Soletair
2007-09-13, 13:25
كلمة رئيس الحركة في اليوم الدراسي حول إصلاح المنظومة التربوية المنعقد بالجزائر يوم 11 محرم 1422 هـ الموافق لـ 05 أفريل 2001
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وسيد الخلق أجمعين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.
يسر حركة الإصلاح الوطني أن تنظم هذا اليوم الدراسي حول معلم من أخطر معالم التآمر على الأمة وهو مشروع المنظومة التربوية المقدم من طرف لجنة معظم أفرادها من مثقفي التيار اللائكي الفرنكوفيلي -العلماني- في البلاد، وقد رأت الحركة باقتراح من هيئة التفكير والدراسات التابعة لها أن تدعو هذه النخبة من ذوي الكفاءة والاختصاص والخبرة والإيمان والغيرة على مقومات شخصية الأمة ومصالحها، ليتناولوا هذا المشروع بالدراسة والنقد كخطوة سبقتها خطوات وتلحقها أخرى في مسار العمل على تعرية مؤامرة أبناء فرنسا والمنخدعين بهم على حاضر الأمة ومستقبلها، فتحية لكم أيها الإخوان وإلى جميع من تصدى لهذه المؤامرة بقلمه أو لسانه أو عواطفه أو بحضوره نشاطات الرفض لهذه المؤامرة وتعرية مخططاتها وأصحابها والمؤيدين لها، وتحية لكل الجرائد التي سخّرت صفحاتها دفاعا عن هوية الأمة ومقومات شخصيتها، وتحيتي لهؤلاء جميعا هي تحية الإسلام، وتحية الإسلام هي السلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
اسمحوا لي في البداية وقبل أن أحيل الكلمة للإخوة المعنيين بتنشيط هذا اليوم الدراسي أن أعرب باسمي وباسم حركة الإصلاح الوطني عن عظيم شكري لكل من لبى دعوتنا واقتطع جزءا من وقته الثمين ليشاركنا أشغال هذا اليوم، واسمحوا لي أن أقول بأن تاريخ هذه الأمة مليء بالعبر والعظات، فقد توالت عليها الكثير من مؤامرات وئدها والقضاء عليها، ولكنها كانت دائما تتغلب عليها فتميتها وتستمر هي في الحياة، وأن هذه الظاهرة لمرجوة التحقيق اليوم أمام مؤامرات اللائكيين أكثر مما مما كانت مرجوة بالأمس أمام مخططات فرنسا إبان استعمارها الاستيطاني البغيض، فلطالما قال يومها ضعاف الإيمان والبصيرة وأهل الولاء للاستعمار وموتى المروءة أن الأمة ماتت، وقال أصحاب العلم والإيمان والبصيرة وذوي الولاء الصادق للأمة والمروءة الحية كلا إنها لم تمت ولن تموت ما دام عرق الإسلام في الأمة ينبض بالحياة، ولسانها ينطق بالعربية، وقد صدق الواقع والتاريخ بعد ذلك ما قاله أهل العلم والإيمان والولاء والمروءة وكذب ما قال أهل النفاق والخيانة والعمالـة للمستعمـر.
أقول هذا الكلام في البداية لأنفي ما قد يتبادر إلى أذهان البعض عند سماع كلمتي من أنني متشائم أو أن نظرتي للأمور ورأيي فيها بالغ القتامة، لا ثم لا لست متشائما ولكنني أحب أن أضع النقاط على الحروف ما استطعت، وأذهب رأسا إلى بيان حقيقة وطبيعة المؤامرة على الأمة دون لف ولا دوران فذلك في نظري أكمل في النصح وأجدر بتبرئة الذمة أمام الله أولا ثم أمام الأمة والتاريخ.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
كلكم يعلم أنه منذ أن احتلت فرنسا الجزائر وهي تعمل على أن تكون جزءا منها، وقد أخذ عملها لذلك صورا شتى كان من أشدها على الأمة وأكثرها ضررا بها سياسة التعليم، فقد وضعت برنامجا يهدف إلى سلخ الأمة من دينها عقيدة وسلوكا، ومن لغتها لسانا وخلالا، ومن تاريخها تراثا وقيما، وإلى تغريبها فكرا وسلوكا وعاطفة، وتغذية الولاء في نفوس أبناء الأمة لفرنسا دولة وشعبا وقد أثمر ذلك الجهد في تكوين جيل من النخب تعادي الإسلام والعربية وتتنكر لحضارة الأمة وتاريخها، وتؤمن باللائكية سلوكا ونظام حياة، وبالفرنسية لغة وثقافة وحضارة، وتعمل على ربط الأمة والدولة بالمنظور الحضاري الفرنسي وبالسياسات والمواقف الفرنسية، وقد عملت هذه النخب على التغلغل في دواليب الحكم تحت ألوان شرقية اشتراكية تارة، وغربية ليبرالية تارة أخرى، وجهوية عرقية تارة ثالثة، ثم استغلت الأزمة التي عرفتها البلاد، ومن غير المستبعد أن يكون لتلك النخب الدور الرئيس في صنعها كما كان لها ولا يزال الدور البارز في تغذيتها والدفع بها إلى نهايات مأساوية على صعيد الأرواح والأخلاق والقيم والثروة وكثير من مظاهر السيادة، حتى كان لها ما أرادت من زيادة نفوذ رجالها في مؤسسات الدولة المختلفة، فأصبح هذا التيار هو المهيمن الأكبر على القرار السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي ، ولما وصل أمره إلى هذا المستوى من السيطرة على دواليب الحكم والتوجيه شرعوا في الانتقال إلى مخطط علمنة المجتمع فمهدوا لذلك خلال سنوات الأزمة بالتهجم على الإسلام والمنظومة التربوية وتحميلهما -ظلما- مسؤولية التخلف وتكوين -الإرهاب والأصولية- وتغذية ما يسمى عندهم -وهم أو خرافة الهوية العربية الإسلامية للشعب الجزائري-، ثم جاءت خطوة تشكيل لجنة إصلاح المنظومة التربوية وكان معظم أعضائها من التيار العلماني -اللائكي- الذين درس معظمهم في فرنسا خاصة والغرب عامة، وتأثروا بما هنالك من مذاهب وأفكار وطرائق حياة، وتحرر من المبادئ واستهانة بالقيم الدينية والأخلاقية، وقد كان ولا يزال الكثير منهم يعلن عداوته للإسلام والعربية وتنكره لتاريخ الأمة وموروثها الحضاري والثقافي، ويؤكد إيمانه بالفرنسية لغة وثقافة وحضارة ونظام حياة، ولذلك لا غرابة أن يأتي المشروع غريبا عن الأمة، محاربا لها، يريد أن يحقق لفرنسا ما عجزت عن تحقيقه بنفسها عقود احتلالها للجزائر.
إن هذا المشروع الذي اجتمعنا اليوم للنظر فيه وفضحه يتنكر لأركان السياسة التعليمية التي هي عقيدة الأمة ولغتها وأخلاقها وتاريخها ومصالحها الوطنية والقومية والإسلامية، وهذا يعني ببساطة ووضوح أنه حرب على الذات الإسلامية العربية للشعب الجزائري، وحرب على وحدته وأمنه واستقراره، وحرب على تاريخه وحضارته وثقافته وقيمه، وحرب على مصالحه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لأنه من المستحيل أن تنهض منظومة تربوية تقوم على سياسة تعليمية غريبة عن الأمة أن تنهض بتلك الأمة، ومن المستحيل أن تنجح منظومة تربوية ذات سياسة تعليمية لائكية الروح فرنسية اللسان في المحافظة على وحدة أمة عربية مسلمة، وفي تعزيز أمنها واستقرارها.
إنني أتساءل عن سبب هذه العدوانية الصارخة للأمة، وهل يمكن أن يصدر مثلها لو أن وضع المنظومة التربوية أسند للجنة من الخبراء الغربيين أو الفرنسيين ؟ إني أعتقد جازما أنه لو أوكل وضع مشروع المنظومة للجنة من الخبراء الفرنسيين ما تجرأوا أن يضعوا ما وضعته هذه اللجنة. أ يكون الخبير الأجنبي أقل عدوانية من ابن البلد ؟ أم أن ابن البلد أجرأ على أمته من الأجنبي؟.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
إنكم وأنتم من نخب هذه الأمة المعنيين بالتعليم والتربية تدركون جيدا أن أهم ما في المنظومة هي السياسة التعليمية، وتعلمون أن السياسة التعليمية عبارة عن مواد دستورية عامة تبين الأسس التي تقوم عليها المنظومة والأهداف التي تسعى إليها، وأن تلك الأسس والأهداف توحي بها عقيدة واضعي السياسة وثقافتهم وأخلاقهم وقيمهم التي يؤمنون بها، والمصالح التي يريدون خدمتها على مستوى الدولة والمجتمع، ولذلك كان المسيحي دائما حريصا على تربية جيل يؤمن بالمسيحية ويكفر بما سواها ويسعى لنشرها في الأرض، ويسهر على خدمة الشعوب المسيحية وتقويتها والتمكين لها، وكان اليهودي حريصا على تربية جيل يؤمن باليهودية ويدين بها ويوالي من والاها ويعادي من عاداها، ويسهر على خدمة مصالحها والتمكين لقومها في الأرض، وكان الشيوعي حريصا على تربية جيل يؤمن بالشيوعية ويكفر بما سواها ويحرص على نشرها والتمكين لها، وبمّد العون والدعم للشيوعيين في أي مكان كانوا وكذلك يفعل البوذي والهندوكي، وغيرهم من أصحاب الملل والعقائد على ما فيها من ضلال وباطل وظلم وفساد.
وكان العلماني الفرنسي أو الألماني أو الإنجليزي أو الأمريكي أو غير هؤلاء حريصا على تكوين جيل يؤمن بقيم مجتمعه، ويحرص على خدمة مصالح قومه وعلى تقوية بلده والتمكين له، وتوفير الطاقات المادية التي تجعل له ذكرا متميزا بين البلدان الأخرى. فلماذا يفعل كل هؤلاء ذلك ولا يفعل مثله لائكيو بلدنا ولم يفعلوه اليوم لما أسند إليهم وضع مشروع المنظومة التربوية ؟ إنك لا تجد مسؤولا فرنسيا أو ألمانيا أو بريطانيا أو أمريكيا أو روسيا أو يابانيا أو صينيا أو غيرهم من أبناء الأمم الأخرى وإن صغر شأنها وهزل تراثها يحط من شان دين قومه أو لغته وتاريخه ؟ أو يتاجر بمصالح وطنه المختلفة، وتجد من أبناء قومنا من لا يجيد إلا الهدم ولا يعمل إلا من أجل التحطيم، فلماذا يحصل كل هذا عندنا ولا يحصل مثله عند غيرنا من أمم الغرب أو الشرق ؟.
إنه لا جواب لمثل هذه التساؤلات إلا جواب واحد وهو أن هؤلاء اللائكيون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: كان الناس يسألون الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني: قلت يا رسول الله كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال نعم… ثم يواصل حذيفة السؤال إلى أن يقول قلت فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: صفهم لنا يا رسول الله، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا…
قلت: فما تأمرني إذا أدركني ذلك الزمن ؟ قال: أن تعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على غصن شجرة …" أو كما قال صلى الله عليـه وسلـم.
ويحبون الحياة ويكرهون الموت، ويعتقدون واهمين أن الحياة والتطور قرين الضلال والفسوق والعصيان ورهن التبعية العمياء للغرب عامة وفرنسا خاصة، وأن الموت والتخلف قرين الارتباط بالهدى والاستقامة ورهن التمسك بما جاءنا به الفاتحون وفيهم بقية من أصحاب الرسول-صلى الله عليه وسلم-. لقد عميت قلوب هؤلاء لما رهنوا عقولهم وبصائرهم إلى فرنسا، وهي دولة صليبية النزعة عملت ولا تزال على محو الإسلام لأنه الدين الذي فيه من القوة ما يستطيع به أن يسود العالم، وعلى محو اللغة العربية لأنها لسان الإسلام، وعلى محو العروبة لأنها دعامة الإسلام وهم يسلكون لذلك كل السبل وعلى رأسها سبيل التعليـم والتربيـة.
إن الواجب الذي كان ملقى على اللجنة، لو كانت تفقه الواجب وهي تضع منظومة تربوية لشعب عربي مسلم، هو أن تضع منظومة تقوى على تربية أجيال تؤمن بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، وتدين دين الحق، وتتخلق بأخلاق الإسلام، وتضبط حياتها بأحكامه وتسهر على نشره في الأرض وتحرص على تقديم الدعم والمساعدة لكل الشعوب المسلمة، أما وقد جاءت منظومتها خلوا من كل ذلك فإن هذا يؤكد أن هؤلاء-والخطاب خاص بأغلبية أعضائها- شاكون في دينهم متمردون عليه، وعاقون لعروبتهم مارقون عنها …
إن التيار التغريبي بقيادة الأكاديمية البربرية ودوائر أخرى خارجية مجهولة الاسم معروفة الطبع يعلن حربه على الأمة فهل تبقى الأمة ناكسة الرأس وغاضة الطرف كأنها لا تسمع ولا ترى، أم يجب عليها أن ترفع صوتها عاليا بالرفض لهذا الاستعمار المقنع الذي برهن أكثر من مرة على أنه عدو لدينها، وعدو للغتها، وعدو لتاريخها، وعدو لمصالحها، أي عدو لها، فلا قيمة للأمة بدون دين ولغة وتاريخ وثروات.
يجب على الأمة أن لا ترض بهذا المشروع، ولا تستسلم لهذه المؤامرة التي أقل ما يمكن أن توصف به أنها خيانة لما ضحى من أجله شهداؤها وعلماؤها وساستها ومجاهدوها خلال أربعة عشر قرنا، وعدوان على دستورها وسائر قوانينها وكل تراثها الحضاري والثقافي، يجب عليها أن تحتج على هذا التآمر الخطير، وأن تقاومه بكل الوسائل السلمية والقانونية، وأن تثبت بالقول والعمل أنها متمسكة بدينها الذي هو سبيلها لسعادة الدنيا وفلاح الآخرة، ولغتها التي هي ترجمان دينها وآدابها وتراثها الثقافي وتاريخها الذي هو سجل ذاكرتها الحافظ لأمجادها، وثرواتها التي هي أداتها في حفظ كرامتها والمساعدة على تحقيق تقدمها.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
لقد بات واضحا أن الحرب على الأمة قائمة، وهي حرب شاملة لم تقتصر على حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية بل تعدت كل ذلك لتمس كل مقومات شخصيتها، وإني أقدر بأن الانفتاح على اليهود بالأمس والإشادة بدورهم الموهوم في إثراء الثقافة الجزائرية، والتهجم على قانون الأسرة وما فيه من أحكام ثابتة بنصوص قطعية في الدلالة، وتشجيع العمل والحديث باللغة الفرنسية واستعمال اللهجة العامية العاصمية وهي خليط من محرف العربية والفرنسية في بث برامج تلفزيونية، وعقد مؤتمر أوغسطين الروماني المتآمر على شعب الجزائر ودينه واقتصاده، ومشروع تعديل قانون العقوبات والإجراءات الجزائية الذي طال حرية التعبير لرجال السياسة والإعلام وأئمة المساجد، وتقديم منظومة تربوية غاية في الخيانة للأمة ممهدات للاعتراف للأقدام السوداء بالجنسية الجزائرية، وبذلك يمتلك هذا التيار ميزان القوة العددية ويتحقق حلم فرنسا في أن الجزائر فرنسية، فهل في هذه المحطات مصلحة للدولة ؟ أو مصلحة للشعب ؟ أم فيها مصلحة للمستعمـر وأتباعـه ؟.
إننا إذ ندعو للتمسك بمقومات شخصية الأمة في الدين واللغة والتاريخ والثروة ندعو في واقع الأمر وحقيقة الحال إلى ما فيه استقلال الأمة وسيادتها ووحدتها وأمنها واستقرارها وإلى ما يحقق تقدمها وازدهارها، لأن الأمة التي يكثر فيها المثقفون الثقافة الإسلامية العربية هي الأمة التي لا تستسلم للهوان ولا ترضى بالذل ولا تشتري الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويصعب أن يحكمها مستبد أو أن يستغل ثروتها مستعمر، أو أن يتاجر بقيمها ومصالحها انتهازي ذليل أو خائن مهين، وهي حينئذ أمة يكثر فيها الحافظون لمقوماتها، والمحافظون على مواريثها، والحارسون لمصالحها، الذائدون عن حقوقها، المثبتون لوجودها المصححون لأخطاء بعض قومها الواصلون حاضرها بماضيه،ا البانون لمستقبلها على الأسس التي حفظت ماضيها ووصلت حاضرها به، وهذا النوع من المثقفين هو ما يجب على المنظومة التربوية ومؤسسات صناعة الرأي العام أن توجده أو أن تسعى إلى إيجاده وتجاهد في سبيله، وإني بهذا الكلام لا أزكي كل المنظومة التربوية القائمة فإني أدرك ما فيها من نقص، وأعلم أن الأمة تريد من التعليم أن يكون كاملا في جميع مراحله، يبنى على أسس صحيحة منذ المرحلة الابتدائية، وصحة الأسس كما هو معلوم لديكم معشر السادة المختصين الملتقين في هذا اليوم الدراسي للرد على مؤامرة التغريبيين تكون بالسياسة التعليمية الوفية لهوية الأمة ومقومات شخصيتها والمتفتحة بوعي على ما أنتجه العصر من تكنولوجيا ونظام، والخادمة بجد لأهدافها في إيجاد المواطن الصالح، والأسرة القويمة، والمجتمع الأصيل، والدولة العادلة، والحضارة الرائدة، وتكون بالمربي الكفء، والبرنامج الكافي والمراجع الوافية والإدارة الراشدة والإمكانات المحفزة للعطاء والمشجعة على الإبداع.
لقد كان الأولى بالقائمين على أمر هذه الدولة أن يوجهوا عمل اللجنة نحو معالجة النقص الموجود وتحقيق ما تريده الأمة من التعليم، وبعبارة أخرى كان عليهم أن يوجهوا عمل اللجنة نحو ما يفيد في إحياء مجد الإسلام والعربية وحب العمل والاعتماد على النفس، وتثبيت قيم التكافل والتعاون الاجتماعي بين أبناء الوطن جميعا، والعناية بتحقيق التوازن في شخصية الإنسان الجزائري وتنمية الروح الوطنية لديه والاهتمام بالمقومات الحضارية والثقافية والنوعية بالعلاقات التاريخية والحضارية وبالروابط الدينية واللغوية والثقافية للشعب الجزائري بالشعوب العربية والإسلامية، وغرس قيمة العلم منهجا ومحتوى وتطبيقا وسلوكا في نفوس المتعلمين، وكان الأولى بهم أن يوجهوا عمل اللجنة نحو ما يحسن مستوى المربي ويعز مركزه الاجتماعي، وبدعم المؤسسـات التربويـة باحتياجاتهـا البيداغوجيـة.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
إن الأمة هي صاحبة الحق في التعليم كما أنها صاحبة الحق في الاقتصاد والاجتماع وغير ذلك من مرافق الحياة ومناحيها، فلها وحدها غنمه وهي وحدها من يتحمل غرمه، فيجب أن تكون هي صاحبة الرأي الأول والقرار الأخير فيه، ذلك هو حقها الطبيعي الذي تؤكده حقيقتها العربية المسلمة، ويؤكده دستورها وجميع قوانينها، وإن ما تقدمت به اللجنة متعارض مع كل تلك الحقائق وهادم لها، كما أنها تعتقد أن دينها ولغتها هما أهم أجزاء كيانها السياسي والاجتماعي، فبهما يكون وجودها ويتحقق بقاؤها ويعلو ذكرها، وبدونهما لا يكون لها وجود ولا يرتفع لها ذكر، وهو للأسف ما تسعى إليه اللجنة وما تريد أن يتحقق، وهيهات أن يتم لهم ذلك وفي التاريـخ عبـرة.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
آمل أن يساهم ملتقانا هذا في كشف خيوط أكبر معلم من معالم التآمر على الأمة، وأن يعطي الدليل على أن خير الأمة ليس فيما ذهبت إليه منظومة التيار اللائكي الخائن للتاريخ، والعدو للدين واللغة والثروة.
وفي الختام أجدد تنديد واستنكار الحركة للمجازر التي لا زالت ترتكب في حق الأبرياء، وأكرر رأي الحركة في قصور المعالجة المنتهجة من طرف السلطة، وأحذر من تطور الوضع إلى ما هو أسوأ إذا استمرت سياسات السلطة في غلق المجال السياسي والإعلامي، ومسعى التنازل عن أملاك الأمة والتلاعب بثرواتها والتبذير لأموالها، والاستغلال السيئ للمسؤولية من طرف من وصلوا إليها دون كفاءة وبغير رضى الشعب، ومحاولات الحّد من الحريات السياسية والإعلامية والفكرية لرجال السياسة والإعلام والأئمة كما يدل على ذلك مشروع تعديل قانون العقوبات والإجراءات الجزائية، وأندّد بكل صور التآمر على دين الأمة ولغتها وتاريخها ومن ذلك الحملات المنظمة على قانون الأسرة وملتقى القديس أوغسطين، وأدعو النخب الرافضة لسياسات السلطة والمدركة لتآمرات التيار اللائكي إلى تشكيل جبهة التصدي لتلك السياسات والمؤامرات، والدفع نحو المصالحة الوطنية عبر حل سياسي شامل، والتأسيس لبناء ديمقراطي يتوفر على ضمانات الممارسة السياسيـة للجميـع.
كما لا أغادر هذه المنصة قبل أن أجدد تنديد الحركة واستنكارها لتخاذل الأنظمة والحكومات العربية عن نصرة قومنا في فلسطين، وأؤكد تضامننا المطلق معه ومع قومنا في ليبيا والعراق وإخواننـا فـي الشيشـان وكشميـر ومسلمـي مقدونيـا.
أشكركـم، وأتمنـى لأشغالكـم التوفيـق، والسـلام عليكـم ورحمـة الله وبركاتـه.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وسيد الخلق أجمعين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.
يسر حركة الإصلاح الوطني أن تنظم هذا اليوم الدراسي حول معلم من أخطر معالم التآمر على الأمة وهو مشروع المنظومة التربوية المقدم من طرف لجنة معظم أفرادها من مثقفي التيار اللائكي الفرنكوفيلي -العلماني- في البلاد، وقد رأت الحركة باقتراح من هيئة التفكير والدراسات التابعة لها أن تدعو هذه النخبة من ذوي الكفاءة والاختصاص والخبرة والإيمان والغيرة على مقومات شخصية الأمة ومصالحها، ليتناولوا هذا المشروع بالدراسة والنقد كخطوة سبقتها خطوات وتلحقها أخرى في مسار العمل على تعرية مؤامرة أبناء فرنسا والمنخدعين بهم على حاضر الأمة ومستقبلها، فتحية لكم أيها الإخوان وإلى جميع من تصدى لهذه المؤامرة بقلمه أو لسانه أو عواطفه أو بحضوره نشاطات الرفض لهذه المؤامرة وتعرية مخططاتها وأصحابها والمؤيدين لها، وتحية لكل الجرائد التي سخّرت صفحاتها دفاعا عن هوية الأمة ومقومات شخصيتها، وتحيتي لهؤلاء جميعا هي تحية الإسلام، وتحية الإسلام هي السلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
اسمحوا لي في البداية وقبل أن أحيل الكلمة للإخوة المعنيين بتنشيط هذا اليوم الدراسي أن أعرب باسمي وباسم حركة الإصلاح الوطني عن عظيم شكري لكل من لبى دعوتنا واقتطع جزءا من وقته الثمين ليشاركنا أشغال هذا اليوم، واسمحوا لي أن أقول بأن تاريخ هذه الأمة مليء بالعبر والعظات، فقد توالت عليها الكثير من مؤامرات وئدها والقضاء عليها، ولكنها كانت دائما تتغلب عليها فتميتها وتستمر هي في الحياة، وأن هذه الظاهرة لمرجوة التحقيق اليوم أمام مؤامرات اللائكيين أكثر مما مما كانت مرجوة بالأمس أمام مخططات فرنسا إبان استعمارها الاستيطاني البغيض، فلطالما قال يومها ضعاف الإيمان والبصيرة وأهل الولاء للاستعمار وموتى المروءة أن الأمة ماتت، وقال أصحاب العلم والإيمان والبصيرة وذوي الولاء الصادق للأمة والمروءة الحية كلا إنها لم تمت ولن تموت ما دام عرق الإسلام في الأمة ينبض بالحياة، ولسانها ينطق بالعربية، وقد صدق الواقع والتاريخ بعد ذلك ما قاله أهل العلم والإيمان والولاء والمروءة وكذب ما قال أهل النفاق والخيانة والعمالـة للمستعمـر.
أقول هذا الكلام في البداية لأنفي ما قد يتبادر إلى أذهان البعض عند سماع كلمتي من أنني متشائم أو أن نظرتي للأمور ورأيي فيها بالغ القتامة، لا ثم لا لست متشائما ولكنني أحب أن أضع النقاط على الحروف ما استطعت، وأذهب رأسا إلى بيان حقيقة وطبيعة المؤامرة على الأمة دون لف ولا دوران فذلك في نظري أكمل في النصح وأجدر بتبرئة الذمة أمام الله أولا ثم أمام الأمة والتاريخ.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
كلكم يعلم أنه منذ أن احتلت فرنسا الجزائر وهي تعمل على أن تكون جزءا منها، وقد أخذ عملها لذلك صورا شتى كان من أشدها على الأمة وأكثرها ضررا بها سياسة التعليم، فقد وضعت برنامجا يهدف إلى سلخ الأمة من دينها عقيدة وسلوكا، ومن لغتها لسانا وخلالا، ومن تاريخها تراثا وقيما، وإلى تغريبها فكرا وسلوكا وعاطفة، وتغذية الولاء في نفوس أبناء الأمة لفرنسا دولة وشعبا وقد أثمر ذلك الجهد في تكوين جيل من النخب تعادي الإسلام والعربية وتتنكر لحضارة الأمة وتاريخها، وتؤمن باللائكية سلوكا ونظام حياة، وبالفرنسية لغة وثقافة وحضارة، وتعمل على ربط الأمة والدولة بالمنظور الحضاري الفرنسي وبالسياسات والمواقف الفرنسية، وقد عملت هذه النخب على التغلغل في دواليب الحكم تحت ألوان شرقية اشتراكية تارة، وغربية ليبرالية تارة أخرى، وجهوية عرقية تارة ثالثة، ثم استغلت الأزمة التي عرفتها البلاد، ومن غير المستبعد أن يكون لتلك النخب الدور الرئيس في صنعها كما كان لها ولا يزال الدور البارز في تغذيتها والدفع بها إلى نهايات مأساوية على صعيد الأرواح والأخلاق والقيم والثروة وكثير من مظاهر السيادة، حتى كان لها ما أرادت من زيادة نفوذ رجالها في مؤسسات الدولة المختلفة، فأصبح هذا التيار هو المهيمن الأكبر على القرار السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي ، ولما وصل أمره إلى هذا المستوى من السيطرة على دواليب الحكم والتوجيه شرعوا في الانتقال إلى مخطط علمنة المجتمع فمهدوا لذلك خلال سنوات الأزمة بالتهجم على الإسلام والمنظومة التربوية وتحميلهما -ظلما- مسؤولية التخلف وتكوين -الإرهاب والأصولية- وتغذية ما يسمى عندهم -وهم أو خرافة الهوية العربية الإسلامية للشعب الجزائري-، ثم جاءت خطوة تشكيل لجنة إصلاح المنظومة التربوية وكان معظم أعضائها من التيار العلماني -اللائكي- الذين درس معظمهم في فرنسا خاصة والغرب عامة، وتأثروا بما هنالك من مذاهب وأفكار وطرائق حياة، وتحرر من المبادئ واستهانة بالقيم الدينية والأخلاقية، وقد كان ولا يزال الكثير منهم يعلن عداوته للإسلام والعربية وتنكره لتاريخ الأمة وموروثها الحضاري والثقافي، ويؤكد إيمانه بالفرنسية لغة وثقافة وحضارة ونظام حياة، ولذلك لا غرابة أن يأتي المشروع غريبا عن الأمة، محاربا لها، يريد أن يحقق لفرنسا ما عجزت عن تحقيقه بنفسها عقود احتلالها للجزائر.
إن هذا المشروع الذي اجتمعنا اليوم للنظر فيه وفضحه يتنكر لأركان السياسة التعليمية التي هي عقيدة الأمة ولغتها وأخلاقها وتاريخها ومصالحها الوطنية والقومية والإسلامية، وهذا يعني ببساطة ووضوح أنه حرب على الذات الإسلامية العربية للشعب الجزائري، وحرب على وحدته وأمنه واستقراره، وحرب على تاريخه وحضارته وثقافته وقيمه، وحرب على مصالحه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لأنه من المستحيل أن تنهض منظومة تربوية تقوم على سياسة تعليمية غريبة عن الأمة أن تنهض بتلك الأمة، ومن المستحيل أن تنجح منظومة تربوية ذات سياسة تعليمية لائكية الروح فرنسية اللسان في المحافظة على وحدة أمة عربية مسلمة، وفي تعزيز أمنها واستقرارها.
إنني أتساءل عن سبب هذه العدوانية الصارخة للأمة، وهل يمكن أن يصدر مثلها لو أن وضع المنظومة التربوية أسند للجنة من الخبراء الغربيين أو الفرنسيين ؟ إني أعتقد جازما أنه لو أوكل وضع مشروع المنظومة للجنة من الخبراء الفرنسيين ما تجرأوا أن يضعوا ما وضعته هذه اللجنة. أ يكون الخبير الأجنبي أقل عدوانية من ابن البلد ؟ أم أن ابن البلد أجرأ على أمته من الأجنبي؟.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
إنكم وأنتم من نخب هذه الأمة المعنيين بالتعليم والتربية تدركون جيدا أن أهم ما في المنظومة هي السياسة التعليمية، وتعلمون أن السياسة التعليمية عبارة عن مواد دستورية عامة تبين الأسس التي تقوم عليها المنظومة والأهداف التي تسعى إليها، وأن تلك الأسس والأهداف توحي بها عقيدة واضعي السياسة وثقافتهم وأخلاقهم وقيمهم التي يؤمنون بها، والمصالح التي يريدون خدمتها على مستوى الدولة والمجتمع، ولذلك كان المسيحي دائما حريصا على تربية جيل يؤمن بالمسيحية ويكفر بما سواها ويسعى لنشرها في الأرض، ويسهر على خدمة الشعوب المسيحية وتقويتها والتمكين لها، وكان اليهودي حريصا على تربية جيل يؤمن باليهودية ويدين بها ويوالي من والاها ويعادي من عاداها، ويسهر على خدمة مصالحها والتمكين لقومها في الأرض، وكان الشيوعي حريصا على تربية جيل يؤمن بالشيوعية ويكفر بما سواها ويحرص على نشرها والتمكين لها، وبمّد العون والدعم للشيوعيين في أي مكان كانوا وكذلك يفعل البوذي والهندوكي، وغيرهم من أصحاب الملل والعقائد على ما فيها من ضلال وباطل وظلم وفساد.
وكان العلماني الفرنسي أو الألماني أو الإنجليزي أو الأمريكي أو غير هؤلاء حريصا على تكوين جيل يؤمن بقيم مجتمعه، ويحرص على خدمة مصالح قومه وعلى تقوية بلده والتمكين له، وتوفير الطاقات المادية التي تجعل له ذكرا متميزا بين البلدان الأخرى. فلماذا يفعل كل هؤلاء ذلك ولا يفعل مثله لائكيو بلدنا ولم يفعلوه اليوم لما أسند إليهم وضع مشروع المنظومة التربوية ؟ إنك لا تجد مسؤولا فرنسيا أو ألمانيا أو بريطانيا أو أمريكيا أو روسيا أو يابانيا أو صينيا أو غيرهم من أبناء الأمم الأخرى وإن صغر شأنها وهزل تراثها يحط من شان دين قومه أو لغته وتاريخه ؟ أو يتاجر بمصالح وطنه المختلفة، وتجد من أبناء قومنا من لا يجيد إلا الهدم ولا يعمل إلا من أجل التحطيم، فلماذا يحصل كل هذا عندنا ولا يحصل مثله عند غيرنا من أمم الغرب أو الشرق ؟.
إنه لا جواب لمثل هذه التساؤلات إلا جواب واحد وهو أن هؤلاء اللائكيون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: كان الناس يسألون الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني: قلت يا رسول الله كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال نعم… ثم يواصل حذيفة السؤال إلى أن يقول قلت فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: صفهم لنا يا رسول الله، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا…
قلت: فما تأمرني إذا أدركني ذلك الزمن ؟ قال: أن تعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على غصن شجرة …" أو كما قال صلى الله عليـه وسلـم.
ويحبون الحياة ويكرهون الموت، ويعتقدون واهمين أن الحياة والتطور قرين الضلال والفسوق والعصيان ورهن التبعية العمياء للغرب عامة وفرنسا خاصة، وأن الموت والتخلف قرين الارتباط بالهدى والاستقامة ورهن التمسك بما جاءنا به الفاتحون وفيهم بقية من أصحاب الرسول-صلى الله عليه وسلم-. لقد عميت قلوب هؤلاء لما رهنوا عقولهم وبصائرهم إلى فرنسا، وهي دولة صليبية النزعة عملت ولا تزال على محو الإسلام لأنه الدين الذي فيه من القوة ما يستطيع به أن يسود العالم، وعلى محو اللغة العربية لأنها لسان الإسلام، وعلى محو العروبة لأنها دعامة الإسلام وهم يسلكون لذلك كل السبل وعلى رأسها سبيل التعليـم والتربيـة.
إن الواجب الذي كان ملقى على اللجنة، لو كانت تفقه الواجب وهي تضع منظومة تربوية لشعب عربي مسلم، هو أن تضع منظومة تقوى على تربية أجيال تؤمن بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، وتدين دين الحق، وتتخلق بأخلاق الإسلام، وتضبط حياتها بأحكامه وتسهر على نشره في الأرض وتحرص على تقديم الدعم والمساعدة لكل الشعوب المسلمة، أما وقد جاءت منظومتها خلوا من كل ذلك فإن هذا يؤكد أن هؤلاء-والخطاب خاص بأغلبية أعضائها- شاكون في دينهم متمردون عليه، وعاقون لعروبتهم مارقون عنها …
إن التيار التغريبي بقيادة الأكاديمية البربرية ودوائر أخرى خارجية مجهولة الاسم معروفة الطبع يعلن حربه على الأمة فهل تبقى الأمة ناكسة الرأس وغاضة الطرف كأنها لا تسمع ولا ترى، أم يجب عليها أن ترفع صوتها عاليا بالرفض لهذا الاستعمار المقنع الذي برهن أكثر من مرة على أنه عدو لدينها، وعدو للغتها، وعدو لتاريخها، وعدو لمصالحها، أي عدو لها، فلا قيمة للأمة بدون دين ولغة وتاريخ وثروات.
يجب على الأمة أن لا ترض بهذا المشروع، ولا تستسلم لهذه المؤامرة التي أقل ما يمكن أن توصف به أنها خيانة لما ضحى من أجله شهداؤها وعلماؤها وساستها ومجاهدوها خلال أربعة عشر قرنا، وعدوان على دستورها وسائر قوانينها وكل تراثها الحضاري والثقافي، يجب عليها أن تحتج على هذا التآمر الخطير، وأن تقاومه بكل الوسائل السلمية والقانونية، وأن تثبت بالقول والعمل أنها متمسكة بدينها الذي هو سبيلها لسعادة الدنيا وفلاح الآخرة، ولغتها التي هي ترجمان دينها وآدابها وتراثها الثقافي وتاريخها الذي هو سجل ذاكرتها الحافظ لأمجادها، وثرواتها التي هي أداتها في حفظ كرامتها والمساعدة على تحقيق تقدمها.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
لقد بات واضحا أن الحرب على الأمة قائمة، وهي حرب شاملة لم تقتصر على حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية بل تعدت كل ذلك لتمس كل مقومات شخصيتها، وإني أقدر بأن الانفتاح على اليهود بالأمس والإشادة بدورهم الموهوم في إثراء الثقافة الجزائرية، والتهجم على قانون الأسرة وما فيه من أحكام ثابتة بنصوص قطعية في الدلالة، وتشجيع العمل والحديث باللغة الفرنسية واستعمال اللهجة العامية العاصمية وهي خليط من محرف العربية والفرنسية في بث برامج تلفزيونية، وعقد مؤتمر أوغسطين الروماني المتآمر على شعب الجزائر ودينه واقتصاده، ومشروع تعديل قانون العقوبات والإجراءات الجزائية الذي طال حرية التعبير لرجال السياسة والإعلام وأئمة المساجد، وتقديم منظومة تربوية غاية في الخيانة للأمة ممهدات للاعتراف للأقدام السوداء بالجنسية الجزائرية، وبذلك يمتلك هذا التيار ميزان القوة العددية ويتحقق حلم فرنسا في أن الجزائر فرنسية، فهل في هذه المحطات مصلحة للدولة ؟ أو مصلحة للشعب ؟ أم فيها مصلحة للمستعمـر وأتباعـه ؟.
إننا إذ ندعو للتمسك بمقومات شخصية الأمة في الدين واللغة والتاريخ والثروة ندعو في واقع الأمر وحقيقة الحال إلى ما فيه استقلال الأمة وسيادتها ووحدتها وأمنها واستقرارها وإلى ما يحقق تقدمها وازدهارها، لأن الأمة التي يكثر فيها المثقفون الثقافة الإسلامية العربية هي الأمة التي لا تستسلم للهوان ولا ترضى بالذل ولا تشتري الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويصعب أن يحكمها مستبد أو أن يستغل ثروتها مستعمر، أو أن يتاجر بقيمها ومصالحها انتهازي ذليل أو خائن مهين، وهي حينئذ أمة يكثر فيها الحافظون لمقوماتها، والمحافظون على مواريثها، والحارسون لمصالحها، الذائدون عن حقوقها، المثبتون لوجودها المصححون لأخطاء بعض قومها الواصلون حاضرها بماضيه،ا البانون لمستقبلها على الأسس التي حفظت ماضيها ووصلت حاضرها به، وهذا النوع من المثقفين هو ما يجب على المنظومة التربوية ومؤسسات صناعة الرأي العام أن توجده أو أن تسعى إلى إيجاده وتجاهد في سبيله، وإني بهذا الكلام لا أزكي كل المنظومة التربوية القائمة فإني أدرك ما فيها من نقص، وأعلم أن الأمة تريد من التعليم أن يكون كاملا في جميع مراحله، يبنى على أسس صحيحة منذ المرحلة الابتدائية، وصحة الأسس كما هو معلوم لديكم معشر السادة المختصين الملتقين في هذا اليوم الدراسي للرد على مؤامرة التغريبيين تكون بالسياسة التعليمية الوفية لهوية الأمة ومقومات شخصيتها والمتفتحة بوعي على ما أنتجه العصر من تكنولوجيا ونظام، والخادمة بجد لأهدافها في إيجاد المواطن الصالح، والأسرة القويمة، والمجتمع الأصيل، والدولة العادلة، والحضارة الرائدة، وتكون بالمربي الكفء، والبرنامج الكافي والمراجع الوافية والإدارة الراشدة والإمكانات المحفزة للعطاء والمشجعة على الإبداع.
لقد كان الأولى بالقائمين على أمر هذه الدولة أن يوجهوا عمل اللجنة نحو معالجة النقص الموجود وتحقيق ما تريده الأمة من التعليم، وبعبارة أخرى كان عليهم أن يوجهوا عمل اللجنة نحو ما يفيد في إحياء مجد الإسلام والعربية وحب العمل والاعتماد على النفس، وتثبيت قيم التكافل والتعاون الاجتماعي بين أبناء الوطن جميعا، والعناية بتحقيق التوازن في شخصية الإنسان الجزائري وتنمية الروح الوطنية لديه والاهتمام بالمقومات الحضارية والثقافية والنوعية بالعلاقات التاريخية والحضارية وبالروابط الدينية واللغوية والثقافية للشعب الجزائري بالشعوب العربية والإسلامية، وغرس قيمة العلم منهجا ومحتوى وتطبيقا وسلوكا في نفوس المتعلمين، وكان الأولى بهم أن يوجهوا عمل اللجنة نحو ما يحسن مستوى المربي ويعز مركزه الاجتماعي، وبدعم المؤسسـات التربويـة باحتياجاتهـا البيداغوجيـة.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
إن الأمة هي صاحبة الحق في التعليم كما أنها صاحبة الحق في الاقتصاد والاجتماع وغير ذلك من مرافق الحياة ومناحيها، فلها وحدها غنمه وهي وحدها من يتحمل غرمه، فيجب أن تكون هي صاحبة الرأي الأول والقرار الأخير فيه، ذلك هو حقها الطبيعي الذي تؤكده حقيقتها العربية المسلمة، ويؤكده دستورها وجميع قوانينها، وإن ما تقدمت به اللجنة متعارض مع كل تلك الحقائق وهادم لها، كما أنها تعتقد أن دينها ولغتها هما أهم أجزاء كيانها السياسي والاجتماعي، فبهما يكون وجودها ويتحقق بقاؤها ويعلو ذكرها، وبدونهما لا يكون لها وجود ولا يرتفع لها ذكر، وهو للأسف ما تسعى إليه اللجنة وما تريد أن يتحقق، وهيهات أن يتم لهم ذلك وفي التاريـخ عبـرة.
أيهــا الإخــوة والأخــوات:
آمل أن يساهم ملتقانا هذا في كشف خيوط أكبر معلم من معالم التآمر على الأمة، وأن يعطي الدليل على أن خير الأمة ليس فيما ذهبت إليه منظومة التيار اللائكي الخائن للتاريخ، والعدو للدين واللغة والثروة.
وفي الختام أجدد تنديد واستنكار الحركة للمجازر التي لا زالت ترتكب في حق الأبرياء، وأكرر رأي الحركة في قصور المعالجة المنتهجة من طرف السلطة، وأحذر من تطور الوضع إلى ما هو أسوأ إذا استمرت سياسات السلطة في غلق المجال السياسي والإعلامي، ومسعى التنازل عن أملاك الأمة والتلاعب بثرواتها والتبذير لأموالها، والاستغلال السيئ للمسؤولية من طرف من وصلوا إليها دون كفاءة وبغير رضى الشعب، ومحاولات الحّد من الحريات السياسية والإعلامية والفكرية لرجال السياسة والإعلام والأئمة كما يدل على ذلك مشروع تعديل قانون العقوبات والإجراءات الجزائية، وأندّد بكل صور التآمر على دين الأمة ولغتها وتاريخها ومن ذلك الحملات المنظمة على قانون الأسرة وملتقى القديس أوغسطين، وأدعو النخب الرافضة لسياسات السلطة والمدركة لتآمرات التيار اللائكي إلى تشكيل جبهة التصدي لتلك السياسات والمؤامرات، والدفع نحو المصالحة الوطنية عبر حل سياسي شامل، والتأسيس لبناء ديمقراطي يتوفر على ضمانات الممارسة السياسيـة للجميـع.
كما لا أغادر هذه المنصة قبل أن أجدد تنديد الحركة واستنكارها لتخاذل الأنظمة والحكومات العربية عن نصرة قومنا في فلسطين، وأؤكد تضامننا المطلق معه ومع قومنا في ليبيا والعراق وإخواننـا فـي الشيشـان وكشميـر ومسلمـي مقدونيـا.
أشكركـم، وأتمنـى لأشغالكـم التوفيـق، والسـلام عليكـم ورحمـة الله وبركاتـه.