بن حجوجة
2015-03-16, 15:13
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من هو المثقف الحقيقي؟
من هو المثقف الحقيقي؟
س/ من يصنع المثقف ؟
ج/ أي مثقف تقصد؟ المثقف الواعي أو المصنوع؟ هناك مثقف مصنوع وهناك مثقف صانع ، الثقافة مضرة إن لم تكن مفرداتها مبنية على حقائق وليست مجرد متح لكل ما ينضح به الإعلام وما تلفظه دور الطباعة!
المثقف الواعي هو الذي يعي ما يأخذ ويعي ما يترك، المثقف الحقيقي هو الذي يملك محوراً ثابتاً يدور حوله ولا يكون تحت رحمة التيارات، ولا شيء أثبت من عروة الله الوثقى، إذن هي التي تصنع المثقف وتصنع العاقل والعبقري أيضاً، لأن من كان عبداً لله صار حراً من غيره.
وبدون هذا الثابت تأتينا ظاهرة تقلب المثقف المعروفة، فيكون مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة وتغزل غزلاً جديداً.
المحور هو الذي يصنع دافعاً للثقافة، فإذا كان محورك هو "الله" فسيكون دافعك البحث عن الحقيقة والخير والجمال في كل شيء، فمن الله تبدأ الأمور.
الكثيرون يتجهون للثقافة بدوافع أخرى كطلب الشهرة أو المنصب أو مهاجمة أيديولوجية أخرى... إلى غير ذلك من الدوافع، وكل شيء يعود إلى مبدئه، وكل سعي ليس لله فهو متبر وخاسر في الآخرة.
س/ هل القراءة تسبق فعل التثقيف أم تفرز عنه ؟
ج/ الأصل هو التفكير الذي يدفع للقراءة وغير القراءة من مصادر المعرفة ، والقراءة تفتح مجالات جديدة للتفكير وتفتح إلى قراءات جديدة، المثقف الحقيقي هو المفكر الحقيقي، ولا مفكر حقيقي بدون دافع حقيقي ودائم وثابت، وهذا لا يكون إلا بالارتباط بالله وليس بالمصالح والأهواء.
أكثر من غشنا هم المثقفون مع الأسف، والعالم يعاني من جرائمهم في حق التاريخ والفكر والأديان. غش البائعين لا يقارن بغش المثقفين بالعالم إلا من رحم الله! فكم من حقائق كذبت وكم من تزوير اشتهر وكم من تاريخ حُرِّف بل ودين ونصوص!
اجتمع على العالم قوة المال والأقلام المأجورة فرسموه بغير صورته، ولم يسلم حتى العلم والدين. نحن بحاجة للمثقف الحقيقي ليزيل الأصباغ عن الوجه الحقيقي للإنسان والحياة، وهو الذي يستطيع أن يجعلنا نفهم ولا نحفظ بدون فهم، ويقدم لنا رؤية متكاملة من خارج فقاعة الواقع وحمق اللحظة.
س/ هل توجد قراءة تقتل الوعي ؟
ج/ نعم توجد قراءة تقتل الوعي، إنها قراءة التلقي، فالمثقف الحقيقي هو من يقرأ قراءة الناقد لا قراءة الشارب المتلقي. القراءة المفيدة هي التي لا تلغي شخصيتنا وتذوبنا في الكاتب، القراءة المفيدة هي قراءة من لا يثق بسهولة وألا يقع ضحية الأدلجة والتغييب.
نصيحتي لكل من أراد أن يتثقف ألا يصدق كل ما يُقال ويُكتب حتى يقتنع بجو حر؛ لأن لهم أساليبهم التي يأخذونك بها من خلال المعلومة إلى الوجهة التي يريدون. أنت خذ المعلومة بعد أن تتأكد منها ودع الوجهة، إلا إن كانت وجهة ترضي إحساسك وعقلك وهذا قليل.
أكثر الناس يقرؤون للكاتب ولا يقرؤون للمعلومة، بدليل أنهم يتناقلون أسماء الكتاب والمحاضرين ، إنهم يقرؤون الشخص أكثر من قراءتهم للمعلومة، وبعد المحاضرة يتكلمون عن المحاضِر وليس عن المعلومات في المحاضرة! كأنهم يبحثون عن القدوة الحقيقي.
والتركيز على الشخص يفتح الباب لأخذ كل ما عنده حتى توجهاته، وهنا الخطورة.
بما أن الإنسان محتاج لقدوة فعليه فليبحث عن القدوة غير معتمد على ثناء الآخرين أو الإعلام بل على إحساسه هو .
س/ مامعنى القراءة النهضوية ؟
ج/ ربما يقصد بهذا المصطلح القراءة التي تدور حول النهضة والتنمية والثورة على القديم والرجعية والتي تستشهد بتجارب الأمم الناهضة وهكذا ..
س/ هل تسهم المؤسسة التعليمية ( مدارس ، جامعات ... ) في جعل القارئ يحتضر؟
ج/ دور المدارس والجامعات في تشجيع القراءة أعتقد أنه دور سلبي، وتجعل الكثير من الطلاب يكرهون منظر الكتب لأنها ملزمة بوقت محدد وبفترة معينة، لكنها لا تخلو من فائدة.
*الخلاصة: لا مثقف بدون تفكير شمولي يريد معرفة مترابطة..
ربما يجد المرءُ صعوبة في تعريف الثقافة وفي الإجابة على السؤال: من هو المثقف، وخاصة في هذا العصر الذي كثر فيه الكتاب والخبراء والمحللون وحملة الشهادات الأكاديمية العالية الذين يتقاضون أجورا على ما يقدمونه للناس من آراء وتحليلات. ولكننا نستطيع أن نقول أن الإنسان المثقف، إمرأة كان أم رجل، هو الشخص التقدمي، القارىء، الذي يطلع على العديد من حقول المعرفة المختلفة ويتابع الأحداث في بلده والعالم ويستطيع أن يفهم ويهضم جزءا كبيرا منها بحيث يتمكن من التعامل معها أومناقشتها مع آخرين لهم مثل هذا الإطلاع، ويعطي رأيه بها، ويدرس تأثيرها على مجتمعه. ولذلك فمن غير الضروري أن يحمل الشخص شهادات عليا ليكون مثقفا. فعباس محمود العقاد و جبران خليل جبران وعيسى الناعورى ومئات من مشاهير المثقفين، لم يحصلوا على شهادات جامعية.
غير أن ثمة صفات تميز ما نستطيع أن نصفه المثقف الحقيقي من غيره، وأهم هذه الصفات:
1. العقل المفتوح وعدم التعصب للرأي . نستطيع أن نقول أن التعصب للرأي والتشدد يُسقط عن الإنسان صفة المثقف. فالمثقف الحقيقي لا يقبل التعصب لأن كل شيء عنده قابل للنقاش، وهو دائما مستعد أن يتفهم، أو على الأقل أن يستوعب، الرأي المخالف. المثقف الحقيقي لا يحتقر أو يكره أحدا حتى لو كان يختلف معه على طول الخط، وحتى لو إكتشف أن آراء هذا الشخص ربما تكون ضارة بهذا الشخص نفسه وبمن حوله من الناس. فالمثقف لا يكره، إنما يُشفق على الآخرين، حتى من أنفسهم. ويُعتبر الفيلسوف الفرنسي فولتير أفضل مثال على الإنسان المثقف: "قد أختلف معك في الرأي ولكننى مستعد أن أدافع حتى الموت عن حقك في أن تقول رأيك."
كم من الكتاب في بلادنا أو في منطقتنا يتمتعون بهذه الصفات وبالتسامح والحيادية؟ قلما نرى مقالا لا يهاجمُ صاحبُه فيه من يختلفون معه في الرأي، بل نجده يصفهم أحيانا بأقذع الصفات، وإذ إختلف معهم سياسيا يصفهم بالعملاء أو الخونه، وكم من رأي ثبتت في النهاية فائدته وصحته وصوابه رغم أن صاحبه وُصف بهذه الصفات قبل عقود قليلة.
2. المثقف لا يمدح نفسه ولا مجتمعه ولا حتى بلده، إللا بطريقة غير مباشرة، آخذا بعين الإعتبار أحوال البلاد وعواطف الناس والمجتمع. لا تمدح الشعوب المتقدمة نفسها أو بلادها بالطريقة التي نتبعها نحن، وربما نلاحظ شيئا من المديح أو الفخر في بعض الأغاني أو في النشيد الوطني لبعض الدول، أما نحن فالمديح عندنا ليس له سقف ولا يقف عند حد. لا بأس من ترك الأجنبي يمدحنا إذا أراد. هذا الأجنبي، في أغلب الأحيان، يمكن أن يتمتع بالمصداقية لأنه من المفروض أن لا تكون له مصلحة في ذلك غير إظهار الحقيقة. والصفات الحميدة ليست بحاجة إلى التأكيد اللفظي لأنها لا تخفى على الناس، وكما قال زهير إبن أبي سلمى قبل خمسة عشر قرنا:
ومهما تكن عند امرء من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلم هذا لا يعني أن المثقف تنقصه الثقة بالنفس، فالعكس هو الصحيح، أوأنه لا يؤمن بوطنه أو يحبه، أو أنه سيتوانى عن الموت في سبيل هذا الوطن إن دعت الحاجة. عليه أن يتعامل مع الحقائق ويحلل الأفكار والأحداث وينتقد ويبين الأخطا التي يجب إصلاحها، لأن الفشل في كشف هذه الأخطاء ضار بالوطن والمواطن. لقد بلغ مدح الذات في المجتمعات العربية، وخاصة مجتمعنا، حدا غير عادي، وهذا ينطبق على مدح كل ما يتعلق بالمعتقدات والعادات والتقاليد والشخصيات وأولي الأمر. هذا المديح غير المفيد، وأحيانا غير المقنع، لا يخدم البلد وإنما ينمّى النفاق والسلوك الملتوي. وكما قلنا فمن المفيد أن يَترك المثقف هذه المهمة، أي مهمة المديح والتبجيل والتطبيل، والتي لا بد منها في بعض الأحيان، للذين يُجيدون هذا الفن. قال المتنبي:
إذا كان بعضُ الناس سيفا لدولة ففي الناس بوقاتٌ لها وطبولُ وحب الإنسان لوطنه أمر طبيعي، كحبه لأخيه أو أي فرد من عائلته، ويجب أن يكون عفويا. وبالمناسبة، والشيء بالشيء يذكر، فإن محطة تلفزيوننا الوطنية وإذاعاتنا ومعظم صحفنا لا تشبع من مدح أي شيء يتعلق بنا، ولا تستمع لشخص أجنبي إذا إنتقد أي شيء أو أي ظاهرة شاهدها خلال زيارته للبلاد مهما كان نقده مبررا. فهي تذيع وتنشر فقط مدحه لبلادنا، وتشرح كم كان شعبنا مضيافا، وكم كان بلدنا نظيفا، وكم إستمتع خلال إقامته بين ظهرانينا. والمذيع لا يسأله أبدا إذا كان يشكو من أي تصرف سيء أو من قسوة القوانين المحلية أو فشلها في التعامل الصحيح مع السواح، ولا يسأله إذا كان الناس يتحرشون به وهل خضع للإبتزاز أو الغش أو السرقة.
3. المثقف لا ينافق، وعليه أن يترك النفاق للذين يتقنونه، من الإنتهازيين والمتسلقين، وما أكثرهم. إذا كان المثقف يؤمن بمحاربة الفساد ، فعليه أن لا يمارس أو يتغاضي عن النفاق وأن لا يشجع الفاسدين والإنتهازيين والمتسلقين في مجتمعه، وأن لا يسمح لهم بإجباره على الأنغماس في فسادهم، ويحسن به أن يرفع شعار البحتري، أحد الشعراء المثقفين في العصر العباسي الذي عاش قبل ألف ومئتي عام:
صُنْت نفسي عما يدنّس نفسي وترفّعْت عن جدا كل جِبسِ
ما أجمل أن تقرأ أو تسمع حديث المثقف الحقيقي، لأنه لا يفرض عليك أي شيء إلا إحترامه. لا تشعر أنه يعلمك درسا أو يلقى عليك موعظة، كما يفعل الكثيرون، بل تشعر، في حضرته، أنك حر التفكير وأنه يفتح ذهنك لأمور لم تكن لتفكر بها، ويشعرك بان لك رأيك الخاص كإنسان وأن هذا الرأي جديرٌ بالإحترام. ومن كثرة التعصب والأنانية والإنغلاق في تفكيرنا قلما نجد كتابات حديثة بلغتنا تستحق الترجمة والنشر في الخارج لتصبح جزءا من تراث الإنسانية، لأن معظمها مدح وفخر وهجاء، وهذه من أعمدة الأدب العربي عبر العصور، لكنها ليست جزءا من إنتاج المثقف الحقيقي.
منقول
من هو المثقف الحقيقي؟
من هو المثقف الحقيقي؟
س/ من يصنع المثقف ؟
ج/ أي مثقف تقصد؟ المثقف الواعي أو المصنوع؟ هناك مثقف مصنوع وهناك مثقف صانع ، الثقافة مضرة إن لم تكن مفرداتها مبنية على حقائق وليست مجرد متح لكل ما ينضح به الإعلام وما تلفظه دور الطباعة!
المثقف الواعي هو الذي يعي ما يأخذ ويعي ما يترك، المثقف الحقيقي هو الذي يملك محوراً ثابتاً يدور حوله ولا يكون تحت رحمة التيارات، ولا شيء أثبت من عروة الله الوثقى، إذن هي التي تصنع المثقف وتصنع العاقل والعبقري أيضاً، لأن من كان عبداً لله صار حراً من غيره.
وبدون هذا الثابت تأتينا ظاهرة تقلب المثقف المعروفة، فيكون مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة وتغزل غزلاً جديداً.
المحور هو الذي يصنع دافعاً للثقافة، فإذا كان محورك هو "الله" فسيكون دافعك البحث عن الحقيقة والخير والجمال في كل شيء، فمن الله تبدأ الأمور.
الكثيرون يتجهون للثقافة بدوافع أخرى كطلب الشهرة أو المنصب أو مهاجمة أيديولوجية أخرى... إلى غير ذلك من الدوافع، وكل شيء يعود إلى مبدئه، وكل سعي ليس لله فهو متبر وخاسر في الآخرة.
س/ هل القراءة تسبق فعل التثقيف أم تفرز عنه ؟
ج/ الأصل هو التفكير الذي يدفع للقراءة وغير القراءة من مصادر المعرفة ، والقراءة تفتح مجالات جديدة للتفكير وتفتح إلى قراءات جديدة، المثقف الحقيقي هو المفكر الحقيقي، ولا مفكر حقيقي بدون دافع حقيقي ودائم وثابت، وهذا لا يكون إلا بالارتباط بالله وليس بالمصالح والأهواء.
أكثر من غشنا هم المثقفون مع الأسف، والعالم يعاني من جرائمهم في حق التاريخ والفكر والأديان. غش البائعين لا يقارن بغش المثقفين بالعالم إلا من رحم الله! فكم من حقائق كذبت وكم من تزوير اشتهر وكم من تاريخ حُرِّف بل ودين ونصوص!
اجتمع على العالم قوة المال والأقلام المأجورة فرسموه بغير صورته، ولم يسلم حتى العلم والدين. نحن بحاجة للمثقف الحقيقي ليزيل الأصباغ عن الوجه الحقيقي للإنسان والحياة، وهو الذي يستطيع أن يجعلنا نفهم ولا نحفظ بدون فهم، ويقدم لنا رؤية متكاملة من خارج فقاعة الواقع وحمق اللحظة.
س/ هل توجد قراءة تقتل الوعي ؟
ج/ نعم توجد قراءة تقتل الوعي، إنها قراءة التلقي، فالمثقف الحقيقي هو من يقرأ قراءة الناقد لا قراءة الشارب المتلقي. القراءة المفيدة هي التي لا تلغي شخصيتنا وتذوبنا في الكاتب، القراءة المفيدة هي قراءة من لا يثق بسهولة وألا يقع ضحية الأدلجة والتغييب.
نصيحتي لكل من أراد أن يتثقف ألا يصدق كل ما يُقال ويُكتب حتى يقتنع بجو حر؛ لأن لهم أساليبهم التي يأخذونك بها من خلال المعلومة إلى الوجهة التي يريدون. أنت خذ المعلومة بعد أن تتأكد منها ودع الوجهة، إلا إن كانت وجهة ترضي إحساسك وعقلك وهذا قليل.
أكثر الناس يقرؤون للكاتب ولا يقرؤون للمعلومة، بدليل أنهم يتناقلون أسماء الكتاب والمحاضرين ، إنهم يقرؤون الشخص أكثر من قراءتهم للمعلومة، وبعد المحاضرة يتكلمون عن المحاضِر وليس عن المعلومات في المحاضرة! كأنهم يبحثون عن القدوة الحقيقي.
والتركيز على الشخص يفتح الباب لأخذ كل ما عنده حتى توجهاته، وهنا الخطورة.
بما أن الإنسان محتاج لقدوة فعليه فليبحث عن القدوة غير معتمد على ثناء الآخرين أو الإعلام بل على إحساسه هو .
س/ مامعنى القراءة النهضوية ؟
ج/ ربما يقصد بهذا المصطلح القراءة التي تدور حول النهضة والتنمية والثورة على القديم والرجعية والتي تستشهد بتجارب الأمم الناهضة وهكذا ..
س/ هل تسهم المؤسسة التعليمية ( مدارس ، جامعات ... ) في جعل القارئ يحتضر؟
ج/ دور المدارس والجامعات في تشجيع القراءة أعتقد أنه دور سلبي، وتجعل الكثير من الطلاب يكرهون منظر الكتب لأنها ملزمة بوقت محدد وبفترة معينة، لكنها لا تخلو من فائدة.
*الخلاصة: لا مثقف بدون تفكير شمولي يريد معرفة مترابطة..
ربما يجد المرءُ صعوبة في تعريف الثقافة وفي الإجابة على السؤال: من هو المثقف، وخاصة في هذا العصر الذي كثر فيه الكتاب والخبراء والمحللون وحملة الشهادات الأكاديمية العالية الذين يتقاضون أجورا على ما يقدمونه للناس من آراء وتحليلات. ولكننا نستطيع أن نقول أن الإنسان المثقف، إمرأة كان أم رجل، هو الشخص التقدمي، القارىء، الذي يطلع على العديد من حقول المعرفة المختلفة ويتابع الأحداث في بلده والعالم ويستطيع أن يفهم ويهضم جزءا كبيرا منها بحيث يتمكن من التعامل معها أومناقشتها مع آخرين لهم مثل هذا الإطلاع، ويعطي رأيه بها، ويدرس تأثيرها على مجتمعه. ولذلك فمن غير الضروري أن يحمل الشخص شهادات عليا ليكون مثقفا. فعباس محمود العقاد و جبران خليل جبران وعيسى الناعورى ومئات من مشاهير المثقفين، لم يحصلوا على شهادات جامعية.
غير أن ثمة صفات تميز ما نستطيع أن نصفه المثقف الحقيقي من غيره، وأهم هذه الصفات:
1. العقل المفتوح وعدم التعصب للرأي . نستطيع أن نقول أن التعصب للرأي والتشدد يُسقط عن الإنسان صفة المثقف. فالمثقف الحقيقي لا يقبل التعصب لأن كل شيء عنده قابل للنقاش، وهو دائما مستعد أن يتفهم، أو على الأقل أن يستوعب، الرأي المخالف. المثقف الحقيقي لا يحتقر أو يكره أحدا حتى لو كان يختلف معه على طول الخط، وحتى لو إكتشف أن آراء هذا الشخص ربما تكون ضارة بهذا الشخص نفسه وبمن حوله من الناس. فالمثقف لا يكره، إنما يُشفق على الآخرين، حتى من أنفسهم. ويُعتبر الفيلسوف الفرنسي فولتير أفضل مثال على الإنسان المثقف: "قد أختلف معك في الرأي ولكننى مستعد أن أدافع حتى الموت عن حقك في أن تقول رأيك."
كم من الكتاب في بلادنا أو في منطقتنا يتمتعون بهذه الصفات وبالتسامح والحيادية؟ قلما نرى مقالا لا يهاجمُ صاحبُه فيه من يختلفون معه في الرأي، بل نجده يصفهم أحيانا بأقذع الصفات، وإذ إختلف معهم سياسيا يصفهم بالعملاء أو الخونه، وكم من رأي ثبتت في النهاية فائدته وصحته وصوابه رغم أن صاحبه وُصف بهذه الصفات قبل عقود قليلة.
2. المثقف لا يمدح نفسه ولا مجتمعه ولا حتى بلده، إللا بطريقة غير مباشرة، آخذا بعين الإعتبار أحوال البلاد وعواطف الناس والمجتمع. لا تمدح الشعوب المتقدمة نفسها أو بلادها بالطريقة التي نتبعها نحن، وربما نلاحظ شيئا من المديح أو الفخر في بعض الأغاني أو في النشيد الوطني لبعض الدول، أما نحن فالمديح عندنا ليس له سقف ولا يقف عند حد. لا بأس من ترك الأجنبي يمدحنا إذا أراد. هذا الأجنبي، في أغلب الأحيان، يمكن أن يتمتع بالمصداقية لأنه من المفروض أن لا تكون له مصلحة في ذلك غير إظهار الحقيقة. والصفات الحميدة ليست بحاجة إلى التأكيد اللفظي لأنها لا تخفى على الناس، وكما قال زهير إبن أبي سلمى قبل خمسة عشر قرنا:
ومهما تكن عند امرء من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلم هذا لا يعني أن المثقف تنقصه الثقة بالنفس، فالعكس هو الصحيح، أوأنه لا يؤمن بوطنه أو يحبه، أو أنه سيتوانى عن الموت في سبيل هذا الوطن إن دعت الحاجة. عليه أن يتعامل مع الحقائق ويحلل الأفكار والأحداث وينتقد ويبين الأخطا التي يجب إصلاحها، لأن الفشل في كشف هذه الأخطاء ضار بالوطن والمواطن. لقد بلغ مدح الذات في المجتمعات العربية، وخاصة مجتمعنا، حدا غير عادي، وهذا ينطبق على مدح كل ما يتعلق بالمعتقدات والعادات والتقاليد والشخصيات وأولي الأمر. هذا المديح غير المفيد، وأحيانا غير المقنع، لا يخدم البلد وإنما ينمّى النفاق والسلوك الملتوي. وكما قلنا فمن المفيد أن يَترك المثقف هذه المهمة، أي مهمة المديح والتبجيل والتطبيل، والتي لا بد منها في بعض الأحيان، للذين يُجيدون هذا الفن. قال المتنبي:
إذا كان بعضُ الناس سيفا لدولة ففي الناس بوقاتٌ لها وطبولُ وحب الإنسان لوطنه أمر طبيعي، كحبه لأخيه أو أي فرد من عائلته، ويجب أن يكون عفويا. وبالمناسبة، والشيء بالشيء يذكر، فإن محطة تلفزيوننا الوطنية وإذاعاتنا ومعظم صحفنا لا تشبع من مدح أي شيء يتعلق بنا، ولا تستمع لشخص أجنبي إذا إنتقد أي شيء أو أي ظاهرة شاهدها خلال زيارته للبلاد مهما كان نقده مبررا. فهي تذيع وتنشر فقط مدحه لبلادنا، وتشرح كم كان شعبنا مضيافا، وكم كان بلدنا نظيفا، وكم إستمتع خلال إقامته بين ظهرانينا. والمذيع لا يسأله أبدا إذا كان يشكو من أي تصرف سيء أو من قسوة القوانين المحلية أو فشلها في التعامل الصحيح مع السواح، ولا يسأله إذا كان الناس يتحرشون به وهل خضع للإبتزاز أو الغش أو السرقة.
3. المثقف لا ينافق، وعليه أن يترك النفاق للذين يتقنونه، من الإنتهازيين والمتسلقين، وما أكثرهم. إذا كان المثقف يؤمن بمحاربة الفساد ، فعليه أن لا يمارس أو يتغاضي عن النفاق وأن لا يشجع الفاسدين والإنتهازيين والمتسلقين في مجتمعه، وأن لا يسمح لهم بإجباره على الأنغماس في فسادهم، ويحسن به أن يرفع شعار البحتري، أحد الشعراء المثقفين في العصر العباسي الذي عاش قبل ألف ومئتي عام:
صُنْت نفسي عما يدنّس نفسي وترفّعْت عن جدا كل جِبسِ
ما أجمل أن تقرأ أو تسمع حديث المثقف الحقيقي، لأنه لا يفرض عليك أي شيء إلا إحترامه. لا تشعر أنه يعلمك درسا أو يلقى عليك موعظة، كما يفعل الكثيرون، بل تشعر، في حضرته، أنك حر التفكير وأنه يفتح ذهنك لأمور لم تكن لتفكر بها، ويشعرك بان لك رأيك الخاص كإنسان وأن هذا الرأي جديرٌ بالإحترام. ومن كثرة التعصب والأنانية والإنغلاق في تفكيرنا قلما نجد كتابات حديثة بلغتنا تستحق الترجمة والنشر في الخارج لتصبح جزءا من تراث الإنسانية، لأن معظمها مدح وفخر وهجاء، وهذه من أعمدة الأدب العربي عبر العصور، لكنها ليست جزءا من إنتاج المثقف الحقيقي.
منقول