المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا أحب الإسلام؟


كريم حمزة
2015-01-26, 14:38
سألني لماذا أقول إني أحب الإسلام إن كنت في حالة توتر ونقد لما يراه معظم الناس بأنه إسلام. وسألني كيف أحل مشكلتي؟؟.


حاولت أن اشرح له أن الإسلام حسب فهمي هو حالة سلام مع الواقع وبشكل يتفاعل مع الواقع وسنن الكون، وأن الإسلام ليس شيئا جامدا أو مادة وإنما هو استجابة أخلاقية علمية سلوكية. أي إن الإسلام لا يعيش على الرف بل يعيش من خلالنا في الحياة ومن خلال فهمنا وتصرفاتنا وبكل الأشكال التي ننتجها باسمه.

حسب رأيي مشكلتنا حاليا بشكل عام أننا حبسنا الإسلام في الماضي، وحرمنا عليه الخروج إلى واقعنا. رغم كل الدفاع والمحبة لكن هناك تقييد كبير لمنظومة أخلاقية حية داخل قصر مهجور تحاصره اشباح الماضي. تخيلوا لو أن جد أجدادكم ترك قصرا منيفا كبيرا، ولكنه مليء بالكثير من الأثاث القديم الذي جُمع عبر عدة أجيال بعضه محطم وبعضه صالح ولكن من تراكم قطع الأثاث تكاد لا تستطيع المشي والتحرك داخل المنزل. تخيلوا طبقات من الغبار في كل مكان. تخيلوا الستائر الممزقة. تخيلوا نوافذ معظمها محطم لم تعد تقي من المطر والثلج والشمس والبراغيث والكثير من القطط المشردة.

هذا وضع الإسلام... حبسناه داخل قصور أذهاننا الماضوية، ونريد أن ندافع عن حبيس ألقينا نحن القبض عليه وسلمناه لأشباح التراث.

من الطبيعي أن البعض سيهرب ضيقا أو تأففا أو حتى رعبا من القصر المهجور. ولكن الغريب أن الكثير من ساكني القصر المهجور مقتنعين بأن احترامهم لقداسة جدهم هو أن لا يحركوا ساكنا في القصر. بل إنه إذا أراد احدهم ان يمسح الغبار أو أن يركب نوافذ جديدة يجد نفسه وقد هجم عليه معظم سكان القصر. "من أنت لتمس ببيت جدنا العظيم؟!" وطبعا هناك ملابس كثيرة رثة تعبئ الخزانات، اتى عليها الاهتراء والعت. ورغم أن المقاسات والألوان لا تناسب ساكني القصر الحاليين واحتياجاتهم إلا أن الكل يعتبر أن احترام أجدادهم الذين سكنوا هذا القصر يكون بلبس ملابسهم القديمة وعدم مسح الغبار عن أي شيء في المنزل. لقد اصبح مكانا مليئا بالأوثان.

هذه الحالة هي صراع ضد الحياة وتدفقها وصيروتها. وهي تماما ما تقع فيه الثقافات الإنسانية كلها عندما تميل إلى تقديس تراثها بدل حاضرها، وتميل إلى المتراكم من العلوم بدل البحث العلمي في الحاضر الذي نعيشه. وهو لسان حال الأقوام كلهم لما جاءهم الأنبياء والرسل والمصلحون بأفكار جديدة، "قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا." والقرآن يجيب: "اولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون." ويقولون أيضا "بل حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا." والقرآن مرة أخرى يجيب: "اولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون." معايير القرآن هي العقل، العلم، والاهتداء. بينما معايير الثقافات التراثية هي تقديس الآباء والاكتفاء بالتراث المتراكم.

هذا الهوس بالماضي والتراث هو الوثنية مهما تغافلنا ورفعنا الشعارات الإيمانية. وما أراه هذه الأيام يذكرني بكلمات الشاعر محمد إقبال الذي قال: "إن كعبتنا عامرة بأصنامنا، وإن الكفر ليضحك من إسلامنا، إن مفتينا بالفتوى يتاجر، وإن واعظنا إلى بيت الصنم ناظر، لقد ضيعوا حرمة الملة البيضاء... أيها المسلم، لاصلة لك بالقرآن إلا إذا حضرتك الوفاة، عندها تتلى عليك سورة ياسين، لتموت بسهولة. عجبا! كتاب نزل إليك ليهبك الحياة؛ يتلى عليك لتموت بسهولة."

لكن بعض الناس بدأ يمسح الغبار وينظف الأرض ويخرج الأثاث القديم من القصر المسكون، وبدأ يفرغ الخزانات القديمة من ملابس قديمة من الواضح أنها رأت أيام عز واناقة، ولكنها ليست لنا.

علينا أن نهب أنفسنا للحياة والحق وليس للموت والتلف. علينا أن نفرغ كعبتنا من كل البالي والقديم ونفكر فيما نريد إبقاؤه ويخدمنا وما صار عبئا علينا ويتطلب إخراجه. وكلما اعدنا الحياة إلى المنزل ستبتعد عنا الأشباح والقطط المشردة، وسيعود النور والأمل، وستنبت الورود. وسيصير منزلا يعطينا مساحة من الراحة والأمان. وعندها سنرى اسلاما مختلفا.
ولهذا لا أريد مغادرة هذا المنزل، وأنا مطمئنة بأن أجدادنا أيضا سيسرون عندما يرونا نقوم بتنظيف الغبار المتراكم وإعادة إحياء بيتنا بدلا من السجود لهم وعبادة الأثاث والأوثان.

عفراء جلبي جريدة هنا صوتك
.............