تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : خصائص الحضارة الإسلامية


لمين شوشة
2015-01-10, 16:50
https://encrypted-tbn3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcTgSfzfYXBb0c9WsW1EJZ7UIBeV71pVQ 7wbY5H7YaIhjT2PGlcxXQ

يُعرِّف الحضارة بعضُ الكاتبين في تاريخها بأنَّها: "نظام اجتماعي يُعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثَّقافي"، وتتألف الحضارة من العناصر الأربعة الرئيسة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقيَّة، ومتابعة العلوم والفنون، ولاطِّرَاد الحضارة وتقدُّمِها عواملُ مُتعددة: جغرافية، واقتصادية، ونفسية؛ كالدِّين واللغة والتربية، ولانْهيارها عواملُ هي عكس تلك العوامل التي تؤدِّي إلى قيامها وتطوُّرِها، ومن أهمها: الانحلال الخُلُقي والفِكري، واضطراب القوانين والأنظمة، وشيوع الظُّلم والفقر، وانتشار التشاؤم واللامبالاة، وفقدان الموجهين الأكْفَاء، والزُّعماء المخلصين.


وقصة الحضارة تبدأ منذ خُلِقَ الإنسان، وهي حلقة مُتصلة تسلمها الأمة المتحضرة إلى من بعدها، ولا تَختص بأرض ولا عِرْق، وإنَّما تنشأ من العوامل السَّابقة التي ذكرناها، ولا يكاد تخلو أمَّة من تسجيل بعض الصَّفحات في تاريخ الحضارة، غير أنَّ ما تَمتاز به حضارة عن حضارة إنَّما هو قوَّة الأسس الذي تقوم عليه، والتأثير الكبير الذي يكون لها، والخير العميم الذي يُصيب الإنسانية من قيامها، وكلما كانت الحضارة عالمية في رسالتها، إنسانية في نزعتها، خلقية في اتجاهاتها، واقعية في مبادئها، كانت أخلد في التاريخ، وأبقى على مرور الزَّمن، وأجدر بالتكريم.

والحضارة الإسلامية حلقة من سلسلة الحضارات الإنسانية، سبقتها حضارات، وتبعتها حضارات، وقد كان لقيام الحضارة الإسلامية عوامل، ولانهيارها أسباب، ليست هي ما تعنيه هذه السلسلة من أحاديثنا، وإنَّما نريد أن نتحدث عن دورها الخطير في تاريخ التقدُّم الإنسانيِّ، ومدى ما قدَّمته في ميدان العقيدة والعلم، والخُلُق والحُكْم، والفن والأدب من أيادٍ خالدة على الإنسانية في مُختلف شُعُوبها وأقطارها.

إن أبرز ما يلفت نظر الدارس لـ الحضارة الإسلامية أنها تميزت بالخصائص التالية:
- أنَّها قامت على أساس الوحدانية المُطلقة في العقيدة؛ فهي أول حضارة تنادي بعبادة الله الواحد الذي لا شريك له في حُكمه وملكه، وهو وحده الذي يُعبد، وهو وحدَه الذي يُقصد؛ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، وهو الذي يُعِزُّ ويُذِل، ويعطي ويَمنع، وما من شيء في السَّموات والأرض إلا وهو تحت قُدرته وفي مُتناول قبضته.

هذا السُّمُوُّ في فَهم الوحدانية كان له أثرٌ كبيرٌ في رفع مُستوى الإنسان، وتحرير الجماهير من طُغْيَان الملوك والأشراف والأقْوياء ورجال الدِّين، وتصحيح العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وتوجيه الأنظار إلى الله وحدَه، وهو خالقُ الخلق وربُّ العالمين، كما كان لهذه العقيدة أثرٌ كبيرٌ في الحضارة الإسلامية، تكاد تتميَّز به عن كل الحضارات السَّابقة واللاحِقَة، وهو خُلُوُّها من كلِّ مظاهر الوثنية وآدابها وفلسفتها في العقيدة والحُكْم والفن والشِّعر والأدَب، وهذا هو سِرُّ إعراض الحضارة الإسلامية عن ترجمة "الإلياذة" وروائع الأدَب اليوناني الوَثَني، وهذا سِرُّ تقصير الحضارة الإسلامية في فنون النحت والتصوير، مع تَبريزها في فنون النقْش والحفر وزخرفة البناء.

إنَّ الإسلام الذي أعلن الحربَ العوانَ على الوثنية ومظاهرها - لم يسمحْ لحضارته أنْ تقوم فيها مظاهرُ الوثنية وبقاياها المُستمرة من أقدم عُصور التاريخ؛ كتماثيل العُظماء والصالحين والأنبياء والفاتحين، وقد كانت التماثيل من أبرز مظاهر الحضارات القديمة والحضارة الحديثة؛ لأن واحدة منها لم تذهب في عقيدة الوحدانية إلى المدى الذي وصلت إليه الحضارة الإسلامية.

وهذه الوَحْدة في العقيدة تُطبِّع كلَّ الأُسس والنُّظم التي جاءت بها الحضارة الإسلامية؛ فهنالك الوَحْدة في الرِّسالة، والوَحْدة في التشريع، والوَحْدة في الأهداف العامة، والوَحْدة في الكِيَان الإنساني العام، والوَحْدة في وسائل المعيشة وطراز التفكير، حتَّى إنَّ الباحثين في الفُنُون الإسلاميَّة قد لاحظوا وحدة الأُسلوب والذَّوق في أنواعها المختلفة، فقطعة من العاج الأندلسي، وأخرى من النسيج المصري، وثالثة من الخزف الشامي، ورابعة من المعادن الإيرانيَّة - تبدو رغم تنوُّع أشكالها وزخرفتها ذات أسلوب واحد وطابَع واحد.

- وثاني خصائص الحضارة الإسلامية: أنَّها إنسانيَّة النزعة والهدف، عالمية الأفق والرسالة؛ فالقرآن الذي أعلن وحدة النوع الإنساني على الرغم من تَنوُّع أعراقه ومنابته ومواطنِه، في قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]؛ إنَّ القرآن حين أعلَن هذه الوَحْدة الإنسانية العالميَّة على صعيد الحق والخير والكرامة - جعل حضارته عقدًا تنتظم فيــه جميعُ العبقـريات للشعـوب والأمم، التي خفقت فوقها راية الفتوحات الإسلاميَّة؛ ولذلك كانت كلُّ حضارة تستطيع أنْ تفاخر بالعباقرة من أبناء جنس واحد وأمَّة واحدة؛ إلا الحضارة الإسلامية، فإنَّها تفاخر بالعباقرة الذين أقاموا صَرحها من جميع الأمم والشعوب، فـ أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمـد، والخليل وسيبويه، والكندي والغزالي والفارابي وابن رشد، وأمثالهم مِمَّن اختلفت أصولهم، وتباينت أوطانهم - ليسوا إلا عباقرةً قدمت فيهم الحضارة الإسلامية إلى الإنسانية أروَع نتاج الفِكر الإنساني السليم.

- وثالث خصائص الحضارة الإسلامية: أنَّها جعلت للمبادئ الأخلاقيَّة المحلَّ الأول في كلِّ نظمها، ومُختلف ميادين نشاطها، وهي لم تتخلَّ عن هذه المبادئ قطُّ، ولم تجعلها وسيلة لِمنفَعة دولة أو جماعة أو أفرادٍ، في الحُكم، وفي العلم، وفي التشريع، وفي الحرب، وفي السلم، وفي الاقتصاد، وفي الأسرة؛ لقد رُوعِيت المبادئ الأخلاقية تشريعًا وتطبيقًا، وبلغت في ذلك شأوًا ساميًا بعيدًا لم تبلغْه حضارة في القديم والحديث، ولقد تركت الحضارة الإسلامية في ذلك آثارًا تستحق الإعجاب، وتجعلها وحدَها من بين الحضارات التي كفلت سعادة الإنسانية سعادةً خالصةً لا يشوبها شقاء.

- ورابع هذه الخصائص: أنَّها تُؤمن بالعلم في أصدق أصوله، وترتكز على العقيدة في أصفى مبادئها، فهي خاطبَت العقل والقلب معًا، وأثارت العاطفة والفِكر في وقت واحد، وهي مَيْزة لم تشاركها فيها حضارة في التاريخ، وسِرُّ العجب في هذه الخِصِّيصة من خصائص الحضارة الإسلامية: أنَّها استطاعت أن تنشئ نظامًا للدولة قائمًا على مبادئ الحقِّ والعدالة، مرتكزًا على الدِّين والعقيدة، دون أن يُقيم الدين عائقًا من دون رقيِّ الدولة واطراد الحضارة؛ بل كان الدين من أكبر عوامل الرُّقي فيها، فمن بين جدران المساجد في بغداد ودمشق والقاهرة، وقرطبة وغرناطة - انطلقت أشعة العلم إلى أنْحاء الدنيا قاطبة.

إن الحضارة الإسلامية هي الوحيدة التي لم يُفصل فيها الدِّين عن الدولة، مع نجاتها من كلِّ مآسي المزج بينهما كما عرفته أوربا في القرون الوسطى، لقد كان رئيسُ الدَّولة خليفةً وأميرًا للمؤمنين؛ لكن الحكم عنده للحقِّ، والتشريع للمُختصِّين فيه، ولكلِّ فئة من العلماء اختصاصُهم، والجميـع يتسـاوَوْن أمام القانون، والتفاضل بالتَّقوى والخدمة العامة للناس؛ "وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"[1]، "الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ"[2].

هذا هو الدِّين الذي قامت عليه الحضارة الإسلامية، ليس فيه امتيازٌ لرئيس، ولا لرجل دين، ولا لشريف ولا لغني؛ {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف:110].

- وآخر ما نذكر من خصائص الحضارة الإسلامية: هذا التسامح الديني العجيب، الذي لم تعرفه حضارة مثلها قامت على الدِّين؛ إن الذي لا يؤمن بدين ولا بإله لا يبدو عجيبًا إذا نظر إلى الأديان كلِّها على حدٍّ سواء، وإذا عامـل أتباعهـا بالقسطاس المُستقيم؛ ولكنَّ صاحب الدين الذي يؤمن بأنَّ دينه حق، وأن عقيدته أقوم العقائد وأصحها، ثم يتاح له أن يحمل السيف، ويفتح المدن، ويستولي على الحكم، ويجلس على منصة القضاء، ثم لا يحمله إيمانُه بدينه، واعتزازُه بعقيدته على أنْ يجورَ في الحكم، أو أن ينحرف عن سنن العدالة، أو يحمل الناس على اتِّباع دينه، إن رجلاً مثل هذا لعجيب أن يكون في التاريخ، فكيف إذا وُجد في التاريخ حضارةٌ قامت على الدِّين، وشُيِّدت قواعدُها على مبادئه، ثُمَّ هي من أشد ما عرف التاريخ تسامحًا وعدالة ورحمة وإنسانية؟!

هذا ما صنعته حضارتُنا، وسنَجِد له عشرات الأمثلة فيما نذكُره في أحاديثنا المُقبلة، وحسبنا أنْ نعرف أن حضارتَنا تنفَرد في التاريخ بأن الذي أقامها دينٌ واحدٌ؛ ولكنَّها كانت للأديان جميعًا.

المصدر: الألوكة.

[1] البخاري: كتاب الأنبياء، باب {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف:9]، (3288)، ومسلم: كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود، (1688).
[2] رواه البزار في مسنده (6947).

rafik32911
2015-01-10, 17:49
شكرا على الموضوع المتميز

لمين شوشة
2015-01-10, 19:24
شكراااااا على التقييم

mohsen bren
2015-01-10, 19:37
السلام عليكم
بارك الله فيك على الموضوع الجميل

mohsen bren
2015-01-10, 19:38
السلام عليكم
بارك الله فيك على الموضوع الجميل :)

لمين شوشة
2015-01-11, 08:37
العفوو اخي

انتظرو كل جديدي

hillal dz
2015-01-11, 10:42
بارك الله فيك ..................

لمين شوشة
2015-01-11, 17:14
تسلم اخي العزيز

mohamed093
2015-01-17, 21:40
عمل ممتاز .. شكرا لك .

جزاك الله خيرا

لمين شوشة
2015-01-19, 16:15
العفووووووووو صديقي

arab.tech99
2015-01-19, 16:38
موضووع راااااائع
شكرا على المجهود القيم وبارك الله فيك

Mosta-pha
2015-01-22, 16:46
السلام عليكم
شكرا لك و بارك الله فيك

لمين شوشة
2015-01-24, 22:00
العفو صديقي .

منال نور الهدى
2015-01-29, 01:43
جزاك الله خير جزاء و أسعدك الله في الدارين
في أمان الله و حفظه

DôRsàfe
2015-02-03, 16:14
بارك الله فيك

موسى ابن الماء
2015-02-03, 17:57
جزاك الله خيرا

ام سراج وملاك
2015-02-04, 15:06
جزاك الله خيراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

david2011
2015-02-13, 16:37
شكرا لك اخي الكريم

Ghost Warrior
2015-02-17, 21:32
بارك الله فيك شكرا

fifio120
2015-03-25, 17:01
بوركت ان شاء الله .

ألاء-
2015-03-25, 18:34
موضوع رائع بارك الله فيكم

لمين شوشة
2015-03-26, 11:57
http://up.hawahome.com/nupload/229019_1310420644.gif

hichame47
2015-03-26, 20:49
من منكم لا يعرف الرازي والخوارزمي والكندي والفارابي والبيروني وابن سيناء وابن الهيثم ؟. ومن منكم لم يسمع بالغزالي وابن رشد والعسقلاني والسهروردي وابن حيان والنووي وابن المقفع والطبري ؟؟. ومن منكم لم يقرأ لافتات المدارس والمعاهد والسفن والمراكز العلمية والأدبية التي حملت أسماء الكواكبي والمتنبي وبشار بن برد ولسان الدين الخطيب وابن الفارض ورابعة العدوية والجاحظ والمجريطي والمعري وابن طفيل والطوسي وابن بطوطة وابن ماجد وابن خلدون وثابت بن قرة والتوحيدي ؟؟؟. . لا شك إنكم تعرفون هذه النخبة المتألقة من الكواكب المتلألئة في فضاءات الحضارة العربية التي أشرقت بشموسها المعرفية الساطعة على الحضارة الغربية, ولا ريب إنكم تتفاخرون بهم وبانجازاتهم العلمية الرائعة في الطب والفلسفة والفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلم الفلك والهندسة والفقه وعلم الاجتماع والفنون والآداب, وكانوا أساتذة العالم فكرا وفلسفة وحضارة, وتعلمون إن عواصم كوكب الأرض تسابقت فيما بينها لإصدار باقات من الطوابع البريدية الجميلة لإحياء ذكراهم, فحلقوا فوق سحب القارات السبع, ونشروا رسالتهم المعبرة عن مشاعرهم الإنسانية الصادقة بين الشعوب والأمم على اختلاف ألسنتهم ودياناتهم. . لكنكم لا تعلمون حتى الآن إن هؤلاء العلماء الأعلام صدرت ضدهم سلسلة من الأحكام التكفيرية بقرارات ونصوص متطابقة بالشكل والمضمون مع قرارات محاكم التفتيش, التي كفرت غاليلو, وجيوردا, ونويرنو, وكوبرنيكس, ونيوتن, وديكارت, وفولتير, وحرمت قراءة كتبهم, وبالغت في مطاردتهم وتعذيبهم والتنكيل بهم, فلا فرق بين تلك الأحكام التعسفية الجائرة, وبين الأحكام الارتجالية المتطرفة, التي ضللت الناس, وحرضتهم على قتل الطبري, وصلب الحلاج, وحبس المعري, وسفك دم أبن حيان, ونفي ابن المنمر, وحرق كتب الغزالي وابن رشد والأصفهاني, وتكفير الفارابي والرازي وابن سيناء والكندي والغزالي, وربما لا تعلمون ان السهروردي مات مقتولا, وإنهم قطعوا أوصال ابن المقفع, ثم شويت أمامه ليأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه بأبشع أنواع التعذيب, وان الجعد بن درهم مات مذبوحا, وعلقوا رأس (أحمد بن نصر) وداروا به في الأزقة, وخنقوا (لسان الدين بن الخطيب) وحرقوا جثته, وكفروا (ابن الفارض) وطاردوه في كل مكان. . اغلب الظن إن عامة الناس لا يعلمون بما قالوه عن ابن سيناء الطبيب والعالم والفقيه والفيلسوف, ولا يعلمون بما قاله عنه ابن القيم في (إغاثة اللهفان 2/374), حين قال: ((انه إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر)), وقال عنه الكشميري في (فيض الباري 1/166): ((ابن سيناء الملحد الزنديق القرمطي)), وقال عنه الشيخ صالح الفوزان: ((انه باطني من الباطنية, وفيلسوف ملحد)). . . ولا يعلم الناس بما قالوه عن أبي بكر الرازي, الطبيب والعالم والفيلسوف. قال عنه ابن القيم في (إغاثة اللهفان 2/179): ((إن الرازي من المجوس)), و((انه ضال مضلل)). . وقال ابن العماد في (شذرات الذهب 2/353) عن الفارابي: ((اتفق العلماء على كفر الفارابي وزندقته)), وقالوا عن محمد بن موسى الخوارزمي: ((انه وإن كان علمه صحيحا إلا إن العلوم الشرعية مستغنية عنه وعن غيره)), وقالوا عن عمرو بن بحر الجاحظ: ((انه سيء المخبر, رديء الاعتقاد, تنسب إليه البدع والضلالات)), وقال عنه الخطيب بسنده: ((انه كان زنديقا كذابا على الله وعلى رسوله وعلى الناس)), وقالوا عن ابن الهيثم: ((انه كان من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلام, وكان سفيها زنديقا كأمثاله من الفلاسفة)), وقالوا عن أبي العلاء أحمد بن عبد الله المعري: ((انه كان من مشاهير الزنادقة, وفي شعره ما يدل على زندقته وانحلاله من الدين)), وقالوا عن نصير الدين الطوسي: ((انه نصير الشرك والكفر والإلحاد)), وقالوا عن محمد بن عبد الله بن بطوطة: ((انه كان مشركا كذابا)), وشتموا يعقوب بن إسحاق الكندي, وقالوا عنه: ((انه كان زنديقا ضالا)), فقال عنهم: ((هؤلاء من أهل الغربة عن الحق, وإن توجوا بتيجان الحق دون استحقاق, فهم يعادون الفلسفة ذبا عن كراسيهم المزورة, التي نصبوها من عير استحقاق, بل للترؤس والتجارة بالدين, وهم عدماء الدين)), وكان يرى: ((إن في علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية, وعلم الوحدانية, وعلم الفضيلة, وجملة علم كل نافع, والسبيل إليه)), وكان يعتقد إن السعي لمعرفة الحقيقة هو مقصد جميع الأنبياء والرسل, وليس فقط الفلاسفة, وبالتالي فإن الفلسفة ليست كفراً, على عكس ما يقولوه عدماء الدين. . لسنا هنا بصدد الدفاع عن هؤلاء العلماء الذين غادروا الدنيا منذ أكثر من ألف عام, وسجلوا أسمائهم في سجلات الأمجاد العلمية بحروف من نور, لكننا نخشى أن تفسر نهضتنا العلمية القديمة على إنها عبارة عن امتداد فكري للثقافات الموروثة من العصور البابلية والسومرية والأكدية والأشورية والفرعونية والفينيقية والرومانية والفارسية, أو إنها بذرة منقولة من الحضارات الأخرى غرست في بيئة لا تنتمي إليها, ولا علاقة لها بالثقافة الإسلامية, على الرغم من إن الإسلام أول الأديان التي جعلت العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة, وحثت المسلمين على شد الرحال لطلب العلم ولو كان خلف أسوار الصين, وبناء عليه فان محاولات تكفير هذا الجمع الغفير من العلماء الأعلام, وتشويه صورتهم بهذه الأساليب البدائية الرامية إلى تجريدهم من هويتهم الإسلامية تتقاطع تماما مع الشعار الذي رفعه الإسلام عندما أكد على مواصلة طلب العلم من المهد إلى اللحد, وتمهد الطريق لتراجع مساهمات العرب في إنتاج وتطوير وتحديث منجزات العلوم والفنون والآداب. . والاستنتاج الوحيد الذي يمكن نخرج به, هو إن الدعوات التي استهدفت تكفير العلماء في الماضي والحاضر تهدف في حقيقتها إلى تكريس الجهل والتخلف, ومصادرة محفزات الإبداع من المجتمع العربي, وحرمانه من حقوقه الإنسانية, بحيث يصبح غير قادر على مواجهة التحديات, وربما تدفعه إلى التقهقر والتراجع نحو العصور المتزمتة المتشددة المتصلبة, بالاتجاه الذي يرمي إلى كبح جماح حرية الفكر والعودة بها إلى حظيرة الفترة المظلمة, التي خسرنا فيها كل شيء تقريبا, ولكي تتضح الصورة أكثر, نذكر إن أغلب الفتاوى المعادية للرعيل الأول من العلماء, حصرت صفة أهل العلم على المشتغلين فقط في مجالات الفقه والخطابة, وحفظ وتلقين النصوص الفقهية. . نحن ضد تسطيح عقول الناس, ولا نحمل أي ضغينة لعلمائنا الأفذاذ, وهذه مجرد وجهة نظر شخصية لا تحتمل المناقشة ولا التحاور, لأنها إما أن تكون صائبة فتصب في مصلحة الأمة وتراثها الفكري, وترفع الظلم الذي لحق بعلماء العرب في حياتهم وفي مماتهم, أو تكون خاطئة فيصار إلى استنفار مجالس الوزراء, في عموم الوطن العربي من المضيق إلى المضيق, ودعوتها لاتخاذ إجراءات عاجلة تقضي برفع أسماء هؤلاء العلماء من واجهات مدارسها ومعاهدها وكلياتها وشركاتها وصيدلياتها ومستشفياتها نزولا عند رغبات التكفيريين, ورفعها من الطوابع البريدية والعملات الورقية, وان تبادر إلى تنفيذ حملة شاملة لتغيير أسماء مؤسساتها ومراكزها العلمية والطبية والفكرية والأدبية التي حملت أسماء الكندي والفارابي والرازي وابن سيناء وابن بطوطة والإدريسي وابن خلدون وابن حيان والخوارزمي وابن رشد والجاحظ والسهروردي ورابعة العدوية والغزالي والمعري وابن الفارض وابن الهيثم لأنهم في نظر المتشددين يعدون من الملاحدة والكفار والزنادقة والمارقين على الدين, ويتعين على وزارات الأوقاف إخراج ما تبقى من عظامهم من مقابر المسلمين باعتبارهم ليسوا من الملة. . من المفارقات العجيبة إن احد فقهاء المسلمين من غير الأصول العربية تبرع وحده بتكفير هؤلاء جميعا من دون أن يستثني منهم أحد, لا نريد أن نذكر هذا الفقيه بالاسم (تلافيا للإحراج) لكنه كان القاسم المشترك الأعظم في كل الفتاوى التكفيرية التي أطاحت بعروش عباقرة العرب كلهم, وقام بتنفيذ أغرب مقاولة تكفيرية عرفها التاريخ. . . أخطر الأسلحة كانت تهمة (الزندقة) هي السلاح الوحيد الذي حمله أعداء الحقيقة ضد العلماء والمفكرين في كل زمان ومكان, وهم الذين زرعوا بذور الشك والريبة في المجتمعات الناهضة, فنمت أشجار الجهل والتخلف في وديان الظلام.

anfel14
2015-04-11, 21:07
بارك الله فيك على الموضوع الماتع و المتميز نريد مواضيع هادفة هكذا .....

احمد شهاب
2015-04-13, 15:36
بارك الله فيك

لمين شوشة
2015-05-07, 22:57
جزاك الله خير جزاء و أسعدك الله في الدارين
في أمان الله و حفظه

يعطيك الصحة على المرور الراقي .... أمين يارب

farid1982
2015-05-08, 14:12
بارك الله فيك

megherbi20
2015-05-14, 22:16
بارك الله فيك

kavaleero
2015-07-05, 15:58
بارك الله فيك

amir2016
2015-07-05, 18:51
بارك اللة فيك اخي مشكووووووور

salaheddine211
2015-07-09, 17:46
:19:اللهم صلى و سلم على نبينا محمد عليه افضل الصلاة و اتم التسليم:19::mh31:

salaheddine211
2015-07-09, 17:46
اللهم صلى و سلم على نبينا محمد عليه افضل الصلاة و اتم التسليم

leothephoenix
2015-07-10, 06:31
.................................................. ...

أصيل الـمـسـلـم
2016-12-22, 00:03
عمل ممتاز .. شكرا لك .

جزاك الله خيرا

عباس عرفان
2016-12-23, 18:32
جزاك الله خيرا

امين التلمساني
2017-01-07, 14:11
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا