عَبِيرُ الإسلام
2015-03-03, 20:54
بسم الله الرّحمن الرّحيم
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا
يقول الله تعالى:
( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8) )
تفسير الشّيخ عبدالرّحمن السّعدي رحمه الله.
القرآن العظيم كله محكم كما قال تعالى { كتاب أُحْكِمَت آياته ثم فُصِّلَت من لدن حكيم خبير } فهو مشتمل على غاية الإتقان والإحكام والعدل والإحسان { ومَن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } وكلّه متشابه في الحسن والبلاغة وتصديق بعضه لبعضه ومطابقته لفظا ومعنى،
وأمّا الإحكام والتّشابه المذكور في هذه الآية فإنّ القرآن كما ذكره الله { منه آيات مُحْكَمَات } أي: واضحات الدّلالة، ليس فيها شُبْهَة ولا إشكال { هُنَّ أُمُ الكتاب } أي: أصله الذي يرجع إليه كل متشابه، وهي معظمه وأكثره، { و } منه آيات { أُخَرُ مُتَشَابِهَات } أي: يلتبس معناها على كثير من الأذهان: لكون دلالتها مجملة، أو يتبادر إلى بعض الأفهام غير المراد منها،
فالحاصل أنّ منها آيات بيّنة واضحة لكل أحد، وهي الأكثر التي يرجع إليها، ومنه آيات تشكل على بعض الناس، فالواجب في هذا أن يرد المتشابه إلى المحكم والخفي إلى الجلي، فبهذه الطريق يصدّق بعضه بعضا ولا يحصل فيه مناقضة ولا معارضة،
ولكن النّاس انقسموا إلى فرقتين { فأمّا الذين في قلوبهم زيغ } أي: ميل عن الإستقامة بأن فسدت مقاصدهم، وصار قصدهم الغي والضّلال وانحرفت قلوبهم عن طريق الهدى والرّشاد { فيتّبعون ما تشابه منه } أي: يتركون المُحْكَم الواضح ويذهبون إلى المُتَشَابِه، ويعكسون الأمر فيحملون المُحْكَم على المُتَشَابِه { ابتغاء الفتنة } لمن يدعونهم لقولهم، فإنّ المُتَشَابِه تحصل به الفتنة بسبب الإشتباه الواقع فيه، وإلاّ فالمُحْكَم الصّريح ليس محلاً للفتنة، لوضوح الحق فيه لمن قصد اتّباعه،
وقوله { وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله } للمفسّرين في الوقوف على { الله } من قوله { وما يعلم تأويله إلاّ الله } قولان، جمهورهم يقفون عندها، وبعضهم يعطف عليها { والراسخون في العلم } وذلك كلّه محتمل، فإنّ التأويل إن أريد به علم حقيقة الشيء وكنهه كان الصّواب الوقوف على { إلاّ الله } لأنّ المُتَشَابِه الذي استأثر الله بعلم كنهه وحقيقته، نحو حقائق صفات الله وكيفيتها، وحقائق أوصاف ما يكون في اليوم الآخر ونحو ذلك، فهذه لا يعلمها إلاّ الله، ولا يجوز التّعرّض للوقوف عليها، لأنّه تعرّض لما لا يمكن معرفته، كما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله { الرحمن على العرش [استوى ] } فقال السّائل: كيف استوى؟ فقال مالك: الإستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسّؤال عنه بدعة،
فهكذا يقال في سائر الصّفات لمن سأل عن كيفيتها أن يقال كما قال الإمام مالك، تلك الصّفة معلومة، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة،
وقد أخبرنا الله بها ولم يخبرنا بكيفيتها، فيجب علينا الوقوف على ما حدّ لنا، فأهل الزّيغ يتّبعون هذه الأمور المُشْتَبَهات تعرّضا لما لا يعني، وتكلّفا لما لا سبيل لهم إلى علمه، لأنّه لا يعلمها إلاّ الله،
وأمّا الرّاسخون في العلم فيؤمنون بها ويكلون المعنى إلى الله فيسلمون ويسلمون.
وإن أريد بالتّأويل : التّفسير والكشف والإيضاح، كان الصّواب عطف { الرّاسخون } على { الله } فيكون الله قد أخبر أن تفسير المُتَشَابِه وردّه إلى المُحْكَم وإزالة ما فيه من الشُبْهَة لا يعلمها إلاّ هو تعالى والرّاسخون في العلم يعلمون أيضا، فيؤمنون بها ويردّونها للمُحْكَم ويقولون { كلٌ } من المُحْكَمِ والمُتَشَابِه { من عند ربّنا } وما كان من عنده فليس فيه تعارض ولا تناقض بل هو متّفق يصدق بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض
وفيه تنبيه على الأصل الكبير، وهو أنّهم إذا علموا أنّ جميعه من عند الله، وأشكل عليهم مجمل المُتَشَابِه، علموا يقينا أنّه مردود إلى المُحْكَم، وإن لم يفهموا وجه ذلك.
ولمّا رغّب تعالى في التّسليم والإيمان بأحكامه وزجر عن اتّباع المُتَشَابِه قال { وما يذّكر } أي: يتّعظ بمواعظ الله ويقبل نصحه وتعليمه إلاّ { أولوا الألباب } أي: أهل العقول الرّزينة لب العالم وخلاصة بني آدم يصل التّذكير إلى عقولهم، فيتذكّرون ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرّهم فيتركونه، وأمّا مَن عداهم فهم القشور الذي لا حاصل له ولا نتيجة تحته، لا ينفعهم الزّجر والتّذكير لخلوّهم من العقول النّافعة.
http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/saadi/sura3-aya7.html
ثم أخبر تعالى عن الرّاسخين في العلم أنّهم يدعون ويقولون { ربّنا لا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } أي: لا تُمِلْها عن الحق جهلا وعنادا منّا، بل اجعلنا مستقيمين هادين مهتدين، فثبّتنا على هدايتك وعافنا ممّا ابتليت به الزّائغين { وهب لنا من لدنك رحمة } أي: عظيمة توفّقنا بها للخيرات وتعصمنا بها من المنكرات { إنك أنت الوهاب } أي: واسع العطايا والهبات، كثير الإحسان الذي عمّ جودك جميع البريّات.
http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/saadi/sura3-aya8.html
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا
يقول الله تعالى:
( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8) )
تفسير الشّيخ عبدالرّحمن السّعدي رحمه الله.
القرآن العظيم كله محكم كما قال تعالى { كتاب أُحْكِمَت آياته ثم فُصِّلَت من لدن حكيم خبير } فهو مشتمل على غاية الإتقان والإحكام والعدل والإحسان { ومَن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } وكلّه متشابه في الحسن والبلاغة وتصديق بعضه لبعضه ومطابقته لفظا ومعنى،
وأمّا الإحكام والتّشابه المذكور في هذه الآية فإنّ القرآن كما ذكره الله { منه آيات مُحْكَمَات } أي: واضحات الدّلالة، ليس فيها شُبْهَة ولا إشكال { هُنَّ أُمُ الكتاب } أي: أصله الذي يرجع إليه كل متشابه، وهي معظمه وأكثره، { و } منه آيات { أُخَرُ مُتَشَابِهَات } أي: يلتبس معناها على كثير من الأذهان: لكون دلالتها مجملة، أو يتبادر إلى بعض الأفهام غير المراد منها،
فالحاصل أنّ منها آيات بيّنة واضحة لكل أحد، وهي الأكثر التي يرجع إليها، ومنه آيات تشكل على بعض الناس، فالواجب في هذا أن يرد المتشابه إلى المحكم والخفي إلى الجلي، فبهذه الطريق يصدّق بعضه بعضا ولا يحصل فيه مناقضة ولا معارضة،
ولكن النّاس انقسموا إلى فرقتين { فأمّا الذين في قلوبهم زيغ } أي: ميل عن الإستقامة بأن فسدت مقاصدهم، وصار قصدهم الغي والضّلال وانحرفت قلوبهم عن طريق الهدى والرّشاد { فيتّبعون ما تشابه منه } أي: يتركون المُحْكَم الواضح ويذهبون إلى المُتَشَابِه، ويعكسون الأمر فيحملون المُحْكَم على المُتَشَابِه { ابتغاء الفتنة } لمن يدعونهم لقولهم، فإنّ المُتَشَابِه تحصل به الفتنة بسبب الإشتباه الواقع فيه، وإلاّ فالمُحْكَم الصّريح ليس محلاً للفتنة، لوضوح الحق فيه لمن قصد اتّباعه،
وقوله { وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله } للمفسّرين في الوقوف على { الله } من قوله { وما يعلم تأويله إلاّ الله } قولان، جمهورهم يقفون عندها، وبعضهم يعطف عليها { والراسخون في العلم } وذلك كلّه محتمل، فإنّ التأويل إن أريد به علم حقيقة الشيء وكنهه كان الصّواب الوقوف على { إلاّ الله } لأنّ المُتَشَابِه الذي استأثر الله بعلم كنهه وحقيقته، نحو حقائق صفات الله وكيفيتها، وحقائق أوصاف ما يكون في اليوم الآخر ونحو ذلك، فهذه لا يعلمها إلاّ الله، ولا يجوز التّعرّض للوقوف عليها، لأنّه تعرّض لما لا يمكن معرفته، كما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله { الرحمن على العرش [استوى ] } فقال السّائل: كيف استوى؟ فقال مالك: الإستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسّؤال عنه بدعة،
فهكذا يقال في سائر الصّفات لمن سأل عن كيفيتها أن يقال كما قال الإمام مالك، تلك الصّفة معلومة، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة،
وقد أخبرنا الله بها ولم يخبرنا بكيفيتها، فيجب علينا الوقوف على ما حدّ لنا، فأهل الزّيغ يتّبعون هذه الأمور المُشْتَبَهات تعرّضا لما لا يعني، وتكلّفا لما لا سبيل لهم إلى علمه، لأنّه لا يعلمها إلاّ الله،
وأمّا الرّاسخون في العلم فيؤمنون بها ويكلون المعنى إلى الله فيسلمون ويسلمون.
وإن أريد بالتّأويل : التّفسير والكشف والإيضاح، كان الصّواب عطف { الرّاسخون } على { الله } فيكون الله قد أخبر أن تفسير المُتَشَابِه وردّه إلى المُحْكَم وإزالة ما فيه من الشُبْهَة لا يعلمها إلاّ هو تعالى والرّاسخون في العلم يعلمون أيضا، فيؤمنون بها ويردّونها للمُحْكَم ويقولون { كلٌ } من المُحْكَمِ والمُتَشَابِه { من عند ربّنا } وما كان من عنده فليس فيه تعارض ولا تناقض بل هو متّفق يصدق بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض
وفيه تنبيه على الأصل الكبير، وهو أنّهم إذا علموا أنّ جميعه من عند الله، وأشكل عليهم مجمل المُتَشَابِه، علموا يقينا أنّه مردود إلى المُحْكَم، وإن لم يفهموا وجه ذلك.
ولمّا رغّب تعالى في التّسليم والإيمان بأحكامه وزجر عن اتّباع المُتَشَابِه قال { وما يذّكر } أي: يتّعظ بمواعظ الله ويقبل نصحه وتعليمه إلاّ { أولوا الألباب } أي: أهل العقول الرّزينة لب العالم وخلاصة بني آدم يصل التّذكير إلى عقولهم، فيتذكّرون ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرّهم فيتركونه، وأمّا مَن عداهم فهم القشور الذي لا حاصل له ولا نتيجة تحته، لا ينفعهم الزّجر والتّذكير لخلوّهم من العقول النّافعة.
http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/saadi/sura3-aya7.html
ثم أخبر تعالى عن الرّاسخين في العلم أنّهم يدعون ويقولون { ربّنا لا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } أي: لا تُمِلْها عن الحق جهلا وعنادا منّا، بل اجعلنا مستقيمين هادين مهتدين، فثبّتنا على هدايتك وعافنا ممّا ابتليت به الزّائغين { وهب لنا من لدنك رحمة } أي: عظيمة توفّقنا بها للخيرات وتعصمنا بها من المنكرات { إنك أنت الوهاب } أي: واسع العطايا والهبات، كثير الإحسان الذي عمّ جودك جميع البريّات.
http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/saadi/sura3-aya8.html