بحر العطاء
2009-08-31, 22:58
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته :
سنبدأ معا بإذن الله سلسلة جديدة اسمها قصص الأنبياء؛ وقبل أن نبدأ بقصة آدمعليه السلام من المهم أن نبدأ بمقدمة توصلنا لبداية قصة آدم.. آملين أن نتعلمونرتقي ونحن نتجول معا في رياض الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين.
وقديأتي في ذهن البعض سؤال يقول: وما فائدة سرد قصص الأنبياء؟ وما الذي يجعلنا نعودللماضي السحيق؟ ولماذا لا نتكلم عن المستقبل وعن مشاكلنا؟ لِم ننظر للخلف ونبحث فيالأمس تاركين اليوم وغدا؟
ولهؤلاء أقول إن قصص الأنبياء مهمة جدا.. أمايكفيكم أن ما يقرب من ثلث القرآن -المعجزة الخالدة إلى يوم القيامة- يحدثنا عن قصصالأنبياء! أما يكفيكم أن كمّ الآيات والسور التي تتحدث عن الأنبياء تنبئنا أن فيقصصهم نبراسا يهدي به الله تعالى السابقين واللاحقين.. أما يعلم الله سبحانه وتعالىأن البشرية ستتطور؟ نعم يعلم لكنه وضع سرا عظيما في معرفتنا بسيرتهم واقتفائنالأثرهم..
فإن في معرفتنا بقصصهم أهدافا كثيرة، فتعالوا نستعرضهامعا...
أول الأهداف هو تثبيت المؤمنين، يقول الله تبارك وتعالى: {وَكُلاًّنَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَفِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.. فإذا قلت في أي شيءيريد الله تثبيت قلوب المؤمنين؟ فالإجابة هي أن المؤمنين في حاجة لتثبيت القلوب فيمواقف كثيرة:
يثبتك عند المصائب فيحكي لك قصة أيوب، وتبدأ شخصية هذا النبيتتجسد أمامك وتعيش مع صبره على المرض: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّيمَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُفَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْرَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}.. فأيوب ذاق من ألوان المرض مافوق احتمال البشر، وفوق ما يمكن أن يمر به أحد.. لا أنا ولا أنت ولا أحد له القدرةعلى مواجهة مثل هذه الشدة لذا فنحن نحتاج إلى أن يثبتنا الله عند المصائب مهما كانتكبيرة وعظيمة بذكر قصته لنا..
وكذلك الحال عندما نمر على قصة نبي الله يعقوبعندما يفقد يعقوب ابنه وهو يقول: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِيبِهِمْ جَمِيعاً}.. فأي مصيبة كمصيبة يعقوب! وفي هذا نعرض هدفا من أهداف القصةالقرآنية.. أنها تثبتك عند الفتن التي تلاحقك من كل مكان.. أنت تريد أن تقاوم لكنكخائف فيأتي يوسف أمام عينيك وهو يقول: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَمَثْوَايَ}.. واالسيدة التي تراوده عن نفسه تأتي وتقول: { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُعَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ}.. ويوسف يقول: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّمِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}.. فإن كنت تريد أن تثبت عند الفتن فاقرأ سورة يوسف،إن كنت تريد أن تثبت ساعة المصيبة تعلّم من أيوب؛ ولذلك أنصحك نصيحة.. لو سيطرتعليك شهوة -أي شهوة فارجع للقرآن واقرأ قصة نبي من الأنبياء، ستجد صاحبها يثبتك علىتنفيذ أوامر الله مهما كانت صعبة عليك، اقرأ قصة نبي وأنت تشعر أن أمرا ما ثقيلاعلى نفسك لا تستطيع تنفيذه، فإذا كنت متعلقا بفتاة ولا تستطيع أن تبتعد عنها سترىإبراهيم وهو يذبح ابنه ويقول: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّيأَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}.. ستجد نفسك تتعلم من نبي الله إسماعيل أيضا وهويقول:{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْالصَّابِرِينَ}. ومن هنا نتعلم أن الهدف الأول من قصص الأنبياء هو "التثبيت"..
الهدف الثاني من قصص الأنبياء هو "العبرة والعظة" في كل جزئياتحياتنا، فإن كنت تريد أن تتعلم وتعتبر في كل لحظة من لحظات حياتك فلتتعلم منالأنبياء، يقول الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌلأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِيبَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ}.. ستجد أنك كلما سمعت جملة عن حياةأحدهم تصل إلى العبرة والعظة.. إذا كنت تبحث عن إصلاح القلب وحسن الخلق وتربيةالأبناء وكيف تتعامل مع المصائب ابحث في قصص الأنبياء، يقول ابن القيم: "واعلم أنضرورة الاحتياج إلى الأنبياء أعظم من احتياج الروح إلى البدن والعين إلى نورهاوالروح إلى جسدها؛ لأن الأنبياء بهم يُعرَف الله عز وجل".. ويقول الله تباركوتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَتَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِمَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}.
ثالث الأهداف هو القدوة، فقد جعل اللهالأنبياء لكي نقتدي بهم أيها الشباب، وأتمنى لك بعد أن تسمع قصة يوسف أن تقول فينفسك: أريد أن أقتدي بيوسف عليه السلام، وأمنيتي أن الفتاة المسلمة بدلا من أنتقتدي بفلانة في لبسها ومكياجها أن تقتدي بمريم في نقائها وعبادتها وخشوعها وحبهالله تبارك وتعالى، أتمنى أن آباءنا بدلا من أن يمضوا الليل في قلق على الرزق فياليوم التالي أن يقتدوا بإبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار وهو يقول حسبيالله ونعم الوكيل في منتهى الثقة والاطمئنان؛ فيقضي أجمل أيام عمره وهو في النار؛وقد جعلها الله بردا وسلاما عليه.
لماذا لا نقتدي بهؤلاء، يقول الله تباركوتعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} ولاحظ أنقبل هذه الآية جاء 18 اسما من أسماء الأنبياء متتابعين، وهي الآية الوحيدة التي جمعفيها 18 اسما من أسماء الأنبياء هي الآية 83 من سورة الأنعام وفي آخر الآية قالالله سبحانه وتعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْاقْتَدِهِ}.. وعندي أمل في أن تتخيل كل نبي في قصته بعد أن تنتهي منها، وبالمناسبةفإن قصص الأنبياء مادة ثرية جدا بكل ما تحتويه من أخلاق وعبادات وإصلاح القلوب؛ولكن علينا أن نجعلهم قدوة لنا..
أما الهدف الرابع فهو تربية العقيدة، أنترسُخ العقيدة في قلبك؛ فالعقيدة ببساطة إيمان راسخ في القلب، سئل عبد الله بن عمربن الخطاب: "أكان صحابة رسول الله يضحكون؟"؛ فقال: "كانوا يَضحَكون ويُضحِكون ولكنالإيمان في قلوبهم أرسخ من الجبال"، هذه هي العقيدة، فإن سألنا عن علاقة العقيدةبقصص الأنبياء؟ فإن أعظم ما يربي العقيدة في قلبك أن تسمع قصص الأنبياء فترى يونسوهو في بطن الحوت في منتهى اليأس ورغم ذلك تسمعه يقول: {لا إله إِلاَّ أَنْتَسُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} فتتعلم: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُوَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ}. أي أنه لمّا نادى استجبنا له.. ترى إبراهيم وهويقول حسبي الله ونعم الوكيل فتتعلم: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماًعَلَى إِبْرَاهِيمَ}.. وأنت تسمع قصة النبي صلى الله عليه وسلم تسري في جسدك قوةوأنت لا تدري، وعندما تتأمل قصة موسى عليه السلام وفرعون يلاحقه من خلفه وأصحابموسى يقولون: {إنَّا لَمُدْرَكُونَ} وفرعون يلاحقك من خلفك والبحر أمامك فتتعلمالثقة بالله وموسى يقول كما جاء في القرآن الكريم: {كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّيسَيَهْدِينِ}
أما عن الهدف الخامس فهو أن تتعلم فن الدعوة إلى الله، وكيفتصلح الناس وتأخذ بيد الناس.. فأنت عندما تستمع إلى قصص الأنبياء تتعلم كيفيةالدعوة إلى الله تعالى وأن عليك وأنت تدعو إلى الله أن تحذرأن تدعو بعنف وقسوة،فاستمع إلى إبراهيم وهو يخاطب أباه قائلا: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْيَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ}.. فحتى وهو يتحدث إلى أبيه الكافر اختار أنيتحدث إليه بالكلمات الرقيقة البعيدة عن القسوة والغلظة مع أن أباه هو الذي يصنعالأصنام، وانظر إلى يوسف وهو في السجن يتحدث إلى المساجين وتأمَّله وهو يقول: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ} منتهى الرقة والعطف..
ومن هنا نخلص للهدف السادس،والذي من أجله نقرأ قصص الأنبياء ونتدارسها معا وهو أن نفهم القرآن؛ لأنه كماأسلفنا فإن ثلث القرآن قصص الأنبياء.
أما الهدف الأخير من قصص الأنبياء فهوإصلاح القلوب..فلقد وجدت أنه حتى تصلح القلوب لابد من ضرورة سرد قصص الأنبياء.. فانظرإلى إبراهيم وولده إسماعيل، وداود وابنه سليمان.. هؤلاء ربوا أبناءهم فخرجواأنبياء، أما نحن فلدينا مشاكل في بيوتنا من وجود أبناء يشتكون من الآباء، وأنا أظنأن هذه المسألة ستحل وأنت تستمع إلى قصص الأنبياء، ففي قصص الأنبياء ستجد كيف يقصالله علينا سلسلة آباء وأبناء وهو يروي حكايات بيوت إبراهيم وإسماعيل، ويعقوبويوسف، ومريم وعيسى..
إن في قصص الأنبياء واقعا يتكرر كل يوم في حياتناولهذا ذكرها القرآن، ولهذا أقول إنني أتكلم عن حياتكم أنتم، وأنا أتكلم عن ألف عاممضت.. إن حكايات البشرية تتكرر، وابتلاءات الحياة تتكرر وعلينا أن ننظر كيف فعلالصالحون من الأولين..
وسوف نتناول قصص الأنبياء ونحن نتطلع إلى العِبر والعظاتالمستخلصة منها؛ فالهدف الأول هو العبرة والعظة والقرآن الكريم يقول: {فَاقْصُصِالْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فأي عمل لا يترتب عليه أي فائدة فالخوض فيهمن التكلف الذي نُهينا نحن عنه، يقول الله تبارك وتعالى: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْإِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً} يعني حسبك ما قصه الله عليك.. ولذلك لن ننشغل في أيالأعوام وُجد هذا النبي أو ذاك فالقرآن سحب الدائرة الزمنيةوالمكانية..
فهيا بنا معا نطوف حول رياض الأنبياء نتنسم شذاهم ونضيءقلوبنا بأنوارهم، والله أسأل أن ينتفع بها كل مسلم وتكون له ذخراً في حياته.. وبعدمماته.. وأن يعلمنا ويفقهنا في ديننا.. إنه هو العليمالخبير..
و في الأخير أريد منكم بعد أن تقرأوا القصة تضعوا العبرة التي استخلصتموها منها.
إذا كان لكم أي إعتراض على الفكرة فأخبروني.
إن لم يكن أي إعتراض
فإن شاء الله غدا سأضع بين أيديكم قصة سيدنا أبو البشرية آدم عليه السلام.
سلام...
سنبدأ معا بإذن الله سلسلة جديدة اسمها قصص الأنبياء؛ وقبل أن نبدأ بقصة آدمعليه السلام من المهم أن نبدأ بمقدمة توصلنا لبداية قصة آدم.. آملين أن نتعلمونرتقي ونحن نتجول معا في رياض الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين.
وقديأتي في ذهن البعض سؤال يقول: وما فائدة سرد قصص الأنبياء؟ وما الذي يجعلنا نعودللماضي السحيق؟ ولماذا لا نتكلم عن المستقبل وعن مشاكلنا؟ لِم ننظر للخلف ونبحث فيالأمس تاركين اليوم وغدا؟
ولهؤلاء أقول إن قصص الأنبياء مهمة جدا.. أمايكفيكم أن ما يقرب من ثلث القرآن -المعجزة الخالدة إلى يوم القيامة- يحدثنا عن قصصالأنبياء! أما يكفيكم أن كمّ الآيات والسور التي تتحدث عن الأنبياء تنبئنا أن فيقصصهم نبراسا يهدي به الله تعالى السابقين واللاحقين.. أما يعلم الله سبحانه وتعالىأن البشرية ستتطور؟ نعم يعلم لكنه وضع سرا عظيما في معرفتنا بسيرتهم واقتفائنالأثرهم..
فإن في معرفتنا بقصصهم أهدافا كثيرة، فتعالوا نستعرضهامعا...
أول الأهداف هو تثبيت المؤمنين، يقول الله تبارك وتعالى: {وَكُلاًّنَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَفِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.. فإذا قلت في أي شيءيريد الله تثبيت قلوب المؤمنين؟ فالإجابة هي أن المؤمنين في حاجة لتثبيت القلوب فيمواقف كثيرة:
يثبتك عند المصائب فيحكي لك قصة أيوب، وتبدأ شخصية هذا النبيتتجسد أمامك وتعيش مع صبره على المرض: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّيمَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُفَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْرَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}.. فأيوب ذاق من ألوان المرض مافوق احتمال البشر، وفوق ما يمكن أن يمر به أحد.. لا أنا ولا أنت ولا أحد له القدرةعلى مواجهة مثل هذه الشدة لذا فنحن نحتاج إلى أن يثبتنا الله عند المصائب مهما كانتكبيرة وعظيمة بذكر قصته لنا..
وكذلك الحال عندما نمر على قصة نبي الله يعقوبعندما يفقد يعقوب ابنه وهو يقول: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِيبِهِمْ جَمِيعاً}.. فأي مصيبة كمصيبة يعقوب! وفي هذا نعرض هدفا من أهداف القصةالقرآنية.. أنها تثبتك عند الفتن التي تلاحقك من كل مكان.. أنت تريد أن تقاوم لكنكخائف فيأتي يوسف أمام عينيك وهو يقول: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَمَثْوَايَ}.. واالسيدة التي تراوده عن نفسه تأتي وتقول: { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُعَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ}.. ويوسف يقول: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّمِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}.. فإن كنت تريد أن تثبت عند الفتن فاقرأ سورة يوسف،إن كنت تريد أن تثبت ساعة المصيبة تعلّم من أيوب؛ ولذلك أنصحك نصيحة.. لو سيطرتعليك شهوة -أي شهوة فارجع للقرآن واقرأ قصة نبي من الأنبياء، ستجد صاحبها يثبتك علىتنفيذ أوامر الله مهما كانت صعبة عليك، اقرأ قصة نبي وأنت تشعر أن أمرا ما ثقيلاعلى نفسك لا تستطيع تنفيذه، فإذا كنت متعلقا بفتاة ولا تستطيع أن تبتعد عنها سترىإبراهيم وهو يذبح ابنه ويقول: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّيأَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}.. ستجد نفسك تتعلم من نبي الله إسماعيل أيضا وهويقول:{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْالصَّابِرِينَ}. ومن هنا نتعلم أن الهدف الأول من قصص الأنبياء هو "التثبيت"..
الهدف الثاني من قصص الأنبياء هو "العبرة والعظة" في كل جزئياتحياتنا، فإن كنت تريد أن تتعلم وتعتبر في كل لحظة من لحظات حياتك فلتتعلم منالأنبياء، يقول الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌلأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِيبَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ}.. ستجد أنك كلما سمعت جملة عن حياةأحدهم تصل إلى العبرة والعظة.. إذا كنت تبحث عن إصلاح القلب وحسن الخلق وتربيةالأبناء وكيف تتعامل مع المصائب ابحث في قصص الأنبياء، يقول ابن القيم: "واعلم أنضرورة الاحتياج إلى الأنبياء أعظم من احتياج الروح إلى البدن والعين إلى نورهاوالروح إلى جسدها؛ لأن الأنبياء بهم يُعرَف الله عز وجل".. ويقول الله تباركوتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَتَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِمَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}.
ثالث الأهداف هو القدوة، فقد جعل اللهالأنبياء لكي نقتدي بهم أيها الشباب، وأتمنى لك بعد أن تسمع قصة يوسف أن تقول فينفسك: أريد أن أقتدي بيوسف عليه السلام، وأمنيتي أن الفتاة المسلمة بدلا من أنتقتدي بفلانة في لبسها ومكياجها أن تقتدي بمريم في نقائها وعبادتها وخشوعها وحبهالله تبارك وتعالى، أتمنى أن آباءنا بدلا من أن يمضوا الليل في قلق على الرزق فياليوم التالي أن يقتدوا بإبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار وهو يقول حسبيالله ونعم الوكيل في منتهى الثقة والاطمئنان؛ فيقضي أجمل أيام عمره وهو في النار؛وقد جعلها الله بردا وسلاما عليه.
لماذا لا نقتدي بهؤلاء، يقول الله تباركوتعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} ولاحظ أنقبل هذه الآية جاء 18 اسما من أسماء الأنبياء متتابعين، وهي الآية الوحيدة التي جمعفيها 18 اسما من أسماء الأنبياء هي الآية 83 من سورة الأنعام وفي آخر الآية قالالله سبحانه وتعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْاقْتَدِهِ}.. وعندي أمل في أن تتخيل كل نبي في قصته بعد أن تنتهي منها، وبالمناسبةفإن قصص الأنبياء مادة ثرية جدا بكل ما تحتويه من أخلاق وعبادات وإصلاح القلوب؛ولكن علينا أن نجعلهم قدوة لنا..
أما الهدف الرابع فهو تربية العقيدة، أنترسُخ العقيدة في قلبك؛ فالعقيدة ببساطة إيمان راسخ في القلب، سئل عبد الله بن عمربن الخطاب: "أكان صحابة رسول الله يضحكون؟"؛ فقال: "كانوا يَضحَكون ويُضحِكون ولكنالإيمان في قلوبهم أرسخ من الجبال"، هذه هي العقيدة، فإن سألنا عن علاقة العقيدةبقصص الأنبياء؟ فإن أعظم ما يربي العقيدة في قلبك أن تسمع قصص الأنبياء فترى يونسوهو في بطن الحوت في منتهى اليأس ورغم ذلك تسمعه يقول: {لا إله إِلاَّ أَنْتَسُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} فتتعلم: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُوَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ}. أي أنه لمّا نادى استجبنا له.. ترى إبراهيم وهويقول حسبي الله ونعم الوكيل فتتعلم: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماًعَلَى إِبْرَاهِيمَ}.. وأنت تسمع قصة النبي صلى الله عليه وسلم تسري في جسدك قوةوأنت لا تدري، وعندما تتأمل قصة موسى عليه السلام وفرعون يلاحقه من خلفه وأصحابموسى يقولون: {إنَّا لَمُدْرَكُونَ} وفرعون يلاحقك من خلفك والبحر أمامك فتتعلمالثقة بالله وموسى يقول كما جاء في القرآن الكريم: {كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّيسَيَهْدِينِ}
أما عن الهدف الخامس فهو أن تتعلم فن الدعوة إلى الله، وكيفتصلح الناس وتأخذ بيد الناس.. فأنت عندما تستمع إلى قصص الأنبياء تتعلم كيفيةالدعوة إلى الله تعالى وأن عليك وأنت تدعو إلى الله أن تحذرأن تدعو بعنف وقسوة،فاستمع إلى إبراهيم وهو يخاطب أباه قائلا: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْيَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ}.. فحتى وهو يتحدث إلى أبيه الكافر اختار أنيتحدث إليه بالكلمات الرقيقة البعيدة عن القسوة والغلظة مع أن أباه هو الذي يصنعالأصنام، وانظر إلى يوسف وهو في السجن يتحدث إلى المساجين وتأمَّله وهو يقول: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ} منتهى الرقة والعطف..
ومن هنا نخلص للهدف السادس،والذي من أجله نقرأ قصص الأنبياء ونتدارسها معا وهو أن نفهم القرآن؛ لأنه كماأسلفنا فإن ثلث القرآن قصص الأنبياء.
أما الهدف الأخير من قصص الأنبياء فهوإصلاح القلوب..فلقد وجدت أنه حتى تصلح القلوب لابد من ضرورة سرد قصص الأنبياء.. فانظرإلى إبراهيم وولده إسماعيل، وداود وابنه سليمان.. هؤلاء ربوا أبناءهم فخرجواأنبياء، أما نحن فلدينا مشاكل في بيوتنا من وجود أبناء يشتكون من الآباء، وأنا أظنأن هذه المسألة ستحل وأنت تستمع إلى قصص الأنبياء، ففي قصص الأنبياء ستجد كيف يقصالله علينا سلسلة آباء وأبناء وهو يروي حكايات بيوت إبراهيم وإسماعيل، ويعقوبويوسف، ومريم وعيسى..
إن في قصص الأنبياء واقعا يتكرر كل يوم في حياتناولهذا ذكرها القرآن، ولهذا أقول إنني أتكلم عن حياتكم أنتم، وأنا أتكلم عن ألف عاممضت.. إن حكايات البشرية تتكرر، وابتلاءات الحياة تتكرر وعلينا أن ننظر كيف فعلالصالحون من الأولين..
وسوف نتناول قصص الأنبياء ونحن نتطلع إلى العِبر والعظاتالمستخلصة منها؛ فالهدف الأول هو العبرة والعظة والقرآن الكريم يقول: {فَاقْصُصِالْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فأي عمل لا يترتب عليه أي فائدة فالخوض فيهمن التكلف الذي نُهينا نحن عنه، يقول الله تبارك وتعالى: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْإِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً} يعني حسبك ما قصه الله عليك.. ولذلك لن ننشغل في أيالأعوام وُجد هذا النبي أو ذاك فالقرآن سحب الدائرة الزمنيةوالمكانية..
فهيا بنا معا نطوف حول رياض الأنبياء نتنسم شذاهم ونضيءقلوبنا بأنوارهم، والله أسأل أن ينتفع بها كل مسلم وتكون له ذخراً في حياته.. وبعدمماته.. وأن يعلمنا ويفقهنا في ديننا.. إنه هو العليمالخبير..
و في الأخير أريد منكم بعد أن تقرأوا القصة تضعوا العبرة التي استخلصتموها منها.
إذا كان لكم أي إعتراض على الفكرة فأخبروني.
إن لم يكن أي إعتراض
فإن شاء الله غدا سأضع بين أيديكم قصة سيدنا أبو البشرية آدم عليه السلام.
سلام...