تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المرأة والحرب المقدّسة في فلسطين


صابر24
2015-03-20, 11:44
المرأة والحرب المقدّسة في فلسطين

ميســــــــــــــــــــــــــــــــــون
نزل الغزاة المتستّرون بالصليب على هدف الشّام نزول البلاء ، ونفخ الشيطان في معاطسهم ، فظنوا أنّهم بالباطل منتصرون ، فجمعوا جموعهم وسلّوا أحقادهم وقال الظّالمون أن هلموا إلى صيدكم في هذه البلاد الخصبة الآمنة ، و فشت أخبارهم كالطاعون ، و نعق صوت محاربيهم كالبوم ، يتقدّمون إلى البلاد طوفان خراب.
و في يوم من سنة ستّمائة وسبع للهجرة – والمحنة في أوجها – هبّ الأحرار، وفارت الدماء،وثارت أصالتها تقول :
(( النّار ولا العار،المنيّة ولا الدّنيّة))
كتائبنا جباهها إلى السّماء نقيّة ناصعة بيضاء ،ضمّت الشّعب المناضل في سبيل حرّيّته وكرامته و عروبته ،و كان ثمّة إخوة أربعة التحقوا بلواء الكفاح ،و تركوا أختهم ميسون وحيدة في دارها، لا يؤنسها إلاّ شبابها وطيف إخوتها ،و اهتمامها بأمر وطنها. حتّى إذا ما جاء الدهر كقطع من اللّيل تتابع فيه الغاصبون يركبون متن البحار ،ينزلون إلى شاطئ فلسطين عصابات سلب ونهب وقتل ، يحّثون نفوسهم ويؤمّلونها الآمال.
فكّرت ميسون في استثارة من فصّر عن القتال و الجهاد ،عالمة أنّ القابعين في بيوتهم ، و المتحجّرين في متاجرهم و راء صناديقهم ، و المتمسكنين مع أسرهم ،لا ينفعهم قبوعهم وتحجّرهم أو مسكنتهم ، فمن أخّره ماله ، أو أثناه ضعفه ، فليعلم أنّه (( لا يبلغ المجد من لم يركب الخطر )) و لا خير في ثروة أو حياة أو متاع أو أولاد تحت حماية مستبدّ ظالم جشع،و حرامٌ أن يلذّ جفن ٌ بالمنام ، و يمتلئ بطنٌ من الطّعام ، و ينعم إنسان ببهرج الدنيا الكاذب. و هناك جفونٌ تمزّقها السّيوف و بطون تبقرها الرّماح . و أناس يطلبون الموت راحةً من العذاب.
و سرحت ميسون في تفكيرها حتّى نبّهها قرع الباب ونعي إخوتها الربعة ، فاشتدّ الأمر عليها ، و عجز قلبها الرّقيق عن تحمّل الصّدمة ،و بلعت ريقها كأنّها تجرّعت دواءً مرًّا بقي مذاقه على لسانها ، و صاحت في نفسها الثأر- الثأر و أحسّت بالثورة تشتعل في جسمها ، وبالقوّة الخارقة في تسري في عضلاتها ، و بالنّقمة العارمة تملأ مع الدماء عروقها ، فنهضت لترتدي ثياب القتال و تلحق إخوتها في شرف الاستشهاد ، لقد انتهى ما بينها وبين الأرض ، فوصلت نفسها بأسباب السّماء ، و ازدادت قوّة ومضاءً. لكنها كيف تبدأ عملها ؟.
جلست و الشّرر يتطاير من عينيها ، ووضعت رأسها بين يديها ، فارتمى شعرها المتموّج كالحرير أمام ناظرها ن ، فأحسّت أنّه يومئ إليها : أنّ هذا هو سلاحها شدّي منه رسنًا لخيول الوغى ، حركي به عزائم الرجال لينقضوا على الموت.
و ذهب إلى جارات لها علمنا مصابها في إخوتها ، فظنن أنها جاءت ليواسينها و يخففّن عنها، لكنها قالت : نحن لم نخلق رجالا ، ولكننا إذا هان الرّجال لم نهن، و إذا خاروا لم نخر ن إنّي فكّرت فيما آل إليه حالنا مع الأعداء ، و إنّه ما تقف أنوثتنا في وجوهنا إلى المعركة ، و إنّي أزمعت رأيي على قصّ شعري هذا ، فهو سلاحي الوحيد الذي أملكه ، أفلا تفعلن مثلي ليكون لجما لخيلنا في المعركة ؟ ففعلن جميعا ، و أرسلنه ضفيرات إلى خطيب المسجد الأموي ، وكان سبط بن الجوزي .
و في يوم الجمعة صعد الخطيبُ المنبر و قد اغرورقت عيناه بالدّموع ،و في يده ضفيرات الشّعر ، و ألقى خطبة هزّت القلوب ، و كانت أشدّ بأسا على الأعداء من النّار والحديد ، و مما أثر عنه قوله:
(( أيها النّاس ، أما يؤلمكم ، ويشجي نفوسكم مرأى عدوّ الله و عدوّكم يخطر على أرضكم التي سقاها بالدماء أباؤكم ؟
... أما يهزّ قلوبكم و يثير حماستكم أنذ إخوانًا لكم قد أحاط بهم العدوُّ ، و سامهم ألوان الخسف ، فمن لم يهب لنصرة فلسطين و القتال دونها و انقاذها من الغزاة ، لا يكون عربيًّا مؤمنا .
يا أيها النّاس إنّها قد دارت رحى الحرب ، ونادى منادي الجهاد ، و تفتّحت أبواب السّماء ، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب فأفسحوا الطريق للنّساء يدرن رحاها ، و اذهبوا فخذوا من هنّ المكاحل و العطور منهنّ أو فهيا إلى الخيول و هاكم لجمها و قيودها ....يا ناس: أتدرون ممّ صنعت هذه اللّجم والقيود ، لقد صنعتها النّساء من شعورهنّ ، لأنّهنّ لا يملكن شيئًا غيرها يساعدن به فلسطين.
هذه و الله ضفائر المخدّرات قطعنها ، لأنّ تاريخ الحرب المقدّسة قد بدا ، فإن لم تقدروا على الخيل تقيّدونها بها ، فخذوها فاجعلوها ذوائب لكم و ضفائر...و ألقاها من فوق المنبر على رؤوس النّاس و صرخ : (( يا قبة النّسر ، و ميدي يا عمد المسجد ، و انقضّي يا رجوم السّماء ، لقد تخلّف بعض القوم عن المعركة والجهاد )) .سمع النّاس هذا فهبّوا للقتال ، و تجمّعوا في نابلس ، وهجموا الأسود على الأعداء ، و فطردوهم حتّى التجِؤا إلى عكّا ، فحاصروهم فيها حتّى أشرفوا على الهلاك ، فاستسلموا . أحل...لقد جلبَ النّصرَ في المعركة رجلٌ و امرأةٌ .
الرّجل هو خطيب المسجد ، و قد كافأه الله بما بما أعطاه في دنياه قبل آخرته من رفعة و سموّ ، و المرأة هي ميسون ، و قد كافأها الله إذ ردّ عليها إخوتها الأربعة سالمين . ولم يكن خبر استشهادهم صحيحا . ألا هكذا فلتكن نساؤنا.

مروان شيخو
نقل وإعداد صابر24 مدرس لغة عربية من ولاية الوادي الجمهورية الجزائرية .
تحية إلى المرأة العربية الحرّة التي كانت ولا تزال سندا للرجل ، تشتعل أنوثة حقيقية . تفيض عطاء تصون المبادئ ، تنجب الرجال وتعدهم لبناء الأمّة. ليست المرأة التي تدّعي المعاصرة تبحث عن اذلال الرجل باسم الديمقراطية والمساواة تشبها بالغرب.