مشاهدة النسخة كاملة : ممــــــــــمن إعطائي هاذين المقالتين .
bilal10saifi
2015-05-27, 20:40
السلام عليكم
الطريقة جدلية
1- هل الحياة النفسية شعورية ام لا شعورية
2- هل الحق سابق على الواجب
ممكن من فضلكم تكون المقالتين ملخصتين
وشكرا .
bilal10saifi
2015-05-27, 22:16
من فضلكم ؟
" اكرام "
2015-05-27, 23:08
طرح المشكلة :يهتم علم النفس بدراسة مختلف الظواهر النفسية الصادرة عن الإنسان من ذاكرة و تخيل و عواطف و رغبات و ميول و هي أحوال باطنية و ذاتية لا يمكن التعرف عليها و إدراكها إلا بواسطة الشعور وهو معرفة النفس لأحوالها و أفعالها مباشرة ، غير أن هناك أحوالا نفسية باطنية أخرى لا ندرك حقيقتها و لا نشاطها و التي لها تأثير عميق على سلوكنا و هي تشكل ما يعرف باللاشعور، وهذا ما أدى إلى ظهور صراع و جدال بين علماء النفس و الفلاسفة حول أساس الحياة النفسية فالبعض يرى انه عن طريق الشعور يمكن فهم و تفسير كل الأحوال النفسية لكن البعض الآخر يرى أن هناك أفعالا تصدر عنا و لا نستطيع فهمها و تفسيرها بالشعور و الوعي و هو ما أدى إلى افتراض وجود اللاشعور و من هنا نتساءل: هل الشعور كاف لمعرفة و تفسير حياتنا النفسية؟ أم أن اللاشعور ضروري لتفسير ما لا نفهمه عن طريق الشعور؟ و بتعبير آخر هل أساس الحياة النفسية هو الشعور فقط أم أن هناك جوانب لا شعورية لابد من الاعتراف بها ؟
محاولة حل المشكلة :
عرض منطق الأطروحة: يرى أنصار علم النفس التقليدي و على رأسهم الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت DescartesRené( 1596-1650 ) و مواطنه آلان Alain (1868-1951 م) أنالحياة النفسية قائمة على الشعور وحده ، وهو الأساس الذي تقوم عليه ، فيكفيأن يحلل المرء شعوره ليتعرف بشكل واضح جلي على كل ما يحدث في ذاته من أحوالوخبرات نفسية وكل ما يقوم به من أفعال وسلوكات ، فالشعور هو أساس الحياةالنفسية ، وهو الأداة الوحيدة لمعرفتها ، وأن الشعور والنفس مترادفان ، ومنثـمّ فكل نشاط نفسي شعوري ، وما لا نشعر به فهو ليس من أنفسنا ، و قد انطلقوا من المسلمات التالية: الانطلاق من القاعدة الثنائية :النفس و الجسد ؛فكل ما هو شعوري نفسي و كل ما لاشعوري جسدي ، الشعور هو الأساس الوحيد للنفس.
الحجج و البراهين:و قد برروا موقفهم بالحجج التالية:
* فالحجة الأولى نجدها عند ديكارت الذي يتصور أن الإنسان يتكون من ثنائية الجسم و الروح( النفس) و أن النفس لا تنقطع عن التفكير إلا إذا تلاشى وجودها فهي تشعر بكل ما يجري داخلها من أحوال و انفعالات و عواطف كالفرح و الحزن و الغضب و أما الحوادث اللاشعورية فتتمثل فقط في بعض النشاطات الفيزيولوجية الآلية المرتبطة بالجسم و التي تحدث دون وعي منا كالدورة الدموية ؛و انقسام الخلايا و نبضات القلب ؛و حركة الرئتين و قيام المعدة بهضم الطعام؛ و عمل الدماغ و نمو الأظافر و الشعر؛ كلها وظائف تعمل من غير شعورنا بها فقد رفض علم النفس التقليدي إمكانية وجود لا وعي نفسي و اعتبر هذه العبارة متناقضة فاللاشعور هو جسدي أما النفسي فهو الشعور. يقول ديكارت: « لا توجد حياة نفسية خارج الروح إلا الحياة الفيزيولوجية » و يقول أيضا: « الشعور و النفس مترادفان »، وفي قول آخر: « النفس جوهر ميتافيزيقي بسيط يتكون من الشعور فقط ».
* والحجة الثانية منطقية في طابعها وهي مستمدة بالضبط من " كوجيتو ديكارت " القائل : » أنا أفكر ، إذن أنا موجود »Je pense donc je suis، وهذا يعني أن الفكر دليل الوجود ، وأنالنفس البشرية لا تنقطع عن التفكير إلا إذا انعدم وجودها، فكلمة الجسم عند ديكارت تعني شيئا ماديا يشغل مكانا و على ذلك فالجسم البشري هو مجرد « جسم » و تسير حجته على النحو التالي: * ٳنني موجود لا ريب في ذلك ( فهو أمر لا يمكن الشك فيه)،* و أن لي جسدا، ذلك أمر فيه شك ( يمكن الشك فيه ).* ذلك يعني أن وجودي مستقل عن الجسد.* و من ثم فإنني لا أستطيع أن أكون على يقين من أنني موجود عندما لا أفكر.* و على ذلك فوجودي و وجود نفسي يعتمد على تفكيري.* و إذن؛ فأنا من حيث الماهية( وهي الصفات الأساسية للشيء)، شيء مفكر أي أنني نفس، أو ذهن ، أو عقل.و لهذه الحجة المنطقية عدة نتائج منها أن وجودنا يعتمد تماما على وعينا و شعورنا فقط، و ما إن نكف عن التفكير فإننا عندئذ نختفي.و نتيجة أخرى هي أن أذهاننا أو أنفسنا تستمر في الوجود بعد أن تموت أجسادنا. يقول ديكارت : « إنني لست مقيما في جسدي كما يقيم الملاح في سفينته، ولكنني متصل به اتصالا وثيقا، ومختلط به بحيث أؤلف معه وحدة منفردة، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما شعرت بألم إذا أصيب جسدي بجرح، ولكني أدرك ذلك بالعقل وحده، كما يدرك الملاح بنظرة أي عطل في السفينة ».
* و كلمة شعور في اللغة اليونانية مأخوذة من اللفظ Conscientia، ويعني الوعي أو امتلاك وعيبشيء ما. أما بالنسبة للفظة الفرنسيةConscienceفتعني الفهم المباشر من طرف الفكر لذاته ؛ فعندما أفكر فأنا أعرف بالضرورة أنني أفكر أيضا ،فكيف أضمن أنني لا أحلم في الوقت ذاته الذي أكون فيه مستيقظا؟ .. ولماذا لا يخدعني الله عندما أرى بوضوح أن 2 و 3 يساويان 5؟، كل هذا يتم بفضل الشعور الذي يعتبر الفكر أهم مظهر له ،و من ثمة لا نستغرب كيف أن جميع المناطقة القدامى عرفوا الإنسان بأنه كائن عاقل ناطق و النطق هنا تعبير عن الفكر،يقول ديكارت:«من خلال اسم الفكر نعرف كل ما يدور بدواخلنا بالصورة التي تجعلنا واعين بذلك، كلما كان لنا وعي به »، و يقول أيضا: «ليس هناكشيء يمكنه أن يكون في متناولنا غير أفكارنا »
*وهناك حجة منطقية أخرى تقول أن كون كل ما هو نفسي يرادف ما هو شعوري يلزم عنه أن كل ما أشعر به فهو موجود و ما لا أشعر به فهو غير موجود فالقول بوجود حياة نفسية لا شعورية هو من باب الجمع بين النقيضين في الشيء الواحد و هذا خطأ .فكل ما يحدث فيالذات قابل للمعرفة ، والشعور قابل للمعرفة فهو موجود ، أما اللاشعور فهو غيرقابل للمعرفة ومن ثـمّ فهو غير موجود . إذن لا وجود لحياة نفسية لا نشعر بها ، فلا نستطيع أن نقول عنالإنسان السّوي انه يشعر ببعض الأحوال ولا يشعر بأخرى مادامت الديمومة والاستمرارية من خصائص الشعورأي لا وجود لفاعلية أخرى تحكم السلوك سوى فاعلية الوعي و الشعور و من ثمة فعلم النفس التقليدي على حد تعبير هنري آي Henri Ey(1900-1977 م)في كتابه " الوعي ": « و قد قام علم النفس التقليدي على المعقولية التامة هذه و على التطابق المطلق بين الموضوع (النفس) و العلم به (الشعور) و تضع دعواه الأساسية أن الشعور و الحياة النفسية مترادفان ».
* ثـم إنالقول بوجود نشاط نفسي لا نشعر به معناه وجود اللاشعور ، وهذا يتناقض معحقيقة النفس القائمة على الشعور بها ، ولا يمكن الجمع بين النقيضين الشعورواللاشعـور في نفسٍ واحدة ، بحيث لا يمكن تصور عقل لا يعقل ونفس لا تشعر حيث يقول الفيلسوف الفرنسي مان دو بيران Maine De Biran (1766-1824): « لا توجد واقعة يمكن القول عنها أنها معلومة دون الشعور بها »، كما دعم نفس الاتجاه زعيم المذهب البراغماتي وليام جيمس في بداية حياته و الذي كتب يقول: « إن علم النفس هو وصف وتفسير للأحوال الشعورية من حيث هي كذلك »
* لو كان اللاشعور موجودا في النفس لكانقابلا للملاحظة ، لكننا لا نستطيع ملاحظته داخليا عن طريق الشعور ، لأننا لانشعر به ، ولا ملاحظته خارجيا لأنه نفسي ، وما هو نفسي باطني وذاتي . وهذايعني أن اللاشعور غير موجود ( ليس قابلا للملاحظة و التجربة ) ، وما هو موجود نقيضه وهو الشعور لذلك قال آلان Alain:« إن الإنسان لا يستطيع أن يفكر دون أن يشعر بتفكيره » كما رفض جان بول سارتر القول بوجود عواطف لاشعورية لأن ذلك ضرب من الوهم و الخطأ و قال: « إن مفهوم اللاشعور النفسي هو مفهوم متناقض إذ لا توجد إلا طريقة واحدة للوجود و هي أن أعي أنني موجود» .
* لقد تعززت فكرة الشعور كأساس للحوادث النفسية مع المدرسة الظواهرية، إذا أعطى إدموند هوسرل (1859-1938م) Edmund Husserlبعدا جديدا للمبدأ الديكارتي "أنا أفكر إذن أنا موجود" و حوله إلى مبدأ جديد سماه الكوجيتاتوم و نصه "أنا أفكر في شيء ما، فذاتي المفكرة إذن موجودة". و معناه أن الشعور لا يقوم بذاته و إنما يتجه بطبعه نحو موضوعاته. و أيضا الفيلسوف الفرنسي أندريه لالاند (1867-1963م) André Lalandeالذي عرف الشعور في موسوعته الشهيرة بقوله: « الشعور هو حدس الفكر لأحواله وأفعاله » ’ ويكون الشعور بهذا التعريف هو الوعي الذي يصاحبنا دوما عند القيام بأي عملونجد من المسلمين من تطرق لهذا الموضوع وهو ابن سينا (980م-1037م) الذي اعتبرأن أساس إثبات خلود النفس هو الشعور وأن الإنسان السوي إذا تأمل نفسه يشعر أن ما تتضمنه من أحوال في الحاضر هو امتداد للأحوال التي كان عليها في الماضي و سيظل يشعر بتلك الأحوال طيلة حياته لأن الشعور بالذات لا يتوقف أبدا حيث يقول « إن الإنسان إذا تجرد عن تفكيرهفي كل شيء من المحسوسات أو المعقولات حتى عند شعوره ببدنه فلا يمكن أن يتجردعن تفكيره في أنه موجود وأنه يستطيع أن يفكر» و يقول أيضا:« الشعور بالذات لا يتوقف أبدا »،ومعنى هذا أن الشعور يعتبرأساسا لتفسير وتحديد العالم الخارجي نظرا لما يتضمن من عمليات عقلية متعددةومتكاملة .
* كما دعم هذا الموقف هنري برغسون مؤسس علم النفس الاستبطاني الذي يرى أن الإنسان يدرك ذاته إدراكا مباشرا فهو يدرك تخيلاته وأحاسيسه بنفسه إذ لا يوجد في ساحة النفس إلا الحياة الشعورية كما يمتاز الشعور بخاصية مهمة وهي الديمومة فهو مستمر و متصل لا يعرف الانقطاع إلا في حالات خاصة حيث يقول هنري برغسون: « الشعور ليس ممتدا في المكان بل هو تدفق في الزمان » فتغير الحالات الشعورية لا يعني وجود فراغات تفصل بين الحالات المختلفة بل هو متصل رغم النوم وحالة الغيبوبة فالشعور يستأنف مجراه ويندمج كما تنصهر الألوان و تتوحد لحظة مغيب الشمس ، ويعبر برغسون Bergson عن الاتصال في الشعور بالديمومة (Durée) ويعني بها اتصال الأحوال الشعورية واندماج اللاحق منها بالسابق أثناء جريانها بحيث تصحبها فكرة الكيف لا فكرة الكم التي تجزئ المتصل و يعمد إليها الإنسان عند التفكير أو التواصل مع الغير،. .
* زيادة على أن هناك حجة نفسية أخرى فالدليل على الطابع الواعي للسلوك النفسي هو شهادة الشعور ذاته كملاحظة داخلية إذ يستطيع الإنسان أن يتعرف على ذاته عن طريق الاستبطان أو التأمل الذاتيالاستبطان (معرفة الباطن أو تعرف الباطن ) Introspection هو معاينة الفرد لعملياته العقلية أو هو المعاينة الذاتية. ويُعرّفه بعضهم بأنه ملاحظة الشخص المنظمة لما يجري في شعوره من خبرات و تجارب حسية أو عقلية أو انفعالية تصف هذه الحالات وتحللها وتؤولها أحياناً، سواء أكانت حاضرة كحالة الحزن أو الغضب أم ماضية كأحلام النوم. وهو أيضا ملاحظة داخلية لما يجري في النفس من فرح و حزن و غضب حيث ينقلب الفرد إلى شاهد على نفسه ليعلم أن له ذاتا أو نفسا حقيقية تميزه عن الآخرين، ومازاللهذا المنهج أهميته وضرورته في دراسة بعض الظواهر النفسية، كذلك كان أساساً للعديدمن الأدوات والمقاييس النفسية خاصة في دراسة الشخصية وأبعادهاالمختلفة وقياس خصائصهاوسماتها ،فالإجابة على غالبية الاستخبارات التي تقيس الشخصية تعتمدعلى استبطان الفرد لذاته، كذلك المقابلة التي تعتمد على ما يقرره الفرد عنذاته. و أيضا في دراسة الأحلام.
. و ترجع جذور هذه النظرية إلى الفلسفة اليونانية وبالتحديد إلى آراء سقراطSocrate 479/ 399 ق م ، الذي اعتقد إن الإنسان يعرف نفسه ويستطيع الحكم عليها وعلى أحوالها وأفعالها وقد عبر عن ذلك بمقولته الشهيرة « ٳعرف نفسك بنفسك ». ومن أنصار منهج الاستبطان أيضا العالم الفرنسي مونتانيه Montagnierالذي يقول: « لا أحد يعرف هل أنت جبان أو طاغية إلا أنت، فالآخرون لا يرونك أبدا »
النقد:لا ننكر أن الإنسان كائن يعي و يشعر فهو يعيش معظم لحظات حياته واعيا،لكن هذا الموقف يفسر بعض الجوانب النفسية فقط ويعجز عن تفسير كثير من الحالات الأخرى التي يتعرض لها الإنسان في حياته فلا يوجد شيء يؤكد أن الحياة النفسية هي كلها شعورية وقابلة للملاحظة ، فهناك الكثير من الحالات النفسية والسلوكية عجز الإنسان عن تفسيرها تبعا للشعور فأحيانا يكون الإنسان قلقا لكنه لا يعرف سبب قلقه و أحيانا ننجذب إلى شخص ما أو ننفر منه دون معرفة السبب كما أن الإبداع الفني و العلمي لا يمكن تفسيرهما بالشعور فقد فمن أين تأتي الأفكار المذهلة التي يقدمها الشعراء و الأدباء و العلماء... ،و بهذا يصير جزء من السلوك الإنساني مبهما و مجهول الأسباب و في ذلك تعطيل لمبدأ السببية الذي يقول أنه ما من ظاهرة تحدث إلا و لها سبب يفسرها و هذا المبدأ هو أساس العلوم كما أن الملاحظة ليست دليلا على وجود الأشياء حيث يمكن أن نستدل على وجود الشيء من خلال آثاره فلا أحد يستطيع ملاحظة الجاذبية أو التيار الكهربائي، و رغم ذلك فآثارهما تجعلنا لا ننكر وجودهما. ، وأخيرا يمكننا القول عن منهج الاستبطان أن تطبيقه غير ممكن دائما لأن الذات واحدة و لا يمكن أن تشاهد ذاتها بذاتها لأن المعرفة تفترض وجود العارف و موضوع المعرفة و لكن في الاستبطان يتحد موضوع المعرفة مع الذات العارفة وهذا ما يجعل الدراسات عن النفس غير موضوعية و غير صادقة فالشعور قد يكون وهما و مبالغة و تضخيما للأحوال النفسية فانقسام الفرد إلى ملاحظ وملاحظقد يصرف انتباهه عما يلاحظ داخل نفسه، فقد لا يكون الفرد صادقاً في التعبير عما يشعر به حقيقة؛ بقصد عدمقدرته على مواجهة ذاته، أو بغرض تزييف الاستجابة،كمالا يصلح هذا المنهج للأطفال الصغار أو بعض فئات من ذوىالحاجات الخاصة ( التخلف العقلي مثلاً). يقول الفيلسوف و عالم الاجتماع الفرنسي أوجست كونت Auguste Comte (1798-1857م)منتقدا منهج الاستبطان القائم على الشعور كمصدر وحيد لفهم النفس : « لا يمكنني أن أكون أنظر من النافذة، و أن أشاهد نفسي في الآن عينه، و أنا أسير في الشارع »، و المقصود من هذا القول أن الدارس وهو( الأنا ) هو نفسه المدروس بالتالي لا توجد مراقبة موضوعية لحياتنا النفسية ،وهنا كان لابد من افتراض جانب آخر يشكل الحياة النفسية وهذا الجانب هو اللاشعور.
عرض نقيض الأطروحة :في المقابل، يرى الكثير منأنصار علم النفس المعاصر ، أن الشعور وحده ليس كافيا لمعرفة وفهم كل خبايا النفسومكنوناتها ، كون الحياة النفسية ليست شعورية فقط ، لذلك فالإنسان لا يستطيع – في جميع الأحوال - أن يعي ويدرك أسباب سلوكه - ومادام الشعور لا يستطيع أنيشمل كل ما يجري في الحياة النفسية ، فهذا يعني وجود نشاط نفسي غير مشعور به، الأمر الذي يدعو إلى افتراض جانب آخر من الحياة النفسية هو اللاشعور و الذي يمثل مختلف الأحوال النفسية الخفية كالميول و الرغبات و الأفكار المكبوتة التي لا ندرك نشاطها أو حقيقتها و التي لها تأثير عميق على سلوكنا،ولقد دافع عن هذا الموقف العديد من علماء النفس منهم الفرنسي: شاركو (1825-1893م) Charcotو مواطنه بيرنهايم ( 1837-1919م)Bernheim و الطبيب النمساوي جوزيف بروير (1842-1925م)Josef Breuer وطبيب الأعصاب النمساوي ومؤسس مدرسة التحليل النفسيسيغموند فرويد (1856-1939م)Sigmund Freud الذي يرى أن : « اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة .. مع وجودالأدلة التي تثبت وجود اللاشعور »و قد انطلقوا من المسلمات التالية: الشعور وحده عاجز عن تفسير كل ما يصدر عن النفس.
الحياة النفسية تنقسم إلى شعورية و لا شعورية و اللاشعور يمثل الجانب الأكبر منها.
الحجج و البراهين: وقد برروا موقفهم بحجج عديدة أهمها:
* ففي العصور الحديثة أشار كثير من المفكرين و الفلاسفة الى اللاشعور فكانوا ممهدين لفكر فرويد، لكن أيا من هؤلاء لم يبن نظرية متماسكة قاعدتها اللاشعور منهم شوبنهاور (1788-1860م) Schopenhauerالذي قال :« ٳن دوافعنا الشعورية ليست سوى واجهة تخبئ دوافعنا اللاشعورية، و أن إرادة الحياة تتألف من غريزة المحافظة على الذات و الغريزة الجنسية، و أن الكبت بواسطة العقل يشكل أساسا لأمراض النفس » ، وأيضا الفيلسوف الألماني نيتشه (1844-1900م) Nietzcheالذي تكلم عن اللاشعور وأقنعته و قال أن القيم الأخلاقية تصدر غالبا عن غرائز أنانية عدوانية و جنسية .
* مع أواسط القرن التاسع عشر بدأت ردة فعل قوية ضد المنهج التقليدي و كان سببها الظواهر المرضية كالهستيريا Hystérie و
*ثم جاء الطبيب النمساوي سيغموند فرويد الذي تلقى تعليمه في فينا و عمل أستاذا لعلم أمراض الأعصاب و كان قد لاحظ مع شريكه الطبيب بروير أن مرضاه المصابين بالهستيريا (و المترافق مع شلل اليدين أو الرجلين أو جمود الرقبة و صعوبة في استعادة الذكريات الأليمة و نوبات عصبية ) يستعيدون حياتهم السوية و الطبيعية بعد تذكر حادثة معينة مروا بها و استطاعوا روايتها. اتبع فرويد بداية طريقة التنويم المغناطيسي الشائعة في ذلك الحين. ولاحظ أن المريض الذي يتكلم أثناء نومه يفضح ذكرياته الأليمة التي لم يكن يجرؤ على فضحها من غير التنويم,إلا أنه يتحرر من مرضه حينما يصبح اللاشعور واعيا فيتم الشفاء و سمى هذه الطريقة بالتطهيرية فقد عالج "فرويد" و "بروير" فتاةتبلغ من العمر 21 سنة تسمى أنا Anna وكانت تعاني من أعراض عصابية عديدةمثل السل والسعال العصبي وكشف التنويم المغناطيسي أن لها ذكريات مكبوتة تسمع فيها صوت موسيقي راقصةتأتي من منزل قريب بينما كانت تعتني بوالدها الذي توفى فيما بعد ؛ فاكتشفا أن شعورها بالذنب راجع لكونها كانت تعتقد أنهاكانت ترقص ( فقد كانت تتدرب على الرقص ) أكثر مما كانت ترعى والدها بعدها اختفى سعالها العصبي بعد أن ظهرت منجديد تلك الذكرى المكبوتة .لكنه اكتشف بعد حين أن الطريقة التطهيرية بربرية لأنها ترهق المريض و تخيفه ،كما أن المرض يعود للمريض من جديد بعد فترة وأن بعض الأشخاص يبدون مقاومة شديدة و يصعب تنويمهم فوضع طريقة جديدة تدعى التحليل النفسي Psychanalyseالتي تقوم على الحوار و التداعي الحر للأفكار Libre Association و التي تهدف إلى اكتشاف اللاشعور ومن مظاهرها عدم مقاطعة المريض أثناء كلامه إلا عند الضرورة على ألا يخفي المريض عن طبيبه شيئا مهما بدا له تافها أو مرفوضا أخلاقيا و الهدف هو إخراج هذه الرغبات المكبوتة في اللاشعور فيصارعها المريض من جديد إلى غاية أن تزول الأعراض المرضية .وقد طور فرويد طريقته في التحليل النفسي فأخذ بتأويل زلات اللسان و الأفعال الناقصة و الأحلام الليلية، و قد صادفت هذه النظرية رواجا كبيرا في أوساط علماء النفس و المثقفين، يقول فرويد:« اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة .. مع وجود الأدلة التي تثبت وجود اللاشعور »
*و ما يثبت وجود اللاشعور أيضا حسب التحليل النفسي وجود عمليات نفسية لاشعورية لا تقتصر على المرضى بل على الأسوياء أيضا منها الحيل الدفاعية اللاشعورية التي نستخدمها للتخلص من الدوافع المنبوذة أو لحماية الذات من القلق الشديد، و تأثير الرغبات المكبوتة التي لا يمكن تحقيقها في الواقع، أو من تأنيب الضمير،فالقلق هو إنذار بالخطر يخبر الأنا أن شيئا ما ينبغي عمله،وإذا لم يتم تجنب القلق أو التعامل معه بفاعليه فإنهيصبح مرضا نفسيا.وعندما يعجز الأنا عن التعامل مع القلق بطرق منطقية(عقلانية) فإنه يلجئ إلىطرق غير واقعية تسمى بــ(آليات الدفاع أو الحيل الدفاعية) والتي من أهمها: الأحلام: التي تعتبر مناسبة لظهور الميول و الرغبات المكبوتة في اللاشعور في صور رمزية،، فالحلم – بالنسبة لفرويد – نشاط نفسي ذو دلالة لا شعورية يكشف عن متاعب وصراعات نفسية يعانيها النائم تحت تأثير ميولاته ورغباته التي لم يستطع تحقيقها ، فيتم تحقيقها بطريقة وهمية، و رمزية في الحلم وأطرف حلم رواه فرويد في كتابه تفسير الأحلام ما روته إحدى مريضاته فقد رأت في منامها و هي في السنة الرابعة من عمرها حشدا من الأطفال الصغار ، جميعهم من إخوتها و أقاربها بنين و بنات يحبون فوق أرض حقل أخضر، و فجأة نبتت لهم أجنحة و طاروا جميعا أمام عينيها إلى أن اختفوا في الجو و هي تنظر إليهم..، وهو حلم يبدوا لأول وهلة و لا علاقة له بالموت، و لكن بعد الاستقصاء و التحليل علم فرويد أنها قبل ذلك الحلم كانت قد سمعت بوفاة طفل من أقاربها، فسألت ذويها ماذا يحدث للأطفال الذين يموتون ؟، فأخبروها أنهم يتحولون إلى ملائكة ذوي أجنحة و يطيرون بعيدا إلى السماء و بذلك اكتشف فرويد المضمون الحقيقي لحلم الطفلة الصغيرة فتحولُ جميع أقاربها و أصدقائها الصغار إلى ملائكة يطيرون و يختفون في السماء و تبقى هي وحدها معادل للقول بأنهم جميعا ماتوا و لم يبق على قيد الحياة سواها ؛ و هذا الحلم هو تحقيق لرغبة الحالمة الخفية في أن يموت كل الأطفال في الوسط الذي تعيش فيه و تنفرد هي بالإعزاز و رعاية والديها يقول فرويد: « غالبا ما تكون الأحلام في غاية العمق عندما تكون في غاية الجنون ».و مثال آخر يقول أن إحدى مريضات فرويد ذكرت أنها رأت في الحلم أنها تشتري من دكان كبير قبعة جميلة لونها أسود وثمنها غالي جدا فيكشف المحلل أن للمريضة في حياتها زوجا مسنا يزعج حياتها وتريد التخلص منه وهذا ما يرمز إليه سواد القبعة أي الحداد وهذا ما أظهر لفرويد أن لدى الزوجة رغبة مخفية في التخلص من زوجها الأول،وكذا أنها تعشق رجلا غنيا وجميلا وجمال القبعة يرمز لحاجتها للزينة لفتون المعشوق وثمنها الغالي يعني رغبة الفتاة في الغنى.يقول فرويد: « تفسير الأحلام هو الطريق الملكي لمعرفة أنشطة العقل اللاواعية« .
* إضافة إلى حيلة أخرى هي: هفوات أو فلتات اللسان وزلات الأقلام: فالناس – في حياتهم اليومية – قد يقومون بأفعال مخالفة لنواياهم ومقاصدهم ، تظهر في شكل هفوات وزلات تصدر عن ألسنتهم وأقلامهم تغير المعنى بأكمله ، وهذه الهفوات والزلات لها دلالة نفسية لاشعورية كالنفور والكره والغيرة والحقد .. وليست كلها صادرة عن سهو أو غفلة كما يعتقد البعض إذ يروي فرويد عن رئيس برلمان النمسا أنه لما دخل القاعة قال: يشرفني أن أعلن عن رفع الجلسة بدل قوله: افتتاح الجلسة وهكذا يكون قد عبر لاشعوريا عن عدم ارتياحه لنتائج الجلسة. يقول فرويد : « يكتشف المرء الحقيقة الكاملة من خطأ لآخر »
النسيان: فقد تكون وراءه رغبات مكبوتة فنحن نميل إلى نسيان الأمور التي لا نرغب فيها و تجرح مشاعرنا حيث يروي فرويد عن نفسه انه نسي ذات يوم اسم مريضته لأنه عجز عن تشخيص مرضها و عندما ننسى إحضار شيء وعدنا به زميلنا فهذا ناتج عن كرهنا لانجاز الوعد. ومن أمثلة النسيان أن شخصا أحب فتاة ولكنها لم تبادله الحب وحدث أن تزوجت شخصا آخر،ورغم أن الشخص الخائب كان يعرف الزوج منذ أمد بعيد وكانت تربطهما رابطة العمل فكان كثيرا ما ينسى اسم زميله محاولا عبثا تذكره وكلما أراد مراسلته أخذ يسأل عن اسمه،وتبين لفرويد أن هذا الشخص الذي ينسى اسم صديقه يحمل في نفسه شيئا ضد زميله كرها أو غيرة ويود ألا يفكر فيه.
الإسقاط: فنحن نميل إلى توجيه و إسقاط الأفعال التي تثير فينا إحساسا بالذنب على الآخرين فالغشاش يرى جميع الناس غشاشين و الأناني يرى الجميع أنانيين فيصير المحظور مباحا بطريقة لاشعورية يقول فرويد :« لا يريد معظم الناس الحرية حقا، لأن الحرية تتطلب مسؤولية ومعظم الناس يخافون من المسؤولية ».
التقمص: عندما يرى الشخص ذاته غير مهمة في نظر الغير يلجأ لاشعوريا إلى تقمص شخصية ذات أثر فيقلدا في طريقة اللباس و حلاقة الشعر و الكلام و الحركات( الملامح الخارجية) حتى يجلب الاهتمام.
النكت: فالإنسان وهو يسخر و ينكت يكون قد تحلل من قيود آداب الحديث لذا تجد الرغبات المكبوتة منفذا للخروج كما تجعل النكتة الواقع الذي اعترض رغباتنا محل ضحك و سخرية، خاصة النكت ذات المواضيع الجنسية أو السياسية.
التعويض: ويكون نتيجة الشعور بالنقص الذي يدفع الفرد إلى التعويض في مجال آخر ، ومن أمثلة التعويض أن الفتاة قصيرة القامة قد تخفف من عقدتها النفسية بانتعالها أعلى النعال أو بميلها إلى الإكثار من مستحضرات التجميل حتى تلفت إليها الأنظار، أو تقوم ببعض الألعاب الرياضية أو بارتداء بعض الفساتين القصيرة .
التبرير: و الذي يستخدم لتفادي الصراع بين دافع ما و السلطة الأخلاقية ( الضمير) كأن يغادر فرد ما الحافلة دون دفع ثمن التذكرة ثم يبرر لنفسه بأنه كان واقفا طيلة المسافة بالتالي فصاحب الحافلة لا يستحق ماله. و الشخص الذي لم يتمكن من أخذ تذكرة لحضور مسرحية ما قد يلجأ لتبرير موقفه بإحصاء عيوب المسرحية.
النكوص: و هو رجوع الشخص الكبير سنا سلوكيا إلى الوراء كالشيخ الذي يلعب مع الصغار تحقيقا للرغبة ( و التي قد تكون طلب الرعاية و الحنان من أفراد أسرته)أو بحثا عن لذة.
*كما قسم فرويد الجهاز النفسي إلى ثلاث مستويات ينتج عن العلاقة بينها إما التوازن و إما الاختلال في الحياة النفسية وهي:
الهو: Le Soi : و يمثل جملة الغرائز و الرغبات البيولوجية التي تسير وفق مبدأ اللذة و يتصف بأنه لا يعترف بالأخلاق و المعايير الاجتماعية و المنطقية و يظهر الهو من خلال غريزتين هما غريزة الحياة و غريزة الموت( التدمير ) ،و يحدث بينهما تفاعل يكون مختلف الأنشطة النفسية في الحياة، و هما: الغريزة الجنسية( الليبيدو ) أو غريزة الحياة Libido:
فهي الأساس الذي بنى عليه فرويد نظريته؛ لكنه توسع فيها و لم يحصرها في وظيفة التناسل و إنما جعلها غريزة الحياة فهي تعني كل التنبيهات و النشاطات التي تنتج عنها لذة سواء كانت جنسية أو وجدانية أو حسية و كل الأعمال الايجابية و البناءة التي تؤدي إلى استمرار الحياة،يقول فرويد في هذا السياق « إن الفنان الذي يرسم لوحة فنية ليس إلا طريقة لا شعورية للتعبير عن غريزته الجنسية المكبوتة » و يقول أيضا : « إن الطاقة الغريزية التي يولد الطفل مزودا بها تمر بأدوار محددة بحياته؛ كما أن النضج البيولوجي هو الذي ينقل الطفل من مرحلة إلى أخرى، ولكن نوعوطبيعة المواقف التي يمر بها هي التي تحدد النتاج السيكولوجي لهذهالمراحل «.
إضافة إلى غريزة العدوان ( أو غريزة الموت ) التي تشمل كل مظاهر القسوة و الهدم و التحطيم و التهديم و الاضطهاد و الكره ضد الآخر سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا أو حتى ضد نفسه كما في الانتحار ، و تظهر أيضا من خلال اللوم المستمر و مشاعر الذنب و تعذيب الذات و يكفي أن نتأمل حالة الغضب و هو ينتقل من العدوان المكبوت إلى حالة إفناء النفس بتوجيه عدوانه إلى نفسه، فيلطم الغاضب نفسه و يجذب شعره و هي أعمال كان يفضل لو يوجهها إلى شخص آخر.و التي تظهر في السلوك التخريبي كما نجده عند الطفل الذي يكسر لعبه، يقول فرويد: « كل أشكال الحياة هدفها الموت »الأنا الأعلى Le Moi Supérieur: (Le Sur-Moi) : و يمثل القوة القمعية و النقدية التي تقف أمام متطلبات الهو اللامحدودة فيشمل الموانع و المحظورات الأخلاقية و القوانين العقابية و الذي يتكون من خلال التربية و سلطة الأبوين و العادات و القوانين الاجتماعية و المعتقدات الدينية( مثل يجب أن ...يجب ألا...) و بتعبير آخر هو جملة القيم الأخلاقية التي نتعلمها من المجتمع و يمثل سلطة الأبوين و الضمير وهو ذو طابع أخلاقي مكتسب يتسلط على الذات و يكبح الهو. يقول فرويد: « إن الطفل يتحرك بالغريزة، بيد أن هذه الغريزة لا تلبث أن تدخل في سن مبكرة في تناقض مع متطلبات الحياة »
الأنا Le Moi : تمثل الجانب الواقعي من الشخصية ( النفس) وهو ساحة الصراع بين مطالب الهو و موانع الأنا الأعلى و لذلك مهمة الأنا هي التوفيق بينهما ؛و إزالة الصراع لكنه في بعض الأحيان يضطر إلى كبت و رفض بعض مطالب الهو. كما تعتبر الأنا القوة المنظمة التي تحقق التوازن النفسي و التوافق بين الأنا الأعلى و الهو فيؤدي إلى الابتعاد عن الصراع و الأزمات النفسية و ذلك باستخدام مختلف الآليات الدفاعية التي تؤدي إلى تحقيق المطالب وفق أساليب مقبولة أخلاقيا و اجتماعيا أما المطالب المرفوضة فتشكل ما يسمى «الكبت »Le Refoulement، و الرغبة المكبوتة تستقر في اللاشعور و تبقى حية محتفظة بكل طاقتها و تؤثر باستمرار على الحياة النفسية و على السلوك.
* و بفضل هذا التقسيم صار بالإمكان فهم أسباب الهستيريا التي حددها أطباء النفس اليوم في أسباب نفسية تنحصر في الصراع بين الغرائز والمعايير الاجتماعية، والصراع الشديد بين الأنا الأعلى و بين الهو (خاصة الدوافع الجنسية) بالتوفيق عن طريق العرض الهستيري، بسبب الإحباط وخيبة الأمل في تحقيق هدف أو مطلب، والفشل والإخفاق في الحب، والزواج غير المرغوب فيه ،والزواج غير السعيد، والغيرة، والحرمان ونقص العطف والانتباه وعدم الأمن، والأنانية والتمركز حول الذات بشكل طفلي.وعدم نضج الشخصية وعدم النضج الاجتماعي، وعدم القدرة على رسم خط الحياة، وأخطاء الرعاية الوالديـه مثل التدليل المفرط والحماية الزائدة .
النقد : صحيح أن اكتشاف اللاشعور ساهم في علاج الكثير من حالات الهستيريا و الاضطرابات النفسية كما تعتبر نظرية فرويد حول التحليل النفسي أول نظرية متكاملة في الشخصية ؛كما بين تأثير مرحلة الطفولة في نمو الشخصية وقد شاركه الكثير من الباحثين هذا الرأي؛ لكناللاشعور يبقى مجرد فرضية فلسفية لا ترتقي إلى مستوى النظرية العلمية فتجارب فرويد اقتصرت على المرضى فقط و لم تمتد إلى الأسوياء غير أن مدرسة التحليل النفسي جعلت اللاشعور حقيقة مؤكدة ، مما جعلها تحول مركز الثقل فيالحياة النفسية من الشعور إلى اللاشعور ، فقد أنكر فرويد حرية الشعور مع أن الشفاء من الاضطرابات العصابية اللاشعورية لا يتم إلا بالشعور، كما بالغ فرويد في جعل الإنسان تحت رحمة جملة من الغرائز أهمها الغريزة الجنسية و بالغ في اعتبارها المحرك الأساسي للإنسان فقد تعرض إلى كثير من الانتقادات حتى من أقرب الناس إليه فآراءه المتعصبة لجهة سيطرة اللاشعور على حياة الإنسان افقده خصوصية هامة ألا وهي الوعي والإدراك فجعله أسيرا لغرائزه ومكبوتاته ونفى عنه كذلك كل إرادة وحرية في الاختيار ، فابنته أنا فرويد Anna Freud ( 1895-1982م)وتلميذه ألفرد أدلر ( 1870-1937م) Alfred Adler كانا أكثر من انتقده في هذا الجانب ،كما رأت ابنته أنا Anna أيضا أن التداعي الحر لا يمكن تطبيقه عمليا مع الأطفال قبل سن البلوغ فذلك يؤثر على تحليل الأحلام وهو الطريق الثانية للنفاذ إلى اللاشعور فمع أن الطفل يحكي أحلامه بحرية إلا أنه لا يمكن أن يعلق عليها ليكشف عن مضمون الحلم الكامن ؛و كذلك من غير الممكن أن نقسر الطفل على أن يرقد على وسادة ليتداعى بحرية لأنه غالبا ما ينام و أيضا لقلة حيلته في التعبير عن نفسه لغويا؛ و لعدم نضجه و وعيه ثانيا . ومن الانتقادات الموجهة إلى فرويد أن الإنسان في الحقيقة مكرم و منزه عن بقية الكائنات بميزة العقل فربط الأمراض النفسية بالليبيدو يعتبر تشويها للإنسان إذ تم تصويره كحيوان يجري وراء شهواته و غرائزه و حين نتحدث عن اللبيدو أوالجنس فلامناص من ذكر فرويد فقد كان يوجه اهتمامه لهذه المسألة إلى درجة المبالغةوالشذوذ وكل ما كتبه يدور حول الغريزة الجنسية لأنه يجعلها مدار الحياة كلهاومنبع المشاعر البشرية بلا استثناء و يصل به الأمر إلى تقرير نظريته إلى حد أنيصبغ كل حركة من حركات الطفل الرضيع بصبغة الجنس الحادة المجنونة فالطفلأثناء رضاعته ـ كما يزعم هذا الأخير ـ يجد لذة جنسية ويلتصق بأمه بدافع الجنسوهو يمص إبهامه بنشوة جنسية،وقد جاء فيبروتوكولات حكماءصهيون: (يجب أن نعمل أن تنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا...إنفرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس كي لا يبقى في نظرالشباب شيء مقدس ويصبح همه رواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه) فقد لحقت تهمة المادية بنظرية التحليل النفسي إذ ردت عالم القيم كله إلى عقد نفسية مرتبطة بالغرائز المكبوتة .لقد تجاهل فرويد عناصر كثيرة تؤثر في الشخصية كالعناصر الاجتماعية و العرقية و التاريخية و الثقافية بدليل ظهور فرضيات جديدة من طرف تلاميذه خاصة ألفرد أدلر الذي اختلف مع فرويد بالتأكيد أن القوة الدافعةفي حياة الإنسان هي الشعور بالنقص والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجودالناس الآخرين والذين عندهم قدرة أحسن منه للعناية بأنفسهم والتكيف معبيئتهم . فمن اللحظة التي ينشأ الشعور بالنقص يبدأ الطفل يكافح للتغلب عليه، ولأن النقص لا يحتمل الآليات التعويضية التي تنشأ من النفس تظهرالاتجاهات العصابية الأنانية وإفراط التعويض وانسحاب من العالم الواقعي ومشاكله أما تلميذه الأخر عالم النفس السويسريكارل يونغ(1875-1961م)Carl Jungفيرى أن الليبيدو يؤثر على الطبع المنطوي و لا يقوى على المنبسط لاهتمامه بالعالم الخارجي و قال بوجود اللاشعور الاجتماعي. كما رفض الطبيب النمساوي ستيكال Stekelاللاشعور من خلال قوله: ( أنا لا أومن باللاشعور فلقد آمنت به في مرحلته الأولىولكن بعد تجربتي التي دامت ثلاثين عاما وجدت أن الأفكار المكبوتة إنما هي تحتشعورية وان المرضى دوما يخافون من رؤية الحقيقة).ومعنى هذا أن الأشياءالمكبوتة ليست في الواقع غامضة لدى المريض إطلاقا إنه يشعر بها ولكنه يميلإلى تجاهلها خشية إطلاعه على الحقيقة في مظهرها الخام كما هاجم جورجي لوكاس فرويد قائلا: « إن سيكولوجيا فرويد هي سيكولوجيا الرجل العاطل عن العمل و لهذا غلبت فيها الدوافع الجنسية »و قال طبيب الأعصاب الفرنسي هنري آي Henri ey (1977-1900)ساخرا من أسلوب التحليل النفسي الذي ابتكره فرويد: « إن المحلل النفسي كالبوم لا يرى إلا في الظلام ».
التركيب:إن الحياة النفسية كيان متشابك يتداخل فيه ما هو شعوري بما هو لاشعوري ، فالشعور يمكننا من فهم الجانب الواعي من الحياة النفسية ، واللاشعور يمكننا من فهم الجانب اللاواعي منها ، أي أن الإنسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين : جانب شعوري وجانب لا شعوري ، وأن ما لا يستطيع الشعور تفسيره ، نستطيع تفسيره برده إلى اللاشعور.واعتبار الحياة النفسية يمثلها الشعور فقط فيه نوع من الإهمال لجانب مهم وهو اللاشعور ، وكذلك اعتبار الحياة النفسية يمثلها اللاشعور فقط فيه تقليل من قيمة الإنسان ككائن واع بكل خصائصه ، والرأي السليم هو أن الحياة النفسية عند الإنسان لا يمكن معرفتها وتفسيرها إلا بالإيمان بوجود الجانبين معا فهما يتكاملان لمعرفة حقيقة النفس الإنسانية وما يدور بداخلها وان كانت هذه المعرفة محدودة إلى حد ما .
الرأي الشخصي: لكن حسب رأيي الشخصي فان الحياة النفسية للإنسان هي حياة شعورية بالدرجة الأولى لأنه يعيش معظم لحظات حياته واعيا ولان من خصائص الشعور الديمومة، و الاتصال، لكن هناك جانب آخر لاشعوري له دور كبير في تنفيس الرغبات المكبوتة و لكلا الجانبين دور و أهمية في الحياة النفسية لكل منا.
حل المشكلة :وهكذا يتضح في الأخير، أن الإنسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين : جانب شعوري يُمكِننا إدراكه والاطلاع عليه من خلال الشعور ، وجانب لاشعوري لا يمكن الكشف عنه إلا من خلال التحليل النفسي ، ومادام الشعور وحده غير كافٍ لمعرفة كل ما يجري في حياتنا النفسية ، فإنه يمكن أن نفهم عن طريق اللاشعور كل ما لا نفهمه عن طريق الشعور ، فالشعور يساعدنا على التكيف مع العالم الخارجي؛ و اللاشعور بمخزونه المتنوع يساعد على اكتشاف تاريخ الفرد بالتالي تقويم سلوكه، فبفضل اللاشعور مثلا تطور العلاج النفسي كما استثمر في مجال التربية حيث بين حساسية و أهمية مرحلة الطفولة و كيف أن التجارب القاسية التي يعيشها الطفل تكون سببا لما يعانيه و هو راشد؛ فالشاب الذي يصير لصا أو مجرمامثلا قد يكون السبب راجعا إلى العنف الذي تعرض له في أسرته؛ و هو طفل صغير، أو إلى العنف الذي تعرض له في المدرسة..
" اكرام "
2015-05-27, 23:13
هل الحق أسبق من الواجب في تحقيق العدل ؟ *****
طرح المشكلة: يعتبر العدل من أهم الفضائل و القيم الأخلاقية التي اهتم بها الفلاسفة و رجال القانون و الدين و هو يعني لغويا الاستقامة و المساواة و نقيضه الظلم و الجور و قد عرفه الجرجاني بقوله : « العدل هو الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط و التفريط » أي العدل فضيلة بين رذيلتين أما تطبيقه على أرض الواقع فقد ارتبط دائما بالواجبات و الحقوق التي يحددها القانون فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض وإتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس"، ولفظ الحق في الحديث ورد بمعنى الواجب، وذلك لما بين الحق والواجب من ترابط. وقد اعتقد بعض الفلاسفة بسبب هذا الترابط أن أداء الواجبات هو شرط لنيل الحقوق، وبالتالي يكون الواجب أسبق من الحق وأولى منه. وتحديد هذه الأطروحة يتعارض مع الأطروحة التي يقترحها الموضوع للمناقشة والتي تقول: "قبل أن نطالب الناس بواجباتهم علينا أن نمكنهم قبل كل شيء من حقوقهم"، مما يلزم عنه أن الحق أولى من الواجب وأسبق منه، وهذه المشكلة تدفعنا إلى التساؤل التالي: هل إعطاء الحقوق أولى وأسبق من أداء الواجب، أم العكس؟
محاولة حل المشكلة:
عرض الأطروحة:يرى فلاسفة القانون الطبيعي أن العدالة الحقيقية تقتضي أن الحق أسبق من الواجب وهو الذي يؤسسه، فقبل أن نطالب الناس بواجباتهم علينا أن نمكنهم قبل كل شيء من حقوقهم فلاحق معطى طبيعي ملازم للوجود الإنساني وهو سابق للقوانين المدنية التي تعبر عن الواجبات وأهم هؤلاء نجد الفيلسوف اليوناني سقراط الذي عرف العدل بقوله : « العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه » و أيضا الفيلسوف الانجليزي جون لوك والألماني فولف (1679-1754) Wolff.
الحجة: وما يؤكد ذلك أن فلاسفة القانون الطبيعي على اختلافهم، يقرون بأن العدالة تقتضي أن تتقدم فيها الحقوق على الواجبات، فتاريخ حقوق الانسان مرتبط بالقانون الطبيعي الذي يجعل من الحقوق مقدمة للواجبات، كون الحق معطى طبيعي، يقول الفيلسوف الألماني وولف (1679-1754) في كتابه القانون الطبيعي): "كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا نبغي مطلقا قانونا طبيعيا، بل بالأحرى الحق الذي يتمتع به الانسان بفضل ذلك القانون". أما ظهور الواجب فقد ارتبط بضرورة الحياة الجماعية داخل الدولة. فسلطة الدولة حسب فلاسفة القانون الطبيعي مقيدة بقواعد هذا الأخير، الأمر الذي يبرر أسبقية الحق على الواجب.
* أما الفيلسوف الانجليزي جون لوك (1632-1704) فيرى أنه لما كانت الحقوق الطبيعية ترتبط ارتباطا وثيقا بالقوانين الطبيعية، وكانت الواجبات ناتجة عن القوانين الوضعية، أمكن القول أن الحق سابق للواجب من منطلق أن القوانين الطبيعية سابقة للقوانين الوضعية. كون المجتمع الطبيعي سبق المجتمع السياسي، فإن الحقوق الطبيعية بمثابة حاجات بيولوجية يتوقف عليها الوجود الإنساني، كالحق في الحرية والحق في الحياة والحق في الملكية، ذلك أن جميع الواجبات ستسقط إذا ضاع حق الفرد في الحياة. يقول جون لوك: "لما كانت الحقوق الطبيعية حقوقا ملازمة للكينونة الإنسانية، فهي بحكم طبيعتها هذه سابقة لكل واجب".
**كما يعتبر الحق سابقا عن الواجب من منطلق أن الحقوق الطبيعية ملازمة للطبيعة البشرية و سابقة عن وجود الدولة و المجتمع فانضمام الفرد للجماعة و إنشاء العقد الاجتماعي لم يكن إلا لضمان الحقوق فالحق الطبيعي ليس له حدود، سوى حدود ذلك الشخص الذي يمارس ذلك الحق، لكن استمرار هذا الوضع و تشبت كل فرد بحقه الطبيعي سيؤدي إلى تعارض الحقوق والنهاية ستكون مأساوية، لهذا يرى سبينوزا أن العقل هو الذي يميزنا عن باقي الكائنات، هكذا فإن التعاقد السليم هو ذلك الذي ينبني على العقل والغاية من التعاقد هو الخروج من حالة العنف والقوة إلى حالة السلم والأمن والتعاقد بصفة عامة تحتم على الذات التخلي عن كبريائها وليحل ما هو أخلاقي محل ما هو غريزي،فحالة المجتمع أو حالة التمدن كما يسميها جون جاك روسو (1712-1778) تجعل الإنسان يضمن ما هو أعظم، وهي الحرية الأخلاقية وأعراف الجماعة وبالتالي يكون الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المدينة وهو انتقال من حق القوة إلى قوة الحق، أي من الاحتكام إلى القوة الطبيعية الفيزيائية إلى القوة القانونية التشريعية والأخلاقية، والقوة المشروعة في نظر روسو هي قوة الحق، لأن حالة التمدن التي يتحدث عنها تضمن للإنسان نفس الحقوق والواجبات، ومعها تنتهي الحقوق الإنسانية فيتم إقرار العدالة عن طريق عقد القوانين والاتفاقات
**و ما يؤكد ذلك الثورات العربية الحالية التي قامت للمطالبة بالحقوق الطبيعية و أهمها الحرية و أيضا المنظمات الدولية لحقوق الإنسان التي تعتبر الحق قضية مقدسة لا يجب المساس بها و يظهر ذلك في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10-12-1948حيث تقول المادة 18: « لكل شخص الحق في حرية التفكير و الدين ...يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة و الحقوق و عليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء بدون أي تمييز »
وقد جاء أيضا في المادة الثالثة من إعلان حقوق الانسان والمواطن الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789م والذي تأثر بفلاسفة القانون الطبيعي، "إن هدف كل جماعة سياسية هو المحافظة على حقوق الانسان الطبيعية التي لا يمكن أن تسقط عنه، هذه الحقوق هي الحرية والملكية والأمن، ومقاومة الاضطهاد".
**الواقع يثبت أن سبب الظلم و غياب العدل في كثير من الأحيان هو عدم المطالبة بالحق و على هذا الأساس فالساكت عن الحق شيطان اخرس و كذلك المتغافل عن حقه كمن لا حق لهمثال ذلك مطالبة العمال الذين تأخرت أجورهم بدفعها لأنها حق لهم و مطالبة سكان منطقة معينة بالسكن الاجتماعي أو مطالبة شباب منطقة ما بتوفير مناصب عمل لهم لأنه حقهم على الدولة إذ يقول فوولف : « كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا نبغي مطلقا قانونا طبيعيا بل بالأحرى الحق الذي يتمتع به الإنسان بفضل ذلك القانون » و يقول جون لوك في نفس المعنى : « لما كانت السنة الطبيعية تهدف الى بقاء النوع البشري فكل تشريع بشري يتنافى معها باطل لاغ »
النقد:صحيح أنه من الناحية المنطقية لا بد للفرد من التمتع بحقوقه الضرورية حتى يستطيع أداء واجباته لكن أنصار هذا الاتجاه اهتموا بالحقوق و قدسوها و أهملوا الواجبات إن فلاسفة القانون الطبيعي وحتى المنظمات الدولية لحقوق الإنسان أقروا الحقوق وقدسوها من جهة، وفي المقابل تجاهلوا الواجبات من جهة أخرى و ذلك يؤدي إلى الإخلال بتوازن الحياة الاجتماعية بالتالي غياب العدالة لان طغيان الحقوق على الواجبات في مجتمع ما يؤدي إلى احتدام الصراع و تضارب المصالح فينعكس ذلك سلبا على وظائف الدولة السياسية و الاقتصادية. إن أهواء الناس و ميولاتهم المتناقضة والمتضاربة من شأنها أن تؤدي بالمجتمع الإنساني إلى العودة إلى حالة الفوضى التي كانت سائدة في حالة الطبيعة، إن الحق يقتضي حسب هوبز وضع حد لحالة كانت سائدة في حالة « حرب الكل ضد الكل »كما أن إقرار هؤلاء الفلاسفة حقوقا مقدسة للفرد أهمها أحقيته في الملكية؛ يجعلهم يدافعون بقصد أو بغير قصد عن حقوق الأقوياء بدل حقوق الضعفاء، على اعتبار أن الملكية غير متيسرة للجميع؛ بقدر ما تكون حكرا على الطبقة الحاكمة و الغنية، لأن طغيان الحقوق على الواجبات في مجتمع ما يؤدي إلى تناقضات واضطرابات وثورات.
عرض نقيض الأطروحة: وخلافا لما سبق، يرى بعض الفلاسفة وعلى رأسهم الألماني كانط (1724 - 1804)، والوضعيون وعلى رأسهم الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي أوغست كونت (1798-1857)، أن للواجب أسبقية منطقية وأفضلية أخلاقية على الحق، وأنه من الضروري أن يبدأ الناس بأداء واجباتهم كي يحق لهم المطالبة بحقوقهم، فالواجب مقتضى عقلي و ضرورة واقعية تتجاوز منطق الذاتية و المصالح الضيقة
الحجة: إن الفلسفة العقلية بزعامة كانط تضع الواجبات في المقام الأول ولا تعير اهتماما للحقوق، لأن فكرة الواجب لذاته (بالمعنى الذي يحدده كانط)، يبرر أسبقية الواجبات على الحقوق، فالواجب أمر مطلق منزه عن كل غرض مادي بل هو غاية و ليس وسيلة لنيل مصلحة فالواجب يستند على سلطة الضمير و أحكام العقل الثابتة بالتالي تكون العدالة منزهة عن كل غرض ذاتي حيث يقول : « الواجب هو ضرورة القيام بفعل ما احتراما للقانون » فعندما أعين ضعيفا أو أساعد عاجزا على اجتياز الطريق؛ أرى أن ذلك من واجبي لكنني لا أشعر أن ذلك حق له علي، كما أنني لا أنتظر مقابلا من هذا العمل، مما يعني أنه واجب منزه عن كل حق ومصلحة شخصية.
**أما بالنسبة إلى أوغست كونت وتماشيا مع نزعته الوضعية التي تتنكر لكل ميتافيزيقا، فيرى أنه لو أدى كل فرد واجبه لنال الجميع حقوقهم، لأن حق الفرد هو نتيجة لواجبات الآخرين نحوه، لان قيام الجميع بواجباتهم يؤدي الى رضاهم و تلبية حقوقهم حيث يقول : « ينبغي أن نحذف مصطلح الحق من القاموس و نبقي على الواجب » وهذا يعني أن تحديد الواجب سابق لإقرار الحق مثال ذلك أن أداء الأستاذ لواجبه التعليمي و أداء التلميذ لواجبه الدراسي و الأخلاقي يجعلهما يحققان توازنا و عدلا في الوسط التربوي .إذ ليس للفرد له أي حق بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة، لأن مجرد مطالبة الفرد بحق؛ فكرة منافية للأخلاق، لأنها تفترض مبدأ الفردية المطلق، والأخلاق في حقيقتها ذات طابع اجتماعي. يقول أوغست كونت: "إن مراعاة الواجب ترتبط بروح المجموع". فالأخلاق الوضعية حسي كونت تقوم على " تقديم الاجتماعي على الفردي" أي على انتصار الإنسانية ودمج الفرد في المجتمع. فلا شيء أكثر غرابة على فكر كونت من الحقوق الفردية، و يقول بهذا الصدد "إن الوضعية لا تقر حقا آخر غير حق القيام بالواجب ولا تقر واجبا غير واجبات الكل تجاه الكل، لأنها تنطلق دائما من وجهة نظر اجتماعية ولا يمكن لها أن تقبل بمفهوم الحق الفردي. فكل حق فردي هو عبثي بقدر ما هو غير أخلاقي"
**كما يقترن مفهوم الواجب بالتضحية و الإيثار أي تفضيل الغير على النفس و هي قيم أخلاقية سامية و فاضلة فالواجب يفرضه الضمير و ليس المصلحة و الحق على عكس ذلك يرتبط بمبدأ الذاتية و الأنانية و حب النفس و تفضيلها علة الغير فالعدالة ذات طابع موضوعي بعيد عن ميول الأفراد و رغباتهم لهذا يعتبر مفهوم الواجب أوسع من مفهوم الحق من الناحية الأخلاقية فالقرض مثلا واجب إنساني و أخلاقي و لكن ليس من حق المقترض إجبار و إلزام المقرض على ذلك ونفس الأمر ينطبق مع صفة الكرم فالواجب هو فقط من يفرضها فقد ضحى حاتم الطائي بفرسه حتى يطعم امرأة و أفالها اشتكت له من الجوع رغم أنع كاد اشد منها جوعا هو و زوجته و أطفاله و لم يكن يملك شيئا غير فرسه التي لم يكن يجود بها أبدا لعزتها على نفسه لكن الواجب الأخلاقي جعله يضحي بها و لم يذق من لحمها شيئا.
النقد: صحيح أن أداء الواجب أمر ضروري للحصول على بعض الحقوق لكن الطرح الذي قدمته كل من الفلسفة الكانطية والفلسفة الوضعية يهدم العدالة من أساسها، كونه يبترها من مقوم أساسي تقوم عليه؛ ألا وهو الحق، فكيف يمكن واقعيا تقبل عدالة تغيب فيها حقوق الناس؟ كما أن تاريخ التشريعات الوضعية التي يدافع عنها كونت تبطل ما ذهب إليه، فلا يوجد قانون وضعي يفرض الواجبات على الأفراد دون أن يقر لهم حقوقا، بالتالي تصير العدالة ناقصة تسيء الى الحياة الاجتماعية و توازنها وهذا ما يؤدي الى حصول التذمر و قد تحدث ثورات و اضطرابات من أجل الحصول على الحقوق فالواجب قد يصير ذريعة لتبرير الظلم و الاستغلال و ما حدث في الجزائر في ثورة الزيت و السكر لخير مثال
التركيب: مما تقد يمكننا القول أن هناك تكاملا بين الحقوق و الواجبات فإذا كان لفرد ما حق، فعلى الآخر واجب إشباع هذا الحق، فحق الفرد في استخدام ملكيته يتضمن واجب جيرانه في عدم التعدي على تلك الملكية، وإذا كان للفرد حق، فمن واجبه استخدام هذا الحق في الصالح العام لمجتمعه بما يكفل للفرد كرامته وللمجتمع انسجامه. إن هذا التناسب بين الحقوق والواجبات هو الذي يحقق العدل، لأن أي طغيان لطرف على حساب آخر؛ ينتج الظلم والجور والاستغلال، وهذا التكافؤ بين الحقوق والواجبات هو العدل بعينه، وما العدل في حقيقته إلا تعادل وفي تعادل لا سبق لأحد الطرفين ولا قيمة لهذا السبق، ومن ثم الحق يكمله الواجب ليحدث ذلك التوازن و التعادل.
الرأي الشخصي: مساهمة مني في حل المشكلة أرى أن تقديم الحقوق الأساسية كحق الحياة و الحرية و الأمن أولى من الواجبات لان الاعتداء على حق الحياة مثلا في معظم التشريعات السماوية يستوجب أشد العقوبات فالإسلام يحرم قتل النفس في قوله تعالى: « و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق » و يجازي الله القاتل المتعمد بدون عذر الدفاع عن نفسه أو عرضه أو دينه بأشد العقوبات في قوله تعالى : « و من قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها »
حل المشكلة: ومن هذا التحليل يمكن القول أن مشكلة أولوية الحق أو الواجب ليست مشكلة حقيقية ولا واقعية، لأن العدالة لا تتحقق إلا بهما ومن خلالهما دون رجحان أحدهما على الآخر. ولأن الحق هو عينه واجب والواجب هو الوجه الآخر للحق فإن حق الحياة – الذي هو حق طبيعي – هو في الوقت ذاته واجب الحفاظ على هذه الحياة في شخصك و في شخص الآخرين، وهذه الوحدة بين الحق والواجب وحدها تساعدنا على فهم حكم المنتحر في الإسلام، ولماذا شدد عليه الشرع واعتبر المنتحر في النار. لكن يمكننا القول من الناحية المنطقية أن العدالة تتمثل في ترتيب الحقوق الطبيعية الأساسية و تقديمها على الواجب و من الناحية العملية الواقعية على الفرد أن يقوم بواجباته مقابل حقوق ينالها بدل الاكتفاء بطلب الحق و إهمال الواجب يقول جون ديوي و هو فيلسوف أمريكي براغماتي : « تعد مشكلة الحقوق و الواجبات و القانون و هي مشكلة طال فيها الجدل و كثر النقاش تعبيرا اخر عن الصراع بين الفرد و الجماعة »
أسامة غليزان
2015-05-28, 09:43
هـــل يـعــي الإنـســان دومــا أسـبــاب سـلــوكـــه؟
طــرح الـمـشـــكــلـــــة:
تؤلف الذات الإنسانية من حيث هي مركب متفاعل مع مجموعة من الجوانب العضوية والنفسية والاجتماعية ، والواقع أن هذه النفس وبما تحتويه من أفعال وأحوال شغلت ولازالت تشغل حيزا كبيرا من التفكير الفلسفي وعلم النفس . وفي محاولة لتحديد ماهيتها وكذا الأسباب والدوافع التي تقف وراء هذه الأفعال والأحوال. فإذا كانت التجربة اليومية تؤكد أننا على علم بجانب كبير من سلوكنا فالمشكلة المطروحة :هل يمكن اعتبار الأحوال النفسية أحوالا لاشعورية فحسب؟ هل كل ما هو نفسي شعوري ؟
مـحــاولــة حــل الـمـشــكــلــة:
الـمــــوقــف الأول(الأطـروحـة):الحياة النفسية شعورية يرى أنصار هذه النظرية الكلاسيكية وعلى رأسهم ديـكــارت أن الحياة النفسية شعورية خالصة ولا وجود لحياة أخرى وأن كل ما هو نفسي مساوي لما هو شعوري وأن علم نفس هو علم شعور الذي يجب اعتماده كأساس لدراسة أي حالـة نفسية.
البـــرهــنـــة:الإنسان يعرف كل ما يجري في حياة النفسية ويعرف دواعي سلوكه وأسبابها يقول ديكارت:"تستطيع الروح تأمل أشياء خارج الروح إلا الحياة الفيزيولوجية"وانطلاقا من هذا الطرح فإن الحياة النفسية مساوية للحياة الشعورية فنحن ندرك بهذا المعني كل دواعي سلوكنا. فأنصار هذه النظرية يذهبون إلى حد إنكار وجود حالات غير شعورية لتؤكد على فكرة أن الشعور أساس لأحوال النفسية وحجتهم في ذلك أن القول بوجود حالات غير شعورية قول يتناقض مع وجود النفس أو العقل القائم على إدراكه لذاته ، ويرى برغسون:"أن الشعور يتسع بأتساع الحياة النفسية" وذهب زعيم المدرسة الوجودية سـارتــر إلا أن "الوجود أسبق من الماهية" لأن الإنسان عبارة عن مشروع وهو يملك كامل الحرية في تجسيده ومن ثمة فالشعور بما يريده وهذا ما تجسده مقولته:"إن السلوك يجري دائما في مجرى شعوري" ومن الذي رفضوا وجود واللاشعورية ودافعو عن فكرة الشعور بقوة الطبيب النمساوي سـتيكال:"لا أومن بلاشعور،لقد أمنت به في مرحلتي الأولى لكني بعد تجربتي التي دامت ثلاثين سنة وجدت أن كل الأفكار المكبوتة إنما هي تحت الشعور، وأن المرضى يخافون دائما من رؤية الحقيقة ".
إذن الشعور هو المبدأ الوحيد للحياة النفسية.
الـنــقــــد: لا يمكن إن ننكر أو نقلل من دور الشعور في عملية فهم ما يجري في الحياة النفسية على أساس الإنسان كائن وعي بالدرجة الأولى ، لكن خطأ النظرية الكلاسيكية يكمن من جهة في عدم التميز ما بين الشعور الذي هو وظيفة النفس والذي وظيفته العقل ومن جهة أخرى لا يمكن القول بأن النفس تعي جميع أفعالها وأحوالها الباطنية لأن التجربة النفسية تكشف أننا نعيش الكثير من الحالات دون أن نعرف لها سببا كأحلام وفلتات اللسان.
الــمـــوقـف الـثـانـي(نـقـيـض الأطـروحـة):إن الحياة النفسية لاشعورية،يرى أنصار النظرية اللاشعورية الحديثة وعلى رأسهم فرويد و بروير وشاركو و برنهايم إلا وجود حياة نفسية لاشعورية .
الـبــرهــنـة:إن الفضل في البرهنة تجربتنا في تبيان وجود حياة نفسية لاشعورية إلا علماء الأعصاب الذين كانوا بصدد معالجة مرض الهستريا من أمثال (بروير و شاركو)ففريق رأى بأن هذه الأعراض نفسية تعود إلى خلل في المخ وفريق أخرى رأى أن هذه الأعراض نفسية فلابد إذا أن يكون سببها نفسي وهذا ما أشار إليه برنهايم وكانت طريقة العلاج المتبعة في إعطاء المريض أدوية وتنويمه مغناطيسيا ومع ذلك كانت هذه الطريقة محدودة النتائج ، إلا أن ظهر فرويد الذي ارتبط اسمه بفكرة اللاشعور والتحليل النفسي ،رأى أن أحلام وزلات اللسان وهذه الأفكار التي لا تعرف في بعض الأحيان لا تتمتع بشهادة اللاشعور فلابد من ربطها باللاشعور ،وفي اعتقاد فرض اللاشعور في إدراك معنى فلتات اللسان وزلات القلم ونسيان المؤقت لأسماء بعض الأشخاص والمواعد قال فرويد:"إن تجربتنا اليومية الشخصية تواجهنا بأفكار تأتينا دون أن نعي مصدرها ونتائج فكرية لا نعرف كيف تم إعدادها"فالدوافع اللاشعورية المكبوتة والتي تعود إلى ماضي شخص هي سبب هذه الهفوات ومن أمثلة ما رواه فرويد عن فلتات اللسان "عند افتتاح رئيس مجلس نيابي جلسة بقوله أيها السادة أتشرف عن رفع الجلسة ". كما تبين له أعراض كالهستيريا والخوف تعود إلى رغبات مكبوتة في اللاشعور ومن الذين دافعو عن وجود حياة نفسية لاشعورية عالم النفس آدلــر صاحب فكرة "الشعور بالنقص "، رأى يـونـغ أن محتوى الشعور يمثل الجانب الجنسي أو الأزمات التي يعيشها الفرد أثناء الطفولة بل تمتد إلى جميع الأزمـات التي تعيشها البشرية جمعاء .
الـنـــقــد:على الرغم من أن فكرة اللاشعور ساهمت في فهم وتفسير السلوك البشري ورغم تمكن تحليل النفسي من تفسير الكثير من التصرفات الإنسان الغامضة فهذا لا يدل على سيطرة الحياة اللاشعورية على الحياة الإنسان ،ومعني هذا أن الأشياء المكبوتة ليست في الواقع غامض لدى المريض إطلاقا .إنه يشعر بها ولكنه إلى تجاهلها خشية تطلعه على الحقيقة.
الـتــركـيــب: أمام هذا التناقض القائم بين النظرية الكلاسيكية ومدرسة التحليل النفسي يمكن القول أن اكتشاف اللاشعور سلط الضوء على حالات نفسية كثيرة لم تكن مفهوم ومهما يكن فإن الحياة النفسية للإنسان تعترف بوجود اللاشعور لأن الحياة النفسية مركبة من الشعور واللاشعور. فهمناك حالات نفسية نفهمها بالشعور كما أن هناك حالات نفسية مردها إلى اللاشعور. ومن هذا المنطلق لا يمكن إهمال دور الشعور ولا يمكن التنكر للاشعور لأنه حقيقة علمية وواقعية دون المبالغة في تحديد دوره فالسلوك الإنساني منحصرة لعوامل شعورية ولاشعورية .
حــل الـمـشـكـــلــة: وهكذا يتضح، أن الإنسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين: جانب شعوري يمكننا إداركه والاطلاع عليه من خلال الشعور، وجانب لاشعوري لا يمكن الكشف عنه إلا من خلال التحليل النفسي ، مما يجعلنا نقول أن الشعور وحده غير كافٍ لمعرفة كل ما يجري في حيتنا النفسية
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir