NIGHTINGALE
2015-04-28, 15:24
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
والصلاة والسلام على نبينا المصطفى وعلى آله وصحبه ومن والاه
إليكم موضوع منقول قد يفيد بعضكم
الأسباب المعينة على قيام الليل كثيرة منها :
الإخلاص لله تعالى :
كما أمر الله تعالى بإخلاص العمل له دون ما سواه :
(( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )) ،
فكلما قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات ،
وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب)) رواه أحمد صحيح الجامع 2825 .
قال مطرف بن عبدالله بن الشخير :
صلاح العمل بصلاح القلب ، وصلاح القلب بصلاح النية .
قال ابن القيم رحمه الله :
وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته ، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك .
ولذا حرص السلف الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات كقيام الليل ؛ سأل رجل تميم بن أوس الداري رضي الله عنه فقال له :
كيف صلاتك بالليل ؟
فغضب غضباً شديداً ثم قال :
والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر أحب إلي من أن أصلي الليل كله ، ثم أقصه على الناس .
وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله ، فإذا قرب الفجر رجع فاضطجع في فراشه ، فإذا طلع الصبح رفع صوته كأنه قد قام تلك الساعة .
أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله تعالى يدعوه للقيام :
فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك وهو الغني عن طاعة الناس جميعاً كان ذلك أدعى للاستجابة ،
قال تعالى : (( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً ))
قال سعد بن هشام بن عامر لعائشة رضي الله عنها :
أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :
ألست تقرأ ( يا أيها المزمل )
قلت : بلى ،
فقالت : إن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة . رواه مسلم .
معرفة فضل قيام الليل :
فمن عرف فضل هذه العبادة حرص على مناجاة الله تعالى ، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت ،
ومما جاء في فضل هذه العبادة ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل ، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم )) رواه مسلم .
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، ويصوم يوماً ويفطر يوماً)) متفق عليه .
وعن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن)) رواه الترمذي والنسائي .
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( وقيام الليل يطرد الغفلة عن القلب ))
كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)) رواه أبوداود وابن حبان وهو حسن ، صحيح الترغيب 635 .
قال يحى بن معاذ :
دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتفكر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين .
النظر في حال السلف والصالحين في قيام الليل ومدى لزومهم له :
فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل ، ويفرحون به أشد الفرح ، قال عبد الله بن وهب :
كل ملذوذ إنما له لذة واحدة ، إلا العبادة ، فإن لها ثلاث لذات : إذا كنت فيها ، وإذا تذكّرتها ، وإذا أعطيت ثوابها .
وقال محمد بن المنكدر :
ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث : قيام الليل ، ولقاء الإخوان ، والصلاة في جماعة .
وقال ثابت البناني :
ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل
وقال يزيد الرقاشي :
بطول التهجد تقر عيون العابدين ، وبطول الظمأ تفرح قلوبهم عند لقاء الله .
قال مخلد بن حسين :
ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله ويصلي ، فأَغتمُّ لذلك ، ثم أتعزى بهذه الآية
(( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )).
وقال أبو عاصم النبيل :
كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته .
وعن القاسم بن معين قال :
قام أبو حنيفة ليلة بهذه الآية (( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر)) يرددها ويبكي ، ويتضرع حتى طلع الصبح .
وقال إبراهيم بن شماس :
كنت أرى أحمد بن حنبل يُحيي الليل وهو غلام .
وقال أبو بكر المروذي :
كنت مع الإمام أحمد نحواً من أربعة أشهر بالعسكر ولا يدع قيام الليل وقرآن النهار ، فما علمت بختمة ختمها ، وكان يسرّ ذلك .
وكان الإمام البخاري : يقوم فيتهجد من الليل عند السحر فيقرأ ما بين النصف إلى الثلث من القرآن ، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال .
وقال العلامة ابن عبد الهادي يصف قيام شيخ الإسلام ابن تيمية :
وكان في ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً بربه ، ضارعاً مواظباً على تلاوة القرآن ، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية ، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة .
وقال ابن رجب في شيخه الإمام ابن القيم :
وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى ، ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث وحقائق الإيمان .
وقال الحافظ ابن حجر يصف شيخه الحافظ العراقي :
وقد لازمته ، فلم أره ترك قيام الليل بل صار له كالمألوف .
النوم على الجانب الأيمن :
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن ، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه ، ثم ليضطجع على شقه الأيمن ، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين )) متفق عليه .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن)) متفق عليه ،
وعن حفصة رضي الله عنها قالت :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن " رواه الطبراني ، صحيح الجامع 4523 .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
وفي اضطجاعه صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن سر ، وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر ، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوماً ، لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه ، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه .
النوم على طهارة :
تقدم حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة)) متفق عليه ،
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
((ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعارّ من الليل ، فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه )) رواه أبو داود وأحمد ، صحيح الجامع 5754 .
وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((طهّروا هذه الأجساد طهركم الله ، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك ، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال : اللهم اغفر لعبدك ، فإنه بات طاهراً)) رواه الطبراني ، قال المنذري : إسناد جيد ، صحيح الجامع 3831 .
التبكير بالنوم :
النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية ، وخصلة حميدة ، وعادة صحية ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يستحب أن يؤخر العشاء ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ، رواه البخاري ،
نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض في قوله :
((وكان يكره النوم قبلها ))
قال : لأنه قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً ، أو عن الوقت المختار ، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح ، أو عن وقتها المختار ، أو عن قيام الليل .
وقال ابن رافع : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة ويقول :
قوموا لعل الله يرزقكم صلاة .
ومما يتعلق بالنوم : اختيار الفراش المناسب ، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش ، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة ، ومجلبة للكسل والدّعة ،
وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
((كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف)). رواه أبوداود وأحمد ، صحيح الجامع 4714 .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال عمر :
يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوْثر من هذا ؟ فقال صلى الله علي
((ما لي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ، ثم راح وتركها )). رواه أحمد والحاكم ، صحيح الجامع 5545.
وكان علي بن بكار رحمه الله تفرش له جاريته فراشه ، فيلمسه بيده ثم يقول :
والله إنك لطيب ، والله إنك لبارد ، والله لا علوتك ليلتي ، ثم يقوم يصلي إلى الفجر .
ومن ذلك عدم الإفراط في النوم والاستغراق فيه ، قال إبراهيم ابن أدهم :
إذا كنت بالليل نائماً ، وبالنهار هائماً ، وفي المعاصي دائماً ، فكيف تُرضي من هو بأمورك قائماً .
المحافظة على الأذكار الشرعية قبل النوم :
فإن هذه الأذكار حصن حصين يقي بإذن الله من الشيطان ، ويعين على القيام ، ومن هذه الأذكار ، ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إذا أوى أحدكم إلى فراشه ، فلينفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه ، ثم ليضطجع على شقّه الأيمن ، ثم ليقل : باسمك ربي وضعت جنبي ، وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)) متفق عليه .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
(( كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ، ثم نفث فيهما يقرأ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات )) متفق عليه .
وعن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه )) متفق عليه .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال :
((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا ، وكفانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له)) رواه مسلم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقصة الشيطان معه قال له :
إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) حتى تختمها ، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ،
فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال
((صدقك وهو كذوب)) متفق عليه .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة رضي الله عنها لما جاءت إليه تطلب منه خادماً ، فقال لها ولعلي :
(( ألا أدلكما على خير لكما من خادم ،إذا أويتما إلى فراشكما ، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين ، فإنه خير لكما من خادم)) متفق عليه .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( اقرأ ( قل يا أيها الكافرون) عند منامك ، فإنها براءة من الشرك)) رواه البيهقي ، صحيح الجامع 1172 .
وعن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن وقال :
((رب قني عذابك يوم تبعث عبادك ))رواه أبو داود ، صحيح الجامع 4532 .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إذا أتيت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ، ثم قل : اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ، فإن متّ متّ على الفطرة ، واجعلهن آخر ما تقول )) متفق عليه .
وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية عند الاستيقاظ ، ومنها : ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( اذا استيقظ أحدكم فليقل : الحمد لله الذي رد علي روحي ، وعافاني في جسدي ، وأذن لي بذكره )) رواه الترمذي والنسائي ، صحيح الجامع 326 .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((من تعارّ من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله سبحان الله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللهم اغفر لي ، أو دعا استجيب له ، فإن توضأ ثم صلى قُبلت صلاته )) رواه البخاري .
قال الإمام ابن بطال :
وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن من استيقظ من نومه لَهِجاً بتوحيد ربه ، والإذعان له بالملك ، والاعتراف بنعمه بحمده عليها ، وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتكبير ، والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا بعونه ، أنه إذا دعاه أجابه ، وإذا صلى قبلت صلاته ، فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به ، ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من نومه قال :
(( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور)) رواه مسلم .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
((كان إذا استيقظ من الليل يمسح النوم عن وجهه بيده ، ثم ينظر إلى السماء ويقرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران : ( إن في خلق السماوات والأرض …))الآيات . رواه مسلم ،
قال الإمام النووي : فيه استحباب مسح أثر النوم عن الوجه ، واستحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم .
الحرص على نومة القيلولة بالنهار :
وهي إما قبل الظهر أو بعده ، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((قيلوا فإن الشياطين لا تقيل )) رواه الطبراني ، الصحيحة 2647 ،
قال إسحاق بن عبدالله : القائلة من عمل أهل الخير ، وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل .
ومرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم فقال :
أما يقيل هؤلاء ، فقيل له :
لا ، فقال : إني لأرى ليلهم ليل سوء .
اجتناب كثرة الأكل والشرب :
فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة التي تصرف المرء عن قيام الليل ، وتحول بينه وبينه كما جاء في حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( ما ملأ آدمي وعاءاً شراً من بطنه ، حسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه )) رواه الترمذي وابن ماجه ، صحيح الجامع 5674 .
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تجشأ في مجلسه :
(( أقصر من جشائك ، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة )) رواه الحاكم ، صحيح الجامع 1190 .
قال سفيان الثوري :
عليكم بقلة الأكل ، تملكوا قيام الليل .
ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً فقال :
ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة .
وقال وهب بن منبه : ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام .
-مجاهدة النفس على القيام :
وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام الليل لأن النفس البشرية بطبيعتها أمارة بالسوء تميل إلى كل شر ومنكر فمن أطاعها فيما تدعو إليه قادته إلى الهلاك والعطب ،
وقد أمرنا الله تعالى بالمجاهدة فقال :
(( وجاهدوا في الله حق جهاده))
وقال سبحانه :
(( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ))
وقال تعالى :
((تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ))
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((المجاهد من جاهد نفسه في الله )) رواه الترمذي وابن حبان ، الصحيحة 549 .
وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقَد ، فإذا وضأ يديه انحلت عقدة ، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة ، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة ، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة ، فيقول الله عز وجل للذين من وراء الحجاب : انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ، ويسألني ، ما سألني عبدي فهو له )) رواه أحمد وابن حبان ، صحيح الترغيب 627 .
قال محمد بن المنكدر :
كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت لي .
وقال ثابت البناني :
كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة .
وقال عمر بن عبد العزيز :
أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس .
وقال عبد الله بن المبارك :
إن الصالحين فيما مضى كانت تواتيهم أنفسهم على الخير ، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها .
وقال قتادة :
يا ابن آدم : إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط ، فإن نفسك إلى السآمة وإلى الفترة وإلى الملل أميل ، ولكن المؤمن هو المتحامل .
اجتناب الذنوب والمعاصي :
فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى ، والأنس بذكره في ظلم الليل ، فليحذر الذنوب ، فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي ، قال رجل لإبراهيم بن أدهم :
إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟
فقال : لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف .
وقال رجل للحسن البصري :
يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟
فقال الحسن :
ذنوبك قيدتْك .
وقال رحمه الله :
إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل ، وصيام النهار .
وقال الفضيل بن عياض :
إذا لم تقدر على قيام الليل ، وصيام النهار ، فأعلم أنك محروم مكبّل ، كبلتك خطيئتك .
محاسبة النفس وتوبيخها على ترك القيام :
فمحاسبة النفس من شعار الصالحين ، وسمات الصادقين قال تعالى :
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )).
قال الإمام ابن القيم :
فإذا كان العبد مسئولاً ومحاسباً على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه كما قال تعالى :
(( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً ))
فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب .
وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى ، وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية ، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات ، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش . ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة ، وسمات النفوس الكبيرة ، وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى :
(( أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب )) .
وقيام الليل سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله :
(( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، ومقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد )) رواه الترمذي وأحمد .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل )) ،
وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل ، ولم يتركه سفراً ولا حضراً ، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطّرت قدماه ، فقيل له في ذلك فقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه .
وهكذا كان حال السلف الكرام عليه رحمة الله تعالى ؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه :
صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور .
وقال أحمد بن حرب :
عجبت لمن يعلم أن الجنة تزيّن فوقه ، والنار تضرم تحته ، كيف نام بينهما .
وكان عمر بن ذر إذا نظر إلى الليل قد أقبل قال :
جاء الليل ، وللّيل مهابة ، والله أحق أن يهاب ،
ولذا قال الفضيل بن عياض :
أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال : ليس هذا لكِ ، قومي خذي حظك من الآخرة .
وقال الحسن :
ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ، ونفقة المال ،
فقيل له : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً ؟ قال :
لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره .
وكان نساء السلف يجتهدن في قيام الليل مشمرات للطاعة ، فأين نساء هذه الأيام عن تلك الأعمال العظام . قال عروة بن الزبير أتيت عائشة رضي الله عنها يوماً لأسلم عليها فوجدتها تصلي وتقرأ قوله تعالى :
(( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم )) ترددها وتبكي ،
فانتظرتها فلما مللت من الانتظار ذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت إلى عائشة فإذا هي على حالتها الأولى تردد هذه الآية في صلاتها وتبكي .
وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( قال لي جبريل : راجع حفصة فإنها صوامة قوامة . )) رواه الحاكم ، صحيح الجامع
وقامت معاذة العدوية من التابعيات الصالحات ليلة زفافها هي وزوجها صلة بن أشيم يصليان إلى الفجر ،
ولما قتل زوجها وابنها في أرض الجهاد ، كانت تحيي الليل كله صلاة وعبادة وتضرعاً ، وتنام بالنهار ، وكانت إذا نعست في صلاتها بالليل قالت لنفسها : يا نفس النوم أمامك .
وقامت عمرة زوج حبيب العجمي ذات ليلة تصلي من الليل ، وزوجها نائم ، فلما دنا السحر ، ولم يزل زوجها نائماً ، أيقظته وقالت له :
قم يا سيدي ، فقد ذهب الليل ، وجاء النهار ، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل ، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ، ونحن قد بقينا .
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وصلى الله على نبينا محمد .
والصلاة والسلام على نبينا المصطفى وعلى آله وصحبه ومن والاه
إليكم موضوع منقول قد يفيد بعضكم
الأسباب المعينة على قيام الليل كثيرة منها :
الإخلاص لله تعالى :
كما أمر الله تعالى بإخلاص العمل له دون ما سواه :
(( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )) ،
فكلما قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات ،
وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب)) رواه أحمد صحيح الجامع 2825 .
قال مطرف بن عبدالله بن الشخير :
صلاح العمل بصلاح القلب ، وصلاح القلب بصلاح النية .
قال ابن القيم رحمه الله :
وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته ، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك .
ولذا حرص السلف الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات كقيام الليل ؛ سأل رجل تميم بن أوس الداري رضي الله عنه فقال له :
كيف صلاتك بالليل ؟
فغضب غضباً شديداً ثم قال :
والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر أحب إلي من أن أصلي الليل كله ، ثم أقصه على الناس .
وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله ، فإذا قرب الفجر رجع فاضطجع في فراشه ، فإذا طلع الصبح رفع صوته كأنه قد قام تلك الساعة .
أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله تعالى يدعوه للقيام :
فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك وهو الغني عن طاعة الناس جميعاً كان ذلك أدعى للاستجابة ،
قال تعالى : (( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً ))
قال سعد بن هشام بن عامر لعائشة رضي الله عنها :
أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :
ألست تقرأ ( يا أيها المزمل )
قلت : بلى ،
فقالت : إن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة . رواه مسلم .
معرفة فضل قيام الليل :
فمن عرف فضل هذه العبادة حرص على مناجاة الله تعالى ، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت ،
ومما جاء في فضل هذه العبادة ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل ، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم )) رواه مسلم .
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، ويصوم يوماً ويفطر يوماً)) متفق عليه .
وعن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن)) رواه الترمذي والنسائي .
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( وقيام الليل يطرد الغفلة عن القلب ))
كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)) رواه أبوداود وابن حبان وهو حسن ، صحيح الترغيب 635 .
قال يحى بن معاذ :
دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتفكر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين .
النظر في حال السلف والصالحين في قيام الليل ومدى لزومهم له :
فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل ، ويفرحون به أشد الفرح ، قال عبد الله بن وهب :
كل ملذوذ إنما له لذة واحدة ، إلا العبادة ، فإن لها ثلاث لذات : إذا كنت فيها ، وإذا تذكّرتها ، وإذا أعطيت ثوابها .
وقال محمد بن المنكدر :
ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث : قيام الليل ، ولقاء الإخوان ، والصلاة في جماعة .
وقال ثابت البناني :
ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل
وقال يزيد الرقاشي :
بطول التهجد تقر عيون العابدين ، وبطول الظمأ تفرح قلوبهم عند لقاء الله .
قال مخلد بن حسين :
ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله ويصلي ، فأَغتمُّ لذلك ، ثم أتعزى بهذه الآية
(( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )).
وقال أبو عاصم النبيل :
كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته .
وعن القاسم بن معين قال :
قام أبو حنيفة ليلة بهذه الآية (( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر)) يرددها ويبكي ، ويتضرع حتى طلع الصبح .
وقال إبراهيم بن شماس :
كنت أرى أحمد بن حنبل يُحيي الليل وهو غلام .
وقال أبو بكر المروذي :
كنت مع الإمام أحمد نحواً من أربعة أشهر بالعسكر ولا يدع قيام الليل وقرآن النهار ، فما علمت بختمة ختمها ، وكان يسرّ ذلك .
وكان الإمام البخاري : يقوم فيتهجد من الليل عند السحر فيقرأ ما بين النصف إلى الثلث من القرآن ، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال .
وقال العلامة ابن عبد الهادي يصف قيام شيخ الإسلام ابن تيمية :
وكان في ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً بربه ، ضارعاً مواظباً على تلاوة القرآن ، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية ، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة .
وقال ابن رجب في شيخه الإمام ابن القيم :
وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى ، ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث وحقائق الإيمان .
وقال الحافظ ابن حجر يصف شيخه الحافظ العراقي :
وقد لازمته ، فلم أره ترك قيام الليل بل صار له كالمألوف .
النوم على الجانب الأيمن :
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن ، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه ، ثم ليضطجع على شقه الأيمن ، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين )) متفق عليه .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن)) متفق عليه ،
وعن حفصة رضي الله عنها قالت :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن " رواه الطبراني ، صحيح الجامع 4523 .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
وفي اضطجاعه صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن سر ، وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر ، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوماً ، لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه ، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه .
النوم على طهارة :
تقدم حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة)) متفق عليه ،
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
((ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعارّ من الليل ، فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه )) رواه أبو داود وأحمد ، صحيح الجامع 5754 .
وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((طهّروا هذه الأجساد طهركم الله ، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك ، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال : اللهم اغفر لعبدك ، فإنه بات طاهراً)) رواه الطبراني ، قال المنذري : إسناد جيد ، صحيح الجامع 3831 .
التبكير بالنوم :
النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية ، وخصلة حميدة ، وعادة صحية ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يستحب أن يؤخر العشاء ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ، رواه البخاري ،
نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض في قوله :
((وكان يكره النوم قبلها ))
قال : لأنه قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً ، أو عن الوقت المختار ، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح ، أو عن وقتها المختار ، أو عن قيام الليل .
وقال ابن رافع : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة ويقول :
قوموا لعل الله يرزقكم صلاة .
ومما يتعلق بالنوم : اختيار الفراش المناسب ، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش ، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة ، ومجلبة للكسل والدّعة ،
وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
((كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف)). رواه أبوداود وأحمد ، صحيح الجامع 4714 .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال عمر :
يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوْثر من هذا ؟ فقال صلى الله علي
((ما لي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ، ثم راح وتركها )). رواه أحمد والحاكم ، صحيح الجامع 5545.
وكان علي بن بكار رحمه الله تفرش له جاريته فراشه ، فيلمسه بيده ثم يقول :
والله إنك لطيب ، والله إنك لبارد ، والله لا علوتك ليلتي ، ثم يقوم يصلي إلى الفجر .
ومن ذلك عدم الإفراط في النوم والاستغراق فيه ، قال إبراهيم ابن أدهم :
إذا كنت بالليل نائماً ، وبالنهار هائماً ، وفي المعاصي دائماً ، فكيف تُرضي من هو بأمورك قائماً .
المحافظة على الأذكار الشرعية قبل النوم :
فإن هذه الأذكار حصن حصين يقي بإذن الله من الشيطان ، ويعين على القيام ، ومن هذه الأذكار ، ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إذا أوى أحدكم إلى فراشه ، فلينفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه ، ثم ليضطجع على شقّه الأيمن ، ثم ليقل : باسمك ربي وضعت جنبي ، وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)) متفق عليه .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
(( كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ، ثم نفث فيهما يقرأ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات )) متفق عليه .
وعن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه )) متفق عليه .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال :
((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا ، وكفانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له)) رواه مسلم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقصة الشيطان معه قال له :
إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) حتى تختمها ، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ،
فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال
((صدقك وهو كذوب)) متفق عليه .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة رضي الله عنها لما جاءت إليه تطلب منه خادماً ، فقال لها ولعلي :
(( ألا أدلكما على خير لكما من خادم ،إذا أويتما إلى فراشكما ، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين ، فإنه خير لكما من خادم)) متفق عليه .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( اقرأ ( قل يا أيها الكافرون) عند منامك ، فإنها براءة من الشرك)) رواه البيهقي ، صحيح الجامع 1172 .
وعن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن وقال :
((رب قني عذابك يوم تبعث عبادك ))رواه أبو داود ، صحيح الجامع 4532 .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إذا أتيت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ، ثم قل : اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ، فإن متّ متّ على الفطرة ، واجعلهن آخر ما تقول )) متفق عليه .
وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية عند الاستيقاظ ، ومنها : ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( اذا استيقظ أحدكم فليقل : الحمد لله الذي رد علي روحي ، وعافاني في جسدي ، وأذن لي بذكره )) رواه الترمذي والنسائي ، صحيح الجامع 326 .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((من تعارّ من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله سبحان الله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللهم اغفر لي ، أو دعا استجيب له ، فإن توضأ ثم صلى قُبلت صلاته )) رواه البخاري .
قال الإمام ابن بطال :
وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن من استيقظ من نومه لَهِجاً بتوحيد ربه ، والإذعان له بالملك ، والاعتراف بنعمه بحمده عليها ، وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتكبير ، والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا بعونه ، أنه إذا دعاه أجابه ، وإذا صلى قبلت صلاته ، فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به ، ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من نومه قال :
(( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور)) رواه مسلم .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
((كان إذا استيقظ من الليل يمسح النوم عن وجهه بيده ، ثم ينظر إلى السماء ويقرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران : ( إن في خلق السماوات والأرض …))الآيات . رواه مسلم ،
قال الإمام النووي : فيه استحباب مسح أثر النوم عن الوجه ، واستحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم .
الحرص على نومة القيلولة بالنهار :
وهي إما قبل الظهر أو بعده ، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((قيلوا فإن الشياطين لا تقيل )) رواه الطبراني ، الصحيحة 2647 ،
قال إسحاق بن عبدالله : القائلة من عمل أهل الخير ، وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل .
ومرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم فقال :
أما يقيل هؤلاء ، فقيل له :
لا ، فقال : إني لأرى ليلهم ليل سوء .
اجتناب كثرة الأكل والشرب :
فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة التي تصرف المرء عن قيام الليل ، وتحول بينه وبينه كما جاء في حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( ما ملأ آدمي وعاءاً شراً من بطنه ، حسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه )) رواه الترمذي وابن ماجه ، صحيح الجامع 5674 .
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تجشأ في مجلسه :
(( أقصر من جشائك ، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة )) رواه الحاكم ، صحيح الجامع 1190 .
قال سفيان الثوري :
عليكم بقلة الأكل ، تملكوا قيام الليل .
ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً فقال :
ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة .
وقال وهب بن منبه : ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام .
-مجاهدة النفس على القيام :
وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام الليل لأن النفس البشرية بطبيعتها أمارة بالسوء تميل إلى كل شر ومنكر فمن أطاعها فيما تدعو إليه قادته إلى الهلاك والعطب ،
وقد أمرنا الله تعالى بالمجاهدة فقال :
(( وجاهدوا في الله حق جهاده))
وقال سبحانه :
(( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ))
وقال تعالى :
((تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ))
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((المجاهد من جاهد نفسه في الله )) رواه الترمذي وابن حبان ، الصحيحة 549 .
وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقَد ، فإذا وضأ يديه انحلت عقدة ، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة ، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة ، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة ، فيقول الله عز وجل للذين من وراء الحجاب : انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ، ويسألني ، ما سألني عبدي فهو له )) رواه أحمد وابن حبان ، صحيح الترغيب 627 .
قال محمد بن المنكدر :
كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت لي .
وقال ثابت البناني :
كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة .
وقال عمر بن عبد العزيز :
أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس .
وقال عبد الله بن المبارك :
إن الصالحين فيما مضى كانت تواتيهم أنفسهم على الخير ، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها .
وقال قتادة :
يا ابن آدم : إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط ، فإن نفسك إلى السآمة وإلى الفترة وإلى الملل أميل ، ولكن المؤمن هو المتحامل .
اجتناب الذنوب والمعاصي :
فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى ، والأنس بذكره في ظلم الليل ، فليحذر الذنوب ، فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي ، قال رجل لإبراهيم بن أدهم :
إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟
فقال : لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف .
وقال رجل للحسن البصري :
يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟
فقال الحسن :
ذنوبك قيدتْك .
وقال رحمه الله :
إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل ، وصيام النهار .
وقال الفضيل بن عياض :
إذا لم تقدر على قيام الليل ، وصيام النهار ، فأعلم أنك محروم مكبّل ، كبلتك خطيئتك .
محاسبة النفس وتوبيخها على ترك القيام :
فمحاسبة النفس من شعار الصالحين ، وسمات الصادقين قال تعالى :
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )).
قال الإمام ابن القيم :
فإذا كان العبد مسئولاً ومحاسباً على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه كما قال تعالى :
(( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً ))
فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب .
وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى ، وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية ، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات ، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش . ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة ، وسمات النفوس الكبيرة ، وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى :
(( أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب )) .
وقيام الليل سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله :
(( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، ومقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد )) رواه الترمذي وأحمد .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل )) ،
وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل ، ولم يتركه سفراً ولا حضراً ، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطّرت قدماه ، فقيل له في ذلك فقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه .
وهكذا كان حال السلف الكرام عليه رحمة الله تعالى ؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه :
صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور .
وقال أحمد بن حرب :
عجبت لمن يعلم أن الجنة تزيّن فوقه ، والنار تضرم تحته ، كيف نام بينهما .
وكان عمر بن ذر إذا نظر إلى الليل قد أقبل قال :
جاء الليل ، وللّيل مهابة ، والله أحق أن يهاب ،
ولذا قال الفضيل بن عياض :
أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال : ليس هذا لكِ ، قومي خذي حظك من الآخرة .
وقال الحسن :
ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ، ونفقة المال ،
فقيل له : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً ؟ قال :
لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره .
وكان نساء السلف يجتهدن في قيام الليل مشمرات للطاعة ، فأين نساء هذه الأيام عن تلك الأعمال العظام . قال عروة بن الزبير أتيت عائشة رضي الله عنها يوماً لأسلم عليها فوجدتها تصلي وتقرأ قوله تعالى :
(( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم )) ترددها وتبكي ،
فانتظرتها فلما مللت من الانتظار ذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت إلى عائشة فإذا هي على حالتها الأولى تردد هذه الآية في صلاتها وتبكي .
وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( قال لي جبريل : راجع حفصة فإنها صوامة قوامة . )) رواه الحاكم ، صحيح الجامع
وقامت معاذة العدوية من التابعيات الصالحات ليلة زفافها هي وزوجها صلة بن أشيم يصليان إلى الفجر ،
ولما قتل زوجها وابنها في أرض الجهاد ، كانت تحيي الليل كله صلاة وعبادة وتضرعاً ، وتنام بالنهار ، وكانت إذا نعست في صلاتها بالليل قالت لنفسها : يا نفس النوم أمامك .
وقامت عمرة زوج حبيب العجمي ذات ليلة تصلي من الليل ، وزوجها نائم ، فلما دنا السحر ، ولم يزل زوجها نائماً ، أيقظته وقالت له :
قم يا سيدي ، فقد ذهب الليل ، وجاء النهار ، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل ، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ، ونحن قد بقينا .
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وصلى الله على نبينا محمد .