المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هتكو ا سترها


عبدو441
2015-03-10, 18:39
هتكوا سترها !
كانت غاية في الجمال , تسحر العقول و تأسر الألباب , ترمي بعينيها سهاماً لا ترتكز إلا في سويداء القلوب , تشعر برغبة في النوم عندما ترى الليل منسدلاً على متونها , تحتقر الورد إذا رأيتَ وجنتيها , تستنشق المسك إذا هبت عليك أنفاسها .
كل هذه المواصفات إضافة إلى جمال الروح جعلتها محطّ غيرةٍ من قريناتها , فكنّ دائماً ما يغرن منها و يهمزن و يلمزن فيما بينهنّ عند وجودها .
هي متزوجة بأديب مرموق له مكانته و منزلته في المجتمع , يحب المظاهر و تجذبه الشهرة , يحب أن يرى صورته على أغلفة المجلات , و في شاشات التلفزة و الإذاعات .
كان لهذا الزوج مجموعة من الرفقاء جلّهم أدباء و كتاب , يجتمع معهم كل يوم تقريباً فيتجاذبون أطراف الحديث تارة و يمرحون تارة , كانوا يقضون الليالي الطوال سهراً , فلا يدعون موضوعاً إلا خاضت فيه ألسنتهم , بيد أنهم لم يكونوا مثل صاحبهم يحبون الظهور و الشهرة .
كان أولئك الرفقة متزوجين و زوجاتهم صديقات لبعض أيضاً , فهم يجتمعون أحيانا في بيت فلان أو فلان , و أحياناً يخرجون سوياً في رحلة أو نزهه , فيحضر كل واحد زوجته حتى يستمتع النسوة و يرفهون عن أنفسهم بدل الروتين اليومي في المنزل .
أما زوجة صاحبنا فقد فاقت أولئك النسوة جمالاً , مما جعلهنّ يشعرن بالنقص أمامها , و كُنّ يُضمرن في أنفسهنّ شيئاً من البغض و الحقد عليها , فهذه تشير لتلك بيدها , و تلك تغمز للأخرى بعينها , لكنها لم تكن تشعر بذلك لحسن نيتها و صفاء جوهرها الذي يمنعها من ذلك .
و في يوم من الأيام قرر أولئك الرفقة الخروج سوياً في نزهه على أن يحضر كل واحد منهم زوجته ليستمتعن سوية , فاستعد الجميع و أحضروا ما يلزمهم ثم انطلقوا إلى مكان النزهة و اجتمع الرجال و النساء و أخذوا يتجاذبون أطراف الحديث حتى انقضت ساعات تلك الرحلة كطرفة عين و عادوا إلى منازلهم و السرور يغمرهم .
و في اليوم التالي اجتمع الرفقة كالعادة إلا أنّ صاحبنا لم يحضر معهم , فأخذوا يتحدثون عن الرحلة التي قاموا بها بالأمس , و أخذ كل واحد يعبر عمّا في نفسه , لكن الغريب في الأمر أنه لم يلفت انتباههم في تلك الرحلة إلا زوجة صاحبهم الذي لم يحضر اليوم , فقد شدت انتباههم بجمالها الخلاب , فأخذ كل واحد يتحدث بحرية تامة عمّا أعجبه في تلك الزوجة , فهذا أعجب بجمال وجهها , و ذاك بقوامها الممشوق , و آخر سحرته بأسلوبها و واحد وقع في شرك عينيها , و ما إلى ذلك من أوصاف في تلك المرأة .
فشعروا بالنقص أمام صاحبهم , و أحسوا بشيء من الغيرة من ذلك الصاحب , فلماذا هو يمتلك زوجة جميلة و نحن لا ؟ و لماذا هو يظهر إعلاميا و نحن مغمورون ؟ و لماذا و لماذا ..؟ , و شيئاً فشيئاً أخذت الغيرة تسري في دمائهم مجرى الدم , فأرادوا الانتقام منه , فخططوا و دبروا حتى خطرت ببال أحدهم فكرة شيطانية , و كانت هذه الفكرة هي أن ينتقموا منه بإلحاق الضرر به و بتلك الزوجة الجميلة , فلم يجدوا مدخلا لذلك إلا نقطة ضعف صاحبهم و هي حب الشهرة و الظهور .
و في أحد الأيام اجتمعوا كالعادة و لكن هذه المرة مع صاحبهم , فقالوا له : أن صاحبهم فلان يعرف صاحب القناة الفلانية , تلك القناة المشهورة و التي تُبث عالمياً , و أن صاحبهم الآخر يعرف رئيس تحرير تلك الصحيفة العالمية التي وصل صيتها إلى مشارق الأرض و مغاربها , فما رأيك أن نجعلهم يعدون معك لقاءً على الهواء يشاهده ملايين الناس من أنحاء العالم ؟ و أن ننشر لك مقالاً يقرأه ملايين المثقفين و الكتاب ؟
فما كان من صاحبنا إلا أن طار فرحاً بهذه الفكرة و وافق مباشرة , فقالوا له : و لكن بشرط . قال و ما هو: قالوا أن تمكننا من زوجتك ؟ لم يأخذ وقتاً كبيراً في التفكير و وافق مباشرة , فهو مهوس بالظهور و الشهرة و ارتقاء المنابر .
بعدما وافق صاحبنا على شرطهم رجع إلى البيت و الأرض لا تكاد تحمله من شدة الفرح , فهو مستعد أن يفرط بزوجته مقابل لقاءٍ تلفزيوني , فالزوجة تُعوض أم اللقاء فلا , و بمجرد وصوله للبيت قال لزوجته : غداً سنذهب إلى بيت أحد الرفاق لتناول وجبة العشاء , اريدك أن تلبسي و تستعدي في الساعة التاسعة مساءً .
و جاءت ساعة الصفر , و دق جرس الساعة معلناً عن بداية النهاية , فأخذ صاحبنا زوجته متجهاً إلى وكر الجريمة , فوصل إلى البيت و دخل هو و زوجته , فلم تجد إلا أصحابه و لم تجد زوجاتهم معهم فاستغربت , و لكنها صمتت متوقعة أنهم في أحد غرف المنزل , و بمجرد أن دخلت و سلمت على أصحاب زوجها فما لبثوا أن انهالوا عليها و أدخلوها أحد الغرف و جردوها من ملابسها و أخذوا يدخلون عليها واحداً تلو الآخر , و هي تصرخ و تستغيث و تستجدي زوجها , لكنه لم يجبها إلا بضحكاتٍ ساخرة قائلاً: أبعد ما جاءتني الفرصة إلى مكاني أفرط فيها ؟ فتركهم يتتابعون عليها واحداً تلو الآخر حتى هتكوا سترها , و قضوا على أنوثتها ,و بعدما قضوا وطرهم تركوها تخرج هاربة إلى حيث ما لا يعلمون هم و لا زوجها .
عاد صاحبنا إلى منزله , و لكن هذه المرة بدون زوجته , فقد خرجت موليةً إلى حيث لا رجعة , و في اليوم التالي عاد إلى أصحابه لتنفيذ ما وعدوه به , لكنهم أخذوا يضحكون منه و يسخرون قائلين له : و أي وعد وعدناك به ؟ بل نحن لم نرك منذ مدة أصلاً , فأدرك أن ما وعدوه به لم يكن إلا هباءً منثوراً , و أنه خسر زوجته و الشهرة المزعومة بل حتى أصحابه .

غريب أمر أولئك الأصحاب , فأي قلوب لهم ؟ و أغرب منهم ذلك الزوج الذي ضحى بزوجته من أجل منصب مرموق أو شهرة مزعومة .
ربما تعجب و تستغرب من بعض أحداث تلك القصة , لكن العجب يزول إذا عرفت شخصيات هذه القصة .
فالزوجة الجميلة التي فاقت أقرانها جمالاً هي: اللغة العربية .
و صديقاتها الزوجات الأخريات هنّ: باقي اللغات الأخرى .
أما أصحاب الزوج فهم: أولئك الكتاب و الأدباء من الغرب و بعض المستشرقين الذين ما فتئت أقلامهم ترمي بشررها على اللغة العربية , فهم يريدونها أن تستبدل باللهجة العامية في الخطابات الرسمية و الكتابات و الأعمال الأدبية , و أن تحل العامية بديلاً عن الفصحى .
أما الأغرب من أولئك كلهم فهو الزوج الخائن و هو: ذلك الأديب و الكاتب العربي الذي صدق تلك الشعارات و عمل بما نادى به أولئك المقرضين بل أخذ يدعو إليه في كتاباته و أعماله الأدبية , ظناً منه أنه سيحقق شهرة و ظهوراً إعلامياً من خلال تلك الدعوات فخسر لغته التي جبل عليها و خسر تلك الشهرة المزعومة .