المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى من أسرته الهموم


seifellah
2015-03-20, 13:57
بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


أما بعد:


فإن الهموم من أعظم المكاره التي تصيب المسلم في الحياة، فتضيق عيشه، وتخنق نفسه، وتطأطئ رأسه، وتنكث منه قوته ونشاطه وبأسه!


فهي جالبة الأحزان ما حلت ببيت إلا أذهبت منه السرور والفرح، وكسته الكآبة والترح، من ابتلي بها فقد ابتلي بعظيم! ومن أعدي بها فقد ناله وباء جسيم!


فيا لله كم أرقت من نائم ! وأتلفت من عاقل فاهم! وأجهلت من حكيم عالم! وأضعفت من قوي حازم.. فهي جند قوي بطشه وعراكه.. قاتل صوله وضرابه!


تذهب نضارة الوجه.. وحلاوة البسمة.. ونقاوة النظرة، وتبدلها سوادًا وعبوسًا، وحسرة!


فكيف السبيل إلى الفكاك من أسرها؟ والتخلص من شرها؟

أسباب الهموم


أسباب الهموم كثيرة ومتنوعة، وهذه الأسباب بعمومها منها ما هو ذاتي، ومنها ما هو موضوعي، كما أن منها ما هو سلبي، ومنها ما هو إيجابي.


فالأسباب الذاتية للهموم: هي الأسباب التي تنبعث من الإنسان ذاته وتصدر من تصرفاته الحسية والمعنوية لينتج عنها الهم والغم والأحزان ومن ذلك: الغفلة عن ذكر الله، والمعاصي والسيئات وقلة القناعة، وتوجس الشر ونحو ذلك.


وأما الأسباب الموضوعية: فهي الأسباب التي تصدر من جهة لا تأثير للإنسان فيها وهذه الأسباب كأن يكون ظلم قد وقع عليه، أو موت قد لحق بأحبابه وأقربائه أو مرض ألم به، أو مصيبة في ماله أو ولده أو أهله، أو أسف وحسرة على قومه لضلالهم، أو ضياعهم أو نحو ذلك من الهموم التي سببها صادر من خارج الذات.


والسلبي من هذه الهموم هو: ما كان لغير الله جل وعلا، وكان على نحو مفرط لا يرضى به الله، والإيجابي منها هو ما كان لله سبحانه، وما لم يتعد حده، واتخذ المسلم الأسباب، وإليك أخي الكريم، الأسباب الأساسية للهموم:

seifellah
2015-03-20, 14:14
1- الغفلة:
فإن الغفلة عن الله جل وعلا هي مورد من موارد الهموم والأحزان، وما استجلبت أغلب الهموم والبلايا إلا بالغفلة عن أداء فرائض الله جل وعلا، وهتك حرماته وحماه، فمن غفل عن ربه سكن الهم في قلبه.


ولذلك فإن عامة الشرور والأوهام النفسية الموجبة للهموم والأحزان سببها عدو الله إبليس، وهو يكون أقوى ما يكون حينما يغفل المسلم عن الله جل وعلا؛ فلا يؤدي أمره ولا ينتهي بنهيه ولا يلهج بذكره، فحينئذ يتربص به الشيطان، ويملأ قلبه صورًا مريبة، ووساوس عصيبة، تهون أمامها العزائم والقوى.


وفي الحديث الصحيح الطويل قال صلى الله عليه وسلم عن يحيى عليه السلام: «وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا حتى إذا أتى على حصن حصين؛ فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله»([1]).


يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله: "فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة؛ لكان حقيقًا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجًا بذكره؛ فإن لا يحرز نفسه من عدوه، إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو؛ إلا من باب الغفلة، فهو يرصده، فإذا غفل؛ وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى؛ انخنس عدو الله، وتصاغر وانقمع، حتى يكون كالوصع ([2]) ، وكالذباب ولهذا سمي الوسواس الخناس، أي: يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله تعالى؛ خنس أي: كف وانقبض.


وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل؛ وسوس، فإذا ذكر الله تعالى، خنس».


وقال رحمه الله: «فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته، كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصدؤه بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه، فإذا تراكم عليه الصدأ واسود، وركبه الران؛ فسد تصوره وإدراكه، فلا يقبل حقًا ولا ينكر باطلاً وهذا أعظم عقوبات القلب وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى، فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره» قال تعالى: }وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا{ [الكهف: 28] ([3]).


وثمرة هذا الكلام النفيس أن الغافل عن ذكر الله جل وعلا أكثر الناس عرضة للهموم والغموم والأحزان؛ فمناعته أضعف المناعات على الإطلاق لأنه لم يحصن نفسه بذكر الله جل وعلا، فأمكن منه الشيطان فهو يقهره بالوساوس والأوهام والتخويف والتشويش، وينفث فيه الأحزان والآلام.


فالغافل عن الله، وعن ذكره وفرائضه وواجباته مهموم بمجرد غفلته، ثم هو إذا أصابه مكروه قلَّ أو كثر تجده أجزع الناس وأضعفهم صبرًا وأقلهم جلدًا وعزمًا، ومن هذا كله كان البعد عن الغفلة من أهم الوسائل لدفع الهموم جميعًا.
وإذا مرضنا تداوينا بذكركم



ونترك الذكر أحيانًا فننتكس




[/URL]([1]) رواه الترمذي، والحاكم، وابن حبان.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) طائر أصغر من العصفور.

[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref3"]([3]) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم (73، 80).

seifellah
2015-03-20, 14:19
2- المعاصي والسيئات:


وهي ثمرة الغفلة عن الله جل وعلا، والاستجابة للشهوات والشبهات، فللمعاصي والآثام، آثار مؤلمة على النفس والقلب والبدن، فهي ظلمة في النفس وسواد في الوجه، ونكتات في القلب، ووهن في البدن.


ومن المعاصي ما يعجل الله عقاب صاحبها في الدنيا فتنقلب عليه همومًا وغمومًا وأحزانًا وقد يكون العبد فعلها ونسي، فأخذه الله عز وجل على غرة من جنس فعله.


ومن المعاصي التي يعجل الله غبها وعقوبتها في الدنيا:


1- البغي وقطيعة الرحم واليمن الفاجرة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس شيء أطيع الله تعالى فيه أعجل ثوابًا من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقابًا من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع»([1]).


2- أكل الربا: فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحد أكثر من الربا، إلا كان عاقبة أمره إلى قلة» ([2]).


3- أخذ الدين بنية تلفه: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» ([3]).


4- سؤال الناس استكثارًا: ففي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم : «وما فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر».


5- حب إشاعة الفاحشة في المؤمنين: قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ{ [النور: 19].


ومن المعاصي الموجبة للعقوبات المعجلة أيضًا الكذب وتتبع عورات المسلمين، وإيذاؤهم والخيانة، وغيرها.


والشاهد أن للمعاصي آثارًا وخيمة على صاحبها في الدنيا، فبها تزول النعم وتحل النقم، وتتنحي الكرامات وتتنزل العقوبات.


قال تعالى: }وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ{ [فاطر: 45].


قال ابن عباس رضي الله عنه: "إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورًا في القلب، وقوة في البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الخلق.


وقال عثمان بن عفان: "ما عمل رجل عملاً؛ إلا ألبسه الله تعالى رداءه، إن خيرًا؛ فخير وإن شرًا ؛ فشر" ([4]).


فالمعصية من موجبات الهموم والأحزان، وإن دقت؛ لأن الله جل وعلا يقول: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{[طه: 124] وعلى قدر الإعراض يكون الضنك والهموم والأحزان.


إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل



خلوت ولكن قل علي رقيب


ولا تحسبن الله يغفل طرفة



ولا أن ما يخفي عليه يغيب


لهونا لعمر الله حتى تتابعت



ذنوب على آثارهن ذنوب


فيا ليت الله يغفر ما مضى



ويأذن في توبتنا فنتوب



فالهلاك كل الهلاك في معصية الله جل وعلا ومخالفة أمره، والإصرار على ارتكاب محارمه، فإن الهموم جند من جنود الله يسلطه الله جل وعلا على من خالفه وعصاه، فعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قومًا، فقال: يا قوم، إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق» ([5]).

[/URL]([1]) رواه البيهقي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (978).

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) رواه ابن مسعود وصححه الألباني في صحيح الجامع (5518).

([3]) رواه البخاري.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref3)([4]) انظر: الوابل الصيب (62).

[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref5"]([5]) رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري.

حفضة
2015-03-20, 19:44
كلام قيم بارك الله فيكم

seifellah
2015-03-20, 21:31
3- الجزع والتسخط على المقدور:


فمن أعظم وأوسع أبواب الهموم: الجزع على المكاره، والتسخط على قضاء الله وقدره، فإن الله جل وعلا ما خلق الموت والحياة إلا ابتلاء وامتحانًا كما قال تعالى: }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا{ [الملك: 2].


ولذلك فقد جعل الله جل وعلا الصبر على مكاره الحياة وبلاياها ركنا من أركان النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة فقال تعالى: }وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{ [العصر: 1-3].


فجعل- سبحانه الصبر ركنًا من أركان الفلاح والنجاح فلا نجاة للمؤمن من البلايا إلا به. ولذلك ذكره الله جل وعلا في نحو تسعين موضعًا في كتابه العزيز، قال تعالى: }وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ{ [البقرة: 45] وقال تعالى: }وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ{ [النحل: 126] وقال تعالى: }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{ [البقرة: 155].


أخي المسلم: يا من أسرتك الهموم، وزاحمتك الغموم، فأرقت ليلك وسودت نهارك وهدت بدنك، وأشغلت بالك، يتيه بها فكرك، ويضيع بها رشدك، وينصاع لها هزلك وجدك. تذكر أن الله جل وعلا ما خلقك لتشقي.. بل لتسعد وترضى.. وأنه سبحانه جعل لتلك السعادة ثمنًا: هو صبرك على البلاء.


قال صلى الله عليه وسلم: «إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر» ([1]).


فجعل الله ص السعادة في الصبر على البلاء، وجعل الهموم والشقاء في الجزع عند البلاء.
الصبر كالصبر مر في تذوقه



لكن عواقبه أحلى من العسل



فوطن أخي الكريم، نفسك على الصبر، وتحمل كل بلاء ابتلاك الله به، سواء في مالك أو في بدنك أو زوجك وبيتك !.


وتذكر أن عين الله جل وعلا تراك وتنظر منك هل ستصبر فتشكر أم تجزع فتكفر.


ثم تذكر أن الله ما ابتلاك إلا لأنه أراد لك الخير في دنياك وآخرتك، فإما يغفر بالبلاء ذنبك، وإما يرفع به قدرك. فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليودن أهل العافية يوم القيامة، أن جلودهم قرضت بالمقاريض مما يرون من ثواب أهل البلاء» ([2]).


وعن أبي بريدة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ويحسبها عائشة قالت: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضًا اشتد منه ضجره أو وجعه، قال: فقلت: يا رسول الله، إنك لتجزع أو تضجر، لو فعلته امرأة منا عجبت منها، قال: «أوما علمت أن المؤمن يشدد عليه ليكون كفارة لخطاياه» ([3]).


قال ابن القيم رحمه الله: (ولهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له.. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "خير عيش أدركناه بالصبر".


وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه: "ضياء".


وقال: «ومن يتصبر يصبره الله» ([4]).


وفي الحديث الصحيح: «عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» ([5]).


وقال للمرأة السوداء التي كانت تصرع، فسألته: أن يدعو لها: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» فقالت: «إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها» ([6]).


وأمر الأنصار، رضي الله عنهم، بأن يصبروا على الأثرة التي يلقونها بعده، حتى يلقوه على الحوض.. وأمر عند ملاقاة العدو بالصبر.. وأمر بالصبر عند المصيبة. وأخبر: أنه إنما يكون عند الصدمة الأولى.


وأمر ص المصاب بأنفع الأمور له، وهو الصبر والاحتساب، فإن ذلك يخفف من مصيبته، ويوفر أجره، والجزع والتسخط والتشكي يزيد في المصيبة، ويذهب الأجر. وأخبر صلى الله عليه وسلم في الصبر خير كله، فقال: «ما أعطي أحد خيرًا له وأوسع من الصبر» ([7])([8]).

[/URL]([1]) رواه أبو داود والطبراني، وهو في السلسلة الصحيحة (975).

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) رواه الترمذي وهو في السلسلة الصحيحة (2206).

([3]) رواه ابن سعد في الطبقات، وهو في السلسلة الصحيحة (1103).

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref3)([4]) رواه البخاري.

([5]) رواه مسلم.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref5)([6]) رواه البخاري ومسلم.

([7]) رواه البخاري ومسلم.

[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref8"] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref7)([8]) مدارج السالكين لابن القيم (2/118).

seifellah
2015-03-20, 21:36
4- قلة القناعة:


وغالبًا ما يكون سبب الهموم: قلة القناعة، والخوف من الفاقة والفقر والخصاصة، وهي خصلة تتولد من ضعف الإيمان بالله، وقلة اليقين فيه سبحانه، وضعف الثقة به سبحانه، وقلة الفقه في دينه وشرعه.


فالله جل وعلا قد قدر الأرزاق في الأزل، وقسمها على خلقه بالحق قال تعالى: }أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{ [الزخرف: 32].


والمسلم المسدد لا يجعل من قلة رزقه همًا يلازمه في ليله ونهاره، وفي شغله وفراغه، كما أنه لا ينظر غلى من هو أكثر منه مالاً وولدًا، وإنما إلى من هو أسفل منه، فأحرى به أن لا يزدري نعمة الله عليه.


نعم هو يكد ويجد، ويبذل الأسباب ويطرق للرزق الأبواب، ويستخير الله جل وعلا في أعماله وحركاته ويستشير في ذلك، ويجتنب موانع الرزق كالمعاصي وغيرها، كما يجتنب موجبات الفقر؛ كالربا واليمين الغموس، ونحوها، فإذا قدر الله عليه رزقه، فأعطاه ما أعطاه من الرزق قل أو كثر، فواجب عليه شكره والقناعة والرضى به، قال ابن مسعود رضي الله عنه: «اليقين أن لا ترضى الناس بسخط الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهة كاره، فإن الله بقسطه جعل الروح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط» ([1]) .


خذ القناعة من دنياك وارض بها



لو لم يكن لك إلا راحة البدن


وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها



هل راح منها بغير القطن والكفن


فلا تغرنك الدنيا وزينتها



وانظر إلى فعلها في الأهل والوطن



وتذكر أخي المسلم، أن الله جل وعلا لم يجعل التفاوت في الأرزاق دليلاً على الخيرية، فهذا لم يوجد نص يدل عليه في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل إن الله جل وعلا يملي للكفار والعصاة فيعطيهم ليزدادوا إثمًا؛ استدراجًا ومكرًا منه بهم، وقد يمنع عبده المؤمن فلا يعطيه حماية له من الدنيا وفتنتها.


قال تعالى: }وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ{ [الزخرف: 33-35].


قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة حتى ييسر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإني إن يسرته له أدخلته النار، فيصرفه الله عنه، فيظل يتطير، يقول: سبقني فلان، دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله عز وجل".


عن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه، كما تحمون مريضكم من الطعام والشراب، تخافون عليه» ([2]) .


قال الأصمعي: «بينما أنا بالحاجز من عنزه إذ بصرت بأعرابي إلى جانب أكمة قد اشتمل بشمله فسلمت عليه فرد السلام، فقلت: يا أعرابي أين منزلك؟ قال: بالخضراء حيث ترى، وأشار إلى شجرة غير بعيدة، فقلت: وأين أهلك؟ قال: في ملك مالك. قلت: فما مالك؟ فقال:


للناس مال ولي مالان مالهما



إذا تحارس أهل الأحراس


مال الرضا الذي أصبحت أملكه



ومال اليأس مما يملك الناس



قال: فأخرجت درهما فأعطيته، فقال: يا فتى هذا من مالي الذي أخبرتك به به»([3]).

[/URL]([1]) ذم المال والجاه، لابن رجب الحنبلي.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) رواه أحمد، وهو صحيح الجامع (1810).

[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref3"]([3]) القناعة لعبد الإله بن داود ص (61).

seifellah
2015-03-21, 21:11
5- السحر والمس والعين:


فقد يكون السحر أو المس أو العين هي السر في هم المسلم وغمه – وهو لا يدري- إذ كلما أصابه الهم الشديد والحزن والكآبة عزاه لمشاكله الذاتية وربطه بأحداثه اليومية، وعند التأمل والتحقيق قد يجد نفسه مبتلى بسحر من حاقد حاسد، أو يمس من جني مارد، أو بعين أصابته من أصحابه أو أقربائه.


فمن المعلوم أن للعين تأثيرا شديدا على الإنسان حتى إنها لتصرعه فترديه، وقد تقتله، فقد روى أصحاب السنن وأحمد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج، وساروا معه نحو ماء، حتى إذا كان بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف، وكان أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهل- أي: صرع- فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«هل تتهمون من أحد؟ قالوا: عامر بن ربيعة، فدعا عامرًا فتغيظ عليه فقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟ ثم قال: اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه، وداخلة إزاره من قدح ثم أمر أن يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره، ثم يكفأ القدح، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس».


وكثيرًا ما يكون السحر والمس أيضًا من أسباب كثرة الهم وشدة الغم، فإن من أعراضهما حب العزلة والانطواء، وبغض الناس لغير سبب، والأرق والصداع والشك والوسوسة، وشدة الغضب لأتفه الأسباب، وهذه الأعراض كلها إذا اجتمعت في المسلم أورثته الهم الدائم والغم والأحزان.


والمس قد يصيب النبي كما أصاب أيوب عليه السلام، ولبث فيه ثمان عشرة سنة حتى شفاه الله. قال تعالى: }وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ{ [ص: 41] ([1]).


وسحر الرسول صلى الله عليه وسلم ولبث به ذلك ستة أشهر كما صح في البخاري، وأصاب عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه مس فرقاه الرسول صلى الله عليه وسلم فكل هذه النصوص والوقائع تدل على أن السحر والمس قد يصيب المؤمن الصالح التقي كما قد يصيب الفاجر الشقي، ولله في ذلك حكمة هو قاضيها!


فلا ينبغي للمسلم إذا تمادى به همه وطغى عليه غمه، ولم يعلم لزواله سبيلاً أن يستبعد من نفسه وجود مس يؤذيه! كيف وقد آذى خيرة الخلق وفضلاءهم! ولكن عليه إن ظهرت عليه أعراض ذلك ([2])أن يستشير أهل العلم والخبرة في ذلك وأن يأخذ بمشورتهم.


فقد تخرج الحاجات يا أم مالك
كرائم من رب بهن ضنين


[/URL]([1]) وانظر قصة أيوب عليه السلام في صحيح ابن حبان (2091) عن أنس بن مالك مرفوعًا.

[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref2"] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) وهي كثيرة معروفة ومذكورة في كتب الرقي: ومنها التشويش في الصلاة، واستثقال قراءة القرآن، والألم أسفل الظهر، وحب الانطواء، وكراهية دخول المسجد، وكثرة النوم، وفقدان القدرة على الربط بين الكلام وضعف التركيز، وكراهية العمل وطلب العلم، ونحو ذلك مما سأبينه في كتاب "دليل المسلم إلى الرقية الشرعية" يسر الله إتمامه.

seifellah
2015-03-21, 21:16
وسائل دفع الهموم :


فمن مهمات الوسائل لدفع الهموم:


1- التوبة إلى الله جل و علا:


من رحمة الله جل وعلا بخلقه أن فح لهم باب التوبة وجعلها كفارة للذنوب الموجبة للهموم والغموم. فالتوبة من أعظم وسائل انشراح الصدر والراحة والطمأنينة يقول ابن الجوزي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: }إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ{ [الرعد: 11] قال: إن الله لا يغير ما بقوم من الكروب حتى يغيروا ما بأنفسهم من الذنوب، فلا يكون التغيير إلا بعد التغيير.


فيا من أسرته الهموم.. وأعيته الغموم.. لُذ إلى الله، واستمطر بالتوبة رحمته، فإن رحمته للتائبين وسام. وإن رحمته إذا غشيت عبدًا أذهبت غمه وهمه.. وأنعشت قلبه ونفسه.. وأسكنت روحه وجوارحه.. فإذا السعادة تغمره كله.


وتأمل كيف جمع الله بين رحمته ومغفرته في هذه الآيات: قال تعالى: }فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [المائدة: 39].


وقال تعالى: }إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا{ [الفرقان: 70].


وقال تعالى: }وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ{ [الأعراف: 153].


وقال تعالى: }إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [النمل: 11].


ومما يجدر بالمؤمن التائب فعله بعد التوبة: الاستكثار من الأعمال الموجبة للمغفرة وتكفير الخطايا ([1]) ، ومنها: الإكثار من الاستغفار، وإحسان الوضوء والصلاة، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وكثرة الخطا إلى المساجد، والعمرة والحج، والصيام، وغيرها.


2- الإلحاح على الله بالدعاء:


فإن الدعاء أعظم سلاح لإتلاف الهموم وزوالها، فليس شيء أكرم على الله منه، يحبه ويحب أهله ويستجيب لهم كما وعد بقوله سبحانه: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [غافر: 60].


فمن نزلت به الهموم ولم يلجأ إلى الله سائلا فرجه، شاكيًا همه إليه لم يفقه! فإن الشكوى إلى الله عز وجل لا تنافي الصبر، ويعقوب عليه السلام، وعد بالصبر الجميل، والنبي إذا وعد لا يخلف ثم قال: }إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ{ [يوسف: 86] وكذلك أيوب أخبر الله عنه أنه وجده صابرًا مع قوله: }مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{ [الأنبياء: 83].


وإنما ينافي الصبر شكوى الله، لا الشكوى إلى الله، كما رأى بعضهم رجلاً يشكو إلى آخر فاقة وضرورة، فقال: يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك!!


ثم أنشد:


وإذا عرتك بلية فاصبر لها



صبر الكريم فإنه بك أعلم


وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما



تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم



فاحرص أخي الكريم على اللجوء إلى الله سبحانه، والتضرع إليه، والفرار منه إليه، وتوخ أوقات الاستجابة وأحوالها، فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن» ([2]).


3- حسن الظن بالله عز وجل:


فإن من موجبات رحمة الله جل وعلا، وذهاب ا لهموم والغموم: حسن الظن بالله جل وعلا. فمن أحسن ظنه به كان له سبحانه على ما ظن به من خير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرًا فله، وإن ظن شرًا فله» ([3]).


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا عند ظن عبدي بي، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر» ([4]).


فإذا ابتلي المؤمن ببلاء قد أورثه همًا وغمًا وأراد أن يهون عليه، فلينظر إلى مراد الله من هذا البلاء فما هما إلا مرادان:



إما أن الله يعجل له عقوبة ذنب ليزيل عنه غبه وعقوبته يوم القيامة، وليحذره، من مغبة الإصرار في المستقبل. فعن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبد خيرًا عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبد شرًا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافيه يوم القيامة» ([5]).


وإما أن الله جل وعلا قد وهب عبده المبتلى بمنزلة ودرجة، ونظر فلم يجد له من القربات والطاعات ما يوصله إليها فابتلاه ليكرمه. كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله؛ ابتلاه في ماله أو جسده أو ولده».


ومن هذا فإن المؤمن إذا أحسن ظنه بالله جل وعلا أجر على بلائه أجرًا عظيمًا، وعوضه الله جل وعلا عن همه وغمه فرحًا ونشوة وسعادة جزاء له على حسن ظنه بربه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط» ([6]).

[/URL]([1]) وقد جمعتها في كتيب صغير، ط دار ابن خزيمة بالرياض، بعنوان موجبات المغفرة.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) رواه الترمذي وهو في صحيح الجامع (1173).

([3]) رواه أحمد وهو في الصحيح الجامع (4191).

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref3)([4]) رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية وصححه الألباني في صحيح الجامع (1091).

([5]) رواه الترمذي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1220).

[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref6"] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref5)([6]) رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2106).

seifellah
2015-03-22, 11:53
4- القرآن والأذكار:


فإن كتاب الله جل وعلا هو كلامه الذي أنزله للناس هدى ورحمة وشفاء وحكمة وطمأنينة وسكينة قال تعالى: }قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ{ [فصلت: 44] فبه تنشرح الصدور وتطمئن القلوب وتهدأ النفوس؛ كما قال الشاطبي رحمه الله:


وإن كتاب الله أوفى شافع



وأغنى غناء واهبًا متفضلا


وخير جليس لا يمل حديثه



وترداده يزداد فيه تجملا


وحيث الفتى يرتاع في ظلماته



من القبر يلقاه سنًا متهللاً


فيا أيها القارئ به متمسكًا



مجلا له في كل حال مبجلا


هنيئًا مريئًا والدك عليهما



ملابس أنوار من التاج والحلا



وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب عبدًا هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحًا»([1]).


ففي هذا الحديث دليل على أن قراءة القرآن بتدبر وإخلاص وخشوع من أسباب زوال الهموم وذهابها وحلول الأفراح والمسارة.


وأما ذكر الله جل وعلا فيشمل الأقوال والأفعال التي يرضاها الله جل وعلا ويحبها؛ ومن ذلك النوافل وقراءة القرآن ذكر الله بما شرع من الأذكار المأثورة قال تعالى: }أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [الرعد: 28].


قال أبو الدرداء، رضي الله عنه: "لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل".


قال ابن القيم، رحمه الله: "ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، فجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرأة البيضاء، فإذا ترك؛ صدئ، فإذا ذكره جلاه" ([2]).


ومن مهمات الأذكار الدافعة للهموم والغموم، ذكر الله في الصباح والمساء.


يقول الشيخ بكر أبو زيد: وهذا الورد الشريف الموظف في الشرع المطهر: مقدارًا وزمانًا([3]) وكيفية مستحب بإجماع المسلمين، وهو حصن المسلم الحصين، وحرز وجنة، ولباس، وبذل للأسباب في الوقاية من الشرور والآفات، كما يتقي ساكن البيت به من الحر والبرد والعدو.


وليدم الضراعة والابتهال ويلهج بذكر ذي الجلال والإكرام، وفقًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومسارعة لدعوة الكريم الرحمن الرحيم: }ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [غافر: 60] ولا يغيب عن بال الداعي أن يحصل بسبب الدعاء: سكينة في النفس، وانشراح في الصدر، وصبرًا يسهل معه احتمال الواردات عليه، وهذا نوع من أنواع الاستجابة.


فعلى المسلم اغتنام هذه الفضائل بإخلاص ومتابعة وإلحاق للعلم بالعمل، ونعم الوظيفة وظيفة الذكر المبنية على التأسي والاقتداء بخاتم الأنبياء، عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، التي علمنا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ودلهم عليها. ([4]).


7- التوكل على الله والثقة والرضا به سبحانه:


ومن أهم أسباب زوال الهموم والغموم: التوكل على الله جل وعلا، وتفويض الأمور إليه، والثقة به، وبحكمه وقضائه وقدره والرضا بكل ما يقضيه، فإن المؤمن إذا اجتمعت فيه هذه الخصال العالية دلت على قوة إيمانه ويقينه، وزالت عنه الهموم وتطايرت مع قوة قلبه ونوره كما تتطاير أوراق الشجر.


يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: صاحب الإيمان يهديه الله إلى الصراط المستقيم، ويهديه في الصراط المستقيم يهدي إلى علم الحق، وإلى العمل به، وإلى تلقي المحاب والمسار بالشكر، وتلقي المكاره والمصائب بالرضا والصبر. قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ{ [يونس: 9] وقال تعالى: }مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ{ [التغابن: 11] قال بعض السلف: «هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله، فيرضي ويسلم».


ولو لم يكن من ثمرات الإيمان، إلا أنه يسلي صاحبه عن المصائب والمكاره: التي كل أحد عرضة لها في كل وقت، ومصاحبة الإيمان واليقين أعظم مسل عنها، ومهون لها وذلك: لقوة إيمانه وقوة توكله، ولقوة رجائه بثواب ربه، وطمعه في فضله، فحلاوة الأجر تخفف مرارة الصبر، قال تعالى: }وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ{ [النساء: 104] ولهذا تجد اثنين: تصيبهم مصيبة واحدة متقاربة، وأحدهما عنده إيمانه، والآخر فاقد له تجد الفرق العظيم بين حاليهما، وتأثيرها في ظاهرهما وباطنهما، وهذا الفرق راجع إلى الإيمان والعمل بمقتضاه ([5]).


الجهاد في سبيل الله:


فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالجهاد في سبيل الله، فإنه من أبواب الجنة، يذهب الله به الهم والغم» ([6]).


[/URL]([1]) رواه أحمد وابن حبان والحاكم وهو حديث صحيح.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) الوابل الصيب (80)

([3]) أي كما جاء منصوصًا عليه في الصباح والمساء.

(http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref3)([4]) أذكار طرفي النهار لبكر أبو زيد (14/15).

([5]) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان، للشيخ عبد الرحمن السعدي (80).

[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref6"] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref5)([6]) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1941).

seifellah
2015-03-22, 12:03
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:


فعن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ذهب ثلثًا الليل قام فقال: «يا أيها الناس: اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه» قال أبي: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت» قال: قلت: الربع، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» قلت النصف. قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك» قلت: أجعل لك صلاتي كلها، قال: «إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك» ([1]).


قراءة آية السكينة:


قال ابن القيم رحمه الله: وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة.


وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه، تعجز العقول عن حملها، من محاربة أرواح شيطانية، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة، قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرءوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال وجلست وما بي قلبة.


وقد جربت أنا أيضًا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه، فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطمأنينته ([2]).


وآيات السكينة ذكرها الله جل وعلا في ستة مواضع:


الأولى: قوله تعالى: }وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ{ [البقرة: 248].


الثانية: قوله تعالى: }إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا{ [التوبة: 40].


الثالثة: قوله تعالى: }ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ{ [التوبة: 26].

الرابعة: }هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{ [الفتح: 4].


الخامسة: قوله تعالى: }لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا{ [الفتح: 18].


السادسة: قوله تعالى: }إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ{ [الفتح: 26].


وفي الختام: نسأل الله أن يفرج عن كل مهموم، وينفس عن كل مكروب، وأن يمن علينا براحة القلب، وهدوء البال، وأن يجعل لنا من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، إنه سميع الدعاء.


وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.




[/URL]([1]) ذكر الشيخ محمد صالح المنجد في كتابه الناقع علاج الهموم وقال: رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وحسنه الألباني في المشكاة (29).

[URL="http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref2"] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1)([2]) مدارج السالكين لابن القيم الجوزية (2/376).