله في كل ما يقدره الله عز وجل في هذا الكون، وفي كل ما شرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه خير ومصلحة للخلق، وإن كان بعض الناس لا يدرك هذه المصلحة، ولا يدرك تلك الحكمة مما شرع، ولكن علينا جميعاً التسليم بقضاء الله تعالى شرعاً وقدراً، وأن نحسن به الظن؛ لأنه سبحانه وتعالى أهل الثناء والمجد.
***
بارك الله فيكم هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول: ما حقيقة التوكل على الله؟ أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة التوكل على الله عز وجل تفويض أمرك إلى الله، كما قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ). أن يفوض الإنسان أمره إلى الله، ويصدق في الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار، ويثق في الله عز وجل وبوعده، ويفعل الأسباب الشرعية والحسية التي أمر الله بها، هذا هو التوكل. وأنت إذا اعتمـدت على ربك على هذا الوصف فإن الله تعالى حسبك وكافيك؛ لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). ونحن نقر بذلك-أي: بالتوكل على الله، أو بما يتضمنه- في كل صلاة، نحن نقول في كل صلاة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). والاستعانة تستلزم تفويض الأمر إلى الله عز وجل، وأنه ليس لنا حول ولا قوة ولا قدرة على العبادة إلا بمعونة الله، ولكن لا بد من فعل الأسباب الموصلة إلى المقصود، شرعيةً كانت أم حسية. فمن قال: أنا أعتمد على الله وأتوكل عليه في حصول الولد، ولم يتزوج كان كاذباً في توكله، لا بد أن يتزوج، والزواج هو الوسيلة الشرعية لحصول الولد. ومن قال: أنا أعتمد على الله، وألقى نفسه في النار، أو ألقى نفسه في اليم وهو لا يعرف السباحة، نقول: أنت كاذب، لا بد أن تفعل الأسباب الواقية من النار أو من الغرق. ولهذا كان سيد المتوكلين محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان يأخذ بالأسباب الحسية مع صدق توكله على الله، فكان عليه الصلاة والسلام في الحرب يلبس الدرع، والدرع عبارة عن درع من حديد يقي السهام والحراب، وربما لبس درعين زيادةً في الوقاية، كما فعل ذلك يوم أحد. فلا بد من فعل الأسباب النافعة، شرعية كانت أم قدرية حسية، من أجل أن يحصل لك المقصود في اعتمادك على الله عز وجل.
***
كيف يكون الإنسان متوكلاً على الله ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يكون الإنسان متوكلاً على الله بأن يصدق الاعتماد على ربه عز وجل، حيث يعلم أنه سبحانه وتعالى هو الذي بيده الخير، وهو الذي يدبر الأمور، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك). فبهذه العقيدة يكون الإنسان معتمداً على ربه جل وعلا، لا يلتفت إلى من سواه. ولكن حقيقة التوكل لا تنافي فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سبباً، بل إن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سبباً، هو من تمام التوكل، سواء كانت شرعية أم حسية ومن تمام الإيمان بحكمة الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل شيء سبباً. و هذا النبي صلى الله عليه وسلم- وهو سيد المتوكلين- كان يلبس الدروع في الحرب، ويتوقى البرد، ويأكل ويشرب لإبقاء حياته ونمو جسمه، وفي أحد ظاهر بين درعين- أي: لبس درعين- فهؤلاء الذين يزعمون أن حقيقة التوكل بترك الأسباب والاعتماد على الله عز وجل هم في الواقع مخطئون، فإن الذي أمر بالتوكل عليه له الحكمة البالغة في تقديره وفي شرعه، قد جعل للأمور سبباً تحصل به، ولهذا لو قال قائل: أنا سأتوكل على الله تعالى في حصول الرزق، وسأبقى في بيتي لا أبحث عن الرزق. قلنا إن هذا ليس بصحيح، وليس توكلاً حقيقيّاً، فإن الذي أمرك بالتوكل عليه هو الذي قال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). ولو قال قائل: أنا سأتوكل في حصول الولد أو في حصول الزوجة، ولم يشرع في طلب الزوجة وخطبتها، لعده الناس سفيهاً، ولكان فعله هذا منافياً لما تقتضيه حكمة الله عز وجل. ولو أن أحداً أكل السم وقال: إني أتوكل على الله تعالى في أن لا يضرني هذا السم، لكان هذا غير متوكل حقيقة؛ لأن الذي أمرنا بالتوكل عليه سبحانه وتعالى هو الذي قال لنا: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً). والمهم أن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى أسباباً لا ينافي كمال التوكل، بل هو من كماله، وأن التعرض للمهلكات لا يعد هذا من توكل الإنسان على الله، بل هو خلاف ما أمر الله عز وجل به.
***
هذا سؤال بعث به كل من الأخ سليمان ومحمد من حضرموت قال أهل العلم: إن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء عبادة ودعاء مسألة، ماذا يقصد بكل منهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يريد العلماء رحمهم الله بتقسيم الدعاء إلى قسمين: دعاء مسألة ودعاء عبادة، ما ذكره الله تعالى في قوله : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فدعاء المسألة: أن تسأل الله تعالى حاجاتك، بأن تقول: رب اغفر لي وارحمني وارزقني وعافني واجبرني وما أشبه ذلك. ودعاء العبادة: أن تتعبد لله تبارك وتعالى بما شرع، تصلى وتزكي وتصوم وتحج وتفعل الخير؛ لأن هذا الذي يتعبد لله ما قصد إلا رضوان الله وثوابه، فهو داع لله تعالى بلسان الحال له لا بلسان المقال. على أن بعض هذه العبادات التي يتعبد بها تتضمن دعاء المسألة، كالصلاة مثلاً، ففي الصلاة يقول المصلى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهذا دعاء مسألة. ويقول: رب اغفر لي وهذا دعاء مسألة، ويقول: السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم صل على محمد، اللهم بارك على محمد، أعوذ بالله من عذاب جهنم، وهذا كله دعاء مسألة. فالفرق بينهما إذاً: أن دعاء المسألة أن يسأل الله تعالى شيئاً مباشرة، سواء سأله حصول مطلوب أو سأله النجاة من مرهوب. ودعاء العبادة أن يتعبد لله تعالى بما شرع، رجاء ثوابه جل وعلا، وخوفاً من عقابه، هذا هو معنى تقسيم أهل العلم رحمهم الله. وقد علمنا أن الدعاء نفسه عبادة، كما تدل عليه الآية التي تلوتها، وهي قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ولم يقل: عن دعائي، وهذا يدل على أن الدعاء عبادة. وقال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا). ودعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى يتضمن سؤاله بها، مثل: يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، ويتضمن التعبد لله تعالى بمقتضاه: فإذا علمنا أنه غفور عملنا ما يكون سبباً للمغفرة، علمنا أنه رحيم عملنا ما يكون سبباً للرحمة, وإذا علمنا أنه رزاق عملنا ما يكون سبباً للرزق، وهلم جرّاً.
***
هل من دعوة الأمة إلى سؤال الله عز وجل والتعلق به دون التعلق بغيره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وسنقول لإخواننا: إن الذي يجب أن يوجه إليه الدعاء وأن توجه إليه الاستعاذة هو الله عز وجل، وهو المعين، وهو المجيب، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، قال الله تبارك وتعالى: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) وفي قراءة: (سَيَقُولُونَ اللهُ). وقال تبارك تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). وقال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). فالدعاء لله وحده، والاستعاذة بالله وحده، والملك لله وحده، فهو أهل الدعاء، وأهل الاستعاذة، وهو أهل الفضل و الإحسان.
***
يقول: مجموعة من الناس طلبوا مني أن أشتري لهم من الأماكن المقدسة حاجات، مثل سجادة وكفن وحناء ومصحف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما السجادات: فإن كانوا أوصوك بها لأن السجادات تتوفر في ذلك المكان أكثر من غيره، وقد تكون أرخص، فلا حرج؛ وأما إذا كان الاعتقاد أن السجادات التي تُشترى من هناك لها مزية على غيرها في الفضل، فليس بصحيح، ولا تشترِيها لهم بناءً على هذا الاعتقاد. وأما الكفن أيضاً: فإنه ليس بمشروع أن يشتري الإنسان كفنه من تلك المواضع، ولا أن يغسله بماء زمزم؛ لأن ذلك ليس وارداً عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه، وإنما يتبرك بالكفن فيما ورد به النص، وهو ما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أهديت إليه جبة، فسأله إياها رجل من الصحابة، فلاذ الناس به وقالوا: كيف تسأل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقد علمت أنه لا يرد سائلاً؟ فقال: إني أريد أن تكون كفني، فصارت كفنه، وكذلك أيضاً طلب عبدالله بن عبدالله بن أبي من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفن أباه عبدالله بن أبي بقميص الرسول عليه الصلاة والسلام ففعل، فهذه الأكفان التي كانت من لباس الرسول عليه الصلاة والسلام لا بأس أن يتبرك بها الإنسان، وأما كونها من مكة أو من المدينة فهذا لا أصل للتبرك به.
***
بعض المشايخ يعالجون المرضى بالآيات القرآنية، ما مدى صحة هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الله تعالى جعل هذا القرآن شفاءً لما في الصدور، وشفاء لما في الأجسام أيضاً: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام- كما في حديث أبي سعيد: أنهم قرؤوا على لديغ سورة الفاتحة، قرؤوها عليه سبع مرات، فقام كأنما نشط من عقال، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لما رجعوا إليه وأخبروه، قال-: (ما يدريك أنها رقية)؟ فأثبت النبي عليه الصلاة والسلام أن الفاتحة رقية؛ لأنه يرقي بها المريض، أي يقرأ عليه. فالقرآن كله خير وكله بركة، ولا شك أنه مؤثر، ولكن يجب أن نعرف كما يقال: السيف بضاربه، لا بد لتأثير القرآن من ثلاثة أمور: أولاً: إيمان القارىء بتأثيره، وثانياً: إيمان المقروء عليه بتأثيره، وثالثاً: أن يكون ما قرأ به مما تشهد الأدلة له بالتأثير. فإذا كان كذلك فإنه مؤثر بإذن الله، أما إذا نقص واحد من هذه الأمور الثلاثة، مثل: أن يقرأ على سبيل التجربة، يقول: أجرب أشوف ينفع أم لا؟ فإن ذلك لا ينفع؛ لأن الواجب على المؤمن أن يؤمن بتأثيره، وكذلك أيضاً لو كان المريض عنده شك في ذلك، وليس عنده إيمان بتأثير القرآن، فإن ذلك لا ينفعه أيضاً؛ لأن المحل غير قابل حينئذ، وكذلك أيضاً لو قرأ آيات لم تشهد الأدلة لها بالتأثير، فهذا أيضاً قد لا يؤثر، وليس معنى ذلك أنه نقص في القرآن الكريم، ولكنه خطأ في استعمال أو قراءة ما تبقى قراءته من الآيات أو السور.
***
بارك الله فيكم من السودان سائل يقول أسأل عن الرقية الشرعية وغير الشرعية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرقية الشرعية ما جاءت به السنة مثل (اللهم رب الناس اذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً ) وغير الشرعية هي البدعية أو الشركية فما كان بدعة أو شركاً فإن الرقية به محرمة ولا تزيد الإنسان إلا ضررا ومرضاً وإن قدر أنه شفي بها فهو لم يشفَ بها في الواقع وإنما كان الشفاء عندها لا بها امتحاناً من الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل الذي رقى بالشرك أو بالبدع وأما الأدعية المباحة التي ليست ببدعة فالرقية بها جائزة فتبين بهذا أن الرقى أربعة أقسام ما جاءت به السنة فالرقية به مشروعة مستحبة وما كان شركاً أو كان بدعة فالرقية به محرمة وما كان دعاءً مباحاً لا شرك فيه ولا بدعة لكنه ليس مما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالرقية به جائزة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الرقى (لابأس بها ما لم تكن شركاً).
***
ماحكم القراءة في الماء ثم الوضوء بهذا الماء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يقرأ في الماء ويتوضأ به المريض ليستشفي به وهذا وإن كنت لا أعلم أنه واردٌ عن السلف لكن قد يقول قائل إنه يدخل في عموم الآية الكريمة (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وخيرٌ من ذلك أن يقرأ المريض على نفسه بآيات من القرآن أو يقرأ عليه أحدٌ من أهله أو من أصحابه بما يراه مناسباً.
***
المستمع الذي رمز لاسمه بـ: ي و س م سوريا درعاء الحائرة يقول في رسالته فضيلة الشيخ هل يجوز التداوي ببعض آيات القرآن الكريم؟ وإن كان كذلك فكيف تتم هذه المداواة؟ وما هي الطريقة؟ وهل التداوي بالقرآن لكافة أنواع الأمراض، أم لمرض معين؟ وإن كان كذلك فما هو؟ أرشدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز التداوي بالقرآن العظيم؛ لأن الله عز وجل يقول: (وَنُنَزِّلُ مِن الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ المعوذتين يتعوذ بهما، وقال: (ما تعوذ متعوذ بمثلهما). فيقرأ على المريض الآيات المناسبة لمرضه، مثل أن يقرأ لتسكين المرض والألم: (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). ويقرأ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)، أو نحو ذلك من الآيات المناسبة. وكذلك يقرأ الفاتحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنها رقية يرقى بها المريض واللديغ، وينتفع بها بإذن الله، لكن يجب أن نعلم أن القرآن نفسه شفاء ودواء، ولكنه بحسب القارىء وبحسب المقروء عليه؛ لأنه لا بد من أهلية الفاعل وقابلية المحل، وإلا لم تتم المسألة: فالفاعل لا بد أن يكون أهلاً للفعل، والمحل لابد أن يكون قابلاً له، فلو أن أحداً من الناس قرأ بالقرآن وهو غافل أو شاك في منفعته فإن المريض لا ينتفع بذلك، وكذلك لو قرأ القرآن على المريض والمريض شاك في منفعته فإنه لا ينتفع به، فلا بد من الإيمان من القارىء والمقروء عليه بأن ذلك نافع، فإذا فعل هذا مع الإيمان من كلٍ من القارىء والمقروء عليه انتفع به.
***
بارك الله فيكم ما هي الأدعية التي تقال في الرقية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأدعية التي تقال في الرقية أهمها وأعظمها قراءة سورة الفاتحة، فإن قراءة سورة الفاتحة على المريض من أسباب شفائه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك أنها رقية)؟ ومن ذلك ما جاءت به السنة، مثل قوله: (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل عين حاسد الله يشفيك). ومثل قوله: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنت رب الطيبين، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجَع أو على هذا الوجِع). ومثل قوله: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً). والأحاديث في هذا معروفة، يمكن للسائل أن يرجع إليها في كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، أو في كتاب الأذكار للنووي، أو غيرهما مما كتبه أهل العلم في هذا الباب.
***
بينما كنت جالساً في مصلى المسجد أقرأ القرآن دخلت علي امرأة ومعها فتاة بالغة، وطلبت مني أن أقرأ على الفتاة آيات من القرآن؛ لأنها كانت تعاني من حالة نفسية، فقرأت قدر خمسين آية من سورة البقرة، وبعد أن انتهيت من القراءة قمت بمسح رأس ووجه الفتاة، وطلبت منها أن تنظر في المصحف. فهل أنا آثم على ما فعلت؟ علماً بأني ما أردت من ذلك إلا الخير والثواب وقصد الشفاء إن شاء الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما قراءتك على الفتاة فإن هذا لا بأس به، ولكن في هذه الحال يجب أن تكون ساترة لما يجب ستره من الوجه وغيره، وأما مسحك رأسها ووجهها بعد قراءتك فلا أرى له وجهاً، ولا ينبغي ذلك منك، بل يحرم عليك أن تمس بشرة امرأة أجنبية منك، ليست زوجة وليس بينك وبينها محرمية، فعليك أن تتوب إلى الله من هذا الأمر، وأن لا تعود إليه. أما القراءة على النساء والرجال مع مراعاة التحفظ الواجب فإن هذا لا بأس به، وهو من الإحسان، بشرط أن لا يكون هناك فتنة.
***
المستمع يحيى أبو خالد يقول: ما صحة هذا الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الناس، وقل أعوذ برب الفلق، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده) ويفعل ذلك ثلاث مرات، وما كيفية النفث؟ أرجو الإفادة والتوضيح بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح أنه كان عليه الصلاة والسلام إذا أوى إلى فراشه فعل ما ذكره السائل، لكن السائل بدأ بقل أعوذ برب الناس قبل قل أعوذ برب الفلق، والترتيب الصحيح أن نقول: قل أعوذ برب الفلق قبل قل أعوذ برب الناس, نفث: نفخ مع ريق خفيف، والحكمة من ذلك أن هذا الريق تأثر بقراءة هذه السورالكريمة، فإذا كان متأثراً به ومسحه على وجهه ورأسه وبسط عن جسده كان في ذلك خيرٌ وبركة وحماية ووقاية للإنسان في منامه.
***
السائلة مريم تقول
: فضيلة الشيخ هل هناك آيات واردة تقرأ بغرض تسهيل الولادة بالنسبة للمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك شيئاً عن السنة، لكن إذا قرأ الإنسان على الحامل التي أخذها الطلق ما يدل على التيسير، مثل: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). ويتحدث عن الحمل والوضع، كقوله تعالى: ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه). ومثل قوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا). فإن هذا نافع ومجرب بإذن الله، والقرآن كله شفاء، إذا كان القارىء والمقروء عليه مؤمنَين بأثره وتأثيره فإنه لابد أن يكون له أثر، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً). وهذه الآية عامة: شفاء ورحمة يشمل شفاء القلوب من أمراض الشبهات وأمراض الشهوات، وشفاء الأجسام من الأمراض المستصعبات.
***
بارك الله فيكم المستمع أبو عبد الله يقول: طلبت مني زوجتي أن أذهب بها إلى أحد الأشخاص الذين يرقون المرضى، إلا أني لم أتشجع لذلك مع علمي بجواز الرقية بشروطها، والسبب في ذلك هو أن كثيراً من هؤلاء الذين يقرؤون جعلوا من عملهم وسيلة للتكسب، فينظرون ماذا يدفع لهم، وقد يطلبون مبلغاً معينا،ً فهل عملي في محله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن تأثير الإنسان في قراءته على حسب إخلاصه ونيته، والذي ينبغي للقراء الذين ينفع الله بهم أن يخلصوا النية لله عز وجل، وأن ينووا بذلك- أي: بقراءتهم على المرضى- التقرب إلى الله، والإحسان إلى عباد الله، حتى ينفع الله بهم، ويجعل في قراءتهم خيراً وبركة.
***
هذه رسالة وصلت من السائل أحمد بن صالح الطليان يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم التفرغ للقراءة واتخاذها حرفة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. التفرغ للقراءة على المرضى من الخير والإحسان، إذا قصد الإنسان بذلك وجه الله عز وجل، ونفع عباد الله، وتوجيههم إلى الرقى الشرعية التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما اتخاذ ذلك لجمع الأموال فإن هذه النية تنزع البركة من القراءة، وتوجب أن يكون القارىء عبداً للدنيا: إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط. لذلك أنصح إخواني الذين يتفرغون للقراءة على المرضى أن يخلصوا النية لله عز وجل، وألا يكون همهم المال، بل إن أعطوا أخذوا، وإن لم يعطوا لم يطلبوا، وبذلك تحصل البركة في قراءتهم على إخوانهم، هذا ما أقوله لإخواني القراء.
***
هل تجوز القراءة في الماء والنفث فيه ؟
الشيخ: القراءة على المريض فعلها السلف رحمهم الله، ولعل لها أصلاً من كون الرسول عليه الصلاة والسلام عند النوم ينفث في يديه ويقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثلاث مرات.
***
كيف يفعل الإنسان بالماء المقروء فيه بالقرآن إذا أراد أن يغتسل به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المعروف أن قراءة القرآن في الماء إنما يشربها المريض ولا يغتسل بها، وإذا كان المرض في الجلد- يعني: لا في داخل الجسم- فإنه يؤخذ من هذا الماء ويدهن به الجلد، يؤخذ بقطنة أو بمنديل ويدهن به الجلد المصاب، هذا المعروف، أما أن يغتسل به الإنسان غسلاً كاملاً فلا أصل له.
***
هل يجوز أن أستعمل الماء أو الزيت المقروء فيه أثناء العذر الشهري؟ وهل تجوز القراءة على الكريمات مثل الفازلين وغيره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة الحائض أن تستعمل ما قرىء به من زيت أو ماء أو تمر أو خبز أو غيره، وتجوز القراءة في الأدهان جميعها، وفي الأطعمة التي يأكلها المريض، وفي الأشربة التي يشربها؛ لأن الله تعالى قال : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). فإذا استعمل القرآن على وجه ظهرت فيه الفائدة والمصلحة وليس فيه إهانة للقرآن الكريم فلا بأس، وقولنا: ليس فيه إهانة للقرآن الكريم، احترازٌ من ما يوجد في بعض الأواني: يكتب في بعض الأواني آية الكرسي أو غيرها من القرآن، منقوراً نقراً لا يزول بالغسل، وهذا لا شك أنه إهانة للقرآن، وأنه لا يجوز؛ لأن هذا الإناء مبتذل، وربما يلقى في الأرض، وربما يداس بالقدم خطأً أو عمداً نسأل الله العافية، فلذلك لا يحل للإنسان أن يكتب شيئاً من القرآن على وجه محفور يبقى في الإناء؛ لما في ذلك من امتهان القرآن الكريم.
***
بارك الله فيكم ما حكم القراءة في الماء ثم يقوم الإنسان بشربه أو إعطائه للمريض ليشربه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ورد عن السلف الصالح رحمهم الله أنهم يقرؤون القرآن ويلفظون بريقهم ليشربه المريض، وقد جرب هذا ونفع، لكن إذا علم القارىء أن في فمه داء يمكن أن تنتقل الجراثيم بواسطة الريق إلى هذا الماء فيصاب به المريض فإنه لا يجوز له ذلك، خوفاً من وقوع الضرر على المريض، وفي هذه الحال يمكن أن يذهب الرجل بنفسه إلى المريض فيقرأ عليه.
***
هل ورد في سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قراءة القرآن للمريض في الماء ثم شربه؟ أو قراءة القرآن في الزيت ثم الادهان به؟ أو قراءة القرآن في كأس مكتوبٍ فيه آية الكرسي ووضع ماء فيه ثم شرب الماء؟ لأن كثيراً من الناس يفعلون ذلك، هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). وهذا الشفاء الذي أنزله الله عز وجل في هذا القرآن الكريم يشمل شفاء القلوب من أمراضها، وشفاء الأبدان من أمراضها أيضاً. ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد أو غيره ممن معه في السرية التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستضافوا قوماً من العرب فلم يضيفوهم، ثم إن سيد هؤلاء القوم لدغ، فطلبوا له قارئاً يقرأ من السرية التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاؤوا إليهم وقالوا: هل منكم من راق؟ يعني: من قارئ قالوا: نعم ولكنكم لم تضيفونا، فلا نرقي لكم إلا بِجُعل. فجعلوا لهم شيئاً من الغنم، ثم ذهب قارئٌ منهم يقرأ على هذا اللديغ، فقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام كأنما نشط من عقال، يعني: قام بسرعة طيباً بريئاً، ثم أعطوهم الجُعل، ولكنهم توقفوا حتى يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا قال: (خذوا، واضربوا لي معكم بسهم). وقال للقارىء (وما يدريك أنها رقية)؟ يعني ما يعلمك أنها- أي: الفاتحة- رقية؟ وهكذا بعض الآيات الأخرى التي يسترقي بها الناس التي يقرأ بها الناس، على المرضى، كثير فيه فائدةٌ مجربة معروفة، فإذا قرأ القارىء على المريض بفاتحة الكتاب وبغيرها من الآيات المناسبة فإن هذا لا بأس به ولا حرج، وهو من الأمور المشروعة. وأما كتابة القرآن بالأوراق ثم توضع في الماء ويشرب الماء، أو على إناء ثم يوضع فيه الماء ويرج فيه ثم يشرب، أو النفث في الماء بالقرآن ثم يشرب، فهذا لا أعلم فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان من عمل السلف، وهو أمرٌ مجرب، وحينئذٍ نقول: لا بأس به- أي: لا بأس أن يصنع هذا للمرضى لينتفعوا به- ولكن الذي يقرأ في الماء بالنفث أو التفل ينبغي له أن لا يفعل ذلك إذا كان يعلم أن به مرضاً يخشى منه على هذا المريض الذي قرىء له.
***
هل يمكن علاج الأمراض بالرقية؟ وهل هناك أحاديث واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ وهل كتابة آية الكرسي وسورة يس أو الفاتحة في ورقة، ثم نقوم بوضعها في ماء ونشرب ذلك الماء، هل هذا من السنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الأمراض قد تشفى بقراءة القرآن، وهذا أمرٌ واقع شهدت به السنة، وجرت عليه التجارب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطاً في سرية، فنزلوا على قوم، ولكن القوم الذين نزلوا عليهم لم يضيفوهم، فقعدوا ناحية، ثم إن الله سبحانه وتعالى سلط على سيدهم حيةً فلدغته، فجاؤوا إلى هؤلاء الرهط وقالوا: هل معكم من يرقي؟ قالوا: نعم. تقدم إليه رجل فقرأ عليه الفاتحة، فقام كأنما نشط من عقال، فلما وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه قال له عليه الصلاة والسلام: (وما يدريك أنها رقية)؟ وقد قال الله عز وجل: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً). وأما ما ذكره السائل من كتابة بعض الآيات التي فيها الاستعاذة والاستجارة بالله عز وجل، بأن توضع في ماء ويشرب، فهذا أيضاً قد جاء عن السلف الصالح، وهو مجربٌ ونافع. لكن ورد في سؤاله ذكر سورة يس، وهذا لا أعلم أن يس مما يرقى به، لكن يرقى بالفاتحة، بآية الكرسي، بالآيتين الأخيرتين في سورة البقرة، بقل هو الله أحد، بقل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس.
***
أسأل عن المحاية التي تكتب على اللوح من القرآن وتشرب من أجل الشفاء، أفيدوني في هذا السؤال جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كان بعض السلف يكتب بالزعفران في الإناء أو نحوه، ثم يخض بالماء ويشربه المريض، ويحصل به الشفاء إن شاء الله، وهذا يدخل في عموم قول الله تبارك تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). فإن قوله تعالى: (مَا هُوَ شِفَاءٌ) يعم الشفاء القلبي والبدني، أي: يعم الشفاء من الأمراض القلبية كالشك والشرك والعداوة للمؤمنين والبغضاء لهم وما أشبه ذلك، وكذلك من الأمراض الجسدية كالصداع والألم وما أشبه ذلك، فالقرآن كله خير، كله شفاء، فإذا استشفى به الإنسان على وجهٍ من الوجوه وانتفع به فهذا محل الغرض
***
هذه رسالة وصلتنا من حسين إسماعيل يعقوب من السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان بعض من الناس يعرفون بالمشايخ، يكتبون المحايا للناس: إذا مرض الشخص أو أصابه سحر أو غير ذلك من الأمور الخرافية، ما حكم من يتعامل معهم وما حكم عملهم هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك هو أن الرقية على المريض المصاب بسحر أو بغيره من مرض لا بأس بها إذا كانت من القرآن أو من الأدعية المباحة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي أصحابه، ومن جملة ما يرقيهم به: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، أنت رب الطيبين، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ). ومن الأدعية المشروعة: (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل عين أو حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك). ومنها: (أن يضع الإنسان يده على الألم الذي يؤلمه من بدنه فيقول: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر). إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم من الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما كتابة الآيات أو الأذكار وتعليقها، فقد اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه، والأقرب المنع من ذلك؛ لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد أن يقرأ على المريض، أما أن تعلق الآيات أو الأدعية على المريض في عنقه أو في يده، أو تحت وسادته وما أشبه ذلك، فإن ذلك من الأمور الممنوعة على القول الراجح؛ لعدم ورودها، وكل إنسان يجعل شيئاً من الأمور سبباً لأمر آخر بغير إذن من الشرع فإن عمله هذا يعد نوعاً من الشرك؛ لأنه إثبات سبب لم يجعله الله سبباً، هذا بقطع النظر عن حال هؤلاء المشايخ، فلا ندري لعل هؤلاء المشايخ من المشعوذين الذين يكتبون أشياء منكرة وأشياء محرمة، فإن ذلك لا شك في تحريمه، ولهذا قال أهل العلم: لا بأس بالرقى بشرط أن تكون معلومة مفهومة خالية من الشرك.
***
من السودان ومن مدينة أبو زيد وردتنا هذه الرسالة من مختار التجاني مهدي يقول في سؤاله: ما هو رأي الدين في كتابة آيات من القرآن في لوح من الخشب، ومحو هذه الآيات وتقديمها إلى المريض؟ وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا نحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عمل مثل هذا، ولكن بعض السلف كانوا يفعلون ذلك، فإذا فعله الإنسان فلا حرج عليه، ولكن الأفضل من هذا والأولى أن يقرأ هو بنفسه على المريض ما وردت السنة به من الآيات والأحاديث، ومن ذلك مثلاً قراءة الفاتحة على المريض، فإنها من أبلغ الأدوية، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وما يدريك أنها رقية)؟ وكذلك القراءة على المريض بقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وكذلك ما جاءت به الأحاديث مثل: ( اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً). ومثل: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنت رب الطيبين، واغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنزل رحمة من رحمتك وشفاءً من شفائك على هذا الوجع) فيبرأ. (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أوعين حاسد الله يشفيك). وغير ذلك مما جاءت به السنة، فإذا قرأ الإنسان هذه على المريض فهو أولى من كتابة آيات من القرآن تجعل في ماء يستشفي بها المريض.
***
أحمد ن. ن من الرياض: يعمل بعض الناس عملاً وهو: أنهم يكتبون بالقلم الحبر أو السائل البعض من الآيات القرآنية أو البعض من الأحاديث أو الأدعية على ورقة، ثم يضعونها بداخل كأس في إناء، ويعطون هذا الماء لأي شخص مريض أو تعبان لكي يشربه، الرجاء منكم توضيح هذا العمل هل هو جائز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً: يجب أن نعرف أن تلك الكتابة بهذا الحبر أو بالأقلام الناشفة على ورقة ثم توضع في إناء ويشربها المريض قد يكون في ذلك ضرر على المريض؛ لان تركيب هذا الحبر وهذه المادة الناشفة قد يكون فيه أشياء سامة تضر البدن، لكن العلماء رحمهم الله قالوا: إنه يكتب بالزعفران إما على ورقة ثم تلقى في الماء حتى يظهر أثر الزعفران على الماء، وإما في إناء نظيف يكتب فيه آيات من القرآن، ثم يصب فيه الماء ويمزج، ثم يشربه المريض، هذا الذي كان يفعله السلف الصالح، ولا بأس باستعماله، وقد جربه بعض الناس فانتفعوا به. وأما بالنسبة للأقلام وبالنسبة للحبر فلا ينبغي أبداً أن يستعملها الإنسان في هذه المسألة؛ لأننا لا ندري ما هي مركبات هذا الحبر، سواء ناشفاً أو سائلاً.
***
هل تجوز الرقية بالنفث بالقرآن والأحاديث؟ حيث يرقي هذا الشخص الماء ثم يشربه المريض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فعل بعض السلف مثل هذا، أي إنه ينفث في الماء ثم يشربه المريض، وقد جرب ونفع، لكن كون القارىء يقرأ على المريض مباشرة أحسن وأفيد وأرجى للانتفاع، والمسلم إذا أتى إلى أخيه ورقاه فإنه على خير، قد يجعل الله الشفاء على يده فيكون محسناً إلى هذا المريض إحساناً بالغاً، ولكن ليعلم أن الراقي على المرضى لابد أن يعتقد أن هذه الرقية نافعة في حد ذاتها، بأنه لو قرأ وهو متشكك متردد فإنها لا تنفع، لابد أن يعتقد بأنها نافعة، ولابد للمرقي أن يعتقد أيضاً انتفاعه بها، فإن كان متردداً شاكّاً فلا تنفعه؛ لأن كل سبب شرعي لابد أن يكون الفاعل له مؤمناً بأنه سبب يؤدي إلى المقصود حتى ينفع الله به، وإنما أحث إخواني الذين نفع الله بقراءتهم على المرضى أن يبتعدوا عن الكلمات التي لا تعرف، والتي ليس فيها إلا أسجاع سمجة باردة، وأن يقتصروا على ما جاءت به السنة من الرقى، وأعظمه الرقية بالفاتحة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال- في الذي رقى المريض بها فقام كأنما نشط من عقال، قال النبي صلى الله عليه وسلم-: (وما يدريك أنها رقية)؟ وهذا حث له ولغيره على أن يرقي بها المرضى.
***
ما الحكم في تعليق التمائم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التمائم لا يخلو إما أن تكون من القرآن أو من غيره، فإن كانت من القرآن ففيها خلافٌ بين أهل العلم من السلف والخلف، فمن العلماء من يقول: إن تعليقها جائز ولا بأس به، وربما يستدل بقوله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) ويجعل هذا من بركة القرآن أن الله تعالى يرفع به العين والشر ممن علقه. وقال بعض أهل العلم من السلف والخلف: إن تعليقه محرم، وذلك لأن مثل هذه الأمور لا يجوز إثباتها إلا بدليلٍ من الكتاب والسنة، وليس في الكتاب والسنة دليلٌ على أن تعليق القرآن يكون نافعاً لصاحبه، وإنما ينفع من يقرؤه، وقد قال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ). فنيل البركة من القرآن إنما يكون على حسب ما جاءت به الشريعة، وهذا القول هو القول الراجح أنه لا يجوز أن تعلق التمائم من القرآن على الصدر، ولا أن تجعل تحت الوسادة وما أشبه ذلك، ومن أراد أن يستشفي بالقرآن فليستشفِ به على حسب ما جاءت به السنة وأما إذا كانت التمائم من غير القرآن من طلاسم لا يدرى ما معناه، أو كتابة كالنقوش لا تقرأ وما أشبهها فإنها محرمة, محرمة بلا شك، ولا يجوز للمرء أن يعلقها بأي وجهٍ من الوجوه؛ لأنها قد تكون أسماء شياطين، أو أسماء عفاريت من الجن أو ما أشبه ذلك، والشيء الذي لا تدري معناه لا يجوز لك أن تتناوله وتستعمله في مثل هذا الأمور.
جزائرــــية
2009-09-12, 11:06
حكم من يلبس الحجاب الذي يكتب فيه كلام الله ،هل هذا حرام أم حلال؟ أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحجاب يعني التميمة التي تعلق على الإنسان، أو يجعلها بعض الناس تحت الوسادة، أو يعلقها على الجدار، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في تعليق التمائم إذا كانت من القرآن أو من الأذكار النبوية أو الأدعية المباحة، اختلفوا في هذا على قولين، فمنهم من منع ذلك؛ لعموم التحذير من التمائم، ومنهم من أجاز ذلك وأدخلها في عموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). والاحتياط ألا يعلق هذا ولو كان من القرآن أو من الأدعية أو الأذكار الواردة. فأما إذا كانت التميمة لا يقرأ ما فيها فإن تعليقها حرام ولا يجوز، أو كان الذي فيها كتابة لا يعرف ما هي فإن تعليقها حرام ولا يجوز، أو كان ما فيها من أسماء الشياطين أو الجن أو ما أشبه ذلك فإن هذا حرام ولا يجوز. المهم أن التمائم تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ما علم أنه من القرآن أو من الأذكار النبوية أو من الأدعية المباحة، فهذا محل خلاف بين العلماء، والاحتياط ألا يعلقها. والثاني: ما سوى ذلك، فتعليقه حرام على كل حال.
***
من مصر أ أ يقول: في الحديث: ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك). ما هي التولة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، وقريب من ذلك ما يسمى عندنا بالدبلة، يقال: إن الزوج يكتب اسم امرأته في خاتمه، والزوجة تكتب اسم زوجها في خاتمها، ويدعون أنهما- أي: الزوجين- يحصل بفعلهما هذا الألفة بينهما، وأنه لو خلع هذه الدبلة أو خلعتها معناه الفراق. فإذا قال قائل: ما هي الوسيلة إلى أن يحب الرجل زوجته والمرأة زوجها؟ فنقول: الوسيلة إلى ذلك بينها الله بقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). عاشروهن بالمعروف، فإذا عاشر كل إنسان زوجته بالمعروف، وهي كذلك، حصلت المحبة والألفة والحياة الزوجية السعيدة.
***
ما حكم تعليق الأحجبة على أعضاء الجسد، وخاصة تلك الحجب التي بها آيات قرآنية أو أحاديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة- أعني: تعليق الحجب أو التمائم- تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون المعلق من القرآن، والثاني: أن يكون من غير القرآن مما لا يعرف معناه. وأما الأول، وهو: تعليقها من القرآن، فقد اختلف في ذلك أهل العلم سلفاً وخلفاً، فمنهم من أجاز ذلك، ورأى أنه داخلٌ في قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ)، وأن من بركته أن يعلق ليدفع السوء. ومنهم من حرَّم فعل هذا وقال: إن تعليقها لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سببٌ شرعيٌ يدفع به السوء أو يرفع به، والأصل في مثل هذه الأشياء التوقيف. وهذا هو القول الراجح، وأنه لا يجوز تعليق التمائم ولو من القرآن، ولا يجوز أن تجعل تحت وسادة المريض، أو تعلق في الجدران أو ما أشبه ذلك، وإنما يوضع المريض ويقرأ عليه مباشرةً، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل. وأما إذا كان المعلق من غير القرآن- وهو القسم الثاني مما لا يعرف معناه- فإنه لا يجوز بكل حال؛ لأنه لا يدرى ماذا يكتب، فإن بعض الناس يكتبون طلاسم وأشياء معقدة، حروفاً متداخلة ما تكاد تعرفها ولا تقرؤها، فهذا من البدع، وهو محرم لا يجوز بكل حال.
***
ماحكم وضع القرآن في السيارة حفظاً من العين ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لايجوز هذا ولا ينفع؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنه يتحصن بالقرآن على هذا الوجه، وما يتوهمه بعض الناس فهو لأنه تخيّل أنّ هذا نافع، فظن أنّ انتفاء الشر والعين عن سيارته بواسطة وضع المصحف فيها.
***
أحسن الله إليكم يا شيخ، امرأة كلما حملت تسقط، وذكر لها أحد الناس بعمل تمائم من القرآن وقد نفعت، وهي مترددة، فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التمائم من القرآن- يعني: التي تعلق على العنق- اختلف فيها السلف والخلف، فمنهم من قال بجوازها، واستدل بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وقالوا: إن أي تجربة يكون فيها الشفاء وهي من القرآن الكريم فإنها داخلة في هذا العموم. ومنهم من قال: إن التمائم ممنوعة، سواء كانت من القرآن أو من غير القرآن، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله.
***
السائلة من الأردن تقول: والدي يعلم بأن والدتي تستعمل أحجبة العرافين، لكنه لا يهتم بذلك بحجة أنه يقرأ المعوذات وآية الكرسي، وأنها لن تستطيع أن تؤثر عليه، علماً بأن والدتي تستخدم هذه الأحجبة نظراً للمشكلات بينها وبين أبي، فما الحكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الحجاب الذي يعلقه المريض من القرآن والأدعية المباحة فقد اختلف العلماء رحمهم الله في جواز تعليقه، فمنهم من منعه ومنهم من أجازه، أما إذا كان الحجاب قد كتب فيه ما لا يدرى عنه ولا عن معناه فإنه لا يجوز لبسه؛ لاحتمال أن يكون به أشياء شركية لا نعلم بها.
***
هذه رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين من العراق رمز لاسمه بـ ن م ع يقول في رسالته: في بلدنا دارج وضع الحجاب، إما لغرض الحفظ من العين، أو للحماية من إطلاق الرصاص، أي: لا يصيب الشخص أيُّ أذى من إطلاق النار عليه بحمد الله ولبسه للحجاب، أو يوضع في غرض تهدئة الطفل الذي يبكي كثيراً. ولكن رأيي- والله أعلم- هو أنه خرافة أو بدعة، وأستند على قوله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ). ولكن في بعض الأحيان بعض الناس يقولون: إن الحجاب الذي يحتوي على بعض آيات من القرآن أو أدعية من أدعية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عبارة عن رقية مكتوبة؛ لأن الرقى هي تؤدي إلى شفائها، فما رأي الشرع في نظركم في هذه المسألة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يريد السائل بالحجاب التميمة التي تعلق على الإنسان في عنقه، أو يجعلونها في جيبه، أو يجعلونها تحت وسادته إذا نام. وهذه التمائم تكون على وجهين: الوجه الأول: أن يكتب فيها ما لا يعلم ولا يدرى معناه، فإن هذه لا تحل ولا تجوز؛ لأنه لا يدرى ما الذي تشتمل عليه: أهو شرك، أم أسماء للشياطين، أو لمردة الجن، أو ما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة؟ فهذه لا تجوز قطعاً. وأما الوجه الثاني: فهو التمائم التي يكتب فيها شيء من القرآن على وجه واضح بيِّن يقرأ، أو شيء من الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها، والصواب مع من منعها وأنها لا تجوز؛ لأن الاستشفاء بالقرآن إنما يجوز على الوجه الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بقراءته على المريض مباشرة، وبعض السلف يجوِّز أن يكتب القرآن في إناء بزعفران أو نحوه، ويصب عليه الماء ويحرك حتى يصطبغ الماء بهذا اللون المكتوب به القرآن، ثم يشرب. وعلى هذا فنقول: إن تعليق التمائم واصطحابها في الجيب ووضعها تحت الوسادة لا يجوز مطلقاً، سواء كانت من القرآن أو غيره، ولكن يقرأ على المريض بالآيات التي يرقى بها للمرضى. وأما قول السائل: أرى أن هذا لا يفيد؛ لأن الله تعالى يقول: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ). فإن الآية لا تدل على منع هذا الحجاب أو هذه التميمة إذا صح أنها سبب شرعي؛ لأن قوله تعالى: (فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) يشمل ما كشفه الله سبحانه وتعالى بسبب غير معلوم لنا، وما كشفه بسبب معلوم، لكن لا بد أن يكون هذا السبب معلوماً عن طريق الشرع، أو عن طريق الحس و التجربة.
***
من سوريا تقول: فضيلة الشيخ انتشرت عندنا ظاهرة الأحراز التي يعلقها الشباب والشابات على صدورهم، وهذه الأحراز مكتوبة من مشايخ يقولون بأنها تحفظ من العين. فما حكم الشرع في نظركم في مثل هذه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال: أنه يجب أن نعلم أن الأسباب التي تجلب الخير أو تدفع الشر لابد أن تكون متلقاة من الشرع؛ لأن مثل هذا الأمر- أعني: جلب الخير أو دفع الشر- لا يكون إلا بتقدير الله عز وجل، فلابد أن نسلك الطريق الذي جعله الله سبحانه وتعالى طريقاً يوصل إلى ذلك، أما مجرد الأوهام التي لا تبنى على أصل شرعي فإنها أوهام لا حقيقة، لها قد يتأثر الإنسان منها نفسياً لاعتقاده فيها ما يعتقد، وإن كان في الحقيقة خلاف ذلك. وتعليق الأحراز على الصدور لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أن تكون طلاسم أوحروف مقطعة لا يعلم لها معنى، فهذه محرمة بلا شك، وربما يكتب عليها أسماء الشياطين من الجن ولا يعلم حاملها ذلك، وعلى هذا فيكون تعليقها نوعاً من الشرك، وإذا اعتقد معلقها أنها تنفع أو تضر بدون قدر الله عز وجل كان مشركاً شركاً أكبر، وأما إذا كان يعتقد أن النافع والضار هو الله ولكن هي وسيلة، فهي شرك أصغر؛ لأن الله تعالى لم يجعل هذا سبباً يندفع به الشر أو يحصل به الخير. أما الثاني: فأن تكون هذه الأحراز مكتوبة بحروف معلومة من القرآن أو من صحيح السنة، فهذه موضع خلاف بين العلماء، فمنهم من يرى أنها لا بأس بها، مستدلاً بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً). ومنهم من يرى منعها وأنها من الشرك الأصغر، مستدلاً بعموم الأحاديث الدالة على أن التمائم شرك. والذي ينبغي للمؤمن أن يتجنبه، وذلك لأن أقل ما فيها أنه لم يرد فيها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على الجواز، والأصل في مثل هذه الأمور المنع حتى يقوم دليل على الجواز. ثم إن الإنسان إذا تعلق بها أعرض عن ما ينبغي أن يقوم به من الأوراد القولية التي جاءت بها الشريعة، مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم في آية الكرسي : (إن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح). وقوله في الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة: (من قرأهما في ليلة كفتاه). وكذلك قوله في المعوذتين. المهم أن هذه الأحراز توجب غفلة الإنسان عن ما ينبغي أن يقوم به من الأوراد الشرعية القولية، وعلى هذا فإن نصيحتي لهؤلاء وأمثالهم أن يَدَعوا هذه الأحراز، وأن يقوموا بما جاءت به السنة من الأوراد القولية، إما من الكتاب وإما من السنة.
***
المستمع عودة بن مرعي من قباء شمال يقول: البعض من الناس يكتب سور القرآن الكريم ويعلق ذلك على الأطفال، مثل المعوذتين وسورة الإخلاص، يقصد بأنها تحميه من العين، وتجلب له النفع والهداية. فهل هذا عمل صحيح؟ أرجو بهذا إفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق الآيات على صدور الصبيان منهيٌ عنه؛ لأنه داخلٌ في التمائم في عمومها، إذ إن الأحاديث الواردة في ذلك لم تستثن شيئاً مما يعلق، ثم إن فيه عرضة بامتهانه؛ لأن الصبي لا يحترز من وقوع الأذى على هذا الذي علق عليه من القرآن، وربما يتلطخ بشيء نجس، وربما يدخل به بيت الخلاء وما أشبه ذلك، فلهذا ينهى عن هذا العمل، ويقال: إذا أردت أن تعوذ أبناءك بشيء فعوذهم بالقراءة عليهم. ومن العلماء من رخص في تعليق المكتوب من القرآن على المريض للاستشفاء به. واستدل بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً). والاحتياط أن لا يفعل ذلك، لا لدفع البلاء كما ذكره السائل، ولا لرفعه كما أشرنا إليه، وليكن مستعملاً لما جاءت به السنة من تعويذ الإنسان بالقراءة، والقراءة على المريض كذلك بما جاءت به السنة.
***
من العراق محافظة ديالي رمز لاسمه ب ي ي يقول: فضيلة الشيخ ما حكم من يقوم بالقراءة على الأطفال، وكتابة بعض الكلمات أو العبارات في أوراق وتسخيرها لهم، زعماً منه أن في هذا شفاء لهم من الخوف أو غير ذلك مما يسمونه بهذه الأسماء؟ مع العلم بأن هذه العبارات قد تكون غير مفهومة، وأن هذا الرجل يأتيه الناس ويقولون: إن الله هو الشافي، وإن هذا سبب في الشفاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق التمائم، أو وضعها تحت وسادة الفراش، أو تعليقها في جدران الحجرة، أو ما أشبه ذلك، كله من البدع، بل مما نهي عنه: (فمن تعلق تميمة فلا أتم الله له). والشفاء الذي يحصل بهذا ليس منها، بل هو فتنة حصل عندها لا بها. لكن اختلف السلف رحمهم الله فيما إذا كان المعلق من القرآن هل هو جائز أم لا؟ فكرهه ابن مسعود وجماعة، وهذا أقرب إلى الإخلاص والتوكل على الله عز وجل، وأجازه آخرون. وأما ما ليس من القرآن فلا يجوز، لا سيما إذا كان فيه حروف لا يعرف معناها، فإنها قد تكون أسماء للشياطين وطلاسم سحرية، فلا يجوز اعتمادها، حتى لو حصل الشفاء عند استعمالها فإنه لم يحصل بها؛ لأنه لم يقم دليل على أنها سبب شرعي، ولا هي سبب حسي، لكن قد يبتلي الله سبحانه وتعالى العبد ويفتنه، فيحصل مطلوبه بوسيلة محرمة. فليحذر العاقل اللبيب من هذه الأمور، وليستعن بالله عز وجل، وليتوكل عليه. نعم لو وجدنا رجلاً صالحاً يقرأ على المريض بالقرآن الكريم وبالأحاديث النبوية فهذا لا بأس به، وهو من السنة أن يرقي الإنسان أخاه بالرقى المشروعة.
***
من الأردن تقول في هذا السؤال: أود أن أسأل عن الحجب، وهل يجوز إخراجها من مكانها؟ علماً بأن أهلي قاموا في العام الماضي بالذهاب إلى إحدى النساء التي تعمل ذلك، وتقول بأنها أخرجته من مكانه، وتقوم هذه المرأة بإحضار ماء ويوضع في وسط هذه الحجب، ولكن المرأة تأخذ مبالغ كبيرة مقابل ذلك العمل، هل ينالنا العقاب جراء ذهابنا إلى هذه المرأة وتعاملنا معها؟ وما حكم الشرع في نظركم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أنني ما عرفت معنى الحجب بالضبط؛ لأن المعروف أن الحجب هي عبارة عن أوراق يكتب فيها أدعية وتعوذات وآيات قرآنية، يحملها الإنسان على صدره مربوطة في عنقه، يرى أنها تحجبه من الشر ومن الشياطين، وبعضهم يفعل ذلك إذا مرض، يرى أن الله يشفيه بها، هذا معنى الحجب التي نعرف، وأما ما يفيده ظاهر كلامها فكأنها تريد بذلك نقض السحر، ونقض السحر بالسحر ممنوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان. لكن قد يكون هناك حالات خاصة ينظر فيها بعينها.
***
بارك الله فيكم هذا المستمع أبو عبد الله يقول في هذا السؤال: مرض أحد أقربائي، فطلبت مني والدتي أن أحضر لها عزائم من أحد الناس الذين يقرؤون على الناس، فطلب مني ذلك الرجل مبلغ ألف ريال مقابل هذه العزائم التي توضع عند رأس المريض، فما حكم هذه العزائم؟ وما حكم أخذ هذا الرجل هذا المبلغ الباهظ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لهذه العزائم فإنه لا يجوز للإنسان أن يستعمل عزائم لا يدري ما هي حتى يعرف أنها من القرآن أو من السنة الصحيحة أو من الأدعية المباحة، فأما أن يأتي لأي شخص يجده يقرأ على الناس ويكتب لهم العزائم فيطلب منه ذلك فإن هذا لا يجوز. وأما وضعها عند الرأس فلا أصل له، ولم يفعله أحد من السلف، لكن رخص بعض السلف في العزائم إن كانت من القرآن أن يتقلدها الإنسان، أو أن يضعها في ماء ويشرب أثر المداد الذي يتحلل في هذا الماء، وأما وضعها عند الرأس أو تحت الوسادة فلا أصل له. وأما أخذ الأجرة والعوض على هذه العزائم: فالذي ينبغي للإنسان أن لا يفعل، وإن فعل فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أجاز أخذ الأجرة على الرقية في قصة الصحابة الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم، فاستضافوا قوماً فلم يضيفوهم، فسلط الله على حية فلدغ، ثم جاؤوا إلى الصحابة يطلبون منهم قارئاً، قالوا لا نقرأ عليكم إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم من الغنم، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأقره. وأما كون القارىء يأخذ أجراً كثيراً على عمل يسير: فإني أنصحه أن يتقي الله عز وجل في إخوانه، وألا يستغل ضرورتهم في ابتزاز أموالهم فليأخذ ما يرى أنه حق له، وأما ما زاد فليتورع عنه.
***
أحسن الله إليكم هذا سؤال من المستمعة فتاة من الأردن الزرقاء تقول: عمرها خمسة وعشرون عاما،ً فمنذ صغرها وهي تطلب للزواج ولا يحصل نصيب، لا يكون ذلك برفض منها ولكنها لا تدري ما هو السبب، فهي إنسانة طبيعية متوسطة الجمال، فقال الناس لأمها: إن ابنتك لها حجاب عن الزواج، ولكن أمها رفضت هذه الفكرة من الأصل؛ لأنها تخاف الله ولا تصدق بهذه الأشياء. وفي يوم من الأيام ذهبت الفتاة وحدها إلى امرأة يقال لها: شيخة، فقالت لها: إن لك عدة أعمال محجوبة، من ضمنها الزواج والوظيفة والقلق والكراهية وما إلى ذلك، وعملت لها عدة أشياء، منها ما يعلق على الصدر وعلى الكتف اليمين، ومنها ما يشرب ويرش، فبقيت تستعمل هذه الأشياء بالسر عن والدتها، ومضى شهر وشهران وأكثر ولم يطرق بابها أي خاطب. أما ما قالته لها بخصوص العمل فهي موظفة، أما ما تعانيه فهو صحيح: فهي تكره أن ترى الناس، بعد ذلك تغيرت وأصبحت حالتها أحسن، وذات مرة خطر ببالها أن تمزق هذا الحجاب الذي أعطته لها تلك المرأة، وعندما فتحته وجدت بداخله تكراراً لأسماء الرسول والخلفاء وبعض الرسل وبعض الأسماء الغريبة، فحرقتها جميعا
.ً فتسأل: هل صحيح أن الحجاب الذي يعمله المشعوذون يمنع الفتاة عن الزواج؟ وهل ما قامت به من تمزيقه حرام؟ مع العلم أن بعض ما أخبرتها به صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤال يتلخص جوابه في شيئين: الشيء الأول: تعليق هذه الحجب، سواء كان لطالب الزواج، أم للبراءة من المرض الجسمي أو النفسي، هل هو جائز أو ليس بجائز؟ في هذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أنه ليس بجائز على كل حال، وذلك لأنه لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعليق مثل هذا يكون سبباً في إزالة ما يكره أو حصول ما هو محبوب، وإذا لم يثبت شرعاً فإنه لا يجوز إثبات كونه سبباً. ومن العلماء من يقول: إنه لا بأس به- أي: بتعليق الحجاب- لدفع ضرر أو حصول منفعة، لكن بشرط أن يكون من إنسان موثوق به، وأن يعلم ما كُتب فيه، وأن لا يكون هذا المكتوب مخالفاً لما جاء به الشرع، فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فهو جائز، وبعضهم يشترطون شرطاً رابعاً، وهو: أن يكون من القرآن خاصة. وعلى هذا القول الثاني يجوز التعليق بالشروط الأربعة، ولكن الذي أرى أنه لا يجوز مطلقاً؛ لأن تعليل من قال بعدم الجواز قوي، حيث إنه لم يثبت في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا من الأسباب النافعة، وكل شيء يثبت سبباً لشيء ولم يكن معلوماً بالشرع أو معلوماً بالحس فإنه لا يجوز إثباته. أما المسألة الثانية أو الشيء الثاني مما يتضمنه جوابنا هذا على سؤال المرأة: فإن هذا الذي عملته في هذا الحجاب تمزيقه من المعروف، وهو عمل طيب، بل يجب عليها إذا كانت لا تدري ما الذي فيه أن تكشف عنه، فإذا رأت فيه مثلما ذكرت أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وأسماء الخلفاء وبعض الرسل فإنه لا يجوز تعليقه؛ لأن هذا شيء غير مؤكد، وإذا رأت فيه قرآناً فإنه ينبني على الخلاف الذي ذكرناه قبل قليل والذي نرى أيضاً أنه لا يجوز تعليقه. فإذا كان قرآناً فهناك طريقان: إما أن تدفنه في محل نظيف، وإما أن تحرقه وتدقه بعد إحراقه حتى يتلاشى نهائياً. وبهذه المناسبة أود أن أحذر إخواننا من التردد على أولئك الناس الذين يكتبون هذه الأحراز وهذه الحجب، وحالهم لا تعلم لا من جهة الديانة ولا من جهة العلم؛ لأن هذه من الأمور الخطيرة، وكون الإنسان إذا فعلها يتأثر ويجد خفة قد لا يكون ذلك من جراء هذا العمل، قد يكون الله تعالى قد أذن ببرئه أو شفائه وصادف أن يكون عند هذا الشيء لا به، وأيضاً فإنه من المعلوم نفسياً أن الإنسان إذا شعر بشيء منه نفسياً فإنه يتأثر به جسمه، حتى إن الإنسان -كما هو مشاهد- إذا كان غافلاً عما به من مرض فإنه لا يحس به، فإذا التفت بفكره إليه أحس به هذا الرجل، يكون مشتغلاً بتحميل عفشه مثلاً فيجرحه مسمار أو زجاجة، تجده لا يحس بها حين اشتغاله بالعمل، فإذا تفرغ فإنه يحس به؛ لأنه جعل فكره إليه. والمهم أننا ننصح إخواننا عن هذه الطرق التي لا يعلم من سلكها، ولا يعلم ما فيها من مكتوب، والإنسان ينبغي له أن يعلق قلبه بالله عز وجل، ويتبع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستشفاء بالقرآن والدعاء.
***
من السودان المستمع إدريس يقول: يوجد في قريتنا مسجد، ولكن إمام المسجد يستعمل التراب من القبور، ويكتب التمائم والحروز، ويدعي بأنها تعالج المرضى وتفك من السحر والعين. هل تصح الصلاة خلف هذا الإمام المذكور؟ نرجو إفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنه لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن ذلك في خطب الجمع. وأخذ التراب من القبور للاستشفاء به بدعة، وهو ضلال في دين الله وسفهٌ في العقل، فإن هذا التراب لم يحدث له أي شيء يجعله سبباً في شفاء المرضى من أجل دفن الميت في القبر، بل هذه التربة كسائر تراب الأرض، وليس لها مزيةٌ على غيرها، ومن تبرك بها أو استشفى بها فقد ابتدع وضل وسفه في عقله، وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا العمل، وأن يعلم أن الشفاء من الله عز وجل، وأنه لا شفاء بأي سببٍ من الأسباب إلا ما جعله الله سبباً، ولم يجعل الله تعالى أخذ التراب من القبور سبباً في شفاء المرضى. وأما القراءة على المرضى بآياتٍ من القرآن، أو بما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن هذا سببٌ شرعي يحصل به الشفاء بإذن الله، وقد صح أن سريةً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام نزلوا على قومٍ فاستضافوهم، فأبى القوم أن يضيفوهم، فقدر الله تعالى على سيدهم- أي: سيد القوم- أن لدغته حية، فأتوا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: هل عندكم من راقٍ؟ قالوا: نعم. قالوا إنه لدغ سيدهم، فيريدون أن يرقى عليه. فقالوا لا نرقي عليه إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم إياها، فذهب أحد القوم من السرية إلى اللديغ، فجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام هذا الملدوغ كأنما نشط من عقال، وبرأ بإذن الله بقراءة الرجل عليه سورة الفاتحة. وتأثير قراءة القرآن في المرضى أمرٌ لا ينكر، قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً). والشفاء هنا شامل الشفاء من أمراض القلوب وأمراض الأجسام، وهذا الإمام الذي ذكرت أنه يتبرك بتراب القبور ويستشفي بها يجب عليكم أن تنصحوه، وتبينوا له أن ذلك بدعةٌ وضلالٌ في دين الله وسفهٌ في العقول، وأن عليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا العمل الذي كان يقوم به. وأما قراءته على المرضى بآياتٍ من القرآن وبما جاءت به السنة فإن هذا لا بأس به، بل هو أمرٌ مطلوب. وأما الصلاة خلفه: فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أن الإنسان إذا لم يصل بعمله وبدعته إلى الكفر المخرج من الإسلام فإنه يصلى خلفه، وتصح الصلاة خلفه، إلا إذا كان في الصلاة خلفه فتنة، بحيث يفتتن به الناس ويتابعونه على بدعته، فحينئذٍ يحسن أن لا يصلى خلفه؛ لئلا يفتتن به الناس ويظنوا أنه على حق، حيث كان الناس يصلون وراءه، لا سيما إذا كان الذي يصلى وراءه ممن يشار إليهم بالفقه والعلم.
***
يقول الله تعالى في سورة البقرة : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ). ما معنى هذه الآية؟ وهل يدخل فيها من يكتبون الحجب من القرآن مقابل أجر نقدي يتقاضونه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى توعد أولئك الذين يفترون عليه كذباً فيكتبون بأيديهم كلاماً ثم يقولون للناس: هذا من عند الله، من أجل أن ينالوا به حظاً من الدنيا، إما جاهاً أو رئاسة أو مالاً أو غير ذلك، ثم بين الله تعالى أن هذا الوعيد على الفعلين جميعاً: على كتابتهم الباطلة، وعلى كسبهم المحرم الناشيء عن هذه الكتابة الباطلة. أما الذين يكتبون الحجب- وهي: ما يعلق على المريض لشفائه من المرض، أو على الصحيح لوقايته من المرض -فإنه ينظر: هل تعليق هذه الحجب جائز أم لا؟ إذا كانت هذه الحجب لا يعلم ما كتب فيها، أو كتب فيها أشياء محرمة، كأسماء الشياطين والجن وما أشبه ذلك، فإن تعليقها لا يحل بكل حال. وأما إذا كانت هذه الحجب مكتوبة من القرآن والأحاديث النبوية ففي حلها قولان لأهل العلم، والراجح أنه لا يحل تعليقها، وذلك لأن التعبد لله سبحانه وتعالى بما لم يشرعه الله بدعة،ولأن اعتقاد شيء من الأشياء سبباً لم يجعله الله سبباً نوع من الشرك. وعلى هذا فالقول الراجح أنه لا يجوز أن يعلق على المريض شيء، لا من القرآن ولا من غيره، ولا أن يعلق على الصحيح شيء، لا من القرآن ولا من غيره، وكذلك لو كتبت هذه الحجب ووضعت تحت وسادة مريض ونحو ذلك، فإنه لا يجوز.
***
المستمع سعيد عبد اللطيف صالح من اليمن لواء تعز يقول
: نعلم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بأصحابه صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء نزلت في الليل، فلما سلم أقبل على أصحابه وقال لهم: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا:الله ورسوله أعلم. قال: (إنه قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فقد أصبح وهو مؤمن بي وكافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، فهو مؤمن بالكوكب وكافر بي). وفي هذا الزمن يقولون: إن الأمطار تتبخر، أو هي نتيجة تبخر البحار والمحيطات إلى غير ذلك، فمن اطلع على حقيقة ذلك؟ وهل هذا الاعتقاد جائز؟ وما الدليل من الكتاب والسنة على هذا القول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائل: نعلم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، الصواب أن يقال: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن قول: روي عن الرسول معناه تضعيف الحديث، والحديث ثابت، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه صلاة الصبح على إثر مطر نزل، فلما أنهى صلاته أقبل عليهم وقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم)؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب). من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فهو مؤمن بالله؛ لأنه اعترف لله بالفضل، وأن هذا المطر من آثار فضله ورحمته تبارك وتعالى، وهذا هو الواجب على كل مسلم أن يضيف النعم إلى بارئها ومسديها وهو الله تبارك وتعالى، ولا حرج أن يضيفها إلى سببها الثابت شرعاً أو حساً إلا أنه إذا أضافها إلى سببها الثابت حساً أو شرعاً، فإنه لا يضيفها إلى السبب مقروناً مع الله عز وجل بالواو، وإنما يضيفها إلى سببها مقروناً مع الله تعالى بثم، أو إلى سببها وحده. فلو أن شخصاً أنقذ غريقاً من غرق فهنا لا يخلو من حالات:
الأولى: أن يقول: أنقذني الله تعالى على يد فلان، وهذا أفضل الأحوال.
الثانية: أن يقول: أنقذني الله ثم فلان، وهذه جائزة، وهي دون الأولى.
الثالثة: أن يقول: أنقذني فلان، ويعتقد أنه سبب محض، وأن الأمر كله إلى الله عز وجل، وهذه جائزة، ويدل لجوازها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن عمه أبي طالب أنه كان في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه- والعياذ بالله- قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار). الرابعة: أن يقول: أنقذني الله وفلان، وهذا لا يجوز؛ لأنه أشرك سبباً مع الله بحرف يقتضي التسوية وهو الواو، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: ما شاء الله وشيءت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده). فالمطر النازل لاشك أنه بفضل الله ورحمته وبتقديره عز وجل وقضائه، ولكن الله تعالى جعل له أسباباً، كما أشار الله إليه بقوله: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً). قال: ( يُرْسِلُ ) ( فَتُثِيرُ ) أضاف الإثارة إلى السحاب؛ لأنها سبب هذه الإثارة، فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء، فلا بأس بإضافة الشيء إلى سببه مع اعتقاد أنه سبب محض، وأن خالق السبب هو الله عز وجل. وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام عن الله تبارك وتعالى: (أن من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فهوكافر بي مؤمن بالكوكب، فهذا لأنهم أضافوا الشيء إلى سبب غير صحيح؛ لأن النوء ليس سبباً للمطر، فالنوء الذي هو الكوكب ليس هو الذي يجلب المطر، ولا علاقة له به، ولذلك أحياناً تكثر الأمطار في نوء من الأنواء في سنة وتقل في سنة أخرى وتعدم في سنة ثالثة، وربما يكون العكس فالأنواء ليس لها تأثير في نزول المطر ولهذا كانت إضافة المطر إليها نوعاً من الشرك فإن اعتقد أن النوء يحدث المطر بنفسه بدون الله فذلك شرك في الربوبية، شرك أكبر مخرج عن الملة، فهذا وجه قوله تبارك وتعالى فيما رواه عنه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب). وأما ما اشتهر من أن الأمطار تكون بسبب تبخر البحار ونحو ذلك: فهذا إن صح فإنه لا ينافي ما ذكره الله تعالى في القرآن، إذ من الجائز أن يكون هذا البخار تثيره الريح حتى يصعد في جو السماء، ثم يبسطه الله تعالى في السماء كيف يشاء، ثم ينزل به المطر، وهذه مسألة ترجع إلى أهل العلم بهذا الشأن، فإذا ثبت ذلك فإنا نقول: هذا البخار الذي تصاعد من البحار الذي خلقه هو الله، والذي جعله يتصاعد في الجو حتى يمطر هو الله عز وجل، ولا ينافي ذلك ما جاء في القرآن إذا صح علمياً. والله أعلم.
***
وردتنا رسالة حول بعض الآبار يقول: إن بعض الناس يقومون بالذهاب إلى البئر التي تقع على طريق المدينة المنورة، ومثلها العين التي تقع في تهامة، لقصد طلب الشفاء من بعض الأمراض، والشافي هو الله سبحانه وتعالى، وأنه عند العودة من هناك يخبروننا بأنهم قد شُفي البعض منهم من بعض الأمراض التي بهم، مثل أمراض كثيرة والأمراض الصعبة، فما رأيكم في صحة ما يذكرون عند اعتقادهم بأن الاغتسال من ذلك الماء يشفي المرضى والله يحفظكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أنه إذا ثبت أن لهذا الماء تأثيراً حسياً في إزالة الأمراض فإنه لا بأس من قصده والاستشفاء به، وذلك لأن الطب على نوعين:أحدهما: ما ثبت به الشرع، فهذا مقبول بكل حال ولا يسأل عنه، إنَّما يسأل عن هل هذا الذي ثبت بالشرع أنه دواء هل يكون دواء لهذا المرض المعين؟ لأنه ليس كل ما كان دواء لمرض يكون دواء لكل مرض. القسم الثاني من أقسام الطب: شيء لم يثبت به الشرع لكنه ثبت بالتجارب، وهذا كثير جداً من الأدوية المستعملة قديماً وحديثاً، فإذا ثبت بالاستعمال والتجارب أن هذا له تأثير حسي في إزالة المرض فإنه لا بأس باستعماله، وكثير من الأدوية التي يتداوى بها الناس اليوم إنما عُلمت منافعها بالتجارب؛ لأنه لم ينزل فيها شرع. فالمهم أن ما أشار إليه السائل من هذه المياه، إذا ثبت بالتجارب أن لها تأثيراً في بعض الأمراض، فإنه لا بأس بالاستشفاء بها والذهاب إليها.
***
الأخت سعدية كنجاري من الأفلاج تقول: أرى بعض الناس عندنا عندما يريدون الاحتفاظ بطعام إلى وقت آخر يضعون تمرة على غطاء الإناء الذي فيه الطعام، يزعمون أنها تحفظه من كل سوء كالحشرات ونحوها. فهل في فعلهم هذا ما يناقض التوحيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الفعل- وهو: وضع التمر على الطعام لئلا تصيبه الحشرات، هذا- لا أصل له، ولا أعلم له أصلاً من الشرع، ولا أصلاً من الواقع، فإن الحشرات تأتي إلى ما يلائمها، فمنها ما يلائمها التمر وتأتي حوله، بل تأكل منه أيضاً، ومنها ما يلائمها الدسم فتأتي إليه وتطعم منه، ولا أصل لهذا الذي يفعل. وإذا لم يكن له أصل من الشرع ولا من الواقع فإنه لا ينبغي للإنسان أن يفعله؛ لأنه مبني على مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة لها.
***
هذه رسالة وردتنا من المرسل م. ن. العتيبي من نجد: في أيام التشريق ونحن نذهب من منى إلى الجمرات ونعود إليها نجد بعض الأفريقيين يجلسون على الطرقات، ويبيعون أكياساً مثل الحبال، وهي من الجلد الملون، ومختومة من جميع أطرافها، وفيها شيء لا نعلمه، ويقولون: فيها شفاء من أمراض عدة وتقي الإنسان: فاللون الأسود عن الجان مثلاً، واللون الأحمر عن الجلجان، واللون الأصفر عن ذات الصفراء، واللون كذا يشفي من المرض كذا، ويقول: ضع هذا في حقيبتك أو في منزلك فيفيدك. فما حكم شراء مثل هذه الأمور؟ وما حكم بيعها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم شرائها لا يجوز، واعتقاد أن فيها هذا النفع الذي يقال لا يجوز أيضاً؛ لأن هذا لا دليل عليه، وأما بيعها فلا يجوز أيضاً، وينبغي لكم- بل يجب عليكم- إذا رأيتم مثل هذا أن تخبروا السلطات عن هذا الأمر، حتى يمنعوهم من أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن التكسب بمثل هذه الأمور من أكل أموال الناس بالباطل، والواجب منعه وتأديب فاعله.
***
بارك الله فيكم من ينبع المستمع رمز لاسمه بـ ف ج يقول في رسالته: نرى كثيراً ما توضع لافتات ولوحات، سواء كانت من الورق أو القماش أو اللوحات الخشبية، ومكتوب عليها جميعاً آيات قرآنية، وتوضع على أبواب المساجد والعمائر والشوارع العامة، مما يعرض كلام الله سبحانه وتعالى للإهانة لا سمح الله، بسبب سقوط هذه اللوحات على الطرق والمحلات القذرة. نرجو التوجيه من فضيلتكم بشأن هذا الموضوع المهم لحماية كلام الله من التعرض للخطأ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأمر الذي أشار إليه السائل- وهو: تعليق الآيات القرآنية على الجدران وأبواب المساجد وما أشبهها- هو من الأمور المحدثة التي لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح الذين هم خير القرون، كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم). ولو كان هذا من الأمور المحبوبة لله عز وجل لشرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم فهو مشروع على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا من الخير لكان أولئك السلف الصالح أسبق إليه منا ومع هذا فإننا نقول لهؤلاء الذين يعلقون هذه الآيات: ماذا تقصدون من هذا التعليق؟ أتقصدون بذلك احترام كلام الله عز وجل؟ فإن قالوا: نعم. قلنا: لسنا والله أشد احتراماً لكتاب الله سبحانه وتعالى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يعلقوا شيئاً من آيات الله على جدرانهم أو جدران مساجدهم. وإن قالوا: نريد بذلك التذكير والموعظة. قلنا: لننظر إلى الواقع، فهل أحد من الناس الذين يشاهدون هذه الآيات المعلقة يتعظ بما فيها؟ قد يكون ذلك ولكنه نادر جداً، وأكثر ما يلفت النظر في هذه الآيات المكتوبة حسن الخط، أو ما يحيط بها من البراويز والزخارف، أو ما أشبه ذلك وهو نادر جداً أن يرفع الإنسان رأسه إليها ليقرأها فيتعظ بما فيها. وإن قالوا: نريد التبرك بها. فيقال: ليس هذا طريق التبرك، والقرآن كله مبارك، لكنه بتلاوته وتفقد معانيه والعمل به، لا بأن يعلق على الجدران ويكون كالمتاحف. وإن قالوا: أردنا بذلك الحماية والوِرد. قلنا: ليس هذا طريق الحماية والوِرد، فإن الأوراد التي تكون من القرآن إنما تنفع صاحبها إذا قرأها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم فيمن قرأ آية الكرسي في ليلة: (لم يزل عليه من الله حافظ، و لا يقربه شيطان حتى يصبح). ومع هذا فإن بعض المجالس- أو كثيراً من المجالس- التي تكتب فيها الآيات قد يكون فيها اللغو، بل قد يكون فيها الكلام المحرم، أو الأغاني المحرمة، وفي ذلك من امتهان القرآن المعنوي ما هو ظاهر. ثم إن الامتهان الحسي الذي أشار إليه السائل- بأن هذه الأوراق قد تتساقط في الأسواق وعلى القاذورات، وتوطأ بالأقدام- هو أمر آخر أيضاً مما ينبغي أن ينزه عنه، بل مما يجب أن ينزه عنه كلام الله عز وجل. والخلاصة: أن تعليق هذه الآيات إلى الإثم أقرب منه إلى الأجر، وسلوك طريق السلامة أولى بالمؤمن وأجدر. على أنني أيضاً رأيت بعض الناس يكتب هذه الآيات بحروف أشبه ما تكون مزخرفة، حتى إني رأيت من كتب بعض الآيات على صورة طائر أو حيوان، أو رَجُلٍ جالسٍ جلوس التشهد في الصلاة أو ما أشبه ذلك، فيكتبون هذه الآيات على وجه محرم، على وجه التصوير الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله. ثم إن العلماء رحمهم الله اختلفوا هل يجوز أن ترسم الآيات برسم على غير الرسم العثماني أو لا يجوز؟ اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: منهم من قال: يجوز مطلقاً أن ترسم على القاعدة المعروفة في كل زمان ومكان بحسبه، ما دامت بالحروف العربية. ومنهم من يقول: إنه لا يجوز مطلقاً، بل الواجب أن ترسم الآيات القرآنية بالرسم العثماني فقط. ومنهم من يقول: إنه يجوز أن ترسم بالقاعدة المعروفة في كل زمان ومكان بحسبه للصبيان؛ لتمرينهم على أن ينطقوا بالقرآن على الوجه السليم، بخلاف رسمه للعقلاء الكبار فيكون بالرسم العثماني. وأما أن يرسم على وجه الزركشة والنقوش، أو صور الحيوان، فلا شك في تحريمه، فعلى المؤمن أن يكون معظماً لكتاب الله عز وجل محترماً له، وإذا أراد أن يأتي بشيء على صورة زركشة ونقوش فليأتِ بألفاظ ُأخر من الحِكم المشهورة بين الناس وما أشبه ذلك، وأما أن يجعل ذلك في كتاب الله عز وجل، فيتخذ الحروف القرآنية صوراً للنقوش والزخارف، أو ما هو أقبح من ذلك بأن يتخذها صوراً للحيوان أو للإنسان، فإن هذا قبيح محرم. والله المستعان.
***
هل يجوز تعليق بعضٍ من الآيات من القرآن الكريم في المنازل أو المكاتب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق الآيات على الجدر ونحوها في المساجد والمساكن، والجواب على هذه الفقرة أنني لا أرى ذلك، أي: لا أرى أن الإنسان يعلق آيات من القرآن على الجدر، سواء في المساجد أو في البيوت؛ لأن هذا التعليق لا بد أن نسأل: ما الحامل على ذلك؟ إن قال: الحامل على ذلك التبرك بكلام الله عز وجل. قلنا: إن التبرك بالقرآن الكريم على هذا الوجه ليس بصحيح؛ لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يتبركون بالقرآن على هذا الوجه، وإذا لم يرد عنهم ذلك عُلِم أنه ليس من الشرع، وإذا لم يكن من الشرع فإنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد به لله عز وجل، أو أن يتبرك بالقرآن على هذا الوجه بدون مستندٍ شرعي. قد يقول: إنني أريد بذلك تذكير الجالسين بما تتضمنه هذه الآية من ترغيب أو ترهيب. فنقول: هذا التفكير وإن كان مقصوداً للواضع، لكنه في الحقيقة غير واقع وغير عملي، فما أكثر الآيات التي فيها ترغيب وترهيب، إذا وضعت فإن أكثر الحاضرين- إن لم يكن كلهم- لا ينتفع بذلك ولا يتعظ، قد يكون من المعلق قوله تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)، ويكون المجلس الذي فيه هذه الآية كله غيبة و كلام في أعراض الناس، فيكون هذا من باب المضادة لكلام الله عز وجل. قد يقول: إني علقتها حماية لبيتي، فأنا أعلق آية الكرسي لتحفظ البيت من الشياطين؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح). فنقول: هذا أيضاً من البدع، فإن السلف لم يكونوا يحفظون بيوتهم بتعليق الآيات عليها، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من قرأ آية الكرسي في ليلة)، والقراءة غير التعليق كما هو ظاهر، وبناء على هذه العلة التي يتعلل بها من يعلق الآية تجد كثيراً من الناس يعتمد على هذا التعليق ولا يقرؤها بنفسه؛ لأنه يقول: قد كفيت بتعليق هذه الآية، فيفوت الإنسان خير كثير بناء على هذا العمل المبني على هذا الاعتقاد الذي لا أصل له. و نحن نقول: إن بعض الناس قد يعلقها- أي: الآيات- من باب التجميل، ولهذا تجدهم أحياناً يعلقون آيات كتبت على غير الرسم العثماني، بل هي مخالفة له، وربما يكتبونها على الشكل الذي يوحي به معناها، وربما يكتبونها على صورة بيت أو قصر أو أعمدة وما أشبه ذلك، مما يدل على أنهم جعلوا كلام الله عز وجل مجرد نقوش وزخرفة، وهذا رأيته كثيراً. فالذي أرى أنه لا ينبغي للإنسان أن يعلق شيئاً من كلام الله عز وجل على الجدر، فإن كلام الله أعلى وأسمى وأجل من أن يجعل وشياً تحلى به الجدران، ولا يمكن أن يقاس هذا على شخص علق المصحف بوتد أو شبهه في الجدار، فإن هذا قياس مع الفارق العظيم: فالمصحف مغلف في جيبه أو بظرفه، ولم تبدُ حروفه ولا أسطره، ولا أحد يقول: إني علقت المصحف هنا لأتبرك به أو لأتعظ به، وإنما يقول: علقته هنا لرفعه عن الأرض، وحفظه عن الصبيان ونحو ذلك، وفرق بين البارز الظاهر المعلق أو المشمع على الجدار، وبين مصحف معلق مغلف جعل في فرجة أو علق بوتد أو شبهه، ولا ينطلي هذا القياس على أحد تأمل المسألة وتدبرها.
***
هذا السائل جاد الكريم محمد عبد المنان من السودان يقول
: اعتاد بعض المزارعين عندنا حينما تثمر مزارعهم ويكثر ورود الطير عليها مما يتلف المحصول عليهم، اعتادوا أن يذهبوا إلى أحد أهل القرية ليعمل لهم ويكتب ورقة تحمي زراعتهم من الطير، بشرط أن يأخذ منهم ربع جوال من المحصول. فهل هذا العمل جائز شرعاً أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز شرعاً، وذلك لأنه لا يمكن أن تكون هذه الورقة تطرد الطيور عن المزارع، فإن هذا ليس معلوماً بالحس، وليس هو أيضاً معلوماً بالشرع، وكل سبب ليس معلوماً بالحس ولا بالشرع فإن اتخاذه محرم، فلا يجوز أن يعملوا هذا العمل، وإنما عليهم أن يكافحوا هذه الطيور التي تنقص محاصيلهم، يكافحوها بالوسائل المعتادة التي يعرفها الناس، دون هذه الأمور التي لا يعلم لها سبب حسي ولا شرعي.
***
السائل محمود يوسف يقول: ما المقصود بالتطير؟ وما حكمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التطير هو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو زمان أو مكان، وأصله من الطير، وكانت العرب في الجاهلية تتشاءم: يزجرون الطير، فإذا طار واتجه إلى جهةٍ ما،تطيروا، حتى إنه ربما كان إنسان قد ربط متاعه و أناخ راحلته يريد السفر، فيتطير، فإذا جنح الطير إلى جهةٍ ما ترك السفر وقال: هذا سفر شر. هذا هو الأصل في معنى التطير، ولهذا يجب على الإنسان إذا حدث في قلبه التشاؤم أن يتوكل على الله وأن يعتمد عليه، وأن لا يبالي بهذه الأوهام التي يجرها الشيطان إلى العبد ليكدر عليه صفوه، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر). وقال: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو سحر أو سحر له) .
***
كيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم : (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر). وبين قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوفيق بينهما أن قوله صلى الله عليه وسلم : (لا عدوى ،ولا طيرة) نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية بأن الأمراض تعدي بنفسها، بحيث ينتقل المرض من المريض إلى السليم بنفسه حتماً، فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وبين أن العدوى لا تكون إلاباذن الله سبحانه وتعالى، أي: إن هذا النفي يتضمن أن العدوى لا تكون إلا من الله عز وجل، ولهذا أورد على النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث بهذا الحديث أن الرجل يأتي إبله السليمة بعير أجرب فتجرب الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم رداً على هذا الإيراد: (فمن أعدى الأول)؟ أي: من جعل في الأول المرض؟ هل هناك مريض أعداه؟ والجواب: لا، ولكن الذي جعل فيه المرض هو الله، فالذي جعل المرض ابتداءً في المريض الأول هو الذي يجعل المرض ثانية في المريض الثاني بواسطة العدوى. وعلى هذا فيكون معنى الحديث (لا عدوى) أي: بنفسها، ولكن ذلك بتقدير الله عز وجل الذي جعل لكل شيء سبباً، ومن أسباب المرض اختلاط المريض بالسليم، ولهذا قال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)؛ لأن اختلاطك به قد يكون سبباً للعدوى، فينتقل المرض من المجذوم إليك إذا اختلطت به، ولهذا قال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد). فيكون الحديث الثاني فيه الأمر بتجنب أسباب المرض وهي مخالطة المريض، ولهذا جاء في الحديث: (لا يورد ممرض على مصح) .
***
هذا السائل يا فضيلة الشيخ يقول: بعض الشباب يسكنون معي، ودائماً يمزحون ببعض الكلمات العفوية بالنسبة لهم، فيقول أحدهم للآخر مثلاً: إن المصالح اليوم كلها تعطلت في المكان الفلاني لأنك كنت متواجداً فيه، وهذا لشؤم وجهك. ويضحكون لمثل هذا الأمر، حتى صار هذا ديدنهم في كل كلامهم، بل ويقولون: إن فلاناً مات لأنك ذهبت تزوره، فمات من شؤم وجهك، وهذه هي الكلمات التي يقولونها، فأرجو من فضيلة الشيخ الإجابة عن حكم هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام محرم؛ لأنه كذب ورجم بالغيب، ثم إنه قد يوجد عقيدة فاسدة بالتشاؤم من هذا الرجل، ثم إنه قد يوجد عداوة مستقبلاً؛ لأن كثرة المزاح في مثل هذه الأمور تؤثر على القلب وعلى النفس حتى يكون فيه عداوة وبغضاء، فنصيحتي لهؤلاء أن يتجنبوا مثل هذه الكلمات المبنية على الكذب، والتي تسبب ما لا ينبغي أن يكون.
***
هذه رسالة من الأخت. ع. م. ق. من السودان تقول: نحن نسكن في منزل منذ أربع سنوات، ومنذ نزلنا هذا المنزل ونحن نمر بحالات سيئة جدّاً: من مرض لأفراد الأسرة، ولما نملكه من بهائم، فلم تعد تتكاثر، فلا نسل منها ولا لبن فيها ولا فائدة، مما جعلنا نتشاءم من هذا المنزل، فهل يجوز لنا ذلك؟ وهل لو خرجنا منه وانتقلنا إلى منزل آخر لهذا السبب، هل نأثم بذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ربما يكون بعض المنازل، أو بعض المركبات، أو بعض الزوجات مشؤوماً، يجعل الله سبحانه وتعالى- بحكمته- مع مصاحبته إما ضرراً، أو فوات منفعة، أو نحو ذلك. وعلى هذا فلا بأس أن تبيعوا هذا البيت وتنتقلوا إلى بيت غيره، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لكم الخير فيما تنتقلون إليه. وقد ورد عن النبي صلى الله وسلم أنه قال: (الشؤم في ثلاث، وذكر منها الدار) .
فضيلة الشيخ: ما هي الثلاث التي فيها الشؤم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هي الدار والمرأة والفرس، يعني: بعض المركبات قد يكون فيه شؤم،بعض الزوجات يكون فيه شؤم، بعض البيوت يكون فيه شؤم، فإذا رأيت ذلك فاعلم أنه بتقدير الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى بحكمته قدر ذلك لتنتقل إلى محل آخر.
***
بعض الناس إذا اشترى سيارة ثم حصل لها عدة صدمات قال: هذه السيارة منحوسة، فيقوم ببيعها فهل هذا من التشاؤم في محله؟ أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صحيح أن بعض الناس يجد في بعض ماله من بركة فينتفع به كثيراً ويوقى الآفات، سواء كان في السيارة أو في البيت أو في غير ذلك، وربما يجد منه خلاف هذا، ربما يكون هذا الشيء كثير الآفات مقلقاً له لا ينشرح صدره له، فإذا وجد ذلك في بعض ماله فلا حرج عليه أن يبيعه ليتخلص من آفاته، وكم من إنسان حصل له مثل هذا، أي: اشترى سيارة فصارت كثيرة الآفات من صدمات أو غيرها، فيبيعها ثم يشتري أخرى، فيجد منها الراحة والبركة وقلة الآفات، ولا يعد هذا من باب التشاؤم، بل هو من باب التخلص من آفات هذا الشيء وخسارته التي يخسرها عليه، ولا يعد هذا من باب التطير.
***
هذه الرسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين من بلاد بني عمرو من قرية بران ع خ م يقول في رسالته: يوجد أناس في بلد غير بلدنا وقريتنا يتشاءمون برجل منهم، إذا قَبّلهم يقولون: يصيبهم مصيبة. فما حكم هؤلاء وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء لا يجوز لهم هذا التشاؤم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطيرة وقال: (ليس منا من تطير أو تُطِير له، أو سَحَر أو سُحِر له). فلا يجوز لأحد أن يتشاءم بشخص، وهذا على عكس التفاؤل، فإن التفاؤل مطلوب، كون الإنسان يتفاءل يكون مطلوباً في حقه، وأما التشاؤم الذي يُدخِل على الإنسان الحزن والهم والغم فإن ذلك ليس من أعمال المسلمين، فلا يجوز للمرء أن يتطير بأحد.
***
الماسة الزرقاء
2009-09-12, 11:27
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
واصلي بارك الله فيك
جزائرــــية
2009-09-12, 16:26
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
واصلي بارك الله فيك
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وفيك بارك الله أختي
جزاك الله خيرا على التشجيع
جزائرــــية
2009-09-14, 18:45
7/الأسماء والصفات
أحسن الله إليكم يسأل عن مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات لله عز وجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أهل السنة والجماعة- جعلنا الله منهم- أشد الناس تعظيماً لله عز وجل، وأشد الناس احتراماً لنصوص الكتاب والسنة، فلا يتجاوزون ما جاء به القرآن والحديث من صفات الله عز وجل، فيثبتون لله تعالى ما أثبته الله لنفسه وإن حارت العقول فيه، وينفون ما نفى الله عن نفسه وإن توهمت العقول ثبوته. مثال ذلك: أن الله عز وجل فوق كل شيء أزلاً وأبداً، وهو سبحانه وتعالى له العلو المطلق في كل وقت وحين، فوق سماواته، فوق مخلوقاته، مستوٍ على عرشه، ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر)، فيأتي الشيطان للإنسان ويقول: كيف ينزل وعلوه لازم له؟ كيف ينزل؟ فنقول: هذا يحار فيه العقل، لكن يجب علينا أن نصدق ونقول: الله أعلم بكيفية هذا، نؤمن بأنه ينزل ولكن لا نعلم بالكيفية، عقولنا تحار ولكن يجب أن نقبل؛ لأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته. ولهذا قال بعضهم: إن القرآن والسنة أتى بما تحار فيه العقول، لا بما تحيله العقول، فالواجب علينا في أسماء الله وصفاته تصديقها والإيمان بها، وأنها حق وإن حارت عقولنا في كيفيتها، فالجادة لأهل السنة والجماعة أن كل ما سمى الله به نفسه أو وصف به نفسه، سواء في القرآن أو في السنة، فإنه يجب الإيمان به وتصديقه. قوله تعالى :(وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً). يأتي الإنسانَ الشيطانُ فيقول: كيف يجيء؟ فنقول: يجيء على الكيفية التي أراد الله، الكيف مجهول، يجب عليك أن تؤمن بهذا حتى لو حار عقلك به، مأمور بأن تصدق على كل حال. ولذلك ضل قوم حكموا عقولهم في أسماء الله وصفاته، فأنكروا ما أثبته الله لنفسه، وحرفوا به نصوص الكتاب والسنة، فقالوا: إن معنى قوله تعالى: (استوى على العرش) أي: استولى على العرش. فسبحان الله! كيف يقول عز وجل: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ). أفيمكن أن نقول: إنه قبل ذلك ليس مستولياً عليه؟ هذا أمر ينكره العامي فضلاً عن طالب العلم، لكن إذا حكم الإنسان عقله في الأمور التي تتوقف على الخبر المحض ضل وزل. ولهذا ننصح إخواننا الذين يقولون: استوى بمعنى استولى، أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يؤمنوا بأنه استوى على العرش، أي: علا عليه علوّاً خاصًّا يليق بجلاله وعظمته، وليعلموا أن الله سائلهم يوم القيامة عما اعتقدوا في ربهم عز وجل، وهل اعتقدوا ذلك بناء على كتاب الله وسنة رسوله، أو بناء على ما تقتضيه أهواؤهم وعقولهم؟ إن نصيحتي لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله، وأسأل الله أن يتوب عليهم ويوفقهم للحق، فليؤمنوا بما جاء في كتاب الله على مراد الله عز وجل، وكذلك أيضاً من قالوا: إن الله ليس عالياً بذاته فوق المخلوقات، وقالوا: لا يجوز أن نقول: إن الله فوق، فنقول: توبوا إلى ربكم، أنتم الآن تدعون الله وتجدون قلوبكم مرتفعة إلى فوق، وتمدون أيديكم أيضاً إلى فوق، دعوكم وفطرتكم فقط، واتركوا عنكم الأوهام والأشياء التي تضلكم، وإذا أنكرتم علو الله وقلتم: إنه بذاته في كل مكان، فكيف يليق هذا؟ أيليق أن يكون الله تعالى في حجرة ضيقة؟ ألا فليتق الله هؤلاء، وليتوبوا إلى الله من هذه العقيدة الفاسدة الباطلة، أخشى أن يموتوا فيلقوا ربهم على هذه العقيدة فيخسروا.
***
بارك الله فيكم من موريتانيا المستمع سعدي. أ. ن يقول: فضيلة الشيخ أريد أن أعرف الفرق بين أسماء الله وصفاته مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بين الاسم والصفة ظاهر، فإذا قلت مثلاً السميع، فالسميع اسم والصفة السمع، وإذا قلت: البصير فالبصير اسم والصفة البصر، وإذا قلت: العلي فالعلي اسم والعلو صفة، وإذا قلت: الحكيم فالحكيم اسم والحكمة صفة، وهلم جّراً. فهذا هو الفرق: فالاسم ما تسمى الله به، والصفة ما اتصف الله به، وهي المعنى القائم بالله عز وجل. وهناك صفات ليست صفات معانٍ مثل اليد، فلله تعالى يدان اثنتان، قال الله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ). والعين، فلله تعالى عينان، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الدجال أعور، وإن ربكم ليس بأعور). وما أشبه ذلك مما جاء في الكتاب والسنة، فهذه الصفات وأمثالها ليست صفات معانٍ ولكنها صفات مسماها بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء.
***
بارك الله فيكم من المغرب رسالة وصلت من المستمع أحمد يقول: ما هو منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ نرجو من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال عظيم، ومنهج أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات منهج وسط بين أهل التعطيل وأهل التثميل: فأهل التمثيل قوم أكدوا لله الصفات، لكن بالغوا في إثباتها وغلوا في ذلك، وجعلوها من جنس صفات المخلوقين، فانحرفوا بذلك عن الصراط المستقيم؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). ويقول جل ذكره: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً). ويقول سبحانه وتعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ). ويقول عز وجل: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). والقسم الثاني معطلة: عطلوا الله سبحانه وتعالى من صفاته التي أثبتها لنفسه، ونفوها عنه، وحرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب والسنة،وعطلوها من المراد بها بحجج هي شُبَه في الحقيقة وليست بحجج، حكموا في ذلك عقولهم، وجعلوا يثبتون لله ما اقتضت عقولهم إثباته، وينكرون ما لم تقضِ عقولهم إثباته، فظلموا في ذلك وصاروا هم الحاكمين على الله، وليس كتاب الله هو الحاكم بينهم، فأنكروا ما وصف الله به نفسه وقالوا: ليس لله وجه، ليس لله عين، وليس لله يد. وقالوا أيضاً. ليس لله فرح، وليس لله غضب، وليس لله عجب. وقالوا أيضاً: ليس لله فعل: لا استواء على العرش، ولا نزول إلى السماء الدنيا. بل بالغوا حتى قالوا: إن الله ليس عالياً فوق خلقه، و إنما علوه علوُّ صفة وعلو معنوي، وليس علوًّا ذاتيّاً. وبالغ بعضهم فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى لا يقال: إنه فوق العالم، ولا تحت العالم، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل، وأتوا بأقوال يعجب منها المرء ويقول: كيف يكون هذا مقتضى العقول؟ أما أهل السنة والجماعة فإنهم يثبتون لله تعالى ما أثبته من الأسماء والصفات إثباتاً حقيقياً، مع نفي المماثلة- أي: مماثلة المخلوقين- فيقولون: نثبت لله كل ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، أي: فيثبتون لله الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر، ويثبتون لله الأفعال المتعلقة بمشيئته: كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والإتيان للفصل بين العباد،؟ ويثبتون لله الفرح والضحك والعجب، ويثبتون لله الحكمة والرحمة، وغير ذلك مما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن من غير تحريف ولا تعطيل. ويقولون لهؤلاء الذين أنكروا ما أثبته لله لنفسه، وحكموا على الله بعقولهم، يقولون: إننا إذا سلمنا جدلاً أن ما نفيتموه لا يدل عليه العقل، فإنه قد دل عليه السمع، والسمع دليل شرعي نتفق وإياكم عليه، على أن الكتاب والسنة هما الدليلان بإثبات ما أثبته لنفسه، ونفي ما نفاه عن نفسه، وكونكم تقولون: إن إثبات شيء ما من هذه الصفات يقتضي التمثيل والتشبيه، نقول لكم: وأنتم حين أكدتموه يقتضي على قاعدتكم أنكم مشبهة ممثلة. فأي فرق بين من يقول: إن لله سمعاً وبصراً، ومن يقول: إن لله رحمة وإن لله وجهاً، وإن الله استوى على العرش؟ إن كان ما أكدتموه لا يدخل في التمثيل فما أكدناه نحن لا يدخل في التمثيل، وإن كان ما أثبتناه يقتضي التمثيل فما أثبتموه يقتضي التمثيل، والتفريق بين هذا وهذا تحكُّم وتناقض، والواجب على المرء أن لا يتقدم بين يدي الله ورسوله لنفي ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله، أو إثبات مالم يثبته الله لنفسه ولا أثبته له رسوله، الواجب في هذا الأمر- يعني: في باب الأسماء والصفات- أن يتلقى من الكتاب والسنة؛ لأنه من الأمور التي لا مجال للعقل فيها، والعقل لا يدرك ما يجب لله من الأسماء والصفات أو يجوز أو يمتنع، وإن كان العقل قد يدرك من حيث الإجمال أن الله موصوف بصفات الكمال ولا بد، ولكن تفاصيل ذلك لا تعلم إلا عن طريق السمع. وخلاصة القول: أن مذهب أهل السنة والجماعة هو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، ونفي ما نفى الله عن نفسه من الصفات، والسكوت عما لم يرد به نفيٌ ولا إثبات؛ لأن هذا هو مقتضى السمع ومقتضى العقل، فنسأل الله تعالى أن يتوفانا على عقيدة أهل السنة والجماعة.
جزاكم الله خيراً أبو إبراهيم من دمياط من جمهورية مصر العربية يقول في هذا السؤال: سئل أحد السلف رضي الله عنهم عن الأسماء والصفات فقال: أمرُّوها كما جاءت. ما معنى ذلك؟ وهل هذا القول منسوب إلى أحد السلف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول منسوب إلى عموم السلف، يقولون في آيات الصفات وأحاديثها: أمروها كما جاءت بلا كيف، فقولهم: أمروها كما جاءت يعني: لا تتعرضوا لها بتحريف، أي بتأويل يخرجها عن ظاهرها، ويتضمن هذا القول أيضاً إثبات معانيها، وأنه ليس المراد مجرد إثبات اللفظ؛ لأن نصوص الصفات في كتاب الله وسنة رسوله ألفاظ جاءت لإثبات معناها، لا أن نمرها على ألسنتنا دون أن نفهم المعنى، فكأنهم يقولون: أمروها على معناها المراد بها لا تغيروها. وقولهم: بلا كيف، أي: لا تكيفوها، وليس المعنى بلا اعتقاد كيفية لها؛ لأن لها كيفية ضرورة إثباتها، إذ لا يمكن إثبات شيء لا كيفية له، فيكون المعنى: بلا كيف، أي: بلا تكييف لها، لا تكيفوها، لا تقولوا: كيفية وجه الله كذا وكذا، ولا كيفية يديه كذا وكذا، ولا كيفية عينيه كذا وكذا، لأن الله تعالى أجل وأعظم من أن يدرك العباد كيفية صفاته. وفي هذا القول المشهور عن السلف رد على طائفتين منحرفتين: إحداهما: طائفة التعطيل، التي سلبت عن الله تعالى جميع معاني صفاته، وجعلتها ألفاظاً لا معنى لها، أو جعلت لها معاني مخالفة لظاهر اللفظ؛ لأن الذين لم يمروها على ما جاءت انقسموا إلى قسمين: قسم قالوا: لا معنى لها إطلاقاً، وليس علينا إلا إمرار لفظها دون التعرض لمعناها. وقسم آخر قالوا: نتعرض للمعنى، لكن حملوا المعنى على خلاف ظاهرها، وأثبتوا لها معاني من عند أنفسهم لا دليل عليها من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من أقوال الخلفاء والصحابة. فالأول طائفة المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم من معطلي الصفات، والثانية طريقة الأشاعرة ومن سلك سبيلهم ممن حرفوا نصوص الصفات إلى معانٍ ابتكروها من عقولهم، ولم ينزل الله بها سلطاناً، ولم يثبتوا إلا ما زعموا أن العقل يدل عليه، كالصفات السبع التي أثبتتها طائفة الأشعرية، وأنكروا من الصفات ما العقل أدل عليه من دلالة العقل على هذه الصفات التي أثبتوها. على كل حال الجملة الأولى فيها رد على طائفتين: الأولى من عطلت المعاني مطلقاً، والثانية من أثبتت معاني لا دليل عليها، وربما تكون الطائفة الثانية أشد مخالفة من الطائفة الأولى؛ لأن الطائفة الأولى أمسكت وقالت: لا نثبت معنى، فنفت المعنى، وهذا نفي بلا علم بلا شك. والثانية نفت المعنى المراد وأثبتت معنى آخر لا يدل عليه اللفظ، فصار في ذلك جنايتان: الجناية الأولى: نفي المعنى الذي هو ظاهر اللفظ، والثانية: إثبات معنى لا يدل عليه اللفظ، نسأل الله الهداية للجميع. أما قولهم: بلا كيف، فهو رد على طائفة منحرفة على ضد الطائفتين المعطلتين، وهي طائفة الممثلة الذين قالوا: نثبت لله الصفات، ولكنها على مثل ما كان من صفات المخلوقين: فوجه الله تعالى- على زعمهم، تعالى الله عن قولهم- يكون على مثل أجمل وجه بشري، وهكذا بقية صفاته عز وجل. وهؤلاء أيضاً خالفوا قول الله تعالى خبراً: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ). وعصوا أمر الله تعالى نهياً في قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). وخلاصة الجواب أن معنى قول السلف: أمروها كما جاءت: أثبتوا هذه الألفاظ مع معانيها التي دلت عليها، وهو ما يفهم من ظاهرها، على الوجه اللائق بالله عز وجل. وقولهم: بلا كيف، رد على الممثلة، أي: لا تكيفوها، وليس المعنى لا تعتقدوا لها كيفية؛ لأن لها كيفية، مجرد القول بإثباتها يستلزم أن يكون لها كيفية، لكنها غير معلومة، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله في استواء الله على عرشه: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة).
جزائرــــية
2009-09-15, 17:36
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع أبو محمد يقول: هل من أسماء الله (الحق) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من أسماء الله تعالى الحق، قال الله تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)، (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ). ولكن نسمع كثيراً من الناس إذا أراد أن يستشهد بآية قال: قال الحق كذا وكذا، والأولى أن يعبر بما كان السلف يعبرون به فيقول: قال الله كذا، حتى كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حدث عن الله عز وجل بحديث قال: قال الله تعالى. فالذي ينبغي لنا أن نتبع ما كان عليه سلفنا في مثل هذه الأمور، وإذا أردنا أن نستشهد بآية قلنا: قال الله تعالى كذا وكذا.
***
يقول السائل: هل الحنَّان, المنان ,المحسن, من أسماء الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحنان لم يثبت أنها من أسماء الله، وأما المنان فثابت أنها من أسماء الله، والمحسن أيضاً من أسماء الله تبارك وتعالى. ولهذا ما زال الناس يسمون عبد المحسن، عبد المنان، والعلماء يعلمون بذلك ولا ينكرونها.
***
أحسن الله إليكم هل الحفي من أسماء الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هو في القرآن الكريم: (إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً). ولا أعلمها وردت مطلقة في أسماء الله عز وجل، بل هي مقيدة، وبدلاً من أن يدعو الإنسان بقوله: يا حفي احتفِ بي، يقول: يا رحيم ارحمني، وإذا كان عن ذنب يقول: يا غفور اغفر لي، وما أشبه ذلك.
***
تقول السائلة: إن أسماء الله وصفاته على وزن فعيل من صيغ المبالغة، فهل هذا صحيح؟ وهل يصح القول بأن أسماء الله وصفاته من صيغ المبالغة؟ نرجو النصح والتوجيه في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أسماء الله تعالى وصفاته التي جاءت في القرآن وغير القرآن منها ما هو صفةٌ مشبهة- ويعني العلماء بالصفة المشبهة: الصفة اللازمة للموصوف التي لا ينفك عنها- وذلك مثل: العزيز، الحكيم، السميع، البصير، وما أشبهها، هذه صفةٌ مشبهة، بمعنى: أنها صفةٌ لازمة لا تنفك عن الله عز وجل. ومن أسماء الله ما يكون صيغة مبالغة، ومعنى صيغة مبالغة أنها دالةٌ على الكثرة، وليس المعنى أنه مبالغٌ فيها دون إرادة الحقيقة، مثل: الرزاق، فإن الرزاق من أسماء الله سبحانه وتعالى، وجاء بهذه الصيغة للدلالة على كثرة من يرزقه الله عز وجل، فإنه ما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها، ولكثرة رزقه الذي يعطيه سبحانه وتعالى لمن يشاء، كما قال الله سبحانه وتعالى: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ). ولعل الطالبة فهمت من قول المدرسة: صيغة مبالغة، أنها صيغةٌ مبالغٌ فيها ولا تعني الحقيقة، وليس هذا هو المراد، بل مراد العلماء من قولهم: صيغة مبالغة، أنها دالة على الكثرة، وبهذا التفصيل وبهذا الشرح لمعنى المبالغة يزول الإشكال. فإذا قلنا مثلاً: إن الرزاق من أسماء الله وهو صيغة مبالغة، فليس معناه أن الله سبحانه وتعالى لا يرزق، بل معناه أنه كثير الرزق.
***
بو منار يقول: فضيلة الشيخ ما المقصود من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إنما بعثت رحمة للعالمين)؟ وهل يجوز استناداً لهذا القول أن نقول بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رحيم أو كريم أو عليم أو حكيم، أو إلى ما هنالك من صفات الله عز جل؟ أفيدونا بما علمكم الله وجزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه رؤوف رحيم فهذا قد جاء في القرآن الكريم، لكنه مقيد بالمؤمنين، فقال الله عز وجل: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ). وأما كونه رحمة فقد قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ). لكن ليس معنى الآية أنه هو الرحمة، بل معناه أن الله رحم به الخلق، يعني: ما أرسلناك إلا لنرحم الخلق بك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الدال على الله عز وجل، المبين شريعته، الداعي إليها، فكان بعثه وإرساله رحمة للعالمين في الدنيا والآخرة. وأما قول السائل: وغير ذلك من أوصاف الله وأسماء الله، فلا نقول به؛ لأن من أسماء الله وأوصافه ما يختص به عز وجل: فالله هو الجبار، والمتكبر، والقدوس وما أشبه ذلك مما لا يصح أن يوصف به أحد سوى الله عز وجل.
***
رسالة بعث بها المستمع محمد صالح عبد الله من حائل يقول: ما حكم التسمية بأسماء هي من أسماء الله أو صفاته، كمثل: رؤوف، وعزيز، وجبار، ونحو ذلك؟ هل تجوز مثل هذه التسمية، أم يجب تغييرها فيمن تسمى بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التسمي بأسماء الله عز وجل يكون على وجهين: الوجه الأول: أن يحلى بأل، أو يقصد بالاسم ما دل عليه من صفة، ففي هذه الحال لا يسمى به غير الله، كما لو سميت أحداً بالعزيز والسيد والحكيم وما أشبه ذلك، فإن هذا لا يسمى به غير الله؛ لأن أل هذه تدل على لمح الأصل، وهو المعنى الذي تضمنه هذا الاسم، وكذلك إذا قصد بالاسم وإن لم يكن محلًّى بأل، إذا قصد بالاسم معنى الصفة فإنه لا يسمى به، ولهذا غير النبي صلى الله وسلم كنية أبي الحكم التي تكنى بها؛ لأن أصحابه يتحاكمون إليه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله هو الحكم وإليه الحكم، ثم كناه بأكبر أبنائه شريح، كناه بأبي شريح، فدل ذلك على أنه إذا تسمى أحد باسم من أسماء الله ملاحظاً بذلك معنى الصفة التي تضمنها هذا الاسم فإنه يمنع؛ لأن هذه التسمية تكون مطابقة تماماً لأسماء الله سبحانه وتعالى. أما الوجه الثاني: فهو أن يتسمى باسم غير محلًّى بأل، ولا مقصود به معنى الصفة، فهذا لا بأس به، مثل حكم وحكيم، ومن أسماء بعض الصحابة حكيم بن حزام الذي قال له النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تبع ما ليس عندك). وهذا دليل على أنه إذا لم يقصد بالاسم معنى الصفة فإنه لا بأس به، لكن في مثل جبار لا ينبغي أن يتسمى به وإن كان لم يلاحظ الصفة، وذلك لأنه قد يؤثر في نفس المسمى فيكون معه جبروت وعلو واستكبار على الخلق، فمثل هذه الأسماء التي قد تؤثر على صاحبها ينبغي للإنسان أن يتجنبها. والله أعلم.
***
بارك الله فيكم من الجزائر أبو بسام يقول: فضيلة الشيخ ما قول أهل السنة والجماعة في رؤية المسلم لربه عز وجل يوم القيامة ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قول أهل السنة والجماعة في رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ما قاله الله عن نفسه، وقاله عنه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فالله تعالى قال في كتابه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ) يعني: يوم القيامة (نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ناضرة الأولى بمعنى حسنة، الثانية من النظر بالعين؛ لأنه أضاف النظر إلى الوجوه، فالوجوه محل العينين التين يكون بهما النظر، وهذا يدل على أن المراد نظر العين، ولو كان المراد نظر القلب وقوة اليقين لقال: قلوب يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، ولكنه قال: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ). ومن ذلك قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ). فالزيادة فسرها أعلم الخلق بمراد الله، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنها النظر إلى وجه الله عز وجل. ومن ذلك قوله تعالى في الفجار: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ). فحجب هؤلاء الفجار عن الله يومئذ- يعني: يوم القيامة- يدل على أن غيرهم ينظرون إلى الله عز وجل، ولو كان غيرهم لا ينظر إلى الله لم يكن بينهم وبين الفجار فرق. ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ). فإن هذه الآية تدل على أن الله تعالى يرى بالأبصار، ودليل ذلك أنه نفى الإدراك، وهذا يدل على وجود أصل الرؤية، ولو كان أصل الرؤية غير ثابت ما صح أن ينفى الإدراك. ولا يصح أن يستدل بهذه الآية على امتناع رؤية الله عز وجل؛ لأن الآية إنما نفت ما هو أخص من الرؤية، وهو الإدراك، ونفي الأخص يستلزم وجوب الأعم، وهو الرؤية، والله عز وجل يرى يوم القيامة ولكن الأبصار لا تدركه، هذا بالنسبة لما جاء في القرآن. أما السنة:فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتاً متواتراً لا شك فيه إثبات رؤية الله عز وجل يوم القيامة، أي: إنه يرى سبحانه وتعالى. فمن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا). والأحاديث في هذا متواترة، كما قال بعض العلماء في نظم شيء من المتواتر:
مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب
ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض
هذا هو قول أهل السنة والجماعة: أن الله سبحانه وتعالى يرى يوم القيامة بالبصر رؤية حقيقية، لكنه مع هذه الرؤية لا يمكن إدراكه عز وجل؛ لأنه أعظم من أن تدركه الحواس أو الأفهام أو الخواطر. ولكن يبقى النظر: متى تكون هذه الرؤية؟ نقول: هذه الرؤية تكون في عرصات القيامة- أي: قبل دخول الجنة- وتكون كذلك بعد دخول الجنة. يبقى نظرٌ آخر: هل يراه كل الناس في عرصات القيامة أم ماذا؟نقول: أما الكفار الخلص فإنهم لا يرون الله عز وجل؛ لقول الله تعالى: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ). وأما المنافقون فإنهم يرون الله في عرصات القيامة، ثم لا يرونه بعد ذلك، وهذا أعظم وأشد حسرة عليهم. وأما المؤمنون فإنهم يرون الله تعالى في عرصات القيامة، كما يرونه بعد دخول الجنة. أسأل الله تعالى أن يجعلني وإخواني السامعين ممن ينظر إلى الله عز وجل، إنه على كل شيء قدير.
***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل يقول: اختلاف السلف في العقيدة في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه أم لا؟ نريد توجيهاً سديداً في هذه المسألة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح في هذه المسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه؛ لأنه نفسه صلوات الله وسلامه عليه سئل: هل رأيت ربك؟ فقال: (نور أنَّى أراه)؟ وفي رواية: (رأيت نوراً) والله عز وجل قد احتجب عن عباده بحجب النور لا يمكن اختراقها، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه نفى أن يكون رأى الله، فلا يمكن بعد ذلك أن يدعي مدع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه. وما ذكر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن ابن عباس لم يصرح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه يقظة، وإن قوله- أي: ابن عباس- يعني: أنه رآه بفؤاده، وهو كناية عن العلم اليقيني الذي يكون في القلب حتى كأنه رآه بالعين. وما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو الحق، ولن يتمكن أحد في الدنيا أن يرى ربه يقظة أبداً. ولهذا لما قال موسى عليه الصلاة و السلام: (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) شوقاً إلى الله عز وجل، قال الله له: (لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي). فعلق الرب عزوجل على أمر مستحيل؛ لأنه يستحيل على الجبل أن يصمد على رؤية الله عز وجل، وهو جبل أصم، حجر غليظ قاسٍ قال الله تعالى: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً). اندك الجبل أمام موسى يشاهده بعينه، فصعق عليه الصلاة والسلام من هول ما رأى .(فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) فشكر الله له وقال: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ). فالمهم أنه لا يمكن لأحد أن يرى الله تبارك وتعالى يقظة في الدنيا، ولن يستطيع أحد أن يَثْبُتَ لذلك. أما في الآخرة: فقد دل القرآن والسنة المتواترة و إجماع الصحابة رضي الله عنهم أن الله تعالى يرى في الآخرة رؤية حقيقة بالعين ، قال الله تبارك وتعالى:(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلى ربها ناظرة). وهذا صريح بأن الإنسان يرى ربه بعينه، إذ إن ما تحصل به الرؤية هو العين، وهي موجودة في الوجه، لكن أضاف الله تعالى النظر إلى الوجه: لأن هذه النظرة إلى الرب عز وجل يحصل بها سرور في القلب ونورفي الوجه، حتى كأن الوجه كله ينظر إلى الله عز وجل؛ لتأثره بهذه النظرة التي أسأل الله تعالى أن لا يحرمني وإخواني منها. ومن الأدلة على ذلك- على أن الله تعالى يرى في الآخرة- قول الله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ). فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله، كما فسرها بذلك أعلم الخلق بالله وآياته محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. واستدل العلماء بقوله تعالى في أهل الجنة: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ). وقالوا: إن هذا المزيد هو الزيادة التي ذكرت في الآية التي سقناها الآن، وهو النظر إلى وجه الله عز وجل, واستدلوا أيضاً بقول الله تبارك وتعالى في الأبرار: (عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ) قالوا: إنهم ينظرون الله عز وجل، وينظرون ما أعد الله لهم من النعيم؛ لقوله في الفجار: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ). فلما حجب الفجار في حال الغضب جعل النظر للأبرار في حال الرضا، فهذه أربع آيات من كتاب الله. أما السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- الذي هو أعلم الخلق بالله، وأشدهم تنزيهاً لله- فقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بثبوت رؤية الله تعالى في الجنة، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ذلك بوجه صريح أصرح من الشمس في رابعة النهار، حيث قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته). وقال: (إنكم سترون ربكم عياناً، كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب). وأما أقوال الصحابة: فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على ثبوت رؤية الله تعالى في الآخرة، فما منهم أحد قال ولا بحرف واحد: إن الله تعالى لا يرى في الآخرة، وهذه أقوالهم مأثورة في كتب السنة، ما منهم أحد نفى أن يرى الله تعالى في الآخرة، بل كلهم مجمعون على هذا، حتى إن بعض أهل العلم قال: من أنكر رؤية الله تعالى في الآخرة فهو كافر؛ لوضوح الأدلة فيها وصراحتها، وإجماع الصحابة عليها، وإجماع الأئمة المتبوعين عليها، ولم يرد عن أحد منهم إنكارها. أسأل الله تبارك وتعالى لي ولإخواني النظر إلى وجه الله الكريم، وأسأل الله الهداية لمن أنكروا هذه الرؤية العظيمة التي هي ألذ ما يجده أهل الجنة في الجنة، والله على كل شيء قدير.
***
بارك الله فيكم هذه الرسالة من المستمع محمد طيب منظور أحمد من الباكستان يقول: ما هي أنواع الاستواء في لغة العرب؟ وكيف نثبت لله سبحانه وتعالى صفة الاستواء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستواء في اللغة العربية يأتي لازماً، ويأتي متعدياً إلى المعمول بحرف الجر، ويأتي مقروناً بواو المعية، فهذه ثلاثة وجوه للاستواء. أما الأول- وهو أن يأتي مطلقاً غير مقيد بالمعمول، ولا واو المعية-: فإنه يكون بمعنى الكمال، ومنه قوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) أي: كمل، ومنه قول الناس في لغتهم العامية: استوى الطعام، أي كمل نضجه. والقسم الثاني أو الوجه الثاني: أن يأتي مقروناً بواو المعية، فيكون بمعنى التساوي، كقولهم: استوى الماء والخشبة، أي: تساويا. والثالث يأتي معدًّى بحرف الجر، فإن عدي بعلى صار معناه العلو والاستقرار، وإن عدي بإلى فقد اختلف المفسرون فيه، فمنهم من يقول: إنه بمعنى الارتفاع والعلو، ومنهم من يقول: إنه بمعنى القصد والإرادة. مثال ماعُدِّيَ بعلى قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، وقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، وقوله ذلك في سبعة مواضع في القرآن الكريم. ومثال المعدى بإلى قوله تعالى:( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)، وقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ). ولذلك اختلف المفسرون في الاستواء، استوى هنا، فبعضهم قال: معناها علا إلى السماء، ومنهم من قال: معناها قصد وأراد، وعلى كل فاستواء الله على العرش من الصفات الثابتة التي يجب على المؤمن أن يؤمن بها، وهو أن الله تعالى استوى على عرشه، أي: علا عليه علوّاً خاصّاً ليس كعلوه على سائر المخلوقات، بل هو علو خاص بالعرش، كما قال تعالى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ). ولكن هذا الاستواء ليس معلوماً لنا في كيفيته؛ لأن كيفيته لا يمكن الإحاطة بها، ولم يخبرنا الله عنها ولا رسوله، ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق برأسه حتى علاه العرق، ثم قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). ونحن نعلم معنى الاستواء ونؤمن به ونقره، وهو أنه سبحانه وتعالى علا على عرشه واستوى عليه، علوّاً واستقراراً يليق به سبحانه وتعالى، ولكننا لا نعلم كيفية هذا الاستواء، فالواجب علينا أن نمسك عن الكيفية، وأن نؤمن بالمعنى. وأما قول من قال: إن معنى استوى على العرش أي: استولى عليه، فهذا قول لا يصح، وهو مخالف لما كان عليه السلف، ولما تدل عليه هذه الكلمة في اللغة العربية، فلا يعوَّل عليه، بل هو باطل، ولو كان معنى استوى استولى للزم أن يكون الله تعالى مستولياً على شيء دون شيء، وهوسبحانه وتعالى مستولٍ على كل شيء، وللزم أن يكون العرش قبل هذا ليس ملكاً لله بل ملكاً لغيره، ثم استولى عليه من غيره، وهذه معان باطلة لا تليق بالله سبحانه وتعالى.
جزائرــــية
2009-09-15, 17:37
8/الإيمان بالملائكة
جزاكم الله خيراً يقول هذا السائل إبراهيم من الرياض: ما هي أهمية الإيمان بالملائكة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالملائكة أهميته عظيمة؛ لأن الإيمان بهم أحد أركان الإيمان الستة، كما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره). أما كيف نؤمن بهم؟ فنؤمن بأنهم عالم غيبي خلقوا من نور، وجعل الله منهم رسلاً ومنهم عباداً، وهم على قوة عظيمة، ولا سيما جبريل عليه السلام، فقد وصفه الله بأنه ذو قوة فقال: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِين ٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ). وهم في وظائفهم أقسام: منهم ملائكة مع الإنسان عن اليمين وعن الشمال يكتبون أعماله الحسنة والسيئة، ومنهم ملائكة يحفظون الإنسان من أمر الله عز وجل يتعاقبون بالليل والنهار، هؤلاء في الليل وهؤلاء في النهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ومنهم ملائكة موكلون بقبض الأرواح، ومنهم ملائكة موكلون بسؤال الأموات بعد الدفن. المهم أنهم عالم غيبي عظيم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أطت السماء وحق لها أن تئط)- و الأطيط هو صرير الرحل، رحل البعير، إذا حمِّل وصار البعير يمشي، يكون له أطيط، أي: صرير- يقول: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد). (وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البيت المعمور الذي في السماء السابعة: أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه في اليوم الثاني، بل يأتي غيرهم، إلى يوم القيامة) أو إلى ما بعد ذلك الله أعلم. المهم أنهم جنود لا يعلمهم إلا الله عز وجل، فنؤمن بما عرفنا من أسمائهم، ونؤمن بما عرفنا من أوصافهم، ونؤمن بما عرفنا من وظائفهم، وما عدا ذلك فالله أعلم.
***
بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية والذي رمز لاسمه بـ م ل م يقول: فضيلة الشيخ نود أن تعطونا نبذة عن خلق الملائكة، وهل تأتي على صورة حيوان؟ ما صحة ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الملائكة عالم غيبي خلقهم الله سبحانه وتعالى من نور، وكلفهم بما شاء من العبادات والأوامر، واصطفى منهم رسلاً، كما قال الله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ). فمنهم الرسل الموكلون بالوحي، كجبريل عليه الصلاة والسلام. ومنهم الرسل الموكلون بقبض أراوح بني آدم، كما قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ). ومنهم الكتبة الذين يكتبون أعمال بني آدم، ومنهم الحفظة الذين يحفظونهم من أمر الله، ومنهم السياحون الذين يسيحون في الأرض يتلمسون حلق الذكر، إلى غير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة من أعمالهم ووظائفهم. وأما أوصافهم: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى جبريل وله ستمائة جناح قد سد الأفق، ولكن مع هذا له قدرة بإذن الله عز وجل أن يكون على صورة إنسان، كما جاء جبريل إلى النبي عليه الصلاة والسلام على صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، وعن الساعة وأشراطها، وكما جاء إليه بصورة دحية الكلبي، وكما أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام في قصة الثلاثة من بني إسرائيل: الأبرص والأقرع والأعمى، وأن الملك جاء إلى كل واحد منهم وسأله عن أحب ما يكون إليه، ثم بعد أن أنعم الله عليهم بإزالة العيوب وبالمال عاد إليهم الملك بصورة كل واحد منهم قبل أن يزول عنه العيب ويحصل له الغنى، والقصة معروفة مشهورة. ثم إن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لهم قدرة عظيمة، وسرعة عظيمة في الطيران و الوصول إلى الغايات، ألم تر إلى قول سليمان عليه الصلاة والسلام: (يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مسلمين) أي: عرش بلقيس، وهو السرير الذي تجلس عليه، وهو عرش عظيم. (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ). قال أهل العلم: إن هذا الرجل دعا الله عز وجل، فحملت الملائكة العرش حتى وضعته عند سليمان عليه الصلاة والسلام. ثم ألم تر إلى الإنسان يموت فتقبض الملائكة روحه، وتصعد بها إلى الله عز وجل إذا كان مؤمناً إلى ما فوق السماوات، و تعاد إليه روحه إذا دفن في قبره؟ وكل هذا يدل على أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لهم قوة عظيمة وسرعة عظيمة. ومن أراد أن يقف على شيء من أوصافهم وأحوالهم فليرجع إلى الكتب المصنفة في ذلك، منها كتاب البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله.
***
المستمعة أشواق تقول: إن الله سبحانه وتعالى قد خلق لنا كراماً كاتبين ، يكتبون كل ما نقول ونفعل. السؤال: ما الحكمة من خلقهم؟ مع العلم بأن الله سبحانه وتعالى يعلم ولا يخفى عليه ما نسر وما نعلن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال أن نقول: أولا:ً مثل هذه الأمور قد ندرك حكمتها وقد لا ندرك، فإن كثيراً من الأشياء لا نعرف حكمتها، كما قال الله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً). فإن هذه المخلوقات لو سألنا سائل: ما الحكمة أن الله جعل الإبل على هذا الوجه؟ وجعل الخيل على هذا الوجه؟ وجعل الحمير على هذا الوجه؟ وجعل الآدمي على هذا الوجه؟ وما أشبه ذلك، لو سُئلنا عن الحكمة في هذه الأمور ما علمناها، ولو سُئلنا: ما الحكمة في أن الله عز وجل جعل صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، وصلاة العشاء أربعاً؟ وما أشبه ذلك ما استطعنا أن نعرف الحكمة في ذلك، إذ قد يقول قائل: لماذا لم تجعل ثماني أو ستاً؟ ولهذا علمنا أن كثيراً من الأمور الكونية وكثيراً من الأمور الشرعية تخفى علينا حكمتها، وإذا كان كذلك فإنا نقول: إن التماسنا للحكمة في بعض الأشياء المخلوقة أو الأشياء المشروعة إن منّ الله علينا بالوصول إليها فذاك زيادة فضل وخير وعلم، وإن لم نصل إليها فإن ذلك لم ينقصنا شيئاً. ثم نعود إلى جواب السؤال، وهو: ما الحكمة في أن الله وكل بنا كراماً كاتبين يعلمون ما نفعل؟ فالحكمة من ذلك بيان أن الله سبحانه وتعالى نظم الأشياء وقدرها، وأحكمها إحكاماً متقناً، حتى أنه سبحانه وتعالى جعل على أفعال بني آدم وأقوالهم كراماً كاتبين يكتبون ما يفعلون، مع أنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعلون قبل أن يفعلوه، ولكن كل هذا من أجل بيان كمال عناية الله عز وجل بالإنسان، وكمال حفظه تبارك وتعالى، وأن هذا الكون منظم أحسن نظام، ومحكم أحسن إحكام.
***
بارك الله فيكم المستمعة من المدينة المنورة أم عبد الله تقول: فضيلة الشيخ بعض الناس يقومون بوضع البخور في بيوتٍ قديمة، يدعون أنهم يبخرونها للملائكة، ويضعون قطعاً من القماش ويبخرونها. فما حكم الشرع في نظركم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إن هؤلاء جماعة من الخرافيين السفهاء في عقولهم، الضالين في عملهم؛ لأن الملائكة لا يمكن أن تكون أماكنها الأماكن الخربة، الأماكن الخربة يمكن أن تكون مأوى الجن أو الشياطين، أما الملائكة فإن مأواها في الأرض هي بيوت الله عز وجل، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيمن أكل بصلاً أو ثوماً قال: (فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)، فالطيبات للطيبين والطيبون للطيبات. وأضل من ذلك أن يبخروا هذه الأماكن، وكذلك يجعلون قطعاً من القماش ويبخرونها، وكل هذا ضلال في الدين وسفه في العقل. والواجب على من علم بذلك أن ينكر على من فعلها، ويبين له أن هذا خطأ عظيم، وأن الملائكة عليهم الصلاة والسلام أجل وأكرم عند الله من أن يجعل مأواهم هذه البيوت الخربة.
***
يقول السائل: هل هناك أدلة تدل على أفضلية الملائكة على الصالحين من بني البشر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة- وهي: المفاضلة بين الملائكة وبين الصالحين من البشر- محل خلاف بين أهل العلم، وكل منهم أدلى بدلوه فيما يحتج به من النصوص، ولكن القول الراجح أن يقال: إن الصالحين من البشر أفضل من الملائكة باعتبار النهاية، فإن الله سبحانه وتعالى يؤدي لهم من الثواب ما لا يحصل مثله للملائكة فيما نعلم، بل إن الملائكة في مقرهم- أي: في مقر الصالحين، وهو الجنة- يدخلون عليهم من كل باب يهنئونهم: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. أما باعتبار البداية فإن الملائكة أفضل؛ لأنهم خلقوا من نور، وجبلوا على طاعة الله عز وجل والقوة عليها، كما قال الله تعالى في الملائكة ملائكة النار: (عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). وقال عز وجل: (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) هذا هو القول الفصل في هذه المسألة. وبعد فإن الخوض فيها، وطلب المفاضلة بين صالح البشر والملائكة، من فضول العلم الذي لا يضطر الإنسان إلى فهمه والعلم به. والله المستعان.
***
جزائرــــية
2009-09-15, 20:51
9/الجن والشياطين
جزاكم الله خيراً عبد المجيد محمد له هذا السؤال يقول: ما الفرق بين الجن والشياطين؟ وهل هم من فصيلة واحدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الشياطين يكونون من الجن والإنس، كما قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً). بل يكون الشيطان من غير العقلاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكلب الأسود شيطان). وأما الجن فإنه من ذرية إبليس، كما قال الله تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً).
***
هذه رسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين يقول: أخوكم في الله ريكان غيلان الضامن من الجمهورية العراقية يقول: نحن نعرف أن إبليس هو أبو الشياطين، فكيف تتكاثر الشياطين وكيف تتناقص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: لا شك أن إبليس هو أبو الجن؛ لقوله تعالى: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ). وقوله عن إبليس وهو يخاطب رب العزة سبحانه وتعالى: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). وقوله تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُو). فهذه الأمور أدلتها واضحة أن الشيطان له ذرية، وأن الجن ذريته، ولكن كيف يكون ذلك؟ هذا ما لا علم لنا به، وهو من الأمور التي لا يضر الجهل بها، ولا ينفع العلم بها. والله أعلم.
***
السائل أنور محمد إبراهيم من العراق محافظة ذي قار يقول: كيف هي حقيقة حياة الجن؟ وهل بينهم تزاوج شرعي؟ وهل هم يعيشون ويموتون مثلنا نحن الإنس؟ وهل لهم تأثير على الإنس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة حياة الجن الله أعلم بها، ولكننا نعلم أن الجن أجسام لها حقيقة، وأنهم خلقوا من النار، وأنهم يأكلون ويشربون ويتزاوجون أيضاً، ولهم ذرية، كما قال الله تعالى في الشيطان: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ). وأنهم مكلفون بالعبادات، فقد أرسل إليهم النبي عليه الصلاة والسلام، وحضروا واستمعوا القرآن، كما قال الله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً). وكما قال تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) إلى آخر الآيات. وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال للجن الذين وفدوا إليه وسألوه الزاد، قال: (لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحماً). وهم- يعني: الجن- يشاركون الإنسان إذا أكل ولم يذكر اسم الله على أكله، ولهذا كانت التسمية على الأكل واجبة، وكذلك على الشرب، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وعليه. فإن الجن حقيقة واقعة، وإنكارهم تكذيب للقرآن، وكفر بالله عز وجل، وهم يؤمَرون وينهون، ويدخل كافرهم النار، كما قال الله تعالى: (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنَ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا). ومؤمنهم يدخل الجنة أيضاً لقوله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ). والخطاب للجن والإنس، ولقوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا). إلى غير ذلك من الآيات والنصوص الدالة على أنهم مكلفون، يدخلون الجنة إذا آمنوا، ويدخلون النار إذا لم يؤمنوا.
فضيلة الشيخ: تأثيرهم على الإنس.
فأجاب رحمه الله تعالى: أما تأثيرهم على الإنس فإنه واقع أيضاً، فإنهم يؤثرون على الإنس: إما أن يدخلوا في جسد الإنسان فيصرع ويتألم، وإما أن يؤثروا عليه بالإيحاش والترويع وما أشبه ذلك.
فضيلة الشيخ: كيف العلاج من تأثيرهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج من تأثيرهم بالأوراد الشرعية، مثل: قراءة آية الكرسي، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.
***
بارك الله فيكم ، المستمعة هناء محمد تقول: سمعت بأنه يوجد جن صالحون وجن شياطين، هل يظهرون للإنسان؟ وكيف نتجنب ظهورهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الجن كالإنس فيهم الصالحون، فيهم المسلمون، فيهم الكافرون، فيهم الأولياء الذين آمنوا بالله وكانوا يتقون. ذكر الله تبارك وتعالى في سورة الجن عن الجن أنهم قالوا: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ). وقالوا أيضاً: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً). وفيهم- أي: في الجن- من يحب الصالحين من الإنس، وربما يخاطبهم وينتفع بهم بالنصيحة والتعليم، وفيهم- أي: في الجن- فساق وكفار يحبون الفاسقين والكافرين ويبغضون المؤمنين وأهل الاستقامة، وفي الجن من يحب العدوان على الإنس والأذية، وهم في الأصل عالم غيبي لا يظهرون للإنس، لكن ربما يظهرون أحياناً ويراهم الإنس وربما يتشكلون بأشكال مؤذية مزعجة لأجل أن يروعوا الإنس، ولكن الإنسان إذا تحصن بالأوراد الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاه الله شرهم، ومن ذلك قراءة آية الكرسي، وهي قوله تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ). فإن هذه الآية العظيمة من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ولكن لابد أن يكون القارئ مؤمناً بها، مؤمناً بأثرها، مؤمناً بأن الله تعالى يحفظه بها من كل شيطان، أما من قرأها وهو غافل، أو من قرأها مجرباً غير موقن بأثرها فإنه لا ينتفع بها.
***
هل الجن قد أسلموا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بالرسل من قبل؟ وأيضاً هل مفروض عليهم الحج؟ وإن كان كذلك فأين يحجون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن الجن مكلفون بلا شك، مكلفون بطاعة الله سبحانه وتعالى، وأن منهم المسلم والكافر، ومنهم الصالح ومنهم دون ذلك، كما ذكر الله تعالى في سورة الجن عنهم حيث قالوا: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً). وقالوا: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً). وقد صرف الله نفراً من الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعوا القرآن وآمنوا به، وذهبوا دعاة إلى قومهم، كما قال الله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). وهذا يدل على أن الجن كانوا يؤمنون بالرسل السابقين، وأنهم يعلمون كتبهم؛ لقولهم: (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ). وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكرم الوفد، وفد الجن الذين وفدوا إليه بأن قال لهم: (لكم كل عظم يذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة فهي علف لدوابكم ).ولهذا (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستجمار بالعظام، وعن الاستجمار بالروث، وقال: إن العظام زاد إخوانكم من الجن) .
فضيلة الشيخ: يقول: هل مفروض عليهم الحج؟ وإن كان كذلك فأين يحجون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنهم مكلفون بما يكلف به الإنس من العبادات، ولاسيما أصولها كالأركان الخمسة، وحجهم يكون كحج الإنس زمناً ومكاناً، وإن كانوا قد يختلفون عن الإنس في جنس العبادات التي لا تناسب حالهم، فتكون مختلفة عن التكليف الذي يكلف به الإنس.
***
بارك الله فيكم هذه الرسالة من السائلة الزهراء ع. م. ن. من البيضاء من الجماهيرية العربية الليبية تقول: هل للجن تأثيرٌ حقيقة على الإنسان؟ كما نسمع من تسلط بعض ذكور الجن على إناث الإنس، وتسلط بعض إناث الجن على رجال من الإنس؟ وكيف التخلص من هذا إن كان هذا وارداً؟ وبأي الطرق يمكن معالجة من به مثل هذه الحالة، دون الرجوع إلى وسائل محرمة ومخالفة للتوحيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لاشك أن الجن لهم تأثير على الإنس، بالأذية التي قد تصل إلى القتل، وربما يؤذونه برمي الحجارة، وربما يؤذونه بالإيحاش، أي: يروعونه، إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنة ودل عليها الواقع. وقد ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لبعض أصحابه أن يذهب إلى أهله في إحدى الغزوات- وأظنها غزوة الخندق- وكان شاباً حديث عهد بعرس، فلما وصل إلى بيته وإذا امرأته على الباب، فأنكر عليها ذلك فقالت له: ادخل، فدخل فإذا حية ملتوية على الفراش، فكان معه رمح فوخزها بالرمح حتى ماتت، وفي الحال وفي الزمن أو في اللحظة التي ماتت فيها الحية مات الرجل، فلا يدرى أيهما أسبق موتاً: الحية أم الرجل؟ فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن قتل الجان التي تكون في البيوت، إلا الأبتر وذا الطفيتين). وهذا دليل على أن الجن قد يعتدون على الإنس، وأنهم يؤذونهم. كما أن الواقع شاهد بذلك، فإنه قد تواترت الأخبار واستفاضت الأخبار بأن الإنسان قد يأتي إلى خربة فينال الحجارة، وهو لا يرى أحداً من الإنس في الخربة، وقد يسمع أصواتاً، وقد يسمع حفيفاً كحفيف الأشجار، وما أشبه ذلك مما يستوحش به ويتأذى به. وكذلك أيضاً قد يدخل الجني إلى جسد الآدمي: إما لعشق، أو لقصد الإيذاء، أو لسبب آخر من الأسباب. ويشير إلى هذا قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ). وفي هذا النوع قد يتحدث الجني من باطن نفس الإنسي ويخاطب من يقرأ عليه آيات من القرآن، وربما يأخذ القارئ عليه عهداً ألا يعود، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي استفاضت بها الأخبار وانتشرت بين الناس. وعلى هذا فإن الوقاية المانعة من شره- من شر الجن- أن يستعيذ الإنسان، أو أن يقرأ الإنسان ما جاءت به السنة مما يتحصن به منهم، مثل: آية الكرسي، فإنها آية إذا قرأها الإنسان في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.
***
يقول السائل: من المعلوم أن من الجن من هم صالحون، كما يثبت ذلك ويؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ). فهل يجوز الاستعانة بهم في الأشياء التي هي فوق طاقة الإنسان وقدرته؟ أم أن ذلك يؤثر على عقيدة المسلم وتوحيده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الجن كما ذكر السائل وعلى ما استدل به من أن فيهم الصالح وفيهم دون ذلك، كما في الآية الكريمة التي ذكرها السائل، وفيهم أيضاً المسلم والكافر، كما قال تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً). ومن المعلوم أن الصالح منهم لا يرضى بالفسق ولا يعين عليه، وكذلك المسلم لا يرضى بالكفر ولا يعين عليه، ولهذا قال الله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ). فكافرهم يدخل النار، كما تفيده هذه الآية والآية التي في سورة الجن: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً). ومؤمنهم يدخل الجنة على القول الراجح من أقوال أهل العلم؛ لقوله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ). فأخبر أن لمن خاف مقام ربه جنتين، وخاطب بذلك الجن والإنس في قوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ). وقد سمى النبي عليه الصلاة والسلام المؤمنين منهم إخوة لنا، حين نهى عن الاستنجاء بالعظام وقال: (إنها طعام إخوانكم أو زاد إخوانكم)يعني: من الجن. وأما الاستعانة بهم: فإني أحيل السائل على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي جمع ابن القاسم صفحة ثلاثمائة وسبع مجلد أحد عشر، وما ذكره رحمه الله في كتابه النبوات صفحة مائتين وستين إلى مائتين وسبع وستين، ففيه كفاية.
***
أسمع دائماً من الناس أن الجن يتصورون في صورة طيور وقطط وأغنام، وأنا أنكر ذلك ولم أصدق به؛ لأن الجن مخلوق مثلنا، ولن يستطيع تغيير الخلق إلا الله سبحانه وتعالى. فهل هذا صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكرته أمرٌ مشهور بين الناس أن الجن قد يتشكلون بشكل شيء مشاهد ومرئي، وربما يشهد له الحديث الثابت في الصحيح أن رجلاً شاباً من الأنصار كان حديث عهدٍ بعرس، فجاء ذات يومٍ أو ليلة فوجد أهله على الباب، فسألهم: ما هو السبب؟ فذكرت له ما في الفراش، فذهب إلى فراشه فوجد فيه حيةً، فأخذ رمحاً فطعنها فماتت هذه الحية، ثم مات الرجل فوراً، فلا يدرى أيهما أسرع موتاً: الرجل أم الحية؟ ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي تكون في البيوت، إلا الأبتر وذا الطفيتين. وهذا يدل على أن هذا كان جناً، وأنه وقد تصور بصورة الحية، والحكايات في ذلك كثيرةٌ ومشهورة، ولكن هذا الحديث الصحيح قد يشهد لصحتها. وكما أنه يتصور الملائكة عليهم الصلاة والسلام بأشكالٍ ليست على هيئتهم التي خلقوا عليها، فإن جبريل صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً بصورة دحية الكلبي، وجاء إليه مرة بصورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحدٌ من الصحابة، وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه جلسة المتأدب، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم الأسئلة المشهورة في الإسلام والإيمان والإحسان، والساعة وأشراطها، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم). ومن المعلوم أن قدرتهم على التشكل بهذا الشكل إنما هي من الله سبحانه وتعالى، فهو الذي أقدرهم على ذلك، فلا يبعد أن يكون الجن هكذا يستطيعون أن يتصوروا أو يتشكلوا للناس بأشكالٍ متعددة، هذا الذي ظهر لي في هذه المسألة.
***
جزائرــــية
2009-09-17, 09:44
10/ الإيمان بالكتب
التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة هل هي منسوخة بالقرآن؟ وما هو الدليل من القرآن إن وجد؟ والسنة المطهرة؟ وما حكم قراءتها بالنسبة للعالم للاطلاع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكتب السابقة منسوخة بالقرآن الكريم؛ لقول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ). فكلمة: (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) تقتضي أن القرآن الكريم حاكم على جميع الكتب السابقة، وأن السلطة له، فهو ناسخ لجميع ما سبقه من الكتب. وأما قراءة الكتب السابقة: فإن كان للاهتداء بها والاسترشاد فهو حرام ولا يجوز؛ لأن ذلك طعن في القرآن والسنة، حيث يعتقد هذا المسترشد أنها- أي: الكتب السابقة- أكمل مما في القرآن والسنة، وإن كان للاطلاع عليها ليعرف ما فيها من حق فيرد به على من خالفوا الإسلام فهذا لا بأس به، وقد يكون واجباً؛ لأن معرفة الداء هي التي يمكن بها تشخيص المرض ومحاولة شفائه، أما من ليس عالماً ولا يريد أن يطلع ليرد فهذا لا يطالعها. إذاً فأقسام الناس فيها ثلاثة: من طالعها للاسترشاد بها فهذا حرام ولا يجوز؛ لأنه طعن في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن طالعها ليعرف ما فيها من حق فيرد به على من تمسكوا بها وتركوا الإسلام فهذا جائز، بل قد يكون واجباً، ومن طالعها لمجرد المطالعة فقط، لا ليهتدي بها ولا ليرد بها، فهذا جائز، لكن الأولى التباعد عن ذلك؛ لئلا يخادعه الشيطان بها.
***
تقول السائلة: ماحكم قراءة الكتب السماوية مع علمنا بتحريفها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أنه ليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد لله بقراءته، وليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد الإنسان لله تعالى بما شرع فيه، إلا كتاباً واحداً وهو القرآن، ولا يحل لأحد أن يطالع في كتب الإنجيل ولا في كتب التوراة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة من التوراة، فغضب وقال: (أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب)؟ والحديث وإن كان في صحته نظر لكن صحيح أنه لا اهتداء إلا بالقرآن. ثم هذه الكتب التي بأيدي النصارى الآن أو بأيدي اليهود هل هي المنزلة من السماء؟ إنهم قد حرفوا وبدلوا وغيروا، فلا يوثق أن ما في أيديهم هي الكتب التي نزلها الله عز وجل، ثم إن جميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن، فلا حاجة لها إطلاقاً. نعم لو فرض أن هناك طالب علم ذا غيرةٍ في دينه وبصيرةٍ في علمه طالع كتب اليهود والنصارى من أجل أن يرد عليهم منها فهذا لا بأس أن يطالعها لهذه المصلحة، وأما عامة الناس فلا، وأرى من الواجب على كل من رأى من هذه الكتب شيئاً أن يحرقه، النصارى عليهم لعنة الله إلى يوم القيامة صاروا يبثون في الناس الآن ما يدعونه إنجيلاً على شكل المصحف تماماً، مشكل على وجهٍ صحيح، وفيه فواصل كفواصل السور، والذي لا يعرف المصحف- كرجلٍ مسلم ولكنه لا يقرأ- إذا رأى هذا ظن أنه القرآن، كل هذا من خبثهم ودسهم على الإسلام، فإذا رأيت أخي المسلم مثل هذا فبادر بإحراقه يكن لك أجر؛ لأن هذا من باب الدفاع عن الإسلام.
***
عثمان محمد علي سوداني يقول في رسالته: عثرت على بعض الكتب المسيحية، فهل يصح إحراقها أم يجب عليّ أن أدفعها للمسيحيين لأنها تخصهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كأن السائل يريد أنه وجد نسخاً من الإنجيل، وأشكل عليه: هل يحرقها، أو يدفعها للنصارى الذين يدعون أنهم متبعون لعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام؟ والذي أرى أنه يجب عليه إحراقها، وأنه لا يحل له أن يعطيها النصارى.
***
هذه الرسالة وردتنا من الأخ صلاح ساري أبو الخير من جمهورية مصر العربية من دقهلية يقول في رسالته: ما هو الحكم في الذي يقرأ بالإنجيل؟ فهل هو حلال أم حرام، مع العلم أنه يتلو القرآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تلاوة غير القرآن الكريم من الكتب السابقة تقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون التالي عالماً بالشريعة، ويتلوها ليقيم الحجة على معتنقيها بصدق ما جاء به الإسلام، فالتلاوة هنا وسيلة إلى أمر محمود فتكون محمودة. والقسم الثاني: أن تكون التلاوة من عامي لا يعرف الشريعة، ويقصد الاهتداء بهذه الكتب، فهذه حرام عليه، أي: هذه التلاوة حرام عليه؛ لأنه لا يجوز أن يسترشد بالكتب السابقة وعنده هذا القرآن الكريم الذي كان مصدقاً لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليها، ولا يجوز الاهتداء بغير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو خلاصة الجواب في مسألة مطالعة كتب غير المسلمين.
***
هذه يا شيخ رسالة وردت من محمد العيسى الحمود الجارياوي يقول في رسالته: إنني قرأت في كتاب وهو كتاب مسيحي، وفيه مكتوب أن المسيح ابن الله تعالى، وأنا أعرف أنه خطأ وكفر بالله، هل يلحقني ذنب في هذه القراءة؟ أرشدوني جزاكم الله خيراً، رغم أن الكتاب فيه عدة أخطاء وكفر بالله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب الذي قرأت للمسيحي لم تبين أنه الإنجيل أو غيره، وعلى كل حال فإن الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل قراءتها على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يقرأها للاسترشاد بها والاستفادة منها، فهذا لا يجوز، وذلك لأن في القرآن والسنة ما يغني عنها. ثانياً: أن يقرأها ليعرف ما فيها من حق فيلزم به متبعيها، ويبين خطأهم في مخالفة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا لا بأس به، بل هو مطلوب إما وجوباً وإما استحباباً. الثالث: أن يقرأها لمجرد المطالعة فقط ليعرف ما عندهم، وليس يريد أن يسترشد بها أو يهتدي بها عن القرآن والسنة، ولا أن يرد على متبعيها باطلهم، فالأولى هنا أن لا يفعل؛ لأنه يخشى أن يتأثر بها ويجعلها مصدراً لرشاده وهدايته.
***
حنان وسامية من بابلة الأردن المستمعتان تسألان: نحن نعلم بأن القرآن الكريم نزل مفرقاً، وورد بالقرآن أنه نزل في ليلة القدر، هل معنى ذلك بأنه نزل في كل سنة من ليلة القدر؟ نرجو بهذا إفادة يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنه لا يخفى علينا جميعاً أن القرآن كلام الله عز وجل؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) أي: حتى يسمع القرآن. وليس المعنى أن هذا المستجير يسمع كلام الله نفسه من الله، بل إنما يسمع القرآن الذي هو كلام الله عز وجل، وأن هذا القرآن نزل من عند الله تعالى، كما قال الله تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ). وكما قال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) فالقرآن نزل من عند الله عز وجل، ونزوله كان مفرقاً، كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً). وقال تعالى: (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً). ولنزوله مفرقاً فوائد كثيرة، ذكرها أهل العلم في التفسير في أصول التفسير. فأما قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ). فقد اختلف المفسرون فيها، فقال بعضهم: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أي: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، فيكون القرآن أول ما نزل في ليلة القدر، ثم نزل متتابعاً حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل. وقال بعض العلماء: إنه نزل إلى بيت العزة جميعاً في ليلة القدر، ثم نزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً بعد ذلك. لكن الأول أقرب إلى الصواب؛ لأن قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) يقتضي إنزاله إلى منتهى إنزاله، وهو قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه لم ينزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً في ليلة واحدة، بل نزل مفرقاً، فيكون المعنى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أي: إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، ثم صار ينزل مفرقاً حسب ما تقتضيه حكمة الله تبارك وتعالى.
***
بارك الله فيكم السائلة أ ع ن تقول: هل نزول القرآن باللغة العربية يجعل الأعجميين لديهم عذر أو حجة لأن القرآن ليس بلغتهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس للأعجميين حجة أو عذر لكون القرآن ليس بلغتهم، بل عليهم أن يتعلموا لغة القرآن؛ لأنه إذا توقف فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تعلم العربية كان تعلم العربية واجباً، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولهذا كان من أئمة اللغة العربية قوم من العجم من فارس وغيرها، وصاروا أئمة في العربية لأنهم عرفوا قدر تعلم اللغة العربية، فتعلموها فصاروا أئمة فيها. وأما تعصب بعض الناس للغتهم، وعدم تحولهم إلى اللغة العربية مع قدرتهم على ذلك، فهذا من حمية الجاهلية، والقرآن ولله الحمد الآن انتشر بين العالم، وترجم معناه إلى لغات متعددة، لغات عالمية حية، ولغات في مناطق معينة، فلا حجة لأحد اليوم في قوله: إن لساني ليس عربيّاً فلا أفهم القرآن.
***
جزاكم الله خيراً هذه السائلة دعاء م. ع من جمهورية مصر العربية البحيرة تقول في هذا السؤال: قرأت في كتاب بأن أهل السنة والجماعة قالوا بأن من قال: إن القرآن محدث فهو كافر، وإن القرآن ليس مخلوقاً. فما معنى أن القرآن ليس محدثاً وليس مخلوقاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما من قال: إن القرآن مخلوق، فهو مبتدع ضال؛ لأن القرآن كلام الله عز وجل، و كلام الله من صفاته، وصفات الخالق غير مخلوقة، وقد أنكر أئمة أهل السنة على من قال ذلك- أي: على من قال: إن القرآن مخلوق- إنكاراً شديداً، وحصلت بذلك الفتنة المشهورة التي جرت في زمن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، حتى إن بعضهم- أي: بعض الأئمة- أطلق الكفر على من قال: إن القرآن مخلوق، ولا شك أن من قال: إن القرآن مخلوق، فقد أبطل الأمر والنهي؛ لأنه إذا كان مخلوقاً فمعناه أنه شيء خلق على هذه الصورة المعينة، فهو كالنقوش في الجدران والورق وشبهها لا يفيد شيئاً، إذ ليس أمراً ولا نهياً ولا خبراً ولا استخباراً. وأما من قال: إن القرآن محدث، فليس بمبتدع وليس بضال، بل قد قال الله تعالى:( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ). نعم لو كان المخاطب لا يفهم من كلمة محدث إلا أنه مخلوق فهنا لا نخاطبه بذلك، ولا نقول: إنه محدث، خشية أن يتوهم ما ليس بجائز.
فضيلة الشيخ: لماذا اعتبرت الفرق الضالة بأن القرآن مخلوق وأنه محدث؟ وما هو الغرض من ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أولاً: كما سمعت كلمة محدث لا بأس بها، ما لم نكن نخاطب من يفهم منها الخلق، وأن "محدث" في إزاء مخلوق. وأما المخلوق فإنهم إنما ذهبوا هذا المذهب لشبهات كانت عليهم، مثل قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ). ومثل قوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) وما أشبه ذلك، فظنوا أن هذا هو الحق، لكنهم بُيِّنَ لهم هذا، وبُيِّنَ لهم الغلط، إلا أنهم أصروا وعاندوا، وصاروا يدعون إلى بدعتهم هذه، وهي بدعة ضلالة.
***
ناصر دوارة من الجمهورية العربية السورية يقول: ما الفرق بين النبي والرسول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشهور عند أهل العلم أن الفرق بينهما: أن النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، هذا هو الفرق عند جمهور أهل العلم. وقيل: إن الفرق أن النبي لم يأت بشرع جديد، وإنما يكون مبلغاً بشرع من قبله، أي: إنه يحكم بشريعة من قبله بدون وحي جديد يوحى به إليه، كما في قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ). يحكم بها النبيون الذين أسلموا، وهم يحكمون بما في التوراة. فأما إذا أتى بشرع فحينئذٍ- ولو كان تكميلاً لشرع من قبله- يكون رسولاً، ولا يرد على هذا التعريف إلا آدم، فإن آدم كان نبياً وليس برسول؛ لأن أول رسول نوح، وآدم نبي أوحي اليه بشرع، فعمل به، فأخذت به ذريته الذين كانوا في عهده.
***
فضيلة الشيخ ما الفرق بين الأنبياء والرسل؟ وهل توجد كتب غير الكتب الأربعة التي نزلت أو أنزلت على الأنبياء؟ وما هي الصحف التي أنزلت على إبراهيم؟ نرجو منكم الإجابة.
فأجاب رحمه الله تعالى: جميع من ذكروا في القرآن من النبيين رسل، حتى وإن ذكروا بوصف النبوة؛ لقول الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ). وقوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) إلى أن قال :(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ). فكل نبيٌ ذكر في القرآن فإنه رسول، لكن ذكر العلماء رحمهم الله أن النبي هو الذي أوحى الله إليه بالشرع ولم يلزمه بتبليغه، وإنما أوحى الله إليه بالشرع لأجل أن يتعبد به، فيحيي شريعةً قبله أو يجدد شريعةً إذا لم يكن مسبوقاً بشريعةٍ من قبل. فمن الأول قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ). ومن الثاني- وهو: أن يكون الوحي الذي أوحي إلى النبي نبوة بلا رسالة- آدم عليه الصلاة والسلام، فإنه كان نبياً ولم يكن رسولاً، ومع ذلك فهو لم يجدد شريعةً قبله، وإنما تعبد لله تعالى بما أوحى إليه من الشرع، فتبعه على ذلك أولاده، فلما كثر الناس واختلفوا بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب، وأول رسولٍ بعثه الله عز وجل هو نوح عليه الصلاة والسلام، ومعه كتابٌ بلا شك، وآخر الرسل والأنبياء محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل رسول معه كتاب، ولكننا لا نعلم من الكتب السابقة إلا التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى، وقد اختلف العلماء في صحف موسى هل هي التوراة أم غيرها؟ والله أعلم. هذا هو جواب السؤال.
***
جزائرــــية
2009-09-17, 09:52
11/ الإيمان بالرسل
السائل ب م حجازي الخبر المملكة العربية السعودية يقول: أرجو أن تبينوا لنا مشكورين حقيقة الأمر في مسألة عصمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث يلتبس الأمر على كثير من الناس في هذا الشأن، كثيراً ما نسمع ما يمكن أن يفهم منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من الخطأ، كما يفهم من عموم قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). ولكن نرى في بعض ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصيب ويخطئ في بعض الأمور، كالسهو في الصلاة مثلاً. فما حقيقة أمر العصمة للرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما هي الجوانب التي عصم منها من الخطأ تحديداً والجوانب التي لم يعصم من الخطأ مشكورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فإني أسأل هذا السائل: هل يؤمن بأن محمداً رسول الله على كل حال؟ هو يؤمن بهذا لا شك إن شاء الله، إذا كان يؤمن بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله فكفى، وما وقع منه فإنه لا ينافي الرسالة، فالسهو وقع منه في الصلاة، ولكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون).وعدم العلم وقع منه عليه الصلاة والسلام، فقد (صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعلاه، وفي أثناء الصلاة خلع النعلين، فخلع المسلمون نعالهم، فلما سلم سألهم: لماذا؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا. فقال: إن جبريل أتاني وأخبرني أن فيهما قذراً فخلعتهما). فهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في نعليه ولم يعلم أن فيهما قذراً، وهذا أيضاً من طبيعة البشر أن الإنسان جاهل,هذا الأصل في الإنسان، كما قال الله عز وجل: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يجتهد في أفعاله ولا يكون اجتهاده مصيباً، لكنه حين فعله للشيء الذي صدر منه عن اجتهاد هو مصيب، كما في قول الله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ). فهذا وقع اجتهاداً من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينصرف إلى هؤلاء الكبراء الذين جاؤوا إليه من قريش، يرجو إسلامهم وينتفع بإسلامهم قومهم والمسلمون جميعاً. ومثل قول الله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ). فاجتهد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعفا عنهم؛ لمحبته صلى الله عليه وسلم للعفو، وأخذ الناس بظواهرهم، وهو حين عفا عنهم مصيب، لكن بين الله عز وجل له أن الحكمة هي الانتظار، وهذا لا يخدش بالرسالة,النسيان من طبيعة الإنسان، وعدم العلم هو أصل الإنسان أنه لا يعلم حين وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا فإنه والله لا يخدش بالرسالة وأما قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) فالمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق نطقاً صادراً عن هوى، وإنما نطقه إما عن وحي من الله وإما عن اجتهاد، فليس كغيره ممن ينطق عن الهوى ويتكلم بما يهوى، سواء كان الحق أو غير الحق. وإني أنصح هذا السائل وغيره ألا يتعمقوا في مثل هذه الأمور فيلقي الشيطان في قلوبهم شرّاً، فالإنسان غير آمن من الشيطان، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة وهو معتكف قام يقلب صفية رضي الله عنها، حين جلست عنده ساعة من الليل في معتكفه، فقام يقلبها عليه الصلاة والسلام- أي: يمشي معها- فأبصر به رجلان من الأنصار فأسرعا,أسرعا خوفاً وخجلاً من النبي صلى الله عليه وسلم وحياء، فقال:( علىرسلكما إنها صفية). فقالا: سبحان الله! قال: (نعم، إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئاً- أو قال: شراً-). فانظر إلى هذا: خاف أن يلقي الشيطان في قلوبهما ما لا يليق بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهما من الصحابة، فالبحث في هذه الأمور والتعمق فيها قد يكون خطراً على الإنسان وهو لا يشعر، وأنا أشكر السائل حيث سأل ليتبين له الأمر، لكني أقول: إن الأولى بالإنسان أن يدع البحث في هذه الأمور، وأن يقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو أبعد الناس أن يقول عن هوى أو أن يحكم بالهوى، بل هو الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام. ثم إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من كل ما يخل بالإخلاص لله عز وجل، فلم يقع منهم الشرك، معصومون عن كل ما يخل بالمروءة والخلق، فلم يقع منهم ما ينافي ذلك، وأما بعض الذنوب فيقع منهم، لكن من خصائصهم أنهم معصومون من الاستمرار فيها وعدم التوبة، وإذا تاب الإنسان من الذنب فكمن لا ذنب له، بل قد تكون حاله بعد التوبة من الذنب أكمل من حاله قبل أن يفعل الذنب. وبهذه المناسبة أود أن أبين أن ما ذكر في الإسرائيليات عن داود عليه الصلاة والسلام في قصة الخصمين اللذين اختصما عنده وقال أحدهما: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ). في بعض الإسرائيليات أن داود عليه الصلاة والسلام كان له أحد الجنود، وكان عند هذا الجندي امرأة أعجبت داود وأرادها، فطلب من هذا الجندي أن يذهب للجهاد لعله يقتل فيأخذ زوجته، هذه قصة كذب ولا يجوز لأحد أن ينقلها إلا إذا بين أنها كذب، ولا يجوز اعتقادها في نبي من أنبياء الله، هذه لا تليق ولا من عامي من الناس فكيف بنبي؟ ولا أستبعد أن هذه من دسائس اليهود التي دسوها على المسلمين ليفسدوا بذلك دينهم. والقضية هي أن هذا الرجل مع خصمه عنده نعجة واحدة، أي: أنثى من الضأن، وكان أخوه- أي: خصمه- عنده تسع وتسعون، فقال له: أنت ليس عندك إلا واحدة لا تغني شيئاً، وأنا عندي تسع وتسعون، باقٍ واحدة وتكتمل المائة، والإنسان ينظر إلى تكميل العدد، فطلب منه هذه الواحدة، وجعل يورد عليه الحجج حتى غلبه في الحجج، فاختصما إلى داود. فإذا قال قائل: ما تقول في قوله تعالى: (وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ)؟ فالجواب سهل: داود عليه السلام جعله الله خليفة في الأرض يحكم بين الناس، وكونه يدخل محرابه- أي: متعبده- ثم يغلق الباب خلاف لما كلف به، وهو مجتهد في ذلك لا شك، ثم إنه حكم على الخصم قبل أن يسمع حجة الآخر المحكوم عليه، فلما قال الخصم: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ) الخ. فحكم قبل أن يسمع حجة الخصم، ولعله من أجل أن يسرع التفرغ للعبادة، فلما جاءت هذه القصة وأخذ بقول الخصم وكان قد أغلق الباب ظن داود عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى أرسل هذين الخصمين اختباراً له (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ). فإن قال قائل: ما تقولون في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهند حين شكت زوجها أبا سفيان أنه رجل شحيح لا يعطيها وولدها ما يكفيهم، فقال: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) فحكم لها؟ فالجواب: أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم فتيا وليست قضاء بين خصمين؛ لأن خصمها لم يحضر، فهو أفتاها على صورة القضية بدون محاكمة ومخاصمة.
***
هذا السائل يا فضيلة الشيخ من السودان يقول: يا فضيلة الشيخ نعلم أن الرسل معصومون من الخطأ، هل هم معصومون من الخطأ في التشريع فقط، أم في كل الأمور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يتكلمون بوحي الله سبحانه وتعالى، وهم معصومون من كل خطأ يخل بصدقهم وأمانتهم، وهذا هو محل الثقة فيهم. وأما ما نتج عن اجتهادٍ منهم فإنهم قد يخطئون فيه، فإن نوحاً عليه الصلاة والسلام سأل ربه أن ينجي ابنه، فقال الله له: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ). ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرم ما أحل الله له اجتهاداً منه، فقال الله له: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَات أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ). وعفا عن قومٍ استأذنوه في الجهاد فقال الله له: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ). لكنهم معصومون من الإقرار على الخطأ، يعني لو حصل منهم خطأ في اجتهادٍ اجتهدوه فإن الله تعالى لا بد أن يعصمهم من الاستمرار فيه، بخلاف غيرهم فإنهم لا يعصمون من ذلك.
***
يوجد في مدينة الكوفة مسجد يقال: إن جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام قد زاروا هذا المسجد، ولكل نبي فيه محراب ودعاء مكتوب على المحراب، والناس يزورون هذا المسجد بكثرة ويتنقلون بين محاريبه، ويدعون عند كل محراب بما كتب عليه من الدعاء بعدد الركعات التي يريد الزائر أن يصلىها. فهل هذا صحيح؟ وهل زيارة هذا المسجد لهذا الغرض جائزة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا باطل قطعاً، فإن سيد الأنبياء والمرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم لم يزره بلا ريب، وكذلك الأنبياء قبله لا يمكن أن يكونوا قد زاروه؛ لأنه لو قصد بالأنبياء الأنبياء الذين لم يرسلوا فإنهم أربعة وعشرون ألفاً، وإن قصد الرسل فهم ثلاثمائة وبضعة عشر رسولاً، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا قد زاروا هذا المسجد، وإنما هذا من التزوير الذي يقصد به أكل المال بالباطل وصد الناس عن سبيل الله. والذهاب إلى هذا المسجد بهذه النية محرم ولا يجوز، والواجب على المسلمين أن يتحققوا في هذه الأمور، وأن ينصحوا من مارس القيام بتعظيمها واحترامها، وليس هناك مساجد تشد الرحال إليها إلا ثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى. وماعدا ذلك من المشاهد أو المساجد فإنه لا يجوز أن تشد إليها الرحال مطلقاً في أي حال من الأحوال، ثم إن غالب هذه الأمور تكون كذباً مزوّرة، والمؤمن العاقل يعرف أن هذا من التزوير بأول نظرة.
فضيلة الشيخ: لكن ما حكم الصلاة فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قلت في الجواب: إنه لا يجوز قصده للصلاة فيه، وإنه حرام وأما الصلاة فيه كبقعة، مثل: أن يمر به الإنسان مروراً عابراً فيصلى فيه، فإنه لا بأس به.
فضيلة الشيخ: يعني: دون أن يعتقد فيه شيئاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: دون أن يعتقد ما ذكره السائل؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً). إلا أن يخشى أن يفتتن أحد بصلاته فيه، فإنه يتجنبه ويتقدم عنه، ويصلى في مكان آخر.
***
يقول السائل محمد عمر أحمد من السودان: قيل: إن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم جاءه ملك وفتح صدره وملأه نوراً، فما مدى صحة هذا الكلام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام صحيح، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام حين عرج به جاءه جبريل فشق ما بين نحره إلى أسفل بطنه، واستخرج قلبه فملأه حكمة وإيماناً وليس نوراً، ولكن ملأه حكمة وإيماناً، والإيمان والحكمة من النور المعنوي.
***
السائلة أم أسامة من مصر أسوان تقول: سمعت من بعض الإخوة يقول بأن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلق من نور، وأن آدم خلق من نور محمد، فهل هذا القول صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول من أبطل الباطل، وهو كذب مخالف لقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) .ولقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ). والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بني آدم، وهو سيد ولد آدم، وهو مخلوق من نطفة أبيه, وأبوه مخلوق من نطفة جده، وهكذا إلى أن يصل الخلق إلى آدم الذي خلقه الله من سلالة من طين. والعجب أن هؤلاء الذين يأتون بهذه الأكاذيب تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضهم عنده تهاون في دينه، واتباعه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولعلهم يجهلون أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الغلو فيه وحذر منه. وإن نصيحتي لهؤلاء أن يتلقوا معتقدهم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يعلموا أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشر مثلنا، كما أمره الله أن يقول ذلك ويعلنه على الملأ: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ). فقد تميز صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالوحي، وبما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق، وبأنه أتقى الناس لله وأعبد الناس لله، لكنه بشر، وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعلم أنه بشر مثلنا ينسى كما ننسى فقال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني). انظر التواضع العظيم: أخبر أنه بشر ينسى، ومع ذلك قال: (إذا نسيت فذكروني). ولن ينقص ذلك من قدره شيئاً، بل هو أكمل الخلق إيماناً وتقوى وزهداً وخلقاً عليه الصلاة والسلام، ومن أراد أن يحشر تحت لوائه يوم القيامة فليكن تحت لواء سنته في الدنيا، ولا يتعدَّ حدود الله ولا يقصر عنها، فلا غلو ولا تحريف، هذا الواجب علينا. ولقد قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ). فمن كان صادقاً في دعوى المحبة لله أو المحبة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فليتبع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك يقيم بينة على صدق دعواه، وأما أن يدعي أنه متبع للرسول محب للرسول، وهو يقول في الرسول ما ليس حقيقة، ويبتدع في دينه ما لم يشرع، فإن البينة تخالف دعواه.
***
يوجد في القرآن الكريم سورة سميت بسورة لقمان، فمن هو هذا الشخص الذي يدعى لقمان؟ وهل أوتي النبوة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سميت سورة لقمان لأنه ذكر فيها قصة لقمان وعظته لابنه، وتلك الوصايا التي ذكرها له، والسورة تسمى باسم ما ذكر فيها أحياناً، كما يقال: سورة البقرة، سورة آل عمران، سورة الإسراء، وما أشبه ذلك.
فضيلة الشيخ: أيضاً يقول: من هذا الشخص الذي يدعى لقمان؟ وهل أوتي النبوة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه ليس بنبي، وأن الله تعالى آتاه الحكمة وهي موافقة الصواب مع العلم، وقولنا: مع العلم، للتبيان وإلا فلا صواب إلا بعلم، والصواب أنه ليس من الأنبياء، وإنما هو رجل آتاه الله الحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.
**
يزعم بعض الناس من المسلمين أن نبي الله الخضر عليه السلام لا يزال حياً يطوف على الأرض، وأنه إذا مر على إنسان وطلب منه الإحسان فقدمه له، إن كان ذلك الإنسان فقيراً صار غنيا،ً ويأتي إلى الناس بهيئة المجانين كي لا يعرفوه، وصار كثير من الناس يقدمون الإحسان لكل من يأتيهم بمثل تلك الهيئة، ظناً منهم أن يكون هو الخضر عليه السلام، فهل هذا الزعم الأسطوري وارد في الحديث الشريف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكلام على هذا السؤال من وجهين: أولاً: قول السائل: إن نبي الله الخضر، وجزمه بأنه نبي: هذا محل خلاف بين أهل العلم، هل كان الخضر نبياً، أو كان ولياً أعطاه الله سبحانه وتعالى من الكرامات ما علم به مآل ما جرى بينه وبين موسى عليه الصلاة والسلام؟ والراجح أنه ليس بنبي، وأنه ولي من أولياء الله؛ لأدلة ليس هذا موضع بسطها. الوجه الثاني: من حيث بقاء هذا الرجل- أعني: الخضر- إلى الآن: فإن هذا لا يصح إطلاقاً؛ لأنه لو كان الخضر حياً لكان يجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن به ويتبعه لو كان حياً، على فرض أن يكون حياً لكان قد مات أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه في آخر حياته أنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها ذلك اليوم أحد، فلو فرض أن الخضر قد بقي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لكان لا يمكن أن يبقى بعد مائة السنة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعليه فإن الخضر لا وجود له وليس بموجود. ثم إن هذا الزعم الباطل الذي يقتضي السخرية والاستهزاء به، حيث يقول: إنه يأتي إلى الناس بصورة المجنون لئلا يعرف، وإن من أتاه شيئاً وأهدى إليه شيئاً فإنه يصبح غنياً، فإن هذا باطل من أبطل الباطل. أيضاً والمهم أنه يجب على المؤمن أن يعتقد بأن الخضر ليس بموجود؛ للدليلين اللذين أشرنا إليهما فيما سبق: أنه لو كان موجوداً لم يسعه إلا أن يأتي للنبي عليه الصلاة والسلام ويؤمن به ويتبعه، وأنه لو كان موجوداً لكان يموت قبل أن تأتي مائة السنة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***
أحسن الله إليكم يقول السائل: هل هناك خصائص اختصها الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تكن لغيره من أفراد أمته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الخصائص التي اختص بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليست لأمته كثيرة جدّاً، وقد ذكر العلماء رحمهم الله- أعني بهم: الفقهاء، ذكروا- في كتاب النكاح خصائص كثيرة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن أحب أن يرجع إليها فليفعل. ومن ذلك ما ذكره الله تعالى في القرآن حيث قال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) إلى قوله: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ). فهنا بين الله عز وجل أن النكاح بالهبة لا يحل إلا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. كما أن هذه الأمة خصها الله تعالى بخصائص لم تكن لغيرها من الأمم، كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) وذكر تمام الحديث. فالحاصل أن الله سبحانه وتعالى يختص من شاء من عباده بأحكام شرعية وغيرها مما لا يكون لغيره.
***
محمد جميل حسين مصطفى من الجمهورية العراقية يسأل عن الصلاة على الأنبياء يقول: هل يجوز الصلاة على الأنبياء الآخرين غير محمد صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب: نعم تجوز الصلاة على الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام، بل تجوز الصلاة أيضاً على غير الأنبياء من المؤمنين: إن كانت تبعاً فبالنص والإجماع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل: كيف نصلى عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمدٍِ، كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد). وآل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الجملة هم المتبعون لشريعته من قرابته وغيرهم، هذا هو القول الراجح، وإن كان أول وأولى من يدخل في هذه- أي: في آل محمد- هم المؤمنون من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن مع ذلك هي شاملة لكل من تبعه وآمن به؛ لأنه من آله وشيعته. والصلاة على غير الأنبياء تبعاً جائزة بالنص والإجماع، لكن الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً لا تبعاً هذه موضع خلاف بين أهل العلم هل تجوز أو لا؟ فالصحيح جوازها، أنه يجوزأن يقال لشخص مؤمن: صلى الله عليه، وقد قال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عليهم) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى على من أتى إليه بزكاته وقال: (اللهم صلِّ على آل أبي أوفى، حينما جاؤوا إليه بصدقاتهم). إلا إذا اتخذت شعاراً لشخص معين كلما ذكر قيل: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز لغير الأنبياء، مثل: لو كنا كلما ذكرنا أبا بكر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عمر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عثمان قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا علياً قلنا: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز أن نتخذ شعاراً لشخص معين.
جزائرــــية
2009-09-17, 09:58
***
كنت في سنوات بعيدة مضت أظن أن الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هي ركعات، وقد صلىت عدداً من الركعات ظنّاً مني أن هذه هي الصلاة عليه، وبدون شك لم أقصد أن أشرك بالله في العبادة- والعياذ بالله من الشرك، لا إله إلا الله فما رأيكم جزاكم الله خيراً ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أنبه أنه يجب على الإنسان ألا يعمل عملاً يتقرب به إلى الله ويتعبد به لله عز وجل حتى يكون على علم بأن هذا من شريعة الله؛ ليعبد الله تعالى على بصيرة، دليل ذلك قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً). فهذا الذي فهم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها الركوع والسجود له قد فهم فهماً مخطئاً باطلاً، لكن لكونه مستنداً على أصل يظنه صحيحاً أرجو أن الله تعالى لا يؤاخذه بما فعل، وعليه أن يستغفر الله تعالى ويتوب إليه مما قصر فيه من طلب العلم، ومادام علم الآن أن هذا ليس المقصود بالأمر بالصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنه تبين له أن معنى الصلاة عليه أن تقول: اللهم صل على محمد أو ما يؤدي هذا المعنى، فأرجو الله أن يتجاوز عنه وأن يغفر له.
***
لمستمع الذي رمز لاسمه بـ: أ. ح. الأردن يقول في رسالته: هل محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق قاطبة، أم أفضل البشر فقط؟ وما الدليل على ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب الذي أعلمه من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم كما ثبت ذلك عنه، وأما أنه أفضل الخلق على الإطلاق فلا يحضرني الآن دليل في ذلك، لكن بعض أهل العلم صرح بأنه أفضل الخلق على الإطلاق، كما في قول صاحب الأرجوزة:
وأفضل الخلق على الإطلاق نبينا فمل عن الشقاق
والمهم أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله تعالى إلى الثقلين الإنس والجن هادياً ومبشراً ونذيراً، فعلينا أن نؤمن به تصديقاً لأخباره، وامتثالاً لأوامره، واجتناباً لنواهيه، هذا هو الذي ينفع الإنسان في دينه ودنياه ومعاشه ومعاده.
***
جزاكم الله خيراً يا فضيلة الشيخ، هناك أناس غلوا في الرسول وتجاوزوا الحد في محبته، وهناك أناس فرطوا وتساهلوا في محبته، كيف نوجه مثل هؤلاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كلهم أخطؤوا: الذين فرطوا والذين أفرطوا، والخطر عظيم على الجميع. أما الذين غلوا فيخشى عليهم من الإشراك به، ولهذا ادعى بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم الغيب، وأنه يشفي المريض، وأنه يزيل الكربات، فصاروا يدعونه، فالتحقوا بذلك بالمشركين وهم لا يشعرون. وأما الطرف الثاني فيخشى عليهم من التهاون في الشريعة شيئاً فشيئاً حتى يقضى عليها، ولهذا المحب له حقيقة هو المتبع لسنته بدون غلو ولا تفريط.
***
يقول: كيف تحقق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تحقق محبة الرسول ومحبة الله عز وجل باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل من كان أتبع لرسول الله كان أحرى بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله، يقول الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ). وعلامة محبة الرسول أن يتحرى الإنسان سنته فيتبعها، ولا يزيد في ذلك ولا ينقص. وعلى هذا فالذين يبتدعون بدعاً تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم، يدَّعون أن ذلك من محبته وتعظيمه، هم في الحقيقة لم يحبوه ولم يعظموه، وذلك لأن حقيقة المحبة والتعظيم أن تتبع آثاره، وأن لا تزيد في شرعه ولا تنقص منه، وأما من أراد أن يحدث في شرع الله ما ليس منه فإن محبته لله ورسوله قاصرة بلا شك؛ لأن كمال الأدب والتعظيم أن لا تتقدم بين يدي الله ورسوله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) .
***
يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في قبره يسمع ويرد، وضحوا لنا كيف يكون ذلك في حياته؟ والذين يقولون هذا الكلام يستندون للآية الكريمة: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ). وإذا كان الشهداء أحياء فكيف لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هذا في قولهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: أما كونه صلى الله عليه وسلم يسمع ويرد فليس به غرابة، فقد روى أبو داود في سننه: (أنه ما من رجل يسلِّم على رجل في قبره وهو يعرفه في الدنيا، إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام). فلا غرابة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليه المسلم يرد الله عليه روحه فيرد السلام. وأما كونه حيّاً في قبره: فالشهداء أحياء عند الله، والله تبارك وتعالى لم يقل: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء في قبورهم، بل قال: بل أحياء عند ربهم يرزقون. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن وصلى عليه صلاة الجنازة وخلفه من خلفه من أصحابه، وليسوا يقدمون له الأكل والشرب، وهم يعلمون أنه مات، كما قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ). وكما قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ). وهذا أمر معلوم بالضرورة من الدين، ولا يماري فيه أحد، وحياة الشهداء عند الله عز وجل ليست كحياة الدنيا، أي: ليست حياة يحتاج فيها الإنسان إلى أكل وشرب أو هواء ويعبد ويدعو، هي حياة برزخية ,الله تعالى أعلم بكيفيتها. وعلى هذا فلا يحل لأحد أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله اشفع لي، يا رسول الله استغفر لي؛ لأن هذا غير ممكن، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يستغفر لأحد بعد موته، ولا يمكن أن يشفع لأحد إلا بإذن الله، وإذا أردت أن تسأل سؤالاً صحيحاً فقل: اللهم ارزقني شفاعة نبيك، اللهم شفعه فيَّ، وما أشبه ذلك.
***
يقول السائل: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن أعمال العباد تعرض عليه وهو في قبره. هل هذا حديث صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام تعرض عليه، الصلاة عليه، يعني: إذا صلىنا على النبي صلى الله عليه وسلم فإنها تعرض عليه وتبلغه أينما كنا، أما سائر أعمالنا فلا يحضرني الآن هل هو صحيح أو غير صحيح.
***
يقول السائل: إذا قام شخص بقراءة القرآن، أو وضع قدميه وهو متجه إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، هل عليه إثم في ذلك؟
الشيخ: ليس عليه إثم في ذلك، فإن مد الرجلين إلى اتجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا حرج فيه، ولا يحتاج أن أقول: بشرط أن لا يكون مستهيناً برسول الله صلى الله عليه وسلم أو محتقراً له؛ لأن هذا لا يمكن أن يقع من مسلم، فمد الرجلين إلى نحو قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا بأس به، وهذا يقع كثيراً، كالذين يكونون في الصف الأول في المسجد النبوي فإنهم يستندون إلى الجدار القبلي، وحينئذ تكون أرجلهم إن مدوها ممدودة نحو القبر.
***
هل هناك فرق بين المعجزات وآيات الأنبياء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: آيات الأنبياء هي المعجزات، وسماها بعض المتأخرين معجزات، والصواب أنها آيات؛ لأنها جمعت بين أمرين: بين كون البشر لا يستطيعون مثلها وهذا إعجاز؛ وكونها دليلاً على نبوة هذا النبي ورسالته، وهذه آية علامة، ولهذا ينبغي أن نسمي ما تأتي به الأنبياء من المعجزات نسميها آيات كما سماها الله تعالى في كتابه . هناك معجزات وليست بآيات، لكنها من الشياطين: فالساحر ربما يُرى طائراً في الجو، وهذا معجز لا يستطيع البشر أن يفعلوه، لكنه من فعل الشياطين. وهناك كرامات يكرم الله بها من شاء من عباده الأولياء والصالحين، تكون معجزة لكنها آية على صحة ما كان عليه هذا الولي، وعلى صحة الشريعة التي كان يعمل بها، ولهذا نقول: كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي يتبعه هذا الولي؛ لأنها شاهد من الله على صدقه. وكرامات الأولياء موجودة في الأمم السابقة وفي هذه الأمة، ولا تزال فيها إلى يوم القيامة: في الأمم السابقة أصحاب الكهف، اعتزلوا قومهم المشركين وأووا إلى الغار، فهيأ الله لهم غاراً، وألقى عليهم النوم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً، وفي هذه المدة لم يتغير منهم شيء، لم يحتاجوا لطعام ولا لشراب ولا لبول ولا لغائط، ولم تَنمُ أظفارهم ولا شعورهم، كأنما ناموا يوماً واحداً، ولهذا لما بعثهم الله عز وجل وأيقظهم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). مما يدل على أنهم لم يصبهم شيء من العوارض البشرية، لا جوع ولا عطش ولا بول ولا غائط، ولا نمو شعور ولا أظفار، حتى صلحت أحوال القرية وماتت سلاطينهم التي تعينهم على الشرك . مريم رضي الله عنها أجاءها المخاض إلى جذع النخلة فقيل لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ). امرأة لتوها ولدت، وما أعلمك بالتعب عند الولادة، أمرت أن تهز جذع النخلة جذع النخلة، لو هزه أي إنسان ما يهز علوه، لكن هي قيل لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) ففعلت (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) تسقط الرطب من فوق إلى الأرض ولا تفسد، مع أنها رطب لينة اصطدامها على الأرض يوجب أن تتقطع، لكن تبقى كأنها مجنية، كأن رجلاً خرقها (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً). هذه من الكرامات التي أكرم الله بها من شاء من عباده، في هذه الأمة موجودة: كان سارية بن زنيد أميراً على سرية في العراق، وكان عمر رضي الله عنه يخطب الناس يوم الجمعة، فسمعوه يقول: يا سارية الجبل! يا سارية الجبل! أمير المؤمنين يخطب ثم يقول هذا الكلام، ما هذا؟ فأخبرهم أنه كشف له عن هذا في سريته والعدو محيط به، فناداه عمر: يا سارية الجبل! يعني: ارجع إلى الجبل، فسمع سارية، فهذه ثلاثة أشياء: كشف لعمر فشاهدهم، ناداهم فسمعوه، لجؤوا إلى الجبل بقيادة السلطان وهو على منبر، سبحان الله! كرامة من الله عز و جل. ولهذا كان من مذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، ولكن الولي من هو؟هل كل من ادعى الولاية هو ولي؟ ليس كل من ادعى الولاية هو ولياً، قال الله عز وجل: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس:62- 63). اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
***
أسأل عن الإسراء والمعراج بمحمد صلى الله عليه وسلم، هل صعد إلى سدرة المنتهى بروحه وجسده أم روحه فقط؟ أفتونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المعراج الذي حصل للرسول صلى الله عليه و سلم كان بجسده وروحه، قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى). وقال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى). والعبد- وكذلك الصاحب- لا يكون إلا في الروح والجسد، فالنبي صلى الله عليه وسلم أسري به بجسده وروحه، وعرج به إلى السماوات حتى بلغ مستوى بجسده وروحه صلى الله عليه و سلم، ولو كان ذلك بروحه فقط ما أنكرت قريش ذلك، إذ إن المنامات يقع منها شيء كثير من جنس هذا، ولكنه كان صلى الله عليه و سلم قد أسري به بجسده وروحه، وعرج به إلى السماوات كذلك.
جزائرــــية
2009-09-17, 10:09
12/ الإيمان باليوم الآخر
هذا المستمع يقول:ما هو أثر الإيمان باليوم الآخر على عقيدة المسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى:الإيمان باليوم الآخر هو أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله،وملائكته،وكتبه،ورسله،واليوم الآخر).وأثر الإيمان على قلب المؤمن وعمله كبير:فإن الإنسان إذا آمن باليوم الآخر عمل له،والعمل لليوم الآخر هو فعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله،وإذا فقد الإيمان باليوم الآخر فلا إيمان؛لأنه أحد أركان الإيمان،ففي فقده فقد ركن من أركان الإيمان،والإيمان لا يتبعض في أركانه،لا بد أن يؤمن الإنسان بجميع أركان الإيمان،وإلا فلا إيمان له.فأثر الإيمان باليوم الآخر عظيمٌ جداً،ولهذا يقرنه الله تبارك وتعالى بالإيمان به في مواضع كثيرة من القرآن؛لأن الإيمان به هو الذي يحمل الإنسان على العمل،وقد قال الله تعالى مبيناً أن جحده كفر: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ).فأمر الله نبيه أن يقسم على البعث،وبين تبارك وتعالى أن ذلك يسيرٌ عليه فقال: (وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).وقال عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .
***
المستمع من مصر سيد عباس يقول: ما هي العلامات الصغرى المتبقية فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنه يريد علامات الساعة، وفيها ما وقع وفيها ما هو مستقبل. ومن علامات الساعة التي وقعت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكونه خاتم النبيين؛ لأن كونه خاتم النبيين يؤذن بقرب انتهاء الدنيا، والأمر كذلك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الناس ذات يوم في آخر النهار وقال: (إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل ما بقي من يومكم هذا) وكانت الشمس على رؤوس النخل، أي: قريبة من الغروب. ومنها ما أشار إليه النبي عليه الصلاة السلام حين سأله جبريل قال له: متى الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل). قال له جبريل: أخبرني عن أماراتها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان). ومنها انتشار الربا، وقد وقع وانتشر الربا كثيراً بين الأمة الإسلامية. ومنها فساد أحوال الناس، فإن كثيراً من بلاد المسلمين فيها شر كثير ومعاص معلنة، نسأل الله العافية والسلامة. وقد صنف العلماء رحمهم الله في ذلك كتباً مستقلة أحياناً، وفي ضمن كتاب يشتمل عليها وعلى غيرها أحياناً أخرى، فنرشد السائل إلى مراجعتها.
***
تقول السائلة: ما صحة القول بأن أول علامات الساعة الكبرى هي طلوع الشمس من مغربها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح، طلوع الشمس من مغربها متأخر؛ لأن الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى كلها قبل طلوع الشمس من مغربها.
***
يقول السائل: أقرأ هذا الدعاء في كل صلاةٍ قبل السلام، وهو: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. أريد أن أعرف: من هو المسيح الدجال؟ وما هي فتنته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء الذي أنت تدعو به في صلاتك بقي عليك شيء، وهو أنك تستعيذ من أربع، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال). هذه الأربع أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منها بعد التشهد وقبل السلام. أما المسيح الدجال: فإنه رجل يخرج في آخر الزمان يَدَّعي الربوبية، ويعطيه الله تبارك وتعالى من الآيات ما يكون سبباً للفتنة؛ امتحاناً من الله تعالى واختباراً ,هذا الرجل رجلٌ أعور، ولهذا سُمي المسيح لمسح إحدى عينيه، وهو معه جنةٌ ونار، فمن أطاعه أدخله الجنة، ولكنه لا يجد جنةً وإنما يجد ناراً، ومن عصاه أدخله النار التي معه، ولكنه لا يجدها ناراً وإنما يجدها ماءً عذباً طيباً، أو جنة كما ورد في بعض ألفاظ الحديث. ويمكث في الأرض أربعين يوماً: اليوم الأول بمقدار سنة، والثاني بمقدار شهر، والثالث بمقدار أسبوع، وبقية الأيام كأيامنا، وقد سأل الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا اليوم الذي كسنة: هل تكفي فيه صلاة يوم واحد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا اقدروا له قدره). أي:إن هذا اليوم الأول من أيام الدجال يُصلى فيه صلاة سنةٍ كاملة؛ لأنه عن سنةٍ كاملة، واليوم الثاني يصلى فيه صلاة شهر، واليوم الثالث يُصلى فيه صلاة أسبوع، وبقية الأيام تصلى في كل يوم خمس صلوات. ثم إن هذا الدجال مع ما يحصل من فتنته العظيمة يوفق الله سبحانه وتعالى المؤمنين فيعرفونه بعلامته، فإنه مكتوبٌ بين عينيه: كافر، كاف وفاء وراء يقرؤها كل مؤمن الكاتب وغير الكاتب، ويعمى عنها من ليس بمؤمن ولو كان قارئاً. ثم إنه أيضاً يُؤتى إليه برجل ليفتتن به، فيقول هذا الرجل: أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقطعه الدجال قطعتين ثم يمشي بينهما، ثم يقف فيدعوه، يدعو هذا الرجل المقتول المفرق قطعتين، فيقوم هذا الرجل حياً والناس ينظرون إليه، فيقول له: أتشهد أني الله؟ فيقول: أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقطعه مرةً أخرى ثم يعود فيدعوه، فيقوم ويقول: أشهد أنك أنت الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيريد أن يقتله كما قتله المرتين الأوليين،ولكنه يعجز عنه، فيأخذ به ويلقيه في النار، ولكنه كما أسلفنا النار التي معه جنةٌ وماءٌ عذب، كما جاء به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونهاية هذا الدجال أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ينزل من السماء؛ لأن عيسى بن مريم قد رفعه الله تعالى إلى السماء حياً لم يمت، ثم ينزل في آخر الزمان فيقتل هذا المسيح الدجال وتنتهي فتنته.
***
يقول السائل:من هم يأجوج ومأجوج الذين ذكروا في القرآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يأجوج ومأجوج قبيلتان عظيمتان كبيرتان من بني آدم؛لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث الصحيح: (إنه إذا كان يوم القيامة ينادي الله سبحانه وتعالى:يا آدم!فيقول:لبيك وسعديك!فيقول الله تعالى:أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار.فيقول:يا رب وما بعث النار؟قال:من كل ألفٍ تسعمائة وتسعةٌ وتسعون.يعني:هؤلاء كلهم في النار من بني آدم،وواحد في الجنة.فعظم ذلك على الصحابة فقالوا:يا رسول الله!أينا ذلك الواحد؟فقال صلى الله عليه وسلم:أبشروا!فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه:يأجوج ومأجوج،منكم واحد ومنهم تسعمائة وتسعةٌ وتسعون).فهما قبيلتان عظيمتان،لكنهما من أهل الشر والفساد،والدليل على ذلك أمران:أمرٌ سابق،وأمرٌ منتظر.فأما الأمر السابق:فما حكاه الله سبحانه وتعالى عن ذي القرنين أنهلمابلغ السدين ( وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً (94)) إلى آخر ما ذكر الله عز وجل.والشاهد من هذا قولهم: (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ)،وطلبوا من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبينهم سدّاً.وأما الشر والفساد المنتظر:فهو ما جاء في حديث النواس بن سمعان الطويل (أن الله سبحانه وتعالى يوحي إلى عيسى أنه أخرج عباداً لله لا يدان لأحدٍ بقتالهم،وأنهم يعيثون في الأرض فساداً،وأنهم يحصرون عيسى ومن معه في الطور).وهذا هو الفساد المرتقب منهم،فسيخرجون في آخر الزمان من كل حدبٍ ينسلون،ويعيثون في الأرض فساداً،حتى يدعو عيسى بن مريم ربه عليهم،فيصبحون موتى كنفسٍ واحدة.هؤلاء هم يأجوج ومأجوج،وأما ما يذكر في الإسرائيليات من أن بعضهم طويلٌ طولاً مفرطاً،وأن بعضهم قصيرٌ قصراًمفرطاً،وأن بعضهم لديه آذانٌ يفترش إحدى الأذنين ويلتحف بالأخرى،وما أشبه ذلك:فإن كل هذا لا صحة له،بل الصحيح الذي لا شك فيه أنهم كغيرهم من بني آدم،أجسادهم وما يحسون به وما يشعرون به،فهم بشر كسائر البشر،لكنهم أهل شرٍ وفساد.
***
يقول السائل:كثيراً ما نسمع أن الساعة لا تقوم حتى يعم الإسلام الأرض،ونسمع من جهةٍ ثانية أنها لا تقوم ويبقى من يقول:لا إله إلا الله في الأرض،فكيف نوفق بين هذين القولين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوفيق بينهما سهل،وهو:أن كل واحدٍ منهمافي زمنٍ غير زمن الآخر،فالإسلام يعم الأرض كلها،ثم بعد ذلك يندثر هذا الإسلام ويموت المؤمنون،ولا يبقى إلا شرار الخلق،وعليهم تقوم الساعة.
***
ما مدى صحة ما يقال بأن من يموت في رمضان أو يوم الجمعة لا يعذب عذاب القبر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عذاب القبر ثابت لكل من يستحقه،سواء مات في يوم الجمعة أو في رمضان أو في أي وقت آخر، ولهذا كان المسلمون يقولون في صلاتهم، في كل صلاة من صلواتهم في التشهد الأخير:أعوذ بالله من عذاب جهنم،ومن عذاب القبر،ومن فتنة المحيا والممات،ومن فتنة المسيح الدجال.إلا أن من مات مجاهداً في سبيل الله فإنه لا يأتيه الملكان اللذان يسألانه عن دينه وربه ونبيه؛لأن بارقة السيوف على رأسه أكبر امتحان له واختبار،وأكبر دليل على أنه مؤمن،وإلا لما عرض رقبته لأعداء الله.
***
المستمع عدنان من المملكة الأردنية الهاشمية يقول:هل الميت يبصر؟وما مدى بصيرته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الميت لا يبصر البصر المعروف في الدنيا؛لأنه قد فقد الإحساس بموته،لكنه يبصر ما يراه في قبره من عالم الآخرة،ويفسح له في قبره مد البصر إن كان مؤمناً،ويرى الملكين يسألانه عن ربه ودينه ونبيه.وأما ما يتعلق بأمور الدنيا فإنه لا يبصره؛لأنه قد حجب عن أمور الدنيا بموته.
***
إذا توفي الإنسان هل يذهب إلى الجنة أو إلى النار بعد وفاته،أو يبقى في القبر إلى يوم القيامة؟نرجو توضيح ذلك مع إضافة بعض المعلومات عن ذلك وشكراً لكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما جسم الميت فإنه يبقى في الأرض في المكان الذي دفن فيه إلى يوم القيامة،قال الله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَالأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ).وقال تعالى: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).فهو باقٍ في الأرض.وأما روحه فإنها تكون في الجنة أو تكون في النار،قال الله تبارك وتعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُالْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).فبين أن هذا القول يكون عند الوفاة،فمعنى ذلك أنهم يدخلون الجنة يوم وفاتهم،وهذا لا يكون إلا للروح،لا يكون للبدن.وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الميت في قبره إذا كان مؤمناً يفتح له بابٌ إلى الجنة،ويأتيه من روحها ونعيمها).وأما الكافر فإن روحه أيضاً يذهب بها إلى العذاب،قال الله تعالى عن آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).وفيها قراءة (وَيَوْمَ تَقُومُالساعة ادخُلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُالْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً).وقال تعالى: ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ).فهذا دليل على أن الميت المؤمن يلقى جزاءه في الجنة من يوم موته،والكافر يلقى عذابه في النار من يوم موته،وهذا بالنسبة للروح،أما البدن فإنه يبقى في الأرض إلى يوم القيامة،وقد تتصل الروح به معذبةً أو منعمة،كما تدل على ذلك الأحاديث.
***
مستمعة من العراق محافظة التأمين أشواق إلياس سليمان تقول:لقد ذكر الله جل شأنه في كتابه العزيز أن أصحاب الكهف ناموا أكثر من ثلاثمائة سنة،وأن العزير أماته الله سبحانه وتعالى مائة،ثم بعثهم وبعثه،وقد علمنا من شأنهم بقية القصة.السؤال:هل الموتى لا يحسون بمدة موتهم إلى أن يحييهم الله يوم القيامة؟وضحوا لنا ذلك جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً هي ذكرت قصتين قصة أصحاب الكهف،وقصة الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه،ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان عزيراً،فهو رجلٌ حصلت له هذه القصة.والعبرة لما في القصة من آيات الله عز وجل:أما أصحاب الكهف فإنهم لم يموتوا ولكنهم ناموا،ألقى الله عليهم النوم هذه المدة الطويلة التي قال الله عنها: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ).ولما استيقظوا تساءلوا: (كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)؛لأن النائم-كما هو مشاهد ومحسوس-لا يحس بالوقت،قد ينام الإنسان يوماً أو يومين وكأنه لم ينم إلا ساعة أو ساعتين،وهذا شيء مشاهد،والظاهر أن الموتى كالنُّوَّم،وهي التي صارت فيها القصة الثانية:فإن هذا الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها،فاستبعد أو استفهم:كيف يحييالله الأرض هذه القرية بعد موتها؟فأراه الله عز وجل هذه الآية العظيمة،أماته الله مائة سنة ثم بعثه من موته،وسأله: (كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ).ثم أمره عز وجل أن ينظر إلى طعامه وشرابه لم يتغير،مع أنه بقي مائة سنة،فلم ييبس من شمس ولا رياح،والطعام لم ينتن،بل هو باق كما،كان أما الحمار فإنه قد مات و ذهب جلده ولحمه ولم يبق إلا عظامه،فقال الله تعالى: (وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً).فشاهد العظام ينشز الله بعضها ببعض بواسطة العصب،فلما تكاملت كساها الله لحماً فكان حماراً كاملاً،وهذا من آيات الله العظيمة الدالة على قدرته،وأنه على كل شيء قدير.والخلاصة أن في هاتين القصتين من آيات الله العظيمة ما هو ظاهر للمعتبر،وأن الجواب على سؤال السائلة-وهو:أن الميت لا يدري عن المدة التي تمر عليه-:أن الظاهر أن الميت كالنائم،ينطوي عليه الوقت ولا يدري عن سرعته.
***
يقول:فضيلة الشيخ إمام وخطيب المسجد الجامع الكبير بعنيزةالسلام عليكم،سؤالي ما يلي:كيف يتأذى الميت بدخول إنسان لا يصلى معه في القبر؟ألم يكن كل واحد ذهب إلى مقعده:إن كان في الجنة فهو في الجنة،والثاني في النار فهو في النار؟أم كيف يكون التأذي؟أرجو من فضيلة الشيخ إجابة ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإجابة على هذا السؤال أن نقول:إنه لا يحل أن يدفن شخص لا يصلى مع شخص مسلم،بل ولا يحل أن يدفن وحده في مقابر المسلمين،والواجب أن يدفن من مات لا يصلى في مكان غير مقابر المسلمين؛لأنه ليس منهم.هذا القول الراجح الذي رجحناه بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم،وقد سبق لنا مراراً من هذا البرنامج ذكر الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة كفراًَ مخرجاً عن الملة،سواء كان مقراً بفرضيتها أم كان جاحداً بل إذا كان جاحداً،كفر وإن صلى،إلا أن يكون جاهلاً بأحكام الإسلام،كحديث عهد بالإسلام،فإنه يعرف ويبين له،فإن أقر بالوجوب و إلا كان كافراً.المهم أنه لا يجوز أن يدفن من لا يصلى مع شخص مسلم،ولا في مقابر المسلمين،بل إن المشروع ألا يدفن مسلم مع آخر في قبر واحد،وإنما يدفن كل واحد وحده في قبره.واختلف العلماء رحمهم الله:هل دفن الميت مع ميت آخر محرم لا يجوز إلا للضرورة،أو مكروه يجوز عند الحاجة إليه ولو بدون الضرورة،مع اتفاقهم لى أن المشروع أن يدفن كل ميت وحده؟وأما قول السائل:إنه يتأذى به،فهذا الأمر يحتاج إلى توقيف و إلى نص من الشرع أن الميت يتأذى بمن دفن معه إذا كان ممن يعذب في قبره،وهذا أمر لا أعلم عنه شيئاًمن السنة،وإن كان بعض العلماء رحمهم الله يقولون:إن الميت قد يتأذى بجاره إذا كان يعذب،وقد يتأذى بفعل منكر عنده،ولكن لم أجد دليلاً من السنة يؤيد هذا.والله أعلم.
***
جزائرــــية
2009-09-17, 10:15
المستمع عبد السلام محمود الطقش مصري يسأل ويقول:هل عذاب القبر يختص بالروح أم بالبدن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عذاب القبر ثابت بكتاب الله وسنة رسوله.أما في كتاب الله فقد قال الله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ).وفي قوله تعالى في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).وأما الأحاديث التي فيها عذاب القبر فهي كثيرة،ومنها الحديث الذي يعرفه الخاص والعام من المسلمين،وهو قول المصلى: (أعوذ بالله من عذاب جهنم،ومن عذاب القبر،ومن فتنة المحيا والممات،ومن فتنة المسيح الدجال).وعذاب القبر في الأصل على الروح،وربما يتصل بالبدن أحياناً،ولا سيما حين سؤال الإنسان عن ربه ودينه ونبيه حين دفنه،فإن روحه تعاد إلى جسده،لكنها إعادة برزخية لا تتعلق بالبدن تعلقها به في الدنيا،ويسأل الميت عن ربه ونبيه ودينه،فإذا كان كافراً أو منافقاً قال:هاه هاه لا أدري،سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.فيضرب بمرزبة من حديد،فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان،ولو سمعها الإنسان لصعق.
***
يقول:تنقسم حياة الإنسان إلى ثلاث: حياة الدنيا وهي التي نعيشها،ثانيا:ً حياة الآخرة معروفة،ثالثا:ً بين الحياة الدنيا وبين الآخرة حياة البرزخ،فما هي حياة البرزخ؟وهل الإنسان يكون بجسده وروحه فيها؟أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حياة البرزخ حياةٌ بين حياتين،وهذه الأنواع الثلاثة للحياة تكون من أدنى إلى أعلى:فحياة البرزخ أكمل من الحياة الدنيا بالنسبة للمتقين؛لأن الإنسان ينعم في قبره،ويفتح له بابٌ إلى الجنة،ويوسع له مد البصر.وحياة الآخرة-وهي الجنة التي هي مأوى المتقين-أكمل وأكمل بكثيرٍ من حياة البرزخ.وكذلك يقال بالنسبة للكافر،يقال:إن حياته في قبره أشد عذاباً مما يحصل له من عذاب الدنيا،وعذابه في النار التي هي مأوى الكافرين أشد وأشد،فحياة البرزخ في الواقع حياةٌ بين حياتين في الزمن وفي الحال،فحال الإنسان فيها بين حالين:دنيا وعليا،وكذلك الزمن كما هو معروف.أما سؤاله:هل تكون الحياة البرزخية بالروح والبدن؟فهي قطعاً بالروح بلا شك،ثم قد تتصل بالبدن أحياناً إن بقي ولم تأكله الأرض،ولم يحترق ويتطاير في الهواء،وقد لا تتصل.هذا هو القول الراجح في نعيم القبر أو عذابه:أنه في الأصل على الروح،وقد تتصل بالبدن،لكن ما يكون عند الدفن فالظاهر أنه يكون على الروح والبدن جميعاً؛لأنه جاء في الأحاديث ما يدل على ذلك،من أن الميت يجلس في قبره ويسأل،ويوسع له في قبره،ويضيق عليه حتى تختلف أضلاعه،وكل هذا يدل على أن النعيم أو العذاب عند الدفن يكون على البدن والروح.
***
ما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية أن الإنسان إذا دفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فأجلساه،وسألاه عن ثلاثة أشياء:من ربك؟وما دينك؟ومن نبيك؟فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة-جعلنا الله وإخواننا المسلمين منهم-فيقول المؤمن:ربي الله،وديني الإسلام،ونبييمحمد.وأما المنافق فإنه يقول:ها ، ها لا أدري،سمعت الناس يقولون شيئاًفقلته.ثم يبقى المؤمن منعماًفي قبره،والمنافق معذباًفي قبره.والعذاب يكون في الأصل على الروح،ولهذا يحس بالعذاب ولو تمزق بدنه وأكلته السباع،وربما تتصل الروح بالبدن ويكون العذاب على الروح والبدن جميعاً.ومسائل الآخرة كلها أمور غيب لا نطلع على شيء منها إلا عن طريق الوحي،ولهذا لا ينبغي لنا أن نتعمق في السؤال عنها؛لأننا سنصل إلى باب مسدود،ولن نصل إلى شيء من التفاصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة.وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان،وما يعذبان في كبير).يعني:أنهما لا يعذبان في أمر شاق عليهما،بل هو أمر سهل. (أما أحدهما فكان لا يستبرىء من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة).يعني:بنقل الكلام كلام الناس بعضهم ببعض؛ليفسد بينهم ويفرق بينهم .فأمر بجريدة رطبة فشقها نصفين،فجعل على كل قبر واحدة،فقالوا:لِمَصنعت هذا يا رسول؟الله قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).ففي هذا دليل واضح على ثبوت عذاب القبر،وأنه قد ينقطع وقد يخفف.أخذ بعض أهل العلم رحمهم الله من هذا أنه ينبغي أن يوضع على القبر جريدة رطبة،كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذين القبرين،لكن هذا مأخذ ضعيف جدّاً؛لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كان يضع الجريدتين أو الجريدة الواحدة في كل من قُبر،لكن وَضَعها على هذين القبرين اللذين يعذبان،فوضع شيء من هذا على القبر يبرهن على إساءة الظن بصاحب القبر،وأنه الآن يعذب.وثُم هو بدعة؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئاًلسبب فإنه لا يقتضي أن يكون عامّاًفي كل شيء،بل فيما ثبت في هذا السبب.ثم هذا السبب ليس أمراًمعلوماً،بحيث نعلم أن هذا الرجل يعذب في قبره فنضع له الجريدة،بل هو مجهول،وهو عذاب القبر،فلهذا ينهى أن يوضع على القبر شيء من الزهور أو شيء من الأغصان أو شيء من الجريد؛لأن ذلك كله من البدع،ومتى قصد به التخفيف من العذاب عن هذا القبر صار إساءة ظن بصاحبه.
***
يقول السائل:كيف النجاة من فتنة القبر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النجاة من فتنة القبر أن يموت الإنسان على الإسلام،فإنه إذا مات على الإسلام أنجاه الله؛لأنه إذا سئل:من ربك؟ما دينك؟من نبيك؟فسيجيب بالصواب،وحينئذ ينجو،فإن مات على نفاق-نسأل الله أن يعيذنا وإخواننا من النفاق-فإنه لن يجيب إذا سئل:من ربك؟ما دينك؟من نبيك؟قال:ها. ها لا أدري،سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.فهذا لا ينجو من الفتنة،ويعذب في قبره والعياذ بالله.
***
يقال:إنه إذا قامت القيامة فإن المسلمين الذين هم مؤدون للشريعة الإسلامية والمؤمنون بوجود الله ويوم القيامة وغير مؤدين بدين الإسلام فستأتيهم ريحٌ فيموتون،إلا الكفار فهم يرون أهوال يوم القيامة والأشياء التي تحصل حين قيام الساعة.ما مدى صحة ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا بصحيح،بل إذا قامت الساعة فإن جميع الناس مسلمهم وكافرهم يشاهدون هذا اليوم العظيم،وينالهم ما ينالهم من شدائده وهمومه وكروبه وغمومه،ولكن الله تعالى ييسره على المسلم،كما قال الله تعالى: (وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً).وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ).فاليوم عسير وشديد،وعسره وشدته على الجميع،ولكن هذا العسر والشدة ييسر على المؤمنين،ويكون غير شاقٍ عليهم،بخلاف الكافرين.
***
جزائرــــية
2009-09-17, 10:25
***
كيف يقوم الناس من قبورهم يوم القيامة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقوم الناس من قبورهم حفاةً عراةً غرلاً بُهماً. أما حفاةً فمعناه: أنه ليس في أقدامهم نعالٌ ولا خفاف ولا جوارب، وأما عراة فمعناه: أنه ليس عليهم ثياب، العورات بادية، كما خرجوا من بطون أمهاتهم يخرجون من بطون الأرض، كما قال الله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ). غرلاً أي: غير مختونين، أي: إن القلفة التي تقطع في الختان في الدنيا- وهي الجلدة التي على رأس الذكر- تعاد يوم القيامة، حتى يخرج الناس من قبورهم كما خرجوا من بطون أمهاتهم غير مختونين، وأما بُهماً فمعناه: أنه ليس معهم مال يعرفون به، فلا درهم ولا دينار ولا متاع ولا شيء ما هي إلا الأعمال الصالحة، هكذا يخرج الناس من قبورهم لرب العالمين جل وعلا.
***
هل صحيح أن يوم القيامة يخفف على المؤمن حتى يصير كأنه وقت قصير جدّاً؟ أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن المؤمن يخفف عنه ذلك اليوم حتى يكون يسيراً جدّاً، ودليل ذلك في كتاب الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى: (وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً). وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ). وقال تعالى: (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ). وكل هذا يدل أن هذا اليوم يكون يسيراً على المؤمنين، وبقدر ما يكون الإيمان عند العبد يكون اليسر في ذلك اليوم؛ لأن الجزاء من جنس العمل، نسأل الله أن ييسر علينا وعلى إخواننا المسلمين أهوال ذلك اليوم.
***
هذه رسالة وصلت من إحدى اخواتنا المستمعات محافظة واسط العزيزية العراق تقول في رسالتها بأنها فتاة مؤمنة بالله تعالى، تحاول جاهدة أن تلتزم بتعاليم الإسلام السمحة، تقول: كثيراً ما يراودني أفكار كثيرة عن مصيري والحساب يوم القيامة، حيث يبعث الله الخلائق ويحاسب الإنسان بما عمل. سؤال يا فضيلة الشيخ وهو الذي يحيرني هو أن يوم القيامة الذي يتم فيه الحساب هل هو يوم واحد أخير لا غير، يتم فيه حساب كافة الخلائق أم ماذا؟ أو لا يجوز لنا التفكير في ذلك نرجو بهذا إفادة مأجورين ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال المقدم عن هذه المرأة فيه إشكال يحتاج إلى الجواب كما قالت. وفيه أن المرأة أثنت على نفسها خيراً بكونها مؤمنة بالله تعالى، وتحاول جاهدة تصديق الشريعة الإسلامية، وهذا الثناء على النفس إن أراد به الإنسان أن يتحدث بنعمة الله عز وجل، أو أن يتأسى به غيره من أقرانه ونظرائه فهذا لا بأس به، وإن أراد به الإنسان تزكية نفسه و إدلاله بعمله على ربه عز وجل فإن هذا فيه شيء من المنّة، وقد قال الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). وأما إذا كان المراد به مجرد الخبر فلا بأس به، لكن الأولى تركه، فالأحوال إذاً في مثل هذا الكلام الذي فيه ثناء المرء على نفسه أربع: الحال الأولى: أن يريد بذلك التحدث بنعمة الله عليه فيما حباه من نعمة الإيمان والثبات، الثانية: أنه يريد بذلك تنشيط أمثاله ونظرائه على مثل ما كان عليه، فهاتان الحالان محمودتان؛ لما تشتملان عليه من هذه النية الطيبة. الحال الثالثة: أن يريد بذلك الفخر والتباهي والإدلال على الله عز وجل بما هو عليه من الإيمان والثبات، وهذا غير محمود؛ لما ذكرناه من الآية. الحال الرابعة: أن يريد بذلك مجرد خبر عن نفسه لما هو عليه من الإيمان والثبات، فهذا جائز ولكن الأولى تركه أما المشكلة التي ذكرت في سؤالها وتريد الجواب عنها، وهي أن يوم الحساب يوم واحد أو أكثر؟ فجوابها: أن يوم الحساب يوم واحد، ولكنه يوم مقداره خمسون ألف سنة، كما قال الله تعالى:(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)) أي أن هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب و لافضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى به جبينه وجنبه و ظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد). وهذا يوم طويل، وهو يوم عسير على الكافرين، كما قال تعالى: (وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً). وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ). ومفهوم هاتين الآيتين أنه على المؤمن يسير وهو كذلك، فهذا اليوم الطويل بما فيه من الأهوال والأشياء العظيمة ييسره الله تعالى على المؤمن، ويكون عسيراً على الكافر، أسأل الله أن يجعلني وإخواني المسلمين ممن ييسره الله عليهم يوم القيامة. والتفكير والتعمق في مثل هذه الأمور الغيبية هو من التنطع الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون). ووظيفة الإنسان في هذه الأمور الغيبية التسليم، وأخذ الأمور على ظاهر معناها، دون أن يتعمق أو يحاول المقايسة بينها وبين الأمور في الدنيا، فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا، وإن كانت تشبهها في أصل المعنى وتشاركها في ذلك، لكن بينهما فرق عظيم. وأضرب لك مثلاً بما ذكره الله سبحانه وتعالى في الجنة من النخل والرمان والفاكهة ولحم الطير و العسل والماء واللبن والخمر وما أشبه ذلك، مع قوله عز وجل: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ). وقوله في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). فهذه الأسماء التي لها مسميات في هذه الدنيا لا تعنى أن المسمى كالمسمى، وإن اشترك في الاسم وفي أصل المعنى، فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة، فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة، وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى، وأن لا يحاول شيئاً وراء ذلك. ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحض- أي: العرق- وصار يتصبب عرقاً، وذلك لعظم السؤال في نفسه، ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي كانت ميزاناً لجميع ما وصف الله به نفسه، قال رحمه الله: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فالسؤال المتعمق في مثل هذه الأمور بدعة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم- وهم أشد منا حرصاً على العلم وعلى الخير- لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأسئلة، وكفى بهم قدوة. وما قلته الآن بالنسبة لليوم الآخر يجري بالنسبة لصفات الله عز وجل التي وصف الله بها نفسه، من العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك، فإن مسميات هذه الألفاظ بالنسبة لله عز وجل لا يماثلها شيء مما يشاركها في هذا الاسم بالنسبة للإنسان، فكل صفة فإنها تابعة لموصوفها، كما أن الله سبحانه وتعالى لا مثيل له في ذاته فلا مثيل له في صفاته. وخلاصة الجواب الآن: أن اليوم الآخر يوم واحد، وأنه عسير على الكافرين، ويسير على المؤمنين، وأن ما ورد فيه أنواع الثواب والعقاب أمر لا يدرك كنهه في هذه الحياة الدنيا، وإن كان أصل المعنى فيه معلوماً لنا في هذه الحياة الدنيا.
***
سائل يقول في هذا السؤال: ما الفرق بين الكوثر والحوض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بينهما أن الكوثر نهرٌ في الجنة أعطاه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأما الحوض فإنه في عرصات القيامة، يصب عليه ميزابان من الكوثر، هذا الحوض عظيم طوله شهرٌ وعرضه شهر، يرِده المؤمنون من أمة محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، جعلنا الله وإياكم ممن يرده ويشرب منه,ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وطعمه أحلى من العسل، وريحه أطيب من ريح المسك، وآنيته كنجوم السماء في حسنها وكثرتها.
***
***
محمد عبد الحميد حاتم الحليفي يمني مقيم بمكة المكرمة يقول: نعرف أن الصراط حق لا ريب، وأنه لابد من العبور عليه، ولكننا سمعنا حديثاً عن صفته يقول بأن طوله مسيرة مائة عام في الاستواء، ومائة عام في الطلوع، ومائة عام في الهبوط، وأنه على متن جهنم. فهل هذا الحديث صحيح؟ وإن لم يكن كذلك فما هي حقيقته؟ ومتى يؤذن لمن تجاوزه بدخول الجنة؟ وما حكم من أنكر وجوده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصراط كما ذكر السائل حق، واعتقاد وجوده واجب، وهو مما يعتقده أهل السنة والجماعة. والصراط عبارة عن جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف، وأما كون طوله كما ذكر السائل فإني لا أعلم في ذلك حديثاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الصراط يعبر الناس عليه على قدر أعمالهم: منهم السريع، ومنهم البطيء، على حسب سيرهم على صراط الله المستقيم في هذه الدنيا، فمن كان مستقيماً على الصراط في هذه الدنيا مسابقاً إلى الخيرات كان مستقيماً على صراط الآخرة سابقاً فيه، ومن كان دون ذلك كان دون ذلك، وربما يمر بعض الناس به فيلقى في جهنم ويعذب فيها بقدر عمله ثم ينجو، وأما الكافرون فإنهم لا يعبرون على هذا الصراط، وإنما يحشرون إلى جهنم ورداً، كما قال الله عز وجل، بدون أن يعبروا على ذلك الصراط؛ لأنهم لم يكونوا عابرين على الصراط في هذه الدنيا، فيكون جزاؤهم أن يحشروا إلى النار بدون أن يعبروا على هذا الصراط. وأول من يجوز بأمته محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بعد هذا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ويقتص لبعضهم من بعض، ثم يدخلون الجنة بعد أن يشفع النبي عليه الصلاة والسلام إلى ربه في فتح أبواب الجنة، فيشفع إلى الله عز وجل أن تفتح أبواب الجنة فتفتح، ويكون أول من يدخلها محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
فضيلة الشيخ : ويقول: ما حكم من أنكر وجوده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم من أنكر وجوده: إن كان جاهلاً فإنه يعلَّم حتى يتبين له، فإذا بلغ بالأحاديث الواردة في ذلك فإنه يجب عليه أن يعتقده، فإن أنكره- مع علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به- كان مرتداً كافراً؛ لتكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***
***
محمد عبد الحميد حاتم الحليفي يمني مقيم بمكة المكرمة يقول: نعرف أن الصراط حق لا ريب، وأنه لابد من العبور عليه، ولكننا سمعنا حديثاً عن صفته يقول بأن طوله مسيرة مائة عام في الاستواء، ومائة عام في الطلوع، ومائة عام في الهبوط، وأنه على متن جهنم. فهل هذا الحديث صحيح؟ وإن لم يكن كذلك فما هي حقيقته؟ ومتى يؤذن لمن تجاوزه بدخول الجنة؟ وما حكم من أنكر وجوده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصراط كما ذكر السائل حق، واعتقاد وجوده واجب، وهو مما يعتقده أهل السنة والجماعة. والصراط عبارة عن جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف، وأما كون طوله كما ذكر السائل فإني لا أعلم في ذلك حديثاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الصراط يعبر الناس عليه على قدر أعمالهم: منهم السريع، ومنهم البطيء، على حسب سيرهم على صراط الله المستقيم في هذه الدنيا، فمن كان مستقيماً على الصراط في هذه الدنيا مسابقاً إلى الخيرات كان مستقيماً على صراط الآخرة سابقاً فيه، ومن كان دون ذلك كان دون ذلك، وربما يمر بعض الناس به فيلقى في جهنم ويعذب فيها بقدر عمله ثم ينجو، وأما الكافرون فإنهم لا يعبرون على هذا الصراط، وإنما يحشرون إلى جهنم ورداً، كما قال الله عز وجل، بدون أن يعبروا على ذلك الصراط؛ لأنهم لم يكونوا عابرين على الصراط في هذه الدنيا، فيكون جزاؤهم أن يحشروا إلى النار بدون أن يعبروا على هذا الصراط. وأول من يجوز بأمته محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بعد هذا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ويقتص لبعضهم من بعض، ثم يدخلون الجنة بعد أن يشفع النبي عليه الصلاة والسلام إلى ربه في فتح أبواب الجنة، فيشفع إلى الله عز وجل أن تفتح أبواب الجنة فتفتح، ويكون أول من يدخلها محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
فضيلة الشيخ : ويقول: ما حكم من أنكر وجوده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم من أنكر وجوده: إن كان جاهلاً فإنه يعلَّم حتى يتبين له، فإذا بلغ بالأحاديث الواردة في ذلك فإنه يجب عليه أن يعتقده، فإن أنكره- مع علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به- كان مرتداً كافراً؛ لتكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***
***
يقول هذا السائل: هل السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة هؤلاء إيمانهم يكون كاملاً, ومن هم الذين يعذبون في النار ويدخلون الجنة؟والذين يبقون في النار خالدين فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الناس الذين يبقون في النار خالدين فيها فهؤلاء الكفار الذين ليس لهم حسنات، كما قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً). وقد ذكر الله تعالى خلود الكافرين الأبدي في القرآن في ثلاثة مواضع: الأول في النساء في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) والثاني في الأحزاب في قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً). والثالث في سورة الجن في قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً). وأما أهل المعاصي من المؤمنين فهؤلاء مستحقون لدخول النار والعذاب فيها بقدر ذنوبهم، ولكن قد يغفر الله لهم فلا يدخلون النار، وقد يشفع لهم فلا يدخلون النار. وهناك أناس يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهم الذين وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (لا يَسْتَرْقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) .
***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، الدليل من الكتاب والسنة على دخول الرجل المسلم العاصي النار ومن ثم خروجه إلى الجنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدليل على هذا أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام وردت كثيراً بأن عصاة المؤمنين يدخلون النار، يعذبون فيها بقدر ذنوبهم ثم يخرجون منها، ومنهم من يخرج بالشفاعة قبل أن يستوفي ما يستحقه من عقوبة، ومنهم من يغفر الله له بفضله ورحمته فلا يدخل النار، فعصاة المسلمين ثلاثة أقسام: قسم يغفر الله له ولا يدخل النار أصلاً، وقسم آخر يدخل النار ويعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج، وقسم ثالث يدخل النار ويعذب، ولكن يكون له الشفاعة، فيخرج من النار قبل أن يستكمل ما يستحقه من العذاب.
سالة من المستمع ح. م. ص. من جدة بعث بعدة أسئلة، في سؤاله الأول يقول: هل صحيحٌ أن الزوجين إذا كانا صالحين وتوفيا وكانا من أهل الجنة أنهما يكونان زوجين حتى في الجنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا صحيح أنه إذا مات رجل وزوجته وكانا من أهل الجنة فإنها تبقى زوجةً له، قال الله تعالى: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ). والذرية شاملة لذرية الزوج والزوجة، فإذا كان الله يلحق بالمؤمنين ذرياتهم فمعنى ذلك أن الزوج والزوجة يكونان سواءً، ويلحق الله بهما ذريتهما، وهذا من كمال النعيم الذي في الجنة، فإنها فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وهذا من كمال النعيم كما قلت.
***
فضيلة الشيخ محمد وردتنا الرسالة من المستمع إبراهيم محمد ش. يقول في رسالته لقد عرفنا مصير الرجال في الجنة أن لهم زوجات حوراً عيناً، ويقصد الرجال من المسلمين، ولكن ما مصير النساء في الجنة؟ ألهن أزواجٌ أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تبارك وتعالى في نعيم أهل الجنة: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ(32)). ويقول تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس، فهو حاصلٌ في الجنة لأهل الجنة ذكوراً كانوا أم إناثاً، فالمرأة يزوجها الله تبارك وتعالى في الجنة، يزوجها بزوجها الذي كان زوجاً لها في الدنيا، كما قال الله تعالى: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وإذا كانت لها زوجان في الدنيا فإنها تخير بينهما يوم القيامة في الجنة، وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر به عينها في الجنة، فالنعيم في الجنة ليس قاصراً على الذكور، وإنما هو للذكور وللإناث، ومن جملة النعيم الزواج. ولكن قد يقول قائل: إن الله تعالى ذكر الحور العين وهن زوجات، ولم يذكر للنساء أزواجاً؟ فنقول: إنما ذكر الزوجات للأزواج؛ لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة، فلذلك ذكرت الأزواج للرجال في الجنة، وسكت عن الأزواج للنساء، ولكن ليس معنى ذلك أنه ليس لهن أزواج، بل لهن أزاج من بني آدم.
***
جزائرــــية
2009-09-17, 10:27
الشياطين مخلوقة من نار، أي: نار السموم، وعدهم الله بنار الحميم، فكيف يكون عذابهم وهم خلقوا من نار هل النار التي سيعذبون بها غير التي نعرفها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النار التي يعذب بها الشياطين هي النار التي يعذب بها الكفار من بني آدم، ولا فرق بينهما، والإنسان إذا خلق من الشيء لا يلزم أن يكون هو الشيء، أرأيت نفسك أيها السائل: خلقت من طين، فهل أنت طين؟ من المعلوم أن الجواب: لا، ليس الإنسان بطين، هكذا الشياطين خلقت من نار ولكنها ليست ناراً، وإذا لم تكن ناراً فإنها أجسام لها خصائصها التي خصها الله بها، وإذا كان يوم القيامة فإنها تعذب بالنار.
***
جزائرــــية
2009-09-18, 18:31
13 /القضاء والقدر
إبراهيم أبو حامد يقول: حدثونا عن القضاء والقدر، هل هما بمعنى واحد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء والقدر إذا اجتمعا فلكل واحد معناه. وأما إذا أفرد أحدهما فإنه يشمل الآخر، فإذا قيل: قضاء وقدر، فالقضاء: ما قضاه الله تعالى في الأزل، وكتبه في اللوح المحفوظ. والقدر: ما قدره الله فوقع. فأما إذا قيل: قضاء فقط فإنه يشمل الأمرين جميعاً، أو قيل: قدر فقط فإنه يشمل الأمرين جميعاً.
***
هل القضاء والقدر بمعنى واحد؟ وما معناهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم القضاء والقدر بمعنى واحد إذا أفرد أحدهما عن الآخر، فيقال مثلاً: يؤمن بقدر الله، أو: يؤمن بقضاء الله. وأما إذا جمعا فالقضاء: ما كتبه الله في الأزل، والقدر: ما قدر الله وجوده، أو بالعكس، يعني: أنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
***
يقول السائل: ما الفرق بين القضاء والقدر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هاتان الكلمتان مترادفتان إن تفرقتا,ومتباينتان إن اجتمعتا. فإذا قيل: القضاء بدون أن يقترن به القدر كان شاملاً للقضاء والقدر، وإذا قيل: القدر دون أن يقترن به القضاء كان شاملاً للقضاء والقدر أيضاً. وهذا كثير في اللغة العربية: أن تكون الكلمة لها معنى عام عند الانفراد، ومعنى خاص عند الاقتران. فإذا قيل: القضاء والقدر جميعاً صار القضاء: ما يقضي به الله عز وجل من أفعاله أو أفعال الخلق, والقدر: ما قدر الله تعالى في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ، وذلك لأن المقدور سبقه تقدير في الأزل، أي: كتابة بأنه سيقع، وقضاء من الله تعالى بوقوعه فعلاً. وإن شيءت فقل: الكتابة قدر والمشيئة قضاء، والله تعالى يكتب الشيء، بل كتب الشيء في اللوح المحفوظ، ثم يشاؤه سبحانه وتعالى في الوقت الذي تقتضي فيه حكمته وجوده فيه، الثاني قضاء والأول قدر. فصارت هاتان الكلمتان إن انفردت إحداهما عن الأخرى شملت معنى الأخرى، وإن اجتمعتا صار لكل واحدة منهما- أي:من الكلمتين- معنى.
***
تقول السائلة أم محمد من القاهرة: يا فضيلة الشيخ ما ذا يعني القضاء والقدر بالتفصيل؟ وفقكم الله.
فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء هو القدر إذا ذكر وحده، والقدر هو القضاء إذا ذكر وحده. فإن اجتمعا وقيل: القضاء والقدر صار القضاء: ما يفعله الله عز وجل، والقدر ما كتبه في الأزل. وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الإيمان بالقدر له مراتب: المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله عز وجل، بأن يؤمن العبد بأن الله تعالى بكل شيء عليم، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه عالمٌ بما كان وما يكون، وأنه ما وقع شيء إلا بعلمه. والمرتبة الثانية: الإيمان بالكتابة، أي: إن الله كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإن الله أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال اكتب ما هو كائنٌ. فجرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة. ودليل هاتين المرتبتين قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله العامة، وأن كل شيءٍ واقع بمشيئته سبحانه وتعالى، لا فرق في ذلك بين ما يحصل من فعله جل وعلا، وما يحصل من أفعال مخلوقاته. أما دليل الأول- وهو: ما يحصل من فعله- فهو قول الله تعالى: (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ). وأما الثاني- وهو: ما وقع من أفعال خلقه- فدليله قول الله تبارك وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) فكل شيء يقع في السماوات أو في الأرض فإنه واقعٌ بمشيئته تبارك وتعالى. وأما المرتبة الرابعة فهي: الإيمان بخلق الله، وأن كل كائن فهو مخلوق لله عز وجل، لا خالق غيره ولا رب سواه. ودليل هذا قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ). هذه المراتب الأربع هي مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، ولا يتم الإيمان بالقدر إلا بتحقيق هذه المراتب الأربع ومن المعلوم أن الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره).
***
عودة من جدة يقول: ما الفرق بين القضاء والقدر؟ أرجو الإفادة.
فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء والقدر اسمان مترادفان إن تفرقا، يعني: أنهما إذا تفرقا فهما بمعنى واحد، وإن اجتمعا فالقضاء: ما يقضي به الله، أي يحكم به،أي: بوقوعه. والقدر: ما كتبه الله تعالى في الأزل. وليعلم أن القضاء ينقسم إلى قسمين: قضاء شرعي، وقضاء كوني. فالقضاء الشرعي: يتعلق بما أحبه الله ورضيه، مثل قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً). والقضاء الكوني: يتعلق بما قدره الله سواء كان مما يرضاه أو مما لا يرضاه، ومنه قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً). والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). فحقيقته: أن تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. فما قدره الله عليك فلا بد أن يقع مهما عملت من الأسباب، وما دفع الله عنك فلا يمكن أن يقع مهما كان من الأسباب. ولهذا كان المؤمنون يقولون: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت.
***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم من مكة المكرمة السائل م. أ. يقول: ما حكم الإيمان بالقضاء والقدر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالقضاء والقدر أحد أركان الإيمان الستة، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جواباً لجبريل عندما قال: أخبرني عن الإيمان. قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). ولا يتم الإيمان بالقدر إلا إذا آمن الإنسان بأمورٍ أربعة: الأول: الإيمان بعلم الله تعالى، وأنه سبحانه وتعالى محيطٌ بكل شيءٍ علماً، لا يخفى عليه شيء الثاني: أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة. ودليل هذين الأمرين قول الله تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). وقوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ). الأمر الثالث: أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو كائن بمشيئة الله، لا يخرج عن مشيئته شيء، حتى أفعال العباد قد شاءها الله عز وجل. قال الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ العالمين). وقال تبارك وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ). الأمر الرابع: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيءٍ في السماوات والأرض، كما قال الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، حتى أعمال العبد مخلوقة لله تعالى؛ لقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ). ووجه كون فعل العبد مخلوقاً لله: أن فعل العبد واقعٌ بإرادة العبد وقدرة العبد، وإرادة العبد وقدرة العبد مخلوقتان لله عز وجل، وخالق السبب التام خالقٌ للمسبب، فإذا كان فعل الإنسان ناتجاً عن إرادةٍ وقدرة وهما مخلوقتان لله؛ صار فعل العبد مخلوقاً لله عز وجل. فلا بد في الإيمان بالقدر من الإيمان بهذه الأمور الأربعة: علم الله, كتابة كل شيء كائن إلى يوم القيامة في لوحٍ محفوظ ,مشيئة الله ,خلق الله. وفي هذا يقول الناظم:
علمٌ كتابة مولانا مشيئته وخلقه وهو إيجادٌ وتكوين
***
هذا السائل من الرياض إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم الإيمان بالقدر؟ وكيف يكون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالقدر واجب، ومنزلته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة؛ لأن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره).والقدر هو: تقدير الله تبارك وتعالى في الأزل، أي تقديره تبارك وتعالى ما كان وما يكون، فإنه سبحانه وتعالى (أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة). فكل ما يقع في السماء والأرض من أفعال الله- كالمطر والنبات والحياة والموت- أو من أفعال العباد- كالاستقامة والانحراف- فإنه مكتوب,مكتوب في الأزل عند الله تبارك وتعالى. فيجب علينا أن نؤمن بذلك: أن الله كتب مقادير كل شيء إلى يوم القيامة، وأن هذا المكتوب شامل لما يفعله تبارك وتعالى هو بنفسه، وما يفعله عباده. قال العلماء: وللإيمان بالقدر أربع مراتب: المرتبة الأولى: أن تؤمن بعلم الله تعالى الشامل العام للحاضر والمستقبل والماضي، وأن كل ذلك معلوم عند الله بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يضل الرب عز وجل ولا ينسى. لما سأل فرعون موسى عليه الصلاة و السلام: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) سبحانه وتعالى. فيجب أن نؤمن بعلم الله عز وجل أنه عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً فالجملة مثل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، والتفصيل مثل قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، وكذلك قوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وكذلك قوله تعالى: (علِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ)، (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ)، والأمثلة على هذا كثيرة، هذه هي المرتبة الأولى من مراتب الإيمان بالقدر. المرتبة الثانية: أن تؤمن بأن الله تبارك وتعالى كتب مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، فكل شيء فهو مكتوب عند الله في لوح محفوظ لا يتبدل ولا يتغير. ودليل ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). والحديث الذي ذكرناه آنفاً: (أن الله أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي ماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة). المرتبة الثالثة: أن تؤمن بأن ما في الكون من حركة ولا سكون ولا إيجاد ولا إعدام إلا بمشيئة الله، يعني: إلا وقد شاءه الله، سواء كان من فعله تبارك وتعالى أم من أفعال خلقه. فحركات الإنسان وسكنات الإنسان، وطوله وقصره، وبياضه وسواده، ورضاه وغضبه، واستقامته وانحرافه، كل ذلك بمشيئة الله، لا يشذ عن مشيئة الله شيء، حتى الهدى والصلاح بمشيئة الله. دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى:( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَو شَاءَ اللهُ ما اقتَتَلُوا وَلَكنَّ اللهَ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ)، وقال الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ). وأجمع المسلمون على هذه الكلمة العظيمة: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. أما المرتبة الرابعة فهي الخلق: أن تؤمن بأن الله تبارك وتعالى خالق كل شيء، كما قال الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، وقال تعالى:(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً). وقد ذكر الله تعالى الخلق عاماً كما في هاتين الآيتين، وذكره خاصاً مثل قوله: (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ)، وقوله: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ). فكل شيء سوى الله فهو مخلوق، خلقه الله عز وجل، سواء في الأعيان أو في الأفعال أو في الأوصاف. فالآدمي له جثة، له جسد، من خلق هذا؟ الله عز وجل، الآدمي طويل وقصير، وأبيض وأسود، من قدر هذا؟ الله عز وجل، الآدمي له عمل و حركة، صالح أو غير صالح، من خلق هذا العمل؟ الله عز وجل؛ لأن عمل الإنسان من صفات الإنسان، والإنسان مخلوق فصفاته مخلوقة. ودليل ذلك ما ذكرته الآن: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)، (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ). فيجب علينا أن نؤمن بالقدر على هذه المراتب الأربع: علم الله، كتابته في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، مشيئة الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون، خَلْقُ الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون. فالمعدوم يوجده الله، والموجود يعدمه الله. وقد اختلف بنو آدم في القدر وتنازعوا فيه واختلفوا فيه، فمنهم الغالي ومنهم الجافي ومنهم الوسط. فالغالي في إثبات القدر قال: إن الإنسان مجبور على عمله، ليس له فيه اختيار، إن عمل صالحاً فإكراهاً عليه، إن عمل سيئاً فإكراهاً عليه، إن قام أو قعد فهو مكره مجبر؛ لأن الله تعالى شاء ذلك فيجب أن يكون.وآخرون قصروا في هذا قالوا: إن الله يشاء كل شيء، ويخلق كل شيء، إلا أفعال الإنسان، فليس له فيها تصرف، وهؤلاء قصروا في الربوبية. وتوسط آخرون فقالوا: الإنسان يفعل باختياره، ويفرق بين الفعل الذي يكره عليه والفعل الذي يختاره. وهذا هو الواقع: أنت تخرج إلى السوق باختيارك، ترجع منه باختيارك، تدخل المدرسة الفلانية باختيارك، تتركها باختيارك، تسافر باختيارك، تبقى في بلدك باختيارك. هذا أمر لا ينكر، ولا يشعر أحدٌ أبداً أنه أكره على هذا الفعل. ولهذا لو أكره حقيقة سقط عنه الإثم، إن أكره على محرم أو على ترك واجب، حتى إن الله أسقط حكم الكفر عند الإكراه فقال: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). ولو قلنا بأن الإنسان مكره لبطلت الشريعة كلها، وصار لا يحمد على فعل الخير ولا يذم على فعل الشر، فنحن نرد على هؤلاء الذين قالوا: إنه مجبر، بهذا. أما الذين قالوا: إنه مستقل، فنقول: سبحان الله! الإنسان في ملك، الله وكيف يكون في ملك الله ما لا يريد؟ الإنسان مخلوق لله، فكيف تكون أفعاله غير مخلوقة لله؟ هي مخلوقة لله، وهي في ملك الله، لكن قد يحتج العاصي بالقدر على المعصية، فإذا زنى أو سرق أو شرب الخمر قال: والله هذا بقدر الله. نقول: هل الله أجبرك؟ هل تعلم أن الله قدر عليك أن تزني أو تسرق أو تشرب الخمر؟ أنت لا تعلم، ونحن لا نعلم أن الله قدر أفعالنا أو أقوالنا حتى تقع، فإذا وقعت علمنا أنه أرادها، أما قبل أن تقع فليس عندنا علم بما قدر الله، كما قال تعالى:( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً). فالعاصي حين أقدم على الفعل أقدم عليه باختياره، ولم يعلم أن الله قد كتبه له أو عليه إلا إذا وقع. ولهذا لا ترى أحداً يعذر أحداً إذا ضربه الضارب وقال المضروب للضارب: لم ضربتني؟ قال: والله هذا بقدر الله، لا تجد أحداً يقبل هذه الحجة. يذكر عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه رفع إليه سارق فأمر بقطع يده، فقال له: مهلاً يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت هذا إلا بقدر الله. قال: ونحن لا نقطع يدك إلا بقدر الله. المهم أنه لا يمكن أن يحتج الإنسان بالقدر على ظلم الناس وعدوانه عليهم وإنك لتعجب من هذا العاصي الذي يعصي الله، ومعصيته لله ظلم لنفسه، ثم يحتج بقدر الله على ظلم نفسه، مع أنه لو ظلمه ظالم واحتج على ظلمه بأنه قدر الله ما قبل منه، لذلك لا عذر للعاصي بقدر الله على معصيته، ولهذا أبطل الله حجة الذين احتجوا بالقدر فقال:( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) قال تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا). وكونهم يذوقون بأس الله يدل على أنه لا حجة لهم؛ لأنه لو كان لهم حجة ما ذاقوا بأس الله. والحاصل أن الإنسان يجب عليه أن يؤمن بالقدر، وأن كل شيء فهو من الله، وأنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله. ولما حدث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه فقال: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له ).إذاً نحن مأمورون بالعمل، وإذا عملنا ما يرضي الله يسر الله لنا. ثم تلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى). فنقول: آمِنْ بالقدر واعمل بالشرع حتى يتم إيمانك. ومن الإيمان بالقدر الإيمان بما جاء مكروهاً للعبد، كالمصائب في بدنه، في أهله، في ماله، في أصحابه، في مجتمعه. لا يخلو الإنسان من مصيبة؛ لأن الله تعالى يبتلي بالنعم ويبتلي بالنقم. هذه المصائب إذا حصلت اِرضَ بها، اِرضَ بقضاء الله ،فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بمصالحك. كم من إنسان أصيب بمصيبة فكانت المصيبة فتح باب لاهتدائه، فالمصائب صقل للقلوب، إذا أراد الله سبحانه وتعالى هداية الإنسان، كما أنها بالعكس في أناس آخرين، قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ). يعني: إذا أوذي في دينه وضيق عليه في دينه جعلها كالعذاب، فارتد ونكص على عقبيه والعياذ بالله. فالمهم أن الإيمان بالقدر يهون عليك المصائب؛ لأنك تعلم أنها من عند الله، وأن الله مالك كل شيء، وأنت من جملة من يملكه الله عز وجل، أنت عبد لله يفعل بك ما شاء فلا تجزع. قال الله تعالى:( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ). قال علقمة في معنى (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) قال: (إنه يعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم). لو أن رجلاً أصابك بأذى دافعت عن نفسك ولم ترض، لكن إذا كان الذي أصابك من المصائب من عند الله فعليك أن ترضى؛ لأنه ربك مالكك يفعل بك ما شاء، فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله صارت تلك المصيبة رفعة في درجاتك وأجراً وثواباً: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
***
أبو هيثم من دمياط من جمهورية مصر العربية يقول: التسخط من المصائب والكوارث ما حكمه في الشرع؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: فإن من أصول الإيمان أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأمر كله يرجع إلى الله عز وجل، وأن لله الحكمة البالغة فيما أصاب العبد من خير أو شر. والمصائب على نوعين: النوع الأول: أن تكون تكفيراً لسيئات وقعت من المرء وإصلاحاً لحاله، كما في قوله تبارك وتعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، وقوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). والنوع الثاني: أن تكون المصائب ليست عقوبة لسيئات وقعت من المرء، ولكن لزيادة رفعة في درجاته، وليحصل على وصف الصبر الذي أثنى الله على القائمين به وقال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ). ومن ذلك ما يقع للرسول صلى الله عليه وسلم من المصائب التي تصيبه عليه الصلاة والسلام، حتى إنه ليوعك كما يوعك الرجلان منا- أي: في المرض- من أجل أن ينال أعلى مقامات الصبر صلوات الله وسلامه عليه، وقد نال ذلك صلوات الله وسلامه عليه: فهو أعلى الناس صبراً على طاعة الله، وأعلى الناس صبراً عن محارم الله، وأعلى الناس صبراً على أقدار الله المؤلمة. وبناء على هذه المقدمة يجب على المرء أن يصبر لقضاء الله وقدره، وأن لا يتسخط؛ لأن السخط من قضاء الله وقدره نقصٌ في الإيمان بربوبيته تبارك وتعالى، إذ مقتضى الربوبية المطلقة أن يفعل ما شاء. وانظر إلى الكرم والفضل: أنه عز وجل يفعل في عبده ما يشاء، ومع ذلك يثيبه على ما حصل من هذه المصائب إذا صبر واحتسب. قال بعض أهل العلم: وللناس في المصائب مقامات أربعة: التسخط، والصبر، والرضا، والشكر. أما التسخط فحرام، سواء كان في القلب أو في اللسان أو في الجوارح. فالتسخط في القلب: أن يرى أن الله تعالى ظلمه في هذه المصيبة، وأنه ليس أهلاً لأن يصاب، وهذا على خطر عظيم، كما قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ). وأما التسخط بالقول فأن يدعو بدعوى الجاهلية مثل: واثبوراه، واانقطاع ظهراه، وما أشبه ذلك من الكلمات النابية التي تنبئ عن سخط العبد وعدم رضاه بقضاء الله. وأما التسخط بالأفعال فكنتف الشعور، ولطم الخدود، وشق الجيوب. وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعل هذا فقال: (ليس منا من شق الجيوب وضرب الخدود ودعا بدعوى الجاهلية). فالتسخط هذا حرام ومن كبائر الذنوب، والتسخط القلبي أعظم أنواعه وأخطر أنواعه. المقام الثاني: مقام الصبر، وهو: حبس النفس عن التسخط. وهو ثقيل على النفس، لكنه واجب؛ لأنه إذا لم يصبر تسخط، والتسخط من كبائر الذنوب، فيكون الصبر واجباً. ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابنته- التي كان عندها طفل يجود بنفسه حضره الموت، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً تدعوه للحضور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم-: (مرها فلتصبر ولتحتسب). المقام الثالث: هو الرضا، يعني: يرضى العبد بما قدر له من هذه المصيبة رضاً تاماً. وقد اختلف العلماء في وجوبه، والصواب أنه ليس بواجب ولكنه سنة؛ لأنه متضمن للصبر وزيادة. والفرق بين الصبر والرضا: أن المرء يكون في الصبر كارهاً لما وقع، لا يحب أنه وقع، لكنه قد حبس نفسه عن التسخط؛ وأما الراضي فهو غير كاره لما وقع، بل المصيبة وعدمها عنده سواء بالنسبة لفعل الله؛ لأنه راضٍ رضاً تامّاً عن فعل الله، فهو يقول: أنا عبده وهو ربي، إن فعل بي ما يسرني فأنا عبده وله مني الشكر، وإن كانت الأخرى فأنا عبده وله مني الرضا والصبر. فالأحوال عنده متساوية. وربما ينظر إلى ذلك من منظار آخر، وهو أن يقول: إن هذه المصيبة إذا صبر عليها وكفر الله بها عنه وأثابه عليها صارت ثواباً لا عقاباً، فيتساوى عنده الألم والثواب. وفي هذا ما يذكر عن رابعة العدوية- فيما أظن-: أنها أصيبت أصبعها ولم تتأثر بشيء، فقيل لها في ذلك فقالت: (إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها). المقام الرابع: مقام الشكر: أن الإنسان يشكر الله عز وجل على هذه المصيبة. وهذا المقام أو الحال لا تحصل للإنسان عند أول صدمة؛ لأن مقتضى الطبيعة ينافي ذلك، لكن بالتأمل والتأني قد يشكر الإنسان ربه على هذه المصيبة، وذلك بأن يقدر المصيبة أعظم فيشكر الله تعالى أن أصيب بهذه التي هي أهون، أو يقدر أن ألم المصيبة ألم يزول بزوال الحياة إن بقي إلى الموت، أو يزول قبل الممات، والأجر والثواب الحاصل يبقى، فيشكر الله تعالى على ذلك. مثاله: رجل أصيب بحادث في سيارة فانكسرت رجله، هذه مصيبة، فيتأمل وينظر ويقول: أرأيت لو كان الانكسار في الظهر لكانت المصيبة أعظم، فهو يشكر الله عز وجل أن كانت المصيبة في الفخذ دون الظهر، ولو كانت في الساق لكانت أهون مما إذا كانت في الفخذ، وهلم جرّاً. ثم يقول أيضاً. هذه مصيبة إمَّا أن أشفى منها وأعود كما كنت في الدنيا قبل الموت، وإما أن أموت، فلها أجل محتوم مقدر، لكن الأجر الحاصل عليها هو ثواب الآخرة الباقية أبد الآبدين، فيشكر الله عز وجل على هذه المصيبة التي كانت سبباً لما هو أبقى وأفضل وأخير. إذاً فهمنا الآن أن الإنسان عند المصائب أربعة مقامات: الأول: التسخط، وهو حرام ومن كبائر الذنوب. والثاني: الصبر، وهو واجب. والثالث: الرضا، وهو سنة مستحب. والرابع: الشكر، وهو أعلى المقامات.
***
***
ما هو العلاج الشرعي لمن أصيب بالعين يا فضيلة الشيخ؟ أفيدونا بهذا جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي كثرة القراءة على المصاب، قراءة القرآن والآيات التي فيها ذكر الشفاء بالقرآن، فيقرأ مثلاً الفاتحة وآية الكرسي، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ويقرأ مثل قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)، إلى غير ذلك من الأدعية المناسبة. هذا إذا كان لا يعرف الذي أصابه بالعين، أما إذا كان يعرفه فليفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه العائن: أن يغتسل أو يتوضأ، ويؤخذ الماء الذي يتناثر منه، ويسقى المريض، أو يصب على رأسه وعلى ظهره حتى يشفى. وقد كان بعض الناس يتهم بأنه أصاب أخاه بالعين إما لكلمةٍ قالها أو قرينةٍ تدل على ذلك، فيأتي إليه المصاب أو أهله يطلبون منه أن يستغسل بالوضوء أو بالغسل، فينفر منهم ويسبهم ويشتمهم ويأبى أن يطيع، وهذا خطأ؛ لأنه ربما يكون الأمر واقعاً، فإن كان واقعاً حصل دفع الأذية التي حصلت منه بفعله بنفسه، وإن لم يكن واقعاً فإنه لا يضره؛ لأنه إذا لم يشف المريض بذلك علم أنه لم يصبه بالعين، وإذا شفي بذلك علم أنه أصابه وسلم من أذية أخيه ومن العقوبة التي تترتب على ذلك إذا كان هو الذي أصابه، وهذا لا يضره. لكن بعض الناس- والعياذ بالله- تأخذه العزة بالإثم ويأبى يقول: أنا عائن؟! أنا نحوت؟! كما باللغة العامية وما أشبه ذلك، وهذا خطأ، انفع أخاك: إن كانت العين منك فتكون قد تخلصت منها وشفى الله صاحبك، وإن لم تكن منك فإنه لا يضرك، يعني: إذا لم تكن منك لم ينفعه ما أخذ منك، وحينئذٍ يعرف أنك بريء من العين.
***
يقول السائل: ما صحة الحديث (العين حق)؟ وإن كان كذلك فما هو العلاج الذي يسلكه المؤمن لاتقاء العين؟ وكيف تصيب العين الإنسان؟ وإن كان هناك علاج فما هي الطريقة في نظركم؟ مشكورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحديث صحيح، والعين حق، والواقع يشهد بذلك، والعين عبارة عن صدور شيء من نفس حاسد يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، فهو- أي: العائن- شرير لا يريد من الناس أن يتمتعوا بنعم الله، فإذا رأى في شخص نعمة من نعم الله عليه فإن هذا الحسد الكامن في نفسه ينطلق حتى يصيب ذلك المتنعم بنعم الله عز وجل. والطريق إلى الخلاص من العين بالنسبة للعائن: أن يبرك على من رآه متنعماً الله فيقول: اللهم بارك على فلان، وما أشبهها من الكلمات التي تطمئن نفسه، وتكبت ما فيها من حسد. وأما بالنسبة للرجل الخائف من العين فإن العلاج لذلك: أن يكثر من قراءة الأوراد صباحاً ومساء، كآية الكرسي، وسورة الإخلاص، وسورة قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس، وغيرها مما جاءت به السنة. هذا علاج للوقاية منها قبل الإصابة، أما بعد أن يصاب بها فإنه يؤخذ من وضوء العائن أو مما يغتسل به من الماء، يؤخذ منه فيصب على المصاب بالعين، أو يحثو منه، فإذا فعل ذلك فإنه يبرأ منها بإذن الله. فيؤمر العائن بأن يتوضأ أو يغتسل، ويؤخذ ما تناثر من مائه ويصب على المصاب، أو يحثو منه، أو يجمع بين الأمرين، وبذلك يزول أثر العين.
فضيلة الشيخ: الغبطة هل تدخل في الحسد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الغبطة لا تدخل في الحسد؛ لأن الحاسد يتمنى زوال نعمة الله على غيره، والغابط يغبط هذا الرجل بنعمة الله عليه ولكنه لا يتمنى زوالها.
***
يقول السائل: ما هو السر في قول: ما شاء الله تبارك الله عند رؤية ما يعجبك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السر في ذلك ألا يقع من هذا المشاهد عين تصيب المشهود؛ لأن النفوس قد يقع منها ما لا يجوز، فإذا رأى الإنسان ما يعجبه وخاف من حسد العين فإنه يقول: ما شاء الله تبارك الله، حتى لا يصاب المشهود بالعين، وكذلك إذا رأى الإنسان ما يعجبه في ماله فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ لِئَلاَّ يعجب بنفسه وتزهو به نفسه في هذا المال الذي أعجبه، فإذا قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فقد وكل الأمر إلى أهله تبارك وتعالى.
جزائرــــية
2009-09-18, 18:33
14/ الكفر والتكفير
يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام سواء كانت قولية أوعملية أواعتقادية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نواقض الإسلام: كل ما خالف الإسلام فهو مناقض له، لكن المناقضة تنقسم إلى قسمين: مناقضة جزئية، ومناقضة كلية. فما أطلق الشارع عليه الكفر نظرنا: إن كان هذا يناقض الإسلام مناقضة كلية حسب القرائن المقترنة بهذا الإطلاق فهو كفر أكبر مخرج عن الملة، وإن كان يناقض الإسلام في هذه المسألة الجزئية فليس مناقضاً على وجه الإطلاق. فقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) إذا نظرنا إلى قوله: (قتاله كفر) فيقول قائل: من قاتل المسلم فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، لكننا عند التأمل نجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (قتاله كفر) أي: إن القتال من الكفر، وليس هو الكفر الأكبر، ويؤيد هذا قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فجعل الله الطوائف الثلاث كلها إخوة: المقاتلة الباغية، والأخرى المدافعة، وكذلك المصلحة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ). فيكون هذا الناقض ليس ناقضاً بالكلية، بل في الإنسان خصلة من خصال الكفر، وليس هو الكفر المطلق. وإذا نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، وقوله: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، علمنا بأن الكفر هنا الكفر الأكبر المناقض للإسلام مناقضة كلية، وذلك لوجود: بين الرجل وبين الشرك والكفر، والبينية تقتضي أن يكون كل طرف منفصلاً بائناً عن الطرف الآخر، لا يجتمع معه في شيء؛ لوجود الحد الفاصل الذي دلت عليه البينية: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. وكذلك قوله: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، يعني: العهد الذي بين المسلمين والكفار هو الصلاة، فمن صلى فهو مؤمن، ومن لم يصل فهو كافر، والبينية تقتضي الانفصال التام. فالحاصل: أن نواقض الإسلام تنقسم إلى قسمين: نواقض كبرى، وهي التي يخرج بها الإنسان من الإسلام، والنواقض الصغرى، وهي التي لا تخرجه من الإسلام، ولكنها تكون خصلة من خصال الكفر.
***
يقول السائل: أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الأمور التي تخرج من الملة، سواء كانت هذه أقوالاً أو أعمالاً أو اعتقاداً، بحيث أعبد الله على بصيرة. كما أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الكتب المتخصصة بأمور التوحيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن نحصر الأشياء التي تخرج من الملة؛ لأنها كثيرة الأفراد، لكن يمكن أن نذكر قاعدة، وهي: أن الذي يخرج من الملة هو يدور على أمرين: إما الإنكار، وإما الاستكبار. يعني: إما أن ينكر الإنسان شيئاً أخبر الله به ورسوله فيكذبه، أو ينكر حكماً من أحكام الشريعة الظاهرة التي أجمع المسلمون عليها. أو الاستكبار، وهو: أن يقر بذلك لكن لا يعبد الله. فتارك الصلاة مثلاً كافر مع أنه يؤمن بالله ويؤمن بالشريعة ولا يكذب بها، ولكنه استكبر فلم يصل، ولا يلزم أن يكون تارك الصلاة يقول: إنه مستكبر، ليس بلازم، بل إذا تركها متهاوناً بلا عذر,ولا جهل منه إذا كان بعيداً عن المدن الإسلامية فإنه في الحقيقة مستكبر. فجميع أنواع الردة تعود إلى هذا: إلى الإنكار أو الاستكبار، لكن التفاصيل كثيرة جداً، ويمكن أن ترجع إلى ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في باب أحكام المرتد. أما أحسن كتاب في التوحيد: فمن أحسن الكتب كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، كتاب جامع بين الدلائل والمسائل. ومن أحسن الكتب في العقيدة: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ثم إذا ترقى الإنسان شيئاً فالعقيدة التدمرية، ثم إذا ترقى الإنسان أكثر فالكتب المطولة، مثل مختصر الصواعق المرسلة الذي أصله لابن القيم رحمه الله وغير ذلك. والمرجع الأصل والأول هو كتاب الله عز وجل، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***
يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لسؤاله عن نواقض الإسلام فنواقض الإسلام بمعناها الإجمالي: كل ما أوجب الردة فهو ناقضٌ للإسلام، يعني: كل شيء من قولٍ أو فعل أو عقيدة يكون به الإنسان مرتداً فهو ناقضٌ للإسلام، وهو لا يحصر في الواقع، يعني: أفراده لا تحصر لا بعشرة ولا بعشرين ولا بأكثر، لكن الضابط: أن كل ما كان مقتضياً للردة فهو من نواقض الإسلام. فمثلاً: كفر الجحود أن يجحد ما يجب الإيمان به، مثل أن يجحد- والعياذ بالله- وجود الله، أو الملائكة، أو الرسل، أو الكتب، أو اليوم الآخر، أو القدر خيره وشره، فقد أتى ناقضاً من نواقض الإسلام. لو جحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو وجوب الصيام، أو وجوب الحج، أو أنكر تحريم الزنى، أو تحريم الخمر، أو ما أشبه ذلك من المحرمات الظاهرة المجمع عليها، فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام. كذلك من نواقض الإسلام الاستهزاء: لو استهزأ بالله أو آياته أو رسوله فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). كذلك لو استكبر عما يكون الاستكبار عنه ردة، كما لو ترك الصلاة وصار لا يصلى لا في بيته ولا مع الجماعة فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، كذلك لو اعتقد في الله ما لا يليق بالله فهو مرتد. والحاصل: أن نواقض الإسلام لا تحصر بعدد، وإنما تذكر بحد، وهو: كل ما أوجب الردة- أي: كل ما كان ردة- فهو ناقضٌ من نواقض الإسلام، سواءٌ كان ذلك في العقيدة أو في القول أو الفعل.
***
عبدالرؤوف عبد الله من المدينة المنورة يقول: ما هي الأشياء التي تحبط العمل؟ وهل تحبط جميع الأعمال منذ التكليف؟ نرجو بهذا إفادة جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: محبطات الأعمال تنقسم إلى قسمين: قسمٌ عام، وقسمٌ خاص يبطل كل عملٍ بعينه. فأما القسم العام المبطل لجميع الأعمال فهو الردة، فإذا ارتد الإنسان- والعياذ بالله- عن دين الله ومات على الكفر يحبط جميع عمله؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). أما إذا ارتد ثم منَّ الله عليه فرجع إلى الإسلام فإن عمله لا يحبط، ولهذا يسأل كثيرٌ من الناس يقول عن نفسه: إنه حج الفريضة، وهو يصلى كما يصلى الناس، وقائمٌ بشعائر الإسلام، ثم أتاه وقت ارتد فيه عن الإسلام فترك الصلاة، ثم منَّ الله عليه برجوعه إلى الإسلام فأقام الصلاة وقام بشعائر الإسلام، فيسأل: هل بطل حجه الذي كان قبل ردته فوجب عليه أن يعيده أم لا؟ فنقول: لا، لم يبطل حجك، وليس عليك إعادته؛ لأن الله تعالى اشترط لحبوط العمل بالردة أن يموت الإنسان على الردة، هذا المبطل العام الذي يبطل جميع العبادات. أما المبطلات الخاصة فهي تختص في كل عملٍ بحسبه: فالوضوء مثلاً يبطله الحدث، والصلاة يبطلها ما تبطل به كالضحك والكلام وشبهه، والصدقة يبطلها المن والأذى، والصوم يبطله الأكل والشرب، والحج يفسده الجماع قبل التحلل الأول. فالمهم: أن محبط الأعمال الخاص كثيرٌ لا حصر له، ويختلف باختلاف العبادات التي أبطلها.
***
هل ينطبق على هذا المرتد بعد توبته قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، وقوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) إلى آخر الآيات التي تتحدث عن التوبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم, نعم ينطبق عليه ذلك، فإذا تاب ورجع إلى الله عز وجل فإنه يكون مؤمناً ومع المؤمنين؛ لقوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
***
هل الكافر تنطبق عليه نفس أحكام التشريع الإسلامي من حيث المعاملات؟ وأقصد المرتد بترك الصلاة وسب الدين، أم أنه يعاد أولاً إلى الطريق المستقيم حتى يخضع كيانه لتشريعه السامي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرتد ليس كالكافر الأصلى، ولا يعامل معاملة الكافر الأصلى، بل هو أشد منه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من بدل دينه فاقتلوه). فالمرتد بأي نوع من أنواع الردة لا يعامل كما يعامل الكافر الأصلى، بل إنه يلزم بالرجوع إلى الإسلام، فإن أسلم فذاك، وإن لم يسلم فإنه يقتل كفراً، ولا يدفن مع المسلمين ولا يصلى عليه. وعلى هذا فنقول: إن هذا المرتد لا يمكن أن يعيش، بل إنه إما أن يعيش مسلماً، وإما أن يقتل.
***
ماذا تعني كلمة الإلحاد؟ وهل هناك فرق بين الملحد والكافر الذي كان مسلماً أو هو كافر بأصله كاليهودي والنصراني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الإلحاد لها معنى لغوي ولها معنى عرفي، أما معناها اللغوي فهو الميل عن طاعة الله سبحانه وتعالى بمعصيته، إما بترك الواجب وإما بفعل محرم؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ). وعلى هذا فكل عاصٍ لله سبحانه وتعالى يكون ملحداً، ولكن الإلحاد ينقسم إلى قسمين: قسم مخرج عن الملة، وهو: ما أوجب الكفر، وقسم لا يخرج من الملة، وهو: ما أوجب الفسوق. وأما المعنى العرفي، فالمعنى العرفي أن الإلحاد هو: إنكار الألوهية، يعني: إنكار وجود الله- والعياذ بالله- أو ارتداد المسلم. هذا هو الذي أعرفه من معنى الإلحاد في العرف، وعلى هذا فاليهود والنصارى في العرف لا يعتبرون ملحدين، ولكن هذا العرف ليس بصحيح؛ لأن العرف إذا خالف الشرع وجب إلغاؤه وطرحه. والصواب: أن كل من خالف الإسلام ولم يكن مسلماً فهو ملحد، سواء انتسب إلى دين أم لم ينتسب، وسواء أقر بوجود الخالق أم لم يقر به، فكل من كان كافراً كفراً أصلىاً أو كان مرتداً فإنه يكون ملحداً؛ لأنه- والعياذ بالله- الكفر وإن كان دركات بعضها أسفل من بعض، لكنه كله ملة واحدة باعتبار أنه خروج عن الإسلام.
***
ما معنى الإلحاد؟ وكيف يكون الشخص ملحداً في أسماء الله وصفاته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإلحاد في اللغة هو الميل، ومنه سمي الحفر في طرف القبر لحداً لأنه مائل إلى جهة منه. أما في الاصطلاح فهو: الميل عن ما يجب اعتقاده أو عمله. وهذا تعريف عام: كل من مال عن ما يجب اعتقاده وعمله فهو ملحد، لكن الإلحاد نوعان: إلحاد أكبر وإلحاد أصغر. فالإلحاد التام الذي هو الميل عن الإسلام كله إلحاد أكبر مخرج عن الملة، كإلحاد الشيوعيين والمشركين ومن ضاهاهم، وإلحاد أصغر لا يخرج من الملة، كالإلحاد في بعض الأعمال، كقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) أي بمعصية صغرى، والكبرى أشد وأعظم. أما الإلحاد في أسماء الله وصفاته فإنه ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن ينكرها إنكاراً كليّاً؟، فينكر الأسماء والصفات، ويدعي أن هذه الأسماء والصفات للمخلوقات وليست للخالق، كما يفعله غلاة المعطلة من القرامطة والباطنية ونحوهم. الثاني: إلحاد في الأسماء فقط، بأن يثبتها لله عز وجل لكن ينفي ما دلت عليه من الصفات، مثل أن يقول: إن الله سميع ولا سمع له، بصير ولا بصر له، عليم ولا علم له، وما أشبه ذلك فهذا أثبت الأسماء ولكن لم يثبت ما دلت عليه من الصفات. ومن الإلحاد في الأسماء أن يثبت الأسماء لكن يجعلها دالة على التمثيل، فيقول: إن لله تعالى أسماء يثبت ما دلت عليه من الصفات على وجه المماثلة، ويقول: إن لله تعالى علماً لكن علمه مماثل لعلم المخلوق. وكذلك من يمثل في الصفات وهو ملحد فيها، كالذي يقول: إن لله تعالى وجهاً لكنه مماثل لأوجه المخلوقين وما أشبه ذلك، فالتمثيل في الأسماء والصفات هذا من الإلحاد. ومن الإلحاد أيضاً أن نسمي الله بما لم يسمِّ به نفسه، فيسميه الصانع والساخر وما أشبه ذلك، فيثبت لله تعالى أسماء من عنده فإن هذا إلحاد، وذلك لأن الواجب في أسماء الله أن يقتصر فيها على ما ورد. ومن الإلحاد أن يثبت لله تعالى بعض الصفات دون بعض، بأن يثبت لله تعالى من الصفات ما يزعم أن العقل دل عليها، وينفي من الصفات ما يزعم أن العقل لا يدل عليها، فإنّ هذا من الإلحاد والتعطيل، والإيمان ببعض الكتاب دون بعض. من الناس من يؤمن بأن الله تعالى حي عليم قادر سميع بصير مريد متكلم لكنه لا يثبت بقية الصفات، فلا يثبت أنه حكيم، ولا يثبت أنه رحيم، ويقول: إن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد بدون حكمة، ويقول أيضاً: إن الله تعالى ليس له رحمة، لكن رحمته هي إحسانه إلى الخلق أو إرادة إحسانه إليهم، وما أشبه ذلك، هذا نوع من الإلحاد في أسماء الله وصفاته. ومن الإلحاد في أسماء الله أن يسمي بها الأصنام ويشتق للأصنام أسماء من أسماء الله، كقولهم: اللات والعزى، أخذوا الأول من الله وهو اسم من أسماء الله جل وعلا، وأخذوا الثاني من العزيز وهو اسم من أسماء الله تعالى.
***
إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم من كذب بالبعث بعد الموت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كافر, إذا كذب إنسان بالبعث بعد الموت فإنه كافر خارج عن الإسلام؛ لقول الله تبارك وتعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، ولأن المكذب بالبعث مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، ورجل هذا شأنه لا شك في كفره، فإذا رأينا أحداً يكذب بالبعث فالواجب علينا نصيحته بقدر الإمكان، إن من قال هذا فلا شك في كفره وارتداده، وينصح، فإن لم يتب وجب رفعه إلى الجهات المسؤولة، والجهات المسؤولة تنفذ فيه أحكام الردة، حتى لو سولت له نفسه أنه يتدين بدين مقبول فإنه خاسر. هذا كلام ربنا الخالق المنزل للشرائع؛ لأن الله تعالى أخذ العهد والميثاق على النبيين عموماً أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، كما قال عز وجل: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) يعني عهدي (قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)، فاستشهد بعضهم على بعض وشهد جلَّ وعلا بأنه إذا جاءهم رسول مصدق لما معهم آمنوا به ونصروه، ومن الرسول المصدق لما معهم؟ هو محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا كان هذا مأخوذاً على رسلهم فإنهم إن كانوا مؤمنين برسلهم حقاً أخذوا به تبعاً لرسلهم، وها هو عيسى عليه الصلاة والسلام آخر أنبياء بني إسرائيل وليس بينه وبين محمد رسول قال لبني إسرائيل: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ) هذا الرسول السابق (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي) الرسول اللاحق (اسْمُهُ أَحْمَدُ) والتبشير بالرسول يعني يجب اتباعه لأنه لو لم يجب اتباعه؛ لم يكن في بشارته به فائدة (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ) أي هذا الرسول المبشر به لما جاءهم (بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ). ولقد شهد علماء اليهود والنصارى على أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي بشرت به الأنبياء وهو (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). النجاشي لما ذكروا له قصة الوحي ورآهم يفعلون تلك الأفعال آمن وشهد بأن الرسول حق، وهو من أئمة النصارى. عبد الله بن سلام رضي الله عنه من أحبار اليهود شهد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه رسول الله حقاً، لكن أهل الكتاب كما قال الله عنهم: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ). فالخلاصة: أنني أنصح وأحذر إخواني المسلمين من هذا الرأي القبيح المنكر وهو ما يسمى بتوحيد الأديان، فإن هذا أمر لا يمكن إطلاقاً، كيف توحد الأديان ودين منها حق ودين منسوخ؟ هذا غير ممكن إلا أن يمكن الجمع بين النار والماء، فلا ينخدع المسلمون بهذه الدعوى الباطلة المنكرة القبيحة المنافية للإسلام.
***
المستمع هادي ناصر يقول في هذا السؤال: فضيلة الشيخ أنكر ذوو العقول الضعيفة قضية البعث فما ردكم عليهم؟ وهل يجوز أن نهجرهم بعد أن بينا لهم الحكم والأدلة؟ نرجو التوضيح مأجورين.
إنكار البعث كفر مخرجٌ عن الملة؛ لأنه تكذيبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين، قال الله تبارك وتعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) يعني تبعثون (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ). فمن أنكر البعث فهو كافر خارجٌ عن الدين الإسلامي بإجماع المسلمين، فيستتاب فإن تاب وأقر بالبعث إقراراً صادقاً يقر به ظاهراً وباطناً- يعني: ظاهراً مع الناس وباطناً فيما بينه وبين نفسه ومع أهله- فهو من نعمة الله عليه، ويكون رجوعاً للإسلام بعد الكفر، وإن أبى وأصر على إنكاره وجب قتله، وإذا قتل في هذه الحال فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يدعى له بالرحمة، فهذا حكم من أنكر البعث. ثم إن إنكار البعث- مع كونه كفراً وتكذيباً لله ورسوله وإجماع المسلمين- هو نقصٌ في العقل، إذ كيف يخلق الله هذه الخليقة، ويرسل إليها الرسل، وينزل من أجلها الكتب، ويأمر بجهاد من عارض شرعه، ثم تكون النتيجة أن تكون هذه الخليقة تراباً لا يبعثون ولا يحاسبون ولا يجازون؟ لو وقع هذا لكان من أسفه السفه، فكيف ينسب إلى رب العالمين الذي هو أحكم الحاكمين؟ فالكتاب والسنة وإجماع المسلمين والعقل السليم كلها توجب أن يكون للناس بعثٌ يجازون فيه على أعمالهم، ولهذا نقول: من أنكر البعث فهو كافر، وهو ضالٌ في دينه سفيهٌ في عقله، والواجب على ولي الأمر أن يقتله إذا لم يتب ويقر بالبعث.
***
إبراهيم أبو حامد يقول: فضيلة الشيخ ما هو خطر النفاق على العبد المسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى:النفاق نفاقان: نفاق أكبر مخرج عن الملة، ونفاق أصغر لا يخرج من الملة. أما الأول فهو: إظهار الإيمان وإبطان الكفر- والعياذ بالله- كالذي حصل في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأشار الله إليه في قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ). فهؤلاء يظهرون أنهم مسلمون: فيصلون مع الناس، وربما يتصدقون، ويذكرون الله، ولكنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، ويقرون بالرسالة ولكنهم كاذبون، يقول الله تبارك وتعالى فيهم: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). هذا النفاق والعياذ بالله نفاق أكبر صاحبه في الدرك الأسفل من النار. واختلف العلماء رحمهم الله هل يكون له توبة أو لا؟ فمن العلماء من قال: إنه لا توبة له، وذلك لأنه لو قلنا بأنه يتوب فإنه لا يبدو من إيمانه إلا ما أظهره لسانه، وهو يظهر الإيمان من قبل. ولكن الصحيح أن إيمانه مقبول إذا تبين من تصرفاته أنه غير منهجه الأول، وأنه تاب توبة نصوحاً، ويدل لذلك قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً). أما النوع الثاني من النفاق فهو: النفاق الأصغر الذي لا يخرج من الإيمان، مثل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان). وقال: (أربع من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه واحد منها كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها). فهذا نفاق أصغر لا يخرج من الملة، لكنه يخشى أن يتدرج بصاحبه حتى يصل إلى النفاق الأكبر. وإنني بهذه المناسبة أحث إخواني على الصدق في المقال، والوفاء بالوعد، وأداء الأمانة على الوجه الأكمل. أما الأول- وهو: الصدق في المقال- فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حث عليه ورغب فيه وحذر من الكذب، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً). وأما الوفاء بالوعد فإن الله سبحانه وتعالى مدح الموفين بعهدهم إذا عاهدوا. وأما أداء الأمانة فإن النصوص دلت على وجوب أداء الأمانة، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ). وكذلك أوصيهم بالقيام بما أوجب الله عليهم من أداء الواجبات: سواء كان ذلك بين الزوجين، أو بين المتعاملين، أو بين العامل المستأجر ومن استأجره، أو غير ذلك من المعاملات، حتى يسلم الإنسان من أن يتصف بشيء من صفات النفاق.
***
هل الفاسق هو صاحب كبائر الذنوب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول العلماء رحمهم الله إن الفاسق هو من أتى كبيرة ولم يتب منها، أو أصر على صغيرة. و عللوا ذلك بأن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، ولعل دليلهم في ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فحكم الله بفسق القذفة مع أنهم لم يفعلوا مكفراً ولكنهم فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب.
***
يقول السائل: من هو الفاسق في الشريعة الإسلامية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفاسق هو الخارج عن طاعة الله ورسوله، وهو نوعان: فسق أكبر وهو الكفر، وفسق دون ذلك. مثال الأكبر قول الله تبارك وتعالى في سورة ألم تنزيل السجدة: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ). هذا الفسق بمعنى الكفر فسق آخر دون ذلك لا يصل إلى الكفر ومثله قوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ). فذكر الكفر وحده والفسوق وحده والعصيان الذي هو دون الفسوق وحده. وقول الفقهاء رحمهم الله في كتبهم: لا تقبل شهادة الفاسق، يعنون بذلك الفسق الذي دون الكفر.
***
السائل يقول: سمعت وقرأت قصيدة البردة، والذي أعرفه أن مؤلف هذه القصيدة عالم، فهل تضر في عقيدته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إني سأتلو من هذه البردة ما يتبين به حال ناظمها: كان يقول مادحاً للنبي صلى الله عليه وسلم:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلـة القـدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقـلم
هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهاً الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالي من ألوذ به سواك إذا حلت الحوادث؟ لا يمكن لمؤمن أن يقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يرضى بهذا أبداً، إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم أنكر على الرجل الذي قال له: ما شاء الله وشيءت، فقال: (أجعلتني لله ندّاً بل ما شاء الله وحده) فكيف يمكن أن يقال: إنه يرضى أن يوجه إليه الخطاب بأنه ما لأحد سواه عند حلول الحوادث العامة، فضلاً عن الخاصة؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهاً الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم: إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفوا وإلا فقل يا زلة القدم؟ ويجعل العفو والانتقام بيد الرسول عليه الصلاة والسلام؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول هذا؟ إن هذا لا يملكه إلا الله رب العالمين. هل يمكن لمؤمن أن يقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها, الدنيا ما نعيش فيه وضرتها الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام وليست كل جوده بل هي من جوده فما الذي بقي لله؟ إن مضمون هذا القول: لم يبقَ لله شيء لا دنيا ولا أخرى، فهل يرضى مؤمن بذلك أن يقول: إن الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن الله جل وعلا ليس له فيها شيء؟ وهل يمكن لعاقل أن يتصور أن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي جاء بتحقيق التوحيد يرضى أن يوصف بأن من جوده الدنيا وضرتها؟ هل يمكن لمؤمن أن يرضى فيقول يخاطب النبي صلى الله وسلم: ومن علومك علم اللوح والقلم؟ من علومه وليست كل علومه علم اللوح والقلم، هل يمكن لمؤمن أن يقول ذلك والله تعالى يقول لنبيه: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)؟ فأمر الله عز وجل أن يعلن للملأ إلى يوم القيامة أنه ليس عنده خزائن الله ولا يعلم الغيب ولا يدعي أنه ملك وأنه صلى الله عليه وسلم عابد لله تابع لما أوحى الله إليه (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ). فهل يمكن لمن قرأ هذه الآية وأمثالها أن يقول: إن الرسول يعلم الغيب، وإن من علومه علم اللوح والقلم؟ كل هذه القضايا كفر مخرج عن الملة، وإن كنا لا نقول عن الرجل نفسه إنه كافر- أعني: عن البوصيري- لأننا لا نعلم ما الذي حمله على هذا، لكنا نقول: هذه المقالات كفر، ومن اعتقدها فهو كافر، نقول ذلك على سبيل العموم. ولهذا نحن نرى أنه يجب على المؤمنين تجنب قراءة هذه المنظومة؛ لما فيها من الأمور الشركية العظيمة، وإن كان فيها أبيات معانيها جيدة وصحيحة، فالحق مقبول ممن جاء به أياً كان، والباطل مردود ممن جاء به أيّاً كان.
***
من السودان السائل فرح يقول في هذا السؤال: ما حكم من يطوف بالقبة أو الضريح وهو جاهل الحكم,هل يكون مشركاً شركاً أكبر يخلد في النار؟ وماذا يجب عليه؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: الطواف بالقبور والأبنية المبنية عليها ينقسم إلى قسمين: القسم الأول أن يطوف لا لعبادة صاحب القبر ولا لدعائه والاستغاثة به، ولكن عادة اعتادها فصار يفعلها، أو كان يظن أن هذا مما يقرب إلى الله عز وجل، فهذا ليس بمشرك ولكنه مبتدع، ويمكن أن نسمي بدعته هذه شركاً أصغر؛ لأنه وسيلة إلى الشرك الأكبر. أما إن كان يطوف بالقبر أو بالبناية عليه تعبداً وتقرباً وتعظيماً لصاحب القبر، أو كان يطوف به ذلك ويدعو صاحب القبر ويستغيث به فإن هذا مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، يستحق عليه قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) .
***
جزائرــــية
2009-09-18, 18:35
15/ السحر
ما حكم فعل السحر وتعلمه ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع يكون كفراً، ونوع يكون فسقاً. فالسحر الذي يكون بالاستعانة بالشياطين والأرواح الخبيثة هذا كفر؛ لقول الله تبارك و تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). والنوع الثاني يكون فسقاً، وهو السحر بالأعشاب ونحوها مما يضر المسحور، فهذا عدوان وفسق، لكن لا يصل بصاحبه إلى حد الكفر. وأياً كان الساحر فإنه يجب قتله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حد الساحرضربة بالسيف). ولأن عدوانه وضرره عظيم على الأمة. ثم إن كان كافراً- أي: إن كان سحره مكفراً- فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، وإن كان غير مكفر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
***
حصل خلافٌ حول وجود السحر حقيقةً وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سحر، فهم ينكرون ذلك محتجين بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ). فما هو الحق في هذا؟ وكيف نفسر هذه الآية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحق في هذا أن السحر ثابتٌ ولا مرية فيه وهو حقيقة، وذلك بدلالة القرآن والسنة. أما القرآن فإن الله ذكر عن سحرة فرعون الذين ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، وحتى أوجس في نفسه خيفة، فأمره الله تعالى أن يلقي بعصاه فألقاها فإذا هي ثعبانٌ مبين تلقف ما يأفكون، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه. وأما أن الرسول عليه الصلاة والسلام سحر فإنه حق، فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سحر من حديث عائشة وغيرها، وأنه كان يخيل إليه أنه أتى الشيء وهو لم يأته، ولكن الله تعالى أنزل عليه سورتي: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، فشفاه الله تعالى بهما. وأما قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلا ينافي هذا, هذا إن كانت الآية لم تنزل بعد، وأنا الآن ما يحضرني هل هذه الآية قبل سحره أو بعده، والظاهر لي أنها بعد السحر، وإذا كانت بعد السحر فلا إشكال فيها.
***
ما حكم الذهاب للسحرة والدجالين والكهنة ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذهاب إلى هؤلاء محرم، ولا يحل الذهاب إليهم، ولا خير فيهم، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى). والكهنة كذابون؛ لأنهم لهم عملاء من الجن يسترقون السمع ويخبرونهم، ثم يكذبون مع ما أخبروا به من أخبار السماء، يكذبون كذبات كثيرة مائة كذبة أو أكثر أو أقل، فهم كذبة لا يجوز الذهاب إليهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد). وإنما كان ذلك كفراً لأنه تكذيب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) .
***
المستمعة م. ع. من سوريا بعثت برسالة تقول فيها: فضيلة الشيخ هل يؤثر السحر لدرجة أنه يوقف مشروع الزواج؟ وإذا كان هذا التأثير صحيحاً فهل له علاج من الكتاب والسنة دون الذهاب للدجالين والمشعوذين؟ نرجو التوجيه مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى:الجواب على هذا السؤال: أن السحر بلا شك يؤثر تأثيراً مباشراً بدليل القرآن والواقع، أما القرآن فقد قال الله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ). وقوله تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى). وأما الواقع فشاهدٌ بذلك، فإن السحر يؤثر في المسحور، يؤثر في عقله وفي بدنه وفي فكره وفي اتجاهه. والسحر من كبائر الذنوب، بل شعبةٌ منه تكون من الكفر المخرج من الملة، وعلى هذا فالواجب على المسلمين البعد عن السحر والحذر منه اتقاءً لعقاب الله ورحمةً بعباد الله. وأما العلاج بالنسبة للمسحور فيكون بقراءة القرآن: يقرأ على المصاب بالآيات بآيات الحماية، مثل: آية الكرسي، قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وغيرها من الآيات التي فيها الحماية من شر الخلق. أو يؤتى بماء فيدق سبع ورقات من ورق السدر وتوضع في هذا الماء، ويقرأ فيه أو ينفث فيه بمثل قوله تعالى: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ) وغيرها من الآيات التي تفيد بطلان السحر، ويسقى المريض المصاب بالسحر. وكذلك يمكن أن يعالج المريض بالسحر بالأدوية المباحة المتخذة من الأشجار أو غيرها. وكذلك يعالج السحر بحل السحر، بأن يوصل إلى المكان الذي فيه السحر، وتؤخذ الوسيلة التي جعل فيها السحر فتنقض وتحرق، وما أشبه ذلك من أنواع الحلول المباحة. وأما الذهاب إلى السحرة لحل السحر: فإن كان ذلك لضرورة فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجاز ذلك وقال: إن الضرورة تبيح المحرم، ولا شك أن المصاب بالسحر إذا نقض سحره يزول ضرره، فما كان وسيلة لأمرٍ نافع بدون أن يتضمن ضرراً في الدين فإنه لا بأس به؛ لقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)، وقد ذهب إلى هذا بعض التابعين ومنهم من منع الذهاب إلى السحرة لحل السحر، واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وبأنه إذا فتح الباب للناس صار وسيلةً لإغراء السحرة واتفاقهم على هذا العمل، فأحدهم يسحر والثاني يحل السحر، وما يحصل من المكاسب تكون بينهما؛ لأنه من المعلوم أن المصاب بالسحر سوف يبذل الشيء الكثير لأجل التخلص منه، وفي هذا مفسدةٌ عظيمة. والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى الضرورة الشخصية المعينة مِلْنا إلى الإباحة، أي: إباحة حل السحر بالسحر للضرورة، كما ذهب إلى ذلك من ذهب من السلف والخلف. وإذا نظرنا إلى المصلحة العامة مِلْنا إلى القول بالمنع، لا سيما وأنه مؤيدٌ بالحديث الذي أشرنا إليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، والمسألة عندي فيها توقف. والعلم عند الله.
***
بارك الله فيكم تقول بأن لها ابنة متزوجة، وهذه الابنة تكره زوجها وزوجها يحبها، وهي الآن حامل وعند أهلها، وهي تكره أن ترى هذا الزوج، ويقال بأن هناك كاتباً يكتب كتاباً يسمى بالعطف أن يجعل الزوجة تحب زوجها، فهل هذا العمل جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تعمل عملاً يكون به عطف الزوج عليها، ولا يجوز للزوج أن يعمل عملاً يكون به عطف الزوجة عليه؛ لأن هذا نوع من السحر، ولكن الطريق إلى ذلك أن تسأل الله عز وجل دائماً أن يحبب زوجها إليها وأن يؤلف بينهما، وتقرأ من القرآن ما يعينها على التحول من الكراهية إلى المحبة، وتستعين بأهل الخير والصلاح أن يقرؤوا عليها لتحويل بغضها إلى محبة. هذا ما أراه واجباً عليها، ونسأل الله تعالى أن يؤلف بينها وبين زوجها وأن يبارك لهما وعليهما وأن يجمع بينهما في الخير.
***
ما حكم الإسلام في نظركم في الشخص الذي يستخدم شيئاً من السحر لكي يوفق بين زوجين أو اثنين متنافرين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضاً محرم ولا يجوز، وهذا يسمى بالعقد، وما يحصل به التفريق يسمى بالصرف، وهو أيضاً محرم، وقد يكون كفراً وشركاً.
***
هل الساحر كافر؟ وما هو الدليل؟وهل تجوز الصلاة خلفه؟ ماذا علي أن افعل إذا صلىت خلف مثل هذا الإمام في الوقت الذي لا أعلم أنه ساحر؟ هل صلاتي السابقة تكون باطلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع كفر، ونوع عدوان وظلم. أما الكفر فهو الذي يكون متلقىً من الشياطين، فالذي يتلقى من الشياطين هذا كفر، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). وهذا النوع من السحر كفر مخرج عن الملة يقتل متعاطيه، واختلف العلماء رحمهم الله لو تاب هذا الساحر هل تقبل توبته؟ فقال بعض أهل العلم: إنها تقبل توبته؛ لعموم قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فإذا تاب هذا الساحر وأقلع عن تعاطي السحر فما الذي يمنع من قبول توبته، والله عز وجل يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)؟ لكن إذا كان قد تسبب في سحره في قتل أحد من الناس أو عدوانٍ عليه فيما دون القتل فإنه يضمن لحق الآدمي، فإن كان بقتل قتل قصاصاً، وإن كان بتمريض نظر في أمره, وإن كان بإفساد مال ضمن هذا المال. النوع الثاني من السحر سحر لا يكون بأمر الشياطين، لكنه بأدوية وعقاقير وأشياء حسية، فهذا النوع لا يُكفِّر ولكن يجب أن يقتل فاعله درءاً لفساده وإفساده.
***
ما هي الحصون والوقاية من السحر ليتقي الإنسان شرها؟ وما حكم عمل السحر وحكم الذين يذهبون إلى ا لسحرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن ثلاث مسائل: الأولى الوقاية من السحر، والوقاية من السحر تكون بقراءة الأوراد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: آية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، يقرؤها الإنسان وهو موقن بأنها حماية له، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ومن قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فيهما الاستعاذة من السحرة: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ). فينبغي للإنسان أن يستعمل هذه الأوراد الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم وليلة لتقيه من شر أهل الحسد ومن شر السحر. أما المسألة الثانية فهي: عمل السحر، وعمل السحر إن كان بواسطة الاستعانة بالشياطين فإنه كفر، بدليل قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). أما إذا كان السحر بالأدوية وما أشبهها مما لا يكون استعاذة بالشياطين فإنه لا يصل إلى حد الكفر، ولكن يجب على ولي الأمر أن يقوم بما يجب عليه من الحيلولة دون هؤلاء. وأما المسألة الثالثة فهي: الذهاب إلى السحرة، ونقول في الجواب عنها: إنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى الساحر من أجل أن ينقض السحر؛ لأن هذا يؤدي إلى مفاسد كثيرة، منها إعزاز هؤلاء السحرة وكثرتهم؛ لأنه من المعلوم أن النفوس مجبولة على حب المال، وأن الإنسان إذا كان يأخذ أموالاً ربما تكون أموالاً طائلة على نقض السحر فإن ذلك إغراء للناس بتعلم السحر من أجل نقضه، فيحصل في هذا ضرر كبير وابتزاز لأموال الناس، وهنا نقول: إن في الأدوية المباحة والأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم والآيات القرآنية ما يغني عن هذا بإذن الله.
***
سمعت في برنامجكم أنه يمكن التداوي من السحر بتلاوة الآيات القرآنية وبعض الأدوية الحلال، فهل هناك آيات خاصة تقرأ لمثل هذه الحالة أو هناك أدعية خاصة لهذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الآيات الخاصة بهذا مثل: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)؛ لأنه ما تعوذ أحد بمثلهما. والأدعية الخاصة بأن يدعو الإنسان ربه بالشفاء: اللهم اشفني من هذا الداء، أو كذلك يدعو له من يقرأ عليه بمثل هذا الدعاء المناسب.
***
بالنسبة للسحر هناك من يربط بين الزوج أي يمتنع عن الاجتماع مع زوجته، فكيف يصرف الإنسان هذا السحر بدون أن يذهب إلى ساحر أو دجال أو مشعوذ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يصرف هذا السحر باللجوء إلى الله عز وجل ودعائه وقراءة سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما، أي: بمثل سورتي الفلق والناس، ويكرر هذا، ولا حرج أن يذهب إلى رجل صالح يقرأ عليه ويدعو له.
***
امرأة قيل لها: إنك معمول لك سحر ويحتاج إلى فك، ولكن ادفعي مبلغ أربعة آلاف ريال وأنا أفكك من هذا السحر، فما هو الحل في ذلك وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحل في هذا أن نقول: إن حل السحر ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون بوسائل محرمة، كأن يُحل بالسحر، مثلما يستعمله بعض البادية من صب الرصاص في الماء على رأس المسحور حتى يعلم بذلك من سحره، فهذا لا يجوز. فإذا كان حل السحر بوسائل محرمة فإن ذلك حرامٌ ولا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بسندٍ جيد. والقسم الثاني: أن يكون حل السحر بالطرق المباحة كالأدعية والقراءة على المريض والأدوية المباحة، فهذا لا بأس به ولا حرج.
***
المستمع م. ع. ي. من العراق محافظة ذي قار يقول: السؤال حول موضوع أو ظاهرة تعرف بالدروشة، يقوم بها بعض الناس الذين يدعون بأن نسلهم يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقوم هؤلاء بإيذاء أنفسهم وضربها بالأسلحة النارية والجارحة وأمام جمعٍ من الناس دون أن يصيبهم أي أذى أو خروج دم من أجسامهم. فهل هذه كرامةٌ أم هو سحرٌ؟ أم إن هناك حديثاً قدسياً شريفاً أو نصاً قرآنياً يثبت ذلك؟ وهل هذه الظاهرة موجودةٌ في الأقطار الإسلامية الأخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال حقيقة هو نفسه دروشة. وهؤلاء الدراويش الذين يعنيهم أولاً لا تقبل دعواهم أنهم ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببينة تاريخية تثبت ذلك، ولو قبلنا هذه الدعوى لادعاها رجالٌ كثير، فدعواهم أنهم من نسل الرسول عليه الصلاة والسلام غير مقبولة حتى يثبتوا ذلك بالطرق الصحيحة التي يثبت بها مثل هذا الأمر. وأما كونهم يضربون أنفسهم بالحديد أو غير الحديد ولا يتأثرون بذلك فإن هذا لا يدل على صدقهم ولا على أنهم من أولياء الله ولا على أن هذا كرامةٌ لهم، وإنما هذا من أنواع السحر الذي يسحرون به أعين الناس، والسحر يكون في مثل هذا وغيره، فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى سحرة فرعون ألقوا حبالهم وعصيهم صارت من سحرهم يخيل إليه أنها تسعى وأنها حياتٌ وأفاعٍ، وكما قال الله عز وجل: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) فهذا الذي يفعلونه لا شك أنه نوعٌ من أنواع السحر وأنه ليس بكرامة. واعلم أيها السائل أن الكرامة لا تكون إلا لأولياء الله عز وجل، وأولياؤه هم الذين استقاموا على دينه، وهم من وصفهم الله في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). وليس كل من ادعى الولاية يكون ولياً، وإلا لكان كل أحدٍ يدعيها، ولكن يوزن هذا المدعي للولاية يوزن بعمله إن كان عمله مبنياً على الإيمان والتقوى فإنه ولي، لكن مجرد ادعائه أنه من أولياء الله هذا ليس من تقوى الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى). فإذا ادعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه وحينئذٍ يكون واقعاً في معصية الله، فيما نهى الله عنه، وهذا ينافي التقوى، وعلى هذا فإن أولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل، ولا يغرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله.
***
ماذا يعمل الإنسان الذي قد كتب له سحر ومتضرر من جراء ذلك؟ وما العمل مفصلاً للذي قد عمل له عقدة أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحر من كبائر الذنوب، ومنه ما يكون كفراً، قال الله عز وجل: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) لم يكن له خلاق أي نصيب في الآخرة، فهذا هو الكافر بل في الآية السابقة يقول الملكان: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). فلا يحل لأحد أن يتعاطى السحر؛ لأنه إما كبيرة وإما كفر على حسب التفصيل الذي ذكره أهل العلم، و أما النشرة وهي حل السحر عن المسحور: فإن كانت من القرآن والأدوية المباحة فإن هذا لا بأس به، وإن كانت بسحر فإن هذا قد اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من جوز حل السحر بسحر للضرورة، ومنهم من منع ذلك، والأقرب المنع، وأنه لا يحل حل السحر بالسحر؛ لأننا لو قلنا بذلك لانفتح علينا باب تعلم السحر، وصار كثير من الناس يتعلمون بحجة أنهم يريدون أن يحلوا السحر من المسحور، وهذا باب يفتح شرّاً كبيراً على المسلمين، وفي الأدعية المشروعة والقراءات المشروعة و الأدوية المباحة ما يغني عن ذلك لو اعتمد على الله عز وجل وتوكل عليه.
***
هذه السائلة ع. أ. م. من الأردن تقول: فضيلة الشيخ ما هو العلاج الشرعي للسحر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي للسحر هو الرقية بكتاب الله عز وجل، بأن يقرأ على المصاب: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، وكذلك الآيات التي فيها بيان أن الله تعالى يبطل السحر مثل: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، ومثل قوله: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى). وكذلك ما جاءت به السنة من الأدعية التي يستشفى بها من المرض. هذا إذا لم يمكن الاطلاع على محل السحر، فإن أمكن فإنه إذا اطلع عليه ينقض. ونسأل الله السلامة.
***
ما هو العلاج الشرعي للسحر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي يكون بالآيات القرآنية كالفاتحة والمعوذتين، وما جاءت به السنة من الأدعية، وكذلك بالأدعية المباحة التي يدعو بها الإنسان ربه، هذا هو العلاج الشرعي للسحر.
***
أنا شاب مسلم وعلى علم اليقين أن السحر حرام، ومع هذا فإني أجد في هذه الأيام أناساً كثيرين يتعرضون لنوبات مرضية ويترددون على عدة أطباء ولم يفدهم أي علاج، بينما يذهبون في النهاية إلى أحد المنجمين السحرة فيتبين أنهم مسحورون من قبل أناس آخرين، فيشفيهم من آلامهم بطريقته الخاصة، أي: باستعمال بعض الكتب. أفيدوني في ذلك أثابكم الله.
فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل معناه النُشرة وهي حل السحر عن المسحور، والأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن تكون بالقرآن والأدعية الشرعية والأدوية المباحة فهذه لا بأس بها؛ لما فيها من مصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة؛ لأنها مصلحةٌ بلا مضرة. وأما إذا كانت النشرة بشيءٍ محرم كنقض السحر بسحرٍ مثله فهذا موضع خلافٍ بين أهل العلم، فمن العلماء من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بإسناد جيد وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرماً، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره، والله سبحانه يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). ويقول تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ).
***
المستمع رمز لاسمه بالأحرف ز. ل. م. ع. من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يقول: عندي صديق سُحرت زوجته من قبل أناس أعداء له ولأهله، وحاول أن يعالجها بشتى الطرق مثل الكي وغيره ولكن دون فائدة، ودلنا رجل على إنسان يعالج السحر بالسحر، فهل عليه إثم لأنه يستخدم السحر في نفع الناس من السحرة الآخرين، ولم يضر به أحداً وهل على صديقي هذا إثم لأنه ذهب إلى هذا الساحر لعلاج زوجته مما أصابها من السحر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أن السحر من أكبر المحرمات، بل هو من الكفر إذا كان الساحر يستعين بالأحوال الشيطانية على سحره أو يتوصل به إلى الشرك، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُواْ اَلشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). فهذا دليل على أن تعلم السحر كفر، السحر متلقى من الشياطين، وعلى هذا فيجب الحذر منه والبعد عنه، حتى لا يقع الإنسان في الكفر المخرج عن الملة والعياذ بالله. وأما حل السحر عن المسحور فإنه ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون بالأدعية والأدوية المباحة وبالقرآن، فهذا جائز لا بأس به، ومن أحسن ما يقرأ به على المسحور: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما. وتارة يكون حل السحر بسحر، وهذا مختلف فيه سلفاً وخلفاً، فمن العلماء من رخص فيه لما فيه من إزالة الشر عن هذا المسحور، ومنهم من منعه وقال: إنه لا يحل السحر إلا ساحر، وهذا أحسن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وعمل الشيطان هو ما كان بالسحر، أما ما كان بالقرآن أو بالأدعية المباحة فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه. وعلى من ابتلي بهذا الأمر أن يصبر وأن يكثر من القراءة والأدعية المباحة حتى يشفيه الله تعالى من ذلك.
فضيلة الشيخ: الشخص الذي يستخدم السحر أو يزاول السحر ماذا عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سبق أن قلنا: إذا كان سحره بواسطة الشياطين أو لا يتوصل إليه إلا بالشرك فإن هذا شرك مخرج عن الملة.
فضيلة الشيخ: والتصديق به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التصديق بالسحر نوعان: أحدهما: أن يصدق بأثره أن له تأثيراً، وهذا لا بأس به؛ لأن هذا هو الواقع. والثاني: أن يصدق به إقراراً، أي: مقراً له وراضياً به، فهذا محرم ولا يجوز.
***
يقول المستمع: إنني أعلم أن الذهاب إلى الكهنة والسحرة حرام شرعاً، فماذا يفعل من ابتلي بالسحر أي عمل له سحر وسبب له تعباً وإعياءً؟ فهل يجوز له أن يذهب إلى السحرة لفك السحر؟ أم أن هناك آيات معينة في فك السحر أو التحصن من السحرة؟ وماذا يفعل هذا الشخص تجاه هذا الساحر خاصةً إذا كان يسكن بجواره؟ هل يتركه أم ينتقم منه؟ ماذا يفعل؟ أفيدونا مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: حل السحر يكون بأمرين: الأمر الأول: القراءات والتعوذات الشرعية، واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وكثرة الدعاء والإلحاح فيه، وهذا لا شك أنه جائز، ومن أحسن ما يستعاذ به سورة الفلق وسورة الناس: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ) الآيات. فإذا داوم الإنسان على هذا فإنه يشفى بإذن الله عز وجل. وأما النوع الثاني من الدواء مما يحل به السحر فهو: أن يحل بسحرٍ مثله، وهذا فيه خلافٌ بين أهل العلم، فمن أهل العلم من أجازه ومنهم من لم يجزه، والأقرب أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وإذا كانت من عمل الشيطان فإنه لا يجوز لنا أن نفعلها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ). وأما ما ذكره عن جاره الذي يقول: إنه ساحر، فعليه أن يقوم بنصيحته ويخوفه من الله عز وجل، ويبين له أن السحر كفرٌ وردة، وأن فيه أذيةً للمسلمين، فإن انتهى ومنَّ الله عليه بالهداية فهذا هو المطلوب، وإلا وجب أن يرفع إلى ولاة الأمور، ليقوموا بما يلزم نحو هذا الساحر.
***
هل يجوز الذهاب إلى السحرة لفك السحر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان). وقسم العلماء رحمهم الله النشرة إلى قسمين: القسم الأول: أن تكون نشرة بالأدعية أو بالرقى من القرآن والسنة، أو باستعمال مأكول أو مشروب مباح، فهذه جائزة ولا بأس بها. والثاني: أن تكون بالسحر، بمعنى: أن نفك السحر بسحر، فهذه هي التي أرادها النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (هي من عمل الشيطان) .
***
أبو هبة من المغرب يقول: اضطر شخص إلى أن يذهب إلى أحد السحرة ليفك عن ابنه سحراً فهل يجوز له ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحر لا شك أنه داء عضال، وأنه جناية من الساحر عظيمة، والساحر الذي يستعين بالأرواح الشيطانية أو بالشياطين أو بالجن كافر- والعياذ بالله -كفراً مخرجاً عن الملة وإن صام وصلى؛ لقول الله تبارك وتعالى:(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). فالساحر الذي يستعين بالشياطين والأرواح الشيطانية والجن كافر عليه أن يتوب إلى الله وأن يرجع إليه، وأن يقلع عن ما يفعل. أما المسحور فقد ابتلي ببلية ابتلاه الله بها على يد هذا الساحر، وله أن يسعى بقدر ما يستطيع لفك السحر عنه، وأحسن ما يكون في فك السحر كتاب الله عز وجل والآيات القرآنية التي جاءت بفك السحر، مثل: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وقل هو الله أحد، وآية الكرسي، والآيتين في آخر سورة البقرة. فإذا قرأها قارئ مخلص مؤمن بها وكان المصاب بالسحر متقبلاً لها معتقداً نفعها فإنها تنفعه بإذن الله عز وجل، ويوجد ولله الحمد من يقوم بهذا بكثرة، وفي هذا غنى عن الذهاب إلى السحرة. نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين السلامة من الآفات، وأن يقينا شر عباده.
***
إذا سحر أحدهم يذهبون إلى شيخ كما يسمي نفسه، ويكتب لهم ورقة فيها آيات من القرآن، ثم يحرقها في النار، ويجعلها تحت الشخص المسحور، حتى إذا اشتم رائحة الدخان نطق باسم من سحره، فيقول: سحرني فلان بن فلان ويذكر السبب الذي سحره من أجله. وقد أحدثت هذه الحالة الكثير من المشاكلات حتى وصل بعضها إلى السلطات، فما الحكم في هذا العمل من الفاعل والمفعول له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أن هذا لا يجوز، لو كان هذا الرجل الشيخ يكتب القرآن ويعطيه المريض فيشربه لكان هذا مما ورد عن السلف وكان هذا جائزاً وتأثيره ظاهر، أما كونه يكتب الآيات ثم يحرقها حتى يشم هذا المسحور دخانها فأخشى أن يكون هذا الإحراق امتهاناً للقرآن أمام الشياطين التي تريد من بني آدم أن يمتهن كتاب الله عز وجل حساً ومعنى، وإلا فلا وجه للإحراق؛ لكونه يشم دخان هذا الورق الذي احترق، فالذي أرى في هذه الحال أنه لا يجوز أن يذهب إلى هذا الرجل ويؤخذ منه هذا الدواء، وأن يستعين المسحور بالأدوية الحسية الطبيعية المعروف تأثيرها، وبالدعاء، وبالآيات القرآنية، ومنها: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، فإن هاتين السورتين ما تعوذ متعوذ بمثلهما.
***
جزائرــــية
2009-09-18, 18:41
16/ الشرك
ما هو الشرك وما هي أنواعه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك أن يجعل الإنسان مع الله تعالى شريكاً في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته. ففي الربوبية: أن يجعل خالقاً مع الله عز وجل لهذا الكون، أو يجعل معيناً لله تعالى في خلق هذا الكون. وفي الألوهية: أن يتخذ إلهاً مع الله يعبده، إما ولي أو نبي، أو أمير أو وزير، أو حجر أو شجر، أو شمس أو قمر. وأما في الأسماء والصفات: فأن يعتقد أن أسماء الله وصفاته مماثلة لصفات المخلوقين، ويجعل صفات المخلوق كصفات الخالق. وأما أنواعه: فمنه الأصغر والأكبر، والأخفى والأبين، وهو أنواع كثيرة. وما أحسن أن يقول الإنسان: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. فإن الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفاة السوداء في ظلمة الليل، فليحذر الإنسان منه، وليسأل الله الخلاص، وليلجأ إلى الله تعالى دائماً مستعيناً به.
***
هذا السائل أسعد المصري مقيم بالمملكة العربية السعودية يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن الشرك الأكبر، وما هو الشرك الأصغر؟ أرجو الإفادة في سؤالي ذلك مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى:الشرك الأكبر هو الشرك المخرج عن الملة، مثل أن يعتقد الإنسان أن مع الله إلهاً آخر يدبر الكون، أو أن مع الله إلهاً آخر خلق شيئاً من الكون، أو أن مع الله أحداً يعينه ويؤازره، فهذا كله شركٌ أكبر، وهذا الشرك يتعلق بالربوبية. أو أن يعبد مع الله إلهاً آخر، مثل أن يصلى لصاحب قبر، أو يتقرب إليه بالذبح له تعظيماً له أو ما أشبه ذلك، وهذا من الشرك في الألوهية. فالشرك الأكبر ضابطه: ما أخرج الإنسان عن الملة. وأما الشرك الأصغر فهو كل عملٍ أطلق الشرع عليه اسم الشرك، وهو لا يخرج من الملة، مثل الحلف بغير الله فإنه من الشرك الأصغر، كأن يقول قائل: والنبي محمدٍ ما فعلت كذا، أو: والنبي محمدٍ لأفعلن كذا، أو يحلف بالكعبة فيقول: والكعبة المعظمة ما فعلت كذا، أو: والكعبة المعظمة لأفعلن كذا أو ما أشبه ذلك. فالمهم أن الحلف بغير الله من الشرك، لكنه شركٌ أصغر لا يخرج به الإنسان من الملة. والدليل على أنه من الشرك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). إلا أنه إذا اعتقد أن لهذا المحلوف به من التعظيم مثل ما لله عز وجل من التعظيم فهنا يكون مشركاً شركاً أكبر لأنه ساوى المخلوق بالخالق، فيكون بذلك مشركاً شركاً أكبر وليعلم أن الشرك لا يغفره الله عز وجل، سواءٌ كان أصغر أم أكبر لعموم قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً). هذا في آية، وفي آية أخرى: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) .
***
هذا السائل الذي رمز لاسمه س. ع. د. يقول: فضيلة الشيخ ماهي أنواع الشرك المخرج من الملة؟ وهل كل من عمل بها يكون مشركاً، أو الذي يقوم عليه الدليل الشرعي؟ أرجو الإفادة مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك المخرج عن الملة هو: أن يتخذ الإنسان إلهاً مع الله يعبده ويتقرب إليه بالركوع والسجود والذبح والصوم وما أشبه ذلك، أو يتخذ مع الله ربّاً يستغيث به ويستنصر به ويستنجد به. فالأول شرك في الألوهية، والثاني شرك في الربوبية. فمن فعل شيئاً من ذلك فهو مشرك، هذا هو الأصل، لكن قد يقوم بالشخص مانع يمنع من الحكم عليه بالشرك، مثل: أن يكون الإنسان جاهلاً لا يدري، رأى الناس يفعلون شيئاً ففعله، فإذا نبهناه ترك ما هو عليه واهتدى، فإن هذا لا يكون مشركاً مخلداً في النار؛ لأنه جاهل، إلا أنه ربما يكون غير معذور بهذا الجهل، مثل أن يفرط في طلب العلم، فيقال له مثلاً: هذا من الشرك ولا يجوز، ولكنه يتهاون ولا يسأل، فإن هذا ليس بمعذور في جهله؛ لأنه مفرط ومتهاون.
***
المستمع أ. ع. ع. من العراق ديالة يقول: ما هو الشرك الخفي؟ وما الفرق بينه وبين الشرك الأصغر؟ وكيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي: أما الشرك الأكبر فمثل أن يصرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله عز وجل، ومن العبادة الدعاء، فإذا دعا الإنسان غير الله، كما لو دعا نبياً أو ولياً أو ملكاً من الملائكة، أو دعا الشمس أو القمر، لجلب نفع أو دفع ضرر كان مشركاً بالله شركاً أكبر، وكذلك لو سجد لصنم، أو للشمس أو للقمر، أو لصاحب القبر أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك شرك أكبر مخرج عن الملة والعياذ بالله: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ). وهذا في الأعمال الظاهرة، وكذلك لو اعتقد بقلبه أن أحداً يشارك الله تعالى في خلقه، أو يكون قادراً على ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فإنه يكون مشركاً شركاً أكبر. أما الشرك الأصغر فإنه ما دون الشرك الأكبر، مثل: أن يحلف بغير الله غير معتقد أن المحلوف به يستحق من العظمة ما يستحقه الله عز وجل، فيحلف بغير الله تعالى تعظيماً له- أي: المحلوف به- ولكنه يعتقد أنه دون الله عز وجل في التعظيم، فهذا يكون شركاً أصغر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). وهو محرم سواء حلف بالنبي أو بجبريل أو بغيرهما من الخلق، فإنه حرام عليه، ويكون به مشركاً شركاً أصغر. وأما الشرك الخفي فهو ما يتعلق بالقلب من حيث لا يطلع عليه إلا الله، وهو إما أن يكون أكبر وإما أن يكون أصغر: فإذا أشرك في قلبه مع الله أحداً يعتقد أنه مساوٍ لله تعالى في الحقوق وفي الأفعال كان مشركاً شركاً أكبر، وإن كان لا يظهر للناس شركه فهو شرك خفي على الناس، لكنه أكبر فيما بينه وبين الله عز وجل، وإذا كان في قلبه رياء في عبادة يتعبد بها لله فإنه يكون مشركاً شركاً خفياً؛ لخفائه على الناس، لكنه أصغر؛ لأن الرياء لا يخرج به الإنسان من الإسلام.
فضيلة الشيخ: يقول: كيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التخلص من الشرك الأصغر أو الأكبر بالرجوع إلى الله عز وجل والتزام أوامره فعلاً والتزام اجتناب نواهيه، وبهذه الاستقامة يعصمه الله تعالى من الشرك.
***
يقول :نسمع عن الرياء فما حكمه في الإسلام؟ وهل له أقسام؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى:الرياء أن يعمل العبد عملاً صالحاً ليراه الناس فيمدحوه به ويقولوا: هذا رجل عابد، هذا رجل صالح وما أشبه ذلك، وهو مبطل للعمل إذا شاركه من أوله، مثل أن يقوم الإنسان ليصلى أمام الناس ليمدحوه بصلاته، فصلاته هذه باطلة لا يقبلها الله عز وجل، وهو نوع من الشرك. قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه). ولا شك أن المرائي مشرك مع الله؛ لأنه يريد بذلك ثناء الله عليه وثواب الله ويريد أيضاً ثناء الخلق، فالمرائي في الحقيقة خاسر؛ لأن عمله غير مقبول، ولأن الناس لا ينفعونه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك). ومن أخلص عمله لله ولم يراع الناس به فإن الله تعالى يعطف القلوب عليه ويثنى عليه من حيث لا يشعر، فأوصي إخواني المسلمين بالبعد عن الرياء في عباداتهم البدنية كالصلاة والصيام، والمالية كالصدقة والإنفاق، والجاهية كالتظاهر بأنه مدافع عن الناس قائم بمصالحهم وما أشبه ذلك. ولكن لو قال قائل: إنه يتصدق من أجل أن يراه الناس فيتصدقوا، لا من أجل أن يراه الناس فيمدحوه، فهل هذا خير؟ فالجواب: نعم هذا خير، ويكون هذا داخلاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة). ولهذا امتدح الله عز وجل الذين ينفقون أموالهم في السر وفي العلانية: في السر في موضع السر، وفي العلانية في موضع العلانية.
***
بارك الله فيكم يقول: كيف يكون إخلاص النية في العمل يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إخلاص النية في العمل هو أن يتناسى الإنسان كل ما سوى الله، وأن لا يكون الحامل له على هذه العبادة إلا امتثال أمر الله عز وجل وإرادة ثوابه وابتغاء وجهه عز وجل، وأن يتناسى كل شيءٍ يتعلق بالدنيا في هذه العبادة، فلا يهتم بالناس أرأوه أم لم يروه، أسمعوه أم لم يسمعوه، ولا يبالي بهم أثنوا عليه أم قدحوا فيه. وكذلك أيضاً من أسباب الإخلاص أن يكون الإنسان حين قيامه بالعبادة مستحضراً لأمر الله عز وجل بها، ومستحضراً لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيها. مثال ذلك: رجل قام يتوضأ للصلاة، فهنا نقول: أولاً استحضر أنك إنما توضأت امتثالاً لأمر الله عز وجل، كأنك الآن تقرأ قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ). وكأنك لوضوئك تقول: سمعاً وطاعة، تجد في هذا حلاوة ولذة وحباً للطهارة؛ لأن الله أمرك بها، ثم استحضر أنك في هذا العمل متبعٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامك وأنت تتبعه في هذا الوضوء، وبهذا يتحقق لك الثواب والأجر للإخلاص والمتابعة، وبذلك تحقق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
***
فضيلة الشيخ الحج شعيرة عظيمة مبناها على الإخلاص، فيجب إخلاصها لله تعالى. نريد وقفة حول ضرورة إخلاص هذه الشعيرة لله عز وجل، وأن ذلك من أساس الاعتقاد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإخلاص شرط في جميع العبادات، فلا تصح العبادة مع الإشراك بالله تبارك وتعالى:(فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً). وقال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). وقال الله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ). وفي الحديث الصحيح القدسي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه). والإخلاص لله في العبادة معناه: ألا يحمل العبد إلى العبادة إلا حب الله تعالى وتعظيمه ورجاء ثوابه ورضوانه، ولهذا قال الله تعالى عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً). فلا تقبل العبادة- حجاً كانت أم غيره- إذا كان الإنسان يرائي بها عباد الله، أي: يقوم بها من أجل أن يراه الناس فيقولوا: ما أتقى فلاناً، ما أعبد فلاناً لله، وما أشبه هذا. ولا تقبل العبادة إذا كان الحامل عليها رؤية الأماكن أو رؤية الناس أو ما أشبه ذلك مما ينافي الإخلاص، ولهذا يجب على الحجاج الذين يؤمون البيت الحرام أن يخلصوا نيتهم لله عز وجل، وألا يكون غرضهم أن يشاهدوا العالم الإسلامي أو أن يتجروا أو أن يقال: فلان يحج كل سنة وما أشبه ذلك، ولا حرج على الإنسان أن يبتغي فضلاً من الله بالتجارة وهو آمٌّ للبيت الحرام؛ لقول الله تبارك وتعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ). وإنما الذي يخل بالإخلاص ألا يكون له قصد إلا الاتجار والتكسب، فهذا يكون ممن أراد الدنيا بعمل الآخرة، وهذا يوجب بطلان العمل أو نقصانه نقصاً شديداً، قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) .
***
تقول السائلة: ينتابني شعور في داخلي بأنني إذا عملت أمام الناس أي عمل صالح يكون هذا العمل رياء، فمثلاً: عندما أصلى الظهر في المدرسة أصلى السنة القبلية والبعدية فيقولون: صلاة هذه المرأة طويلة. هل هذا العمل من الرياء؟ علماً بأنني أصلى السنة في كل مكان وليس في المدرسة. أرشدوني مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الشعور بالرياء من الشيطان ليصد الإنسان عن طاعة الله عز وجل، والشيطان- أعاذنا الله وإياكم منه- يشم القلب، فإن وجد منه قوة على الطاعة رماه بهذا السهم سهم الرياء وقال: إنك مُراءٍ وإن رأى معه ضعفاً في الطاعة رماه بسهم التهاون والإعراض حتى يدع العمل. فعلى المرء أن يكون لديه قوة ونشاط، وإذا طرأ عليه أنه يصلى رياء أو يتصدق رياء أو يقرأ رياء فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليمض ولا يهتم بهذا.
***
بارك الله فيكم هذا المستمع م. م. هـ. من عمان بالأردن بعث بعدة أسئلة يقول: عندنا إمام في المسجد حافظ للقرآن مجود تبدو عليه علامات الصلاح: فهو إلى جانب مواظبته على الصلاة يصوم يوماً ويفطر يوماً، إلا أنه دائماً يعمل حلقات للذكر بعد العشاء تستمر إلى وقت متأخر من الليل، يرددون فيها بعض الأذكار ومن ذلك قولهم: مدد يا سيدي يا رسول الله، ومدد يا سيدي عبد القادر وما شابه ذلك من الأذكار. فهل ذلك جائز ويثابون عليه أم لا؟ وهل تؤثر هذه الأعمال على صحة صلاتنا خلفه؟ فإن كان كذلك فما العمل في صلواتنا الماضية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة أن ما ذكره السائل يحزن جدّاً! فإن هذا الإمام- الذي وصفه بأنه يحافظ على الصلاة، ويحافظ على الصيام يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأن ظاهر حاله الاستقامة- قد لعب به الشيطان وجعله يخرج من الإسلام بالشرك وهو يعلم أو لا يعلم، فدعاؤه غير الله عز وجل شرك أكبر مخرج من الملة، سواء دعا الرسول عليه الصلاة والسلام أو دعا غيره، وغيره أقل منه شأناً وأقل منه وجاهة عند الله عز وجل، فإذا كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم شركاً فدعاء غيره أقبح وأقبح من عبد القادر، أو غير عبد القادر والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه لا يملك لأحد نفعاً ولا ضرّاً قال الله تعالى آمراً له:(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً). وقال آمراً له: ( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ). وقال تعالى آمراً له:(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). بل قال الله تعالى آمراً له:( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً). فإذا كان الرسول صلى الله وسلم نفسه لا يجيره أحد من الله فكيف بغيره؟ فدعاء غير الله شرك مخرج عن الملة، والشرك لا يغفره الله عز وجل؛ لقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ). وصاحبه في النار، لقوله تعالى:( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ). ونصيحتي لهذا الإمام أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا الأمر المحبط للعمل، فإن الشرك يفقد العمل، قال الله تعالى:( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). وقال تعالى: ( ولَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). فليتب إلى الله من هذا، وليتعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع من أذكار وعبادات، ولا يتجاوز ذلك إلى هذه البدع بل إلى هذه الأمور الشركية، وليتفكر دائماً في قوله تعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) .
فضيلة الشيخ: يقول: إنه أيضاً هذا الإمام يتظاهر بأنه ولي من أولياء الله، وأن في يده إصلاح الأمة، ويجلس في الخلوة قرابة أسبوع يذكر الله يزعم أن الله يوحي إليه. فما هي علامات الولاية؟ وهل يعرف الولي حقّاً أنه ولي؟
فأجاب رحمه الله : علامات الولاية وشروطها بينها الله تعالى في قوله:( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). فهذه هي علامات الولاية. وشروطها: الإيمان بالله، وتقوى الله عز وجل. فمن كان مؤمناً تقيّاً كان لله وليّاً، أما من أشرك به فليس بولي لله وهو عدو لله كما قال الله تعالى:( مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ). فأي رجل أو امرأة يدعو غير الله ويستغيث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل فإنه مشرك كافر، وليس بولي لله ولو ادعى ذلك، بل دعواه أنه ولي مع عدم توحيده وإيمانه وتقواه دعوى كاذبة تنافي الولاية.
فضيلة الشيخ: هل مثل هذه الأعمال تؤثر على صحة صلاتهم خلف هذا الإمام؟
فأجاب رحمه الله : إذا كانوا جاهلين فإنها لا تؤثر، وإن كانوا عالمين بحاله وعالمين بحكم الشرع فيه فإنه لا تصح صلاتهم؛ لأن الكافر لا تصح صلاته ولو صلى ما دام يشرك بالله سبحانه وتعالى، والغالب فيما أظن أنهم كانوا جاهلين بهذا، وعليه فليس عليهم إعادة فيما مضى من صلاتهم.
***
عندما يقوم الناس بتعديل ثمار النخيل على سعفها فإنهم يضعون بعض ليف النخيل في الثمار الكبيرة حتى لا يراها الناس، فهل يعتبر هذا من الشرك- والعياذ بالله-؟ وماذا تنصحون الناس تجاه ذلك؟ وهل تجوز الصلاة خلف هؤلاء، مع العلم بأنني لا أتمكن من المحافظة على الجماعة إن لم أصل خلفهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا من الشرك إذا كانوا يغطونها بهذا الليف خوفاً من العين، فإن هذا ليس من الشرك؛ لأن أعين الحاسدين إنما تنصب على الشيء الفائق، فإذا أخفي هذا الشيء لم يكن فائقاً في أعينهم، فيكون سبباً لمنع العين. والسبب إذا كان مشروعاً أو محسوساً فإن ممارسته لا تعد من الشرك؛ لأن الأمور التي جعلها الله أسباباً بما أوحى من شرعه أو بما علم الناس من قدره فإنها تكون أسباباً شرعية، وممارستها ليست شركاً، وعلى هذا فالصلاة خلف هؤلاء ليس فيها بأس.
***
هناك أناس في مناطق مختلفة يقولون عند الغضب: خذوه ياجن، أو: خذوه يا سبعة، يدعون عليه بأن يأخذه الجن وما إلى ذلك من هذه الأدعية، فهل هذا شرك محبط للعمل؟ حيث إنني سمعت من أحد المشايخ بمنطقتنا يخطب في يوم الجمعة فقال: إن ذلك شرك، حتى ذكر أن الزوجة إذا لم تتب من ذلك أنها لا تبقى مع مسلم موحد. أفتونا في ذلك جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله : الدعاء لا يكون إلا لله عز وجل، فمن دعا غير الله من جني أو ملك أو نبي أو ولي كان مشركاً، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر وشرك مخرج عن الملة؛ لقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). ودعاء غير الله كفر؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ). فأثبت الله تعالى في هذه الآية أمرين مهمين: الأمر الأول: أن من دعا غير الله فهو كافر، لقوله: (لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ). الأمر الثاني: أن من دعا غير الله فإنه لا يفلح، لا يحصل له مطلوبه ولا ينجو من مرهوبه، فيكون داعي غير الله خاسراً في دينه ودنياه، وإذا كان غير مفلح فهو أيضاً غير عاقل، بل هذا غاية السفه؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ). أي لا أحد أضل ممن يدعو من دون الله، ولكنه جاء هذا النفي بصيغة الاستفهام لأنه أبلغ من النفي المحض، حيث يكون مشرباً معنى التحدي. وعلى هذا فدعاء الجن أو الشياطين أو الأولياء أو الأنبياء أو الصالحين أو غير ذلك كله شرك بالله عز وجل، يجب على الإنسان أن يتوب إلى الله منه ولا يعود إليه، فإن مات على هذه العقيدة- أعني: على عقيدة أنه يدعو غير الله، وأن هذا المدعو يستجيب له من ملك أو نبي أو ولي أو رسول- فإنه يكون مشركاً يستحق ما قال الله تعالى فيه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) .
***
هذا السائل محمد سوداني ومقيم بالظهران يقول في هذا السؤال: شخص قال في مجلس: باسم الله يا سيدي يا رسول الله. فقال له أحد الإخوة بأن هذا شرك. هل هذا صحيح؟ وماذا يجب على القائل؟ وبماذا توجهونه مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى:خطاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز إلا فيما جاءت به السنة، وقد جاءت السنة بقول المُسلِّم عليه: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته). وأما قول القائل: يا سيدي يا رسول الله فأقل ما يقال فيه: إنه بدعة، فإن ناداه هذا النداء ليستغيث به ويستعين به على أمر كان شركاً، فالمسألة تحتاج إلى تفصيل: إذا قال: يا سيدي يا رسول الله، إن كان يريد أن يستغيث به أو يستعين به فهذا شرك ودعاء لغير الله عز وجل، وإن قال: يا سيدي يا رسول الله السلام عليك فهذا بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعلى كل حال فعلى القائل مثل هذا القول أن يتوب إلى الله، وألا يعود إليه.
***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ مسجدٌ فيه قبر يتبرك أهل هذا المسجد به، هل يقعون في الشرك الأكبر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لا بد أن ننظر هل القبر سابقٌ على المسجد أم المسجد سابقٌ على القبر؟ فإن كان القبر سابقاً على المسجد، بمعنى: أن القبر كان متقدماً فبنوا عليه مسجداً، فالمسجد هنا لا تصح فيه الصلاة على كل حال؛ لأنه مسجد يجب هدمه، فقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبنى على القبور، لا سيما إذا كان المبني مسجداً، وإنما قلنا: يجب هدمه؛ لأنه يشبه مسجد الضرار الذي يجب هدمه، ومسجد الضرار هو المسجد يبنى بقرب مسجدٍ آخر فيؤثر على أهل المسجد الأول ويفرقهم، فهذا مسجد ضرار فيهدم على كل حال. وأما إذا كان المسجد سابقاً ودفن فيه الميت فإنه يجب أن ينبش الميت ويدفن مع الناس. أما من تبرك بهؤلاء، أي: بأهل القبور، سواءٌ في المسجد أو في غير المسجد: فإن كان يدعوهم أو يستغيث بهم أو يستعين بهم أو يطلب منهم الحوائج فهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، وإن كان لا يدعوهم ولكن يتبرك بترابهم ونحوه فهذا شركٌ أصغر لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، إلا إذا اعتقد أن بركته يحصل بها الخير من دون الله فهذا مشركٌ شركاً أكبر.
***
بعض الناس ينذرون ويذبحون لغير الله ويعتقدون في قبور بعض الصالحين، ومع ذلك فهم يعلقون أنياب الذئاب في أعناق أطفالهم الصغار لكي تحميهم من الجن معتقدين فيها ذلك، فهل هذا يعد من الشرك أم لا؟
فأجاب رحمه الله : أما فعلهم الأول- وهو: ذبحهم للقبور تقرباً بهذا الذبح إلى صاحب القبر- فإنه من الشرك الأكبر المخرج عن الملة، وذلك لأن الذبح من عبادة الله عز وجل، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله شرك أكبر. وأما الثاني- وهو: تعليقهم أنياب الذئاب في أعناق أولادهم من أجل دفع الجن- فإن هذا من الشرك الأصغر؛ لأنهم أثبتوا سبباً لم يجعله الله سبحانه وتعالى سبباً لا حسَّاً ولا شرعاً، وهذا نوع من الشرك الأصغر. فالواجب عليهم أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، وأن يزيلوا ما في أعناق أولادهم من هذه الأنياب، ولا يدفع شر الجن إلا ما جعله الله سبحانه وتعالى سبباً للدفع، مثل قراءة آية الكرسي، (فإن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح). ومثل أن يقول الإنسان إذا نزل منزلاً: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه إذا قال ذلك لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك).
***
هل في هذا القول شرك، وهو: توكلت على الله ورسوله؟
فأجاب رحمه الله : نعم، أما قوله: توكلت على الله فهذه ليست شركاً لأن الله تعالى هو المتوكَّل عليه، قال الله تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ). وأما قوله: ورسوله فهذا شرك لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ميت في قبره، لا يملك أن يدعو لأحد ولا أن ينفع أحداً ولا أن يضر أحداً عليه الصلاة والسلام، فالتوكل عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم شرك، وعلى غيره من باب أولى: لو توكل على قبر من يدعي أنه ولي فهو مشرك، والواجب علينا أن نتبرأ من الشرك كله بأي أحد، قال الله تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) فقال: (وَعَلَى اللَّهِ) قدمها على عاملها، قال أهل العلم: وتقديم ما حقه التأخير يدل على الاختصاص والحصر، أي: وعلى الله لا غيره فتوكلوا إن كنتم مؤمنين.
***
أحمد أبو السيل السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان شيخ مات وله قبة يزورها جمع غفير من الناس، والغريب أن الناس يأتون بالمجانين والمرضى لهذه القبة، و يمكثون أياماً عديدة باعتقادهم أن هذا الشيخ يشفي هؤلاء المرضى وهؤلاء المجانين. ما حكم هذا العمل وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله : الجواب على هذا السؤال أن هذا العمل عمل محرم بلا شك، وهو مع تحريمه شرعاً سفه عقلاً؛ لأن هؤلاء الذين يأتون إلى هذه القبة المضروبة على هذا القبر بمن أصيبوا بالجنون أو بالمرض من أجل استشفائهم بحضورهم إلى هذا المكان سفهاء في العقول، وذلك لأن هذا الميت ميت جماد، وقد نعى الله سبحانه وتعالى على المشركين الذين يدعون الأصنام في قوله: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ). فالميت لا ينفع نفسه ولا ينفع غيره، حتى إنه قد انقطع عمله، كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). فإذا كان هذا الميت لا ينفع نفسه بعمل فكيف ينفع غيره؟ ثم إننا نقول: إذا كان هؤلاء الجماعة الذين يأتون بمجانينهم ومرضاهم إلى هذا المكان يعتقدون أن هذا الميت يشفيهم بنفسه فإن هذا شرك أكبر؛ لأنه لا يشفي من المرض إلا الله عز وجل، كما قال الله تعالى عن إبراهيم إمام الحنفاء وخليل الرحمن: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ). والأدوية التي يكون بها الشفاء ما هي إلا أسباب جعلها الله تعالى أسباباً، فالشفاء بها من شفاء الله عز وجل، فإذا اعتقد هؤلاء الذين يحضرون إلى هذا القبر بأن صاحب القبر يشفيهم بنفسه فإنه شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأنهم اعتقدوا أن مع الله تعالى خالقاً وشافياً، وهذا شرك في ربوبية الله سبحانه وتعالى. وقد بين الله تعالى في غير آية من كتاب الله أن أولئك الذين يدعون من دون الله لا ينفعونهم، قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ). وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ). وقال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). فنصيحتي لهؤلاء أن يلجؤوا إلى ربهم سبحانه وتعالى، فإنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو القادر على شفائهم، ولا بأس أن يفعلوا الأسباب التي أذن الله بها، سواء كانت أدعية شرعية أو أدوية مباحة، أو غير ذلك مما جعله الله تعالى سبباً للشفاء من هذا المرض. وأخيراً أقول: إن هذه القبة التي بنيت على القبر الذي ذكره السائل يجب أن تهدم؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور)، وكل بناية على قبر فإنه يجب على المسلمين أن يهدموها؛ لأنها من وسائل الشرك. والواجب على المسلمين عامة أن يقضوا على وسائل الشرك بالبرهان- وهو: الدليل من الكتاب والسنة- أو بالسلطان- وهو: تغيير ذلك باليد-؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). وإنني أنصح إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أنصحهم بالانتهاء عن مثل هذه الأعمال التي ابتلي بها كثير من الناس، حيث يتعلقون بمن دون الله عز وجل، يعلقون أملهم به، يدعونه لكشف الضر وجلب النفع، مع أن الأمر كله لله عز وجل، ودعاؤهم هذا لهؤلاء المخلوقين شرك بالله، قال الله تبارك وتعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من العبادة لغير الله كفر وشرك ولا فلاح معه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ). نسأل الله لنا ولهم الهداية.
***
في إحدى القرى عندنا يوجد قبر وعليه بناء حجرة وعليها أعلام ترفرف، ويأتي بعض الناس بالذبائح والمأكولات معتقدين أن صاحب هذا القبر ينفع أو يضر، فهو حسب ظنهم يشفي مرضاهم ويرزقهم الأولاد. وإذا نصحناهم أو حاولنا تغيير هذا المنكر يحذرون من ذلك وأن هذا ولي مشهور، ومن يتعرض له بأذى فإنه يؤذيه ويضره. فما رأيكم في هذا؟ وما هي نصيحتكم لهؤلاء؟
فأجاب رحمه الله : رأينا في هذا أنه يجب أن تهدم هذه القبة أو هذه الحجرة وأن تزال معالمها؛ لأنها معالم شرك والعياذ بالله. ثم نقول لهؤلاء الذين يذهبون إلى هذه الحجرة يذبحون عندها القربان، ويسألونها دفع الضرر وجلب النفع، نقول: هؤلاء مشركون في الربوبية والألوهية؛ لأنهم تعبدوا لهذا القبر بالذبح له، ولأنهم اعتقدوا أن صاحبه ينفع أو يضر وليس الأمر كذلك، ولأنهم دعوا صاحب هذا القبر، والدعاء من العبادة، فقد أشركوا بالربوبية والألوهية شركاً أكبر. وعلى علماء المسلمين أن يبينوا لهؤلاء العوام بأن هذا من الشرك، وأن يحذروهم، وإن السكوت على مثل هذا في بلاد تكثر فيها القباب على القبور والذبح لها والسفر إليها، السكوت على هذا لاشك أنه مسؤولية كبيرة على أولئك العلماء، ومن المعلوم أن العامة يثقون بأقوال علمائهم أكثر مما يثقون بأقوال علماء بلاد أخرى كما هو ظاهر. فالواجب على علماء المسلمين في جميع أقطار المسلمين أن يتقوا الله عز وجل، وأن يبينوا لعوامهم خطر هذه الأمور، وأنها من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، والذي أوجب الله لصاحبه الخلود في النار: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ). وهؤلاء العامة الذين يحذرون من هذا الولي تحذيرهم ليس بصحيح وليس بواقع، وليجرب الناس هذا الأمر، يجربوا ويحذروا من هذا العمل المحرم الشركي، وينظروا هل يصيبهم شيء أم لا؟ فكل هذا تحذير باطل، وإنما هو من الشيطان، ولا يجوز التصديق به؛ لأنه كذب وزور، ثم إن المصدق به يصدق بما ليس له حقيقة أصلاً.
***
هذا السائل يقول: سؤالي عن الذين يزورون قبور الشيوخ لقصد الشفاء من مرض معين أو لأجل إنجاب الأولاد ومثل ذلك، وينحرون لهم الذبائح، فما حكم هؤلاء؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله : هؤلاء مشركون شركاً أكبر؛ لأنهم دعوا أصحاب القبور واستغاثوا بهم، واستنجدوا بهم ورأوا أنهم يجلبون إليهم النفع ويدفعون عنهم الضرر وينذرون لهم، وكل هذه من حقوق الله التي لا تصلح لغيره، فعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يرجعوا إلى توحيدهم وإخلاصهم قبل أن يموتوا على هذا فيستحقوا ما أخبر الله به عن المشركين في قوله: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ). فإن قال قائل: إن هؤلاء قد يملى لهم، وقد يبتلون فيدعون أصحاب القبور ثم يحصل لهم ما دعوا به؟ فنقول: هذه فتنة بلا شك، والذي حصل لم يحصل بهؤلاء المقبورين، وإنما حصل عند دعائهم وليس بدعائهم، وإلا فنحن نؤمن ونجزم جزمنا بالشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب أن هؤلاء المقبورين لن يستجيبوا لهم أبداً؛ لقوله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ولقول الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). فنصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله وأن يرجعوا إلى دين الله وتوحيد الله، وأن يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل المشركين واستباح دماءهم وأموالهم وذرياتهم من أجل شركهم، وهؤلاء شركهم من جنس شرك المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم على شركهم.
***
ما مصير المسلم الذي يصوم ويصلى ويزكي ولكنه يعتقد بالأولياء الاعتقاد الذي يسمونه في بعض الدول الإسلامية اعتقاداً جيداً أنهم يضرون وينفعون، وكما أنه يقوم بدعاء هذا الولي فيقول: يا فلان لك كذا وكذا إذا شفي ابني أو بنتي، أو: بالله يا فلان، مثل هذه الأقوال فما حكم ذلك؟ وما مصير المسلم فيه؟
فأجاب رحمه الله : تسمية هذا الرجل الذي ينذر للقبور والأولياء ويدعوهم، تسميته مسلماً جهل من المسمي، ففي الحقيقة أن هذا ليس بمسلم؛ لأنه مشرك، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فالدعاء لا يجوز إلا لله وحده، فهو الذي يكشف الضر وهو الذي يجلب النفع: ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ). فهذا وإن صلى وصام وزكى وهو يدعو غير الله ويعبده وينذر له فإنه مشرك قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار.
***
بعض الناس عندما يزورون بعض المقابر الشريفة لدينا التي يوجد بها صحابة رضوان الله عليهم وبعض الشيوخ الكرام هناك أخطاء يرتكبونها، منها أنهم يطلبون منهم المساعدة والدعاء عند رب العالمين، والوقوف بجانبهم لخرجوهم من مصائبهم. ما هو الحكم في هؤلاء يا فضيلة الشيخ؟ انصحوهم بارك الله فيكم.
فأجاب رحمه الله : قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول: إن ما يدعى بأنه قبر فلان أو فلان من الصحابة رضي الله عنهم أو الأئمة بعدهم قد لا يكون صحيحاً، فليس كل ما ادعي يكون مقبولاً وصحيحاً، بل قد يكون هذا من تزوير المزورين, أما على فرض أن يكون في هذا المكان قبر صحابي أو قبر إمام من الأئمة فإن المشروع للإنسان إذا زار المقبرة أن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من السلام عليهم يقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية). فالزائر للمقبرة زائر معتبر داع للموتى وليس داعياً عندهم، وأما الذين يزورنها على سبيل التبرك بترابها، أو أقبح من ذلك أن يدعو الأموات بكشف الضر وجلب النفع أو ما أشبه هذا فإن دعاء غير الله شرك أكبر مخرج عن الملة، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ). فبين الله سبحانه وتعالى أن هذا الذي يدعو من دون الله أو يدعو مع الله إلهاً آخر أنه كافر، وأنه ليس بمفلح، أي لن يحصل له مطلوبه ولن ينجو من مرهوبه. وقال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ* وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). فالمشرك الداعي لغير الله عز وجل غير مفلح لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهو أيضاً سفيه لا أحد أضل منه. فنصيحتي لهؤلاء الذين يزورون هذه المقابر أن تكون زيارتهم على الوجه المشروع: بأن يتعظوا بهذه الزيارة ويتذكروا الآخرة، وأنهم الآن على ظهر الأرض أحياء يأكلون ويشربون ويلبسون و يتمتعون، وعما قريب سوف يكونون في بطن الأرض مرتهنين بأعمالهم، كما كان هؤلاء المقبورون مثلهم بالأمس وهذه حالهم اليوم، ثم يدعون لإخوانهم بما شرع لهم مما ذكرناه آنفاً، وأما أن يتبركوا بالتراب أو أن يدعوا هؤلاء الموتى فهذا ضلال لا أصل له.
***
المستمع محمد من إثيوبيا يتطرق إلى الاعتقاد بأهل القبور يقول: تكثر عندنا المعتقدات- يعني: بأهل القبور- وسؤالهم حاجاتهم المهمة، ملتفين حول قبابهم، كطلب الأولاد والغنى. نصيحتكم لهؤلاء بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله : هذه المسألة خطيرة جداً لا أخطر منها فيما أرى؛ لأنها شرك, شرك أكبر مخرج عن الملة، فإن من أتى إلى القبور ودعاهم واستغاث بهم في تفريج الكربات وحصول المطلوبات كان داعياً لغير الله عز وجل، فكان مشركاً في دينه وضالاً في عقله: أما كونه مشركاً في دينه فلأنه عبد مع الله غيره حيث دعاهُ، ودعاء غير الله عبادة له، قال الله عز وجل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فأمر الله بالدعاء وجعله عبادة قال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فإذا دعا أحداً غير الله فقد عبده فيكون بذلك مشركاً كافراً، وقال عز وجل: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ). فأخبر بأن هذا كافر- أي: من يدعو مع الله إلهاً آخر- وأنه غير مفلح في دعائه، فلم يحصل له مطلوبه، وإن قدر أنه حصل له فإن هذا المطلوب لم يحصل بالدعاء ولكنه حصل عند الدعاء، امتحاناً من الله عز وجل وفتنة واستدراجاً. وأما كون من دعا غير الله تعالى ضالاً في عقله فلأن الله تعالى يقول: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). وفي الآية هذه دليل أيضاً على أن الدعاء عبادة؛ لقوله: (وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). وإن نصيحتي لهؤلاء أن يرجعوا إلى رشدهم، وأن يفكروا تفكيراً جدياً في هذه المسألة، فالمقبورون هم بالأمس كانوا أحياء مثلهم يعيشون على الأرض ثم ماتوا، فكان أعجز منهم على حصول المطلوب؛ لأن الميت لا حراك به ولا عمل له ولا ثواب له، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). وإنما انقطع عمله لأنه كسب له، ولا يستطيع أن يتكسب، ولا يستطيع أن يجلب خيراً لغيره ولا يدفع ضرّاً عن غيره. فليرجعوا إلى عقولهم، أي: فليرجع هؤلاء الذين يلتفون حول القبور يسألونهم الحوائج ودفع الكربات، لينظروا في أمرهم ويتدبروا بعقولهم وأن ذلك لا يجدي شيئاً، ولماذا لا يرجع هؤلاء إلى البديل الذي هو خير من ذلك والذي به النفع ودفع الضرر وهو الالتجاء إلى الله عز وجل، فيدعون الله عز وجل في صلواتهم وفي خلواتهم؟ فإنه سبحانه وتعالى هو الذي قال في كتابه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). وقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). فلماذا لا يدعون الله عز وجل؟ فليرجعوا عن هذا العمل- أعني: الالتفاف حول القبور ودعاء أصحابها- فيلتفوا حول المساجد ويصلوا مع الجماعة ويدعوا الله سبحانه تعالى وهم سجود، ويدعوا الله تعالى بعد الانتهاء من التشهد وقبل أن يسلموا، ويدعوا الله بين الأذان والإقامة، ويتحروا أوقات الإجابة والأحوال التي يكونون فيها أقرب إلى الإجابة، فيلجؤوا إلى الله تعالى بالدعاء حتى يجدوا الخير والفلاح والسعادة.
***
جزائرــــية
2009-09-19, 17:50
17/ الحلف
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل مصري يقول: الحلف بغير الله هل هو شرك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، لكنه ليس شركاً أكبر مخرجاً من الملة، بل هو شرك أصغر، إلا أن يقع في قلب الحالف بغير الله أن منزلة هذا المحلوف به كمنزلة الله، فحينئذ يكون شركاً أكبر بناء على ما حصل في قلبه من هذه العقيدة، وإلا فمجرد الحلف بغير الله شرك أصغر، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). وبهذه المناسبة أود أن أحذر مما وقع فيه كثير من الناس اليوم حيث كانوا يحلفون بالطلاق، فتجد الواحد منهم يقول: علي الطلاق لا أفعل كذا، أو: إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو ما أشبه ذلك. وهذا خلاف الصواب، وأكثر أهل العلم من هذه الأمة من الأئمة وأتباعهم يرون أن الحلف بالطلاق طلاق لا يكفر، ويقولون: إذا قال الرجل: إن فعلت كذا فزوجتي طالق ففعل فإنها تطلق، ولو قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلت فإنها تطلق، سواء نوى التهديد أو نوى الطلاق. هذا هو الذي عليه جمهور الأمة وأئمة الأمة، فالمسألة خطيرة، والتهاون بها إلى هذا الحد: لو أن رجلاً قدم لشخص فنجاناً من الشاي قال: علي الطلاق ما أشربه، ويقول الثاني: علي الطلاق أن تشرب وما أشبه ذلك. لماذا هذا التلاعب بدين الله عز وجل؟ ولو أن أحداً من العلماء الذين يرون أن الطلاق يقع يميناً ويقع طلاقاً- أعني: الطلاق المعلق- لو أن أحداً من أهل العلم قال: أنا أريد أن ألزم الناس بذلك أي بالطلاق؛ لأن الناس تتابعوا فيه فألزمهم كما ألزمهم عمر بالطلاق الثلاث، لو فعل ذلك لكان له وجه؛ لأن الناس كثر منهم هذا, كثر كثرة عظيمة، لو أن العالم الذي يستفتى قارن بين ما يستفتى عنه في مسائل الدين وبين ما يستفتى عنه في هذا الطلاق المعلق لوجد أن استفتاءه في هذا الطلاق المعلق أكثر بكثير من استفتائه في أمور تتعلق بالدين، وأنا أحذر الأزواج من أن يسهل على ألسنتهم هذا الطلاق أو هذا الحلف بالطلاق.
***
أحسن الله إليكم أخوكم في الله عبد الله الفلاج من بريدة يقول في هذا السؤال: بعض الناس يحلف بغير الله هل يجوز له هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله محرم ونوع من الشرك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). وكان من عادتهم في الجاهلية أنهم يحلفون بآبائهم، ولهذا قال: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). وجاء عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، ومن حلف بغير الله فليقل: لا إله إلا الله) تحقيقاً لتوحيده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: واللات- يعني: حلف بهذا الصنم- فليقل: لا إله إلا الله) يعني من حلف بها فليقل: لا إله إلا الله، (ومن قال: تعال أقامرك فليتصدق)؛ لأن المقامرة حرام من الميسر وأكل المال بالباطل، فليتصدق فليداوِ الداء بما يوافقه من دواء.
***
يقول: هل تجوز الاستعانة بغير الله؟ وهل يجوز الحلف بغير الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستعانة بغير الله جائزة إذا كان المستعان ممن يمكنه أن يعين فيما استعين فيه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الصدقات: (وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة). وأما استعانة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا لا يجوز، وهو من الشرك. وأما الحلف بغير الله فهو محرم، بل نوع من الشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) .
***
بارك الله فيكم أيضاً من أسئلة المستمع ع. ع. ب. مصري ومقيم في الرياض يقول: هل يجوز الحلف بغير الله، مثلاً والنبي, عليك الشيخ فلان مثلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله لا يجوز؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك فقال: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). بل قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من الشرك حيث قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). فلا يجوز الحلف بالنبي، ولا الحلف بالولي، ولا الحلف بالملك، ولا الحلف بالوطن، ولا الحلف بالقومية، ولا بأي مخلوقٍ كان، إنما يحلف بالله عز وجل وبصفاته سبحانه وتعالى، فيقال: والله العلي العظيم، والله الرحمن الرحيم، ورب الكعبة. أو يقال: وعزة الله، وقدرة الله وما أشبه ذلك من صفاته، فإنه يجوز الحلف به، ومع هذا فإنه لا ينبغي إكثار الحلف؛ لقوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن معناها على أحد الأقوال أي: لا تكثروا الحلف بالله، ولا سيما إذا كان الحلف عن كذب فإن الأمر في ذلك خطير، فإن الكذب في اليمين إن تضمن أكل مال الغير بغير حق- ومعلومٌ أن الكذب ليس فيه حق- فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمينٍ هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئٍ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان). وهذه هي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار والعياذ بالله. وينبغي أن يعلم أن الحالف بالله إذا قرن يمينه بمشيئة الله فإنه لا كفارة عليه إذا حنث، مثل أن يقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو: والله إن شاء الله لأفعلن كذا، فإنه إن لم يفعله فلا شيء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمينٍ فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه). لذا ينبغي لكل إنسان إذا حلف أن يقرن حلفه بالمشيئة، فإنه يستفيد في ذلك فائدتين: الفائدة الأولى: تسهيل الأمر وحصول المقصود، والفائدة الثانية: أن لا تلزمه الكفارة فيما لو حنث. ودليل الأمر الأول- أي: تسهيل الأمور إذا قرن الإنسان يمينه بالمشيئة- ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن سليمان عليه الصلاة والسلام قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدةٍ منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقال له الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، لم يقل ذلك لقوة عزيمته عليه الصلاة والسلام، فطاف على تسعين امرأة في تلك الليلة، فلم تلد إلا واحدة منهن شق إنسان)، ليبين الله عز وجل له ولغيره أن الأمر بيده سبحانه وتعالى، وأنه لا ينبغي لأحدٍ أن يتألى على الله عز وجل. قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته، ولقاتلوا في سبيل الله). وأما الثانية- وهي: أنه إذا قال: إن شاء الله فحنث فلا كفارة عليه- فهو ما سُقته آنفاً من قوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف على يمينه فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه) .
***
هل يجوز الحلف بغير الله سبحانه وتعالى؟ فإني أرى بعض الناس يحلفون بالكعبة وبالقرآن وبمحمد، وإذا ناقشتهم في ذلك قالوا: إن الله سبحانه وتعالى قال: (والشمس وضحاها) أو يقولون: إنه قال: (والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى) فما حكم هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله أو صفة من صفاته محرم، وهو نوع من الشرك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). وثبت عنه أنه قال: (من قال: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله). وهذا إشارة إلى أن الحلف بغير الله شرك يطهر بكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، وعلى هذا فيحرم على المسلم أن يحلف بغير الله سبحانه وتعالى، لا بالكعبة، ولا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بجبريل ولا بميكائيل، ولا بولي من أولياء الله، ولا بخليفة من خلفاء المسلمين، ولا بالشرف ولا بالقومية ولا بالوطنية، كل حلف بغير الله محرم وهو نوع من الشرك والكفر والعياذ بالله. وأما الحلف بالقرآن الذي هو كلام الله فإنه لا بأس به؛ لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، تكلم الله به حقيقة في لفظه مريداً لمعناه، وهو سبحانه وتعالى موصوف بالكلام، فعليه يكون الحلف بالقرآن حلفاً بصفة من صفات الله سبحانه وتعالى وهو جائز. وأما معارضة من تنصحه عن ذلك بقوله تعالى: (والليل إذا يغشى)، (والشمس وضحاها) وما أشبهها فإن هذا من أعمال أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه من وحي الله سبحانه وتعالى فيعارضون به المحكم، فهذا الحلف ربنا سبحانه وتعالى هو الذي حلف به، ولله تعالى أن يحلف بما شاء من مخلوقاته الدالة على عظمته وقدرته، وهو سبحانه وتعالى قد نهانا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن نحلف بغيره، فعلينا أن نمتثل الأمر وليس علينا أن نعارض أمر الله بما تكلم الله به، فإن الله يفعل ما يشاء.
***
المستمع صلاح من العراق يقول بأن كثيراً من الناس عندنا في مجتمعنا يحلفون بغير الله، علماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك). لذا أرجو أن تنصحوا هؤلاء الناس بارك الله فيكم.
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونوع من الشرك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). وقال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). فالواجب الحذر من ذلك، وأن يحلف الإنسان بالله إذا أراد أن يحلف, على أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الأيمان، من الحلف؛ لقول الله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن من أحد معانيها: أي لا تكثروا الحلف بالله عز وجل، ولكن ما يجري على اللسان بلا قصد لا يؤاخذ عليه الإنسان؛ لقول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ). وقوله في آية أخرى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم) وعلى من حلف بغير الله أن يتوب إلى الله ويستغفره، وألا يعود إلى مثل ما جرى منه.
***
من الأردن السائل فخري أ. أ. يقول أسأل عن حكم الحلف يقول: وحياة الله لأعملن كذا فهل في هذا شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بحياة الله حلفٌ صحيح؛ لأن الحلف يكون بالله أو بأي اسمٍ من أسماء الله أو بصفةٍ من صفات الله، والحياة صفةٌ من صفات الله، فإذا قال: وحياة الله لأفعلن كذا وكذا كان يميناً منعقدةً جائزة. وأما إذا حلف بحياة النبي أو بحياة الولي أو بحياة الخليفة أو بحياة أي معظم سوى الله عز وجل فإن ذلك من الشرك، وفيه معصية لله عز وجل ورسوله، وفيه إثم؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).وإنا نسمع كثيراً من الناس يقول: والنبي لأفعلن كذا، وحياة النبي لأفعلن كذا، ويدعي أن هذا مما يجري على لسانه بلا قصد. فنقول: حتى في هذه الحال عود لسانك أن لا تحلف إلا بالله عز وجل، واحبس نفسك عن الحلف بغير الله. ثم إنه بهذه المناسبة أود أن أبين لإخواني المستمعين أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر الأيمان؛ لأن بعض أهل العلم فسر قول الله تعالى: (واحفظوا أيمانكم) بأن المراد لا تكثروا الحلف، وإذا قدر أن الإنسان حلف على شيء مستقبل فليقل: إن شاء الله؛ لأنه إذا قال: إن شاء الله كان في ذلك فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: أن هذا من أسباب تيسير الأمر الذي حلف عليه وحصول مقصوده، والثانية: أنه لو لم يفعل فلا كفارة عليه. ودليل ذلك قصة سليمان النبي عليه الصلاة والسلام حين قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدةٌ منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقيل له: قل: إن شاء الله فلم يقل اعتماداً على ما في نفسه من اليقين، فطاف على تسعين امرأة فلم تلد إلا واحدةٌ منهن شق إنسان، أي: نصف إنسان. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته). وأما الفائدة الثانية- وهي: أنه لو لم يفعل لم يحنث، يعني لو حلف أن يفعل شيئاً فلم يفعل وقد قال: إن شاء الله- فإنه لا حنث عليه، أي: لا كفارة عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف فقال إن شاء الله فلا حنث عليه).
***
هذا سائل من الرياض يقول: يا فضيلة الشيخ ما حكم الحلف بالنبي أو الأمانة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نوعٌ من الشرك؛ لأن الحلف تأكيد الشيء بذكرِ معظم، فكأن الحالف يقول: أؤكد هذا الشيء كما أعظم هذا المحلوف به، ولذلك كان القسم خاصاً بالله عز وجل، فلا يجوز أن تحلفوا بالنبي ولا بجبريل ولا بالأولاد ولا بغير ذلك من مخلوقات الله تبارك وتعالى، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). الحلف بالأمانة كذلك لا يجوز؛ لأنه حلفٌ بغير الله، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف بالأمانة فليس منا). لكن أحياناً يقول الإنسان: بأمانتي، ويقصد بذلك العهد والذمة ولا يقصد اليمين، فيقول: بأمانتي لأوفين لك، أو: بذمتي لأوفين لك، والمقصود بذلك الالتزام لا تعظيم الأمانة ولا تعظيم الذمة، فهذا لا ينهى عنه إلا احتياطاً، خوفاً من أن يقتدي به من يحلف بالأمانة أو الذمة. والذي أعرف من أصل العوام في قولهم: بذمتي لأفعلن كذا، أنهم يريدون بذلك العهد لا الحلف بالذمة.
***
هذا السائل أحمد عيسى من اليمن يقول: ما حكم من قال هذه العبارة: (والنبي) ويعني بها الوجاهه أو ما يشبه ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال الإنسان: والنبي لأفعلن كذا، أو: والنبي لقد كان كذا، فهذا حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو محرم، بل هو من الشرك الأصغر, بل من الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف بالنبي صلى الله عليه وسلم أن للنبي صلى الله عليه وسلم منزلة كمنزلة الرب عز وجل، فإنه في هذا يكون مشركاً شركاً أكبر مخرجاً عن الملة. فالواجب الحذر من الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم والبعد عنه؛ لأن هذا- أعني: البعد عن الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم- هو عنوان تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، فتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي بمعصية الرسول، وتعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام لا يأتي بأن يبتدع الإنسان في دين الله ما ليس منه، إن تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام هو أن يلتزم العبد شريعته اتباعاً للمأمور، وتركاً للمحظور، أما أن يبتدع في دين الله ما ليس منه، أما أن يأتي بما فيه معصية الرسول عليه الصلاة والسلام فقد كَذَبَ فيما ادعاه من محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، كذب لأنه خالف الرسول، والمحب للرسول لا يخالفه، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
***
بعض الأشخاص الذين يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم وينهون عن ذلك يقولون: نحن لا نقصد اليمين ولكن هذا جرى على اللسان مجرى العادة. فما الحكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لابد قبل الجواب أن نفهم أن الحلف بغير الله شرك، سواء كان بالنبي أو بملك من الملائكة أو بولي من الأولياء، أو بالآباء أو بالأمهات، أو بالرؤساء أو بالأوطان، أو بأي مخلوق كان. الحلف بغير الله شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). فمن حلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهيناه عن ذلك لأنه أتى ما هو شرك، ونحن ليس لنا إلا الظاهر، فننكر عليه ما ظهر لنا من مخالفته، فإذا ادعى أنه لم يقصد اليمين وإنما جرى ذلك على لسانه قلنا له: عود لسانك على أن يجري على الحلف بالله عز وجل، لا بالنبي ولا بغيره. وهو إذا خطم نفسه عما كان يعتاده من الحلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم عود نفسه على الحلف بالله، وصدق الله عز وجل في نيته وعزيمته يسر الله له التحول من الحلف بالنبي إلى الحلف بالله سبحانه وتعالى. ثم إننا نقول: لا ينبغي للإنسان كثرة الحلف، فإن الله تعالى يقول: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) قال بعض العلماء في تفسيرها: أي لا تكثروا الحلف بالله. فليكن الإنسان دائماً محترزاً من الحلف بالله إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو الضرورة فلا بأس، أما كونه لا يقول كلمة لا يخبر خبراً من الأخبار إلا حلف عليه، أو لا يريد شيئاً إلا حلف عليه، فإن هذا ربما يؤدي إلى شك الناس في أخباره حيث لا يخبرهم بشيء إلا حلف. فنقول لهذا السائل: امتنع عن الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو كنت لا تريد اليمين وإنما جرى على لسانك، ثم عود لسانك أن تحلف بالله إذا دعت الحاجة إلى الحلف بالله . ثم إني أيضاً أنصح من أراد الحلف بالله عز وجل أن يقرن يمينه بمشيئة الله فيقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو: والله إن شاء الله لأفعلن كذا؛ لأنه إذا قرن يمينه بالمشيئة حصلت له فائدتان: الفائدة الأولى: تسهيل الأمر أمامه، والفائدة الثانية: أنه إذا حنث ولم يفعل فلا كفارة عليه. وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه (أخبر أن نبي الله سليمان بن داود قال يوماً: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، اعتماداً على ما في قلبه من العزيمة، فطاف على تسعين امرأة أي جامعها فلم تلد واحدة منهن إلا واحدة ولدت شق إنسان، أي: نصف إنسان. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لو قال: إن شاء الله لكان دركاً لحاجته، أو قال: لم يحنث، ولقاتلوا في سبيل الله). فانظر كيف قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه لم يحنث لو قال: إن شاء الله، وإنهم يقاتلون في سبيل الله. فعود أيها الأخ المستمع عود لسانك إذا حلفت أن تقول: إن شاء الله؛ لتحصل على هاتين الفائدتين، أولاهما: تيسير الأمر، والثانية: أنك لو حنثت فلا كفارة عليك.
***
المستمع من جمهورية مصر العربية يقول: اعتاد بعض الناس عندنا في مصر الحلف بالنبي في معاملاتهم، وأصبح الأمر عادياً، فعندما نصحت أحد هؤلاء الذين يحلفون بالنبي أجابني بأن هذا تعظيم للرسول وأن هذا ليس فيه شيء, فما الحكم الشرعي في نظركم يا شيخ محمد ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من المخلوقين أو بصفة النبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من المخلوقين محرم، بل هو نوع من الشرك، فإذا أقسم أحد بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: والنبي، أو: والرسول، أو أقسم بالكعبة، أو أقسم بجبريل أو بإسرافيل، أو أقسم بغير هؤلاء فقد عصى الله ورسوله ووقع في الشرك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت). وقال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). وقول الحالف بالنبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، جوابه أن نقول: هذا النوع من التعظيم نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، وبين أنه نوع من الشرك، فتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عنه؛ لأن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون في مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، بل تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بامتثال أمره واجتناب نهيه، كما أن امتثال أمره واجتناب نهيه يدل على محبته صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الله تعالى في قوم ادَّعوا محبة الله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ). فإذا أردت أن تعظم النبي صلى الله عليه وسلم التعظيم الذي يستحقه عليه الصلاة والسلام فامتثل أمره واجتنب نهيه في كل ما تقول وتفعل، وبذلك تكون معظماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فنصيحتي لإخواني الذين يكثرون من الحلف بغير الله، بل الذين يحلفون بغير الله، نصيحتي لهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن لا يحلفوا بأحد سوى الله سبحانه وتعالى، امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (من كان حالفاً فليحلف بالله )،وابتغاء مرضاة الله، واتقاء من الوقوع في الشرك الذي دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) .
***
جزائرــــية
2009-09-19, 17:52
18/ القبور
هذا السائل من السودان محافظة محوستي بدأ الرسالة بقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). يقول في بداية سؤاله: على مشارف الإسلام وبين يدي معارفكم أريد أن تفتوني في هذا السؤال، وهو عن الحكم الشرعي عن زيارة القبور عامة، والتبرك بها من قبور الأولياء والصالحين خاصة، هل في ذلك حرمة؟ وهل هناك دليل من القرآن والسنة؟ نرجو التوجيه حول هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة القبور للرجال سنة فعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر بها، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حرمها من قبل، ولكنه أمر بها في ثاني الحال، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة-وفي لفظ:-فإنها تذكر الموت). والسنة للزائر أن يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم. وله أن يزور قبراً خاصّاً من أقاربه أو نحوهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن له تبارك وتعالى، واستأذن من الله أن يستغفر لها فلم يأذن له. وأما التبرك بالقبور فإنه محرم وبدعة منكرة، والقبور ليس في ترابها شيء من البركة؛ لأنه تراب معتاد دفن فيه هذا الرجل، ولم يكن لهذا المكان الذي دفن فيه مزية على غيره من الأمكنة مهما كان الرجل. وعلى هذا فلا يجوز التبرك بتراب هذه الأضرحة، ولا يجوز أيضاً دعاء صاحب القبر، بل إن دعاء صاحب القبر والاستغاثة به والاستنجاد به من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، وهؤلاء الأموات محتاجون إلينا ولسنا محتاجين لهم، هم محتاجون إلينا أن ندعو لهم وأن نستغفر لهم؛ لأنهم ينتفعون بالدعاء وبالاستغفار لهم، وأما نحن فلسنا محتاجين إليهم إطلاقاً، وإنما حاجتنا إلى الله تعالى وحده. ولا فرق بين أن يكون القبر قبر عامي عادي، أو قبر من يُظن أنه ولي صالح، الكل سواء، حتى تربة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز التبرك بها؛ لأنها تراب كغيرها من الأتربة. نعم الرسول عليه الصلاة والسلام لا شك أن الله تعالى شرف المكان بدفنه فيه، لكن ليس معنى ذلك أن هذا المكان المعين يتبرك به إطلاقاً، حتى الحجر الأسود لا يتبرك به؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبله وقال: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). وهذه نقطة مهمة يجب على المسلمين أن يعلموها: أنه لا بركة في الأحجار أبداً مهما كانت، ولكن بعض الأحجار يتعبد الإنسان لله تعالى بها كالحجر الأسود، وليس ثمة في الدنيا حجر يتقرب إلى الله تعالى بتقبيله أو مسحه إلا الحجر الأسود، والركن اليماني يمسح ولكنه لا يقبل. ثم إني أنصح إخواني الذين يذهبون إلى هذه الأضرحة أن يكفوا عنها، وأن يجعلوها كغيرها من القبور، يدعون الله تعالى لمن فيها ولا يدعونهم، ويسألون لهم العافية ولا يسألون منهم العافية؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً، إذا كان هذا الميت لو كان حيّاً ما نفعك إلا بما يستطيع من المنفعة، كمعونتك على تحميل العفش في السيارة وما أشبه ذلك فكيف ينفعك وهو هامد؟ أرأيت لو أتيت إلى شخص أشل لا يستطيع التحرك هل يمكن أن تستعينه على شيء؟ لا يمكن، وإذا كان حياً لا يستعان به لأنه لا يعين، فكيف إذا كان ميتاً؟ لكن المشكل أن الشيطان يزين للإنسان سوء عمله، وقد قال الله عز وجل في كتابه: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) .
***
يقول السائل: الدعاء عند قبور الأولياء والصالحين وطلب الحاجات منهم منتشر في بلاد المسلمين وللأسف الشديد، فهل من كلمة نحو هذه البدعة؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه البدعة التي ذكرها السائل- وهي: الدعاء عند القبور، أو طلب أصحاب القبور قضاء الحاجات- بدعةٌ عظيمة منكرة. أما الدعاء عند القبور فإنها بدعة، لكنها لا تصل إلى حد الكفر إذا كان الإنسان يدعو الله عز وجل لكن يعتقد أن دعاءه في هذا المكان أفضل من غيره. وأما دعاء أصحاب القبور وطلب الحوائج منهم فهذا كفرٌ مخرجٌ عن الملة، فيجب على الطائفتين- أي: التي تدعو الأموات، أو التي تدعو الله عند قبور الأموات- أن يكفوا عن هذا الأمر، وأفضل مكان للدعاء هو المساجد، وكذلك أفضل حالاتٍ للدعاء أن يكون الإنسان ساجداً، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الدعاء حال السجود، فقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) .
***
هل تجوز زيارة الأضرحة إذا كنت معتقداً أنها لا تضر ولا تنفع، ولكن اعتقادي في ذلك في الله وحده؟ ولكن لما سمعناه من أن هذه الأمكنة طاهرة ويستجيب الله لمن دعا فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة الأضرحة يعني القبور سنة، لكنها ليست لدفع حاجة الزائر وإنما هي لمصلحة المزور، أولاتعاظ الزائر بهؤلاء، وليست لدفع حاجاته أو حصول مطلوباته، فزيارة القبور اتعاظاً وتذكراً بالآخرة، وأن هؤلاء القوم الذين كانوا بالأمس على ظهر الأرض يأكلون كما نأكل ويشربون كما نشرب ويلبسون كما نلبس ويسكنون كما نسكن, الآن هم رهن أعمالهم في قبورهم، فإذا زار الإنسان المقبرة لهذا الغرض للاتعاظ والتذكر، وكذلك للدعاء لهم كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لهم إذا زارهم: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية). فهذه زيارة شرعية مطلوبة ينبغي للرجال أن يقوموا بها، سواء كان ذلك في النهار أو في الليل. وأما زيارة القبور للتبرك بها واعتقاد أن الدعاء عندها مجاب فإن هذا بدعة وحرام ولا يجوز؛ لأن ذلك لم يثبت لا في القرآن ولا في السنة أن محل القبور أطيب وأعظم بركة وأقرب لإجابة الدعاء، وعلى هذا فلا يجوز قصد القبور بهذا الغرض. ولا ريب أن المساجد خير من المقبرة، وأقرب إلى إجابة الدعاء، وإلى حضور القلب وخشوعه.
***
فضيلة الشيخ في زماننا هذا كثرت الشركيات، وكثر التقرب إلى القبور والنذور لها والذبح عندها. كيف يصحح المسلم هذه العقيدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً ندعي هذا السائل بصحة دعواه, أنا في ظني أن هذا الوقت هو وقت الوعي العقلي وليس الشرعي، الوعي العقلي قلَّ الذين يذهبون إلى القبور من أجل أن يسألوها أو يتبركوا بها، إلا الهمج الرعاع هؤلاء من الأصل. فعندي أن الناس الآن استنارت عقولهم الإدراكية لا الرشدية، فالشرك في القبور وشبهها في ظني بأنه قليل، لكن هناك شركٌ آخر، وهو: محبة الدنيا والانهماك فيها والانكباب عليها، فإن هذا نوعٌ من الشرك، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة). فسمى النبي صلى الله عليه وسلم من شغف بهذه الأشياء الأربعة سماه عبداً لها، فهي معبودةٌ له، أصبح الناس اليوم على انكبابٍ بالغ على الدنيا، حتى الذين عندهم شيء من التمسك بالدين تجدهم مالوا جداً إلى الدنيا، ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم). هذا هو الذي يخشى منه اليوم، ولهذا تجد الناس أكثر عملهم على الرفاهية: وهذا فيه ترفيه، وهذا فيه نمو الاقتصاد، وهذا فيه كذا وهذا فيه كذا، قلَّ من يقول: هذا فيه نمو الدين، هذا فيه كثرة العلم الشرعي، هذا فيه كثرة العبادة، قل من يقول هذا. فهذا هو الذي يخشى منه اليوم، أما مسألة القبور ففي ظني أنها في طريقها إلى الزوال، سواءٌ من أجل الدنيا أو من أجل الدين الصحيح.
***
يقول رفعت علي محمد السيد: عندنا في مصر المساجد التي توجد عليها وفيها الأضرحة، موجودة فيها بدع ومنكرات، ويقيمون عليها السرج، ويتخذون حولها المعازف والغناء، وبعض ألوان الدجل مثل السحر، وترتكب فيها بعض المنكرات، ومثل بضريح السيد البدوي بطنطا وغيرها في أنحاء الجمهورية، غير أنهم لا يؤدون الصلاة فيها على حقها الأوفى والوجه الأكمل. أفيدونا أفادكم الله عن ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى:فإن بناء المساجد على القبور محرم لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله، لعن ذلك وهو في النزع عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). فبناء المساجد على القبور هو من فعل اليهود والنصارى، وهو من موجبات لعنة الله تبارك وتعالى، وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدم هذا المسجد، ولا تصح الصلاة فيه، ولا يجوز للإنسان أن يقصده للتعبد فيه، أو لاعتقاد أن إجابة الدعاء هناك أحرى من إجابتها في المساجد الخالية من القبور. وكذلك أيضاً لا يجوز أن يدفن ميت في مسجد قد بني من قبل، فإن دفن ميت في مسجد قد بُني من قبل فإنه يجب نبشه وإخراجه ودفنه مع المسلمين إن كان من المسلمين، أو مع غير المسلمين إن كان من غير المسلمين. والمهم أنه لا يجوز أن يوضع القبر في المسجد، ولا أن يبنى مسجد على قبر، ولا يجوز أيضاً أن يعتقد المرء أن هذه المساجد المبنية على القبور أفضل من غيرها، بل هي مساجد باطلة شرعاً يجب هدمها والقضاء عليها. ولا فرق بين أن تكون هذه المساجد مبنية على من يُدعى أنهم أولياء، أو على أناس عاديين، فإن الحكم لا يختلف بين هذا وهذا، والواجب على المسلمين عموماً أن يقوموا لله تبارك وتعالى مخلصين له الدين، متبعين لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المتقين.
***
يقول السائل إدريس من السودان: بماذا تنصحون أهلي يا فضيلة الشيخ؟ فجميعهم يزورون القبور ويأخذون منها التراب ويدَّعون بأن فيها بركة، فماذا يجب علي في هذه الحالة؟ هل أقطعهم؟ وماذا أستطيع فعله في أعمالهم هذه؟ هل أقوم بنصحهم؟ ونحن لم نعرف أن هذه الأشياء محرمة إلا بعد أن سمعنا برنامج نورٌ على الدرب. فنرجو منكم التوجيه مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوجيه هو أنه يجب عليك مناصحتهم وبيان أن هذا ليس فيه خير وليس فيه بركة؛ لأن الله تعالى لم يجعل فيه بركةً يتبرك بها الناس. وليعلم أن الإنسان قد يفتتن، أو قد يفتنه الله عز وجل، فيأخذ من هذا التراب ويسقيه المريض أو يدهنه به فيشفى بإذن الله، فتنةً لهذا الفاعل، ويكون الشفاء عند هذا الفعل وليس بهذا الفعل، أي ليس الفعل سبباً ولكن حصل الشفاء عنده بإذن الله تعالى فتنةً واختباراً، فإن الله سبحانه وتعالى قد يفتن الإنسان بما يجعله يفعل المعصية؛ ليعلم عز وجل من الصادق في إيمانه ومن المتبع لهواه. والمهم أن عليك أن تنصح أهلك عما يفعلونه، وأن تبين لهم أن هذا أمرٌ لا حقيقة له، وأنه لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن تراب الأموات يتبرك به.
***
هذا سؤال من المستمع يحيي عبد القادر يمني الجنسية يقول: يوجد مسجد في قرية وكان قبل فترة في هذا المسجد قبر وهو مبني عليه بالإسمنت، ويبلغ ارتفاعه نصف متر، وكان بعض الرجال ومن النساء أيضاً إذا جاء عشية الجمعة يزورون هذا القبر ويصبون فوقه من الطين، ويقولون: إنه ولي من أولياء الله. ونحن نقول لهم: إن هذا حرام وشرك. وبعد فترة عزلوا القبر وما فيه إلى جوار المسجد في حجرة بجانب المسجد، ووضعوا العظام في تلك الحجرة، وأصلحوا القبر بالإسمنت بارتفاع نصف متر، ووضعوا لها باباً من الحديد. فما حكم فعلهم هذا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: المساجد التي فيها قبور لا يخلو أمرها من حالين: الحال الأولى: أن تكون المساجد سابقة على القبر، بمعنى: أن المسجد قد بني ثم يدفن فيه ميت بعد بنائه، فهذا يجب أن ينبش القبر ويدفن الميت خارج المسجد في المقابر. والحال الثانية: أن يكون القبر سابقاً على المسجد، بمعنى: أنه يكون قبراً ثم يبنى عليه مسجد، وفي هذه الحال يجب أن يهدم المسجد؛ لأنه محرم في هذه الحال، وما كان محرماً فإنه لا يجوز إقراره، فيجب أن يهدم المسجد ويبقى القبر في مكانه، لكن لا يجوز أن يكون القبر على ما وصف السائل مرفوعاً مزخرفاً مبنياً بالإسمنت؛ لأن هذا من تعظيم القبور وإشرافها، وقد قال علي لأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته). وكذلك أيضاً من المنكر أن يصب عليه الطين، أو توضع عليه الزهور، أو يتبرك بترابه، أو نحو ذلك من الأمور المنكرة التي تكون وسيلة إلى الشرك، فإن وسائل الأمور تلحق بغاياتها، بمعنى: أنها تكون محرمة، وإن كانت لا تساويها في مقدار الإثم وفي الحكم، لكنه لا شك أن وسائل المحرم محرمة يجب البعد عنها. والله أعلم.
***
هذه رسالة وصلت من المستمع وليد عيسى سوري مقيم بالدمام يقول: جرت العادة كما شاهدت في بلادنا أن من الناس من ينذرون بإضاءة المقامات بالشمع، مثل مقام قبور الأنبياء، مثل النبي صالح عليه السلام والنبي موسى، ومقامات بعض الأولياء في بعض المناسبات أو عندما ينذرون نذورهم، كأن يقول إنسان أو شخص: إذا رزقت بولد إن شاء الله سوف أضيء المقام الفلاني مدة أسبوع مثلاً، أو أذبح لوجه الله ذبيحة عند المقام الفلاني. فهل تجوز مثل هذه النذور؟ وهل إنارة المقام بالشمع أو بالزيت جائزة؟ وعادة ما تكون هذه الأيام التي يضيئون بها هي أيام الاثنين والخميس ليلة الجمعة. فهل هذا ورد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أم أنه بدعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إضاءة المقامات- يعني: مقامات الأولياء والأنبياء كالتي يريد بها السائل قبورهم- هذه الإضاءة محرمة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعليه، فلا يجوز أن تضاء هذه القبور لا في ليالي الاثنين ولا في غيرها، وفاعل ذلك ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فإذا نذر الإنسان إضاءة هذا القبر في أي ليلة أو في أي يوم فإن نذره محرم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه). فلا يجوز له أن يفي بهذا النذر,ولكن هل يجب عليه أن يكفر كفارة يمين لعدم وفائه بنذره أو لا يجب ؟محل خلاف بين أهل العلم، والاحتياط أن يكفر كفارة يمين عن عدم وفائه بهذا النذر. وأما تعداده لقبور بعض الأنبياء، مثل: قبر صالح وموسى فإنه لا يصح أي قبر من قبور الأنبياء، إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الأنبياء لا تعلم قبورهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قبر موسى: (إنه كان عند الكثيب الأحمر قريباً من البلاد المقدسة. قال: ولو كنت ثمة لأريتكم إياه). وليس معلوماً مكانه الآن، وكذلك قبر إبراهيم الخليل عليه السلام، وكذلك بقية الأنبياء لا يعلم مكان قبورهم، إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإن مكان قبره معلوم: دفن في بيته في حجرة عائشة رضي الله عنها. وعلى هذا فنقول للأخ: لا يجوز لك أن تضيء هذه القبور لا بنذر ولا بغير نذر، وأقبح من ذلك الذبح عندها، فإن الذبح عندها أعظم من إسراجها، لا سيما إن قصد بالذبح التقرب إلى صاحب هذا القبر، فإنه إذا قصد ذلك صار مشركاً شركاً أكبر مخرجاً عن الملة؛ لأن الذبح من عبادة الله عز وجل، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر مخرج عن الملة.
***
هذه رسالة وصلت من المستمع للبرنامج الطيب محمد يقول في سؤاله: فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في الذين يذهبون إلى أصحاب القبور والأضرحة يسألونهم تفريج الكربات وإعطاء الذرية وتيسير الحياة؟ وهم يقومون بذبح الذبائح وتقديم الأموال للسدنة، فإذا سألناهم: لماذا تفعلون هذا؟ يقولون: لأن هؤلاء أولياء ومقربون إلى الله من غيرهم. فأرجو الإفادة جزاكم الله خيراً
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال من ناحيتين: الناحية الأولى: إثبات أن هؤلاء المقبورين من أولياء الله، فإنه لا يعلم هل هم من أولياء الله أو من أولياء الشيطان؟ لأن أولياء الله وصفهم الله تعالى بوصف من خرج عنه فليس من أولياء الله، فقال الله سبحانه وتعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). فلا نعلم حال هؤلاء المقبورين أهم متصفون بالإيمان والتقوى أم ليسوا متصفين بذلك؟ هذه واحدة، وعلى فرض أن يكونوا من أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون فإنهم لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً، بل هم جثث هامدة لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم هوام القبور فضلاً عن أن يدفعوا عن غيرهم المكاره والشرور، أو يجلبوا لغيرهم الخيرات والسرور، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ). وقال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ). وإذا كان أشرف الخلق وإمام الأولياء والمتقين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره الله تعالى أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً* قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً).فنقول لهؤلاء الذين يدعون هؤلاء الأموات ويستغيثون بهم: إنكم ضالون ولا أحد أضل منكم؛ لأنكم تدعون من دون الله من لا يستجيب لكم إلى يوم القيامة، ونقول لهم: إنكم بدعائكم هؤلاء الأموات- وإن كانوا أولياء في اعتقادكم- أشركتم بالله عز وجل، فإن من دعا غير الله أو استغاث به فيما لايقدر عليه فإنه يكون مشركاً بالله عز وجل، وهؤلاء الذين في القبور لا يقدرون أن يغيثوكم بشيء، ولا يقدرون أن يدفعوا عنكم شراً، ولا أن يجلبوا لكم نفعاً، فعلى هؤلاء الذين يذهبون إلى القبور أن يتوبوا إلى الله، وأن يرجعوا إلى ربهم، وأن ينزّلوا حاجاتهم بالله، فإن الله تعالى هو الذي قال في كتابه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فالله تعالى هو المرجو لكشف السوء، وهو المدعو لطلب الخير، قال الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ). فلا يقدر أحد على كشف السوء ولا على إجابة الداعي إلا الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، فنصيحتي لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يقلعوا عما هم عليه من دعوة الأموات والاستغاثة بهم، حتى يحققوا بذلك التوحيد، وليعلموا أن من أشرك بالله فإن الله تعالى لا يغفر له ذنبه، كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) .
***
جامع فيه ولي، ويقوم مجموعة بزيارته ويقدمون الشمع له والسمن إذا مرض أحد الأطفال، وقد قمت بنصحهم على ترك ذلك المنكر لكنهم لم يستجيبوا لي، وقد قالوا: إنه يشفي المريض. فماذا نفعل؟ انصحونا مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال ليس بواضح، هل هذا الولي حي؟ أو المراد قبر ولي؟ فإن كان المراد قبر ولي فلا شك أن عملهم هذا منكر، وأن الميت لا يفيد أحداً شيئاً، ويجب عليهم أن يتوبوا إلى الله من هذا العمل، وأن يطلبوا الشفاء منه لا من أصحاب القبور. وأما إذا كان حياً وأُوتي إليه بشيء يقرأ فيه ويدهن به المريض أو يشربه إن كان مما يشرب فإن هذا لا بأس به، ولكن يجب علينا أن نفهم من هو الولي؟ الولي من كان مؤمناً بالله متقياً لمحارم الله؛ لقوله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً، ولا تُنال الولاية بالدعوى والتمسكن والتطامن كما يدعيه بعض الناس الذين يغرون العامة، فيتظاهرون بمظهر الأولياء وقد يكونون من الأعداء، وتعينهم الشياطين على مرادهم، فيظن العامة أن ما حصل كرامة وهو في الحقيقة إهانة. لذلك يجب علينا أن نحذر أمثال هؤلاء الأدعياء، وألا نغتر بظاهرهم وتمسكنهم؛ لأنهم يخدعون العامة بهذا المظهر.
***
المستمع محمد الجزار مصري مقيم بالعراق بغداد يقول في رسالته: ما حكم الشرع يا فضيلة الشيخ في مسجد بداخله مقام ولي من الأولياء ويصلى في هذا المسجد؟ وهل الصلاة في هذه الحالة تعتبر باطلة أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء.
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال ذلك تحذيراً مما صنعوا، فلا يجوز للمسلمين أن يتخذوا القبور مساجد، سواء كانت تلك القبور قبور أولياء أم كانت قبور صالحين لم يصلوا إلى حد الولاية في زعم من اتخذ هذه المساجد عليها، فإن فعلوا بأن بنوا مسجداً على قبر من يرونه ولياً أو صالحاً فإنه يجب أن يهدم هذا المسجد؛ لأنه مسجد محرم؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد. أما إذا كان القبر بعد المسجد بأن أسس المسجد أولاً ثم دفن فيه الميت فإنه يجب أن ينبش هذا الميت ويدفن في المقابر، ولا يحل إبقاؤه في المسجد؛ لأن المسجد تعيَّن للصلاة فيه فلا يجوز أن يتخذ مقبرة، هذا هو الحكم في هذه المسألة. وبقي لي تنبيه على صيغة السؤال الذي سأله السائل، وهو قوله: ما حكم الشرع في كذا وكذا؟ فإن هذا على الإطلاق لا يوجه إلى رجل من الناس يخطئ ويصيب؛ لأنه إذا أخطأ نسب خطؤه إلى الشرع حيث إنه يجيب باسم الشرع باعتبار سؤال السائل، ولكن يقيد إذا جاءت الصيغة هكذا فيقال: ما حكم الشرع في نظركم في رأيكم؟ وما أشبه ذلك، أو يقول صيغة ثانية: ما رأيكم في كذا وكذا؟ حتى لا ينسب الخطأ إذا أخطأ المجيب إلى شريعة الله عز وجل، وهذا يرد كثيراً في الأسئلة الموجهة إلى أهل العلم، ويرد أحياناً في الكتب المؤلفة، فتجد الكاتب يقول: نظر الشرع كذا وكذا، حكم الإسلام كذا وكذا، مع أنه إنما هو عنده فقط وحسب اجتهاده، وقد يكون صواباً وقد يكون خطأ، أما إذا كان الأمر أو إذا كان الحكم حكماً منصوصاً عليه في القرآن واضحاً فلا حرج أن تقول: حكم الشرع الحكم كذا وكذا، كما لو قلت: حكم الإسلام في الميتة أنها حرام؛ لقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة). حكم الإسلام في نكاح الأم والبنت التحريم؛ لقوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) وما أشبه ذلك. وهذه المسألة ينبغي التفطن لها عند توجيه الأسئلة إلى أهل العلم، وعند كتابة الأحكام في المؤلفات، وكذلك في الخطب والمواعظ: أن لا ينسب إلى الإسلام شيء إلا إذا كان منصوصاً عليه نصاً صريحاً بيناً، وإلا فيقالُ: فيما أرى، أو يقول: يحرم كذا مثلاً، أو: يجوز كذا بدون أن يقول: إن هذا حكم الإسلام؛ لأنه قد يخطئ فيه. ولهذا كان بعض أهل العلم، بل كان بعض الأئمة من سلف هذه الأمة يحترزون من إطلاق التحريم على شيء لم ينص على تحريمه، وهذا كثير في عبارات الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، يقول: أكره هذا، أو لا يعجبني، أو: لا أراه، أو: هو قبيح، أو ما أشبه ذلك، تحرزاً من أن يطلق التحريم على شيء ليس في الشرع ما يدل على التحريم فيه على وجه صريح.
***
هل يجوز الصلاة في مساجد وفيها قبور بعض الصالحين والأولياء، كما في الحضرة وعلي الهادي، والغيبة، أو في سيدنا الزبير، وهل يعتبر شركاً بالله هذا أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعرف أن بناء المساجد على القبور حرام، ولا يصح، يعني: لا يجوز لأحد من ولاة الأمور وغير ولاة الأمور أن يبني المساجد على القبور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا. فإذا كانت اللعنة قد وجبت لمن بنى مسجداً على قبر نبي، فما بالك بمن بنى مسجداً على من هو دون النبي، بل على أمر قد يكون موهوماً لا محققاً، كما يقال في بعض المساجد التي بنيت على الحسين بن علي رضي الله عنه، فإنها قد تكون في العراق وفي الشام وفي مصر، ولا أدري كيف كان الحسين رضي الله عنه رجلاً واحداً ويدفن في ثلاثة مواضع، هذا شيء ليس بمعقول، فالحسين بن علي رضي الله عنه الذي تقتضيه الحال أنه دفن في المكان الذي قتل فيه، وأن قبره سيكون مُخفَىً خوفاً عليه من الأعداء، كما أخفي قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما دفن في قصر الإمارة بالكوفة، خوفاً من الخوارج، لهذا نرى أن هذه المساجد التي يقال: إنها مبنية على قبور بعض الأولياء، نرى أنه يجب التحقق هل هذا حقيقة أم لا؟ فإذا كان حقيقة فإن الواجب أن تهدم هذه المساجد وأن تبنى بعيداً عن القبور، وإذا لم تكن حقيقة وأنه ليس فيها قبر، فإنه يجب أن يبصر المسلمون، بأنه ليس فيها قبور، وأنها خالية منها حتى يؤدوا الصلاة فيها على الوجه المطلوب، وأما اعتقاد بعض العامة أنهم إذا صلوا إلى جانب قبر ولي أو نبي أن ذلك يكون سبباً لقبول صلاتهم وكثرة ثوابهم فإن هذا وهْمٌ خاطئ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور فقال: (لا تصلوا إلى القبور). وكذلك قال: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام). فالقبور ليست مكاناً للصلاة، ولا يجوز أن يصلى حول القبر أبداً إلا صلاة القبر على صاحب القبر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر، على كل حال نقول هذه المساجد إن كانت مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب هدمها وبناؤها في مكان ليس فيه قبر، وإن لم تكن مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب أن يبصر المسلمون بذلك، وأن يبين لهم أن هذا لا حقيقة له، وأنه ليس فيه قبر فلان ولا فلان، حتى يعبدوا الله تعالى في أماكن عبادته وهم مطمئنون، أما الصلاة في هذه المساجد: فإن كان الإنسان يعتقد أنها وَهْم وأنه لا حقيقة لكون القبر فيها فالصلاة فيها صحيحة، وإن كان يعتقد أن فيها قبراً، فإن كان القبر في قبلته فقد صلى إلى القبر، والصلاة إلى القبر لا تصح للنهي عنه، وإن كان القبر خلفه أو يمينه أو شماله فهذا محل نظر.
***
يقول: ما حكم بناء المساجد على قبور الأولياء؟ جزاكم الله خير الجزاء.
فأجاب رحمه الله تعالى: حكمها أنها محرمة، ولا يجوز بناء المساجد على القبور قبور الأولياء ولا غيرهم، وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدمه وإزالته.
***
محمد جميل حسين مصطفى من الجمهورية العراقية يقول: إن الله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين بتجنب اتخاذ القبور مساجد، فنرى بعض المساجد مبنية فوق قبور الأنبياء والمشايخ السابقين في الإسلام، فهل يجوز هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يفهم من صيغة السؤال أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد جاء في القرآن؛ لأنه قال: إن الله يخاطب المؤمنين بتجنب، فظاهر سؤاله أن ذلك في القرآن، والأمر ليس كما ظن إن كان قد ظنه، فهذا ليس في القرآن، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتخذين القبور مساجد، فجاء ذلك في السنة. ولا شك أن اتخاذ القبور مساجد من كبائر الذنوب، ولكن إذا وجد قبر في مسجد: فإذا كان المسجد مبنياً على القبر وجب هدمه وإزالته، وإن كان القبر موضوعاً في المسجد بعد بنائه وجب إخراجه من المسجد، فإذاً الحكم للأول منهما إن كان الأول هو المسجد فإنه يزال القبر، وإن كان الأول القبر فإنه يهدم المسجد، ولا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا يجوز دفن الموتى في المساجد، ولا يرد على هذا ما استشكله كثير من الناس بالنسبة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه الموجودين في المسجد النبوي، وذلك لأن المسجد لم يُبنَ عليهما، المسجد كان مستقلاً، وهذه كانت حجرة لعائشة رضي الله عنها دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قبض، واختار أبو بكر أن يدفن معه، وكذلك عمر رضي الله عنهما، وقصة عمر في مراجعة عائشة في ذلك مشهورة. أقول: لا يرد على ذلك؛ لأن هذه الحجرة كانت منفصلة متميزة عن المسجد، ولم يقبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا صاحباه في المسجد، ولم يُبنَ عليهما أيضاً، لكن في زمن الوليد وفوق التسعين من الهجرة احتاج المسجد إلى زيادة، فرأى الولاة في ذلك الوقت أن يضاف إليه حجر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ومن جملتها حجرة عائشة رضي الله عنها، إلا أن الحجرة بقيت منفصلة متميزة عن المسجد ببنايتها. على أن من الناس في ذلك الوقت من كره هذا الأمر ونازع فيه ولم يوافق عليه، وقد ذكر أهل العلم أن أكثر الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت في المدينة، وأن الموجود من الصحابة في ذلك الوقت كانوا نازحين في البلاد الإسلامية التي فتحت، وعلى هذا فالمسالة- أي: إدخال الحجرة في المسجد- ليست موضع اتفاق من الناس في ذلك الوقت، إلا أنها بقيت ولم تغير؛ لأن تغييرها صعب، فلذلك أبقوها كما هي والحمد لله منفصلة عن المسجد، ولم توضع القبور داخل المسجد، ولا المسجد بني عليها.
***
يقول جمعة الحسين الحمود من سورية: بعض الناس بنوا عندالمقبرة مسجداً على بعد عشرة أمتار، فما حكم إقامة هذا المسجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان خارجاً عن المقبرة، ولم تكن المقبرة بين يدي المصلىن، ولم يقصد به التبرك بكونه حول المقبرة- بكونه أي: المسجد حول المقبرة- فهذا لا بأس به، فأما إذا بني في جانب منها أو كانت المقبرة أمامه، أو كان عن عقيدة أن كون المسجد قرب المقبرة أفضل وأكمل فهذا لا يجوز.
***
جزائرــــية
2009-09-19, 17:54
19/ التصوير
ما حكم الاحتفاظ بالصور الشمسية؟ علماً بأنها لم تعلق على الجدران، وأنها محفوظة داخل علبة، كما أنها لم تؤخذ لأجل التعظيم ولكن للذكرى. وما حكم من قام بالتصوير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الاحتفاظ بهذه الصور فإنه لا يجوز، وذلك لأن اقتناء الصور إنما يجوز إذا كانت على وجهٍ ممتهن كالتي تكون في الفرش والمخاد والمساند وما إلى ذلك مما يمتهن، هذه جائزة عند جمهور أهل العلم وإن كان فيها خلاف، لكن الجمهور على أنها جائزة. أما ما لا يمتهن، سواءٌ كان شُهر وعلق أو كان أخفي في علبةٍ وشبهها فإنه لا يجوز، ولا يحل للمرء اقتناؤه، فالصور التي للذكرى التي توجد في الحقيبة التي يسمونها ألبوم وغيرها أو غيرها هذه لا تجوز، ثم إن الذكرى لا ينبغي للإنسان أن يتعلق بها فأي ذكرى تكون؟ هذا الرجل الذي كنت حبيباً له أو صديقاً له في يومٍ من الأيام قد يكون يوماً من الأيام بغيضاً لك، ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يسرف في الحب ولا في البغض، وقد قيل: أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما. على كل حال هذه الذكرى لا تنبغي، والإنسان عبارة عن ابن وقته، والأحوال تختلف وتتغير، فلا ينبغي اتخاذ هذه الصور، بل ولا يجوز أن يحتفظ بها. وأما التصوير فنوعان: أحدهما: أن يكون باليد بتخطيط اليد، بمعنى: أن الإنسان يخطط صورة الجسم مثلاً من وجهٍ ويدين إلى آخره، فهذا لا يجوز، وهو الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله، وأخبر أن فاعليه هم أشد الناس عذاباً. وأما إذا كان التصوير بالنقل بالآلة الفوتوغرافية فهذه موضع خلافٍ بين أهل العلم، وذلك لأن التصوير بالنقل ليس تصويراً فعلياً من المصور في الحقيقة، بل هو ناقلٌ للصورة وليس مصوراً، وليس كالمصور الذي يريد أن يعمل ما فيه إبداعٌ وإتقان حتى يكون عمله وتخطيطه كتخطيط الله عز وجل وتصوير الله، وبين الإنسان الناقل الذي ينقل ما صوَّره الله سبحانه وتعالى بواسطة الضوء فبينهما فرق. ولهذا لو عرضت علي رسالة وقلت: انقلها لي فكتبتها وجعلت أصور عليها صرت الآن مصوراً والكتابة هذه كتابتي. لكن لو قلت: خذ هذه الرسالة وصورها بالآلة الفوتوغرافية فالكتابة كتابة الأول، كتابة صاحب الخط الأول، ليست كتابة الذي صور بالآلة المصورة، فهذا مثله تماماً. وهذا هو الذي نرجحه: أن التصوير الفوتوغرافي لا بأس به، لكن ينظر ما هو الغرض من ذلك؟ إذا كان الغرض اقتناء هذه الصور على وجهٍ لا يباح فهذا يحرم من هذه الناحية، فيكون تحريمه تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد. وأما إذا كان الغرض لمصلحة كحفظ الأمن في التابعيات وشبهها فهذا لا بأس به، يعني: لا بأس بالتصوير للتابعية وشبهها، ومع هذا- مع قولنا بالجواز، أو مع ترجيحنا للجواز- نرى أن اللائق للمسلم أن يبتعد عنه؛ لأن ذلك أتقى وأورع؛ لما في ذلك من الشبهة، فإن بعض أهل العلم يرون أن التصوير حتى للصور الشمسية أو الفوتوغرافية يرون أنه حرام، وترك الإنسان لما هو محرم هذا أمرٌ ينبغي، إلا إذا دعت الحاجة إليه فإن المشتبه يزول بالحاجة.
***
أحسنتم هذه الرسالة وردت من أبي حمد يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، استمعت إلى إجابة الشيخ محمد العثيمين بتحريم الصور، حيث أجاز استعمال أو حمل الصور على التابعية مثلاً إذا اعتبرها ضرورة وأنها من يسر الدين، أليس من الأيسر أن يستعمل البصمة بدل الصورة، لكي لا يبقى لدينا أدنى شك بالحرام؟ أخوكم أبو حمد وفقكم الله.
فأجاب رحمه الله تعالى: البصمة الإحاطة بها صعبة جداً؛ لأنه لا يعرفها إلا أفرادٌ من الناس، وبشرط أن توضع البصمة على قدرٍ معين من الحبر أو شبهه؛ لأنه إذا زاد لم تنضبط العلامة، وإذا نقص كذلك لم تنضبط. فمن أجل هذا نرى أن استعمال البصمة بدلاً من الصورة قد تكون أعظم وأشق؛ لأن الإنسان ربما يضرب على الورقة ببصماته عدة مرات فلا يمكن ضبطها، ثم هي عرضة أيضاً لأن تطرأ عليها حكٌ أو شبهه، فإذا تغيرت أدنى تغير لم يحصل بها فائدة. فلا نرى أن مثل هذه الوسيلة تكفي عن وسيلة التصوير.
***
تقول السائلة: عندما يموت الإنسان ويبكي عليه أهله هل هذا البكاء يعذب الميت في قبره؟ وما رأيكم في جمع صور الميت والاحتفاظ بها؟ هل هذا جائز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذان سؤالان، السؤال الأول البكاء على الميت: البكاء على الميت ينقسم إلى قسمين: قسم بمقتضى الطبيعة ولا يستطيع الإنسان أن يدفعه، فهذا لا يعذب به الميت. وقسم آخر يكون متكلفاً ويرخي الإنسان لنفسه العنان في الاستمرار في البكاء، فهذا يعذب به الميت في قبره؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)، لكن هذا التعذيب ليس عقوبة، وإنما هو بمعنى التألم والتوجع؛ لأن العذاب قد يطلق على هذا، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن السفر قطعة من العذاب). وأما الاحتفاظ بصور الميت فلا يجوز، بل الواجب إحراقها من حين أن يموت؛ لأن تعلق النفس بالميت أشد من تعلقها بالحي، ويخشى أن الرجل يذهب يطالع صورة الميت ليتجدد حزنه وأسفه عليه، وإن كان معظماً فربما يعلق صورته في الجدار فيحصل بذلك ضرر ومفسدة، لهذا أرى أنه من حين أن يموت الميت يجب أن تحرق صوره كلها ولا تبقى.
***
رسالة الدوحة مجموعة من الأخوات من الدوحة يقلن ما رأي فضيلتكم في الاحتفاظ بالصور بألبوم؟ هل هذه الصور تمنع من دخول الملائكة في البيوت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصور التي تحفظ كما يقولون للذكرى نرى أن الاحتفاظ بها حرام، لا سيما إذا كانت صور أموات، وأن الواجب إحراقها وإزالتها؛ لأنها صورة حقيقة، وإذا كانت صوراً حقيقة فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وإخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة يراد به التحذير من اقتناء هذه الصور. فنصيحتي لهؤلاء الأخوات السائلات أن يحرقن ما عندهن من هذه الصور، وألا يعدن لأمثال ذلك.
***
من حضرموت المستمع عبد الرحمن يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن حكم الصور التي تكون بالنحت، أو الآلة الفوتوغرافية الكاميرا، أو كانت بالرسم باليد. وأنا طالب بالثانوية يلزمونني بالرسم باليد، جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: الصور المنحوتة من خشب أو حجارة، أو المصنوعة من الطين أو العجين أو ما أشبه ذلك كلها حرام إذا كانت على تمثال حيوان له روح؛ لما فيها من مضاهاة خلق الله عز وجل، وفي الحديث الصحيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المصورين)، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله. وفي الحديث القدسي أيضاً أن الله تعالى قال: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة). وفيه أيضاً في الحديث الصحيح: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)، والأدلة في هذا كثيرة. ومن التصوير- على القول الراجح- المتوعد عليه أن يقوم الإنسان بتصوير ذي روح بيده، فإن ذلك داخل في التصوير المتوعد عليه، وهو كبيرة من كبائر الذنوب. أما التصوير بالآلة الفوتغرافية الفورية فلا يظهر لي أنه من التصوير، وذلك لأن المصور لم يكن يخطط أو يحاول أن يضاهي بخلق الله، ولهذا فنرى الناس لو عرض عليهم صورة بالآلة الفوتوغرافية على حسب ما حصل من التصوير لم يقولوا: ما أجود هذا المصور وما أحذقه لكن لو عرض عليهم صورة صورها بيده وخططها بيده وظهرت مطابقة لما صور فقالوا: ما أحسن هذا ما أحذق هذا! فدل ذلك على الفرق بين من يرسم الصورة بيده ومن يصور بالآلة الفوتوغرافية. ويدل لهذا أن الإنسان لو كتب كتاباً بيده ثم وضعه في آلة التصوير وخرج من الآلة فإن الناس لا ينسبون هذا المرسوم إلى الذي صور بالآلة، وإنما ينسبونه إلى الكاتب الأول، وما زال الناس يحفظون الوثائق بمثل هذا ولا يقولون إن هذا الذي التقطه بالآلة مبدع متقن جيد، بل ربما يكون يتولى هذا رجلٌ أعمى، أو يتولاه رجل مبصر في ظلمة، لكن لو جاء شخص وعُرِض عليه خط الرجل الآخر فجاء يقلد آخر حتى ظهر وكأنه خط الرجل الأول لقال الناس: ما أبدعه ما أحذقه، كيف صور هذا التصوير الذي جاء مطابقاً للرسم. ومن هذه الأمثلة يتبين أن التصوير الفوتوغرافي ليس في الحقيقة تصويراً ينسب إلى الفاعل ولا يقال إن هذا مضاهئٌ لخلق الله؛ لأنه لم يصنع شيئاً والقول بالحل مشروط بأن لا يتضمن أمراً محرماً؛ لأن الأشياء المباحة إذا أدت إلى شي محرم كانت حراماً؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فمثلاً لا نرى أنه يجوز أن يصور الإنسان هذا التصوير للذكرى كما يقولون؛ لما في ذلك من اقتناء الصورة التي يخشى أن تكون داخلة في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة).
***
ما حكم الاحتفاظ بالكتب التي تحتوي على صور لإنسان أو حيوان أو طير؟ وهل نقوم بطمس تلك الصور كاملةً أم الرأس فقط أم بوضع خطٍ على الرقبة أم ماذا نفعل؟ علماً بأن هذه الكتب مفيدة وليست من الكتب السخيفة، كذلك بالنسبة لبعض المجلات الإسلامية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصور المشار إليها في الكتب وبعض المجلات الدينية إذا تمكن الإنسان من طمسها أي طمس وجوهها ورؤوسها فهذا خير؛ لأن الصورة هي الرأس: حقيقة الإنسان تعرف برأسه، عين الإنسان تعرف برأسه ووجهه، فعلى هذا فالواجب أن يطمس الرأس والوجه، هذا إذا تمكن، أما إذا شق عليه ذلك فإنه لا حرج عليه إن شاء الله، لا سيما وأن هذه الصور تكون في كتب مغلقة وليست منشورةً مبسوطة مشهورة، فلهذا نرى أنه لا بأس به إذا كان عليه مشقة من طمسها وإزالتها.
***
رسالة بين يدينا الآن وردتنا من سورية فيها صورة وأسئلة، ونحن نناشد المستمعين إلى أن لا يبعثوا لنا أوراقاً فيها صور، وأعتقد أن عند الشيخ محمد قبل الإجابة على هذه الأسئلة التعليق على هذه الصورة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال، نعم تعليقنا عليها أن الصور لا تجوز إلا إذا كانت في أمور ممتهنة كالمخاد والفرش وشبهها، وإلا فلا يجوز اقتناؤها لا في الرسائل ولا في تعليقها على الجدران ولا في حفظها في ألبوم الذي يسمونه ألبوم، ولا غير ذلك.
***
ما هو الحكم الشرعي في التماثيل الموجودة في كل أسواق المسلمين وبيوتهم على شكل خيول وبنين وبنات وحيوانات وطيور؟ فهل هذا جائز أم هو حرام بيعه وشراؤه واتخاذه في البيوت بالزينة؟ وما هي نصيحتكم لإخواننا المسلمين حول ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذه التماثيل الموجودة في البيوت سواء كانت معلقة أو موضوعة على الرفوف أن هذه التماثيل يحرم اقتناؤها مادامت تماثيل حيوان، سواء كانت خيولاً أو أسوداً أو جمالاً أو غير ذلك؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة)، وإذا كانت الملائكة لا تدخل هذا البيت فإنه لا خير فيه، فعلى من عنده شيء من ذلك أن يتلفه، أو على الأقل يقطع رأسه ويزيله حتى لا تمتنع الملائكة من دخول بيته. وإنك لتعجب من رجال يشترون مثل هذه التماثيل بالدراهم ثم يضعونها في مجالسهم كأنما هم صبيان، وهذا من تزيين الشيطان لهم، وإلا فلو رجعوا إلى أنفسهم لوجدوا أن هذا سفه، وأنه لا ينبغي لعاقل فضلاً عن مؤمن أن يضع هذا عنده في بيته. والتخلص من هذا يكون بالإيمان والعزيمة الصادقة حتى يقضوا على هذه ويزيلوها، فإن أصروا على بقائها فهم آثمون في ذلك، وكل لحظة تمر بهم يزدادون بها إثماً، نسأل الله لنا ولهم الهداية. وأما بيعها وشراؤها فحرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه). فلا يجوز استيرادها ولا إيرادها، ولا بيعها ولاشراؤها، ولا يجوز تأجير الدكاكين لهذا الغرض؛ لأن كل هذا من باب المعونة على الإثم والعدوان، والله عز وجل يقول لعباده: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). وكذلك أيضاً يحرم أن تستر الجدران وأبواب الشبابيك بشيء فيه صور من خيل أو أسود أو جمال أو غيرها؛ لأن تعليق الصور رفع من شأنها، فيدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة). وأما ما يوجد من هذه الصور في الفرش التي تداس وتمتهن فإن فيه خلافاً بين أهل العلم هل يحرم أو لا؟ وجمهور أهل العلم على حله، فمن أراد الورع واجتنابه وأن يتخذ فرشاً ليس فيها صور حيوان فهو أولى وأحسن، ومن أخذ بقول جمهور العلماء فأرجو ألا يكون عليه بأس.
***
يقول: ما حكم صنع التماثيل المجسمة وبيعها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صنع التماثيل المجسمة إن كانت من ذوات الأرواح فهي محرمة لا تجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه لعن المصورين، وثبت أيضاً عنه أنه قال: قال الله عز وجل: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي)؟ وهذا محرم. أما إذا كانت التماثيل ليست من ذوات الأرواح فإنه لا بأس بها وكسبها حلال؛ لأنها من العمل المباح.
***
المستمعة من العراق رمزت لاسمها ك.ب من الجمهورية العراقية بغداد تقول: فضيلة الشيخ هل يجوز الرسم بالريشة في مناظر طبيعية مثل الجبال والأنهار والأشجار، وهل يمكن تعليق صور النباتات أو المناظر الطبيعية في البيت أو الاحتفاظ بها؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يرسم صور الشجر والبحار والأنهار والشمس والقمر والنجوم والجبال وغيرها مما خلق الله عز وجل، ويجوز أن يحرص على دقة تصويرها حتى تكون كأنها منظر طبيعي، لكن بشرط أن لا يكون فيها صور من ذوات الأرواح كالإنسان والبهائم، وذلك لأن تصوير الإنسان والبهائم محرم، بل من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن المصورين، وأخبر أن من صور صورة فإنه يُجعل له بها نفس يعذب بها في جهنم). وقال صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله). وأخبر صلى الله عليه وسلم (أنه يقال لهم -تحدياً وتعجيزاً-: أحيوا ما خلقتم). فلا يجوز للإنسان أن يصور ما فيه روح من بشر أو غيره، سواء صورها مستقلة أو صورها داخل هذه المناظر التي ذكرتها السائلة، وهي من كبائر الذنوب- أعني: التصوير لذوات الأرواح من كبائر الذنوب-؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب عليه اللعنة، ومن فعل من ذلك شيئاً فعليه أن يتوب إلى الله، وأن يمزق أو يحرق ما صوره حتى لا يبوء بإثمه، وأما ما ليس فيه روح فلا بأس به؛ لأن الأحاديث تومئ إلى هذا، فإن فيها أنه مكلف أن ينفخ فيه الروح وليس بنافخ، وهذا إشارة وإيماء إلى أن المحرم ما كان فيه روح، وإذا جاز أن يصور ما ليس فيه روح من الأشجار والأنهار والبحار والشمس والقمر والجبال والبيوت وما أشبهها جاز أن يعلقها على بيته وينظر إليها ويهديها إلى غيره، لكن ينبغي أن لا يسرف في هذا فيصرف الأموال الكثيرة في شراء مثل هذه المناظر وتعليقها على الجدر أو إهدائها إلى غيره، فإن الإسراف حرام؛ لقول الله تعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
***
المستمع من العراق علي ح ع يقول: هل يصح تحنيط الطيور ووضعها في المنزل لغرض الزينة ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في تحنيط الطيور- بعد أن تذبح ذبحاً شرعياً، الأصل- أنه جائز، لكن إذا كان في ذلك إضاعة للمال فإنه قد يمنع منه من هذه الناحية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن إضاعة المال)، وإضاعة المال صرفه في غير فائدة. أما إذا كان هناك فائدة مثل إطلاع الناس على مخلوقات الله عز وجل التي تدل على تمام قدرته سبحانه وتعالى وكمال حكمته فإن هذا لا بأس به لما فيه من المصلحة، وأخشى أن بعض الناس يشتري هذه الحيوانات المحنطة بثمن كثير باهظ مع أنه قد يقصر على أهله ومن تلزمه نفقتهم، فيدع أمراً واجباً لأمر ليس بواجب، بل لأمر ليس فيه إلا إضاعة المال.
***
هل رسم ذوات الأرواح كالحيوان والإنسان على الأوراق وتشكيلها بالألوان جائز؟ وهل هو داخل في عموم الحديث القدسي قال تعالى: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة)؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو داخلٌ في هذا الحديث، لكن الخلق خلقان: خلقٌ جسميٌ وصفي وهذا في الصور المجسمة، وخلقٌ وصفيٌ لا جسمي وهذا في الصور المرسومة، وكلاهما يدخل في هذا الحديث، فإن خلق الصفة كخلق الجسم وإن كان الجسم أكثر؛ لأنه جمع بين الأمرين: الخلق الجسمي والخلق الوصفي. ويدل على ذلك على العموم، وأن التصوير محرم باليد، سواءٌ كان تجسيماً أو كان تلويناً عموماً، لعن النبي صلى الله عليه وسلم للمصورين، فعموم لعنه للمصورين يدل على أنه لا فرق بين الصور المجسمة، والملونة التي لا يحصل التصوير فيها إلا بالتلوين فقط. ثم إن هذا هو الأحوط والأولى للمؤمن: أن يكون بعيداً عن الشبه. ولكن قد يقول قائل: أليس الأحوط في اتباع ما دل عليه النص، لا في اتباع الأشد؟ نقول: صحيحٌ أن الأحوط في اتباع ما دل عليه النص لا اتباع الأشد، لكن إذا وجد لفظٌ عام يمكن أن يتناول هذا وهذا فالأحوط الأخذ بعمومه، وهذا ينطبق تماماً على أحاديث التصوير، فلا يجوز للإنسان أن يرسم صورة ما فيه روح لا إنساناً ولا حيواناً آخر؛ لأنه داخلٌ في لعن المصورين.
***
السائل حسن حسين يقول: أنا شاب أحب التصوير والاحتفاظ بالصور، ولا تمر مناسبة إلا وأقوم بالتقاط الصور للذكرى، وهذه الصورة أحفظها داخل الألبوم، وقد تمر شهور دون أن أفتح هذا الألبوم وأنظر للصور. ما حكم هذه الصور التي أقوم بتصويرها والاحتفاظ بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وأن تحرق جميع الصور التي تحتفظ بها الآن؛ لأنه لا يجوز الاحتفاظ بالصور للذكرى، فعليك أن تحرقها من حين أن تسمع كلامي هذا. وأسأل الله لي ولك الهداية والعصمة مما يكره.
***
بعض الطلاب الذين يذاكرون في المسجد يحضرون كتباً فيها صور فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يذاكر في المسجد أن يذاكر الدروس التي ليس فيها صور، وذلك لأنه إذا أحضر صورة إلى المسجد فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، لكن هذه الصور التي تكون في المقررات غالبها يكون قد أغلق عليه الكتاب، فهو غير ظاهر ولا بارز، ثم إن بعضاً منها يكون فيه صورة الرأس فقط دون بقية الجسم، والصورة التي تحرم إنما هي ما يعرف أنها صورة لوجود الجسم كله أو غالبه.
***
المستمع علي أحمد من جدة يقول: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في لعب الأطفال؟ حيث إن لدي طفلة متعلقة بهذه الألعاب، وهي عبارة عن قطعة من القماش مخيطة ومحشوة من القطن فتبدو وكأنها طفلة، فابنتي تلاعب هذه اللعبة وكأنها طفلة صغيرة، حاولت أن أبعدها عن مثل هذه الألعاب خشيت أن يكون فيها محظور، وأرجو من فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين أن يتفضل مشكوراً بالإجابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لعب الأطفال قد جاءت بها السنة من حيث العموم، فإن عائشة رضي الله عنها (كان لها بنات- أي: لعب تلعب بهن- في عهد النبي صلى الله عليه وسلم)، وإذا كانت هذه اللعبة لا تمثل الصورة الكاملة، وإنما هي قطن أو صوف أو نحوه محشو وفي أعلاها نقط على أنها عضو أو ما أشبه ذلك فإن هذا لا بأس فيه ولا حرج فيه، والصبية تلعب بهذه اللعبة تتسلى بها وتفرح بها وتخدمها خدمة بليغة، فتجعل لها فراشاً ووسادة، وتجعلها في أيام الصيف تحت المروحة لتروح عليها، وفي أيام الشتاء تغطيها بالغطاءات، وربما وضعتها أمام المكيف للتدفئة في الشتاء أو للتبريد في الصيف، فهي تشعر وكأنها بنت حقيقية، ولا شك أن هذا يعطيها تعليماً لتربية الأولاد في المستقبل، ويعطيها أيضاً حناناً على من يكون طفلاً لها حقيقة، ويعطيها تسلية وفرحاً وسروراً، ولهذا تجدها تخاطبها مخاطبة العاقل، فمن أجل هذه المصالح أباح الشارع مثل هذه. أما اللعب التي تمثل الصورة وكأنها حقيقة، لها رأس وأنف وعين، و ربما يكون لها حركات مشي أو أصوات وما أشبه ذلك، فإن الواجب لمن ابتلي بشيء من هذا أن يغير الصورة، بحيث يدنيها من النار حتى تلين ثم يضغط عليها حتى تذهب ملامح الوجه، ولا يتبين أنها مثل الصورة الحقيقية. ومن العلماء من يتساهل في هذا الأمر مستدلاً بعموم الحالات لا بعموم اللفظ؛ لأنه ليس هناك لفظ عام؛ لأن المقصود بهذه الصور تسلية الصبية وما أشرنا إليه من المصالح السابقة، ولكن كون الإنسان يدع الأشياء التي فيها شك أولى من كونه يمارسها.
***
يقول هذا السائل: بائع في بقالة يبيع ويشتري في لعب الأطفال تحتوي على صور ذات الروح أو الأرواح مثل القرود والطيور والقطط إلى غير ذلك، فما الحكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في الصور المجسمة للحيوانات التحريم، وأنه لا يجوز اقتناؤها لا للصغار ولا للكبار، وإذا لم يجز اقتناؤها لم يجز بيعها وشراؤها؛ لأن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، لكن بعض أهل العلم رخص في لعب البنات الصغيرة تتخذ للبنت الصغيرة، من أجل أن تتعود على تربية البنات فيما لو رزقها الله تعالى بنتاً، فمنهم من قال: إن هذه الصور المرخص فيها يجب أن لا تكون على شكل الصورة الحقيقية فلا يكون لها عينان ولا أنف ولا شفتان ولا وجهٌ إلا مطموساً كالظل، ومنهم من قال: إنه لا بأس أن تكون الصورة التي ستلعب بها البنت على شكل الصورة الحقيقية؛ لأن المقصود حاصل بهذا وبهذا. وأنا لا أشدد في هذه المسألة، فأقول: إن تمكن أولياء البنت الصغيرة أن يأتوا لها بلعبٍ ليس لها وجه بين فهي كالظل فهو أولى وأحسن، أما صور الحيوانات الأخرى كالخيل والطيور وما أشبهها فالأصل منعها وعدم جوازها, جواز اقتنائها، وبناءً عليه لا يجوز بيعها وشراؤها.
***
فضيلة الشيخ هذا السائل يسأل عن اللعب المجسمة التي للأطفال الخاصة بالأولاد والدمى والدبب ما حكم جلبها للأولاد حتى يلعبوا بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما من جهة الصور المجسمة من غير الأطفال كصورة الدب والجمل والذئب والأسد وما أشبه ذلك فهذه لا تجوز؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. وأما لعب البنات فلا أشدد فيها؛ لأنه قد كان لعائشة لعب تلعب بهن، وإن كانت اللعب التي في زمن عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن؛ لأنها الآن متقنة تماماً حتى كأنها بشر، ومع ذلك لا أشدد فيها: إن حصل اللعبة المعروفة التي من القطن وشبهه كالتي استحدثت أخيراً فهذا أحسن، وإن لم يحصل فلا أقول إن في جلبها للبنات الصغار إثماً؛ لأن هذا يعودها الرأفة والرحمة بالأطفال، ولذلك أسمع أن بعض البنات الصغار يكون لها لعبة ثم تأتي بها أمام المكيف وتشغل المكيف وتقول: أريد من بنتي أن تبرد، الوقت حار، وربما ترشها بالماء لترويشها، مما يدل على أن لها تأثيراً في خلق المرأة وتربية أبنائها في المستقبل.
***
هل يجوز إلباس الطفل الملابس التي يوجد فيها صور؟ وكيف التخلص منها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الصور التي ليس لها رأس فلا بأس بإلباس الصبي منها، أي من الثياب التي فيها هذه الصور، وكذلك الرأس بلا جسم، إلا إذا كان الرأس من المعظمين في الكفر أو في الفسوق أو في الفجور، فإنه لا يجوز تعظيم هؤلاء ولا إحياء ذكراهم؛ لأنهم من دعاة الشر. لكن إذا كانت رأس إنسان مجهول لا يعلم من هو وليس فيه فتنة فلا بأس به بإلباس الصبي ثياباً من هذا النوع. وأما الصور الكاملة فإنه لا يجوز إلباس الصبي من الثياب التي فيها هذه الصور، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم على البالغ. أما كيف التخلص منها؟ التخلص سهل: أن لا يشتريها الإنسان، أن يقاطعها الناس، وإذا قاطعها الناس لن ترد على بلادنا؛ لأنها لم ترد إلا حين شغف الناس بها وصاروا يستعملونها، فلو هجرت ولم تستعمل ما وردت إلى البلاد. فإذا قيل: لا نجد في السوق ثياباً جاهزة إلا وفيها هذه الصور؟ قلنا: لكن يوجد والحمد لله في السوق قطع من القماش لم تفصل بعد، فيشتري الإنسان قطعة ويفصلها عند الخياط على قدر الحجم الذي يريده.
***
ما الحكم الشرعي في اقتناء لعب الأطفال المجسمة من ذوات الأرواح؟ وما الحكم في بيعها وأكل ثمنها؟ وما الحكم في تعليقها في المنزل للزينة أو وضعها في أماكن مخصصة للتحف والزينات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ثلاث مسائل حقيقة في هذا السؤال, المسألة الأولى: ما حكم لعب الأطفال بهذه الصورة المجسمة؟ فهذه محل نظر: فمن رأى الأخذ بالعموم في جواز اللعب بالبنات للصغار- كما ورد أن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بالبنات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت صغيرة، والرسول عليه الصلاة والسلام لم ينهها- قال: إن أخذها بالعموم يقتضي أن نعمل به حتى في هذه الصور المجسمة الدقيقة الصنع، ومن رأى أن اللعب التي كانت تلعب بها عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن في دقة صناعتها قال: إن هذا ممنوع، ولاشك أن الأحوط أن يتجنب الإنسان ما فيه شبهة، وفي هذه الحال يمكنه أن يبقي هذه الألعاب بين أيدي الصبيان، ولكن يلينها في الماء ثم يغمز وجوهها حتى تتغير خلقتها ولا يبقى لها صورة وجه كاملة، وحينئذ يلعب بها الصبيان. على أن خيراً من ذلك وأولى أن يأتي لهم بألعاب أخرى: كالسيارات، والطيارات، والحمالات، وما أشبهها، مما يلعبون به بدون أي شبهة. أما المسألة الثانية فهي: تعليق هذه أو وضع هذه الصور المجسمة في الأماكن للزينة أو الاحتفاظ بها، فهذا محرم ولا يجوز، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة). فعلى المرء أن يتقي ربه، وأن يبعد عن هذه السفاسف. ومن المؤسف أن من الناس الذين يعتبرون من العقلاء مَن نزلوا بأنفسهم إلى حظيرة الصبيان، حيث إنك قد ترى أو تسمع أن في مجالسهم صور إبل أو صور فيلة أو صور أسود وما أشبه ذلك موضوعة على الأرفف للتجمل والزينة، وهذا حرام عليهم ولا يحل لهم، والواجب عليهم إتلاف هذه الصور، وإذا أبوا إلا أن تبقى فإنه يجب عليهم إزالة رؤوسها، فإذا أزالوا الرأس فإنه يحل إبقاؤها. أما المسألة الثالثة فهو: بيع هذه الصورة المجسمة، وبيع هذه الصور المجسمة لا يجوز، وشراؤها حرام، وثمنها محرم؛ لأنها تفضي إلى محرم، وما كان مفضياً إلى محرم فإنه محرم، كما أنه هي- يعني: وجودها في المكان، ولو لعرضها للبيع والشراء- يمنع دخول الملائكة إلى هذا المكان، وكل مكان لا تدخل فيه الملائكة فإنه ينزع منه الخير والبركة.
فضيلة الشيخ: هل يدخل تحت هذا الحكم بيع لعب الأطفال المسمى بالعرائس مثلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يدخل في ذلك، كما ذكرت لك أن العلماء اختلفوا في جوازها نظراً لدقة صنعها وإحكامه وإتقانه، فقال بعضهم: إن هذه الدقة المتناهية التي تجعلها كأنها صورة حقيقية تمنع من إلحاقها بالبنات التي كانت تلعب بها عائشة، ومادامت المسألة في هذه الحال فإننا نرى أنه لا يجوز له أن يشتريها أو يعرضها للبيع.
***
السائل هذا يقول: في بيوتنا صور كثيرة من المجلات والعلب وغيرها، فهل تمتنع الملائكة من دخولها؟ علماً بأننا لا نريدها ولكن يصعب علينا أن نزيلها فضيلة الشيخ فأرجو إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن هذه الصور لا تمنع دخول الملائكة، وذلك لأنها غير مقصودة ولا مأبوه بها، والإنسان لا يهتم بها ولا بالنظر إليها، ووجودها وعدمها عنده سواء. فالظاهر أن الملائكة لا تمتنع من دخول البيت الذي هي فيه؛ لأن امتناع دخول الملائكة فيه نوع عقوبة على صاحب البيت، ولا عقوبة على شيء لا يحرم عليه. ومع ذلك فالتنزه عنها أولى والبعد عنها أولى، ولكننا لا نقول: إن ذلك حرام- أي: إن بقاءها في البيت حرام- لما أشرنا إليه آنفاً من أنها غير مقصودة، والتحرز منها فيه مشقة على الناس، ودخول الملائكة البيت إذا لم توجد فيه هذه الصور لا إشكال فيه، لكن إذا وجدت فيه هذه الصور ففيه إشكال، ولكن الظاهر والله أعلم أنها لا تمتنع من دخوله؛ لأن اقتناءها على هذا الوجه ليس مقصوداً به الصورة.
***
وردتنا رسالة من الحاج باعتبار ما سيكون إن شاء الله يقول الحاج ق ج من بلد إسلامي: بعد السلام أحب أن أسأل عما يلي: ما حكم التقاط الصور التذكارية في المشاعر المقدسة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التقاط الصور التذكارية إذا كانت صور آدميين فإنه لا يجوز، أو حيوانات كالإبل مثلاً فإنه لا يجوز؛ لأن فيه اقتناءً للصور، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، إلا ما استثني من الصور، وهو: ما اتخذ فراشاً ومخدة وما أشبه ذلك مما يمتهن، وأما هذه الصور التذكارية للحيوانات والإنسان فإنها لا يجوز اقتناؤها في كل حال. وأما إذا كانت الصور التذكارية للكعبة مثلاً أو لجبال منى أو لجبل عرفة أو لمسجد نمرة أو لمسجد المزدلفة أو لمسجد الخيف في منى فإن هذا لا بأس به، ما لم يؤد ذلك إلى محظورٍ شرعي، فإن أدى ذلك إلى محظور شرعي فإنه لا يجوز، وإلا فالأصل الإباحة.
فضيلة الشيخ: هل مثل الصور لهذه المساجد لابد أن يكون فيها رجال أو نساء أو مخلوقات؛ لأنها لا يتصور أن تخلو من الناس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من الممكن إذا ظهرت الصورة وفيها صور آدمي أن يطمس وجوهها، وحينئذ تبقى سليمة.
***
جزائرــــية
2009-09-19, 18:00
20/البدعة
المستمع البرنامج ط س ع ويقول: ما هي البدعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة الشرعية- أعني: التي تكلم عنها الشرع- هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، هذه هي البدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يخطب في الناس يوم الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها)، فدل هذا على أن المحدثة كل ما خالف السنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإذاً البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. مثاله في العقيدة: ما ذهب إليه أهل التعطيل الذين أنكروا كثيراً من صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه، مثاله قول الله تبارك وتعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) قالوا: نحن لا نتعبد لله بأن الله يجيء بنفسه، ولا نعتقد بذلك، بل عقيدتنا أن الذي يجيء أمره، فيفسرون قول الله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ) بأن المراد جاء أمر ربك، ويعتقدون أن الجائي هو أمر الله لا الله، هذه بدعة؛ لأن الله تعالى لما خاطبنا بقوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ) وكان القرآن نزل بلسان عربي مبين فإن مقتضى هذه العبارة في اللسان العربي المبين أن يكون الجائي هو الله لا غيره، ويكون المشروع لنا أن نؤمن بأن الله يجيء هو بنفسه، فإذا اعتقدنا أن الذي يجيء أمره، وأن معنى (وَجَاءَ رَبُّكَ): وجاء أمر ربك، هذا بدعة بلا شك، وكل بدعة ضلالة. كذلك قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) معناها: علا العرش كما يليق بعظمته وجلاله، وذلك أن هذا الفعل استوى إذا عدي بعلى صار معناه العلو على الشيء، كما قال الله تعالى لنوح: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي ركبت عليه. وقال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنِ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أي لتعلوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا علوتم عليه. وقال الله تعالى: (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) يعني سفينة نوح، أي: استقرت عليه، على الجبل المعروف بالجودي. هذا معنى هذه الكلمة في اللغة العربية، والقرآن نزل باللغة العربية بلسان عربي مبين: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). أي صيرناه باللغة العربية حتى تعقلوه، ولو تكلم الله به باللغة الفارسية وهو يخاطب العرب لكان هذا خلاف البيان، فقد قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ). فنقول: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ استوى) أي: على العرش علا، لكنه ليس كعلونا على ظهور بهيمة الأنعام أو على الفلك، أو كعلو السفينة على الجودي، لا؛ لأنه استواء مضاف إلى الله عز وجل، فيكون استواء يليق بجلاله وعظمته ولا يماثل استواء المخلوق على المخلوق، يعني الله قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ). فيأتي الإنسان ويقول: أنا لا أعتقد أن الله استوى على العرش بمعنى علا عليه، ولكني أقول: استوى على العرش أي استولى عليه، فأنا أومن بأنه مستولٍ على العرش لا مستوٍ عليه. فنقول: هذا بدعة؛ لأن الله تعالى لم يخاطبك لتؤمن بأنه مستولٍ على العرش، إنما خاطبك لتؤمن أنه مستوٍ عليه، فقد تعبدت لله بما لم يشرعه، واعتقدت في الله ما لم يرد بهذه الآية الكريمة. هذان مثالان من البدعة، والأمثلة عن هذا كثيرة: كل من خالف ظاهر الكتاب والسنة فيما يتعلق بصفات الله أو فيما يتعلق بأمور الغيب عامة بدون دليل شرعي فإنه مبتدع. وأما البدعة في الأقوال فحدث ولا حرج: كثير من الناس يبتدع أقوالاً لم تكن مشروعة، إما في القدر، أو في الجنس، أو في الوقت، أو في السبب. وذلك لأن العمل لا يكون عبادة حتى يوافق الشرع في أمور ستة: في جنس العمل، وفي قدره، وفي كيفيته، وفي سببه، وفي زمانه، وفي مكانه. حتى لو ذكرت الله عز وجل في غير موضع مشروع فيه الذكر لكنت مبتدعاً، لو كنت إذا أردت أن تأكل قلت: لا إله إلا الله، تتعبد لله بها كما يتعبد الآكل بقوله: باسم الله لقلنا لك: أنت مبتدع. قلت: كيف أكون مبتدعاً وأنا أذكر الله؟ لا إله إلا الله كلمة الإخلاص. نقول: نعم ليس هذا مكانها، فأنت لم توافق الشرع في مكان العبادة هذه فتكون مبتدعاً. لو أن الإنسان ذبح أضحيته في يوم عيد الأضحى قبل الصلاة متعبداً لله بذلك، مع علمه بأن المشروع في الأضحية أن تكون بعد الصلاة لقلنا: هذا مبتدع؛ لأنه أتى بالعبادة في غير وقتها. ولو وقف بعرفة في غير يوم عرفة متعبداً لله بهذا الوقوف لقلنا: هذا مبتدع؛ لأنه أتى بالوقوف في غير زمنه. ولو حبس الإنسان نفسه على طاعة الله لكن في حجرة من بيته يريد بذلك الاعتكاف قلنا: هذا مبتدع؛ لأن الاعتكاف إنما يكون في المساجد؛ لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ). وكذلك الأفعال البدع فيها كثيرة حدث ولا حرج، لهذا نقول: القاعدة العامة في البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، فإذا قال قائل: هل كل البدع مذمومة؟ نقول: نعم كل البدع مذمومة؛ لقول أعلم الخلق وأصدق الخلق وأنصح الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعة ضلالة)، كل بدعة هذه جملة من صيغ العموم التي هي من أقوى الصيغ، صادرة ممن هو أعلم الخلق بشرع الله وأصدق الخلق فيما يقول وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق في نطقه قال: (كل بدعة ضلالة)، ولم يقسمها إلى بدعة حسنة ولا بدعة سيئة، كل بدعة ضلالة، والضلالة سوء بلا شك، وأعتقد أنه لو كتبت هذه الجملة في كتاب وكتب في كتاب آخر: البدعة نوعان أو ثلاثة أنواع، لكان الذي يحكي الأقوال سيقول: قال فلان: كل بدعة ضلالة، وقسمها فلان إلى أقسام فجعل القول الأول مقابلاً للقول الثاني، ولم يجعل الثاني تقسيماً للأول، بل جعله قسيماً له. فإذا كان هذا يحصل في كلام العلماء بعضهم مع بعض أن من قال: كل بدعة ضلالة، فليس هو كقول من قال: إن البدعة تنقسم إلى كذا وكذا، بل هو قول مقابل له قسيم له، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال- وهو الحاكم على كل قول من البشر- قال: (كل بدعة ضلالة) بدون تفصيل ولا تقسيم. ولهذا نقول فيمن قسم البدعة إلى قسمين: حسنة وسيئة، نقول: هذا التقسيم خطأ؛ لأنه مصادم للنص، وما صادم النص فهو فاسد مردود على صاحبه. ولهذا قال العلماء: إن القياس إذا خالف النص فهو فاسد الاعتبار. ثم نقول لهذا الذي قسم البدعة إلى قسمين أو أكثر: إما أن يكون ما ذكرته ليس ببدعة، فينتفي عنه وصف البدعة، ثم قد يكون حسناً وقد يكون سيئاً؛ وإما أن يكون بدعة ولكنه ليس بحسن، وظنك أنه حسن ظن خاطئ؛ لأنه مصادم للنص. فإن قال قائل: أليس قد روي عن عمر رضي الله عنه أنه حين وجد الناس في رمضان في القيام على إمام واحد خرج ذات ليلة فقال: (نعمت البدعة هذه)؟ قلنا: بلى صح ذلك عن عمر، ولكن عمر رضي الله عنه سماها بدعة باعتبار ما سبقها من تفرق الناس، وإلا فهي سنة، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه جماعة في رمضان ثلاث ليال، ثم تركها وقال: خشيت أن تفرض عليكم. فلما زال هذا المحظور- وهو: أن تفرض علينا- صارت إعادتها سنة، فهو في الحقيقة تجديد سنة ليس إحداث سنة، فهي بدعة إذاً باعتبار ما سبق من كون الناس يصلون أوزاعاً. فإن قال قائل: لماذا غفل عنها أبو بكر وعمر في أول خلافته؟ قلنا: لا غرابة في ذلك، أبو بكر رضي الله عنه مدة خلافته قصيرة، هي سنتان وأربعة أشهر وأيام، وكان رضي الله عنه مشغولاً بشؤون المسلمين التي هي أكبر من هذا، أكبر من أن يجتمعوا في رمضان على إمام واحد؛ لأن أصل قيام رمضان سنة، ثم الاجتماع عليه سنة، فهو سنة في سنة، وأبو بكر مشغول بأمور المسلمين العامة داخل المدينة وخارج المدينة، فلا غرابة ألا تطرأ هذه على باله لا في خلافته ولا في خلافة عمر، وبهذا بطل تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة. فإن قال قائل: كيف نجيب عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)؟ فنقول: البدعة داخلة في قوله: ومن سن في الإسلام سنة سيئة، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (كل بدعة ضلالة). إذاً فمن ابتدع في الدين شيئاً فقد أساء، فيدخل في الجملة الثانية: (ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة )،أما الجملة الأولى: (من سن في الإسلام سنة حسنة) فيراد بها أمران: الأمر الأول: أي من بادر إلى فعلها، فيكون السن هنا بمعنى الامتثال؛ لأن الإنسان إذا امتثل فتح الطريق للناس، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ذلك حين حث المسلمين على الصدقة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت يده أن تعجز عنها، فألقاها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة). وهذا واضح في أن المراد من ابتدأ العمل بأمر مشروع فإنه يعتبر سانّاً له، أي قد سن الطريق للناس أن يقتدوا به، وهذا معروف بالفطرة والعادة: أن الإنسان يتأسى بغيره، وإذا رأى فلاناً فعل فعل مثله، أي يحمل على أن المراد: من سن في الإسلام سنة حسنة أي: من سن شيئاً من الوسائل التي يكون فيها تحقيقٌ للمصالح الشرعية، فهذه سنة لا شك. مثلاً سن تأليف الكتب، وتأليف الكتب غير موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، نفس القرآن ليس مكتوباً على هيئته اليوم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، أخذ من صدور الرجال ومما كتب في عسب النخل واللخاف- وهي: الحجارة الخفيفة- وما أشبه ذلك، لكن جمع في مصحف في عهد عثمان في مصحف واحد، هذه سنة حسنة؛ لأنها وسيلة لاجتماع الناس على أمر مشروع. بناء المدارس غير موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان فيه الصفة لفقراء المهاجرين، لكن على الشكل المعهود؟ لا، هذه من السنة الحسنة؛ لأنها وسيلة من باب الوسائل إلى تحصيل أمر مشروع، فهذا هو الذي يحمل عليه قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة). ولا يمكن أن يراد بها: من شرع شريعة لم يشرعها الله ورسوله؛ لأنه لو كان هذا هو المراد لكان يناقض قوله عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة)، وكلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفسر بعضه بعضاً. وإنما أطلت في جواب هذا السؤال لأنه مهم، ولأن كثيراً من الناس قد تشتبه عليه بعض النصوص وكيفية الجمع بينها، فكان لابد من الإيضاح. ثم إني في ختام هذا الجواب أقول لإخواني- وأخص بذلك طلبة العلم-: إذا جاءتهم نصوص مشتبهة تحتمل معانيَ متعددة، سواء كانت من القرآن أو من السنة فإن الواجب حملها على المحكم الواضح الذي لا اشتباه فيه، فتحمل على الاحتمال الذي يوافق ذلك المحكم وتلغى الاحتمالات الأخرى، حتى ولو كان احتمال هذا النص المشتبه لهذه الاحتمالات على حد سواء، فإن النصوص المحكمة ترجح أحد الاحتمالات وهو ما وافق النصوص المحكمة. وهذه الطريقة- أعني: رد المتشابه إلى المحكم- هي طريقة الراسخين في العلم المؤمنين بالله وكتبه، يقول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) منه: أي بعضه، فمن هنا للتبعيض، آيات محكمات: أي لا اشتباه فيها، هن أم الكتاب: أي مرجع الكتاب الذي يجب أن يرد إليه ما تشابه (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فيها احتمالات. (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)أي ميل عن الحق (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) ويأتون بالمتشابه ليضربوا القرآن بعضه ببعض فيجعلوه متشابهاً. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)يعني وأما (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) وإيمانهم به يقتضي أن يردوا المتشابه إلى المحكم حتى يكون محكماً (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) يعني: فلا تناقض فيه (ومَا يذكرُ إلا أولوا الألباب), فهناك آيات مشتبهة تشتبه على القارىء، قد تشتبه على طالب العلم الذي لم يدرك، لكن الواجب رد هذه المتشابهات إلى المحكم لتكون محكمة. ولا حاجة أن أذكر شيئاً من الأمثلة على ذلك، أخشى أن يطول بنا الوقت أكثر مما ينبغي أن يستوعبه السامع، وأسأل الله أن يميتنا على سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فضيلة الشيخ: متى ظهرت البدعة ومتى عرفت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البدع ظهرت في أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم، لكنها تجدها بدعاً في مسائل معينة، ثم انتشرت حتى وصلت إلى العقيدة في الله عز وجل. ظهر في عهد الصحابة رضي الله عنهم بدعة القدر، وهو: إنكار قدر الله عز وجل فيما يتعلق بأعمال المخلوق، وجاءت بدعة الإرجاء، ثم جاءت بدعة جهمية: إنكار الصفات أو بعضها. ومن أراد أن يستزيد من ذلك فليرجع إلى مظانه من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية أو تلميذه ابن القيم.
***
ما هي البدعة؟ وهل لها أقسام؟ وكيف أعرف أن هذا العمل مُبتدَع؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة في اللغة: كل شيء يأتي به الإنسان لم يسبقه إليه أحد. هذه البدعة، هذا في اللغة، سواءٌ كان في العادات أو في المعاملات أو في العبادات. ولكن البدعة الشرعية المذمومة هي البدعة في العبادات، بأن يتعبد الإنسان لله عز وجل بما لم يشرعه، سواءٌ كانت هذه العبادة تتعلق بالعقيدة أو تتعلق بقول اللسان أو تتعلق بأفعال الجوارح. فالبدعة شرعاً هي التعبد لله بما لم يشرعه. هذه البدعة شرعاً. وبناءً على ذلك فنقول: إذا كان الشيء يفعل لا على سبيل التعبد، وإنما هو من العادات، ولم يرد نهيٌ عنه فالأصل فيه الإباحة، وأما ما قصد الإنسان به التعبد والتقرب إلى الله فإن هذا لا يجوز إلا إذا ثبت أنه مشروع. هذه هي القاعدة في البدعة. وأما تقسيم بعض العلماء رحمهم الله البدعة إلى أقسام فإن هذا التقسيم لا يرد على البدعة الشرعية؛ لأن البدعة الشرعية ليس فيها تقسيم إطلاقاً، بل هي قسمٌ واحد حدده رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (كل بدعةٍ ضلالة). وجميع من يعرف اللغة العربية وأساليبها يعلم أن هذه الجملة جملةٌ عامة شاملة لا يستثنى منها شيء، كل بدعةٍ ضلالة، والقائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه من قواعد الشريعة. ولكن إذا ظن ظانٌ أن هذه بدعة وأنها حسنة فهو مخطئٌ في أحد الوجهين: إما أنها ليست ببدعة وهو يظن أنها بدعة، كما لو قال: تصنيف السنة وتبويبها هذا بدعة لكنه بدعةٌ حسنة، أو قال: بناء المدارس بدعة لكنه بدعةٌ حسنة أو ما أشبه ذلك، نقول: أنت أخطأت في تسمية ذلك بدعة؛ لأن فاعل ذلك لا يتقرب إلى الله تعالى بنفس الفعل، لكن يتقرب إلى الله بكونه وسيلةً إلى تحقيق أمرٍ مشروع. فتصنيف الكتب مثلاً وسيلة إلى تقريب السنة وتقريب العلم، فالمقصود أولاً وآخراً هو السنة وتقريبها للناس، وهذا التصنيف وسيلة إلى قربها إلى الناس فلا يكون بدعةً شرعاً؛ لأنك لو سألت المصنف قلت: تصنف هذا الكتاب على أبواب وفصول تتعبد إلى الله بهذا التصنيف، بحيث ترى أن من خالفه خالف الشريعة؟ أو تتقرب إلى الله تعالى بكونه وسيلةً إلى مقصودٍ شرعي، وهو: تقريب السنة للأمة؟ سيقول: إني أقصد الثاني لا أقصد الأول. وبناءً على هذا نقول: إن تصنيف الكتب ليس ببدعةٍ شرعية، كذلك أيضاً بناء المدارس للطلاب هذا أيضاً ليس موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه وسيلةٌ إلى أمرٍ مقصودٍ للشرع، وهو: القيام بمعونة للطالب ليتفرغ للعلم، فهو ليس في ذاته عبادة ولكنه وسيلة. ولهذا تجد الناس يختلفون في بناء المدارس: بعضهم يبنيها على هذه الكيفية، وبعضهم يبنيها على هذه الكيفية، ولا يرى أحد الطرفين أن الآخر مبتدعٌ لكونه أتى بها على وجه مخالف للمدرسة الأخرى؛ لأن الكل يعتقد أن هذه وسيلة ليست مقصودةً لذاتها، إذاً هذا ليس ببدعة لكنه وسيلةٌ إلى عملٍ مشروع. ولو قال قائل: أنا أريد أن أحدث في الليلة التي يزعمون أنها الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدث صلوات على الرسول عليه الصلاة والسلام وثناءً عليه وأحتفل بهذه الليلة؛ لأن الثناء على الرسول عليه الصلاة والسلام والصلاة عليه عبادة لا شك، فأفعل هذا إحياءً لذكراه، وهذا حسن إحياء ذكرى الرسول في القلوب حسن، فتكون هذه بدعة حسنة. فنقول: هذه بدعة؛ لأنها نفسها قربة، فالصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام قربة، والثناء عليه قربة، وإحياء ذكراه في القلوب قربة؛ لكن تخصيصها في هذا الوقت المعين بدعة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يفعله ولم يسنه لأمته، لا بقوله ولا بإقراره ولا بفعله، وكذلك الخلفاء الراشدون، ولم تحدث بدعة الاحتفال بالمولد إلا في القرن الرابع بعد مضي ثلاثمائة سنة من الهجرة، وعلى هذا فإذا قال لنا هذا الرجل: هذه بدعة حسنة. قلنا: صدقت في قولك: إنها بدعة، ولكنها ليست بحسنة؛ لأنها عبادةٌ على غير ما شرع الله ورسوله. وبهذا علمنا أن من قال: إن من البدع ما هو حسن فإنه مخطئٌ في أحد الوجهين: إما أنه ليس ببدعة وهو حسن كما مثلنا في تصنيف الكتب وبناء المدارس وما أشبه ذلك، هو حسن لكنه ليس ببدعة؛ لأن الإنسان لا يتعبد لله تعالى بهذا الشيء. وإما أنه بدعة لكنه ليس بحسن، كالاحتفال بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه لا شك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكره بالثناء الحسن بدون غلوٍ لا شك أنه قربى إلى الله عز وجل، سواءٌ فعل في تلك الليلة أم في غيرها، فتخصيصه في تلك الليلة يكون بدعة، وهو غير حسن؛ لأنه لم يكن مشروعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد الخلفاء الراشدين ولا الصحابة ولا التابعين، مع أن الشريعة انقطعت بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، أي انقطع التغيير والتجديد فيها والحذف بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا ما كان داخلاً تحت القواعد الشرعية فهذا يكون قد أتت به الشريعة من قبل وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام. وعلى هذا فلا تقسيم للبدعة، كل بدعةٍ في الدين فإنها ضلالة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومن المعلوم لنا جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بشريعة الله، وأنه صلى الله عليه وسلم أنصح الخلق لعباد الله، وأنه صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق في بيانه وبلاغته عليه الصلاة والسلام، إذا كان كلامه صادراً عن علمٍ تام وعن نصحٍ تام وعن بلاغةٍ تامة فكيف يمكن أن نقول: إن من البدع ما هو حسن، وهو قد قال: (كل بدعةٍ ضلالة)؟ وليعلم أن كلام الله وكلام رسوله مشتملٌ على الأوصاف التي توجب القبول بدون تردد، أولها: العلم، وثانيها: الصدق، وثالثها: الإرادة، ورابعها: البلاغة. هذه مقومات الأخبار وموجبات صدقها فكلام الله وكلام رسوله لا شك أنه عن علم، وكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا شك أنه عن إرادة خير، كما قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)، (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا). وكلام الله وكلام رسوله في غاية الصدق: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً). وكلام الله ورسوله أبلغ الكلام وأفصح الكلام، فأفصح الكلام وأبلغه كلام الله، وأفصح كلام الخلق وأبلغه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***
السائل من جمهورية مصر العربية خالد خ يقول في هذا السؤال: ما هي أقوال الفقهاء في البدعة؟ وهل هناك بدعة حسنة وأخرى سيئة؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. فالبدعة في العقيدة: أن يخالف ما كان عليه السلف الصالح، سواء كان ذلك في ذات الله عز وجل أو في صفاته وأفعاله، فمن قال: إن الله تعالى ليس له يد حقيقة، ولكن يده هي قوته أو قدرته أو نعمته كان مبتدعاً، أي: قال قولاً بدعياً، وذلك لأن السلف الصالح لم يفسروا اليد التي أضافها الله لنفسه بهذا أبداً، لم يرد عنهم حرف صحيح ولا حتى ضعيف أنهم فسروا اليد بغير ظاهرها. وعلى هذا فيكون السلف مجمعين على أن المراد باليد هي اليد الحقيقية، وذلك أنهم يتلون القرآن ويقرؤون ما جاءت به السنة في هذا، ولم يرد عنهم حرف واحد أنهم صرفوا النص عن ظاهره، وهذا إجماع منهم على أن المراد بظاهره حقيقة ما دل عليه. وكذلك قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فإن معناه إذا تعدت بعلى: العلو على الشيء علواً خاصاً، فيكون استواء الله على عرشه علوه عز وجل عليه على وجه خاص يليق بجلاله وعظمته لا نعلم كيفيته، فمن قال: إن استوى بمعنى استولى وملك وقهر فقد ابتدع؛ لأنه أتى بقول لم يكن عليه السلف الصالح، ونحن نعلم أن السلف الصالح مجمعون على أن استوى على العرش أي علا عليه العلو الخاص اللائق بجلال الله عز وجل بدون تكييف ولا تمثيل؛ لأنه لم يرد عنهم حرف واحد يخرج هذا اللفظ عن ظاهره، وهذا اللفظ بظاهره معناه ما ذكرنا؛ لأن هذا هو معناه في اللغة العربية التي نزل القرآن بها، كما قال الله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وقال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بلسانٍ عربي مبين). فاعتقاد ما يخالف عقيدة السلف بدعة. كذلك من الأقوال ما ابتدع، فهناك أذكار رتبها من رتبها من الناس ليست على حسب الترتيب الشرعي الذي جاء عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتكون بدعة، سواء كانت بدعة في صيغتها أو في هيئتها أو في هيئة الذاكر عند ذكره أو غير ذلك، هناك أيضاً أفعال ابتدعها من؟ ابتدعها الناس، أحدثوا شيئاً لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه من الأفعال فهذه بدعة. إذاً فضابط البدعة بالخط العريض هو: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه الله، إما بعقيدته أو قوله أو فعله، هذه هي البدعة. والبدعة لا يمكن تقسيمها إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة أبداً، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل بدعة ضلالة)، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق، وأعلم بما يريد في كلامه، ولا يمكن أن يقول لأمته: (كل بدعة ضلالة) وهو يريد أن بعض البدع حسن وبعضها ضلالة، أبداً؛ لأن من قال: كل بدعة ضلالة وهو يريد أن البدع منها ما هو حسن ومنها ما هو ضلالة كان ملبساً على الناس غير مبين لهم، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ). وقال تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ). فلا بلاغ أبلغ من بلاغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يقسم البدعة إلى قسمين ولا إلى ثلاثة ولا إلى أربعة ولا إلى خمسة، بل جعلها قسماً واحداً محاطاً بالكلية العامة: (كل بدعة ضلالة). وما ظن بعض الناس أنه بدعة وهو حسن فإنه ليس ببدعة قطعاً، وما ظنوا أنه حسن وهو بدعة فليس بحسن، فلابد أن تنتفي إما البدعة وإما الْحُسْن، أَمَّا أن يجتمع بدعة وحسن فهذا لا يمكن مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة). فإن قال قائل: أليس عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثنى على البدعة في قوله- حين أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يصلىا للناس بإحدى عشرة ركعة، فخرج ذات يوم وهم، أي: الناس مجتمعون على إمامهم فقال-: (نعمت البدعة هذه)؟ قلنا: بلى، لكن هل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فعله هذا خالف سنة الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لا لم يخالف، بل أحياها بعد أن كانت متروكة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قام بأصحابه في رمضان ثلاث ليال أو أربعاً، ثم تخلف وعلل تخلفه بأنه خشي بأن تفرض علينا، ومعلوم أن هذه الخشية قد زالت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا وحي بعد موته عليه الصلاة والسلام، لكن بقي الناس في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يصلون أوزاعاً: الرجلان جميعاً، والثلاثة جميعاً، والواحد وحده؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه كان مشتغلاً بحروب الردة وغيرها، وكانت مدة خلافته قصيرة سنتين وأربعة أشهر أو نحو ذلك، لكن عمر رضي الله عنه طالت به المدة وتفرغ لصغار الأمور وكبارها رضي الله عنه، وأتى بكل ما يحمد عليه جزاه الله عن أمة محمد خيراً، فكان من جملة ما أتى به أنه أعاد تلك السُّنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم شرعها لأمته، ولكنه تخلف خوفاً من أن تفرض، فهي بدعة نسبية، أي: بدعة بالنسبة لتركها في المدة ما بين تخلف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإعادتها من عمر رضي الله عنه. لكن هنا مسألة قد يظنها بعض الناس بدعة وليست ببدعة، وهي: الوسائل التي يتوصل بها إلى مقصود شرعي، فإن هذه قد تكون حادثة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام لكنها لا تعد بدعة؛ لأن المقصود والغاية ما كان مشروعاً، فما كان وسيلة للمشروع فهو منه، والمشروع قد أراد الله ورسوله مِنَّا أن نفعله بأي وسيلة كانت إذا لم تكن الوسيلة محرمة لذاتها. فمثلاً تصنيف الكتب وترتيب الأبواب والفصول، والكلام على تعريف الرجال، وكتابة الفقه وتبويب المسائل، وما حدث في زمننا أخيراً من مكبرات الصوت وآلات الكهرباء وغيرها، هذه لم تكن معروفة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنها وسيلة لأمر مقصود للشارع أمر به. فمثلاً استماع الخطبة يوم الجمعة أمر مأمور به، حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ومن قال له: أنصت فقد لغا). فهل نقول: إن اتخاذ مكبر الصوت ليسمع عدد أكبر من البدعة المحرمة أو المكروهة؟ لا نقول هذا، بل ولا يصح أن نسميها بدعة أصلاً؛ لأنه وسيلة لفعل سنة، ومن القواعد المقررة عند العلماء أن الوسائل لها أحكام المقاصد. وخلاصة الجواب أن نقول: البدعة أن يتعبد الإنسان لله بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، وإنَّ (كل بدعة ضلالة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّ البدعة لا تنقسم إلى حسن وسيئ، وإن الوسائل لأمور مشروعة ليست من البدع، وإنما هي وسائل يتوصل بها إلى أمر مشروع.
***
يقول: هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أعوذ بالله! أبداً ما فيه بدعة حسنة، وقد قال أعلم الخلق بالشريعة وأفصح الخلق بالنطق وأنصح الخلق للخلق قال: (كل بدعة ضلالة). و(كل) من ألفاظ صيغ العموم، بل هي أقوى صيغ العموم قال: (كل بدعة ضلالة) ولم يستثن شيئاً. وما فعله الإنسان وظنه بدعة حسنة: فإما ألا يكون بدعة لكن هو سماه بدعة، وإما ألا يكون حسنة وهو ظنها حسنة. أما أن يتفق أنها بدعة وحسنة فهذا مستحيل، ولذلك ننكر على أولئك القوم الذين رتبوا أذكاراً معينة يقولونها في الصباح أو المساء فرادى أو جماعة، ننكر عليهم حيث رتبوا أشياء لم ترد بها السنة، مع أنهم يستحسنونها ويرون أنها فاضلة.
***
يا شيخ هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال هكذا نقول: لا، ما فيه بدعة حسنة ولا سيئة، كيف يمكن أن نقول هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعةٍ ضلالة)؟ ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالبدع، وأنه أنصح الخلق للخلق، وأنه أفصح الخلق فيما يقول، فيكف يقول: (كل بدعةٍ ضلالة) بهذا التعبير العام الشامل ثم نقول: من البدع ما هو حسن ومن البدع ما هو قبيح؟ ولكننا نقول: كل بدعة إذا ظنها الإنسان حسنة فإما أن لا تكون بدعة وهو يظن أنها بدعة، وإما أن لا تكون حسنة وهو يظن أنها حسنة، فيكون خطأ إما في الأصل وإما في الحكم. يعني: إما أن تكون غير بدعة وهو يظن أنها بدعة وقال: إنها حسنة، وإما أن تكون بدعة وظنها هو حسنة وليست بحسنة. فأصحاب الطرق الذين ابتدعوا في الأذكار ما لم يشرعه الله ورسوله، هؤلاء يظنون أنها حسنة ويقولون: إنها بدعة حسنة، فنقول له: لا والله ليست بدعة حسنة، بل ما دمتم اعترفتم بأنها بدعة يجب أن تعترفوا بأنها ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإن قال قائل: ألم يصح عن عمر رضي الله عنه أنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يجمعا الناس في رمضان على إمامٍ واحد، وأمر أبياً وتميماً الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة؟ فالجواب: بلى أمرهم بذلك، وخرج ذات ليلة والناس يصلون على إمامٍ واحدٍ فقال: (نعمت البدعة هذه) فأثنى على هذه البدعة. فالجواب: أن هذه البدعة ليست بدعةً في الواقع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثبت عنه أنه صلى بالناس ثلاث ليالٍ في رمضان، ثم تخلف وقال: خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. إذاً فصلاة قيام رمضان جماعة سنة، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تركها خوفاً من أن تفرض على الأمة فتعجز عنها، وبعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زال هذا الخوف ولا يمكن بعده تشريع، لكن بقي الناس في عهد أبي بكر رضي الله عنه يصلون فرادى ومثنى وثلاث ورباع، ثم إن عمر رضي الله عنه رأى أن يجمعهم على إمامٍ واحد وقال: (نعمت البدعة) يعني: باعتبار ما سبقها، حيث إن الناس تركوا الجماعة في قيام رمضان ثم استؤنفت الجماعة، فهي بدعة بالنسبة لما سبقها من تركها، وليست بدعةً مستقلة لم تكن مشروعة من قبل. هذا من وجه، من وجهٍ آخر أنه- وإن سماها بدعة رضي الله عنه- فهي من سنته، وسنة الخلفاء الراشدين متبعة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي). لكن الوجه الأول هو الجواب الذي لا محيد عنه، وهو: أن عمر سماها بدعة باعتبار ترك الناس لها ثم العودة إليها.
***
يقول: هل هناك تسمية تسمى بدعة حسنة وبدعة سيئة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن يقال عن البدعة في دين الله: إنها بدعةٌ حسنـة أبداً، مع قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعةٍ ضلالة). فإن هذه الجملة- أعني: (كل بدعةٍ ضلالة)- صدرت من أفصح الخلق محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنصح الخلق وأعلم الخلق بشرع الله وأعلم الخلق بمدلول خطابه، وقد قال هذه الجملة العامة: (كل بدعةٍ ضلالة). فكيف يأتي إنسانٌ بعد ذلك فيقول: البدعة منها ما هو بدعةٌ سيئة ومنها ما هو بدعةٌ حسنة؟ وهل هذا إلا خروجٌ بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ظاهره؟ فالبدعة كلها بدعةٌ سيئة، والبدعة كلها ضلالة. لكن قد يستحسن الإنسان شيئاً يظنه بدعة وما هو ببدعة، وقد يستحسن شيئاً وهو بدعة يظنه حسناً وما هو بحسن، أما أن يجتمع كونه بدعة وكونه حسناً فهذا لا يمكن أبداً. فمثلاً قد يقول القائل: بناء المدارس بدعة؛ لأنها لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه بدعةٌ حسنة. فنقول: لا شك أن بناء المدارس حسن، لكنه ليس البدعة التي أرادها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ إن بناء المدارس وسيلة لتنظيم الدراسة وتهيئة الدروس للدارسين، وليس مقصوداً في ذاته، بمعنى: أننا لسنا نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أن البناء نفسه عبادة، ولكن نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أنها وسيلةٌ لحفظ العلم وتنظيم العلم، ووسيلة المقصود مقصودة، ولهذا كان من القواعد المقررة عند العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد. وربما يحتج محتج لقوله: إن من البدعة ما هو حسن، بما صح عن أمير المؤمنين رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في قيام رمضان على إمامٍ واحد، وكانوا قبل ذلك يصلون أفراداً أو على اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أوزاعاً، فجمعهم عمر رضي الله عنه على إمامٍ واحد، فخرج ذات ليلةٍ وهم يصلون فقال: (نعمت البدعة هذه). فإن هذه البدعة التي سماها عمر بدعة ليست بدعة جديدة، ولكنها بدعةٌ نسبية، فإنها كانت سنة فتركت ثم استجدت في عهد عمر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه في رمضان جماعة ثلاث ليال، ثم ترك ذلك وقال: (خشيت أن تفرض عليكم). فترك الناس الجماعة على إمام واحد، وصاروا يصلون أفراداً وأوزاعاً إلى عهد عمر رضي الله عنه، وعلى هذا فيكون عمر قد أعاد ما كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجدده، ولم ينشيء الجماعة لقيام رمضان إنشاءً جديداً. وعلى هذا فتكون هذه البدعة بدعةً بالنسبة لما سبقها من تركها، لا بالنسبة لإنشاء مشروعيتها؛ لأن عمر رضي الله عنه أفقه وأورع وأبعد عن أن يشرع في دين الله ما لم يشرعه الله ورسوله. وخلاصة القول: أنه لا يمكن أن تكون البدعة الشرعية تنقسم إلى قسمين حسنة وسيئة مع قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل بدعةٍ ضلالة)، وأن ما ظنه بعض الناس بدعةً وهو حسن فإن ظنه إياه بدعة خطأ، وما ظنه الإنسان حسناً وهو بدعة حقيقةً فإن ظنه أنه حسن خطأ.
***
المستمع من إثيوبيا يقول: تقسيم العلماء الكبار للبدعة إلى خمسة أقسام والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). ما رأيكم في هذا يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا قول لأحد بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بدين الله، وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق فيما يقول. وإذا ثبتت هذه الأمور الثلاثة التي مقتضاها أن يكون كلامه هو الحق الذي لا يمكن أن يعارضه شيء من كلام الناس فإننا نقول: كل هذه التقاسيم التي قسمها بعض أهل العلم مخالفة للنص يجب أن تكون مطرحة، وأن يؤخذ بما دل عليه النص، وكل من قال عن البدعة: إنها حسنة فإنها إما ألا تكون بدعة لكنه لم يعلم أنها ليست بدعة، وإما أن لا تكون حسنة لكنه ظنها حسنة، أما أن تكون بدعة حقيقة وحسنة فإن هذا لا يمكن أبداً؛ لأن هذا يقتضي تكذيب خبر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (كل بدعة ضلالة)، ومن المعلوم أن الضلالة ليس فيها حسن أبداً بل كلها سوء وكلها جهل، فمن ظن أن بدعة من البدع حسنة فإنه لا يخلو من إحدى الحالين اللتين ذكرناهما آنفاً، وهما: إما ألا تكون بدعة وإما ألا تكون حسنة، وإلا فكل بدعة سيئة وضلالة وليست بحسنة. فإن قلت: ما الجواب عن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه- حين جمع الناس في قيام رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري، وأمرهما أن يصلىا بالناس إحدى عشرة ركعة، ثم خرج والناس يصلون فقال-: (نعمت البدعة هذه)، فسماها عمر بدعة وأثنى عليها بقوله: نعمت البدعة؟ فالجواب: أن عمر لم يسمها بدعة لأنها بدعة محدثة في دين الله، ولكنها مجددة، فسماها بدعة باعتبار تجديدها فقط، وإلا فإنها ثابتة بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس ثلاث ليالٍ في رمضان، ثم تأخر عليه الصلاة والسلام في الليلة الرابعة وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم)، ومقتضى هذا أنها سنة، لكن تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن ملازمتها لئلا تفرض على الناس فيلتزموا بها. وبهذا يتبين أن قيام الناس في رمضان جماعة في المساجد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومن سنته، وليس من بدع عمر بن الخطاب كما يظنه من لا يفهم الخطاب.
***
هذه رسالة من المرسل ك ع ب من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية محافظة حضرموت يقول: ما هي البدعة وما هي أقسامها؟ وهل تقسيمها إلى خمسة أقسام كما قسمها الشيخ العز بن عبد السلام صحيح؟ وماذا يقصده ابن عبد السلام بتقسيمه للبدعة؟ أفيدونا بذلك جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة في اللغة العربية فعلة من البدع، وهو اختراع الشيء على غير مثال سَبَقَ، ومنه قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي مبدعهما؛ لأنه سبحانه وتعالى خلقهما على غير مثال سَبَقَ. هذا معنى البدعة في اللغة العربية. أما البدعة في الشرع فإنها: كل عقيدة أو قول أو عمل يتعبد به الإنسان لله عز وجل وليس مما جاء في شريعة الله سبحانه وتعالى. أقول: البدعة الشرعية ليس لها إلا قسم واحد، بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة). فكل بدعة في الشرع فإنها ضلالة، لا تنقسم إلى أكثر من ذلك، وهذه البدعة التي هي ضلالة سواء كانت في العقيدة أم في القول أم في العمل هي مردودة على صاحبها غير مقبولة منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث عائشة: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). إذاً فالبدعة الشرعية لا تنقسم لا إلى خمسة أقسام ولا إلى أكثر ولا إلى أقل، إلا أنها قسم واحد بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم الخلق بما يقول، وأنصح الخلق فيما يوجه إليه، وأفصح الخلق فيما ينطق به، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم غني عن التعقيد، وليس فيه شيء من التعقيد، وهو بيِّن واضح. وتقسيم البدعة عند بعض أهل العلم كالعز بن عبد السلام وغيره إنما قسموها بحسب البدعة اللغوية التي يمكن أن نسمي الشيء فيها بدعاً، وهو في الحقيقة ليس من الشرع؛ لدخوله في عمومات أخرى، وحينئذٍ فيكون بدعة من حيث اللغة وليس بدعة من حيث الشرع. وإني أقول للأخ السائل ولغيره: إن تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام أو أكثر أو أقل فهم منه بعض الناس فهماً سيئاً، حيث أدخلوا في دين الله ما ليس منه، بحجة أن هذا من البدعة الحسنة، وحرفوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: إن معنى قوله: (كل بدعة ضلالة): أي كل بدعة سيئة فهي ضلالة، وهذا لا شك أنه تعقيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستلزم نقصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيان؛ لأننا لو قلنا: إن الحديث على تقدير: كل بدعة سيئة ضلالة، لم يكن للحديث فائدة إطلاقاً؛ لأن السيئة سيئة وضلالة سواء كانت بدعة أو غير بدعة، كالزنى مثلاً معروف في الشرع أنه محرم، وتحريمه ليس ببدعة، ومع ذلك نقول: إنه من الضلال وإنه من العدوان. فالذين يقدرون في الحديث: كل بدعة سيئة ضلالة، هؤلاء لا شك أنهم اعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنقصوا بيانه عليه الصلاة والسلام، ولا ريب أن الرسول عليه الصلاة والسلام أعظم الناس بياناً وأفصحهم مقالاً وأنصحهم قصداً وإرادة، وليس في كلامه عي، وليس في كلامه خفاء، أقول: إن هذا التقسيم الذي ذهب إليه العز بن عبد السلام وبعض أهل العلم أوجب إلى أن يفهم فهماً سيئاً من بعض الناس الذين هم طفيليون على العلم، ومن أجل ذلك حرفوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإني أقول وأكرر: إن كل بدعة في دين الله فإنها ضلالة، ولا تنقسم البدعة الدينية إلى أقسام، بل كلها شر وضلالة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث فيما رواه النسائي: (وكل ضلالة في النار). فعلى المرء أن يكون متأدباً مع الله ورسوله، لا يقدم بين يدي الله ورسوله، ولا يدخل في دين الله ما ليس منه، ولا يشرع لنفسه مالا يرضاه؛ لأن الله يقول: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً). فكل ما قدر أن يتعبد به المرء لربه وليس مما شرع الله فإنه ليس من دين الله، وإنما أطلت على هذا الجواب لأنه مهم، ولأن كثيراً من الناس الذين يريدون الخير انغمسوا في هذا الشر- أعني: شر البدع- ولم يستطيعوا أن يتخلصوا منه، ولكنهم لو رجعوا إلى أنفسهم وعلموا أن هذا- أعني: سلوك البدع في دين الله- يتضمن محظوراً عظيماً في دين الله، وهو: أن يكون الدين ناقصاً؛ لأن هذه البدع معناها أنها تكميل لدين الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ولا شك أنها نقص في دين الإنسان، وأنها لا تزيده من الله تعالى إلا بعداً. والله الموفق.
***
ما هي البدع التي تخرج عن ملة الإسلام؟ وما هي البدع التي دون ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الضابط في هذا: أن البدعة إذا كانت تناقض الإسلام، أو تستلزم القدح في الإسلام فإنها بدعة مكفرة، وأما إذا كانت دون ذلك فهي بدعة مفسقة. فمن البدع التي لا تكفر ما استحدثه بعض الناس من صيغ أذكار معينة أو أوقات عينوها للذكر لم ترد السنة بتعيينها، وهي في الأصل مشروعة، ولكن قيدوها بزمن لم تتقيد به في القرآن والسنة. وأما البدع المكفرة التي تسلتزم نقص الخالق أو نقص الرسول أو نقص نقلة الشريعة كالصحابة رضي الله عنهم فإن هذه بدع مكفرة. والمهم: أن ما يناقض الإسلام من البدع فهو بدعة مكفرة، وما لا يناقضه فهو بدعة دون التكفير.
***
هذه رسالة من السائل عبد الله عبد الرحمن محمد من محافظة عدن يقول: كيف تكون معاملة من يبتعد عن السنة ويبتدع في الدين ما ليس منه، ادعاء خشية الفتنة من العامة، وأن ذلك استدراج لتأليف قلوبهم كما يدعي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معاملة هذا المبتدع الذي يبتدع في الدين ما ليس منه ليرضي عباد الله: أن ينصحه عن هذا العمل؛ لأنه عمل محرم، والله سبحانه وتعالى يقول: (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي). ولا يمكن أن يداهن عباد الله في أمر لم يشرعه الله، فالواجب عليه التوبة إلى الله من هذا الأمر، وأن يسير على دين الله سبحانه وتعالى، وعلى الهدي الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، سواء رضي الناس بذلك أم لم يرضوا. لكن الأمور المجهولة لدى الناس من السنة ينبغي للإنسان أن يمهد لها تمهيداً يتألف به الناس قبل أن يظهرها لهم ويفعلها ولا يدعها، ولكنه إذا خاف من نفور الناس فإنه يمهد لذلك ويدعوهم بالحكمة حتى يطمئنوا بها وتنشرح بها صدورهم. وأما ترك السنة مراعاة لهم فهذا لا ينبغي، أو ابتداع شيء في دين الله مراعاة لهم فهذا أمر لا يجوز.
***
هل يجازى صاحب البدعة الجاهل على حسن نيته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجازى على حسن نيته، ولكن إن تبينت له السنة وجب عليه اتباعها. والدليل على أنه يجازى على حسن نيته قصة الرجلين اللذين بعثهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحضرت الصلاة فلم يجدا الماء، فتيمما وصلىا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأحدهما توضأ وأعاد الصلاة والثاني لم يتوضأ ولم يعد الصلاة. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبراه قال للذي لم يعد: أصبت السنة، وقال للآخر: لك الأجر مرتين. فحكم للآخر بالأجر على فعل الأول والثاني مع أنه خلاف السنة، والله تبارك وتعالى يقول: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) يعني العدل، فيعطى الإنسان على حسب نيته وعمله، فإذا كان جاهلاً وفعل شيئاً يعتقده عبادة وليس بعبادة أثيب على نيته، لكن إذا بانت له السنة يجب عليه اتباعها.
***
عبد الصمد عبد الرحيم يقول: هل تطبيق البدعة يعاقب أم يثاب عليها مطبقها؟ وخاصة الصلاة والسلام على النبي بعد الأذان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). وإذا كان كذلك فإن البدعة سواء كانت ابتدائية أم استمرارية يأثم من تلبس بها؛ لأنه كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (في النار)، أعني: أن الضلالة هذه تكون سبباً للتعذيب في النار، وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام حذر أمته من البدع فمعنى ذلك أنها مفسدة محضة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عمم ولم يخص، قال: (كل بدعة ضلالة). ثم إن البدع في الحقيقة هي انتقاد غير مباشر للشريعة الإسلامية؛ لأن معناها أو مقتضاها أن الشريعة لم تتم، وأن هذا المبتدع أتمها بما أحدث من العبادة التي يتقرب بها إلى الله كما زعم، وعليه فنقول: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والواجب الحذر من البدع كلها، وأن لا يتعبد الإنسان إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون إمامه حقيقة، أي: ليكون الرسول صلى الله عليه وسلم إمامه حقيقة؛ لأن من سلك سبيل بدعة فقد جعل المبتدع إماماً له في هذه البدعة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السلام عليكم.
عيد مبارك للجميع غفر الله لنا و لكم و تقبل الله منا و منكم أخلص الأعمال اللهم أمين.
بارك الله فيك أختي على هذا العمل و أرجو من الله عز وجل أن يجعله في ميزان حسناتك.
و لكن أختي أرى أنه يجب أن تتريثي حتى يتمكن المطلع على أستعاب هذا الكم الهائل من الحقائق و الفوائد.
وبناءا على هذا أود أن أقترح عليكي مايلي
أجعلي مواضيعكي على شكل حلقات ذات فقرات ملخصة مختصرة مع حجم كبير للخط حتى لا يمل القارئ.
لأني يأختي لا أرى من يهتم كثيرا لأمر التوحيد في هذا المنتدى.
قال تعالى : (( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ))
قال تعالى : (( أن تقول نفس ياحسرتا على مافرطت في جنب الله ))
:19:
جزائرــــية
2009-09-21, 15:04
السلام عليكم.
عيد مبارك للجميع غفر الله لنا و لكم و تقبل الله منا و منكم أخلص الأعمال اللهم أمين.
بارك الله فيك أختي على هذا العمل و أرجو من الله عز وجل أن يجعله في ميزان حسناتك.
و لكن أختي أرى أنه يجب أن تتريثي حتى يتمكن المطلع على أستعاب هذا الكم الهائل من الحقائق و الفوائد.
وبناءا على هذا أود أن أقترح عليكي مايلي
أجعلي مواضيعكي على شكل حلقات ذات فقرات ملخصة مختصرة مع حجم كبير للخط حتى لا يمل القارئ.
لأني يأختي لا أرى من يهتم كثيرا لأمر التوحيد في هذا المنتدى.
قال تعالى : (( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ))
قال تعالى : (( أن تقول نفس ياحسرتا على مافرطت في جنب الله ))
:19:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
عيدكم أسعد وتقبل الله منا ومنكم
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على النصيحة
لقد جاءت على بالي هذه الفكرة
ولكن المشكلة هو الدراسة
لم يعد لدي وقت كثير للاتصال لهذا أنا أسرع
لكن سأحاول إن شاء الله العمل بها
جزاك الله خيرا مرة أخرى
شر الكلاب الشيعة ايها الاخوة
http://www.djelfa.info/vb/attachment.php?attachmentid=7837&stc=1&d=1253461287جزاكم الله خيرا
http://www.djelfa.info/vb/images/icons/Hourse.gifفاثرنا به نقعا ووسطنا به جمعا
كورابيكا
2012-04-17, 10:12
:dj_17::dj_17::dj_17:
بارك الله فيك
موضوع متميز
ننتظر المزيد....
الجليس الصلح
2012-06-23, 16:24
شكراااااااا وبارك الله فيك على ما قدمت
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir