المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التّوحيد أولاً يا دُعـَـاة الإسلام.


عَبِيرُ الإسلام
2015-03-09, 21:38
بسم الله الرّحمن الرّحيم



التّوحيد أوّلاً يا دُعـَـاة الإسلام.

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إنّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .

مَن يهده الله فلا مضل له ، ومَن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102)

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء:1)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب:70-71) .








وبعد:






فهذه رسالة عظيمة(1) النفع والفائدة للعامة والخاصة يجيب فيها عالم من علماء هذا العصر وهو فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى ونفع به ، يجيب فيها على سؤال يدور على ألسنة الغيورين على هذا الدين الذي يحملونه في قلوبهم ويشغلون فكرهم به ليلاً ونهاراً ومجمل السؤال هو :


ما هو السبيل إلى النهوض بالمسلمين وما هو الطريق الذي يتّخذونه حتّى يمكن الله لهم ويضعهم في المكان اللائق بهم بين الأمم ؟

فأجاب العلامة الألباني نفع الله به على هذا السؤال إجابة مفصلة واضحة . ولما لهذه الإجابة من حاجة ، رأينا نشرها .


فأسال الله تعالى أن ينفع بها وأن يهدي المسلمين إلى ما يحب ويرضى إنه جواد كريم .



التّوحيد أولاً يا دُعَاة الإسلام

سؤال : فضيلة الشيخ لا شك أنّكم تعلمون بأنّ واقع الأمّة الدّيني واقع مرير من حيث الجهل بالعقيدة ، ومسائل الإعتقاد ، ومن حيث الإفتراق في المناهج وإهمال نشر الدّعوة الإسلامية في أكثر بقاع الأرض طبقاً للعقيدة الأولى والمنهج الأوّل الذي صلحت به الأمّة ، وهذا الواقع الأليم لا شك بأنّه قد ولّد غيرة عند المخلصين ورغبة في تغييره وإصلاح الخلل ، إلاّ أنّهم اختلفوا في طريقتهم في إصلاح هذا الواقع ؛ لاختلاف مشاربهم العقدية والمنهجية – كما تعلم ذلك فضيلتكم – من خلال تعدّد الحركات والجماعات الإسلامية الحزبية والتي ادّعت إصلاح الأمّة الإسلامية عشرات السّنين ، ومع ذلك لم يكتب لها النّجاح والفلاح ، بل تسبّبت تلك الحركات للأمّة في إحداث الفتن ونزول النكبات والمصائب العظيمة ، بسبب مناهجها وعقائدها المخالفة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به ؛ ممّا ترك الأثر الكبير في الحيرة عند المسلمين – وخصوصاً الشباب منهم – في كيفية معالجة هذا الواقع ، وقد يشعر الدّاعية المسلم المتمسك بمنهاج النبوة المتبع لسبيل المؤمنين ، المتمثل في فهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان من علماء الإسلام ؛ قد يشعر بأنه حمل أمانة عظيمة تجاه هذا الواقع وإصلاحه أو المشاركة في علاجه .

فما هي نصيحتكم لأتباع تلك الحركات أو الجماعات ؟

وما هي الطرق النافعة الناجعة في معالجة هذا الواقع ؟

وكيف تبرأ ذمّة المسلم عند الله عز وجل يوم القيامة ؟

الجواب

يجب العناية والإهتمام بالتّوحيد أولاً كما هو منهج الأنبياء والرسل عليهم السلام :
بالإضافة لما ورد في السؤال – السابق ذكره آنفاً – من سوء واقع المسلمين ، نقول :إن هذا الواقع الأليم ليس شراً ممّا كان عليه واقع العرب في الجاهلية حينما بعث إليهم نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛لوجود الرّسالة بيننا ، وكمالها ، ووجود الطّائفة الظّاهرة على الحق ، والتي تهدي به ، وتدعو النّاس للإسلام الصّحيح :عقيدة ، وعبادة ، وسلوكاً ، ومنهجاً ، ولا شك بأنّ واقع أولئك العرب في عصر الجاهلية مماثل لما عليه كثير من طوائف المسلمين اليوم !.

بناء على ذلك نقول : العلاج هو ذاك العلاج ،والدواء هو ذاك الدواء ، فبمثل ما عالج النبي صلى الله عليه وسلم تلك الجاهلية الأولى ، فعلى الدّعاة الإسلاميين اليوم – جميعهم – أن يعالجوا سوء الفهم لمعنى ” لا إله إلا الله ” ، ويعالجوا واقعهم الأليم بذاك العلاج والدواء نفسه .


ومعنى هذا واضح جداً ؛ إذا تدبّرنا قول الله عز وجل { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21) .

فرسولنا صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة في معالجة مشاكل المسلمين في عالمنا المعاصر وفي كل وقت وحين ، ويقتضي ذلك منّا أن نبدأ بما بدأ به نبيّنا صلى الله عليه وسلم وهو إصلاح ما فسد من عقائد المسلمين أوّلاً ، ومن عبادتهم ثانياً ، ومن سلوكهم ثالثاً .

ولست أعني من هذا التّرتيب فصل الأمر الأوّل بدءاً بالأهمّ ثم المهمّ ، ثم ما دونه ! وإنّما أريد أن يهتم بذلك المسلمون اهتماما شديداً كبيراً ، وأعني بالمسلمين بطبيعة الأمر الدّعاة ، ولعلّ الأصح أن نقول : العلماء منهم ؛لأنّ الدّعاة اليوم – مع الأسف الشديد – يدخل فيهم كل مسلم ولو كان على فقر مدقع من العلم ، فصاروا يعدّون أنفسهم دُعاة إلى الإسلام ، وإذا تذكّرنا تلك القاعدة المعروفة – لا أقول : عند العلماء فقط بل عند العقلاء جميعاً – تلك القاعدة التي تقول : "فاقد الشيء لا يعطيه " ، فإنّنا نعلم اليوم بأنّ هناك طائفة كبيرة جداً يعدّون بالملايين من المسلمين تنصرف الأنظار إليهم حين يطلق لفظة : الدُّعاة .


وأعني بهم :جماعة الدّعوة ، أو : جماعة التّبليغ ” ومع ذلك فأكثرهم كما قال الله عز وجل : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }(لأعراف: من الآية187) .

ومعلوم من طريقة دعوتهم أنّهم قد أعرضوا بالكليّة عن الإهتمام بالأصل الأوّل – أو بالأمر الأهمّ – من الأمور التي ذكرت آنفاً ، وأعني : العقيدة والعبادة والسلوك ، وأعرضوا عن الإصلاح الذي بدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم بل بدأ به كل الأنبياء ، وقد بيّنه الله تعالى بقوله :{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }(النحل: من الآية36) .


فهم لا يعنون بهذا الأصل الأصيل والرّكن الأول من أركان الإسلام – كما هو معلوم لدى المسلمين جميعاً – هذا الأصل الذي قام يدعو إليه أوّل رسول من الرّسل الكرام ألا وهو نوح صلى الله عليه وسلم قُرَابة ألف سنة ، والجميع يعلم أنّ الشّرائع السّابقة لم يكن فيها من التفصيل لأحكام العبادات والمعاملات ما هو معروف في ديننا هذا لأنّه الدّين الخاتم للشرائع والأديان ، ومع ذلك فقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً يصرف وقته وجلّ اهتمامه للدّعوة إلى التّوحيد ، ومع ذلك أعرض قومه عن دعوته كما بيّن الله – عزّ وجلّ – ذلك في محكم التّنزيل {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } (نوح:23) .

فهذا يدل دلالة قاطعة على أنّ أهم شيء ينبغي على الدّعاة إلى " الإسلام الحق" الإهتمام به دائماً هو الدّعوة إلى التّوحيد وهو معنى قوله – تبارك وتعالى- :{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ }(محمد: من الآية19) .



هكذا كانت سُنّة النّبي صلى الله عليه وسلم عملاً وتعليماً .

أمّا فعله : فلا يحتاج إلى بحث ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكّي إنّما كان فعله ودعوته محصورة في الغالب في دعوة قومه إلى عبادة الله لا شريك له .

أمّا تعليماً : ففي حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – الوارد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل معاذاً إلى اليمن قال له : ” لِيَكُن أوّل ما تدعوهم إليه : شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن هم أطاعوك لذلك …..”(2) .إلخ الحديث .وهو معلوم ومشهور إن شاء الله تعالى .

إذاً ، قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبدأُوا بما بدأ به وهو الدّعوة إلى التّوحيد ، ولا شك أن هناك فرقاً كبيراً جداً بين أولئك العرب المشركين – من حيث أنّهم كانوا يفهمون ما يقال لهم بلغتهم – ، وبين أغلب العرب المسلمين اليوم الذين ليسوا بحاجة أن يدعوا إلى أن يقولوا : لا إله إلا الله ؛ لأنّهم قائلون بها على اختلاف مذاهبهم وطرائقهم وعقائدهم ، فكلّهم يقولون : لا إله إلا الله ، لكنّهم في الواقع بحاجة أن يفهموا – أكثر – معنى هذه الكلمة الطيّبة ، وهذا الفرق فرق جوهري – جداً – بين العرب الأوّلين الذين كانوا إذا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا : لا إله إلا الله يستكبرون ، كما هو مبين في صريح القرآن العظيم (3) لماذا يستكبرون ؟ ؛ لأنّهم يفهمون أنّ معنى هذه الكلمة أن لا يتّخذوا مع الله أنداداً وألاّ يعبدوا إلاّ الله ، وهم كانوا يعبدون غيره ، فهم ينادون غير الله ويستغيثون بغير الله ؛ فضلاً عن النّذر لغير الله ، والتّوسّل بغير الله ، والذّبح لغيره والتّحاكم لسواه ….إلخ.

هذه الوسائل الشِّرْكِيَّة الوثنية المعروفة التي كانوا يفعلونها ، ومع ذلك كانوا يعلمون أنّ من لوازم هذه الكلمة الطيّبة – لا إله إلا الله – من حيث اللّغة العربية أن يتبرّأُوا من كلّ هذه الأمور ؛ لمنافاتها لمعنى ” لا إله إلا الله “.

غالب المسلمين اليوم لا يفقهون معنى لا إله إلا الله فهماً جيداً :
أمّا غالب المسلمين اليوم الذين يشهدون بأن ” لا إله إلا الله ” فهم لا يفقهون معناها جيداً ، بل لعلّهم يفهمون معناها فهماً معكوساً ومقلوباً تماماً ؛


أضرب لذلك مثلاً : بعضهم (4) ألّف رسالة في معنى ” لا إله إلا الله ” ففسّرها :” لا ربّ إلا الله!! ”


وهذا المعنى هو الذي كان المشركون يؤمنون به وكانوا عليه ، ومع ذلك لم ينفعهم إيمانهم هذا ، قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه}(لقمان: من الآية25).

فالمشركون كانوا يؤمنون بأنّ لهذا الكون خالقاً لا شريك له ،ولكنّهم كانوا يجعلون مع الله أنداداً وشركاء في عبادته ، فهم يؤمنون بأنّ الربّ واحد ولكن يعتقدون بأنّ المعبودات كثيرة ،ولذلك ردّ الله تعالى – هذا الإعتقاد – الذي سمّاه عبادة لغيره من دونه بقوله تعالى :{….وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى….}(الزمر: من الآية3).

ّ
لقد كان المشركون يعلمون أن قول : ” لا إله إلا الله ” يلزم له التّبرّؤ من عبادة ما دون الله عزّ وجل ، أمّا غالب المسلمين اليوم ؛ فقد فسّروا هذه الكلمة الطيّبة " لا إله إلا الله " بـ : " لا ربّ إلاّ الله !! "


فإذا قال المسلم : لا إله إلا الله ” ، وعبد مع الله غيره ؛ فهو و المشركون سواء ، عقيدة ، وإن كان ظاهره الإسلام ؛ لأنّه يقول لفظة :لا إله إلا الله فهو بهذه العبارة مسلم لفظياً ظاهراً ، وهذا ممّا يوجب علينا جميعاً – بصفتنا دعاة إلى الإسلام- الدّعوة إلى التّوحيد وإقامة الحجة على مَن جهل معنى” لا إله إلا الله ” وهو واقع في خلافها ؛ بخلاف المشرك ؛ لأنّه يأبى أن يقول :” لا إله إلا الله ” فهو ليس مسلماً لا ظاهراً ولا باطناً ، فأمّا جماهير المسلمين اليوم هم مسلمون لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال :” فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على الله تعالى “(5).

لذلك ، فإنّي أقول كلمة – وهي نادرة الصّدور منّي – ، وهي :إنّ واقع كثير من المسلمين اليوم شرٌّ ممّا كان عليه عامّة العرب في الجاهلية الأولى من حيث سوء الفهم لمعنى هذه الكلمة الطيّبة ؛ لأنّ المشركين العرب كانوا يفهمون ، ولكنّهم لا يؤمنون ، أمّا غالب المسلمين اليوم ، فإنّهم يقولون ما لا يعتقدون ، يقولون : لا إله إلا الله ، ولا يؤمنون –حقاً – بمعناها (6)،


لذلك فأنا أعتقد أنّ أوّل واجب على الدّعاة المسلمين – حقاً – هو أن يدندنوا حول هذه الكلمة وحول بيان معناها بتلخيص ، ثم بتفصيل لوازم هذه الكلمة الطيّبة بالإخلاص لله عز وجل في العبادات بكل أنواعها ، لأنّ الله عز وجل لمّا حكى عن المشركين قوله : { … مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى… }(الزمر: من الآية3)، جعل كلّ عبادة توجّه لغير الله كفراً بالكلمة الطيّبة : لا إله إلا الله ؛

لهذا ؛ أنا أقول اليوم : لا فائدة مطلقاً من تكتيل المسلمين ومن تجميعهم ، ثم تركهم في ضلالهم دون فهم هذه الكلمة الطيّبة ، وهذا لا يفيدهم في الدنيا قبل الآخرة !

نحن نعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم :" مَن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه حرّم الله بدنه على النار " وفي رواية أخري :” دخل الجنّة “(7) .


فيمكن ضمان دخول الجنّة لمن قالها مخلصاً حتّى لو كان بعد لأي وعذاب يمس القائل ، والمعتقد الإعتقاد الصّحيح لهذه الكلمة ، فإنّه قد يعذب بناءً على ما ارتكب واجترح من المعاصي والآثام ، ولكن سيكون مصيره في النهاية دخول الجنّة ، و على العكس من ذلك ؛ مَن قال هذه الكلمة الطيّبة بلسانه ولمّا يدخل الإيمان إلى قلبه ؛ فذلك لا يفيده شيئاً في الآخرة ، قد يفيده في الدنيا النّجاة من القتال ومن القتل إذا كان للمسلمين قوّة وسلطان ، وأمّا في الآخرة فلا يفيد شيئاً إلاّ إذا كان قائلاً لها وهو فاهم معناها أوّلاً ، ومعتقداً لهذا المعنى ثانياً ؛ لأنّ الفهم وحده لا يكفي إلاّ إذا اقترن مع الفهم الإيمان بهذا المفهوم ،


وهذه النقطة ؛ أظن أن أكثر الناس عنها غافلون ! وهي : لا يلزم من الفهم الإيمان بل لا بد أن يقترن كل من الأمرين مع الآخر حتى يكون مؤمناً ، ذلك لأنّ كثيراً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا يعرفون أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول صادق فيما يدّعيه من الرّسالة والنّبوة ، ولكن مع هذه المعرفة التي شهد لهم بها ربّنا عز وجل حين قال:{…يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ….} (البقرة: من الآية146).

ومع ذلك هذه المعرفة ما أغنت عنهم من الله شيئاً .

لماذا ؟ لأنّهم لم يصدّقوه فيما يدّعيه من النّبوّة والرّسالة ، ولذلك فإنّ الإيمان تسبقه المعرفة ولا تكفي وحدها ، بل لا بد أن يقترن مع المعرفة الإيمان والإذعان ، لأنّ المولى عز وجل يقول في محكم التنزيل : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ……}(محمد: من الآية19).

وعلى هذا ، فإذا قال المسلم : لا إله إلا الله بلسانه ؛ فعليه أن يضم إلى ذلك معرفة هذه الكلمة بإيجاز ثم بالتّفصيل ، فإذا عرف وصدق وآمن ؛ فهو الذي يصدق عليه تلك الأحاديث التي ذكرت بعضها آنفاً ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى شيء من التّفصيل الذي ذكرته آنفاً : ” مَن قال : لا إله إلا الله ، نفعته يوماً من دهره “(8).

أي كانت هذه الكلمة الطيّبة بعد معرفة معناها منجية له من الخلود في النّار –

وهذا أكرّره لكي يرسخ في الأذهان – وقد لا يكون قد قام بمقتضاها من كمال العمل الصالح والإنتهاء عن المعاصي ولكنّه سلم من الشِّرْك الأكبر وقام بما يقتضيه ويستلزمه شروط الإيمان من الأعمال القلبية – والظاهرية حسب اجتهاد بعض أهل العلم وفيه تفصيل ليس هذا محل بسطه -(9)؛ وهو تحت المشيئة ، وقد يدخل النار جزاء ما ارتكب أو فعل من المعاصي أو أخلّ ببعض الواجبات ، ثم تنجيه هذه الكلمة الطيّبة أو يعف الله عنه بفضل منه وكرمه ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم المتقدم ذكره : ” مَن قال : لا إله إلا الله ، نفعته يوماً من دهره “،

أمّا مَن قالها بلسانه ولم يفقه معناها ، أو فقه معناها ولكنّه لم يؤمن بهذا المعنى ؛ فهذا لا ينفعه قوله : لا إله إلا الله ، إلاّ في العاجلة إذا كان يعيش في ظل الحكم الإسلامي وليس في الآجلة .


لذلك لا بد من التّركيز على الدّعوة إلى التّوحيد في كل مجتمع أو تكتّل إسلامي يسعى- حقيقة وحثيثاً – إلى ما تدندن به كل الجماعات الإسلامية أو جلّها ، وهو تحقيق المجتمع الإسلامي وإقامة الدولة المسلمة التي تحكم بما أنزل الله على أي أرض لا تحكم بما أنزل الله ،


هذه الجماعات أو هذه الطوائف لا يمكنها أن تحقّق هذه الغاية – التي أجمعوا على تحقيقها وعلى السعي- حثيثاً إلى جعلها حقيقة واقعية – إلاّ بالبدء بما بدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم .

وجوب الإهتمام بالعقيدة لا يعنى إهمال باقي الشرع من عبادات وسلوك ومعاملات وأخلاق :

وأعيد التّنبيه بأنّني لا أعنى الكلام في بيان الأهمّ ، فالمهمّ ، وما دونه ، على أن يقتصر الدّعاة فقط على الدّعوة إلى هذه الكلمة الطيّبة وفهم معناها ، بعد أن أتمّ الله عز وجل علينا النّعمة بإكماله لدينه ! بل لا بدّ لهؤلاء الدّعاة أن يحملوا الإسلام كُلاً لا يتجزّأ ،


وأنا حين أقول هذا- بعد ذلك البيان الذي خلاصته : أن يهتم الدعاة الإسلاميون حقاً بأهم ما جاء به الإسلام ، وهو تفهيم المسلمين العقيدة الصحيحة النابعة من الكلمة الطيبة "لا إله إلا الله"، أريد أن استرعي النّظر إلى هذا البيان لا يعني أن يفهم المسلم فقط أن معنى :” لا إله إلا الله ” ، هو لا معبود بحق في الوجود إلاّ الله فقط ! بل هذه يستلزم أيضاً أن يفهم العبادات التي ينبغي أن يعبد ربّنا- عزّ وجلّ – بها ، ولا يُوَجَه شيء منها لعبد من عباد الله تبارك وتعالى ،

فهذا التّفصيل لا بد أن يقترن بيانه أيضاً بذلك المعنى الموجز للكلمة الطيّبة ، ويحسن أن أضرب مثلاً – أو أكثر من مثل ، حسبما يبدو لي – لأنّ البيان الإجمالي لا يكفي .

أقول : إن كثيراً من المسلمين الموحّدين حقاً والذين لا يوجّهون عبادة من العبادات إلى غير الله عزّ وجل ، ذهنهم خال من كثير من الأفكار والعقائد الصّحيحة التي جاء ذكرها في الكتاب والسُنَّة ، فكثير من هؤلاء الموحّدين يمرّون على كثير من الآيات وبعض الأحاديث التي تتضمّن عقيدة وهم غير منتبهين إلى ما تضمّنته ، مع أنّها من تمام الإيمان بالله عز وجل ،

خذوا مثلاً عقيدة الإيمان بعلوّ الله عزّ وجل ، على ما خلقه ، أنا أعرف بالتّجربة أن كثيراً من إخواننا الموحّدين السّلفيين يعتقدون معنا بأنّ الله عز وجل على العرش استوى دون تأويل ، ودون تكييف ، ولكنّهم حين يأتيهم معتزليون عصريون ،أو جهميون عصريون ، أو ماتريدي أو أشعري ويلقي إليه شُبْهَة قائمة على ظاهر آية لا يفهم معناها الموسوس ولا الموسوس إليه ، فيحار في عقيدته ، ويضلّ عنها بعيداً ، لماذا؟ لأنّه لم يَتَلَقَّ العقيدة الصّحيحة من كل الجوانب التي تعرّض لبيانها كتاب ربّنا –عزّ وجلّ – وحديث نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فحينما يقول المعتزلي المعاصر : الله – عزّ وجل – يقول : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ….} (الملك:الآيتان 15-16). و أنتم تقولون : إن الله في السّماء ، وهذا معناه أنّكم جعلتم معبودكم في ظرف هو السّماء المخلوقة!! فإنّه يلقى شُبْهَة على مَن أمامه .



بيان عدم وضوح العقيدة الصّحيحة ولوازمها في أذهان الكثيرين :

أريد من هذا المثال أن أبيّن أنّ عقيدة التوحيد بكل لوازمها ومتطلّباتها ليست واضحة – للأسف في أذهان كثير ممّن آمنوا بالعقيدة السّلفية نفسها ، فضلاً عن الآخرين الذين اتّبعوا العقائد الأشعرية أو الماتريدية أو الجهمية في مثل هذه المسألة ،

فأنا أرمي بهذا المثال إلى أنّ المسألة ليست بهذا اليسر الذي يصوّره اليوم بعض الدّعاة الّذين يلتقون معنا في الدّعوة إلى الكتاب والسُنّة ، إنّ الأمر ليس بالسّهولة التي يدّعيها بعضهم ، والسّبب ما سبق بيانه من الفرق بين جاهلية المشركين الأوّلين حينما كانوا يدعون ليقولوا : لا إله إلا الله فيأبون ؛ لأنّهم يفهمون معنى هذه الكلمة الطيّبة ، وبين أكثر المسلمين المعاصرين اليوم حينما يقولون هذه الكلمة ؛ ولكنّهم لا يفهمون معناها الصّحيح ، هذا الفرق الجوهري هو الآن متحقّق في مثل هذه العقيدة ، وأعني بها علوّ الله عزّ وجل على مخلوقاته كلّها ، فهذا يحتاج إلى بيان ، ولا يكفي أن يعتقد المسلم{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5)
}. (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء )(10).

دون أن يعرف أنّ كلمة " في " التي وردت في هذا الحديث ليست ظرفية ، وهي مثل " في " التي وردت في قوله تعالى : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَمَاءِ ….} (الملك:الآيتان 15-16). ؛ لأنّ " في " هنا بمعنى " على " والدليل على ذلك كثير وكثير جداً ؛ فمن ذلك : الحديث السابق المتداول بين ألسنة النّاس ، وهو مجموع طرقه –والحمد لله – صحيح ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم :" ارحموا مَن في الأرض " لا يعني الحشرات والديدان التي هي في داخل الأرض ! وإنّما مَن عَلَى الأرض ؛ من إنسان وحيوان ، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم : "…يرحمكم مَن فِي السَماء " ، أي : عَلَى السماء ،

فمثل هذا التّفصيل لا بد للمستجيبين لدعوة الحق أن يكونوا على بيّنة منه ، ويقرب هذا : حديث الجارية وهي راعية غنم ، وهو مشهور معروف ، وإنما أذكر الشاهد منه ؛ حينما سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم :” أين الله ؟” قالت له : في السماء”(11) .

لو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر – مثلاً – أين الله ؟ لقالوا لك : في كل مكان ! بينما الجارية أجابت بأنّه في السماء ، وأقرّها النبي صلى الله عليه وسلم ، لماذا ؟ ؛ لأنّها أجابت على الفطرة ، وكانت تعيش بما يمكن أن نسمّيه بتعبيرنا العصري ( بيئة سلفيّة) لم تتلوّث بأيّ بيئة سيّئة – بالتّعبير العام -؛ لأنّها تخرّجت كما يقولون اليوم – من مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم –


هذه المدرسة لم تكن خاصّة ببعض الرّجال ولا ببعض النّساء ، وإنّما كانت مشاعة بين الناس وتضم الرّجال والنّساء وتعمّ المجتمع بأكمله ، ولذلك عرفت راعية الغنم العقيدة لأنّها لم تتلوّث بأيّ بيئة سيّئة ؛ عرفت العقيدة الصحيحة التي جاءت في الكتاب والسُنّة وهو مالم يعرفه كثير ممّن يدّعي العلم بالكتاب والسُنَّة ، فلا يعرف أين ربّه! مع أنّه مذكور في الكتاب والسُنّة ،

واليوم أقول : لا يوجد شيء من هذا البيان وهذا الوضوح بين المسلمين بحيث لو سألت –لا أقول : راعية غنم – بل راعي أمة أو جماعة ؛ فإنه قد يحار في الجواب كما يحار الكثيرون اليوم إلاّ من رحم الله وقليل ما هم !!!




الدّعوة إلى العقيدة الصحيحة تحتاج إلى بذل جهد عظيم ومستمر :


فإذاً ، فالدّعوة إلى التّوحيد وتثبيتها في قلوب الناس تقتضي منّا ألا نمرّ بالآيات دون تفصيل كما في العهد الأوّل ؛ لأنّهم – أولاً – كانوا يفهمون العبارات العربية بيسر ، وثانياً لأنّه لم يكن هناك انحراف وزيغ في العقيدة نبع من الفلسفة وعلم الكلام ، فقام ما يعارض العقيدة السليمة ، فأوضاعنا اليوم تختلف تماماً عما كان عليه المسلمون الأوائل ، فلا يجوز أن نتوهم بأن الدعوة إلى العقيدة الصحيحة هي اليوم من اليسر كما كان الحال في العهد الأول ، وأقرب هذا في مثل لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان – إن شاء الله تعالى- :
من اليسر المعروف حينئذ أنّ الصّحابي يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة ثم التّابعي يسمع الحديث من الصحابي مباشرة … وهكذا نقف عند القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية ، ونسأل : هل كان هناك شيء اسمه علم الحديث ؟ الجواب : لا ، وهل كان هناك شيء اسمه علم الجرح والتعديل ؟ الجواب : لا ،


أمّا الآن فهذان العلمان لا بد منهما لطالب العلم ، وهما من فروض الكفاية ؛ وذلك لكي يتمكّن العالم اليوم من معرفة الحديث إن كان صحيحاً أو ضعيفاً ، فالأمر لم يعد ميسّراً سهلاً كما كان ذلك ميسّراً للصحابي ، لأنّ الصّحابي كان يتلقّى الحديث من الصّحابة الذين زكّوا بشهادة الله – عز وجل – لهم ….إلخ .



فما كان يومئذ ميسوراً ليس ميسوراً اليوم من حيث صفاء العلم وثقة مصادر التّلقّي ، لهذا لا بد من ملاحظة هذا الأمر والإهتمام به كما ينبغي ممّا يتناسب مع المشاكل المحيطة بنا اليوم بصفتنا مسلمين ، والتي لم تحط بالمسلمين الأوّلين من حيث التلوّث العقدي الذي سبّب إشكالات وأوجد شبهات من أهل البدع المنحرفين عن العقيدة الصّحيحة منهج الحق تحت مسمّيات كثيرة ، ومنها الدعوة إلى الكتاب والسُنَّة فقط ! كما يزعم ذلك ويدعيه المنتسبون إلى علم الكلام .


ويحسن بنا هنا أن نذكر بعض ما جاء في الأحاديث الصحيحة في ذلك ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا ذكر الغرباء في بعض تلك الأحاديث ، قال :” للواحد منهم خمسون من الأجر ” ، قالوا : منّا يا رسول الله أو منهم ؟ قال : ” منكم”(12) .


وهذا من نتائج الغربة الشّديدة للإسلام اليوم التي لم تكن في الزّمن الأوّل ، ولا شك أن غربة الزمن الأول كانت بين شرك صريح وتوحيد خال من كل شائبة ، بين كفر بواح وإيمان صادق ، أمّا الآن فالمشكلة بين المسلمين أنفسهم فأكثرهم توحيده مليء بالشّوائب ، ويوجّه العبادات إلى غير الله ويدّعي الإيمان ؛


هذه القضية ينبغي الإنتباه لها أوّلاً ،و ثانياً : لا ينبغي أن يقول بعض الناس : إنّنا لا بد لنا من الإنتقال إلى مرحلة أخرى غير مرحلة التّوحيد وهي العمل السياسي !! لأنّ الإسلام دعوته دعوة حقّ أوّلاً ، فلا ينبغي أن نقول : نحن عرب والقرآن نزل بلغتنا ، مع تذكيرنا أن العرب اليوم عكس الأعاجم الذين استعربوا ، بسبب بعدهم عن لغتهم ، وهذا ما أبعدهم عن كتاب ربّهم وسُنَّة نبيّهم ،



فَهَبْ أنّنا – نحن العرب – قد فهمنا الإسلام فهماً صحيحاً ، فليس من الواجب علينا بأن نعمل عملاً سياسياً ، ونحرك النّاس تحريكاً سياسياً ، ونشغلهم بالسّياسة عمّا يجب عليهم الإشتغال به ، في فهم الإسلام : في العقيدة ، والعبادة ، والمعاملة والسلوك !!



فأنا لا أعتقد أن هناك شعباً يعدّ بالملايين قد فهم الإسلام فهماً صحيحاً –أعني : العقيدة ، والعبادة ، والسلوك –وربّي عليها.

عَبِيرُ الإسلام
2015-03-09, 22:07
أساس التغيير هو منهج التصفية والتربية :


ولذلك نحن ندندن أبداً ونركّز دائماً حول النّقطتين الأساسيتين اللّتين هما قاعدة التّغيير الحق ، وهما : التّصفية والتّربية ، فلا بد من الأمرين معاً ؛ التّصفية والتّربية ، فإن كان هناك نوع من التّصفية في بلد فهو في العقيدة ، وهذا – بحد ذاته – يعتبر عملاً كبيراً وعظيماً أن يحدث في جزء من المجتمع الإسلامي الكبير- أعني : شعباً من الشعوب – ، أمّا العبادة فتحتاج إلى أن تتخلّص من المذهبية الضّيّقة ، والعمل على الرّجوع إلى السُنَّة الصّحيحة ،


فقد يكون هناك علماء أجلاّء فهموا الإسلام فهماً صحيحاً من كل الجوانب ، لكنّي لا أعتقد أنّ فرداً أو اثنين ، أو ثلاثة ، أو عشرة ، أو عشرين يمكنهم أن يقوموا بواجب التّصفية ، تصفية الإسلام من كلّ ما دخل فيه ؛ سواء في العقيدة ، أو العبادة ، أو السّلوك ، إنّه لا يستطيع أن ينهض بهذا الواجب أفراد قليلون يقومون بتصفية ما علق به من كل دخيل ويربّوا مَن حولهم تربية صحيحة سليمة ، فالتّصفية والتّربية الآن مفقودتان .


ولذلك سيكون للتّحرّك السّياسي في أيّ مجتمع إسلامي لا يحكم بالشّرع آثار سيّئة قبل تحقيق هاتين القضيتين الهامّتين ، أمّا النّصيحة فهي تحل محل التّحرّك السّياسي في أي بلد يحكم بالشّرع من خلال المشورة أو من خلال إبدائها بالّتي هي أحسن بالضّوابط الشّرعية بعيداً عن لغة الإلزام أو التّشهير ، فالبلاغ يقيم الحُجّة ويبرئ الذمّة .


ومن النّصح أيضاً ، أن نشغل الناس فيما ينفعهم ؛بتصحيح العقيدة ، والعبادة ،و السلوك ، والمعاملات .

وقد يظنّ بعضهم أنّنا نريد تحقيق التّربية والتّصفية في المجتمع الإسلامي كلّ !


هذا ما لا نفكر فيه ولا نحلم به في المنام ؛ لأنّ هذا تحقيقه مستحيل ؛ ولأنّ الله عز وجل يقول في القرأن الكريم {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}(هود:118).
ّّّ
وهؤلاء لا يتحقق فيهم قول ربنا تعالى هذا إلا إذا فهموا الإسلام فهماً صحيحاً وربّوا أنقسهم وأهليهم ومَن كان حولهم على هذا الإسلام الصّحيح .


مَن يشتغل بالعمل السّياسي ؟ ومتى ؟


فالإشتغال الآن بالعمل السّياسي مشغلة ! مع أنّنا لا ننكره ، إلاّ أنّنا نؤمن بالتّسلسل الشّرعي المنطقي في آن واحد ، نبدأ بالعقيدة ، ونثني بالعبادة ثم بالسلوك ؛.... تصحيحاً وتربية ....ثم لا بدّ أن يأتي يوم ندخل فيه في مرحلة السّياسة بمفهومها الشّرعي ؛ لأن السياسة معناه : إدارة شؤون الأمّة ، مَن الّذي يدير شؤون الأمّة ؟ ليس زيداً ، وبكراً ، وعمراً ؛ممّن يؤسّس حزباً أو يترأس حركة ، أو يوجّه جماعة !!


هذا الأمر خاص بولي الأمر ؛ الذي يبايع من قبل المسلمين ، هذا هو الذي يجب عليه معرفة سياسة الواقع وإدارته ، فإذا كان المسلمون غير متّحدين – كحالنا اليوم – فيتولّى ذلك كلّ ولي أمر حسب حدود سلطاته ، أمّا أن نشغل أنفسنا في أمور لو افترضنا أنّنا عرفناها حق المعرفة فلا تنفعنا معرفتنا هذه ؛ لأنّنا لا نتمكّن من إدارتها ، ولأنّنا لا نملك القرار لإدارة الأمّة ، وهذا وحده عبث لا طائل تحته ،

ولنضرب مثلاً الحروب القائمة ضد المسلمين في كثير من بلاد الإسلام هل يفيد أ ن نشعل حماسة المسلمين تجاهها ونحن لا نملك الجهاد الواجب إدارته من إمام مسؤول عقدت له البيعة ؟!

لا فائدة من هذا العمل ، ولا نقول : إنه ليس بواجب ! ولكنّنا نقول : إنّه أمر سابق لأوانه ،


ولذلك فعلينا أن نشغل أنفسنا وأن نشغل غيرنا ممّن ندعوهم إلى دعوتنا ؛ بتفهيمهم الإسلام الصحيح ، وتربيتهم تربية صحيحة،


أمّا أن نشغلهم بأمور حماسية وعاطفية ، فذلك ممّا سيصرفهم عن التّمكّن في فهم الدّعوة التي يجب أن يقوم بها كل مكلّف من المسلمين ؛ كتصحيح العقيدة ،وتصحيح العبادة ، وتصحيح السّلوك ، وهي من الفروض العينية التي لا يعذر المقصّر فيها ،و أمّا الأمور الأخرى فبعضها يكون من الأمور الكفائية ، كمثل ما يسمى اليوم بـ (فقه الواقع ) والإشتغال بالعمل السياسي الذي هو من مسئولية مَن لهم الحل والعقد ، الذين بإمكانهم أن يستفيدوا من ذلك عملياً ، أمّا أن يعرفه بعض الأفراد الذين ليس بأيديهم حل ولا عقد ويشغلوا جمهور الناس بالمهمّ عن الأهمّ ، فذلك ممّا يصرفهم عن المعرفة الصّحيحة !

وهذا ممّا نلمسه لمس اليد في كثير من مناهج الأحزاب والجماعات الإسلامية اليوم ، حيث نعرف أن بعضهم انصرف عن تعليم الشباب المسلم المتكتّل والملتفّ حول هؤلاء الدّعاة من أجل أن يتعلّم ويفهم العقيدة الصحيحة ، والعبادة الصحيحة ، والسّلوك الصحيح ، وإذا بِبَعْضِ هؤلاء الدّعاة ينشغلون بالعمل السّياسي ومحاولة الدخول في البرلمانات التي تحكم بغير ما أنزل الله ! فصرفهم هذا عن الأهمّ واشتغلوا بما ليس مهما ً في هذه الظروف القائمة الآن .


أما ما جاء في السؤال عن كيفية براءة ذمة المسلم أو مساهمته في تغيير هذا الواقع الأليم ؛


فنقول : كل من المسلمين بحسبه ، العالم منهم يجب عليه ما لا يجب على غير العالم ، وكما أذكر في مثل هذه المناسبة : أن الله عزّ وجل قد أكمل النعمة بكتابه ، وجعله دستوراً للمؤمنين به ، من ذلك أن الله تعالى قال :{ … فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ...}(الانبياء: من الآية7)


فالله سبحانه وتعالى قد جعل المجتمع الإسلامي قسمين : عالماً ، وغير عالم ، وأوجب على كل منهما مالم يوجبه على الآخر ، فعلى الذين ليسوا بعلماء أن يسألوا أهل العلم ، وعلى العلماء أن يجيبوهم عمّا سئلوا عنه ،

فالواجبات – من هذا المنطلق – تختلف باختلاف الأشخاص ، فالعالم اليوم عليه أن يدعوا إلى دعوة الحق في حدود الاستطاعة ، وغير العالم عليه أن يسأل عمّا يهمّه بحق نفسه أو مَن كان راعياً ؛ كزوجة أو ولد أو نحوه ، فإذا قام المسلم –من كلا الفريقين – بما يستطيع ؛ فقد نجا ، لأن الله عز وجل يقول : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا }(البقرة: من الآية286) .


نحن – مع الأسف نعيش في مأساة ألمّت بالمسلمين ، لا يعرف التاريخ لها مثيلاً ، وهو تداعي الكفار على المسلمين ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في مثل حديثه المعروف والصحيح :” تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال : “لا ، أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم لكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن” ، قالوا: وما الوهن يارسول الله ؟ قال : “حبّ الدنيا وكراهية الموت”.(13)


فواجب العلماء إذاً ، أن يجاهدوا في التّصفية والتّربية ، وذلك بتعليم المسلمين التوحيد الصّحيح وتصحيح العقائد والعبادات ، والسّلوك ، كل حسب طاقته وفي البلاد التي يعيش فيها ، لأنّهم لا يستطيعون القيام بجهاد اليهود في صفّ واحد ماداموا كحالنا اليوم ، متفرّقين ، لا يجمعهم بلد واحد ولا صف واحد ، فإنّهم لا يستطيعون القيام بمثل هذا الجهاد لصدّ الأعداء الذين تداعوا عليهم ، ولكن عليهم أن يتّخذوا كل وسيلة شرعيّة بإمكانهم أن يتّخذوها ، لأنّنا لا نملك القدرة المادية ، ولو استطعنا ، فإنّنا لا نستطيع أن نتحرّك فعلاً ، لأنّ هناك حكومات وقيادات وحكاماً في كثير من بلاد المسلمين يتبنّون سياسات لا تتّفق مع السّياسة الشّرعية – مع الأسف الشديد – لكنّنا نستطيع أن نحقّق – بإذن الله تعالى _ هذين الأمرين العظيمين اللّذين ذكرتهما آنفاً وهما التّصفية والتّربية ،


وحينما يقوم الدّعاة المسلمون بهذا الواجب المهمّ جداً في بلد لا يتبنّى سياسة لا تتفق مع السّياسة الشّرعية ، ويجتمعون على هذا الأساس ، فأنا أعتقد – يومئذ- أنّه سيصدق عليهم قول الله عز وجل :{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّه)(الروم: من الآية4-5) .


الواجب على كل مسلم أن يطبّق حكم الله في شئون حياته كلّها فيما يستطيعه :


إذاً ، واجب كل مسلم أن يعمل ما باستطاعته ، ولا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها ، وليس هناك تلازم بين إقامة التّوحيد الصحيح والعبادة الصّحيحة ، وبين إقامة الدولة الإسلامية في البلاد التي لا تحكم بما أنزل الله ، لأنّ أوّل ما يحكم بما أنزل الله –فيه- هو إقامة التوحيد ، وهناك – بلا شك – أمور خاصة وقعت في بعض العصور وهي أن تكون العزلة خيراً من المخالطة ، فيعتزل المسلم في شعب من الشعاب ويعبد ربّه ، ويكفّ من شرّ الناس إليه ، وشرّه إليهم ،


هذا الأمر قد جاءت فيه أحاديث جداً وإن كان الأصل كما جاء في حديث ابن عمر –رضي الله عنه -:”المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم “(14).


فالدولة المسلمة – بلا شك – وسيلة لإقامة حكم الله في الأرض ، وليست غاية بحدّ ذاتها .


ومن عجائب بعض الدعاة أنهم يهتمون بما لا يستطيعون القيام به من الأمور ، ويدعون ما هو واجب عليهم وميسور !وذلك بمجاهدة أنفسهم كما قال ذلك الداعية المسلم؛ الذي أوصى أتباعه بقوله:” أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم لكم في أرضكم”


ومع ذلك فنحن نجد كثيراً من أتباعه يخالفون ذلك ، جاعلين جلّ دعوتهم إلى إفراد الله عزّوجل بالحكم ، ويعبّرون عن ذلك بالعبارة المعروفة : ” الحاكمية لله “. ولا شك بأنّ الحكم لله وحده ولا شريك له في ذلك ولا في غيره ، ولكنّهم ؛ منهم مَن يقلّد مذهباً من المذاهب الأربعة ، ثم يقول – عندما تأتيه السُنّة الصّريحة الصّحيحة -: هذا خلاف مذهبي !


فأين الحكم بما أنزل الله في اتّباع السُنّة؟!.


ومنهم مَن تجده يعبد الله على الطّرق الصّوفية ! فأين الحكم بما أنزل الله بالتوحيد ؟!

فهم يطالبون غيرهم بما لا يطالبون به أنفسهم ، إنّ من السهل جداً أن تطبّق الحكم بما أنزل الله في عقيدتك ، في عبادتك ، في سلوكك ، في دارك ، في تربية أبنائك ، في بيعك ، في شرائك ، بينما من الصعب جداً ، أن تجبر أو تزيل ذلك الحاكم الذي يحكم في كثير من أحكامه بغير ما أنزل الله ، فلماذا تترك الميسّر إلى المعسر؟! .



هذا يدل على أحد شيئين : إمّا أن يكون هناك سوء تربية ، وسوء توجيه . وإمّا أن يكون هناك سوء عقيدة تدفعهم وتصرفهم إلى الاهتمام بما لا يستطيعون تحقيقه عن الاهتمام بما هو داخل في استطاعتهم ،


فأمّا اليوم فلا أرى إلاّ الإشتغال كلّ الإشتغال بالتّصفية والتّربية ودعوة الناس إلى تصحيح العقيدة والعبادة ، كلّ في حدود استطاعته ، ولا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها ، والحمد لله رب العالمين .
وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد عليه وآله وسلم .


---------------------------------
الهوامش:

(1) أصل هذه الرسالة شريط مسجل ثم كتب ، وطبع في مجلة السلفية ، العدد الرابع عام 1419 هـ .
(2) حديث صحيح : رواه البخاري (1395) وفي غير موضع ، ومسلم (19) ، وأبو داود(1584) ، والترمذي (625) ، كلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنه .
(3) يشير إلى قوله تعالى في سورة الصافات:{ )إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ . وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات:35-36)
(4) هو الشيخ محمد الهاشمي ، أحد شيوخ الصوفية ” الطريقة الشاذلية ” في سوريا من نحو 50 سنة .
(5) حديث صحيح : رواه البخاري (25) وفي غير موضع ، ومسلم (22) ، وغيرهم ، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
(6) يعبدون القبور ، ويذبحون لغير الله ، ويدعون الأموات ، وهذا واقع وحقيقة ما تعتقده الرافضة ،و الصوفية ، وأصحاب الطرق ، فالحج إلى القبور وبناء المشاهد الشركية والطواف عليها والاستغاثة بالصالحين والحلف بهم عقائد ثابتة عندهم .
(7) حديث صحيح : رواه أحمد (5/236)، وابن حبان (4)زوائد ، وصححه الألباني في الصحيحة(3355) .
(8) حديث صحيح : صححه لألباني في السلسلة الصحيحة (1932)وعزاه لأبي سعيد الأعرابي في معجمه وأبي نعيم في الحلية (5/46)، والطبراني في الأوسط (6533)، وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(9) هذه عقيدة السلف الصالح ، وهي الحد الفاصل بيننا وبين الخوارج والمرجئة .
(10) حديث صحيح : رواه أبو داود (4941)، والترمذي(1925) ، وصححه الألباني في الصحيحه (925) .
(11) حديث صحيح : رواه مسلم (537) ، وأبو داود (930) ،والنسائي (1/14-18)، من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه .
(12) حديث صحيح : رواه الطبراني في الكبير (10/255) رقم (10394) ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .وله شاهد من حديث عقبة بن غزوان الصحابي رضي الله عنه رواه البزار كما في الزوائد (7/282)وله شاهد آخر من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه رواه أبو داود (4341) ، وصححه الألباني في الصحيحة (494) .
(13) حديث صحيح : رواه أبو داود (4297) ، وأحمد (5/287) ، من حديث ثوبان رضي الله عنه ، وصححه بطريقيه الألباني في الصحيحة (958) .
(14) حديث صحيح : رواه الترمذي (2507) ، وابن ماجه (4032) ، والبخاري في الأدب المفرد (388) ، وأحمد (5/365) ، من حديث شيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصححه الألباني في الصحيحة (939) .




http://www.alalbany.net/4377

الاخ ياسين السلفي
2015-03-10, 06:25
جزاك الله خيرا امة الله
اللهم ثبتنا على المنهج السلفي واجعلنا دعاة محلصين

عَبِيرُ الإسلام
2015-03-10, 16:53
آمين...وفّقكم الله للعلم النّافع والعمل الصّالح

الاخ ياسين السلفي
2015-03-10, 17:19
آمين...وفّقكم الله للعلم النّافع والعمل الصّالح




امين
جزاك الله خيرا
التوحيد اهم شيء