leprence30
2015-01-18, 09:54
ذكر بعض الآيات الكونية
لحمد لله الملك الحق المبين الذي أبان لعباده من آياته ما به عبرة للمعتبرين وهداية للمهتدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى واحمدوه على ما أراكم من آياته الدالة على وحدانيته وعلى كمال ربوبيته فإن في كل شيء له آية تدل على أنه إله واحد كامل العلم والقدرة والرحمة فمن آياته خلق السماوات والأرض فمن نظر إلى السماء في حسنها وكمالها وارتفاعها وقوتها عرف بذلك تمام قدرته تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا}، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}، {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:3،4]، {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:9] ومن نظر إلى الأرض كيف مهدها الله وسلك لنا فيها سبلاً وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ويسرها لعباده فجعلها لهم ذلولاً يمشون في مناكبها ويأكلون من رزقه فيحرثون ويزرعون ويسخرجون منها الماء فيسقون ويشربون وكيف جعلها الله تعالى قراراً للخلق لا تضطرب بهم ولا تزلزل بهم إلا بإذن الله: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}، {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} مختلفة في ذاتها وصفاتها ومنافعها وفي الأرض جنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل فمن تأمل ذلك علم كمال قدرة الله تعالى ورحمته بعباده ومن آياته ما بث الله تعالى في السماوات والأرض من دابة ففي السماء ملائكته لا يحصيهم إلا الله تعالى ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله تعالى أو راكع أو ساجد يطوف منهم كل يوم بالبيت المعمور في السماء السابعة سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة وفي الأرض من أجناس الدواب وأنواعها ما لا يحصى أجناسه فضلاً عن أنواعه وأفراده هذه الدواب مختلفة الأجناس والأشكال والأحوال فمنها النافع للعباد الذي به يعرفون كمال نعمة الله عليهم ومنها الضار الذي يعرف الإنسان به قدر نفسه وضعفه أمام خلق الله وهذه الدواب المنتشرة في البراري والبحار تسبح بحمد الله وتقدس له وتشهد بتوحيده وربوبيته: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] وكل هذه الدواب رزقها على خالقها وبارئها: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود:6] ومن آياته تعالى الليل والنهار الليل جعله الله تعالى سكناً للعباد يسكنون فيه وينامون ويستريحون والنهار جعله الله تعالى معاشاً للناس يبتغون فيه من فضل الله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:71-73]، ومن آيات الله تعالى الشمس والقمر حيث يجريان في فلكهما منذ خلقهما الله تعالى حتى يأذن بخراب العالم يجريان بسير منتظم لا تغير فيه ولا انحراف ولا فساد ولا اختلاف: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:39،40] ومن آياته تعالى هذه الكواكب والنجوم العظيمة التي لا يحصيها كثرة ولا يعلمها عظمة إلا الله تعالى فمنها السيارات ومنها الثوابت ومنها المتصاحبات التي لا تزال مقترنة ومنها المتفارقات التي تجتمع أحياناً وتفترق أحياناً تسير بأمر الله تعالى وتدبيره زينة للسماء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدي بها فالكون كله من آيات الله جملة وتفصيلاً هو الذي خلقه وهو المدبر له وحده لا يدبر الكون نفسه ولا يدبره أحد غير الله يقول الله تعالى مبرهناً على ذلك: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَ يُوقِنُونَ} [الطور:35،36] نعم فالعالم لم يخلق نفسه ولم يكن مخلوقاً من غير شيء بل لا بد له من خالق يخلقه ويقوم بأمره وهو الله سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه أيها الناس: لو حدثتم بقصر مشيد مكتمل البناء قد بنى نفسه لقلتم هذا من أكبر المحال ولو قيل لكم إن هذا القصر وجد صدفة لقلتم هذا أبلغ محالاً إذن فهذا الكون الواسع كون العالم العلوي والعالم السفلي لا يمكن أن يوجد نفسه ولا يمكن أن يوجد صدفة بلا موجد بل لا بد له من موجد واحد عليم قادر وهو الله سبحانه وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} إلى قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. الخ.
قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لاَيَاتٍ لأوْلِى الألْبَابِ ﴾. إنها دعوةٌ إلى التدبر في الكون وتأمّل مدى دقته وتناسق نواصيه وأجزائه.
عباد الله، إن الخالق عز وجل بمنه وكرمه وفضله قد أظهر لنا آياته في كتاب منظور نراه ونحسّ به، وكتاب نقرؤه ونرتّله ألا وهو القرآن الكريم بآياته وعظاتة، الذي يَعْمد إلى تنبيه الحواسّ والمشاعر وفتح العيون والقلوب إلى ما في هذا الكون العظيم من مشاهد وآيات، تلك التي أفقدتها الأُلفة غرابتها، وأزالت من النفوس عِبرتها، قال عز وجل: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لّيَدَّبَّرُواْ ءايَاتِهِ... ﴾ وقال: ﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِى الآيَاتُ وَالنُّذُرُ..... ﴾.
هاهو القرآن الكريم يَعرض هذه الآيات بأسلوب أخّاذ ليُعيد طراوتها في الأذهان، فكأنها تُرى لأول مرة، يلفتُ النظر على هذه الأرض الفسيحة، وقد سُقيت ورويت بماء الحياة، فاكتظَّت أعاليها بالنعم الوافرة، من أنهار جارية، وأشجار مثمرة، وزروع نضرة، وجبال شامخة راسية، وبحار واسعة مترامية، قال جل وعلا: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾. وقال تعالى: ﴿ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا... ﴾، وقال جل وعلا: ﴿ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ إنَّا صَبَبْنَا... ﴾، وقال جل وعلا: ﴿ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ... ﴾.
إن التأمّل في مطلع الشمس ومغيبها، التأمّل في الظلّ الممدود ينقص بلطف ويزيد، التأمل في العين الوافرة الفوّارة والنبع الرويّ، التأمّل في النبتة النامية والبرعم الناعم والزهرة المتفتّحة والحصيد الهشيم، التأمّل في الطائر السابح في الفضاء والسمك السابح في الماء والدود السارب والنمل الدائب، التأمل في صبح أو مساء، في سكون الليل أو في حركة النهار، إن التأمل في كل ذلك يحرّك القلبَ لهذا الخلق العجيب، وُيشعر العبدَ بعظمة الخالق تبارك وتعالى، قال جل وعلا: ﴿ وَمِنْ ءايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ ... ﴾، وقال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا... ﴾.
عباد الله، هذه المجرات المنطلقة، والكواكب التي تزحم الفضاء وتخترق عُباب السماء، معلّقة لا تسقط، سائرة لا تقف، لا تزيغ ولا تصطدم، ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ... ﴾.
من الذي سيّر أفلاكها؟! ومن الذي نظّم مَسارها وأشرف على مدارها؟! من أمسك أجرامها ودبّر أمرها؟! ﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خوضهم يلعبون ﴾. ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاواتِ والأرض أن تزولا ﴾.
عباد الله، إن الله تبارك وتعالى خلق كلَّ شيء فقدَّره تقديرًا، هذا وضعُ الشمس أمام الأرض مثلاً، تم على مسافة معينة، لو نقصت فازداد قرْبُها من الأرض لأحرقتها، ولو بعُدَت المسافة لعمّ الجليد والصقيع وجه الأرض وهلك الزرع والضرع، من الذي أقامها في مكانها ذاك وقدّر بُعدها لننعم بحرارة مناسبة تستمر معها الحياة والأحياء؟!﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء ﴾.
عباد الله، إن آيات الله في الكون لا تتجلى على حقيقتها ولا تؤدّي مفعولها إلا للقلوب الذاكرة الحَيّة المؤمنة، تلك التي تنظر في الكون بعين التأمل والتدبّر، تلك التي تُعمِل بصائرها وأبصارها وأسماعها وعقولها، ولا تقف عند حدود النظر المشهود، لتنتفع بآيات الله في الكون، ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ﴾.
أما الكفرة والملحدون، فهم عُميُ البصائر غُلف القلوب، إنهم لا يتبصّرون الآيات وهم يُبصرونها، ولا يَفقهون حِكمتها وهم يتقلّبون فيها، فأنّى لهم أن ينتفعوا بها؟! ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مّنَ الْحياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾، ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سكرت أبصارنا بل نحن مسحورون ﴾.
عباد الله، إن بعضَ طرق البحث العلمي لن تؤتي ثمارها في معزل عن الإيمان بقطع الصلة بين الخلق والخالق، فهذه الحضارة الحديثة، وإن شعّ بريقها فظهرت أنها تكشف الآيات العظيمة، ثم تقف حيث يجب أن تنطلق، تظهرُ الأسباب وتنسى ربّ الأسباب سبحانه، وكأن هذه الأسباب التي يُفسّرون بها حصول الكسوف والخسوف والزلازل والبراكين ونزول الأمطار وغيرها كأن هذه الأسباب هي الفاعل الحقيقي، وما عداها وهمٌ، وهذا ضلال بعيد فالفاعل على وجه الحقيقة هو الله الفعّال لما يريد.
أما المنهج الإيماني فإنه لا ينقص شيئًا من ثمار البحث العلمي، لكنه يزيد عليه بربط هذه الحقائق بخالقها ومُوجدِها ومدبّرها ومصرّفها، ليقدر العباد ربّهم حقَّ قدره، وليعلموا أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، فلا يستحقّ العبادة إلا هو، ولا يُتوجّه بخوف أو رجاء إلا إليه، ولا يُخشى إلا هو، ولا يذلّ إلا له، ولا يُطمَع إلا في رحمته.
عباد الله، ماذا لو اختلّ نظام هذا الكون قيدَ شعرة؟! إنه سينهار بكل ما فيه ومَن فيه. ماذا لو تصادمت أفلاكه؟! ماذا لو تناثر ما في الفضاء من أجرامه؟! ماذا لو حُجِبت عنه عناية الله طرْفةَ عين أو أقل من ذلك أو أكثر؟! إننا سنهلك ويهلك كل مَن معنا، ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْء وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء وَكِيلٌ لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض ﴾.
يا رب هذا العصر أَلْحَدَ عندما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سخرت يا ربي له دنياك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما كان يطلق للعلا صاروخه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حتى أشاح بوجهه وقلاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أومآ درى الإنسان أن جميع ما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وصلت إليه يداه من نعماك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لله في الآفاق آيات http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لعل أقلها هو ما إليه هداك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولعل ما في النفس من آياته http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عجب عجاب لو ترى عيناك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والكون مشحون بأسرار إذا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما حاولت تفسيرا لها أعياك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للطبيب تخطفته يد الردى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا شافي الأمراض من أرداك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للمريض نجا وعوفي بعدما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عجزت فنون الطب، من عافاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للصحيح يموت لا من علة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من بالمنايا يا صحيح دهاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للبصير وكان يحذر حفرة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فهوى بها من ذا الذي أهواك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بل سائل الأعمى خطا بين الزحام http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بلا اصطدام من يقود خطاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للجنين يعيش معزولا بلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
راع ومرعى ما الذي يرعاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للوليد بكى وأجهش بالبكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عند الولادة ما الذي أبكاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسأله من ذا بالسموم حشاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تحيا وهذا السم يملأ فاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
شهدا وقل للشهد من حلاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بل سائل اللبن المصفى كان بين http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
دم وفرث من الذي صفاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت الحي يخرج من ثنايا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ميت فاسأله من أحياك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن عيون الناس من أخفاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للنبات يجف بعد تعهد http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ورعاية من بالجفاف رماك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت النبت في الصحراء http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يربو وحده فاسأله من أرباك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أنواره فاسأله من أسراك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسأله من يا نخل شق نواك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت النار شبّ لهيبها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسأل لهيب النار من أوراك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قمم السحاب فسله من أرساك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا ترى صخرا تفجر بالمياه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فسله من بالماء شق صفاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جرى فسله من الذي أجراك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
طغى فسله من الذي أطغاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسأله من يا ليل حاك دجاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحيا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسأله من يا صبح صاغ ضحاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سيجيب ما في الكون من آياته http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عجب عجاب لو تر عيناك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ربي لك الحمد العظيم لذاتك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حمدا ليس لواحد إلاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا أيها الإنسان مهلا ما الذي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بالله جل جلاله أغراك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسجد لمولاك القدير فإنما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا بدّ يوما تنتهي دنياك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتكون في يوم القيامة ماثلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تجْزى بما قد قدمته يداك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد فيا عباد الله؛ إن الناظر في الكون وآفاقه يَشعُرُ بجلال الله وعظمته، الكون كلّه عاليه ودانيه، صامتة وناطقُه، أحياؤه وجماداته، كله خاضع لأمر الله، منقاد لتدبيره، شاهد بوحدانيته وعظمته، ناطق بآيات علمه وحكمته، دائم التسبيح بحمده، ﴿ يُسَبّحُ لَهُ السَّمَاواتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ...... ﴾.
أخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ: ﴿ وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ﴾.
عباد الله، من عصى الله وخالف أمره لم يَقدُر الله حق قدره، من نفى عن الله صفاته أو شبهه بخلقه ما قدر الله حق قدره، من دعا غير الله وطلب منه الشفاعة أو تفريج الكروب ما قدر الله حق قدره، من أطاع بشرًا في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله ما قدر الله حق قدره، من هجر كلام الله فلم يقرأه ولم يتدبره ولم يعمل به ما قدر الله حق قدره، من أحدث حدثًا في دين الله ما قدر الله حق قدره، من ظلم الناس في أموالهم أو أعراضهم ما قدر الله حق قدره، من أكل أموال الناس بالباطل ما قدر الله حق قدره، من لم يحافظ على الصلوات والعبادات وسائر الطاعات ما قدر الله حق قدره.
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن ينتفع بآياته في كونه وكتابه، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه...
اللهم صل على سيدنا محمد.....
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين...
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم... ربنا آتنا في الدنيا حسنة....
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد... سبحان ربك رب العزة.
لحمد لله الملك الحق المبين الذي أبان لعباده من آياته ما به عبرة للمعتبرين وهداية للمهتدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى واحمدوه على ما أراكم من آياته الدالة على وحدانيته وعلى كمال ربوبيته فإن في كل شيء له آية تدل على أنه إله واحد كامل العلم والقدرة والرحمة فمن آياته خلق السماوات والأرض فمن نظر إلى السماء في حسنها وكمالها وارتفاعها وقوتها عرف بذلك تمام قدرته تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا}، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}، {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:3،4]، {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:9] ومن نظر إلى الأرض كيف مهدها الله وسلك لنا فيها سبلاً وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ويسرها لعباده فجعلها لهم ذلولاً يمشون في مناكبها ويأكلون من رزقه فيحرثون ويزرعون ويسخرجون منها الماء فيسقون ويشربون وكيف جعلها الله تعالى قراراً للخلق لا تضطرب بهم ولا تزلزل بهم إلا بإذن الله: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}، {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} مختلفة في ذاتها وصفاتها ومنافعها وفي الأرض جنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل فمن تأمل ذلك علم كمال قدرة الله تعالى ورحمته بعباده ومن آياته ما بث الله تعالى في السماوات والأرض من دابة ففي السماء ملائكته لا يحصيهم إلا الله تعالى ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله تعالى أو راكع أو ساجد يطوف منهم كل يوم بالبيت المعمور في السماء السابعة سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة وفي الأرض من أجناس الدواب وأنواعها ما لا يحصى أجناسه فضلاً عن أنواعه وأفراده هذه الدواب مختلفة الأجناس والأشكال والأحوال فمنها النافع للعباد الذي به يعرفون كمال نعمة الله عليهم ومنها الضار الذي يعرف الإنسان به قدر نفسه وضعفه أمام خلق الله وهذه الدواب المنتشرة في البراري والبحار تسبح بحمد الله وتقدس له وتشهد بتوحيده وربوبيته: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] وكل هذه الدواب رزقها على خالقها وبارئها: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود:6] ومن آياته تعالى الليل والنهار الليل جعله الله تعالى سكناً للعباد يسكنون فيه وينامون ويستريحون والنهار جعله الله تعالى معاشاً للناس يبتغون فيه من فضل الله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:71-73]، ومن آيات الله تعالى الشمس والقمر حيث يجريان في فلكهما منذ خلقهما الله تعالى حتى يأذن بخراب العالم يجريان بسير منتظم لا تغير فيه ولا انحراف ولا فساد ولا اختلاف: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:39،40] ومن آياته تعالى هذه الكواكب والنجوم العظيمة التي لا يحصيها كثرة ولا يعلمها عظمة إلا الله تعالى فمنها السيارات ومنها الثوابت ومنها المتصاحبات التي لا تزال مقترنة ومنها المتفارقات التي تجتمع أحياناً وتفترق أحياناً تسير بأمر الله تعالى وتدبيره زينة للسماء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدي بها فالكون كله من آيات الله جملة وتفصيلاً هو الذي خلقه وهو المدبر له وحده لا يدبر الكون نفسه ولا يدبره أحد غير الله يقول الله تعالى مبرهناً على ذلك: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَ يُوقِنُونَ} [الطور:35،36] نعم فالعالم لم يخلق نفسه ولم يكن مخلوقاً من غير شيء بل لا بد له من خالق يخلقه ويقوم بأمره وهو الله سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه أيها الناس: لو حدثتم بقصر مشيد مكتمل البناء قد بنى نفسه لقلتم هذا من أكبر المحال ولو قيل لكم إن هذا القصر وجد صدفة لقلتم هذا أبلغ محالاً إذن فهذا الكون الواسع كون العالم العلوي والعالم السفلي لا يمكن أن يوجد نفسه ولا يمكن أن يوجد صدفة بلا موجد بل لا بد له من موجد واحد عليم قادر وهو الله سبحانه وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} إلى قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. الخ.
قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لاَيَاتٍ لأوْلِى الألْبَابِ ﴾. إنها دعوةٌ إلى التدبر في الكون وتأمّل مدى دقته وتناسق نواصيه وأجزائه.
عباد الله، إن الخالق عز وجل بمنه وكرمه وفضله قد أظهر لنا آياته في كتاب منظور نراه ونحسّ به، وكتاب نقرؤه ونرتّله ألا وهو القرآن الكريم بآياته وعظاتة، الذي يَعْمد إلى تنبيه الحواسّ والمشاعر وفتح العيون والقلوب إلى ما في هذا الكون العظيم من مشاهد وآيات، تلك التي أفقدتها الأُلفة غرابتها، وأزالت من النفوس عِبرتها، قال عز وجل: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لّيَدَّبَّرُواْ ءايَاتِهِ... ﴾ وقال: ﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِى الآيَاتُ وَالنُّذُرُ..... ﴾.
هاهو القرآن الكريم يَعرض هذه الآيات بأسلوب أخّاذ ليُعيد طراوتها في الأذهان، فكأنها تُرى لأول مرة، يلفتُ النظر على هذه الأرض الفسيحة، وقد سُقيت ورويت بماء الحياة، فاكتظَّت أعاليها بالنعم الوافرة، من أنهار جارية، وأشجار مثمرة، وزروع نضرة، وجبال شامخة راسية، وبحار واسعة مترامية، قال جل وعلا: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾. وقال تعالى: ﴿ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا... ﴾، وقال جل وعلا: ﴿ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ إنَّا صَبَبْنَا... ﴾، وقال جل وعلا: ﴿ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ... ﴾.
إن التأمّل في مطلع الشمس ومغيبها، التأمّل في الظلّ الممدود ينقص بلطف ويزيد، التأمل في العين الوافرة الفوّارة والنبع الرويّ، التأمّل في النبتة النامية والبرعم الناعم والزهرة المتفتّحة والحصيد الهشيم، التأمّل في الطائر السابح في الفضاء والسمك السابح في الماء والدود السارب والنمل الدائب، التأمل في صبح أو مساء، في سكون الليل أو في حركة النهار، إن التأمل في كل ذلك يحرّك القلبَ لهذا الخلق العجيب، وُيشعر العبدَ بعظمة الخالق تبارك وتعالى، قال جل وعلا: ﴿ وَمِنْ ءايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ ... ﴾، وقال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا... ﴾.
عباد الله، هذه المجرات المنطلقة، والكواكب التي تزحم الفضاء وتخترق عُباب السماء، معلّقة لا تسقط، سائرة لا تقف، لا تزيغ ولا تصطدم، ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ... ﴾.
من الذي سيّر أفلاكها؟! ومن الذي نظّم مَسارها وأشرف على مدارها؟! من أمسك أجرامها ودبّر أمرها؟! ﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خوضهم يلعبون ﴾. ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاواتِ والأرض أن تزولا ﴾.
عباد الله، إن الله تبارك وتعالى خلق كلَّ شيء فقدَّره تقديرًا، هذا وضعُ الشمس أمام الأرض مثلاً، تم على مسافة معينة، لو نقصت فازداد قرْبُها من الأرض لأحرقتها، ولو بعُدَت المسافة لعمّ الجليد والصقيع وجه الأرض وهلك الزرع والضرع، من الذي أقامها في مكانها ذاك وقدّر بُعدها لننعم بحرارة مناسبة تستمر معها الحياة والأحياء؟!﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء ﴾.
عباد الله، إن آيات الله في الكون لا تتجلى على حقيقتها ولا تؤدّي مفعولها إلا للقلوب الذاكرة الحَيّة المؤمنة، تلك التي تنظر في الكون بعين التأمل والتدبّر، تلك التي تُعمِل بصائرها وأبصارها وأسماعها وعقولها، ولا تقف عند حدود النظر المشهود، لتنتفع بآيات الله في الكون، ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ﴾.
أما الكفرة والملحدون، فهم عُميُ البصائر غُلف القلوب، إنهم لا يتبصّرون الآيات وهم يُبصرونها، ولا يَفقهون حِكمتها وهم يتقلّبون فيها، فأنّى لهم أن ينتفعوا بها؟! ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مّنَ الْحياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾، ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سكرت أبصارنا بل نحن مسحورون ﴾.
عباد الله، إن بعضَ طرق البحث العلمي لن تؤتي ثمارها في معزل عن الإيمان بقطع الصلة بين الخلق والخالق، فهذه الحضارة الحديثة، وإن شعّ بريقها فظهرت أنها تكشف الآيات العظيمة، ثم تقف حيث يجب أن تنطلق، تظهرُ الأسباب وتنسى ربّ الأسباب سبحانه، وكأن هذه الأسباب التي يُفسّرون بها حصول الكسوف والخسوف والزلازل والبراكين ونزول الأمطار وغيرها كأن هذه الأسباب هي الفاعل الحقيقي، وما عداها وهمٌ، وهذا ضلال بعيد فالفاعل على وجه الحقيقة هو الله الفعّال لما يريد.
أما المنهج الإيماني فإنه لا ينقص شيئًا من ثمار البحث العلمي، لكنه يزيد عليه بربط هذه الحقائق بخالقها ومُوجدِها ومدبّرها ومصرّفها، ليقدر العباد ربّهم حقَّ قدره، وليعلموا أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، فلا يستحقّ العبادة إلا هو، ولا يُتوجّه بخوف أو رجاء إلا إليه، ولا يُخشى إلا هو، ولا يذلّ إلا له، ولا يُطمَع إلا في رحمته.
عباد الله، ماذا لو اختلّ نظام هذا الكون قيدَ شعرة؟! إنه سينهار بكل ما فيه ومَن فيه. ماذا لو تصادمت أفلاكه؟! ماذا لو تناثر ما في الفضاء من أجرامه؟! ماذا لو حُجِبت عنه عناية الله طرْفةَ عين أو أقل من ذلك أو أكثر؟! إننا سنهلك ويهلك كل مَن معنا، ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْء وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء وَكِيلٌ لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض ﴾.
يا رب هذا العصر أَلْحَدَ عندما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سخرت يا ربي له دنياك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما كان يطلق للعلا صاروخه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حتى أشاح بوجهه وقلاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أومآ درى الإنسان أن جميع ما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وصلت إليه يداه من نعماك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لله في الآفاق آيات http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لعل أقلها هو ما إليه هداك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولعل ما في النفس من آياته http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عجب عجاب لو ترى عيناك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والكون مشحون بأسرار إذا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما حاولت تفسيرا لها أعياك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للطبيب تخطفته يد الردى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا شافي الأمراض من أرداك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للمريض نجا وعوفي بعدما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عجزت فنون الطب، من عافاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للصحيح يموت لا من علة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من بالمنايا يا صحيح دهاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للبصير وكان يحذر حفرة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فهوى بها من ذا الذي أهواك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بل سائل الأعمى خطا بين الزحام http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بلا اصطدام من يقود خطاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للجنين يعيش معزولا بلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
راع ومرعى ما الذي يرعاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للوليد بكى وأجهش بالبكا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عند الولادة ما الذي أبكاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسأله من ذا بالسموم حشاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تحيا وهذا السم يملأ فاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
شهدا وقل للشهد من حلاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بل سائل اللبن المصفى كان بين http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
دم وفرث من الذي صفاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت الحي يخرج من ثنايا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ميت فاسأله من أحياك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن عيون الناس من أخفاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قل للنبات يجف بعد تعهد http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ورعاية من بالجفاف رماك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت النبت في الصحراء http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يربو وحده فاسأله من أرباك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أنواره فاسأله من أسراك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسأله من يا نخل شق نواك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت النار شبّ لهيبها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسأل لهيب النار من أوراك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قمم السحاب فسله من أرساك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا ترى صخرا تفجر بالمياه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فسله من بالماء شق صفاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جرى فسله من الذي أجراك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
طغى فسله من الذي أطغاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسأله من يا ليل حاك دجاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحيا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسأله من يا صبح صاغ ضحاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سيجيب ما في الكون من آياته http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عجب عجاب لو تر عيناك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ربي لك الحمد العظيم لذاتك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حمدا ليس لواحد إلاك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا أيها الإنسان مهلا ما الذي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بالله جل جلاله أغراك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاسجد لمولاك القدير فإنما http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا بدّ يوما تنتهي دنياك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتكون في يوم القيامة ماثلا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تجْزى بما قد قدمته يداك http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد فيا عباد الله؛ إن الناظر في الكون وآفاقه يَشعُرُ بجلال الله وعظمته، الكون كلّه عاليه ودانيه، صامتة وناطقُه، أحياؤه وجماداته، كله خاضع لأمر الله، منقاد لتدبيره، شاهد بوحدانيته وعظمته، ناطق بآيات علمه وحكمته، دائم التسبيح بحمده، ﴿ يُسَبّحُ لَهُ السَّمَاواتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ...... ﴾.
أخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ: ﴿ وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ﴾.
عباد الله، من عصى الله وخالف أمره لم يَقدُر الله حق قدره، من نفى عن الله صفاته أو شبهه بخلقه ما قدر الله حق قدره، من دعا غير الله وطلب منه الشفاعة أو تفريج الكروب ما قدر الله حق قدره، من أطاع بشرًا في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله ما قدر الله حق قدره، من هجر كلام الله فلم يقرأه ولم يتدبره ولم يعمل به ما قدر الله حق قدره، من أحدث حدثًا في دين الله ما قدر الله حق قدره، من ظلم الناس في أموالهم أو أعراضهم ما قدر الله حق قدره، من أكل أموال الناس بالباطل ما قدر الله حق قدره، من لم يحافظ على الصلوات والعبادات وسائر الطاعات ما قدر الله حق قدره.
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن ينتفع بآياته في كونه وكتابه، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه...
اللهم صل على سيدنا محمد.....
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين...
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم... ربنا آتنا في الدنيا حسنة....
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد... سبحان ربك رب العزة.