تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ماهو اول ماتدعوا اليه


الاخ ياسين السلفي
2015-03-20, 21:13
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قال المصنف -رحمه الله-: (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) وفي رواية: (إلى أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) أخرجاه ).


ثم أورد المصنف -رحمه الله- هذ الحديث العظيم حديث ابن عباس في قصة بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذا إلى اليمن، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بعث معاذا إلى اليمن قاضيا ومعلما وموجها وجابيا للزكاة ولما بعثه -عليه الصلاة والسلام- في هذه المهمة العظيمة والواجب العظيم رسم له المنهج الذي يسير عليه في دعوته وهذا المنهج الذي رسمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه- هو منهج لكل داعية، هو منهج للدعاة أن يسيروا عليه، وفيه إيضاح للمعالم الرئيسة والنقاط الكبيرة التي ينبغي أن تكون نصب عيني الداعية إلى الله -سبحانه وتعالى-.


ولنتأمل في هذا القصة في هذه البعثة وتوجيهات النبي -صلى الله عليه وسلم- وما فيها من دروس وعبر وأيضًا ما فيها من شاهد للترجمة، قال لمعاذ: قال نبينا -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ -رضي الله عنه-: (إنك تأتي قومًا أهل كتاب) وهذا أخذ منه أهل العلم فائدة مهمة لينبغي أن يتنبه إليها الداعية، وهي أن يكون على معرفة بحال المدعو، قال له: (إنك تأتي قومًا أهل كتاب) يعني: أنت لن تذهب الآن إلى عوام، ولن تذهب إلى أميين أو جهال وإنما حدد له من يذهب إليهم، من سيذهب إليهم أهل كتاب اليهود والنصارى، ومعنى أهل كتاب يقرؤون وعندهم علم، وعندهم قراءة، وعندهم معرفة فأنت ستذهب إلى هذا الصنف من الناس، وهذا يعني أن من يدعو ينبغي أن يكون على علم بحال من يدعوه، وأيضًا هذه تفيده جدًا لأن من تدعوه قد يكون عنده شبه من واقع مستواه العلمي، وقد يكون عنده إشكالات من واقع مستواه العلمي، وأيضًا قد يكون طلبه للدليل على قدر مستواه العلمي، يختلف عن العامي الذي جاء من بين الجبال والأشجار والأغنام في الإشكالات التي عنده من الآخر الذي قرأ وتمرس على القراءة وعرف.


لنأخذ على سبيل المثال ما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس قصة الأعرابي، أعرابي جاء من بين الجبال، جبال وأغنام وأشجار وسماء وأرض، هذا الذي يعرفه، ما عنده أشياء أخرى يعرفها، فجاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا مستواه، جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ماذا قال هذا الأعرابي: (قال: إن رسولك يزعم أنك تزعم أنك نبي، قال: صدق رسولي) ماذا قال الأعرابي: (قال: من خلق السماء؟ قال: الله، قال من خلق الأرض؟ قال الله، قال: من خلق الجبال؟ قال الله، قال: فبالذي خلق السماء وخلق الجبال وخلق الأرض آلله أرسلك؟ قال: نعم) هذا مستواه الآن، يعني: هو يعرف سماءً جبالا أرضًا وذكَّر من أمامه وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام- بخالق السماء وخالق الجبال وخالق الأرض، ولما ذكره حلفه به وهو مطمئن أنه ما يمكن إنسان يتذكر أن الله خالق هذه الجبال وخالق هذه العظمة ثم يحلف به كذبًا وهذا تحليله ومستواه، فقال: (فبالذي خلق السماء وخلق الجبال وخلق الأرض آلله أرسلك؟ قال: نعم) الآن اقتنع، قال: (إن رسولك يزعم أن الله افترض علينا خمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: فالبذي أرسلك آلله أمرك بذلك؟ قال: نعم) وسأل عن بقية أركان الإسلام، هذا مستواه يختلف عن مستوى آخر من أهل الكتاب.


إذن من يذهب إلى أناس لدعوتهم يفترض فيه أن يكون على علم بمستواهم في العلم، في الثقافة في كذا، حتى يتمكن من مخاطبتهم بالأسلوب الذي يتناسب مع المقام، في هذه الصفات من قوله: (إنك تأتي قومًا أهل كتاب) ماذا تصنع؟ ( قال: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) وهذا نأخذ منه فائدة مهمة عظيمة جدًا أن الناس على كافة مستوياتهم وجميع طبقاتهم يبدؤون بماذا؟ بالشهادتين، يعني: قضية البدء بالتوحيد، أيا كان مستوى الشخص البدء في الدعوة هو بالتوحيد، هي أول ما يُبْدَءُ به؛ ولهذا يدل هذا الحديث على فائدة مهمة هي أن التوحيد هو أول واجب على المكلف، وهو أول ما يُبْدَءُ به في الدعوة إلى الله؛ ولهذا نحن وقد مرنا معنا آيات في مطلع هذا الكتاب في أوامر القرآن يأتي في مقدمتها الأمر بالتوحيد وفي النواهي يأتي في مقدمتها النهي عن الشرك، ودل ذلك كما قلنا فيما سبق أن التوحيد أهم أمر والشرك أخطر شيء نهى الله -سبحانه وتعالى- عنه، فإذن التوحيد أول ما يبدأ به، قال: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله).


عفوا يا شيخ تدعوهم إلى اللفظ بهذه الشهادة؟ أو يبيّن لهم مقتضياتها ومعانيها وبعد ذلك يتشهدون بالشهادة؟


الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله تتضمن كل ما مرى معنا من بيان فضل التوحيد ومكانته وعظم شأنه، وآثاره وفوائده في الدنيا والآخرة وترغيب الناس فيه، وبيان خطورة الشرك هذا كله داخل تحت قوله: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) يبين لهم فضل هذه الشهادة ومكانتها وأدلتها وبراهينها، وأيضًا ضوابط هذه الشهادة إلى آخره، كل هذا داخل تحت (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) ولا يكفي في هذا الباب مجرد القول، كما سبق إيضاح ذلك بل لابد من القول من الفهم والعلم وتحقيق ما تدل عليه هذه الكلمة من معنى.


(فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) وهذه الشهادة على ما سبق بيانه لا تتحقق من صاحبها ولا يتحقق منه قيامه بها إلا ما حققت ما دلت عليه من النفي والإثبات، نفي العبودية عن كل من سوى الله وإثباتها لله وحده، وإفراده -سبحانه وتعالى- وحده بالعبادة والخضوع والذل فلا يدعى إلا هو، ولا يستغاث إلا به، ولا يصرف شيء من الطاعة والعبادة إلا له -سبحانه وتعالى-.


فلما يحصل من المدعو استجابة وقبول لهذا الأساس الذي يبدأ به ينتقل إلى المرحلة الثانية، لا ينتقل إلى المرحلة الثانية إلا إذا تحققت المرتبة الأولى، المرتبة الأولى بيان التوحيد وهنا أسأل سؤالا وأجيب عليه، لماذا قدم التوحيد على الصلاة وعلى الزكاة وعلى كل الأعمال؟ لماذا يبدأ به قبلها؟ ولماذا يُدعَا إليه قبلها؟ لأن الصلاة والصيام وكل الطاعات لا تقبل إلا بالتوحيد، فإن لم يكن التوحيد موجودًا فوجودها كعدمها، إن وجدت الصلاة وإن وجد الصيام، وإن وجدت الطاعات الأخرى إذا كانت بدون توحيد فلا تقبل، ولهذا قال الله -سبحانه وتعالى- ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 5] وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿65﴾﴾ [الزمر: 65] والآيات في هذا المعنى كثيرة، إذن الأعمال لا تقبل إلا بالتوحيد ولهذا يبدء به؛ لأنه هو الذي يصحح الأعمال، وتكون به الأعمال مقبولة.


بعد ذلك ينتقل إلى الصلاة، قال: (فإن هم أجابوك لذلك) متى ينتقل للدعوة إلى الصلاة؟ بعد الإجابة وبعد مرحلة الشهادتين (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) وهذا فيه أيضًا عظم شأن الصلاة، وأنها أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين.


قبل المواصلة هنا أريد أن أنبه على فائدة لطيفة جدًا نبه عليها المصنف، المصنف قال: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) وفي رواية: (إلى أن يوحدوا الله)) ماذا يريد أن ينبه المصنف هنا على ماذا؟ فائدة لطيفة من روايتي الحديث، الحديث له روايتان، إحدى روايتيه (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) والرواية الأخرى: (أن يوحدوا الله) فماذا نستفيد بمجموع الروايتين؟ أن التوحيد هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله، مدلول شهادة أن لا إله إلا الله هو التوحيد فذكر هذه الرواية وهي في صحيح البخاري من كتاب التوحيد منه ينبه بها إلى أن التوحيد هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله.


ثم ذكر الصلاة والدعوة إليها وهي أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين، ثم ذكر الزكاة قال: (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) تؤخذ من الأغنياء، وهو مال يسير قليل يخرجه الغني من ماله صدقة على الفقراء، من أغنيائهم فترد على فقرائهم، هل المراد فقرائهم فقراء البلد؟ أو فقراء المسلمين؟ يحتمل هذا وهذا، فإذا قيل: فقراء البلد فإن الأصل في الزكاة أن تؤخذ من أغنياء البلد فترد على فقراء البلد، وإذا أريد الفقراء المسلمين فإنه يجوز نقلها إلى الفقراء والمحتاجين في الأماكن الأخرى.


ثم قال: (فإن هم أجابوك لذلك) أي: الزكاة (فإياك وكرائم أموالهم) ما هي كرائم الأموال؟ وكرائم منصوبة على التحذير، أي: احذر كرائم الأموال (إياك وكرائم أموالهم) يعني: لا تأخذ من كرائم الأموال، كرائم الأموال هي أنفسها وأحسنها وأجودها قال: (لا تأخذ من كرائم الأموال) حذره من ذلك، قال: (إياك وكرائم أموالهم) إذن ماذا يأخذ؟ ... أيضًا هنا جائب الزكاة يحرم عليه أن يأخذ كرائم الأموال، ودافع الزكاة أيضًا يحرم عليه أن يدفع رديء ماله، وإنما تؤخذ الزكاة من المتوسط، لا الكرائم ولا أيضًا الرديء وإنما يؤخذ من الوسط.


(إياك وكرائم أموالهم) وحذره من الظلم قال: (وإياك والظلم، أو واتقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) فالظلم ظلمات يوم القيامة المظلوم مستجاب الدعوة.


الشاهد من هذا الحديث للترجمة أن فيه أهمية التوحيد والبدء به في الدعوة إلى الله، وأنه أول ما يبدء به، وأن الدعاة إلى الله -عز وجل- في مقدمة أعمالهم وفي أولويات اهتمامهم الدعوة إلى توحيد الله -سبحانه وتعالى- قبل كل شيء.


مقتبس من :
الدرس السابع / شرح كتاب التوحيد - الشيخ عبدالرزاق العباد
رد مع اقتباس