Soletair
2007-09-13, 13:38
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيّدنا محمد صادق الوعد الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه أجمعين وإخوانه من أتباع ملته إلى يوم الدين.
صدق البشير رحمه الله في قوله: الأماني كواذب وأكذب منها رجاء العدل من المستعمر، وأقول ما قال: الأماني كواذب وأكذب منها رجاء العدل من حاكم ظالم.
لقد مضى قرابة ثلاث سنوات ونحن نعيش حصارا إداريا وإعلاميا، وحملات تشويه تشنها الصحف الموالية للنظام، أو الصحف المحاربة للمشروع الإسلامي، أو تلك التي لبسها الحقد فخرجت عن طور الاعتدال في الطرح والموضوعية في النقد، فأخذت جميعها تضخم من حجم المجموعة المتآمرة وتهول من بيان حجمها وشرح موقفها، وتؤكد أن ما تشيعه عنا حقائق دامغة ثم لم تأت بدليل ولم تقم على ما تقول حجة، ولم تكلف نفسها مشقة الموازنة بين الحقيقة التي نطقت بها بيانات مؤسسات الحركة الوطنية والقاعدية؛ من مجلس الشورى الوطني، إلى المكاتب الولائية، إلى الندوات الوطنية التي ضم بعضها جميع مسؤولي الحركة الأساسيين وكان عددهم أكثر من 800 مسؤول، وضم بعضها الآخر معظم منتخبي الحركة الذين تجاوز عددهم 1100 منتخب، إلى الندوات الجهوية التي تمت في جهات القطر الأربع، وقد فندت كلها ادعاءات هؤلاء النفر الذين لم يقيموا عليها دليلا ولم يأتوا بشاهد وردت عليها وكشفت بطلانها.
كما لم تكلف نفسها التوقف عند مواقفها تلك، والنظر إليها على ضوء ما يقتضيه التزام الدستور في مسائل استقلالية الأحزاب، وعدم جواز تدخل السلطة في شؤونها، ولا في مسألة سيادة القانون، وحياد الإدارة، واستقلالية القضاء، ولا في مسائل وجوب احترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية، لأنها لو فعلت ذلك لأدركت حجم خطئها في التهجم علينا والانتصار لسياسات السلطة وتآمرها علينا، فما فعلته السلطة معنا يؤسس لتقاليد بالغة السوء، وعظيمة الخطر على وجود النظام السياسي الجزائري، وعلى التعددية السياسية، ومبادئ سيادة القانون، وحياد الإدارة، واستقلالية القضاء، وهي بذلك السوء تساعده على الظلم والعدوان على تلك المبادئ، ولا خير في الحياة في ظل نظام تنتهك فيه تلك المبادئ .
إن دور الصحف دور عظيم الأهمية، ومسؤولية الكلمة مسؤولية جد ثقيلة، وكان حريا بها أن تنصح الحكومة بالعدل في المعاملة، واحترام سيادة القانون وحياد الإدارة واستقلالية العدالة، وعدم التدخل في شؤون الأحزاب، ولو فعلت ذلك لأنصفت نفسها وخدمت شعبها ونصحت للحكومة، وبذلك يتم التعاون على الدعوة إلى ما يخدم مصلحة الجميع، وينفع أمن المجتمع واستقراره، ويبني جسور المودة والاحترام بين أبنائه.
لقد خبرنا سياسات النظام وعرفنا طبيعته، وأصبحنا على بيّنة من أمره، تسمح لنا بالقول أنه كلما ظهرت شخصية سياسية قوية، وبنت حزبا قويا، ورفضت الترويض، وأصرت على الاستمرار في إتباع نهج المعارضة الجادة، إلاَّ ودبر له مكيدة، وسعي في إضعافه وعمل على إخراجه من الساحة بكل الطرق غير القانونية؛ كتوظيف الإدارة لمضايقته والقضاء لإدانته وجرائد الولاء لتشويهه، وجند أصحاب الطمع من داخل الحزب لتنفيذ سياسات عدوانه وبرامج كيده، ويكفي لمعرفة هذه الحقيقة النظر إلى ما جرى للأستاذ عبد الحميد مهري لما كان أمينا عاما لجبهة التحرير الوطني، وعمل على إبعاد الجبهة عن هيمنة النظام، وسعى في أن يحقق لها الاستقلالية في سياساتها وتوجهاتها ومواقفها من الأزمة التي عرفتها البلاد بعد مصادرة المسار الانتخابي في 11/01/1992، وانتصر للمصالحة الوطنية وكان في طليعة الموقعين على العقد الوطني مع بقية الأحزاب الفاعلة ومنها حزبنا يومها وهو حركة النهضة الإسلامية، عندها تحرك جهاز الدولة الرئيس من خلال بعض رجاله في الحزب وعمل على سحب الثقة منه كأمين عام للجبهة وتم لهم ذلك في مطلع سنة 1996. وانظر إلى ما جرى للأستاذ الطاهر بن بعيبش أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي لما أراد أن يساند مولود حمروش في رئاسيات 1999، ورفض مساندة مرشح النظام، فسحبت منه الثقة واستبدل بأحمد اويحي وهو أحد أهم رجال النظام، ونفس الشيء وقع مع علي بن فليس أمين عام جبهة التحرير الوطني لما ترشح لرئاسيات 2004 ووقف ضد مرشح النظام، وما جرى مع رئيس حركة النهضة الإسلامية لما رفض الترويض ورفض تزكية مرشح النظام في رئاسيات 1999 ثم كرروا معه نفس المؤامرة ولكن بأساليب أكثر قذارة، وتدخلات من النظام أفضح وأبين، إلاّ أنه من المفيد أن نذكر بأن مثل هذه الممارسات تلحق الضرر بالنظام لأنها تزيد من فضحه وتزيد من عزلته في الداخل والخارج لأن سنة الله سبحانه في التغيير تقضي بأنه لا يتم إلاّ إذا توفرت جملة من السنن منها ظهور ظلمه وشيوعه بين الناس حتى لا يبقى أحد لا يعرف ظلمه ولم يتأذ منه ﴿ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد﴾ وقال تعالى: ﴿وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ﴾ ﴿وما كنا مهلكي القرى إلاَّ وأهلها ظالمون ﴾ ومنها ظهور فسوق المترفين منهم وشيوعه بين الناس قال تعالى ﴿وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيه فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ﴾ ومنها ظهور ذنوبهم وشيوعها بين الناس قال تعالى: ﴿ فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين﴾، ومنها ظهور البديل الذي يخلفهم ولا يكون البديل إسلاميا بحق إلا إذا خضع رجاله من قبل إلى أنواع شتى من الابتلاءات وصبروا عليها ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ﴾ .
إنَّ ظلم النظام أخذ في التصاعد مرحلة بعد مرحلة حتى أضحى الأمر الغالب على مواقفه وسياساته، فصار حكامه لا يسألون عما يفعلون ويسأل المخالف لهم عما يفعل ويحاسب عما لم يرتكب، وتجند ضده وسائل الإعلام لتشويهه والإدارة لقمعه والشرطة لقهره وإذلاله والقضاء لإدانته، انظر مثلا إلى القوانين التي تحكم حياة الناس تجدها كلها مستوحاة من القوانين الوضعية عامة والفرنسية خاصة، وهي قوانين خاصة بالدين الإسلامي، وضعتها فرنسا لإذلال الجزائريين وقهرهم ثم توارثها حكام الجزائر وضاعفوا جهدهم في فرضها على الناس اليوم، فالمساجد لا تفتح إلا للصلاة ولا يؤم الناس إلا من اختاره النظام وعيّنه، ولا يدرّس فيها إلا بإذن من النظام وترخيص منه، والحج لا يكون إلاَّ بإذن من النظام وترخيص منه، والصيام لا يبدأ إلا بإعلان منه وعلى رؤيته هو وكذلك الإفطار يوم العيد ، ومنذ سنوات شرع في التدخل في شؤون الزكاة وهو حريص على تنظيمها وجمعها ووضعها حيث يشاء هو لا حيث يشاء صاحب الزكاة.
وانظر مثلا إلى القوانين التي تحكم العمل السياسي والعلاقات الحزبية تجد النظام عاملا على التحكم فيها والتدخل في شؤونها، فلا يقبل ملف أي حزب إلاّ بعد استيفائه لجملة من الشروط القانونية، وتجنح اليوم لتكون موغلة في العلمانية والتغريب، فالبرنامج السياسي يجب أن يكون خاليا من الإشارة إلى ما له صلة بثوابت الأمة ومكونات هويتها من الدين واللغة والأمازيغية، والقوانين المسيرة للحزب يجب أن تبتعد عن كل نص يخدم الدين أو اللغة بشكل جدي وصريح وعلاقة الحزب بالنظام يجب أن تكون علاقة التابع بالمتبوع والعبد بالسيّد، والعامل برب العمل يحيطه علما بكل صغيرة وكبيرة مما قد يأتيه من الأعمال وينظمه من النشاطات، قبل العمل ليأخذ رخصة منه بتنظيم النشاط وليضعه في صورة ما أتى من الأعمال وقرر من قرارات وبخاصة إذا كانت ذات شأن خاص بالتنظيم والتسيير، وإذا أراد الحزب الاستقلال بسياساته ومواقفه وعمل ليكون حزبا ذا مصداقية شعبية وضع تحت الرقابة ومورست عليه شتى الضغوط ليعود إلى بيت الطاعة.
وانظر إلى الحياة الانتخابية وهي عصب الحياة السياسية، وسلاحها الأكبر في ترقية خطابها وتوسيع انتشارها وكسب ثقة الناس فيها والوصول إلى مجالس النيابة لممارسة نوع من سلطة الرقابة على أعمال السلطة والدفاع عن حقوق المواطنين، تجد فيها العجب العجاب، في بداية الأمر وحتى سنة 2004 كان يوجد نوعان من الصناديق نوع لخاصة الناس وتسمى الصناديق الخاصة يصوت فيها منتسبوا أسلاك الدولة من جيش وأمن وشرطة وجمارك ..الخ وكانت أداة كبرى في يد النظام يرجح بها كفة من يشاء من المرشحين أو من الأحزاب، وصناديق لبقية الناس وهي خاضعة لتسيير الإدارة وواقعة تحت إشرافها، والإدارة في الجزائر حزب النظام الحاكم تأتمر بأوامره وتنفذ له سياساته ومن لم يفعل لاحقته إجراءات الطرد والإبعاد.
وانظر إلى القوانين الجنائية أو المدنية أو غيرها تجد القوانين واحدة والتطبيقات مختلفة، وويل لمن يقف في العدالة ويكون خصمه صاحب سلطة أو صاحب مال، فسوف تتضاعف عليه الخسارة خسارة المال وخسارة القضية حتى ولو كان الحق فيها أوضح من الشمس في رابعة النهار.
وانظر إلى المعاملات التي تصدر في حق الملتزمين بدينهم، فستجد فيها من الظلم والاحتقار ومن القسوة والشدة ما قل مثيله، ومن وقع منهم في يد رجال الأمن وحامت حوله شبهة تهديد النظام العام ذاق صنوفا من العذاب والإهانة والاحتقار مهما كبر سنه أو علا مقامه.
وانظر إلى مجلس القضاء وقاعات العدل فإنك لا تجد إلا مقهورا بها خائفا منها قد ضاع منه ماله ؛ مصاريف على المحامين ورشاوى لوسطاء القضاة، ثم بعد أن يضيع ماله غالبا ما يخسر قضيته إذا كان خصمه قد دفع أكثر منه أو كان صاحب جاه أكبر ...
وانظر إلى المجالس المنتخبة وبخاصة مجلس النواب، فقد يتوهم البعض أن ثمة مجالس لمراقبة السلطة ومحاسبتها والدفاع عن حقوق المواطنين والتكفل بانشغالاتهم مثلما هو الحال في البلدان العريقة في العمل النيابي، والحقيقة المرة هي أنه ليس هناك مجلس نيابي أو مجلس شعبي وطني بهذا المفهوم، وليس هناك نواب وليس هناك انتخابا ولا منتخبون، وإنما توجد صور بلا حقائق وتوجد مجالس بلا صلاحيات حقيقية، ونواب بلا أدوار ولا مسؤوليات حقيقية، إنما هناك مؤسسات لتسجيل قوانين الحكومة والمصادقة عليها، وهناك موظفون لدى النظام أعطوا صفة النواب يؤدون دورهم في تزكية قوانين النظام وسياساته العامة.
لقد تأكد هذا الدور في تاريخ العمل البرلماني كله وعلى مدار جميع الفترات النيابية، فالشعب يرى خلاله النواب يناقشون فيكثرون من الكلام، قليله مفيد وكثيره كلام لا طعم فيه ولا رائحة، ثم ينتهي كل شيء كما أرادت الحكومة وشاء النظام بالمصادقة على قوانينها وسياساتها، ومن شذ من النواب الذين وصلوا إلى لمجلس النيابي بأصوات المواطنين وأرادوا الوفاء لهم، فهم أولا أقلية ضئيلة لا تؤثر في القرار، ثم تخضع بعد ذلك لأنواع شتى من محاولات الترويض والتدجين حتى ينتهي بهم الحال إلى الاستسلام أو الانعزال أو التكسير، مثلما حصل مع كتلة حركة الإصلاح التي حاولت سنة 2003 والنصف الأول من سنة 2004 أن تضفي نوعا من الحيوية على المجلس، وتدفع النواب ليكونوا بحق نوابا عن الشعب لا عن نظام الحكم، وسعت في إحياء رسالة المجلس بالمناقشات الجادة والمبادرة بمشاريع القوانين؛ كمشروع قانون الانتخابات الذي ألغى الصناديق الخاصة وفرض تسليم محاضر الفرز على مستوى مكاتب التصويت، إلى ممثلي الأحزاب والمرشحين ...وقانون منع استيراد الخمور فكانت النتيجة أن سعى النظام في التآمر عليها وعمل على إضعاف كتلتها، فلم يسمع لها صوت يذكر بقية العهدة من منتصف 2004 إلى منتصف 2007، ثم حرمت الحركة بقيادتها ومؤسساتها الشرعية من المشاركة في انتخابات 2007 وسلم الحزب للمفصولين منه الذين لعبوا دور أداة السلطة في إنهاء الكتلة وتشويه سمعة القيادة والسعي في إضعافها، ليشاركوا باسم الحركة ويستفيدوا من رصيدها مكافأة لهم على الخيانة، وإضعافا للحزب وإمعانا في إلحاق الأذى بمؤسساته وقيادته الشرعية ومحاولة قطع طريق الانتخابات الرئاسية أمامها.
إن النيابة لا تكون نيابة حقة إلاَّ إذا كانت الانتخابات قانونية حرة ونزيهة، وكانت الأحزاب المتنافسة عليها مستقلة في برامجها وسيرها ومواقفها وعلاقاتها، وكانت الإدارة المشرفة على تسيير الانتخابات إدارة محايدة، لا تملك من أمر الانتخابات إلا توفير الأسباب المادية لنجاحها، وكانت الرقابة عليها رقابة حقيقية تتوفر على الحق في منع أي تصرف أو سلوك من شأنه الإضرار بحرية ونزاهة الانتخابات، وكان المنتخب عارفا بقيمة نفسه وقيمة الانتخاب، ومدركا لقيمة العقد الذي بينه وبين الشعب، وصاحب إرادة وكفاءة تؤهله للوفاء بالعقد الانتخابي ومقتضياته، وعارفا بقيمة المؤسسة النيابية وحريصا على العمل من أجل فرض احترام مكانتها الدستورية ودورها التشريعي والرقابي، وكانت المؤسسة النيابية تتمتع بصلاحيات دستورية واضحة في التشريع والمراقبة والمحاسبة والعزل.
إنَّ هذا النوع من النيابة اليوم غائب، فالجزائر لم تر انتخابا حرا ونزيها منذ عرفت نظام الانتخابات، ولم تر إدارة محايدة منذ أن قررت التحول الديمقراطي في سنة 1989، ولم تر مجلسا نيابيا يمارس دوره كسلطة ويؤدي واجبه في التشريع والرقابة والمحاسبة منذ كان المجلس النيابي، لقد عرفت الجزائر الكثير من الانتخابات والكثير من المجالس النيابية أو المجالس الشعبية الوطنية، وكانت دائما خاضعة لهيمنة الإدارة وهيمنة السلطة فأضعف ذلك من مصداقيتها وزهد الناس فيها وقلل من الإقبال عليها.
وانظر مثلا إلى الإعلام المنظور والمسموع وبعض الإعلام المقروء فإنك تجده في معظمه إعلاما .
صدق البشير رحمه الله في قوله: الأماني كواذب وأكذب منها رجاء العدل من المستعمر، وأقول ما قال: الأماني كواذب وأكذب منها رجاء العدل من حاكم ظالم.
لقد مضى قرابة ثلاث سنوات ونحن نعيش حصارا إداريا وإعلاميا، وحملات تشويه تشنها الصحف الموالية للنظام، أو الصحف المحاربة للمشروع الإسلامي، أو تلك التي لبسها الحقد فخرجت عن طور الاعتدال في الطرح والموضوعية في النقد، فأخذت جميعها تضخم من حجم المجموعة المتآمرة وتهول من بيان حجمها وشرح موقفها، وتؤكد أن ما تشيعه عنا حقائق دامغة ثم لم تأت بدليل ولم تقم على ما تقول حجة، ولم تكلف نفسها مشقة الموازنة بين الحقيقة التي نطقت بها بيانات مؤسسات الحركة الوطنية والقاعدية؛ من مجلس الشورى الوطني، إلى المكاتب الولائية، إلى الندوات الوطنية التي ضم بعضها جميع مسؤولي الحركة الأساسيين وكان عددهم أكثر من 800 مسؤول، وضم بعضها الآخر معظم منتخبي الحركة الذين تجاوز عددهم 1100 منتخب، إلى الندوات الجهوية التي تمت في جهات القطر الأربع، وقد فندت كلها ادعاءات هؤلاء النفر الذين لم يقيموا عليها دليلا ولم يأتوا بشاهد وردت عليها وكشفت بطلانها.
كما لم تكلف نفسها التوقف عند مواقفها تلك، والنظر إليها على ضوء ما يقتضيه التزام الدستور في مسائل استقلالية الأحزاب، وعدم جواز تدخل السلطة في شؤونها، ولا في مسألة سيادة القانون، وحياد الإدارة، واستقلالية القضاء، ولا في مسائل وجوب احترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية، لأنها لو فعلت ذلك لأدركت حجم خطئها في التهجم علينا والانتصار لسياسات السلطة وتآمرها علينا، فما فعلته السلطة معنا يؤسس لتقاليد بالغة السوء، وعظيمة الخطر على وجود النظام السياسي الجزائري، وعلى التعددية السياسية، ومبادئ سيادة القانون، وحياد الإدارة، واستقلالية القضاء، وهي بذلك السوء تساعده على الظلم والعدوان على تلك المبادئ، ولا خير في الحياة في ظل نظام تنتهك فيه تلك المبادئ .
إن دور الصحف دور عظيم الأهمية، ومسؤولية الكلمة مسؤولية جد ثقيلة، وكان حريا بها أن تنصح الحكومة بالعدل في المعاملة، واحترام سيادة القانون وحياد الإدارة واستقلالية العدالة، وعدم التدخل في شؤون الأحزاب، ولو فعلت ذلك لأنصفت نفسها وخدمت شعبها ونصحت للحكومة، وبذلك يتم التعاون على الدعوة إلى ما يخدم مصلحة الجميع، وينفع أمن المجتمع واستقراره، ويبني جسور المودة والاحترام بين أبنائه.
لقد خبرنا سياسات النظام وعرفنا طبيعته، وأصبحنا على بيّنة من أمره، تسمح لنا بالقول أنه كلما ظهرت شخصية سياسية قوية، وبنت حزبا قويا، ورفضت الترويض، وأصرت على الاستمرار في إتباع نهج المعارضة الجادة، إلاَّ ودبر له مكيدة، وسعي في إضعافه وعمل على إخراجه من الساحة بكل الطرق غير القانونية؛ كتوظيف الإدارة لمضايقته والقضاء لإدانته وجرائد الولاء لتشويهه، وجند أصحاب الطمع من داخل الحزب لتنفيذ سياسات عدوانه وبرامج كيده، ويكفي لمعرفة هذه الحقيقة النظر إلى ما جرى للأستاذ عبد الحميد مهري لما كان أمينا عاما لجبهة التحرير الوطني، وعمل على إبعاد الجبهة عن هيمنة النظام، وسعى في أن يحقق لها الاستقلالية في سياساتها وتوجهاتها ومواقفها من الأزمة التي عرفتها البلاد بعد مصادرة المسار الانتخابي في 11/01/1992، وانتصر للمصالحة الوطنية وكان في طليعة الموقعين على العقد الوطني مع بقية الأحزاب الفاعلة ومنها حزبنا يومها وهو حركة النهضة الإسلامية، عندها تحرك جهاز الدولة الرئيس من خلال بعض رجاله في الحزب وعمل على سحب الثقة منه كأمين عام للجبهة وتم لهم ذلك في مطلع سنة 1996. وانظر إلى ما جرى للأستاذ الطاهر بن بعيبش أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي لما أراد أن يساند مولود حمروش في رئاسيات 1999، ورفض مساندة مرشح النظام، فسحبت منه الثقة واستبدل بأحمد اويحي وهو أحد أهم رجال النظام، ونفس الشيء وقع مع علي بن فليس أمين عام جبهة التحرير الوطني لما ترشح لرئاسيات 2004 ووقف ضد مرشح النظام، وما جرى مع رئيس حركة النهضة الإسلامية لما رفض الترويض ورفض تزكية مرشح النظام في رئاسيات 1999 ثم كرروا معه نفس المؤامرة ولكن بأساليب أكثر قذارة، وتدخلات من النظام أفضح وأبين، إلاّ أنه من المفيد أن نذكر بأن مثل هذه الممارسات تلحق الضرر بالنظام لأنها تزيد من فضحه وتزيد من عزلته في الداخل والخارج لأن سنة الله سبحانه في التغيير تقضي بأنه لا يتم إلاّ إذا توفرت جملة من السنن منها ظهور ظلمه وشيوعه بين الناس حتى لا يبقى أحد لا يعرف ظلمه ولم يتأذ منه ﴿ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد﴾ وقال تعالى: ﴿وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ﴾ ﴿وما كنا مهلكي القرى إلاَّ وأهلها ظالمون ﴾ ومنها ظهور فسوق المترفين منهم وشيوعه بين الناس قال تعالى ﴿وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيه فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ﴾ ومنها ظهور ذنوبهم وشيوعها بين الناس قال تعالى: ﴿ فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين﴾، ومنها ظهور البديل الذي يخلفهم ولا يكون البديل إسلاميا بحق إلا إذا خضع رجاله من قبل إلى أنواع شتى من الابتلاءات وصبروا عليها ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ﴾ .
إنَّ ظلم النظام أخذ في التصاعد مرحلة بعد مرحلة حتى أضحى الأمر الغالب على مواقفه وسياساته، فصار حكامه لا يسألون عما يفعلون ويسأل المخالف لهم عما يفعل ويحاسب عما لم يرتكب، وتجند ضده وسائل الإعلام لتشويهه والإدارة لقمعه والشرطة لقهره وإذلاله والقضاء لإدانته، انظر مثلا إلى القوانين التي تحكم حياة الناس تجدها كلها مستوحاة من القوانين الوضعية عامة والفرنسية خاصة، وهي قوانين خاصة بالدين الإسلامي، وضعتها فرنسا لإذلال الجزائريين وقهرهم ثم توارثها حكام الجزائر وضاعفوا جهدهم في فرضها على الناس اليوم، فالمساجد لا تفتح إلا للصلاة ولا يؤم الناس إلا من اختاره النظام وعيّنه، ولا يدرّس فيها إلا بإذن من النظام وترخيص منه، والحج لا يكون إلاَّ بإذن من النظام وترخيص منه، والصيام لا يبدأ إلا بإعلان منه وعلى رؤيته هو وكذلك الإفطار يوم العيد ، ومنذ سنوات شرع في التدخل في شؤون الزكاة وهو حريص على تنظيمها وجمعها ووضعها حيث يشاء هو لا حيث يشاء صاحب الزكاة.
وانظر مثلا إلى القوانين التي تحكم العمل السياسي والعلاقات الحزبية تجد النظام عاملا على التحكم فيها والتدخل في شؤونها، فلا يقبل ملف أي حزب إلاّ بعد استيفائه لجملة من الشروط القانونية، وتجنح اليوم لتكون موغلة في العلمانية والتغريب، فالبرنامج السياسي يجب أن يكون خاليا من الإشارة إلى ما له صلة بثوابت الأمة ومكونات هويتها من الدين واللغة والأمازيغية، والقوانين المسيرة للحزب يجب أن تبتعد عن كل نص يخدم الدين أو اللغة بشكل جدي وصريح وعلاقة الحزب بالنظام يجب أن تكون علاقة التابع بالمتبوع والعبد بالسيّد، والعامل برب العمل يحيطه علما بكل صغيرة وكبيرة مما قد يأتيه من الأعمال وينظمه من النشاطات، قبل العمل ليأخذ رخصة منه بتنظيم النشاط وليضعه في صورة ما أتى من الأعمال وقرر من قرارات وبخاصة إذا كانت ذات شأن خاص بالتنظيم والتسيير، وإذا أراد الحزب الاستقلال بسياساته ومواقفه وعمل ليكون حزبا ذا مصداقية شعبية وضع تحت الرقابة ومورست عليه شتى الضغوط ليعود إلى بيت الطاعة.
وانظر إلى الحياة الانتخابية وهي عصب الحياة السياسية، وسلاحها الأكبر في ترقية خطابها وتوسيع انتشارها وكسب ثقة الناس فيها والوصول إلى مجالس النيابة لممارسة نوع من سلطة الرقابة على أعمال السلطة والدفاع عن حقوق المواطنين، تجد فيها العجب العجاب، في بداية الأمر وحتى سنة 2004 كان يوجد نوعان من الصناديق نوع لخاصة الناس وتسمى الصناديق الخاصة يصوت فيها منتسبوا أسلاك الدولة من جيش وأمن وشرطة وجمارك ..الخ وكانت أداة كبرى في يد النظام يرجح بها كفة من يشاء من المرشحين أو من الأحزاب، وصناديق لبقية الناس وهي خاضعة لتسيير الإدارة وواقعة تحت إشرافها، والإدارة في الجزائر حزب النظام الحاكم تأتمر بأوامره وتنفذ له سياساته ومن لم يفعل لاحقته إجراءات الطرد والإبعاد.
وانظر إلى القوانين الجنائية أو المدنية أو غيرها تجد القوانين واحدة والتطبيقات مختلفة، وويل لمن يقف في العدالة ويكون خصمه صاحب سلطة أو صاحب مال، فسوف تتضاعف عليه الخسارة خسارة المال وخسارة القضية حتى ولو كان الحق فيها أوضح من الشمس في رابعة النهار.
وانظر إلى المعاملات التي تصدر في حق الملتزمين بدينهم، فستجد فيها من الظلم والاحتقار ومن القسوة والشدة ما قل مثيله، ومن وقع منهم في يد رجال الأمن وحامت حوله شبهة تهديد النظام العام ذاق صنوفا من العذاب والإهانة والاحتقار مهما كبر سنه أو علا مقامه.
وانظر إلى مجلس القضاء وقاعات العدل فإنك لا تجد إلا مقهورا بها خائفا منها قد ضاع منه ماله ؛ مصاريف على المحامين ورشاوى لوسطاء القضاة، ثم بعد أن يضيع ماله غالبا ما يخسر قضيته إذا كان خصمه قد دفع أكثر منه أو كان صاحب جاه أكبر ...
وانظر إلى المجالس المنتخبة وبخاصة مجلس النواب، فقد يتوهم البعض أن ثمة مجالس لمراقبة السلطة ومحاسبتها والدفاع عن حقوق المواطنين والتكفل بانشغالاتهم مثلما هو الحال في البلدان العريقة في العمل النيابي، والحقيقة المرة هي أنه ليس هناك مجلس نيابي أو مجلس شعبي وطني بهذا المفهوم، وليس هناك نواب وليس هناك انتخابا ولا منتخبون، وإنما توجد صور بلا حقائق وتوجد مجالس بلا صلاحيات حقيقية، ونواب بلا أدوار ولا مسؤوليات حقيقية، إنما هناك مؤسسات لتسجيل قوانين الحكومة والمصادقة عليها، وهناك موظفون لدى النظام أعطوا صفة النواب يؤدون دورهم في تزكية قوانين النظام وسياساته العامة.
لقد تأكد هذا الدور في تاريخ العمل البرلماني كله وعلى مدار جميع الفترات النيابية، فالشعب يرى خلاله النواب يناقشون فيكثرون من الكلام، قليله مفيد وكثيره كلام لا طعم فيه ولا رائحة، ثم ينتهي كل شيء كما أرادت الحكومة وشاء النظام بالمصادقة على قوانينها وسياساتها، ومن شذ من النواب الذين وصلوا إلى لمجلس النيابي بأصوات المواطنين وأرادوا الوفاء لهم، فهم أولا أقلية ضئيلة لا تؤثر في القرار، ثم تخضع بعد ذلك لأنواع شتى من محاولات الترويض والتدجين حتى ينتهي بهم الحال إلى الاستسلام أو الانعزال أو التكسير، مثلما حصل مع كتلة حركة الإصلاح التي حاولت سنة 2003 والنصف الأول من سنة 2004 أن تضفي نوعا من الحيوية على المجلس، وتدفع النواب ليكونوا بحق نوابا عن الشعب لا عن نظام الحكم، وسعت في إحياء رسالة المجلس بالمناقشات الجادة والمبادرة بمشاريع القوانين؛ كمشروع قانون الانتخابات الذي ألغى الصناديق الخاصة وفرض تسليم محاضر الفرز على مستوى مكاتب التصويت، إلى ممثلي الأحزاب والمرشحين ...وقانون منع استيراد الخمور فكانت النتيجة أن سعى النظام في التآمر عليها وعمل على إضعاف كتلتها، فلم يسمع لها صوت يذكر بقية العهدة من منتصف 2004 إلى منتصف 2007، ثم حرمت الحركة بقيادتها ومؤسساتها الشرعية من المشاركة في انتخابات 2007 وسلم الحزب للمفصولين منه الذين لعبوا دور أداة السلطة في إنهاء الكتلة وتشويه سمعة القيادة والسعي في إضعافها، ليشاركوا باسم الحركة ويستفيدوا من رصيدها مكافأة لهم على الخيانة، وإضعافا للحزب وإمعانا في إلحاق الأذى بمؤسساته وقيادته الشرعية ومحاولة قطع طريق الانتخابات الرئاسية أمامها.
إن النيابة لا تكون نيابة حقة إلاَّ إذا كانت الانتخابات قانونية حرة ونزيهة، وكانت الأحزاب المتنافسة عليها مستقلة في برامجها وسيرها ومواقفها وعلاقاتها، وكانت الإدارة المشرفة على تسيير الانتخابات إدارة محايدة، لا تملك من أمر الانتخابات إلا توفير الأسباب المادية لنجاحها، وكانت الرقابة عليها رقابة حقيقية تتوفر على الحق في منع أي تصرف أو سلوك من شأنه الإضرار بحرية ونزاهة الانتخابات، وكان المنتخب عارفا بقيمة نفسه وقيمة الانتخاب، ومدركا لقيمة العقد الذي بينه وبين الشعب، وصاحب إرادة وكفاءة تؤهله للوفاء بالعقد الانتخابي ومقتضياته، وعارفا بقيمة المؤسسة النيابية وحريصا على العمل من أجل فرض احترام مكانتها الدستورية ودورها التشريعي والرقابي، وكانت المؤسسة النيابية تتمتع بصلاحيات دستورية واضحة في التشريع والمراقبة والمحاسبة والعزل.
إنَّ هذا النوع من النيابة اليوم غائب، فالجزائر لم تر انتخابا حرا ونزيها منذ عرفت نظام الانتخابات، ولم تر إدارة محايدة منذ أن قررت التحول الديمقراطي في سنة 1989، ولم تر مجلسا نيابيا يمارس دوره كسلطة ويؤدي واجبه في التشريع والرقابة والمحاسبة منذ كان المجلس النيابي، لقد عرفت الجزائر الكثير من الانتخابات والكثير من المجالس النيابية أو المجالس الشعبية الوطنية، وكانت دائما خاضعة لهيمنة الإدارة وهيمنة السلطة فأضعف ذلك من مصداقيتها وزهد الناس فيها وقلل من الإقبال عليها.
وانظر مثلا إلى الإعلام المنظور والمسموع وبعض الإعلام المقروء فإنك تجده في معظمه إعلاما .