الاخ ياسين السلفي
2015-05-01, 14:18
مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - لأهل البدع، وبيان أن البدع أخطر وأشر من المعاصي:
وذكرتُ ذم " المبتدعة " فقلت روى مسلم في صحيحه عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر { عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته إن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة } . وفي السنن { عن العرباض بن سارية قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال أوصيكم بالسمع والطاعة فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة } وفي رواية { وكل ضلالة في النار } . فقال لي [المبتدع] : البدعة مثل الزنا وروى حديثا في ذم الزنا فقلت هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والزنا معصية والبدعة شر من المعصية كما قال سفيان الثوري : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ؛ فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها . وكان قد قال بعضهم : نحن نُتَوِّب الناس فقلت : مماذا تُتَوِّبونهم ؟ قال : من قطع الطريق والسرقة ونحو ذلك . فقلت : حالهم قبل تتويبكم خير من حالهم بعد تتويبكم ؛ فإنهم كانوا فساقا يعتقدون تحريم ما هم عليه ويرجون رحمة الله ويتوبون إليه أو ينوون التوبة فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الإسلام يحبون ما يبغضه الله ويبغضون ما يحبه الله وبينت أن هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي . قلت مخاطبا للأمير والحاضرين : أما المعاصي فمثل ما روى البخاري في صحيحه { عن عمر بن الخطاب أن رجلا كان يدعى حمارا وكان يشرب الخمر وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان كلما أتي به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جلده الحد فلعنه رجل مرة . وقال : لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله } . قلت : فهذا رجل كثير الشرب للخمر ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله شهد له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك ونهى عن لعنه . وأما المبتدع فمثل ما أخرجا في الصحيحين عن علي بن أبي طالب وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما - دخل حديث بعضهم في بعض - { أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقسم فجاءه رجل ناتئ الجبين كث اللحية محلوق الرأس بين عينيه أثر السجود وقال ما قال . فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يخرج من ضئضئ هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ؛ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد } وفي رواية ؛ { لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل } وفي رواية { شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه } . " قلت " : فهؤلاء مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم وما هم عليه من العبادة والزهادة أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بقتلهم وقتلهم علي بن أبي طالب ومن معه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لخروجهم عن سنة النبي وشريعته وأظن أني ذكرت قول الشافعي : لأن يبتلى العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يبتلى بشيء من هذه الأهواء . فلما ظهر قبح البدع في الإسلام وأنها أظلم من الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنهم مبتدعون بدعا منكرة فيكون حالهم أسوأ من حال الزاني والسارق وشارب الخمر أخذ شيخهم عبد الله يقول : يا مولانا لا تتعرض لهذا الجناب العزيز - يعني أتباع أحمد بن الرفاعي - فقلت منكرا بكلام غليظ : ويحك ؛ أي شيء هو الجناب العزيز وجناب من خالفه أولى بالعز يا ذو الزرجنة تريدون أن تبطلوا دين الله ورسوله فقال : يا مولانا يحرقك الفقراء بقلوبهم فقلت : مثل ما أحرقني الرافضة لما قصدت الصعود إليهم وصار جميع الناس يخوفوني منهم ومن شرهم ويقول أصحابهم إن لهم سرا مع الله فنصر الله وأعان عليهم . وكان الأمراء الحاضرون قد عرفوا بركة ما يسره الله في أمر غزو الرافضة بالجبل . وقلت لهم : يا شبه الرافضة يا بيت الكذب - فإن فيهم من الغلو والشرك والمروق عن الشريعة ما شاركوا به الرافضة في بعض صفاتهم وفيهم من الكذب ما قد يقاربون به الرافضة في ذلك أو يساوونهم أو يزيدون عليهم فإنهم من أكذب الطوائف حتى قيل فيهم : لا تقولوا أكذب من اليهود على الله ولكن قولوا أكذب من الأحمدية على شيخهم وقلت لهم : أنا كافر بكم وبأحوالكم { فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون } . ولما رددت عليهم الأحاديث المكذوبة أخذوا يطلبون مني كتبا صحيحة ليهتدوا بها فبذلت لهم ذلك وأعيد الكلام أنه من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه وأعاد الأمير هذا الكلام واستقر الكلام على ذلك . والحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده .
المصدر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -.
وذكرتُ ذم " المبتدعة " فقلت روى مسلم في صحيحه عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر { عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته إن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة } . وفي السنن { عن العرباض بن سارية قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال أوصيكم بالسمع والطاعة فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة } وفي رواية { وكل ضلالة في النار } . فقال لي [المبتدع] : البدعة مثل الزنا وروى حديثا في ذم الزنا فقلت هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والزنا معصية والبدعة شر من المعصية كما قال سفيان الثوري : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ؛ فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها . وكان قد قال بعضهم : نحن نُتَوِّب الناس فقلت : مماذا تُتَوِّبونهم ؟ قال : من قطع الطريق والسرقة ونحو ذلك . فقلت : حالهم قبل تتويبكم خير من حالهم بعد تتويبكم ؛ فإنهم كانوا فساقا يعتقدون تحريم ما هم عليه ويرجون رحمة الله ويتوبون إليه أو ينوون التوبة فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الإسلام يحبون ما يبغضه الله ويبغضون ما يحبه الله وبينت أن هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي . قلت مخاطبا للأمير والحاضرين : أما المعاصي فمثل ما روى البخاري في صحيحه { عن عمر بن الخطاب أن رجلا كان يدعى حمارا وكان يشرب الخمر وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان كلما أتي به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جلده الحد فلعنه رجل مرة . وقال : لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله } . قلت : فهذا رجل كثير الشرب للخمر ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله شهد له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك ونهى عن لعنه . وأما المبتدع فمثل ما أخرجا في الصحيحين عن علي بن أبي طالب وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما - دخل حديث بعضهم في بعض - { أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقسم فجاءه رجل ناتئ الجبين كث اللحية محلوق الرأس بين عينيه أثر السجود وقال ما قال . فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يخرج من ضئضئ هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ؛ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد } وفي رواية ؛ { لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل } وفي رواية { شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه } . " قلت " : فهؤلاء مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم وما هم عليه من العبادة والزهادة أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بقتلهم وقتلهم علي بن أبي طالب ومن معه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لخروجهم عن سنة النبي وشريعته وأظن أني ذكرت قول الشافعي : لأن يبتلى العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يبتلى بشيء من هذه الأهواء . فلما ظهر قبح البدع في الإسلام وأنها أظلم من الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنهم مبتدعون بدعا منكرة فيكون حالهم أسوأ من حال الزاني والسارق وشارب الخمر أخذ شيخهم عبد الله يقول : يا مولانا لا تتعرض لهذا الجناب العزيز - يعني أتباع أحمد بن الرفاعي - فقلت منكرا بكلام غليظ : ويحك ؛ أي شيء هو الجناب العزيز وجناب من خالفه أولى بالعز يا ذو الزرجنة تريدون أن تبطلوا دين الله ورسوله فقال : يا مولانا يحرقك الفقراء بقلوبهم فقلت : مثل ما أحرقني الرافضة لما قصدت الصعود إليهم وصار جميع الناس يخوفوني منهم ومن شرهم ويقول أصحابهم إن لهم سرا مع الله فنصر الله وأعان عليهم . وكان الأمراء الحاضرون قد عرفوا بركة ما يسره الله في أمر غزو الرافضة بالجبل . وقلت لهم : يا شبه الرافضة يا بيت الكذب - فإن فيهم من الغلو والشرك والمروق عن الشريعة ما شاركوا به الرافضة في بعض صفاتهم وفيهم من الكذب ما قد يقاربون به الرافضة في ذلك أو يساوونهم أو يزيدون عليهم فإنهم من أكذب الطوائف حتى قيل فيهم : لا تقولوا أكذب من اليهود على الله ولكن قولوا أكذب من الأحمدية على شيخهم وقلت لهم : أنا كافر بكم وبأحوالكم { فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون } . ولما رددت عليهم الأحاديث المكذوبة أخذوا يطلبون مني كتبا صحيحة ليهتدوا بها فبذلت لهم ذلك وأعيد الكلام أنه من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه وأعاد الأمير هذا الكلام واستقر الكلام على ذلك . والحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده .
المصدر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -.